المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأولين والآخرين، محمد المبعوث إلى الخلائق أجمعين، المخصوص بالصبر على أذى المشركين والمنافقين، فصبر وتحمل من قومه أضعاف ما تحمله سائر الأنبياء والمرسلين ثم الصلاة على أهل بيته الطيبين الطاهرين المظلومين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
إن التحليل الموضوعي والدراسة المستوعبة لحياة الجيل الذي عاش مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم - والذي كان له الدور الأكبر في رسم المستقبل السياسي والثقافي للمسلمين - يكشف لنا الواقع الصحيح، الذي حاولت الحكومات آنذاك تغييره وتزويره.
إلا أن النور لا يمكن أن تكتم أنفاسه، فبقي في بطون الكتب ومضات يلمسها كل من تحرر من التقليد الأعمى.
لقد جمعنا الومضات التي تكشف لنا عن سيرة أم المؤمنين عائشة (الصحيحة)، إننا نقدم للأحرار أم المؤمنين عائشة مأخوذة من كتب الحديث والتاريخ... دون الركون إلى كلام المقدسين لها، فتقديس الأشخاص غالبا ما يكبل العقل ويعطل حركته.
السيدة لمياء حمادة
سوريا - دمشق
النور الذي دفعني إلى التمسك
بمذهب أهل البيت عليهم السلام
لقد هداني الله تعالى وقدر لي الأخذ بمذهب الحق مذهب أهل البيت علهم السلام، مذهب حفيد رسوله الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي تفرعت منه واستقت عنه جميع المذاهب الأربعة فهو أصل للمذاهب.
وقصتي مع التشيع بدأت عندما كنت طالبة في المرحلة الثانية بكلية الشريعة، وكنت أتساءل دائما: لماذا هذا الاختلاف في المذاهب؟.
وكنت عندما ينتهي درس التربية الإسلامية أتحدث مع المدرسين وأناقشهم كثيرا في مسائل عدة:
كالصلاة مثلا، فكنت أرى فروقا واضحة بين المذاهب في هذا الشأن، حتى أن الخلاف واقع بين فقهاء المذهب الواحد.
إن الشافعي يقول: إن لمس المرأة الأجنبية يوجب الوضوء، والحنفي يقول بخلافه، ويخالفهما مالك حيث يقول: إن اللمس إذا كان بشهوة أو عن عمد وجب الوضوء وإلا فلا.
والحنفي يقول بوجوب الوضوء من خروج الدم من البدن ولو كان قليلا. ويخالفه الثلاثة.
أيضا الحنفي يجيز الوضوء بالنبيذ واللبن المشرب بالماء، ويخالفه الثلاثة.
ويقول مالك بجواز أكل لحم الكلاب، ويخالفه الثلاثة.
والشافعي يجيز أكل لحم الضبع والجري والثعلب، وأبو حنيفة يحرم أكلها.
والقنافذ يحلها الشافعي والآخرون يحرمونها.
إلى كثير من هذا الخلاف الواقع بينهم من أول الفقه إلى آخره.
يا سبحان الله..! فهل كانت الشريعة ناقصة لم تتم حتى أتوا بما أتوا به من الخلاف الدائر بينهم، فهذا يحلل وذاك يحرم، والآخر يجيز وذاك بالعكس؟!.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة).
ودرسنا عن الشافعي (رض) نفسه أنه قد ألف مذهبه القديم ونشره بين المسلمين في العراق والحجاز واليمن والشام.
ثم ارتحل إلى مصر لأمر ما وخالط المغاربة وأخذ عنهم، فعدل عن مذهبه القديم وألف مذهبا آخر أسماه المذهب الجديد، حتى لم يبق من المذهب الأول إلا مسائل.
أقول: فإن كان مذهبه الأول صحيحا فلماذا أتى بالثاني، وبالعكس..
وهكذا مالك وأحمد - والخلاف دائر بينهم في جميع المسائل، وطبعا هذا مما أوقع في الريب والشك في أحقية اتباع أي من هذه المذاهب.
