الصفحة 168
يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) (1).

إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في كتب القوم، مما لا يمكن إحصاؤها عدا "، وسنذكر لزيادة التوضيح أسماء طائفة من الرواة مع ذكر المصادر، فممن ذكره:

الواحدي في (أسباب النزول) (2)، ومحمد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول)، وفخر الدين الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب) (3)، والثعلبي في تفسيره (4)، والسيوطي في (الدر المنثور) (5)، وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) (6)، والترمذي في صحيحه (7)، وقال:

هذا حديث حسن صحيح.

والحاكم في المستدرك (8)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يعقبه الذهبي بشئ.

وابن كثير في (البداية والنهاية) من طرق عديدة، وبسط القول فيه (9).

____________

1 - تاريخ بغداد: 7 / 377 (ط. القاهرة).

2 - { ص 150 }.

3 - { ج 12 ص 50 }.

4 - { ص 120 }.

5 - { ج 2 ص 298 }.

6 - ص 23 و 24 (ط. الغري).

7 - ج 2 ص 297 و ج 13 ص 165 (ط. الصاوي).

8 - ج 2 ص 109 و 110 (ط. حيدر آباد الدكن).

9 - ج 5 ص 212 وما بعدها وقبلها ط. مصر.


الصفحة 169
واليعقوبي في (تاريخه) (1)، وابن حجر في صواعقه قال: إنه حديث صحيح لا مرية فيه، ولقد أخرجه جماعة كالترمذي، والنسائي، وأحمد، وطرقه كثيرة جدا "، ومن ثم رواه ستة عشر صحابيا "، وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله ثلاثون صحابيا "، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته - كما مر عليك - وكثير من أسانيدها صحاح وحسان (2).

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (3): وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير، والتاريخ، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة.

وقال القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة): حكي عن أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين أستاذ أبي أحمد الغزالي أنه كان يتعجب ويقول:

رأيت مجلدا " في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر (غدير خم) مكتوبا " عليه (المجلدة الثامنة والعشرون) من طرق قوله صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه، فهذا علي مولاه) ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون (4) !

____________

1 - { ج 2 ص 93 }.

2 - الصواعق المحرقة: 42 (ط. القاهرة) 3 - ج 5 ص 208 (ط. مصر).

4 - ينابيع المودة: 39 (انتشارات الشريف الرضي).


الصفحة 170
أقول: إن الأحاديث التي أوردنا في هذا الإملاء من الأحاديث المتعلقة بيوم الغدير هي قليلة جدا " بالنسبة إلى ما ورد من الأحاديث الواردة في هذا الباب مما لا تحصى عدا ".

وقد نقل الإمام الأكبر، والعلم الأوحد عز الشريعة، ورافع رأس الشيعة، آية الله العظمى مولانا المجاهد العظيم السيد حامد حسين النيسابوري ثم الهندي (ره) في جزء الغدير من عبقاته أسماء الرواة من الذين ذكروا حديث الغدير، وكلهم من أعاظم أهل السنة (1).

وهكذا سيدنا الحجة مولانا المجاهد السيد المرعشي النجفي في تعليقاته على (إحقاق الحق) للإمام السعيد الشهيد القاضي نور الله التستري (2).

وهكذا شيخنا المفدى حجة الطائفة، الشيخ الأميني المجاهد العظيم في كتابه (الغدير) (3).

وكذلك سيدنا الأكبر آية الله الحجة الإمام المجاهد السيد (ابن طاووس) رحمه الله في كتابه الإقبال (4)، فقد نقل عن جماعة من أعاظم أهل السنة أنهم رووا حديث الغدير وصححوه، فراجع.

____________

1 - راجع أيضا " خلاصة عبقات الأنوار: 9 / 343 - 359 (ط. منشورات قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة).

2 - راجع إحقاق الحق: 2 / 426 - 465 و ج 3 / 322 - 327 و ج 6 / 225 - 304.

3 - ج 1 / 73 - 151، وفيه أسماء الرواة لحديث الغدير مع تراجمهم.

4 - إقبال الأعمال: 663.


الصفحة 171

تهنئة القوم عليا " عليه السلام بالخلافة

ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وآله خطبته تلك العظيمة، أمر من حضر المشهد من أمته، ومنهم:

(الشيخان) ومشيخة قريش، ووجوه الأنصار حتى أمهات المؤمنين بالدخول على أمير المؤمنين عليه السلام وتهنئته على تلك الحظوة الكبيرة بإشغاله منصة الولاية، ومرتبع (1) الأمر والنهي في دين الله، وقد روى ذلك جماعة كبيرة من أعاظم علماء السنة والجماعة منهم:

الطبري في كتابه (الولاية) أخرج حديثا " بإسناده عن زيد بن أرقم، وفي آخره: وكان أول من صافق النبي صلى الله عليه وآله وعليا " عليه السلام: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وباقي المهاجرين والأنصار، وباقي الناس إلى أن صلى الظهرين في وقت واحد، وامتد ذلك إلى أن صلى العشائين في وقت واحد، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ".

ومنهم: الدارقطني، فقد أخرج عنه ابن حجر في الفصل الخامس من الباب الأول من صواعقه أن أبا بكر وعمر لما سمعا الحديث، قالا للإمام علي عليه السلام: أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة.

____________

1 - المربع والمرتبع والمتربع: الموضع الذي ينزل فيه أيام الربيع، (لسان العرب:

5 / 117).


الصفحة 172
فقيل لعمر: إنك تصنع لعلي شيئا " لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ؟ فقال: إنه مولاي.

