والصحيح الذي يوافق تاريخ نزول الآية الكريمة، ويوافق الوقائع، هو ما ذكره الرازي من أنّ الداعي هو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (62)، إذ كانت الآية المذكورة نازلة في الحديبية بلا خلاف، وهي في سنة سـتّ للهجرة، وبعدها غزا النبيّ هوازن وثقيف وهم أُولو بأس شديد، في وقعة حنين الشهيرة وذلك بعد فتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة، وفتح مكّة هو الآخر دعوة إلى قتال قوم أُولي بأس شديد قاتَلوا الاِسلام وأهله حتّى أظهره الله عليهم في الفتح، ثمّ كانت غزوة مؤتة الشديدة، ثمّ غزوة تبوك وهي المعروفة بجيش العسرة، التي استهدفت محاربة الروم على مشارف الشام، ثمّ دعاهم مرّةً أُخرى لقتال الروم في جيش أُسامة الذي جهّزه وأمر بإنفاذه وشدّد على ذلك في مرضه الذي توفّي فيه.
فكيف يقال إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يدعهم إلى قتال بعد نزول الآية؟!
ولاَجل الفرار من هذا المأزق ذهبوا إلى آية سورة التوبة النازلة في المخلَّفين: (فإنْ رَجَعَكَ اللهُ إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معيَ عدوّاً)(63).
قال ابن حزم بعد أن ذكر هذه الآية ما نصّه: وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شكّ التي تخلّف فيها الثلاثة المعذورون الّذين تاب الله عليهم في سورة براءة، ولم يغزُ عليه السلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات صلى الله عليه وآله وسلم. وقال تعالى أيضاً: (سيقول المخلَّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام الله قُل لن تتّبعونا كذلكم
____________
(61) الفِصَل 4|109 ـ 110، شرح المواقف 8|364، شرح المقاصد 5|266.
(62) تفسير الرازي 28|92 ـ 93.
(63) سورة التوبة 9: 83.
وهذا أوّل التهافت! فالآية الثانية، آية سورة الفتح، نزلت في الحديبية سنة سـتّ للهجرة بلا خلاف، أي قبل تبوك بثلاث سنين! ويتّضح التهافت جليّاً حين يواصل القول مباشرةً: «ثمّ عطف سبحانه وتعالى عليهم إثر منعه إيّاهم من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغلق باب التوبة فقال تعالى: (قُل للمخلَّفين من الاَعراب ستُدعونَ إلى قومٍ أُولي بأسٍ شديد تقاتلونهم أو يُسلمون) فأخبر تعالى أنّهم سيدعوهم غير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومٍ يقاتلونهم أو يُسلمون»(66).
وهكذا قلب ترتيب الآيات، فقدّم آية التوبة النازلة بعد تبوك سنة تسع، وأخّر آية الفتح النازلة في الحديبية سنة سـتّ، ليتّفق له ما يريد!!
وهذا هو الخطأ الاَوّل، فكيف يكون ما نزل سنة تسع من الهجرة مقدَّماً على ما نزل سنة سـتّ؟!
وأمّا الخطأ الثاني فليس بأقلّ ظهوراً من الاَوّل: فآية سورة الفتح النازلة في الحديبية في السنة السادسة قد جاء فيها الاِخبار عن وقوع الدعوة، وتعليق الثواب والعقاب بالطاعة والعصيان منهم، فنصّ الآية يقول: (ستُدعون إلى قوم أُولي بأسٍ شديد...) وقد وقعت الدعوة منه صلى الله عليه وآله وسلم حقّاً في حُنين ومؤتة وتبوك.
أمّا آية سورة التوبة في المخلَّفين المنافقين فقد أغلقت عليهم طريق التوبة ومنعت خروجهم مع النبيّ ومع غيره أيضاً، إذ كيف يدعوهم أبو بكر أو
____________
(64) سورة الفتح 48: 15.
(65) الفِصَل 4|109.
(66) الفِصَل 4|109.
وهذا صريح في حكم الله تعالى عليهم بالكفر وقت نزول الآيات، وأنّهم يموتون على الكفر والضلال، وأكّد ذلك بقوله في الآية التالية مباشرة: (ولا تُعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريدُ اللهُ أن يعذّبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون)(67).
