وجاء في السمط الثمين: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة وهو عروس بصفية جئن نساء الأنصار فأخبرنني عنها، قالت: فتنكرت وتنقبت فذهبت فنظرت، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عيني فعرفني، فالتفت والتفت، فأسرعت المشي، فأدركني وقال: كيف رأيتها يا عائشة؟
قالت: رأيت يهودية، قال صلى الله عليه وآله: لا تقولي هذا يا عائشة فإنها قد أسلمت فحسن إسلامها (2).
(أقول: وصلت بك غيرتك يا عائشة أن تسبي امرأة بنسبها لما لم تجدي شئ في جمالها تعيبيها فيه).
وفي طبقات ابن سعد (ج 8 / ص 128): أخبرنا معن بن عيسى، حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أن نبي الله صلى الله عليه وآله، في الوجع الذي توفي فيه اجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية بنت حيي: أما والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزتها أزواج النبي (يقصد عائشة) وأبصرهن رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: مضمضن، فقلن: من أي شئ يا نبي الله؟ قال: من تغامزكن بصاحبتكن، والله إنها لصادقة.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلم ما في قلبها من زيغ وكأنها كانت تنتظر مفارقة الرسول صلى الله عليه وآله الحياة سريعا لتصل إلى بعض مآربها.
____________
(1) طبقات ابن سعد، حياة الصحابة: ج 2 / ص 639.
(2) أخرجه ابن ماجة والحافظ الدمشقي في الموافقات - وانظر طبقات ابن سعد: ج 8 / ص 90.
وفي طبقات ابن سعد (ج 8 / ص 56) روى بسنده عن ابن المسيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي بكر: يا أبا بكر ألا تعذرني من عائشة، قال فرفع أبو بكر يده فضرب صدرها ضربة شديدة.
إذن لقد كانت عائشة تتلقى من الأدب لعلها تستقيم. ووصل بها الأمر أن تغار من ابن الرسول صلى الله عليه وآله إبراهيم المولود الرضيع البرئ، ففي مستدرك الحاكم ج 4 / ص 39: (روى بسنده) عن عائشة، قال: أهديت مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت جميلة من النساء جعدة، قالت: ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وقد أعجب بها رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان فكانت جارتنا، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله عامة النهار والليل عندها، حتى فرغنا لها فجزعت، فحولها إلى العالية فكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا، ثم رزقه الله منها الولد وحرمناه منه.
وكانت مارية أمه قليلة اللبن فابتاعت لولدها إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ضائنة لبون فكان يغذى بلبنها، فحسن عليه لحمه، قالت عائشة: فدخل به النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم، فقال لي: كيف ترين؟ فقلت: من
عائشة وحب الدنيا
عن عائشة قالت: رآني رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أكلت في اليوم مرتين، فقال: يا عائشة أما تحبين أن يكون لله شغل إلا جوفك؟ الأكل في اليوم مرتين من الاسراف، والله لا يحب المسرفين (2).
وفي رواية: فقال يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك؟ أكثر من أكلة كل يوم سرف، والله لا يحب المسرفين.
وعنها قالت: دخلت على امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وآله عباة عن عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت بفراش حشوة الصوف، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: فقلت يا رسول الله فلانة أنصارية دخلت علي فرأت فراشك فذهبت فبعثت إلي بهذا. قال صلى الله عليه وآله: رديه يا عائشة، قالت فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات، قالت: فقال رديه يا عائشة، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة (3).
وعن عائشة قالت: لبست مرة درعا لي جديدا، فجعلت أنظر إليه وأعجبت به، فقال أبو بكر: ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك! قلت:
ومم ذلك؟ قال أما علمت أن العبد إذ دخله العجب بزينة الدنيا مقته
____________
(1) طبقات ابن سعد: ج 8 / ص 212. أنساب الأشراف: ج 1 / ص 449.
(2) أخرجه البيهقي، وانظر الترغيب: ج 3، والمشكاة / ص 272.
(3) أخرجه أبو معاوية. راجع السمط الثمين / ص 59.
وعن عبد الله بن أبي مليكة قال: رأيت على عائشة ثوبا مضرجا، فقلت: وما المضرج؟ فقال: هذا الذي تسمونه المورد (2).
____________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية: ج 1 / ص 37 - وأنظر حياة الصحابة: ج 2.
(2) طبقات ابن سعد: ج 8.