ومنهم: الحافظ أبو سعيد النيسابوري في كتابه (شرف المصطفى) بإسناده عن البراء بن عازب بلفظ أحمد بن حنبل، وبإسناد آخر عن أبي سعيد الخدري، ولفظه:

ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: (هنئوني هنئوني إن الله تعالى خصني بالنبوة، وخص أهل بيتي بالإمامة) فلقي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، فقال:

طوبى لك يا أبا الحسن ! أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ومنهم: صاحب (روضة الصفا) فإنه قال فيه بعد ذكر حديث الغدير ما ترجمته: ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وآله في خيمة، وأجلس أمير المؤمنين عليا " صلى الله عليه وآله في خيمة أخرى، وأمر [أطباق] الناس بأن يهنئوا عليا " في خيمته، ولما فرغ الناس من التهنئة له، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أمهات المؤمنين بأن يسرن إليه ويهنئنه [ففعلن] (1).

ومنهم: صاحب (حبيب السير) فإنه قال فيه:

ثم جلس أمير المؤمنين علي عليه السلام في خيمة مخصوصة، تزوره الناس ويهنئونه، وفيهم: أبو بكر، وعمر، فقال عمر: بخ بخ لك يا بن أبي طالب ! أصبحت مولاي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ثم أمر النبي صلى الله عليه وآله أمهات المؤمنين أن يدخلن على علي عليه السلام ويهنئنه (2).

____________

1 - رواه ابن خاوند شاه في روضة الصفا: 1 / 173، عنه الغدير: 1 / 271.

2 - رواه غياث الدين في حبيب السير: [1 / 144]، عنه الغدير: 1 / 271.


الصفحة 173
وممن روى ذلك: أحمد بن حنبل في مسنده: 4 / 281، والطبري في تفسيره: 3 / 428، وابن مردويه في تفسيره، والثعلبي في تفسيره، والبيهقي، والخطيب البغدادي، وابن المغازلي في مناقبه، والغزالي في كتابه (سر العالمين) ص 16، والشهرستاني في الملل والنحل، وأبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي في مناقبه: ص 29، والرازي في تفسيره الكبير: 3 / 636 والگنجي الشافعي في (كفاية الطالب).

ومحب الدين الطبري الشافعي في (الرياض النضرة): 2 / 169، والحمويني في (فرائد السمطين) في الباب الثالث عشر، وأبو الفداء ابن كثير الشافعي في (البداية والنهاية): 5 / 209، والمقريزي في (الخطط): 2 / 223، وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص 25، والسيوطي في (جمع الجوامع) كما في (كنز العمال) 6 / 397.

والسمهودي في (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى) 2 / 173، وابن حجر في (الصواعق) ص 26 إلى غير ذلك من أئمة الحديث، والتفسير، والتاريخ من رجال السنة ممن لا يسع درج أسمائهم في كتابنا هذا، فإنهم رووه بين راو مرسلا " له إرسال المسلم، وبين راو إياه بمسانيد صحاح برجال ثقات تنتهي إلى غير واحد من الصحابة، كابن عباس، وأبي هريرة، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وغيرهم (1).

____________

1 - ونذكر لك عزيزي القارئ بعضا منها، فقد رواه كل من:

السيوطي في الحاوي: 79، عنه الإحقاق: 6 / 231 " قول عمر بن الخطاب لعلي عليه السلام بعد قوله - من كنت مولاه فعلي مولاه -: أصبحت مولاي ومولى =

الصفحة 174
ولنعم ما قال الغزالي في كتابه (سر العالمين) في المقالة الرابعة بما لفظه:

ولكن أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير على متن على متن الحديث من خطبة صلى الله عليه وآله في يوم (غدير خم) باتفاق الجميع وهو يقول:

____________

= كل مؤمن ومؤمنة.

الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: 8 / 290، والسمعاني النيسابوري في فضائل الصحابة... والثعلبي في تفسيره: 104 (على ما فيه مناقب عبد الله الشافعي)، والخوارزمي في المناقب: 93 و ص 94، والبيهقي في الإعتقاد:

182، والطبري في ذخائر العقبى: 67، والزرندي الحنفي في نظم درر السمطين: 109.

والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح: 565، ابن الصباغ في الفصول المهمة، والكرخي في نفحات اللاهوت: 27 و ص 92، والشيخ محمد طاهر في مجمع بحار الأنوار: 3 / 465، والقندوزي في ينابيع المودة 206 و ص 249 و ص 31، والساعاتي في بدائع المنن: 2 / 503، والأمر تسري في أرجح المطالب: 67 و ص 567 و ص 568، بهجت أفندي في تاريخ آل محمد: 85، عنهم إحقاق الحق: 6 / 361 - 367.

والحنفي الهندي في تفريح الأحباب في مناقب الآل والأصحاب: 310 و ص 307 و ص 367، عنه إحقاق الحق 16 / 583.

وأخرجه في إحقاق الحق: 20 / 172 - 174 عن الثعلبي النيسابوري في الكشف والبيان في تفسيره القرآن: 168، وابن بدر في التهذيب في التفسير:

3 / 106.

وأخرج في الغدير: 1 / 172 - 283 تهنئة الشيخين أبي بكر وعمر، عليا " أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير نقلا " عن ستين مصدرا ".


الصفحة 175
(من كنت مولاه فعلي مولاه) فقال عمر: بخ بخ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

فهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار، سقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوا الحق وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا " قليلا "، فبئس ما يشترون، انتهى.