ورب صدفة ولحسن الحظ وخير الطالع وأثناء دراستي في الجامعة دخلت علينا طالبة جديدة وكانت عراقية وقد تهجرت من بلادها مع ذويها إلى بلدنا طلبا للأمان.
وقد انخرطت في الدراسة بالجامعة واختارت كليتنا لأن طلابه ملتزمون مع أنه كان بإمكانها أن تختار كلية أعلى من كليتنا لأنها كانت من المتفوقين في كلية الطب في بلدها.
وكانت هذه الفتاة واسمها (بتول) تجلس في المقعد الأخير في القاعة، ودائما تلبس العباءة السوداء والخمار يغطي رأسها حتى ذقنها، ويا له من حجاب يدل على التزامها الديني وانتصارها على تقلبات العصر وهفوات التقدم والموضة...
ولكن لما عرفنا - نحن طلاب كلية الشريعة - بأنها عراقية تيقنا بأنها شيعية، وكثيرا ما كنا نتحرش بها قاصدين السخرية والاستهزاء بها لأنها - حسب اعتقادنا ومعلوماتنا الخاطئة طبعا - أنها ومن يتبع هذا المذهب غير مسلمين، فهم يعبدون علي بن أبي طالب، والمعتدلون منهم فقط يعبدون الله ولكنهم لا يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وآله، ويشتمون
جلست وأنا مستاءة منها نوعا ما، ثم قلت في نفسي ما لي وما لها؟
كل واحدة منا في حالها. وبالصدفة كانت المحاضرة يومذاك عن المذهب الشيعي، وبدأت المحاضرة وكلنا مصغون إلى ما يقال عن ذلك المذهب، وبتول تندهش وتندهش من كل ما يقال عنهم وتتمتم أثناء المحاضرة بأن لعنة الله على الظالمين... سامحكم الله... أذناب بني أمية... أتباع معاوية... وهكذا إلى أن انتهت المحاضرة وبتول تكاد تنفجر من الغيظ.
فقلت لها: لماذا أنت مغتاظة ومتضايقة، أليس ما قاله الدكتور المحاضر عنكم صحيحا.
قلت: ماذا تقصدين؟
أجابت: عفوا، ولكن من أين لكم هذا الادعاءات الكاذبة.
قلت: من كتب التاريخ ومما هو مشهور عند الناس كافة.
قالت: هل عندك الوقت للمناقشة. ترددت قليلا ثم أجبت: ربما بعض الوقت. وأخذنا نتمشى إلى الكافتيريا فطلبت القهوة وجلسنا نتحدث.
قالت: لنترك الناس كافة الذين يعتمدون على الصحاح بالدرجة الأولى، ولكن أنت هل قرأت شيئا من الكتب عنا؟
قلت: نعم مثل، ظهر الإسلام، وفجر الإسلام، وضحى الإسلام لأحمد أمين وغيرها كتب كثيرة.
قالت: ومتى كان أحمد أمين حجة على الشيعة؟ أليس عليكم أن تتبينوا الأمر من مصادره الأصلية المعروفة.
قلت: وكيف لنا أن نتبين في أمر كهذا.
قالت: إن أحمد أمين نفسه زار العراق وقد التقى بأساتذة عدة في النجف وعاتبوه على كتاباته عن الشيعة فاعتذر قائلا: إني لا أعلم عنكم شيئا ولم أتصل بالشيعة من قبل وهذه أول مرة ألتقي فيها بالشيعة، فقلنا له إذن لم تكتب عنا القبيح؟
قال: هكذا ورثنا عن الناس نظرتهم إليكم.
وتابعت: أرأيت هذا الافتراء؟ وهكذا خذي كل ما يقال عنا على
قلت: دعينا من أحمد أمين هذا وأخبريني عن حقائق عديدة تقال عنكم:
فقاطعتني قائلة: إذا كنت تريدين تمضية الوقت والكلام لمجرد الكلام فأنا آسفة والأفضل أن أذهب وأما إذا أردت الاستفادة حقا والتأكد من مظلوميتنا فلك ما تريدين ووقتي لك كله.
