مناظرة في حديث « أصحابي كالنجوم »

الاَستاذ الشيعي: نحن نعتقد، أنّ الامامة والخلافة هي نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله في زعامة ورئاسة الدين والدنيا، لاَن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله والقائم بمقامه لابد أن يسعى نحو ترسيخ ونشر أحكام الاِسلام وصيانته للشريعة المقدسة، والقضاء على شتى أنواع الفتن والمفاسد، وإقامة حدود الله، ولا يليق هذا المقام الشريف لكل أحد ، سوى الذين يمتلكون القيم الاِسلامية العالية، من التقوى، والجهاد والعلم والهجرة والزهد، والسيرة الحسنة، والحنكة السياسية ، والعدالة والشجاعة، وسعة الصدر، وعلو الهمة، والاَخلاق الفاضلة، وهذه الفضائل لا يمتلكها سوى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وبشهادة التاريخ والروايات المستفيضة من علماء الفريقين.
 

الاَستاذ السنّي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم »(1) . إذن بأي فرد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله اقتدينا فقد اهتدينا.
 

الاَستاذ الشيعي: مع غض النظر عن سند هذا الحديث، فهو مجعول وساقط عن الاعتبار ، لوجود عدّة أدلة قاطعة وأن النبي صلى الله عليه وآله لم ينطق به، ولم يتفوه به.
 

الاَستاذ السنّي: بأيّ دليل؟
 

الاَستاذ الشيعي: أدلة نفي هذا الحديث كثيرة. منها:
 

1 ـ عندما يضل المسافرون في الليل جادتهم الاَصلية، فهناك ملايين من النجوم من السماء، ولو اختاروا أياً منها حسب أهوائهم لما اهتدوا أبداً، بل إن النجوم التي تهدي إلى جادة الصواب هي نجوم خاصة ، ومعروفة تتميز عن بقيةالنجوم، وعلى ضوئها يعثر المسافرون في الليل على مرادهم وطريقهم.
 

2 ـ هذا الحديث يتناقض مع عشرات الاَحاديث، مثل حديث الثقلين، وحديث الخلفاء الاَثني عشر من قريش، وحديث « عليكم بالاَئمة من أهل بيتي »،وحديث « أهل بيتي كالنجوم »، وحديث السفينة: « مثل أهل بيتي كسفينة نوح... »، وحديث « النجوم أمان لاَهل الاَرض من الغرقِ وأهل بيتي أمان لاُمتي من الاختلاف »(2).
 

فضلاً عن أنّ الحديث المذكور أعلاه قد نقلته طائفة خاصة من المسلمين، أما الاَحاديث المخالفة له فقد نقلتها جميع طوائف المسلمين.
 

3 ـ الحوادث الواقعة بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله بين الاَصحاب واختلافهم، لا تتلائم مع الحديث المذكور، لاِن ارتداد بعض الاَصحاب، وطعن بعضهم البعض كطعن أكثر الصحابة في خلافة عثمان الذي انتهى إلى قتله.
 

كما أن هذا الحديث لا يتلائم مع لعن بعض الصحابة بعضاً، كأمر معاوية بسب علي عليه السلام(3) ، وكذلك لا يتلائم مع قتال الصحابة بعضهم بعضاً ، كما حارب طلحة والزبير أميرالمؤمنين علي عليه السلام في حرب الجمل، ومعاوية في صفين، وكما لا يتلائم بصدور بعض الذنوب الكبيرةمن الصحابة مثل الزنا وشرب الخمر والسرقة حيث أقيمت حدود على بعضهم، أمثال (الوليد بن عقبة، والمغيرة بن شعبة...).
 

وعلى سبيل المثال: إن علياً عليه السلام ومعاوية كانا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقاتل بعضهم بعضاً، ولعن بعضهم بعضاً، فكيف يمكن مع اعتبار الحديث المذكور، إذا اقتدينا بإيهما اهتدينا؟
 

وهل الاقتداء بـ« بُسر بن أرطأة » الذي كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، والذي سفك دماء الآلاف من الابرياء من المسلمين، سبب الهداية؟،وهل الاقتداء بالمنافقين الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وآله مع كثرتهم في المدينة سبب الهداية؟ وهل الاقتداء بمروان بن الحكم الذي قتل طلحة سبب الهداية؟ وهل الاقتداء بالحكم أبي مروان الذي كان من الاَصحاب، وكان يستهزء بالنبي صلى الله عليه وآله سبب الهداية؟
 

فالعمل بالحديث المذكور المختلق « أصحابي كالنجوم » مع مانلمسه من الواقع الخارجي، ويحكيه التاريخ لنا أمر مضحك وغريب!!
 

الاَستاذ السنّي: المقصود من الاَصحاب، الاَصحاب الحقيقيين المخلصين للنبي صلى الله عليه وآله، لا المنافقين والكاذبين.
 

الاَستاذ الشيعي: إن كنت تقصد أمثال: سلمان وأبو ذر،ومقداد، وعمار دون سواهم، مع اعتبارك غيرهم،بقي الاَشكال والاَختلاف بيننا مستحكماً، والاَفضل التمسك بتلك الاَحاديث التي تخلو من الاِشكال، والواضحة كحديث الثقلين، وحديث السفينة، الواردة في إمامة وولاية أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
 

وعلى هذا الاَساس جاء في الروايات: أنه عندما قصد سلمان المدائن التقى بالاَشعث وجرير، وكانا يجهلانه،لكن سرعان ما عرَّف نفسه، قائلاً: « أنا سلمان، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله »، ثم قال: « إعلما، إنما صاحبه من دخل معه الجنّة »(4)، وبعبارة أوضح: إن الصحابي هو الذي يسير على نهج النبي صلى الله عليه وآله إلى آخر لحظة من حياته الاِيمانية، ولا يستبدله بمنهج آخر،ولا ينحرف عن الاَحكام الاِلهية قط(5).

____________
(1) تقدمت تخريجاته .
(2) المستدرك للحاكم: ج3 ص149 .
(3) وقد قال في حقّه رسول الله صلى الله عليه وآله : من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ، راجع: كنز العمّال : ج11 ص 602 ح 32903 .
(4) فتاوى الصحابي الكبير: ص677 .
(5) أجود المناظرات للاشتهاردي : ص 350 ـ 353 .

العودة