الفصل الثالث
عبثية منهج عائشة
إساءات عائشة وسخريتها
عن عائشة أنها قالت: دخلت علي امرأة مسكينة ومعها شئ تهديه إلي، فكرهت أن أقبله منها، فقال لي نبي الله صلى الله عليه وآله: فهلا قبلتيه وكافأتيها، فأرى أنك حقرتيها، فتواضعي يا عائشة فإن الله يحب المتواضعين ويبغض المستكبرين (1).
عن عائشة قالت: عثر أسامة على عتبة الباب أو أسكفة الباب، فشج جبهته: فقال: يا عائشة أميطي عنه الدم، فتقذرته. قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يمص شجته ويقول: لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه (2).
وعن عطاء بن يسار قال: كان أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) قد أصابه الجدري أول ما قدم المدينة، وهو غلام مخاطه يسيل على فيه، فتقذرته عائشة وحاولت إقصاءه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله فطفق يغسل
____________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية. أنظر حياة الصحابة: ج 2.
(2) أخرجه ابن سعد: ج 4، وأخرج ابن أبي شيبة نحوه في المنتخب: ج 5 / ص 135.
وكان عند عائشة طبق من عنب فجاءها سائل فدفعت إليه حبة واحدة، فضحكت نساء كن عندها، فقالت: إن فيما ترين مثاقيل ذر كثيرة، فنظر المسكين إليها: وهو يتعجب. (أسخرية أم بخل) (2).
وأخرج أبو يعلى عن رزينة (رض) مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله أن سودة اليمانية جاءت عائشة تزورها وعندها حفصة بنت عمر، فجاءت سودة في هيئة وفي حالة حسنة، عليها برد من دروع اليمن وخمار كذلك، وعليها نقطتان مثل الفرستين من صبر وزعفران إلى موقها (أي عينها)، قالت سودة: وأدركت النساء يتزين به، فقالت حفصة لعائشة: يا أم المؤمنين أيجئ رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه بيننا تبرق.
فقالت عائشة: لأفسدن عليها زينتها - وكان في أذن سودة ثقل - قالت لها حفصة: يا سودة خرج الأعور، قالت: نعم، ففزعت فزعا شديدا فجعلت تنتفض.
فقالت: أين أختبئ؟ قالت عائشة: عليك بالخيمة - خيمة من سعف يختبئون فيها - فذهب فاختبأت فيها، وفيها قذر ونسيج العنكبوت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وهما تضحكان لا تستطيعان أن تكلماه من كثرة الضحك، فقال صلى الله عليه وآله: ما ذاك الضحك؟ ثلاث مرات، وهما مستمرتان بالضحك إلى أن أومأتا إلى الخيمة بأيديهما، فذهب فإذا سودة ترتعد، فقال لها: يا سودة ما لك؟ قالت: يا رسول الله أخرج الأعور؟.
____________
(1) كذا في المنتخب: ج 5 / ص 136.
(2) موطأ الإمام مالك بن أنس في كتاب الجامع - في الترغيب في الصدقة.
وعن سوء تعبيرها للرؤيا وسخريتها جاء في أخبارها.
عن الدارمي في سننه (ج 2 / ص 130) (روى) بسنده: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر تختلف إليه، فكانت ترى رؤيا كلما غاب عنها زوجها، وقلما يغيب إلا تركها حاملا فتأتي رسول الله صلى الله عليه وآله فتقول: إن زوجي خرج تاجرا فتركني حاملا، فرأيت فيما يرى النائم أن سارية بيتي انكسرت وأني ولدت غلاما أعورا. فقال صلى الله عليه وآله: خير، يرجع زوجك عليك إن شاء الله تعالى صالحا وتلدين غلاما برا. فكانت تراها مرتين أو ثلاثا كل ذلك تأتي رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول ذلك لها، فيرجع زوجها وتلد غلاما.
فجاءت يوما كما كانت تأتيه ورسول الله صلى الله عليه وآله غائب، وقد رأت تلك الرؤيا، فقلت لها: عم تسألين رسول الله صلى الله عليه وآله يا أمة الله، فقالت:
رؤيا كنت أراها، فآتي رسول الله صلى الله عليه وآله فأسأله عنها فيقول خيرا...