قلت: لا والله، معاذ الله أن أتكلم معك لمجرد الكلام ولكني أحببتك فعلا وأحسست بأنك مظلومة وعندك حجج كثيرة أردتي قولها أثناء المحاضرة ولكنك لم تجرؤي فلم يا ترى؟
قالت: الكلام مع هؤلاء الناس كعدمه، وربما جرتنا المناقشة أن أضع من شأن مذهبي وديني من جراء مناقشتي مع جهال كهؤلاء فقد قال الإمام علي عليه السلام: ناقشت جاهلهم فغلبني وناقشت عالمهم فغلبته.
قلت: فلنبدأ، فقاطعتني وقالت: إذن صلي على محمد وآل محمد، فتعجبت وقلت في نفسي هؤلاء الذين نتهمهم نحن بالخروج عن الدين يحافظون عليه أكثر منا.
فقلت: اللهم صلى على محمد وآله وصحبه أجمعين، فتبسمت قليلا وقالت تابعي:
فقلت لها: لأي المذاهب ينتمي مذهبكم.
قالت: المذهب الجعفري.
قلت: عجبا ما هذا الاسم الجديد؟ نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة وما عداها فليس من الإسلام في شئ.
وابتسمت قائلة: عفوا، إن المذهب الجعفري هو محض الإسلام
وفي ذلك يقول أبو حنيفة: (لولا السنتان لهلك النعمان) فسكت ولم أرد، وقالت: إن المذاهب الأربعة أخذ بعضهم عن بعض فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي والشافعي أخذ عن مالك وأخذ مالك عن أبي حنيفة وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق، وعلى هذا فكلهم تلاميذ لجعفر بن محمد، وهو أول من فتح جامعة إسلامية في مسجد جده رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدث وفقيه.
وسألتني مقاطعة نفسها أي الأئمة تقلدين؟ قلت الإمام أبا حنيفة!
قالت: كيف تقلدين ميتا بينك وبينه قرابة أربعة عشر قرنا، فإذا أردت أن تسأليه الآن عن مسألة مستحدثة فهل يجيبك؟
فقلت لها بسرعة البديهة: وأنت إمامك ميت فكيف تقلدينه؟
قالت: إن إمامي حي غائب، وفي غيبته نقلد أحد المجتهدين الورعين ولا يجوز عندنا تقليد الميت.
وأخبرتني عندها كيف على الإنسان أن يعرف إمام زمانه فقد قال صلى الله عليه وآله: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية وأنا إمام زماني هو صاحب الزمان الإمام المهدي وهذا موضوع طويل يحتاج لشرح.
قلت: حسنا هذه اقتنعت بها.. لننتقل إلى الثانية: إنكم تعبدون عليا وتقدسونه أليس كذلك؟. قالت: ألم تقرأي قول الله سبحانه
وقوله: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) (2)، وقوله: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) (3).
قلت: بلى أعرف هذه الآيات، قالت: فأين هو علي؟ فالقرآن نفسه عندنا وعندكم ويقول بأن محمدا هو رسول الله فمن أين جاء هذا الاتهام الباطل؟
قلت هذه أقنعتيني بها فماذا عن خيانة جبرئيل؟
قالت: حاشاه، هذه أقبح من الأولى، لأن محمدا كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبرئيل عليه السلام ولم يكن علي إلا صبيا صغيرا عمره ست أو سبع سنوات، فكيف يخطئ جبريل ولا يفرق بين محمد الرجل وعلي الصبي؟
فقلت: هذا منطقي جدا. كيف لم نحلل نحن بهذا المنطق؟
أضافت: إن الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كل الفرق الإسلامية الأخرى التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمة، فإذا كان أئمتنا عليهم سلام الله معصومين عن الخطأ وهم بشر مثلنا، فكيف بجبرائيل وهو ملك مقرب سماه الرب الروح الأمين؟
فاحترت وتلكأت وقلت في نفسي قبل أن نسألهم عن اختلافهم عنا في اعتقاداتهم، لنسأل أنفسنا نحن السنة لماذا تتعدد مذاهبنا وتختلف فيما بينها.