أقول: الحمد لله الذي أنطق (الغزالي) بالصواب الذي فيه حجتنا، وإثبات مدعانا في كتابه (سر العالمين) (1) إذ أطلق الله لسانه بالحق، وأفصح عن الواقع مع ما يحكى عنه من العصبية واللجاج، والحق، ينطق منصفا " وعنيدا ".

ومع الأسف - كل الأسف - رأينا القوم كل من أتى منهم بما يثبت مدعى الشيعة على إثبات أحقية علي أمير المؤمنين عليه السلام وبنيه بالخلافة يتهمونه بالتشيع مع أنه رأيناهم متعصبين في مذهبهم، ويرشقون الشيعة بسهام الكذب والافتراء، إلا أن الله تعالى ينطق لسانه بالحق مختارا " أم غير مختار، فيتكلم عن الواقع إذا أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، كما هو مأثور ومشهور.

وأما الشيعة فإنهم رجال علم وصدق واجتهاد ملأوا أرض الله علما " وعملا " وصدقا في القول، وإن قال فيهم خصومهم ما قالوا كذبا " وافتراء.

____________

1 - ص 16، وتجهيز الجيوش: 292.


الصفحة 176
تأمل أيها القارئ المنصف الحر، كيف أن الله أظهر حق الشيعة من كتب القوم، على أن كلمة الحق وإن طال الزمان بها لا بد وأن تظهر، شاء القوم أم أبوا، والباطل لا بد أن يدحض أيضا " شاؤا أم أبوا.

ونحن قد قدمنا لك في إملائنا هذا جملة من الأحاديث المتعلقة بيوم الغدير إلا أن هناك الكثير الكثير مما أغمصه القوم حسدا " وبغضا " منهم لأمير المؤمنين عليه السلام، سيما يوم تولى معاوية أمر الخلافة، فهناك ترى العجب العجاب مما أحدثه من الضغط الشديد على كل من يروي حديثا " في حق أبي تراب، إلا أن الله تعالى شاء أن يظهر حق أمير المؤمنين ويملأ الكون من فضائله وفواضله عليه السلام.

وهنا نقتصر على ما قدمنا مما يتعلق بموضوع الغدير الأغر لما فيه كفاية لأولي الألباب، ولو أردنا بسط القول في ذلك لملأنا كثيرا " من الكتب الضخمة، وهذا ينافي الاختصار الذي وعدنا به قارئنا الكريم.

ومن أراد المزيد، فعليه بالكتب المطولة التي مر عليك ذكرها من ذي قبل، على أن في ما قدمناه أدلة واضحة، وبراهين ساطعة، وحجج دامغة في أولوية علي أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة من غيره، لأن المراد من كلمة (المولى) هو الأولى بالتصرف، وذلك معروف في اللغة والاستعمال كما في القرآن المجيد (النار هي مولاكم) (1) أي أولى بك، وقال الأخطل:

____________

1 - الحديد: 15.


الصفحة 177
فأصبحت مولاها من الناس بعده (1).

وقالوا: مولى العبد: أي الأولى في تدبيره والتصرف فيه، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عين هذا المعنى من كلمة (المولى) حيث صدر كلامه بقوله: (ألست أولى بكم من أنفسكم) ؟ فصرح فيه بالأولوية، ثم عقبه من دون فصل بقوله:

(من كنت مولاه، فهذا علي مولاه) أي من كنت أولى به من نفسه، فعلي أولى به من نفسه، فيكون علي عليه السلام أولى بالتصرف في أمورهم، ولا يكون أولى إلا إذا كان خليفة وإماما، وهذا نص صريح في إرادة رئاسته الدين والدنيا، إذ أن الأولى بنفس الأمة منهم هو النبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام كما مرت الإشارة إليه في تحقق الآية السابقة.

وقد فهم هذا المعنى من الفصحاء السامعين لذلك، العارفين بمدلولات الكلام العربي، وعمر بن الخطاب، وحسان بن ثابت، وحارث بن النعمان الفهري، وقد مرت عليك أقوالهم.

إذا كما لا يجوز تقدم أحد على رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يجوز أيضا تقدم أحد على علي عليه السلام فتدبر.

وأيضا مما دلنا على أن المراد من (المولى) هو الأولى الذي يكون بمعنى الإمامة والإمارة: تهنئة الصحابة لعلي عليه السلام كما تقدم، وليس الباعث لهم على التهنئة المذكورة حينما سمعا من النبي صلى الله عليه وآله ما قال إلا فهما من المولى وهو الإمارة والإمامة، ذلك هو الأمر الذي يحق من

____________

1 - (كلهم) خ.

وعجز البيت هو: وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا.


الصفحة 178
أجله أن يهنئا به عليا عليه السلام، لا معنى الناصر والنصرة المعلوم لديهم، المحقق عندهم وعنده عليه السلام وأنه ليس مما يحسن ويجمل بأن يهنئه الصحابة بأمر متصف قبل ذلك به، ومن لوازمه وأوصافه.

كما وأن الباعث لعمر بن الخطاب على أن يصنع لعلي ما لا يصنعه لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وقوله: إنه مولاي (1)، وهو ما فهمه وعلمه من معنى الإمارة والإمامة، لا معنى الناصر، فإنه يكون جوابا تافها، إذ معناه أنه ناصري ! فمتى جهل السائل نصرة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله بعضهم بعضا حتى يجيب عمر بن الخطاب بأن عليا ناصري ؟ !