فهؤلاء إذن المقطوع بكفرهم وموتهم على الكفر، غير أُولئك الّذين ذكرتهم سورة الفتح ووعدتهم بالثواب إنْ هم استجابوا للداعي!
وهذه المفارقات الظاهرة لا تخفى على كبار المتكلّمين لولا التقليد والاِصرار على نصرة المذهب! وهذه العلّة هي التي أوقعت الكثير من كبار المتكلّمين في العقائد بمثل هذه التناقضات والمفارقات الغريبة التي لا تخفى على البسطاء، لكنّها بلا شكّ محلّ اعتصام المقلِّدين الّذين يعجبهم كلّ ما من شأنه نصرة المذهب! وهذه ظاهرة عامّة، فلا فرق بين مقلِّد متعصِّب، وآخر مثلـه!
* ثمّة التفاتة لم أجد من أشار إليها مع أنّها داخلة في صلب هذا الموضوع إلى حدّ الحسم في تحديد غايته! وهي: أنّه في ذات الواقعة التي نزلت فيها الآية الاَُولى:(قُل للمخلَّفين من الاَعراب ستُدعَون إلى قوم
____________
(67) سورة التوبة: 9: 83 ـ 85.
أخرجه الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة(68).
ونحو هذا تماماً قاله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لوفد ثقيف، قال: «لَـتُسـلمُـنَّ أو لاَبعثنَّ عليكم رجلاً منّي ـ أو قال: مثل نفسي ـ ليضربنّ أعناقكم، وليسـبينّ ذراريكم، وليأخذنّ أموالكم» قال عمر: فوالله ما تمنّيت الاِمارة إلاّ يومئذٍ، فجعلتُ أنصب صدري رجاء أن يقول: هو هذا. فالتفتَ إلى عليٍ فأخذ بيده وقال: «هو هذا، هو هذا»(69).
ونحوه ما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه واقعٌ بعده، فقال: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله» فاستشرف له القوم، وفيهم أبو بكر وعمر، فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: «لا». قال عمر: أنا هو؟ قال: «لا، ولكن خاصف النعل» وكان عليٌّ يخصف نعل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (70).
____________
(68) سنن الترمذي ج 5 ح 3715، سنن النسائي ج 5 ح 8416، كتاب الخصائص بتخريج الاَثري: ح 30، المصنّف| ابن أبي شيبة ـ فضائل عليّ ـ ج 7 ح 18.
(69) أخرجه: عبـدالرزّاق| المصنّف 11|226 ح 20389، المصنّف| ابن أبي شيبة ج 7 ـ فضائل عليّ ـ ح 23 و 30، النسائي| السنن ـ كتاب الخصائص ح 8457، ابن عبـد البرّ| الاستيعاب 3|46.
(70) مسند أحمد 3|82، الاِحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9|46 رقم 6898، المصنّف| ابن أبي شيبة ج 7 ـ فضائل عليّ ـ ح 19، المستدرك 3|123، البداية والنهاية 7|398.
* نفت صراحةً أن يكون الداعي أبو بكر أو عمر..
* وأثبتت صراحةً إنْ كان داعٍ بعد الرسول فهو عليّ!
وبعد وجود هذه النصوص الموثّقة المتضافرة فلا مسوِّغ للرجوع إلى مداخلات المتكلّمين.
إثارة في الختام:
إنّ هذا المضيّ وراء تبرير الاَمر الواقع ليمنح المرء حقّاً في التساؤل، ولا حرج، ما دام للتساؤل موضوع، وما دام فرض المحال ليس بمحال.
* فماذا يقال إزاء النصّ الوحيد الذي ظهر يوم السقيفة على لسان عمر حين قال لاَبي عبيدة: أُبسط يدك لاَُبايعك فأنت أمين هذه الاَُمّة(71)؟! بل الذي نقله الطبري وابن الاَثير أنّ أبا بكر هو الذي قال ذلك لاَبي عبيدة(72)!