فيكون كما قال، فقلت: فاخبريني ما هي، قالت: حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله، فأعرضها عليه كما كنت أعرض.
فوالله ما تركتها حتى أخبرتني فقلت: والله لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلاما فاجرا، فقعدت تبكي، فقالت: ما لي حين عرضت عليك رؤياي قلت شرا.
فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وهي تبكي، فقال لها: ما لها يا عائشة؟
فأخبرته الخبر وما تأولت لها، فقال صلى الله عليه وآله: ألم أخبرك يا عائشة إذا عبرتم
____________
(1) الهيثمي: ج 4 / ص 316.
عائشة مهملة
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل عليها بأسير، أوصاها أن لا يغيب عن عينها، فلهت عنه بنسوة عندها حتى غفلها الأسير وخرج فهرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال ودعا عليها، ثم خرج فأمر الناس بطلبه فلم ينشبوا أن جاؤوا به فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وعائشة تقلب يديها، فقال صلى الله عليه وآله: ما لك؟ قالت: دعوت علي يا رسول الله صلى الله عليه وآله فأنا أنتظر متى يكون (1).
وعن عائشة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله فرأى كسرة خبز ملقاة فمشى، ثم قال: يا عائشة أحسني جوار نعم الله، فإنها قل ما نفرت من أهل بيت فكادت ترجع إليهم.
نفهم مما سبق أن عائشة تهمل أوامر الرسول وتتوانى في تنفيذها.
وكل ما فعلته عائشة مع حضرة النبي صلى الله عليه وآله من مؤامرات كانت في أغلب الأحيان تجر معها حفصة بنت عمر، والغريب أننا نجد تفاهما وانسجاما تاما بين المرأتين عائشة وحفصة كالانسجام والتفاهم بين أبويهما أبو بكر وعمر، غير أنه في النساء كانت عائشة دائما هي الجريئة والقوية وصاحبة المبادرة وهي التي تجر حفصة بنت عمر وراءها في كل شئ، بينما كان أبوها أبو بكر ضعيفا أمام عمر الذي كان هو الجرئ
____________
(1) أخرجه المخلص الذهبي.
وقد حدث بعض المؤرخين أن عائشة لما همت بالخروج إلى البصرة لمحاربة الإمام علي عليه السلام فيما سمي بحرب الجمل (على ما سيأتي بيانه) أرسلت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله أمهات المؤمنين تسألهن الخروج معها فلم يستجب لها منهن إلا حفصة بنت عمر التي تجهزت وهمت بالخروج معها لكن أخاها عبد الله بن عمر هو الذي منعها وعزم عليها فحطت رحلها (1)، ومن أجل ذلك كان الله سبحانه يتهدد عائشة وحفصة معا، في قوله: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا)، وكذلك قوله: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما).
ولقد ضرب الله لهما مثلا خطيرا في سورة التحريم ليعلمهما وبقية المسلمين أن الزوجية للنبي لا تدخل زوجاته الجنة بلا حساب ولا عقاب، فقد أعلم الله عباده ذكورا وإناثا بأن مجرد الزوجية لا تضر ولا تنفع حتى ولو كان الزوج رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنما الذي ينفع ويضر عند الله هو أعمال الإنسان فقط، فقال تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (2).
وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت: (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين * ومريم التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من
____________
(1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 2 / ص 80.
(2) سورة التحريم، آية 10.
وبهذا يتبين لكل الناس بأن الزوجية والصحبة وإن كانت فيهما فضائل كثيرة إلا أنهما لا يغنيان من عذاب الله إلا إذا اتسمتا بالأعمال الصالحة، وإلا فإن العذاب يكون مضاعفا لأن عدل الله سبحانه يقتضي أن لا يعذب البعيد الذي لم يسمع الوحي، كالقريب الذي ينزل القرآن في بيته والإنسان الذي عرف الحق فعانده كالجاهل الذي لم يعرف الحق.
أم المؤمنين تشهد على نفسها
ولنستمع إلى عائشة تروي عن نفسها وكيف تفقدها الغيرة صوابها، فتتصرف بحضرة النبي صلى الله عليه وآله تصرفا لا أخلاقيا، قالت:
____________
(1) التحريم آية 11 - 13.
(2) مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 6 / ص 277 - وسنن النسائي: ج 2 / ص 148.
(3) صحيح الترمذي، وقد رواه الزركشي / ص 73.