ولو كان ذلك المعنى مقصودا للنبي صلى الله عليه وآله وفهمه عمر بن الخطاب فلماذا يتأثر ويستنكر، ويستكبر، ويتذمر عندما جاء إليه أعرابيان يختصمان، فقال لعلي عليه السلام: اقض بينهما يا أبا الحسن.

فقال أحدهما متهكما: هذا يقضي بيننا !

فاستكبر عمر ذلك من الأعرابي، فوثب إليه، وقال وهو غضبان: ويحك ! ما تدري من هذا ؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ؟ !

وقد نازع عمر رجل في مسألة، فقال عمر: بيني وبينك هذا الجالس - وأشار إلى علي عليه السلام - فقال الرجل: هذا الأبطن ! فلما عرف

____________

1 - روى السمعاني في فضائل الصحابة (على ما في إحقاق الحق: 6 / 368) بالإسناد عن سالم بن أبي الجعد، قال: قيل لعمر: إنك تصنع بعلي ما لا تصنعه بأحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله !، قال: لأنه مولاي.


الصفحة 179
عمر من حال الرجل الانتقاص لعلي عليه السلام والاستهزاء به، والاستصغار له، نهض عمر عن مجلسه، وأخذ بتلبيبه (1) حتى رفعه من الأرض، ثم قال: أتدري من صغرت مولاي ومولى كل مسلم ؟ !

تأمل أيها القارئ المنصف لما قال، فإنه قال له: أتدري من صغرت، مولاي ومولى كل مسلم ؟ !

نقل ذلك محب الطبري في الرياض النضرة: 2 / 170، وأخرجه الخوارزمي في مناقبه ص 97 بطرقه الصحيحة المعتبرة عن عمر (2).

فلو لم يفهم عمر من لفظ (مولى) الإمارة، لأجاب بأن هذا ناصري وناصر كل مسلم ! فانظر لما دخل عمر من الانفعال والتأثر من قول خصمه في علي عليه السلام، وقل لي بشرف الحق:

إن كان استكباره، واستنكاره، وانزعاجه، وتأثره من أعرابي همجي لأنه صغر ناصره، فأراد أن يعلم الرجل في ذلك الحال، بذلك النهوض بأن (من) لم يكن ناصر علي عليه السلام، فليس بمؤمن، أو ليس بمسلم، (ثم) أهذا هو الذي أزعج عمر وأغضبه واستعظمه واستبشعه،

____________

1 - أي جمع ثيابه عند نحره - في الخصومة - ثم جره.

2 - راجع في ذلك الخوارزمي في المناقب: ص 97، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ص 67 من طريق ابن السمان في كتاب (الموافقة) عن عمر، والأمر تسري في أرجح المطالب: 573، والقلندر في الروض الأزهر: 366 (بأسانيدهم وبألفاظ مختلفة عنها، إحقاق الحق: 6 / 367).


الصفحة 180
أم شيئا آخر وراء ذلك كان أحرى بأن ينهض له عمر منزعجا عن مجلسه، وأجدر بأن يغضب من أجله ؟

بلى وأيم الحق لم يزعجه ويغضب له ما كان يعلمه ويعهده في علي عليه السلام وأنه الأولى بالمؤمنين، فأراد من ذلك النهوض والاستعظام والاستنكار والتوبيخ لمن صغره أو استهان به، فأظهر حينذاك ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وأكد عليه وعلى المؤمنين وقتئذ بحيث أقبل عليه، هو وجماعة المؤمنين، يهنئونه فيما حباه الله تعالى بأنه عليه السلام مولاه ومولى كل مسلم، وأن من لم يكن مولاه، فليس بمسلم، ولو لم يكن بغير ولاية النبي صلى الله عليه وآله فلا مناسبة لذلك الحال من عمر، مع كون المراد من (المولى) هو الناصر، إذن فكيف يدور في الخلد، أو يقع في الوهم بأن المراد من (المولى) هو الناصر ؟

أهكذا يفهم الكلام العربي، ويكون معنى الكلام الفصيح والمنطق البليغ، وتلك هي المطابقة لمقتضى الحال ؟ !

إضافة على ذلك كله إن معنى (المولى) بمعنى الناصر يستلزم تكذيب قول رسول الله صلى الله عليه وآله الصادق الأمين - والعياذ بالله من ذلك - إذ كم وقع في الأمة بعه من انقلاب في الدين واختلال في النظام أسفر عنهما ظالم جائر، ومظلوم مقهور، ومرتد ناكث كل ذلك بمرأى من أمير المؤمنين علي عليه السلام ومسمعه وهو جليس داره ما ينيف على عشرين سنة، لم يتمن من نصرة أحد حتى لمن في بيته، ويحدثنا التاريخ بنصرته أو انتصار الأمة به، إذا فأين قوله صلى الله عليه وآله:


الصفحة 181
(من كنت مولاه فهذا علي مولاه) يعني ناصره ؟ وأين نصرة علي عليه السلام في تلك المدة ؟ ومن انتصر به وهو بذلك الحال ؟

ثم إن ما أوله ذوي الأغراض الفاسدة، والأخلاق المرذولة، كابن حجر في صواعقه (الفصل الخامس) من الباب الأول، والقوشجي في شرح التجريد، ومن حذا حذوهما، من أن المراد هو المحب والناصر كما تقدم، فهو بديهي البطلان لمنافاته لما صدر به النبي صلى الله عليه وآله كلامه، مع أن الحب والنصرة من الأمور التي يعرفها جميع المسلمين، فهي غنية عن البيان لمزيد الآيات والأحاديث فيها.