هذا هو النصّ الوحيد الذي تناقلته أخبار السقيفة بعد نصّ «الاَئمّة من قريش»، فصاحب هذا النصّ أَوْلى بالخلافة إذن، ولو بسط يده وبايعوه لكان هو أفضل الصحابة بلا جدال! ولاَصبح هذا النصّ «أمين الاَُمّة» هو النصّ الذي يتصدّر جميع بحوثنا الكلامية في الاِمامة، ولَما وجدنا للنصوص التي يذكرها المتكلّمون في أبي بكر عيناً ولا أثراً!
* وماذا لو قُـدِّر أن تتمّ الخلافة لعمرو بن العاص أوّلاً؟!
عندئذٍ سوف تنتقل كلّ تلك البراهين والنصوص باتّجاه عمرو، بلا أدنى
____________
(71) الطبقات الكبرى 3|181، تاريخ الاِسلام 3|9.
(72) تاريخ الطبري 3|202، الكامل في التاريخ 2|325.
* فقد نصبه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أميراً على جيش فيه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة جميعاً، في ذات السلاسل! وكانوا مأمورين بطاعته وملازمته!
* وكان أثناء ذلك كلّه يؤمّهم في الصلاة(73)، حتّى أَمّهم في بعض صلواته جُـنُباً!(74).
فهاتان خصلتان كبيرتان تقدّم فيهما على المهاجرين الثلاثة الّذين شهدوا السقيفة؛ أبي بكر وعمر وأبي عبيدة؛ إمارة عليهم جميعاً، وإمامة الصلاة عليهم جميعاً!
وله بعد ذلك منقبة لم تكن لواحد منهم، فقد بعثه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أميراً على سرية إلى عُمان، فآمن أهلها على يديه(75).
ثمّ هو قرشيّ أيضاً يصدق عليه الحديث «الاَئمّة من قريش»! وقد أسلم قبل الفتح وهاجر إلى المدينة!(76).
وسوف يدعم ذلك كلّه برهانٌ طالما اعتمدوه في إثبات شرعية الخلافة، وهو أنّه لو كانت الاِمامة لغيره وقدّمته الاَُمّة لكانت هي شّر أُمّة لانتزاعها الاِمامة من صاحبها والاَحقّ بها ثمّ منحها لمن هو دونه، ولكنّها خير أُمّة كما أخبر القرآن الكريم(77).
____________
(73) الكامل في التاريخ 2|232.
(74) البداية والنهاية 4|312.
(75) الكامل في التاريخ 2|232.
(76) الكامل في التاريخ 2|230.
(77) أُنظر هذا البرهان ونحوه في إثبات شرعية خلافة أبي بكر في: شرح المواقف 8| 364، الفِصَل 4|108، شرح المقاصد 5|266 ـ 267.
لكن لمّا كانت هذه النظرية قائمة أساساً على تبرير الاَمر الواقع الذي تحقّق بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهي لم تبحث عن النصوص بحثاً موضوعياً لغرض الوقوف على النصوص الصحيحة قطعاً والتي تفيد فائدة حقيقية في تعيين خلفاء الرسول، وإنمّا ذهبت تفتّش عن نصوص تسند ذلك الواقع التاريخي، وتضفي عليه سمة الشرعية! فحين لم تجد ما يسعفها في ذلك راحت تتلمّس غايتها وراء النصوص، بغضّ النظر عن سلامة أسانيدها وضعف دلالاتها!
ومهما كان، فإنّ هذه المحاولات تصطدم مرّة أُخرى بعقبة كؤود:
فلم يثبت عن أحد من الصحابة أنّه ادّعى النصّ على أبي بكر، بل الثابت عنهم هو العكس تماماً، كما ثبت عن عمر حتّى آخر حياته، وكما ثبت حتّى عن عائشة التي نسبوا إليها بعض النصوص المتقدّمة، فقد نقلوا عنها شهادتها بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف! فقالوا لها: من كان رسول الله مستخلفاً لو استخلف؟ فقالت: أبا بكر. قالوا: ثمّ مَن؟ قالت: عمر. قالوا: ثمّ مَن؟ قالت: أبا عبيدة(79).