قلت: إذن كل ما يقال عنكم افتراء، قالت: سامحكم الله.
____________
(1) الفتح: 29.
(2) الأحزاب: 40.
(3) آل عمران: 144.
فشكرتني وتمنت هي بدورها لي الخير والهداية، فقلت في نفسي بعدما مشيت خطوات عدة هل سيأتي يوم وأصبح فيه شيعية؟ ثم استبعدت الفكرة وقلت لا، هكذا كان آباؤنا وأجدادنا، فهل من المعقول أن يكونوا كلهم على ضلال؟ وهل أنا الوحيدة في عائلتي سأكون على نور وبينة؟ لا، لا.. هذا مستحيل أستغفر الله وأتوب إليه.
وبعد أيام عدة جاءت بتول لعيادتي فقد كنت متوعكة قليلا ولم أذهب إلى الكلية لأيام عدة، فأهدتني طاقة من الورد ومعها مصحف، ففتحه ووجدته مثل مصحفنا تماما، فقلت لها: يقولون إن لكم مصحفا خاصا بكم..؟
قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، هؤلاء المفترون أعداء الإسلام يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم وضرب بعضهم ببعض، فنحن نعبد الله وحده لا شريك له، وقرآننا واحد ونبينا واحد وقبلتنا واحدة نشترك معكم في هذه الأمور، وربما نختلف عنكم أنتم السنة في بعض الأمور الفقهية وبعض الأمور العقائدية...
فقلت لها: زيديني زادك الله من علمه...
قالت: عن ماذا تريدين أن تستفسري؟
قلت: حدثيني عن أحقية علي في الخلافة كما تزعمون.. حدثيني عن التربة الحسينية (قرص الطين الذي تسجدون عليه)، عن
أخبريني لماذا وضوؤكم غير وضوئنا.. ولماذا صلاتكم غير صلاتنا، وماذا عن الزواج المؤقت، والتقية، والرجعة، الخمس، وتأويلكم لآيات القرآن في علي وذريته آيات لا نعرفها، وماذا عن مصحف فاطمة...؟
ذكرت كل تساؤلاتي وكانت هي مبتسمة، وبدا أنها مستعدة لكل سؤال يطرح عليها وأنها واثقة من نفسها تماما.
فقالت: هل تريدين الحق؟ لقد أحببتك يا أختي لمياء وأتمنى منك أن تقبلي هديتي المقبلة، كتب عدة، إقرأيها وسوف تجدين ملاذك عن كل سؤال طرحتيه علي...
فأنا إن أجبتك عن كل سؤال لا يكفينا أيام السنة كلها ونحن نتناقش في صحة كلامي وعدمه، أما إذا قرأت عن أشخاص عدة استبصروا عرفوا طريق الحق، كانوا من أهل السنة وأصبحوا من الشيعة، لوجدت برهانا دامغا ساطعا وحجة عليك من كتبكم، ولن أطلعك على كتبنا حتى تطلبيها أنت بعد قراءتك لكتب المتشيعين.
شكرتها وتمنيت منها أن تزورني وترسل لي الكتب بأسرع وقت، فأنا شغفة ومتشوقة لقراءتها عسى ولعل أن أجد فيها شفاء لشكوكي ووساوسي الدفينة حول الاختلاف الدائر بين المذاهب الأربعة المعروفة.
