مناظرة السيد مصطفى العاملي مع بعض الفلسطينيين في حكم الجمع بين الصلاتين

يقول السيد مصطفى مرتضى العاملي : كنت يوماً في مخيم الرشيدية في رأس العين مع بعض الاِخوان من أهل فلسطين ، فقال لي رجل منهم : لقد رأيت حال الشيعة وسبرت أخلاقهم وعاداتهم فوجدتهم متمسكين بالدين الاِسلامي كل التمسك ، ولم أجد ما يعابون به سوى شيء واحد.
فقلت : وما هذا الشيء الذي تعيبهم به ؟
قال : إنهم يجمعون بين الصلاتين .
قلت : وهل من حرج عليهم في ذلك ، بعدما صرحوا بأن النبي صلى الله عليه وآله جمع وفرّق .
قال : إنّ النبي صلى الله عليه وآله إنّما جمع في السفر .
قلت له : قد صحّ عندكم ورويتم في كتبكم أن النبي صلى الله عليه وآله صلّى الظهر ثمانياً والعشاء سبعاً ، من غير خوف ولا سفر ولا مطر ولا حرب ولا عذر من الاَعذار(1) ، وقيل لابن عمر : لماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ؟ فقال : لئلا يضيق على اُمته(2) ، فإذا كانت الشيعة تفعل ما فعله رسول الله فلا يجوز عيبهم والتشنيع عليهم ، فإنكم بذلك تعيبون رسول الله صلى الله عليه وآله وتشنعون عليه .
قال : الحق معكم ، وإني أستغفر الله مما فرطُ ، ولكن أيهما أفضل : الجمع أم التفريق ؟
قلت : لا أدري .
قال : يجب أن تدري .
قلت : هذا لا يخصني ، ولا يجب عليَّ معرفته ، فإن الشارع هو الله ، والله لا يسأل عما يفعل ، والمبلغ عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورسول الله أعرف بما جاء به ، ومثلي يجب عليه التسليم فقط.
قال : فإني سألت أحد مشايخ الشيعة عن ذلك ، وقال لي : إن التفريق أفضل ، وأدلك عليه إذا شئت ، هو الشيخ حسن شمس الدين من حنويه.
قلت : إن الشيخ هو أجل قدراً من أن يعطيك الجواب هكذا على مثل هذا السؤال .
قال : بلى والله لقد سألته وأجابني هكذا .
قلت : لعلك لم تفهم معنى كلامه .
قال : بلى والله لقد فهمت ، وهو ما قلته لك .
قلت : كلا ليس الاَمر كذلك ، وإني أستطيع أن أعرفك ما قاله الشيخ لك .
قال : وما الذي تظنه قال حيث لم تصدق قولي.
قلت : إني لم أكذبك ، وإنما قلت : إنك لم تفهم معنى كلامه ، وعلى كل حال إن صحّ أنه أجابك ، فإنه يقول لك : حيث ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله فعل الاَمرين علمنا بتساوي الفضلين ، لاَنه لا يعقل أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك الاَفضل وعمل ماهو دونه في الرتبة ، لاَنه صلى الله عليه وآله ما عرض عليه أمران إلاّ واختار أشدهما عليه ليزداد أجره بزيادة المشقة ، ونحن الآن مخيرون بين الجمع والتفريق ، ورسول الله صلى الله عليه وآله فعل الاَمرين ، فهما في الفضل سواء ، فلا حرج علينا في أي الفعلين التزمنا.
ثم قلت له : لنفرض جدلاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يجمع بين الصلاتين إلاّ لعذر كالمطر والسفر والحرب وغيرهما من الاَعذار .
فتهلل وجهه ، وقال : والاَمر كذلك .
قلت له : فقد صحّ أنه جمع ، والجمع كان لعذر.
فقال : نعم .
قلت : إن كان العذر يبيح الجمع بين الصلاتين ، فما المانع من الجمع بين الصلوات الخمس ، فيصليها كلها دفعة واحدة في وقت واحد.
قال : أن الصلاة لا تجوز قبل دخول الوقت ، ولو أداهاالمكلّف قبل وقتها لم يسقط الوجوب بعد دخوله ، وكذا لا يجوز تأخيرها عن وقتها مع الاختيار .
قلت : أن الجمع بين صلاتين يقتضي إما تأخير أولاهن عن وقتها أو تقديم الثانية عليه ، وعلى أي الوجهين فإن إحدى الصلاتين وقعت في غير وقتها ، لاَن وقتيهما متغايران بزعمك .
قال : إن الجمع بين الظهر والعصر فيه شيء من التسامح ، وذلك لقرب الوقتين بعضهما من البعض .
قلت : هذا التسامح هل كان من الرسول صلى الله عليه وآله خاصة أم عن أمر الله تعالى ، فإن زعمت أنّه من الرسول كذبك الله عزّ وجلّ لاَنّه وصف الرسول صلى الله عليه وآله بأنه ( ومَا ينطقُ عن الهوى )(3) وإن قلت : إنه من الله ، دلّ على اتحاد الوقتين ، قل ما شئت فإن الحق معنا.