ولا يخفى أيضاً أنّ هذا الترتيب هو الترتيب الذي أفرزته السقيفةُ، وتتابُعُ عهود الخلافة: أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ تمنّي عمر لو كان أبو عبيدة حيّاً
____________
(78) د. أحمد محمود صبحي| نظرية الاِمامة: 37، د. مصطفى حلمي| نظام الخلافة: 39، البيومي| الاِمامة وأهل البيت 1|171 عن الجويني| الغياث: 29 ـ 30.
(79) صحيح مسلم ـ فضائل الصحابة ح 9.
ورغم ذلك فإنّ ابن حزم ينسـب عمر وعائشة إلى الغفلة عن ذلك، وأنّه قد خفي عليهما النصّ كما خفي عليهما كثير من أمر رسول الله!!(80).
وهذا تبرير لا يرتضيه أحد، ولا يقوم إلاّ على الظنّ، بل لو كان ثمّة نصّ على أبي بكر وأمكن أن يخفى، لخفي على الجميع إلاّ عمر وعائشة اللذَين كانا أكثر الناس اجتهاداً في تثبـيت خلافته!
وأيضاً فإنّ ثمّة ما يشبه الاِجماع عند أهل السُـنّة على عدم النصّ!
وشذّت طائفة من المعتزلة عن قول أسلافها فزعمت أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نـصَّ على صفة الاِمام ونعته، ولم ينصّ على اسمه ونسـبه، وهذا قول أحدثوه قريباً، وكذلك قالت جماعة من أهل الحديث، هربت حين عضّها إجماع الاِمامية، ولجأت إلى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نـصَّ على أبي بكر، وتركت مذهب أسلافها!(81).
النصوص الصحيحة الحاكمة
نصوص أيقن بها طائفة من الصحابة، على رأسهم عليّ، يقيناً لا يسمح أن يتسرّب إلى مدلولها شكّ.. يقيناً دفع عليّـاً عليه السلام أن يردّ بدهشة على من دعاه لتعجيل البيعة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قائلاً: «ومن يطلب هذا الاَمر غيرنا؟!»(82).
____________
(80) الفِصَل 4|108 ـ 109.
(81) النوبختي| فرق الشيعة: 8.
(82) الاِمامة والسياسة: 12.
وبعد أن تمّت له البيعة كانت الاَذهان أكثر استعداداً للاِصغاء، وأوسع فسحةً للتأمّل.. فبالغ في التذكير ببعضها، نصّاً أو دلالةً، حتّى امتلاَت بها خطبه الطوال والقصار، وكان لا يخلو تذكيره أحياناً من تقريع، ظاهر.. أو خفـيّ!
وبواحد من مواقفه نستهلّ هذه الطائفة من النصوص:
1 ـ «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه»:
خطب عليٌّ عليه السلام في الناس، فقال: أنشدُ اللهَ مَن سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خُمّ: «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» لَما قام فشهد!
فقام اثنا عشر بدرياً، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خُمّ: «ألستُ أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلنا: بلى، يا رسول الله.
قال: «فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عـاداه»(84).
وحديث غدير خمّ لم يرد في مسند أحمد أكثر منه طُرُقاً إلاّ حديثاً
____________
83) أُنظر: الاستيعاب| بحاشية الاِصابة 3|35، شرح نهج البلاغة 6|167 ـ 168.
84) مسند أحمد 1|84 و 88 و 118 و 119 ـ مرّتان ـ، سنن النسائي ـ كتاب الخصائص ح 8542، البداية والنهاية 5|229 ـ 232 و7|383 ـ 385 من نحو عشرين طريقاً.
أمّا في كتاب «السُـنّة» لابن أبي عاصم (287هـ) وتاريخ ابن كثير، فلا يضاهيه حديث!!(86).
ورواه غيرهم بأسانيد صحيحة، كالترمذي وابن ماجة، والنسائي، وابن أبي شيبة، والحاكم(87).
ونَـصَّ الذهبي على تواتره(88).
لكن بعد هذا جاء دور المتكلّمين، فبذلوا جهوداً مضنيةً في تأويله وصرفه عن معناه، بل تجريده من كلّ معنىً!!