وقد جاء في القرآن المجيد قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) (1) (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (2) (أشداء على الكفار رحماء بينهم) (3) فلا يحتاج بيانها لأن ينزل الوحي مهددا لرسول الله صلى الله عليه وآله بعدم تبليغ رسالته إن لم يبلغ ذلك، فيصدع الرسول صلى الله عليه وآله بما أمر، ويتحمل تلك المشقة العظمى، فينزل مائة وعشرين ألف صحابي أو أكثر في تلك الرمضاء، ويصعد رحال الإبل، ويخطب تلك الخطبة، ويأخذ بيد علي عليه السلام فيرفعها قائلا:

(من كنت مولاه فهذا علي مولاه) فتحمل تلك المشاق دليل على أن المقصود أمر عظيم محتاج إلى هذا البيان، ألا وهو الأولوية بأمور الناس.

ثم إنه لو كان المقصود بيان الحب والنصرة، فلم نزلت آية إكمال

____________

1 - الحجرات: 10.

2 - التوبة: 71.

3 - الفتح: 29.


الصفحة 182
الدين وإتمام النعمة عند نزول الوحي بالإخوة بين المسلمين ؟

أقول: ففي هذا كفاية لأولي الأبصار، وحجة تقطع على الخصم الاعتراض على دعوى الشيعة في مدعاهم بخلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل.

ولنا أدلة كثيرة أخرى على إثبات مدعانا في أمر خلافة علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله مباشرة غير الذي ذكرنا، فنحيل القارئ إلى مظانها، فهناك طائفة كبيرة من علماء المسلمين من الفريقين، ألفوا كتبا جمة مطولة ومختصرة في موضوع الغدير الأغر، وأما ما ذكروه في ضمن موسوعاتهم، فهي مما لا تحصى كثرة، ولم تستقصى عدا.

واعلم إنما قدمناه لك خمس آيات من القرآن المجيد وهي:

(آية الولاية) و (وآية التطهير) و (آية المباهلة) و (آية المودة) و (آية التبليغ)، وهذه الآيات تدل على اختصاص أمير المؤمنين علي عليه السلام بالخلافة فورا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل بنص قاطع لا يدع لمنكر مساغا في الرد علينا بمدعانا في تثبيت علي عليه السلام، وقد انجلى بهذه الآيات الخمسة التي أوردها علماء الإسلام وصححها أكابر علماء السنة عدا علماء الشيعة في أمر الخلافة لعلي عليه السلام.

فينبغي لكل ذي ضمير حر، ووجدان صحيح أن يستسلم، ويدع المنابذة الكائنة بين الفريقين (الشيعة والسنة) إذ أن الشيعة لم يأتوا شيئا إدا، بل أثبتوا مدعاهم من القرآن والسنة جميعا، فأي لوم على من أثبت مدعاه من كتاب الله وسنة نبيه، مع

الصفحة 183
انضمام أقوال كثير من فطاحل علماء مخالفي مذهبه ؟

وزيادة على ما قدمنا لك فقد ذكر الإمام السعيد الشهيد، المجاهد الأكبر في سبيل الله السيد القاضي نور الله التستري (رحمه الله) في المجلد الثالث من إحقاق الحق طبع (طهران) أربعا وثمانين آية أخرى من الآيات النازلة في شأن أمير المؤمنين علي عليه السلام وسائر أهل البيت عليهم السلام وذكر مداركها من كتب العامة، فراجع هناك يغنيك عن تفصيلنا في هذا الاملاء (1).

____________

1 - إتماما للفائدة، وإلقاء للحجة نورد لك هذه الآيات المباركة الشريفة المذكورة في كتب القوم، وهي:

سورة الشورى: 23 (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).

سورة البقرة: 207 (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله).

سورة آل عمران: 61 (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم) سورة البقرة: 37 (فتلقى آدم من ربه كلمات).

سورة البقرة: 124 (إني جاعلك للناس إماما) سورة مريم: 96 (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا).

سورة الرعد: 7 (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد).

سورة الصافات: 24 (وقفوهم إنهم مسؤولون).

سورة محمد: 30 (ولتعرفنهم في لحن القول).

سورة الواقعة: 10 (والسابقون السابقون أولئك المقربون).

سورة التوبة: 19 (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام).

سورة المجادلة: 12 (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة).

سورة الزخرف: 45 (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا). =

الصفحة 184

____________

= سورة الحاقة: 12 (وتعيها أذن واعية).

سورة الإنسان: 1 (هل أتى على الإنسان حين من الدهر).

سورة الزمر: 33 (والذي جاء بالصدق وصدق به).

سورة الأنفال: 62 (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين).

سورة الأنفال: 64 (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين).

سورة الحديد: 19 (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون).

سورة البقرة: 274 (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية).

سورة الأحزاب: 56 (إن الله وملائكته يصلون على النبي).

سورة الرحمن: 19 (مرج البحرين يلتقيان).

سورة الرعد: 43 (ومن عنده علم الكتاب).

سورة العنكبوت: 1 - 2 (الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا).

سورة التحريم: 8 (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا).

سورة البينة: 7 (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية).

سورة الفرقان: 54 (هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا).

سورة التوبة: 119 (وكونوا مع الصادقين).

سورة الحجر: 47 (إخوانا على سرر متقابلين).

سورة الأعراف: 172 (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم).

سورة التحريم: 4 (وصالح المؤمنين).