ثم انكببت على الكتب ليل نهار وأنا أقرؤها من الجلدة إلى الجلدة - كما يقولون - فقد استهواني تحليل كل كاتب منهم القضايا العالقة بين السنة والشيعة وفاجأني الكل بقصة لم أسمع بها من قبل، رزية يوم الخميس، إنها فضيحة فظيعة لا تصدق، ولكن عندما ذيل الكاتب الصفحة بأنها من كتب السنة: صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وتاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير. فكيف بعد هذا الذي قرأته أكذب نفسي وأقول إنه قول جماعة لا يحبون الخلفاء الثلاثة ويكرهونهم، أليس ذلك مذكور في الصحاح؟ فخطر لي أن أبحث عن تلك الصفحات في الصحاح لأتأكد، وتمنيت أني لو لم أجدها، لكن البخاري ذكرها ومسلم ذكرها و... كلهم ذكروها وأمرونا أن نتبع أبا بكر وعمر وأخبرونا بأنهم عدول لا يذنبون.
ومن هنا، ملت إلى الشيعة أكثر فأكثر، لأن تحليلهم لكل الأمور منطقي، أكملت قراءة كل كتب التيجاني والشيخ محمد مرعي أمين الأنطاكي وكتاب و... و... وكلهم سنة تشيعوا ولم أسمع بحياتي عن شيعي قد تسنن.
إن رزية الخميس وحدها كافية لأن تشيعني، ليتك يا عزيزي القارئ تعرفها لتعرف أني على حق، إنها قصة يندى لها الجبين وهي عار على أهل السنة في كتبهم فلا نؤاخذ المستشرقين عندما يكتبون
لقد قرأت الكتب واقتنعت بها، وأنا مندهشة حينا لما أقرأ، ومستاءة حينا آخر على الدهر الذي أمضيته وأنا عمياء البصيرة..
فالشيعة على حق ونحن على باطل، وهم يتمسكون باللب ونحن نتمسك بالقشور، هم الذين يجب أن يسموا أهل السنة، لأنهم لم يغيروا ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله، أما نحن فاتبعنا سنة أبي بكر وعمر ومعاوية.
أقولها وبكل صراحة إن الحق هو اتباع أهل البيت الذين أوصى النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك بهم فقال: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما) (1).
وقال صلى الله عليه وآله: (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) (2).
آه وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة. ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النية وليهنأ وليعتز بنفسه كل شيعي فهو الذي يتمسك بالعروة الوثقى وهو من الفرقة الناجية التي حدث عنها رسول
____________
(1) سنن الترمذي: كتاب المناقب، مستدرك الحاكم: 3 / 148، صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب.
(2) مستدرك الحاكم 3 / 151 وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
الصواعق المحرقة: 2 / 445، تاريخ الخلفاء: 573.
انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيعت تماما وطويت صفحة الأيام الماضية، وقررت أن أبدأ من يومي هذا حياة جديدة.
وفي اليوم الذي وعدتني به صديقتي بتول جزاها الله خيرا عني كل خير، أتت إلي وقد بدا عليها الحزن قليلا، فقلت: لم يا صديقتي هذا الحزن؟ قالت: إنه يوم عاشوراء وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: أنه علينا أن لا نبتسم في هذا اليوم ففيه قتل الحسين عليه السلام وكانت هذه مصيبة على الأمة الإسلامية كلها.
فقلت: لعن الله أعداء الإسلام، وعجل فرجك أيها الإمام المنتظر لتملأ هذه الدنيا قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.
فاستغربت صديقتي وقالت: أتهزئين، قلت: حاشى وكلا، وقبلتها بين عينيها وقلت أشكرك - أشكرك يا بتول على هذه الهدية، فلقد أنقذتيني من ظلام وجهل كنت أعيشه ونقلتيني إلى النور والعلم والنبوة والعقائد الصحيحة إلى أحضان أئمة الهدى أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله، فهل من مزيد من هذه الكتب.
فقالت: إذا كنت قد اكتفيت وصار عندك يقين تام فسأعطيك بعض من كتبنا من المؤلفين الشيعة.