فحين رأوا أنّ الاِقرار بدلالته على الولاية العامّة يفضي إلى إدانة التاريخ وتخطئة كثير من الصحابة، ذهبوا إلى تأويله بمجرّد النصرة والمحبّة، فيكون معنى الحديث: يا معشر المؤمنين، إنّكم تحبّونني أكثر من أنفسكم، فمن يحبّني يحبّ عليّـاً، اللّهمّ أحبّ من أحبّه، وعادِ من عاداه!(89).
____________
(85) أخرج أحمد حديث الغدير من تسع عشرة طريقاً، المسند 1|84 و 88 و 118 ـ ثلاث مرّات ـ و 119 ـ مرّتان ـ و 152 و 331، و 4|281 و 368 و 370 و 372 ـ مرّتان ـ و 5|347 و 358 و 361 و 362 و 419.
ولا يضاهيه إلاّ حديث «مَن كذب علَيَّ متعمّداً فليتـبوّأ مقعده من النار» فقد خرّجه من نحو 25 طريقاً.
(86) أُنظر: البداية والنهاية 5|228 ـ 233، و 7|383 ـ 386، فقد خرّجه من نحو 40 طريقاً، بما فيها طرق حديث المناشدة المتقدّمة.
(87) سنن الترمذي ج 5 ح 3713، سنن ابن ماجة ج 1 ح 116 و 121، الخصائص ـ للنسائي، بتخريج الاَثري ـ: ح 80 و 82 ـ 85 و 90 و 95 و 153، المصنّف| ابن أبي شيبة ـ باب فضائل عليّ ـ ج 7 ح 9 و 10 و 29 و 55، المستدرك 3| 109 ـ 110.
(88) أُنظر: البداية والنهاية 5|233.
(89) الآلوسي| روح المعاني 6|195 وما بعدها.
وهكذا أصبح الخروج على نصوص الشريعة حتّى في مثل تلك الطرق السافرة، اجتهاداً يُثاب صاحبه، وليس بيـنه وبين الآخر الذي تمسّك بالشريعة وقاتل دونها إلاّ فرق الاَجر! فالذي قاتل الشريعة له نصف أجر الذي قاتل دونهـا!!
لقد كان الاََوْلى بهم أن يتابعوا سُـنّة الرسول، ويوقِّروا نصّه الشريف الثابت عنه، بدلاً من إفراطهم في متابعة الاَمر الواقع الذي ظهر فيه اختلاف كثير.. ثمّ إذا أرادوا بعد ذلك أن يعذروا الصحابة، فما أوسع أبواب الاَعذار، ولقد أجاد ابن تيميّة خاصّة في إعذارهم في ما ثبت عنهم من فتاوىً أو أفعال تخالف السُـنّة الثابتة(91).
فالحقّ أنّ هذا نصٌّ صريح في ولاية عليٍ عليه السلام، لا يحتمل شيئاً من تلك التأويلات التي ما كانت لتظهر لولا الانحياز للاَمر الواقع ومناصرته.
وممّا يزيد في ظهور هذا النصّ وامتناع صحّة شيء ممّا قيل في تأويله: أنّه لم يأت يتيماً، فاقداً لِما يشهد لمضمونه، بل في السُـنّة ما ينصره ويفسّره، وأهمّهـا:
____________
(90) أُنظر: الفِصَل في الملل والنحل 4|161 و 163، البداية والنهاية 7|290، الباعث الحثيث: 182.
(91) أُنظر كتابه: رفع الملام عن الاَئمّة الاَعلام.
حديث صحيـح(92).
* ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم في عليٍ: «إنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي.. إنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي» يكرّرها(93).
* ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعليٍ: «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي».
أو: «أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة»(94).
وبعد اليقين بصحّة هذه الاَحاديث، لا يمكن أن تفسّر بحسب ظاهرها فتدين الواقع التاريخي.
فلمّا أرادوا تفسير الولاية هنا أيضاً بالنصرة والمحبّة، نظير ما في قوله تعالى:(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(95)، صدمهم قوله: «بعدي» الذي لا يمكن أن يتشابه معناه!
ولمّا كانت قدسية الرجال أعظم من قدسية النصّ، رغم ثبوت صحّته عندهم، شهروا سيف التكذيب، فقالوا: إسناده صحيح مع نكارة في متنه لشذوذ كلمة «بعدي»!