وتكلمنا عن غيرتها من مارية (أم إبراهيم) وعن تعدي غيرتها دائرة مارية إلى إبراهيم المولود الرضيع البرئ!.
وحتى أن غيرتها تعدت كل الحدود وفاقت كل تعبير عندما وصلت بها الظنون والوساوس إلى الشك في رسول الله صلى الله عليه وآله فكانت كثيرا ما تتظاهر بالنوم عندما يبات عندها رسول الله صلى الله عليه وآله ولكنها ترقب زوجها وتتحسس مكانه في الظلام وتتعقبه أين ما ذهب وإليك الرواية على لسانها والتي أخرجها مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده وغيرهم، قالت:
لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وآله فيها عندي انقلبت فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل، فقال: ما لك يا عائشة حشيا رابية؟ قالت: قلت يا
قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته، قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني، ثم قال:
أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله (1).
وهذه الرواية تدل دلالة واضحة على أنها عندما تغار تخرج عن أطوارها وتفعل أشياء غريبة، كأن تكسر الأواني وتمزق الملابس مثلا.
ولذلك تقول في هذه الرواية فلما جاء ورأى ما أصنع قال: أفأخذك شيطانك؟.
ولا شك أن شيطان عائشة كان كثيرا ما يأخذها أو يلبسها، وقد وجد لقلبها سبيلا من طريق الغيرة، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (الغيرة للرجل إيمان، وللمرأة كفر)، باعتبار أن الرجل يغار على زوجته لأنه لا يجوز شرعا أن يشاركه فيها أحد، أما المرأة فليس من حقها أن تغار على زوجها لأن الله سبحانه أباح له الزواج بأكثر من
____________
(1) صحيح مسلم: ج 3 / ص 64 باب ما يقال عند دخول القبور، مسند أحمد بن حنبل: ج 6.
(2) مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 6 / ص 147.
(3) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 6 / ص 115.
فالمرأة الصالحة المؤمنة التي أذعنت لأحكام الله سبحانه تتقبل ضرتها بنفس رياضية - كما يقال اليوم - وخصوصا إذا كان زوجها عاملا مستقيما يخاف الله، فما بالك بسيد الإنسانية ورمز الكمال والعدل والخلق العظيم؟. على أننا نجد تناقضا واضحا في خصوص حب النبي صلى الله عليه وآله لعائشة، وما يقوله أهل السنة والجماعة من أنها كانت أحب نسائه إليه وأعزهم لديه، حتى أنهم يروون أن بعض نسائه وهبن نوبتهن لعائشة لما علمن أن النبي صلى الله عليه وآله يحبها ولا يصبر عليها.
ففي صحيح البخاري، باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها:
عن عائشة: أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة.
فهل يمكن والحال هذه أن نجد مبررا وتفسيرا لغيرة عائشة المفرطة؟
والمفروض أن العكس هو الصحيح، أي أن تغار بقية أزواج النبي صلى الله عليه وآله من عائشة لشدة حبه إياها وميله معها كما يروون ويزعمون، وإذا كانت هي المدللة عند الرسول صلى الله عليه وآله فما هو مبرر الغيرة؟
والتاريخ لم يحدث إلا بأحاديثها، وكتب السيرة طافحة بتمجيدها وأنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله المدللة التي كان لا يطيق فراقها، وأعتقد بأن كل ذلك من الأمويين الذين أحبوا عائشة وفضلوها لما خدمت مصالحهم وروت لهم ما أحبوا وحاربت عدوهم علي بن أبي طالب.
جمال عائشة وحظوتها
إن أكثر، إن لم يكن كل ما يقال عن جمال عائشة وحظوتها، وحب النبي صلى الله عليه وآله لها مروي عن نفسها، أو عن ابن أختها عروة... ونحن
أولا: إن ذلك - كما قلنا - لم يأت عموما - إلا من طريق عائشة نفسها، كما يظهر من تتبع الروايات!!... والزيت لا يقول عن نفسه أنه عكر.
ثانيا: إننا نجد ابن عباس يواجهها بعد حرب الجمل بحقيقة: أنها لم تكن أحسن نساء النبي صلى الله عليه وآله وجها، ولا بأكرمهن حسبا (1).