فقلت: أتمنى هذا، ودعينا الآن نذهب لحضور عاشوراء، فذهبت ورأيت الناس في بكاء وعويل وكأن الحسين عليه السلام قد استشهد لتوه، فبكيت معهم وعشت لحظاتهم المباركة الحزينة وأحسست بانجلاء الكروب عن نفسي وتنفست الصعداء واعتبرت هذا اليوم أول يوم من مسيرة تشيعي واعتبرت هذا البكاء حزنا على الأيام الماضية وعلى
لقيت في البداية بعض المعارضة من أهلي - سامحهم الله - ولكن بصبري وتفوقي عليهم وحفظي لكل المسائل التي ربما أتعرض إليها خلال مناقشاتي ومجادلتي مع كل من يسمع بأني قد تشيعت، تفوقت وتفوقت واستطعت أن أشيع اثنتين من أخواتي وذلك بعد اطلاعي على كل كتب الشيعة تقريبا فقد وجدت في عقائدهم وأدعيتهم كنز لا يفنى.
وهكذا كانت مسيرة حياتي مع التشيع بدأتها بشك بيني وبين نفسي عن اختلاف المذاهب وأنهيتها بإعلان التشيع والتمسك بالمذهب الحق مذهب أهل البيت عليهم السلام.
فسلام عليكم يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون، وخاسر خاسر من لا يعرفكم ولا يعرف قدركم.
وأنا متأسفة جدا، وأعتذر إليكم عني وعن المسلمين الذين كانوا يجهلون صلتكم بالنبي وحديثه عنكم وعن حبكم ومودتكم الواجبة علينا وعن بعض من آذاكم وحمل الآخرين على القول فيكم، وفيمن تمسك بكم أقاويل وأكاذيب مغرضة، لعنهم الله وأحرقهم بناره.
وأنت عزيزي القارئ إذا أردت الاستبصار أكثر عليك بقراءة كتب التيجاني والأنطاكي وخليفات... الخ وكل من تشيع لأنها حجة علينا يوم الحساب...
وستجد فيها جوابا لكل مسائلي التي لم أورد لك أجوبتها كي
وبعدها إذا بقيت على حالك ولم تغير رأيك في موروثك فعلى الدنيا السلام، وإلا فأنت إنسان راق قد اتبعت قوله تعالى:
(فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) (1).
التمهيد
هذه نبذة مما ورد في حق أحد أزواج النبي المصطفى صلى الله عليه وآله عائشة، وقد أخذتها من الصحاح الستة وغيرها من الكتب المعتبرة عندنا، فجمعتها وأودعتها في هذه الأوراق، وأرجو من الله تعالى أن يجعل مثلها كمثل القرآن الكريم فتكون شفاء ورحمة للمؤمنين وللمؤمنات، وخسارا وغيظا ونكالا للظالمين الذين أبوا العقل والذوق السليم وابتعدوا عن الحق الواضح وضوح الشمس في وضح النهار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إليك أيها القارئ الكريم بعض روايات عائشة زوج الرسول وبعض ما روي عنها، بشئ من التفصيل لكي تتعرف على شخصية هذه المرأة التي لعبت أكبر الأدوار في إبعاد عليا عن الخلافة وحاربته بكل ما أوتيت من قوة ودهاء، ولكي تعرف أيضا بأن آية إذهاب الرجس والتطهير بعيدة عنها بعد السماء عن الأرض، وأن أهل السنة أكثرهم ضحايا الدس والتزوير، وهم أتباع بني أمية من حيث لا يشعرون.
قال تعالى في كتابه العزيز: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
إن هذه الآية الكريمة بمفهومها الخاص والعام دال على العصمة،
إلا أن البعض يزعم أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله، ويستدلون على ذلك بسياق ما قبلها وما بعدها من الآيات. وعلى حسب زعمهم فإن الله أذهب الرجس عن نساء النبي وطهرهن تطهيرا، على أن أزواج النبي (رضي الله عنهن) عرفن مقصود الآية الكريمة، ولذلك لم تدعي واحدة منهن أنها من أهل البيت، وعلى رأسهن أم سلمة وعائشة.