ولمّا أرادوا البرهان على هذه النكارة والشذوذ فمن اليسير جدّاً أن يرموا بها «شيعيّاً» ورد في إسناد بعضها!(96).
____________
(92) مسند أحمد 4|437 ـ 438، سنن الترمذي ج 5 ح 3712، الخصائص ـ للنسائي بتخريج الاَثري ـ: ح 65 و 86، المصنّف| ابن أبي شيبة ـ فضائل عليّ ـ ج 7 ح 58، الاِحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9|41 ح 6890.
(93) مسند أحمد 5|356، الخصائص| بتخريج الاَثري: ح 87.
(94) مسند أحمد 1|331، الخصائص| بتخريج الاَثري: ح 23، المستدرك 3|134.
(95) سورة التوبة 9: 71.
(96) علماً أنّ التشيّع في مصطلحهم: هو تفضيل عليٍ على عثمان، لا غير، والطعن على ملوك بني أُميّة!
ليتهم لم يوثّقوه، ليتهم تركوه مجازفةً كمجازفات الكثير من أصحاب الاَذواق!!
قالوا في توثيقه: يؤيّده أنّ الاِمام أحمد روى هذا الحديث من عدّة طرق ليست في واحدة منها هذه الزيادة(97)!
إنّها مقالةُ مَن لا يخشى فضيحة التحقيق!!
فالنصوص الثلاثة التي ذكرناها لهذا الحديث، وفي جميعها كلمة «بعـدي» جميعها في مسند أحمد(98)!
وأغرب من هذا أنّ المحقّق الذي ينقل قولهم المتقدّم ويعتمده، يخرّج بعضها على مسند أحمد نفسه!!(99).
ومرّة أُخرى ينهار ذلك البرهان وتوثيقه أمام الحديث الذي رواه أحمد في مسنده، وفيه: «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي»(100)، وليس في إسناده واحد من أُولئك «الشيعة» الّذين اتُّهِموا به! بل اتّفق على صحّته الحاكم والذهبي والاَلباني(101)!
إنّ هذه الدلائل ليسـت فقط تثـبت صحّة قوله «بعدي»، إنمّا تثبت أيضاً
____________
(97) أُنظر: أبا إسحاق الاَثري، في تخريجه الحديث 60 من كتاب «الخصائص».
(98) مسند أحمد 1|331، 4|438، 5|356. وقد ذكرناها في تخريج النصوص كلٌّ في محلّه.
(99) الاَثري| كتاب «الخصائص» للنسائي، ح 87.
(100) مسند أحمد 1|331 من حديث ابن عبّاس.
(101) المستدرك 3|133 ـ 134 وتلخيصه| للذهبي في الصفحة ذاتها، كتاب السُـنّة| ابن أبي عاصم ـ بتخريج الاَلباني ـ: 552.
كيف لا؟! وهي إدانة صريحة لمساره المنحرف الذي صار عقيدةً يتديّنون بها، ويضلِّلون مَن خالفهم فيها!
3 ـ الحديث الذي غاب عن «السنن» وأظهره أصحاب التاريخ والتفسـير:
«إنّ هذا أخي، ووصيّي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»(102).
فإذا كان الذي دهش قريشاً في جاهليّتها هو أن يؤمر أبو طالب بأن يسمع لابنه ويطيع(103)، فقد دهشها بعد الاِسلام أن يؤمر كلّ الصحابة بذلك!
ولعلّ الذي صرف عنه أصحاب السنن هو مِن نحو ما ذكره ابن كثير في تعليقه على الحديث، قائلاً: ذكروا فيه عبـد الغفّار بن القاسم، وهو كذّاب، شيعي، اتّهمه عليّ بن المديني بوضع الحديث، وضعّفه الباقون(104).
لكنّ أبو مريم، عبـد الغفّار بن القاسم، قد حفظ له التاريخ غير ما ذكر ابن كثير!