كما أن عمر إنما يصف زينب بنت جحش بالحسن دون عائشة عندما قال لابنته: ليس لك حظوة عائشة، ولا حسن زينب (2)... ونحن نشك في الفقرة الأولى (الحظوة) ونعتقد بأنها من مخيلة الرواة لحاجة في النفس.
ثالثا: قال علي فكري: (... وما رواه ابن بكار: من أن الضحاك بن أبي سفيان الكلابي كان رجلا دميما قبيحا: فلما بايع النبي صلى الله عليه وآله قال:
إن عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء (يريد عائشة، وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب) أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها؟ - وعائشة جالسة تسمع، فقالت: أهي أحسن أم أنت؟ فقال: بل أنا أحسن وأكرم.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله من سؤالها إياه (لأنه كان دميما قبيح الوجه)... (3) رابعا: إن من يتتبع سيرة زوجات النبي صلى الله عليه وآله يجد: أن عائشة هي
____________
(1) الفتوح لابن أعثم ج 2 / ص 337 طبعة الهند.
(2) طبقات ابن سعد ج 8 / ص 137.
(3) السمير المهذب ج 2 / ص 8.
ويظهر بما لا يبقى مجال للشك: أن أكثرهن - إن لم يكن كلهن - كن أكثر حظوة لدى النبي صلى الله عليه وآله منها، إن لم نقل أنهن أجمل وأضوء منها أيضا، فإن من الطبيعي أن نجد الدميم هو الذي يحسد على الجمال ويغار، أما الجميل فليس من الطبيعي أن يحسد الدميم، وأن يغار منه...
كما أنه ليس من الطبيعي أن يكون الميل لغير ذات الجمال أكثر منه للجميلة الوضيئة، وقد ذكر في حديث الإفك على لسان أم عائشة قولها:
(فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرن عليها).
ولو صدقنا: أنها كانت هي ذات الحظوة لدى الرسول، وأنه كان يحبها أكثر من غيرها، فلماذا هذه الغيرة، وهذا الحسد منها لهن... فإن الحسد لا بد وأن يكون على شئ يفقده الحاسد، ويتمنى زواله عن المحسود وانتقاله إليه...
هل كان النبي صلى الله عليه وآله يحب عائشة؟
وكما أعتقد بأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يحبها لما فعلته معه كما قدمنا! وكيف يحب رسول الله من تكذب وتغتاب وتمشي بالنميمة وتشك في الله ورسوله، وتظن منهما، كيف؟، كيف يحب رسول الله صلى الله عليه وآله من تتجسس عليه وتخرج من بيتها بدون إذنه لتعلم أين يذهب؟، كيف يحب رسول الله صلى الله عليه وآله من تشتم زوجاته بحضرته ولو كن أمواتا؟، كيف يحب رسول الله صلى الله عليه وآله من تبغض ابنه إبراهيم وترمي
كل هذا وأكثر في حياته أما بعد وفاته، فحدث ولا حرج.
وكل هذه الأفعال يمقتها الله ورسوله صلى الله عليه وآله ولا يحبان فاعلها، لأن الله هو الحق ورسوله صلى الله عليه وآله يمثل الحق، فلا يمكن له أن يحب من كان على غير الحق، وسوف نعرف خلال الأبحاث القادمة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يحبها، بل إنه حذر الأمة من فتنتها (3).
لقد روت عائشة أن حب النبي المفرط لها بالذات دون سواها لأسباب عديدة، ولكن ستعرف أيها القارئ الكريم الواعي بأنها كلها مزيفة:
قالت: لأنها جميلة وصغيرة وهي البكر الوحيدة التي دخل بها ولم يشاركه فيها أحد سواه.
وقالت: لأنها ابنة أحب الخلق إليه أبي بكر الصديق صاحبه في الغار.
وقالت: لأنها حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله نصف الدين فهي العالمة الفقيهة.
وقالت: لأن جبرئيل جاء بصورتها، وكان لا يدخل على النبي إلا
____________
(1) يراجع هذا الموضوع في كتاب الإفك للعلامة جعفر مرتضى العاملي.
(2) صحيح البخاري: ج 3 / ص 135 باب هبة الرجل لامرأته من كتاب الهبة وفضلها.
(3) صحيح البخاري: ج 4 / ص 46 باب ما جاء في بيوت أزواج النبي - كتاب الجهاد والسير.