وقد روت كل واحدة منهن أن الآية خاصة برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
وقد أخرج اعترافهن كل من مسلم والترمذي والحاكم والطبري والسيوطي، والذهبي، وابن الأثير، وغيرهم، على أن العقل وحده يحكم بعدم شمول هذه الآية لزوجات النبي صلى الله عليه وآله، فإذا أخذنا مثالا أم المؤمنين عائشة التي تدعي أنها أحب أزواج النبي صلى الله عليه وآله إليه وأقربهن إليه، حتى أن باقي أزواج النبي صلى الله عليه وآله غرن منها وبعثن للنبي صلى الله عليه وآله ينشدنه العدل في ابنة أبي قحافة، لم يتجرأ أحد من أنصارها ومحبيها، لا من السابقين ولا من اللاحقين، أن يقول بأن عائشة كانت تحت الكساء يوم نزول الآية.
فما أعظم محمد صلى الله عليه وآله في أقواله وأفعاله، وما أعظم حكمته عندما حصر أهل بيته معه تحت الكساء، حتى أن أم سلمة أم المؤمنين زوجة النبي صلى الله عليه وآله أرادت الدخول معهم تحت الكساء وطلبت ذلك من زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكنه منعها من ذلك، وقال: (أنت إلى خير).
وتعني العصمة إذهاب الرجس ويشمل كل الذنوب والمعاصي
ولكل ذلك كان هؤلاء المطهرون مثالا للإنسانية جمعاء في الزهد والتقوى والإخلاص والعلم والحلم والشجاعة والمروءة والعفة والنزاهة والعزوف عن الدنيا والقرب منه جل وعلا.
ولم يسجل التاريخ لواحد منهم معصية أو ذنبا طيلة حياته، فإذا كان الأمر كذلك فلنعد إلى المثال الأول لزوجات النبي صلى الله عليه وآله وهي عائشة، وإذا ما تجردنا للحقيقة بدون تعصب ولا انحياز، فهل من المعقول أن يحكم العقل بأنها مطهرة من الذنوب والمعاصي؟ أم أن الله سبحانه رفع عنها حصانته المنيعة بعد موت زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله؟.
فلننظر معا إلى الواقع، ولنتعرف عليها سيرة وتاريخا، منذ ولادتها حتى وفاتها، راجين من الله العزيز القدير أن يفتح بصائر المؤمنين الموحدين الذين آمنوا برسالة حبيبه محمد على الحق الذي لا شك فيه، تاركين التعصب والنزعة المذهبية جانبا حتى نهتدي وإياهم إلى الصراط المستقيم.
وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
الباب الأول
عائشة في حياة النبي صلى الله عليه وآله
الفصل الأول
زوجات النبي صلى الله عليه وآله وعائشة
ترتيب أزواجه
تزوج بمكة أولا خديجة بنت خويلد (رض) وكانت عذراء (1)، وتزوج سودة بنت زمعة بعد موت خديجة (ض) بسنة، وكانت عند السكران بن عمرو، من مهاجري الحبشة، فتنصر ومات بها، وتزوج عائشة بنت أبي بكر وهي ابنة سبع، قبل الهجرة بسنتين، ويقال كانت ابنة ست ودخل بها بالمدينة في شوال وهي ابنة تسع، وتوفي النبي صلى الله عليه وآله وهي ابنة ثمان عشرة سنة، وبقيت إلى إمارة معاوية، وقد قاربت السبعين.
وتزوج بالمدينة أم سلمة واسمها هند بنت أمية المخزومية، وهي بنت عمته عاتكة بنت عبد المطلب، وكانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد، بعد وقعة بدر من سنة اثنتين من التاريخ، وفي هذه السنة تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبله تحت خنيس بن عبد الله بن
____________
(1) روى ذلك أحمد البلاذري وأبو القاسم الكافي في كتابيهما. والمرتضى في الشافي وأبو جعفر في التلخيص.
والمطلقات أو من لم يدخل بهن، أو من خطبها ولم يعقد عليها:
فاطمة بنت شريح، وقيل بنت الضحاك، تزوجها بعد وفاة زينب.