سورة المائدة: 3 (اليوم أكملت لكم دينكم) سورة النجم: 1 (والنجم إذا هوى).

سورة العاديات: 1 (والعاديات ضبحا).

سورة السجدة: 18 (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون). =

الصفحة 185

____________

= سورة الفتح: 29 (فاستوى على سوقه).

سورة الرعد: 4 (يسقى بماء واحد) سورة الأحزاب: 23 (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا عليه).

سورة فاطر: 32 (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا).

سورة يوسف: 108 (أنا ومن اتبعني) سورة الرعد: 19 (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق).

سورة محمد: 32 (وشاقوا الرسول من بعدما تبين لهم الهدى).

سورة هود: 3 (ويؤت كل ذي فضل فضله).

سورة الزمر: 32 (فمن أظلم ممن كذب على الله).

سورة آل عمران: 173 (وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).

سورة الأحزاب: 25 (وكفى الله المؤمنين القتال).

سورة الشعراء: 84 (واجعل لي لسان صدق من الآخرين).

سورة العصر: 1 - 2 (والعصر * إن الإنسان لفي خسر).

سورة العصر: 3 (وتواصوا بالصبر).

سورة التوبة: 100 (والسابقون الأولون).

سورة الحج: 34 (وبشر المخبتين).

سورة الأنبياء: 101 (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى).

سورة الأنعام: 160 (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).

سورة الأعراف: 44 (فأذن مؤذن بينهم).

سورة الأنفال: 24 (إذا دعاكم لما يحييكم).

سورة القمر: 55 (في مقعد صدق عند مليك مقتدر).

سورة الزخرف: 57 (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون).

سورة الأعراف: 181 (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون).

=

الصفحة 186

____________

= سورة الفتح: 29 (تراهم ركعا سجدا).

سورة الأحزاب: 58 (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا).

سورة يونس: 2 (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق).

سورة النساء: 59 (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

سورة التوبة: 3 (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر).

سورة الرعد: 29 (طوبى لهم وحسن مآب).

سورة الزخرف: 41 (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون).

سورة النحل: 76 (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم).

سورة الصافات: 130 (سلام على آل ياسين).

سورة الحجر: 47 (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين).

سورة الفتح: 29 (يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار).

سورة النساء: 54 (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله).

سورة النور: 35 (كمشكاة فيها مصباح).

سورة النساء: 29 (لا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما).

سورة الفتح: 29 (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما).

سورة المائدة: 54 (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه).

سورة هود: 17 (أفمن كان على بينة من ربه).

سورة البقرة: 157 (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).

سورة النحل: 43 (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).

سورة النبأ: 1 - 2 (عم يتساءلون عن النبأ العظيم).

سورة الأحزاب: 33 (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم =

الصفحة 187
فبالله عليك أيها القارئ الكريم المنصف، أفيسوغ بعد هذا كله أن يشك أحد، أو يرتاب في أولوية علي عليه السلام بالخلافة ووصايته، اللهم إلا أن يكون مكابرا لنفسه، أو معاندا لوجدانه، ويغض الطرف عما أتينا مع أنها في الوضوح كالنار على المنار، والشمس في رابعة النهار.

ولعمر الله ما أدري أي معذرة أعدها القوم (السنة) ليوم الحساب الذي تشخص فيه الأبصار، يوم تبلغ فيه القلوب الحناجر ؟ !

فإلى متى هذا الإعراض عن وقوفهم على كتب الشيعة الأبرار ؟ !

وإلى متى هذا اللجاج واللداد والعناد ؟ !

وإلى متى هذا الاجحاف في حق رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه وخدنه أمير المؤمنين عليه السلام ؟ !.

اللهم فاشهد إنا قد أتممنا الحجة، وأوضحنا المحجة، وسهلنا السبيل لإخواننا (السنة)

____________

= تطهيرا).

سورة المائدة: 67 (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك).

سورة المائدة: 55 (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).

وروي عن ابن عباس - في حديث مشهور - أنه قال: ما نزلت آية وفيها (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي رأسها وأميرها.

راجع حلية الأولياء: 64 وينابيع المودة: 126، وشواهد التنزيل: 1 / 52 وغيرها، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الآية الشريفة وردت في القرآن الكريم في (89) موضعا.


الصفحة 188
اللهم اهدهم كما هديتنا، وارشدهم كما أرشدتنا، فإنك الهادي والمرشد إلى سواء السبيل، وقد قلت في كتابك: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) (1) وقلت:

(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (2).

____________

1 - الإنسان: 3.

2 - الكهف: 29.


الصفحة 189

الشيعة والسنة النبوية

الشيعة: هم الذين أخذوا بالسنة السنية، والطريقة النبوية التي جاء بها سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله لم يحيدوا عنها قيد شعرة أبدا من يوم إعلان الدعوة حتى اليوم، وإلى ما بعد اليوم، متمسكين بعروتها الوثقى، سالكين صراطها المستقيم، آخذين عن أئمة أطهار معصومين عن الخطأ، سنة متبعة لا ريب فيها ولا ارتياب، قيمة لا عوج فيها ولا اعوجاج، لا يأخذون براوية إلا من طريق أئمتهم بسندهم الموثوق إمام معصوم، عن إمام مثله، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل، عن الرب الجليل ليس إلا.

هذا ولم يرو لنا أصحاب السير والتواريخ أن أحدا من الأئمة الاثني عشر أخذ من صحابي أو تابعي أو غيره، فقد أخذ الناس العلم عنهم، ولم يأخذوه عن أحد.