وأنت كما ترى أيها القارئ بأن كل هذه الادعاءات لا تقوم على دليل ولا يقبلها العقل، وسوف نأتي على نقضها بالأدلة.
نقض قولها بأن الرسول صلى الله عليه وآله يحبها
يقولون بأن الرسول صلى الله عليه وآله يحبها لأنها جميلة وهي البكر الوحيدة التي دخل بها، فما الذي يمنعه من الزواج بالأبكار والجميلات اللاتي كن بارعات في الحسن والجمال وكن مضرب الأمثال في القبائل العربية، وكن رهن إشارته، على أن المؤرخين يذكرون غيرة عائشة من زينب بنت جحش ومن صفية بنت حيي ومن مارية القبطية لأنهن كن أجمل منها.
وقد أوردت لكم قصة عائشة مع مليكة بنت كعب، التي تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وكانت تعرف بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت لها:
أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك؟ فاستعاذت من رسول الله صلى الله عليه وآله فطلقها، فجاء قومها إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله إنها صغيرة، ولا رأي لها، وإنها خدعت فارتجعها، فأبى رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان أبوها قد قتل في يوم فتح مكة، قتله خالد بن الوليد بالخندمة (1).
وهذه الرواية تدلنا بوضوح بأن رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان همه من الزواج الصغر والجمال، وإلا لما طلق مليكة بنت كعب وهي صغيرة وبارعة في الجمال، كما تدلنا هذه الرواية وأمثالها على الأساليب التي اتبعتها عائشة في خداع المؤمنات البريئات وحرمانهن من الزواج برسول الله صلى الله عليه وآله، وقد سبق لها أن طلقت أسماء بنت النعمان لما غارت
____________
(1) رواه ابن سعد في طبقاته: ج 8 / ص 148 - ابن كثير في تاريخ: ج 5 / ص 299.
بقي لنا أن نتساءل ويحق لنا أن نتساءل: لماذا يطلق رسول الله صلى الله عليه وآله هاتين المرأتين البريئتين واللتين ذهبتا ضحية مكر وخداع عائشة لهن؟.
وقبل كل شئ لا بد لنا أن نضع في حسابنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله معصوم ولا يظلم أحدا، ولا يفعل إلا الحق، فلا بد أن يكون في تطليقهن حكمة يعلمها الله ورسوله صلى الله عليه وآله كما أن عدم تطليق عائشة بالرغم من أفعالها فيه أيضا حكمة، ولعلنا نقف على شئ منها في الصفحات المقبلة.
أما بالنسبة للمرأة الأولى وهي أسماء بنت النعمان فقد ظهرت سذاجتها عندما انطلت عليها حيلة عائشة فأول كلمة قابلت بها رسول الله صلى الله عليه وآله عندما مد يده إليها هي (أعوذ بالله منك) وبالرغم من جمالها البارع فلم يبقها رسول الله صلى الله عليه وآله لبلاهتها.
يقول ابن سعد في طبقاته (ج 8)، ويقول غيره: عن ابن عباس قال: (تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله أسماء بنت النعمان وكانت من أجمل أهل زمانها وأتمه) ولعله صلى الله عليه وآله أراد أن يعلمنا أن رجاحة العقل أولى من الجمال، فكم من امرأة جميلة جرها غباؤها للفاحشة.
أما بالنسبة للمرأة الثانية وهي مليكة بنت كعب والتي عيرتها
والمهم أن نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يجري وراء الجمال والشهوات الجسدية والجنسية كما يتوهمه بعض الجاهلين وبعض المستشرقين، الذين يقولون كان هم محمد هو النساء والحسناوات.
ورأينا كيف طلق رسول الله صلى الله عليه وآله هاتين المرأتين بالرغم من صغرهما وجمالهما فكانتا أجمل أهل زمانهما وأتمه، كما جاء في كتب التاريخ وكتب الحديث، فقول من يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وآله يحب عائشة لصغرها وجمالها مردود لا يقبل.