التي يقال أنها ابنته، وسيأتي بيان أن الرسول صلى الله عليه وآله لم يكن لديه من البنات سوى فاطمة سلام الله عليها - وخيرها حين أنزلت عليه آية التخيير، فاختارت الدنيا، ففارقها، فكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول أنا الشقية اخترت الدنيا. وزينب بنت خديجة بن الحارث أم المساكين، من عبد مناف، وكانت عند عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وأسماء بنت النعمان، لما دخلت عليه قالت: أعوذ بالله منك، فقال صلى الله عليه وآله: أعذتك، إلحقي
وقتيلة أخت الأشعث بن قيس الكندي، ماتت قبل أن يدخل بها، ويقال: طلقها فتزوجها عكرمة بن أبي جهل، وهو الصحيح، وأم شريك، واسمها غزية بنت جابر من بني النجار، وسنا بنت أسماء ابن الصلت من بني سليم، ويقال: خولة بنت حكيم السلمي، ماتت قبل أن يدخل بها، وكذلك اشران أخت دحية الكلبي، ولم يدخل بعمدة الكلابية، وأميمة بنت النعمان الجونية، والعالية بنت ظبيان الكلابية، ومليكة الليية، وأما عمرة بنت يزيد رأى بها بياضا فقال دلستم علي فردها، وليلى ابنة الخطيم الأنصارية ضربت ظهره وقالت: أقلني، فأقالها فأكلها الذئب، وعمرة وصفها أبوها حتى قال: إنها لم تمرض قط، فقال صلى الله عليه وآله: ما لهذه عند الله من خير.
والتسع اللاتي قبض عنهن: أم سلمة، زينب بنت جحش، ميمونة، أم حبيبة، صفية، جويرية، سودة، عائشة، حفصة.
ومات قبل النبي صلى الله عليه وآله: خديجة وأم هاني وزينب بنت خزيمة، وأفضلهن خديجة ثم أم سلمة ثم ميمونة (2).
هل تزوجت خديجة بأحد قبل النبي صلى الله عليه وآله؟
قيل: إنه صلى الله عليه وآله لم يتزوج بكرا غير عائشة، وأما خديجة، فيقولون:
____________
(1) رواه البخاري: ج 3 / ص 1776.
(2) أ مناقب آل أبي طالب: ج 1 / ص 159. هذا الحديث من صحاح السنن المستفيضة فراجعهما في أحوال خديجة الكبرى من الاستيعاب تجدهما بعين اللفظ الذي أوردناه.
وقد أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما بلفظ يقارب ذلك.
أما نحن فإننا في شك من دعواهم تلك، ونحتمل جدا أن يكون كثيرا مما يقال في هذا الموضوع قد صنعته يد السياسة، إننا لا نريد أن نسهب في الكلام عن اختلاف اسم أبي هالة هل هو النباش بن زرارة أو عكسه، أو هند أو مالك وهل هو صحابي أم لا.
ولا في كون هند الذي ولدته خديجة هو ابن هذا الزوج أو ذاك.
فإن كان ابن عتيق هو أنثى وإلا فهو ذكر... وأنه هل قتل مع علي في حرب الجمل، أو مات بالطاعون في البصرة... ولا نريد أن نطيل بذلك وإنما نكتفي بتسجيل الملاحظات التالية:
أولا: قال ابن شهرآشوب: (... وروى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، المرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: أن النبي صلى الله عليه وآله تزوج بها، وكانت عذراء.
يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع: أن رقية وزينب كانت ابنتي هالة أخت خديجة.) (1).
وثانيا: قال أبو القاسم الكوفي: (إن الاجماع من الخاص والعام، من أهل الأنال (الأثارظ) ونقلة الأخبار، على أنه لم يبق من أشراف قريش، ومن ساداتهم، وذوي النجدة منهم، إلا من خطب خديجة، ورام تزويجها، فامتنعت على جميعهم من ذلك، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله غضب عليها نساء قريش وهجرنها، وقلن لها: خطبك أشراف قريش، وأمراؤهم فلم تتزوجي أحدا منهم وتزوجت محمدا يتيم أبي
____________