قال الإمام الصادق عليه السلام:

عجبا للناس أنهم أخذوا علمهم كله عن رسول الله صلى الله عليه وآله فعملوا به واهتدوا، ويرون أنا أهل البيت لم نأخذ علمه، ولم نهتد به ! ! ونحن أهل بيته وذريته، في منازلنا نزل الوحي، ومن عندنا خرج العلم إلى

الصفحة 190
الناس، أفتراهم علموا واهتدوا، وجهلنا (نحن) وضللنا ! ؟

(إن هذا لمحال) (1).

وقال الإمام الباقر عليه السلام: لو كنا نحدث الناس برأينا وهوانا لهلكنا، ولكنا نحدثهم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم (2).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين، حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله (3).

وقال عليه السلام: من حدث عنا بحديث فنحن مسائلوه عنه يوما، فإن صدق علينا فإنما يصدق على الله وعلى رسوله، وإن كذب علينا فإنما يكذب على الله وعلى رسوله لأنا إذا حدثنا لا نقول قال فلان وفلان، إنما نقول: قال الله، وقال رسوله.

____________

1 - رواه في بصائر الدرجات: ص 12 ح 3 بإسناده إلى الإمام الصادق عليه السلام.

2 - روى مثله الصفار في بصائر الدرجات: ص 299 باب 14 بألفاظ عديدة، وأسانيد شتى، فراجع.

3 - رواه الكليني في الكافي: 1 / 53 ح 14 بإسناده عن الصادق عليه السلام.

4 - تأويل الآيات الظاهرة: 510، عنه كنز الدقائق: 9 / 64، وأورده في مجمع البيان: 8 / 505، وأخرجه في البحار: 7 / 159 عن العياشي في تفسير قوله تعالى: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله) سورة الزمر الآية: 60.


الصفحة 191
ثم إن الشيعة لم تعمل بأي حديث ورد عن أي محدث، أو رواية وردت عن أي راو إلا إذا كانت موافقة للروايات الواردة من طريقة أئمة الهدى من العترة الطاهرة عليهم السلام يصححها القرآن الكريم عند عرضها عليه.

لأنهم يعلمون علم اليقين ما حديث في عصر بني أمية خصوصا في زمن الطاغية (معاوية) (1) العصر الذي صار فيه الحديث متجرا، يعطى الراوي أجرة على حسب ما يكون وقع حديثه في النفوس، وتأثيره فيها مدحا أو قدحا كما في في رواية رواها ثقات معاوية: (الأمناء على الدين ثلاثة: أنا وجبرئيل ومعاوية) ! ! ! وكرواية جعله كاتب الوحي ! !، وخال المؤمنين !.

وكحديث يوم فتح مكة: (من دخل دار أبي سفيان كان آمنا) !

كأنه صار حرما كحرم البيت الحرام !.

الخطب الأفظع أنه كثرت الروايات في ذم الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام وشتمه، وشتم آله حتى شتم على سبعين ألف منبرا ! !

وكيفية الشتم جاء في كثير من مصادر العامة غير أن قلمنا لم يطاوعنا في تسجيل اللفظ بعينه، والمشتكى إلى الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله (2).

____________

1 - يأتي بياننا في ذلك: 338 فراجع.

2 - قال المؤلف: أفيشتم مثل أمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيته الميامين وقد مدحهم الله في قرآنه المبين، وأوصى الله ورسوله صلى الله عليه وآله بهم بقوله تعالى:

(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).

وقوله صلى الله عليه وآله في رواية أم سلمة: (من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أكبه الله على منخريه في النار) ؟ ! =

الصفحة 192
لهذا وغيره لا يقبلون الرواية عن مثل هؤلاء الرواة الوضاعين والدساسين الدجالين، وقد سمى معاوية نفسه ومواليه بأهل السنة والجماعة في ذلك العصر المظلم كيدا لشيعة علي عليه السلام، فالشيعة في الحقيقة وفي الواقع هم السنيون إذ أنهم أخذوا السنة من منبعها العذب الصافي (1)، استقاها أبرار ورواة أخيار، وكانوا يأخذون الحديث والسنة النبوية من أئمتهم وسادتهم وقادتهم، ويتلقون منهم كمن يتلقى عن سيد الأنبياء لأنهم يعتقدون أن ما عندهم عن الرسول من غير تصرف واجتهاد منهم، ولذا كانوا يأخذون منهم مسلمين من دون شك واعتراض، ويسألونهم عن كل شئ يحتاجون إليه فكان حديثهم المروي يجمع كل شئ.

وهذا الإمام الصادق عليه السلام اجتمع عنده كثير من الفطاحل والنوابغ والجهابذة، وقد بلغوا من الكثرة ما يفوق حد الاحصاء حتى أن أبا الحسن الوشاء، قال لبعض أهل الكوفة:

أدركت في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - أربعة آلاف شيخ من أهل الورع والدين كل يقول:

____________

= أفيقال لمثل معاوية ومن حذا حذوه: (مسلم) يا منصفون ؟ !

فلا وربك لا حظ لهم من الإسلام إلا ظاهرا، وليتهم بقوا على ما كانوا عليه من الكفر لاتسع نطاق الإسلام أكثر مما هو عليه الآن.

1 - حبذا أيها القارئ العزيز أن ترجع إلى كتاب (الشيعة هم أهل السنة) للتيجاني، المحقق التونسي الذي هداه الله فاستبصر، وراح ينشر الحقائق التي أنارت ذهنه بعد أن كانت خافية عليه.