____________
(102) تاريخ الطبري 2|217، الكامل في التاريخ 2|62 ـ 64، السيرة الحلبية 1|461، شرح نهج البلاغة 13|210 و 244 وصحّحه، مختصر تاريخ دمشق ـ لابن عساكر ـ|ابن منظور 17|310 ـ 311، تفسير البغوي (معالم التنزيل) 4|278، تفسير الخازن 3|371 ـ 372 نقلاً عن سيرة ابن إسحاق، المنتخب من كنز العمّال ـ بهامش مسند أحمد ـ 5|41 ـ 42.
(103) حين قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لعليٍ، قام الناس يضحكون ويقولون لاَبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!
(104) البداية والنهاية 3|38 ـ 39.
قال ابن حجر العسقلاني: «كان ـ أبو مريم ـ ذا اعتناء بالعلـم وبالرجال.. وقال شعبة: لم أرَ أحفظ منه.. وقال ابن عديّ: سمعتُ ابن عقدة يثني على أبي مريم ويُطريه، ويجاوز الحدّ في مدحه، حتّى قال: لو ظُهـر على أبي مريم ما اجتمع الناس إلى شعبة»!!(105).
إذن لاَمرٍ ما لم يُظهَر على أبي مريم! قال البخاري: عبـد الغفّار بن القاسم ليس بالقويّ عندهم.. حدّث بحديث بُـرَيدة «عليٌّ مولى مَن كنتُ مـولاه»!(106).
لكنّ حديث بريدة هذا قد أخرجه ابن كثير نفسه من طريق آخر وصفه بأنّه إسناد جيّد قويّ، رجاله كلّهم ثقات!(107).
ذلك هو أبو مريـم!
4 ـ خلاصة وصيّة النبيّ لاَُمّته في حفظ رسالته:
«ألا أيّها الناس، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم الثَقَلَين:
أوّلهما كتاب الله، فيه الهدى والنـور، فخذوا بكتاب الله واسـتمسـكوا بـه..
وأهل بيـتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيـتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي»(108).
____________
(105) لسان الميزان 4|42 رقم 123.
(106)
(107) البداية والنهاية 5|228.
(108) صحيح مسلم ج 4 ح 2408 من عدّة طرق.
«إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي...»(110).
تلك خلاصة رسالة السماء... ومفتاح المسار الصحيح الذي أراده النبيّ لشـريعته.
وهذا كلام لا يختلف في فهمه عامّـيٌّ وبليغ.. فمن أين يأتيه التـأويل؟!
إنّه لو قُـدِّر أن تتحقّق الخلافة لعليٍ أوّلاً، لَما ارتاب أحد في هذا النصّ الصريح الصحيح.. لكنّ اختلاف المسار الجديد عنه، وتقديس الرجال، هما وراء كلّ ما نراه من ارتياب وتجاهل لنصّ لا شيء أدلّ منه على تعيين أئمّة المسلمين، خلفاء الرسول!!
إنّ أغرب ما جاء في «تعطيل» هذا النصّ قولٌ متهافتٌ ابتدعه ابن تيميّة حين رأى أنّه ليس فيه إلاّ الوصيّة باتّباع الكتاب، وهو لم يأمر باتّباع العترة، ولكن قال: أُذكّركم الله في أهل بيتي»!(111).
فقط وفقط، ولا كلمة واحدة!!
ولهذا القول المتهافت مقلِّدون، والمقلِّد لا يقدح في ذهنه ما يقدح في أذهان البسطاء حتّى ليعيد على شيخه السؤال: أين الثقل الثاني إذن؟! أين الخليفة الثاني إذن؟! مَن هذان اللذان لن يفترقا حتّى يردا الحوضَ معاً؟!
وليست هذه الاَسئلة من شأن المقلِّد، كما لم تكن من شأن المتأوِّل،
____________
(109) سنن الترمذي ج 5 ح 3788، مسند أحمد 3|17.
(110) مسند أحمد 5|182 و 189.
(111) منهاج السُـنّة 4|85، الفرقان بين الحقّ والباطل: 139.
«كتاب الله» و «عترتي أهل بيتي» إنّهما المحوران اللذان سيمثّلان محل القُطب في مسار الاِسلام الاَصيل غداً بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس بعد هذا الحديث، وحديث غدير خمّ، ما يستدعي البحث عن نصوص أُخر لمن شاء أن يؤمن بالنصوص..
