مناظرة هشام بن الحكم مع النظام في بقاء أهل الجنة إلى الاَبد

روى علي بن محمد بن قتيبة ، عن يحيى بن أبي بكر قال : قال النظّام (1) لهشام بن الحكم (2) : إنَّ أهل الجنة لا يبقون في الجنة بقاء الاَبد ، فيكون بقاؤهم كبقاء الله ، ومحال أن يبقوا كذلك ؟
 

فقال هشام : إنَّ أهل الجنة يبقون بمبقٍ لهم ، والله يبقى بلا مبقٍ ، وليس هو كذلك.
 

فقال : محال أن يبقوا للاَبد.
 

قال : قال : ما يصيرون ؟
 

قال : يدركهم الخمود.
 

قال : فبلغك أنّ في الجنة ما تشتهى الاَنفس (3)؟
 

قال : نعم.
 

قال : فإن اشتهوا أو سألوا ربّهم بقاء الاَبد.
 

قال : إنّ الله تعالى لا يلهمهم ذلك.
 

قال : فلو أنّ رجلاً من أهل الجنة نظر إلى ثمرة على شجرة ، فمدّ يده ليأخذها فتدلّت إليه الشجرة والثمار ، ثمّ حانت منه لفتةً فنظر إلى ثمرة أخرى أحسن منها ، فمدّ يده اليسرى ليأخذها فأدركه الخمود ، ويداه متعلّقتان بشجرتين، فارتفعت الاَشجار وبقي هو مصلوباً ، فبلغك أنّ في الجنة مصلوبين؟!
 

قال : هذا محال !
 

قال : فالّذي أتيت به أمحل منه ، أن يكون قوم قد خُلقوا وعاشوا ، فأدخلوا الجنان ، تموتهم فيها يا جاهل (4).

____________
(1) هو : أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هاني البصري المعروف بالنظام ابن أخت أبي الهُذيل العلاف شيخ المعتزلة ، وكان النظام أستاذ الجاحظ ، قالت المعتزلة : إنّما سمّي بذلك لحسن كلامه نظماً ونثراً ، وقال غيرهم : إنّما سُمي بذلك لاَنّه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها ، قيل : وإليه تنسب الطائفة النظامية ، ووافق المعتزلة في مسائلهم وانفرد عنهم بمسائل أخرى ، وقد ذكر الصفدي في الوافي جملة منها ، والتي منها : عدم إمكان خروج أحد من الجنة ولو بالقدرة ، وأن الاَجماع ليس بحجّة في الشرع ، وكذلك القياس ليس بحجة ، وإنّما الحجة قول الاِمام المعصوم ، وان النبي صلى الله عليه واله نص على أن الاِمام عليّ عليه السلام وعينه ، وعرفت الصحابة ذلك...الخ ، وأن الثاني ضرب بطن فاطمة عليها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها ، توفي النظام في سنة 230 هـ تقريباً.
 

راجع ترجمته في : سفينة البحار : ج 2 ص 597 ، الوافي بالوفيات للصفدي : ج 6 ص 14 ـ 18 ، الملل والنحل للشهرستاني : ج 1 ص 59.
(2) هو هشام بن الحكم ، أبو محمد ، مولى كندة ، ولد بالكوفة ونشأ في واسط ، وتجارته ببغداد ، عين الطائفة ووجهها ومتكلمها وناصرها ، له نوادر وحكايات ومناظرات ، ممن اتفق علمائنا على وثاقته ورفعة شأنه ومنزلته عند أئمتنا المعصومين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وقد قال في حقّه الاِمام الصادق عليه السلام : هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ، وكان هشام من الحاذقين بصناعة الكلام ، والمدافعين عن إمامة أهل البيت عليهم السلام ولذا له مناظرات كثيرة مع المخالفين في هذا الشأن ، عُد من أصحاب الاِمامين الصادق والكاظم عليهم السلام ، توفي بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرة وقيل في خلافة المأمون العباسي سنة 199 هـ ، راجع ترجمته في : رجال النجاشي : ج 2 ص 397 رقم : 1165 ، سفينة البحار : ج 2 ص 719 ، سير أعلام النبلاء : ج 10 ص 543 ترجمة رقم : 174 ، تنقيح المقال للمامقاني : ج 3 ص 294.
(3) جاء ذلك في بعض الآيات الشريفة وهي :
 

1 ـ قوله تعالى : ( وفيها ما تشتهيه الاَنفس وتلذ الاَعين ) الزخرف : 71.
 

2 ـ قوله تعالى : ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون ) فصلت : 31.
 

3 ـ قوله تعالى : ( وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ) الاَنبياء : 102.
(4) إختيار معرفة الرجال للطوسي : ج 2 ص 552 ح 593 ، بحار الاَنوار : ج 8 ص 143 ح 66.

العودة