الصفحة 193
حدثني جعفر بن محمد عليه السلام.

وسنورد عليك نبذة من الأحاديث والأخبار والسنن النبوية التي هي طافحة في إثبات مدعى الشيعة وأحقيتهم على ما جاء عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام نذكرها من كتب السنة والجماعة، وإليك منها.

حديث الدار أو حديث الانذار

وهو قول النبي صلى الله عليه وآله:

(هذا علي أخي، ووزيري، ووصيي، وخليفتي من بعدي).

أخرجه كثير من الحفاظ، وأئمة الحديث، وأهل السير والتواريخ من الفريقين في صحاحهم، ومسانيدهم، واعترفوا بصحته بخوعا بعظمته، وكثرة رواته، وتلقاه المؤرخون من الأمة الإسلامية وغيرها بكل قبول، ملقين إليه بسلاح النظر والتفكير، إذ أنه ظهر بين الرواة ظهورا واضحا لا غبار عليه، وأرسل في صحيفة التاريخ إرسال المسلم.

وقد صدر هذا الحديث عن صاحب الرسالة في بدء الدعوة.

ونص الحديث على ما ذكره الطبري في تاريخه (1) عن أبي حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد

____________

1 - ج 3 ص 560.


الصفحة 194
الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمر، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن العباس، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال:

لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله (وأنذر عشيرتك الأقربين) (1) دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا علي ! إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت إني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليه حتى جاء جبرئيل، فقال:

(يا محمد ! إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك) ! فاصنع لنا صاعا من الطعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسا من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به.

ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب، حمزة، والعباس، وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وآله جذية من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال:

خذوا بسم الله.

فأكل القوم حتى مالهم بشئ حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم.

____________

1 - سورة الشعراء: 214.


الصفحة 195
ثم قال: إسق القوم.

فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعا، وأيم الله، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله.

فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكلمهم، بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم ! ! فتفرق القوم، ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: (الغد يا علي، إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول)، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم إلي).

قال: ففعلت، ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام، فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى مالهم بشئ حاجة، ثم قال:

اسقهم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعا.

ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: (يا بني عبد المطلب ! إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي، وخليفتي فيكم) ؟

قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت - وإني لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا -: أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي، ثم قال:

(إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا).

قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب:


الصفحة 196
قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

قال العلامة الحجة الأميني في كتابه الغدير (1) بعد ذكر هذا الحديث: وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى 240 في كتابه (نقض العثمانية) وقال: إنه روي في الخبر الصحيح (2).

ورواه الفقيه برهان الدين في (أنباء نجباء الأنباء) ص 44 - 48، وابن الأثير في الكامل ص 24، وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في (تاريخه) ج 1 ص 116، وشهاب الدين الخفاجي في (شرح الشفا) للقاضي عياض ج 3 ص 137 وبتر آخره، وقال:

ذكر في دلائل البيهقي، وغيره بسند صحيح.

والخازن علاء الدين البغدادي في (تفسيره) ص 390، والحافظ السيوطي في (جمع الجوامع) كما في ترتيبه ج 6 ص 392 نقلا " عن الطبري، وفي ص 397 عن الحفاظ الستة: أبي إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي.

وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) ج 3 ص 254، وذكره المؤرخ جرجي زيدان في (تاريخ التمدن الإسلامي): ج 1 ص 31، والأستاذ محمد حسنين هيكل في (حياة محمد) ص 104 من الطبعة الأولى.

____________

1 - { ج 2 ص 279 }.

2 - قال المؤلف: راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3 ص 263.

أقول: وفيه يحكم الإسكافي بصحته جزما ".

الصفحة 197
ورجال السند كلهم ثقات إلا أبو مريم عبد الغفار بن القاسم فقد ضعفه القوم، وليس ذلك إلا لتشيعه، فقد أثنى عليه ابن عقدة وأطراه، وبالغ في مدحه كما في (لسان الميزان) ج 4 ص 43 وأسند إليه، وروى عنه الحفاظ المذكورون، وهم أساتذة الحديث، وأئمة الأثر، والمراجع في الجرح والتعديل، والرفض والاحتجاج.

ولم يقذف أحد منهم الحديث بضعف أو غمز، لمكان أبي مريم في إسناده، واحتجوا به في دلائل النبوة، والخصائص النبوية.

وصححه أبو جعفر الإسكافي، وشهاب الدين الخفاجي كما سمعت، وحكى السيوطي في (جمع الجوامع) كما في ترتيبه ج 6 ص 396 تصحيح ابن جرير الطبري له، على أن الحديث ورد بسند آخر رجاله كلهم ثقات كما يأتي، أخرجه أحمد في مسنده ج 1 ص 111 بسند رجاله كلهم من رجال الصحاح بلا كلام، وهم: شريك، الأعمش، المنهال، عباد.

وليس من العجيب ما هملج به ابن تيمية من الحكم بوضع الحديث، فهو ذلك المتعصب العنيد، وأن من عادته إنكار المسلمات، ورفض الضروريات، وتحكماته معروفة، وعرف منه المنقبون أن مدار عدم صحة الحديث عنده هو تضمنه فضائل العترة الطاهرة ! ! !

ثم ذكر العلامة الأميني صورة ثانية فراجع، وقال: أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 1 ص 159 عن عفان بن مسلم الثقة المترجم له ج 1 ص 86 عن أبي عوانة الثقة المترجم له ج 1 ص 78 عن عثمان بن المغيرة