قال : ومشروعية الجمع إن كانت لقرب الوقتين بعضهما من بعض فلِمَ لم يجمع بين العصر والمغرب ، فإن القرب بين وقتهما كالقرب بين وقتي الظهر والعصر ، وكالقرب بين وقتي المغرب والعشاء ، بل يجب على هذا القياس أن تجمع بين الأربع صلوات في وقت واحد ؟ !
قال : لقد أشكل عليَّ الاَمر ، وليس في وسعي الجواب.
قلت : تزعمون أن الجمع بين الصلاتين كان لعذر ، فلا يخلو الاَمر أن يكون صلّى إحدى الصلاتين في غير وقتها ، ولم يسقط وجوبها عند دخول الوقت ، فتركها عمداً ، فتشهد عليه بقلة الدين ووضع الشيء في غير محله ، فتكون قد كفرت ، وأنت تدعي الاِسلام ، وإما أن يكون الوقت مشتركاً كما تزعم الشيعة ، فيكون صلى الله عليه وآله صلّى الصلاتين في وقتهما ، وهو ما عليه الشيعة ، والسلام .
قال الرجل : أشهد أن الحق معكم ، وأن من نازعكم واعترضكم متعد مبطل.
قلت : أزيدك بياناً ، أن المصلحة الاِنسانية تقتضي الجمع أكثر من التفريق ، وذلك أن الناس ليس كلهم مترفاً حتى أنّه يفرغ نفسه لمراعاة الاَوقات ، بل غالب الناس أهل كدٍّ وأصحاب أعمال ، ولا يمكن للعامل أن يوقت لكل صلاة وقتاً ، لأن صاحب العمل لا يسره التعطيل ونقص الشغل ، كذلك لا تساعده الظروف ، ولعله ينسى الصلاة في بعض الاَوقات ، حيث يغلب عليه التعب ، أو لا يمكنه صاحب العمل من التفرغ لكل صلاة ، فإذا جمع بين الصلاتين سلم من كل هذه المحذورات.
قال : صدقت ، هذا صحيح .
قلت : وانظر في قوله تعالى : ( أَقِم الصلاةَ لِدُلوكِ الشمسِ إلى غَسق الليلِ وقُرآن الفجرِ إنَّ قرآنَ الفجرِ كانَ مشهوداً )(4)، أتراه ذكر غير ثلاثة أوقات ، وانظر في قوله عقيب هذا بلا فصل : ( وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بهِ نَافِلَةً لكَ )(5) ، ألم تكن صلاة الليل واجبة لو لم يقل : (نافلة لك) .
قال : بلى والله ، ولكن لو جمعت الآية الاَولى إلى قوله تعالى : ( أَقِم الصلاةَ طَرَفَي النهارِ وَزُلَفاً من اللّيل )(6) ، لكان المجموع خمس صلوات.
فقلت : لشد ما غلطت ، بل كان المجموع ستة ، لاَنّ الاُولى دلّت على ثلاثة أوقات ، ودلّت الثانية على ثلاثة أوقات أيضاً.
قال : إن قوله : ( إلى غَسق الليلِ) ، (وَزُلَفاً مِن اللّيل ) يدلان على وقت واحد.
قلت : أو ما علمت أن من أول الفجر إلى ركود الشمس في دائرة نصف النهار يسمى صباحاً ، ومن الدلوك وهو زوال الشمس عن دائرة نصف النهار إلى الغروب يسمى مساءً ، وأن المراد بطرفي النهار الصباح والمساء ، فكما دلّ الغسق والزلفى من الليل على وقت واحد كذلك يدل الفجر والطرف الاَول من النهار على وقت واحد ، ويدل الدلوك والطرف الثاني على وقت واحد .
فسكت الرجل ولم يحر جواباً .
وفي اليوم الثاني ذهبت إلى حنويه وأخبرت الشيخ حسن بما حصل ، وطالبته بما أجاب به الرجل.
فقال : لم يكن الاَمر هكذا ، وإنما صلّى الرجل معنا صلاة المغرب ، وبعد الفراغ قال : أراك جمعت بين الصلاتين ؟
فقلت له : جوابك يأتي بعد الآن .
ثم لم يمض نصف ساعة وإذا جميع الحضور غلب عليهم النوم ، فقلت له : هذا جواب سؤالك ، أترى هؤلاء لو لم يصلوا العشاء مع صلاة المغرب ألم يكن سيفوت الكثير منهم الصلاة ، ولو نبَّههم أحد هل يحصل منهم التوجه إلى الصلاة والاِقبال عليها كما يجب ؟
فقال لي : صدقت .
والحمدلله ربّ العالمين(7) .
____________
(1) راجع : صحيح مسلم : ج 1 ص 489 ـ 491 ح 49 و 50 و 54 (باب الجمع بين الصلاتين) ، سنن النسائي : ج 1 ص 290 .
(2) القائل هو ابن عباس ، راجع : صحيح مسلم : ج1 ص490 ح50 و51 و53 و54 ، (باب الجمع بين الصلاتين) .
(3) سورة النجم : الآية 3 .
(4) سورة الاِسراء : الآية 78 .
(5) سورة الاِسراء : الآية 79 .
(6) سورة هود : الآية 114 .
(7) الحقيبة مناظرات ومحاورات للسيد مصطفى العاملي : ص 123 ـ 128 .

العودة