نقض قولها: يحبها لأنها ابنة أبي بكر
أما القائلين بأن حبه إياها لأنها ابنة أبي بكر (وكما قالت هي) فهذا غير صحيح، ولكن يمكننا أن نقول بأنه تزوجها من أجل أبي بكر، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج من قبائل عدة زواجا سياسيا لتأليف القلوب ولتسود المودة والرحمة في تلك القبائل بدلا من التنافر والتباغض، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وآله بأم حبيبة أخت معاوية وهي بنت أبي سفيان العدو الأول للنبي صلى الله عليه وآله وذلك لأنه لا يحقد، وهو رحمة للعالمين، وقد تعدى عطفه وحنانه القبائل العربية إلى مصاهرة اليهود والنصارى والأقباط ليقرب أهل الأديان بعضهم من بعض.
وبالخصوص إذا ما عرفنا من خلال ما نقرأه في الصحاح وكتب
قال تعالى: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) (1).
وإذا رجعنا إلى الرواية التي روتها عائشة وقالت فيها بأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه، عرفنا كذب الزعم بأنه صلى الله عليه وآله لا يصبر عنها (2).
وهذا الاستنتاج ليس استنتاجا عفويا ألفه الخيال، فإن له أدلة في صحاح السنة، فقد روى مسلم في صحيحه وغيره من صحاح أهل السنة أن عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وآله نساءه قال: دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون الحصى ويقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وآله نساءه، وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب، فقال عمر: فقلت لأعلمن ذلك اليوم، قال: فدخلت على عائشة فقلت: يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالت: ما لي وما لك يا ابن الخطاب، عليك بعيبتك! قال: فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت لها: يا حفصة أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله، والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحبك، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وآله، فبكت أشد البكاء... الحديث (3).
إن هذه الرواية تدلنا بوضوح لا يقبل الشك في أن زواج النبي صلى الله عليه وآله
____________
(1) آل عمران آية: 159.
(2) صحيح مسلم: ج 3 / ص 64. مسند الإمام أحمد: ج 6 / ص 221.
(3) صحيح مسلم: ج 4 / ص 188 في باب الايلاء واعتزال النساء وتخييرهن وقوله تعالى: (وإن تظاهرا عليه).
ثم لا يبقى لنا أدنى شك في أن الزواج منها كان لمصلحة سياسية عندما قال: (لولا أنا لطلقك رسول الله) صلى الله عليه وآله.
فهذه الرواية تعطينا أيضا فكرة عن زواج النبي صلى الله عليه وآله بعائشة بنت أبي بكر، وأنه صبر وتحمل كل أذاها من أجل أبي بكر أيضا، وإلا فإن حفصة أولى بحب الرسول وتقديره، لأنه لم يصدر منها ما يسئ، للنبي صلى الله عليه وآله عشر معشار ما فعلته عائشة بنت أبي بكر.
لم تكن أفضل أزواج النبي صلى الله عليه وآله، وإنما أفضلهن خديجة
قد يكون لأم المؤمنين عائشة فضلها ومنزلتها، غير أنها ليست بأفضل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وكيف تكون أفضلهن مع ما صح عنها إذ قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة ذات يوم فناولتها، فقلت: عجوز كذا وكذا، قد أبدلك الله خيرا منها، قال: ما أبدلني الله خيرا منها، لقد آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها، الحديث... (1).
وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يكاد يخرج من البيت
____________
(1) الإستيعاب - أحوال خديجة الكبرى، كذلك أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما.
فأفضل أزواج النبي صلى الله عليه وآله خديجة الكبرى صديقة هذه الأمة وأولها إيمانا بالله وتصديقا بكتابه، ومواساة لنبيه، وقد أوحي إليه صلى الله عليه وآله أن يبشرها ببيت لها في الجنة من قصب، ونص على تفضيلها، فقال:
أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران (1).
وقال صلى الله عليه وآله: خير نساء العالمين أربع ثم ذكرهن، قال: حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون، إلى كثير من أمثال هذه النصوص وهي من أصح الآثار النبوية وأثبتها.
على أنه لا يمكن القول بأن عائشة أفضل ممن عدا خديجة من أمهات المؤمنين. والسنن المأثورة والأخبار المسطورة تأبى تفضيلها عليهن، كما لا يخفى على أولي الألباب، وربما كانت ترى أنها أفضل من غيرها، فلا يقرها رسول الله صلى الله عليه وآله على ذلك، كما اتفق هذه مع أم المؤمنين صفية بنت حيي، إذ دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وهي تبكي فقال
____________
(1) كما أخرجه البخاري في باب غيرة النساء ووجدهن - وهو في أواخر كتاب النكاح: جزء 3 / ص 175.