الخطاب الجامع.. مفترق الطرق
في حديث صحيح، جمع الخطاب وأوجز:
قال الصحابي زيد بن أرقم: لمّا دفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حجّة الوداع ونزل غدير خمّ، أمر بدوحاتٍ فقُمِمْن(112)، ثمّ قال: «كأنّي دُعيتُ فأجبتُ، وإنّي تارك فيكم الثَقَلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهـل بيتي. فانظروا كيف تخلفوني فيهما! فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض».
ثمّ قال: «إنّ الله مولاي، وأنا وليّ كلّ مؤمن» ثمّ أخذ بيد عليٍ رضي الله عنه، فقال: «مَن كنتُ وليّه فهذا وليّه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه».
قال أبو الطفيل: قلتُ لزيد: سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
قال: نعم، وإنّه ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينيه وسمعه بأُذنيـه(113).
____________
(112) أي: كُنِسْـنَ.
(113) أخرجه: النسائي| السنن ج 5 ح 8464، الاَثري| تخريج خصائص عليّ عليه السلام ح 76 وذكر له عدّة مصادر، منها: مسند أحمد 1|118، البزّار: ح 2538 ـ 2539، وابن أبي عاصم: 1365، والحاكم| المستدرك 3|109، وأخرجه ابن كثير| البداية والنهاية 5|228 وقال: قال شيخنا الذهبي: هذا حديث صحيح، وأخرجه اليعقوبي| التاريخ 2|112.
ثمانون يوماً لا تكفي لنسيانه!!
ودواعي الذكرى التي أحاطت به لا تسمح بتناسيه!!
لكن لم يحدّثنا التاريخ أنّ أحداً قد ذكره في تلك الاَيّام الحاسمة التي ينبغي ألاّ تعيد الاَذهان إلى شيء قبله، فهو النصّ الذي يملأ ذلك الفراغ، ويسكن له ذلك الهيجان، وتنقطع دونه الاَمانيّ، أو فرص الاجتهاد..
«إنّي يوشك أن أُدعى فأُجيب..
وإنّي تارك فيكم ما إنْ تمسّـكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي..
مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مـولاه..».
والعهدُ، بعـدُ، قريبٌ، جـدُّ قريـب..
فإذا وجدنا اليوم من لم يؤمن بالنصّ على خليفة النبيّ، فليس لاَنّ النبيّ لم يَـقُـلْه، بل لاَنّ الناس يومئذٍ لم يذكروه!!
5 ـ «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».
حديث متواتر لا خلاف فيه(115)، لكنّ الكلام في تأويله، وما أغنانا
____________
(114) كانت خطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خمّ يوم 18 ذي الحجّة سنة 10 هـ، ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم يوم 2 أو 12 ربيع الاَوّل من سنة 11 هـ، حسب اليعقوبي والطبري والكليني أو 28 صفر، حسب الطبرسي.
(115) مسند أحمد 1|173 و 175 و 182 و 184 و 331، صحيح البخاري ـ فضائل
=
غريب جدّاً ما ذهب إليه المتأوِّلون من أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يَقُلْهُ إلاّ تطييباً لخاطر عليٍ وترغيباً له في البقاء في المدينة لمّا أرجف به المنافقون وقالوا: خلّفك مع النساء والصبيان! وليس فيه من تشابه المنزلتين إلاّ القرابة!(116).
* غريب في نسبة هذه الاَغراض إلى حديث نبويّ ظاهر، إلى حديث النبيّ الذي لا يقول إلاّ حقّاً، ومع عليٍ بالذات، ربيب النبيّ وبطل الملاحم!!
* وغريب في تناسي القرآن، وكأنّ القرآن لم يذكر شيئاً من منزلـة هارون من موسى!!
* وغريب في الغفلة عمّا يضفيه هذا التأويل إلى عليّ وسعد وابن عبّاس، على الاَقلّ، من سذاجة في التفكير وقصور في الفهم!!
ألم يكن عليٌّ يعرف قرابته من رسول الله قبل ذلك اليوم؟!
أم كان سـعد لم يتمنّ إلاّ هذه القرابـة وهو يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في عليٍ ثلاث خصال لئن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم، سمعته يقول: «إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي...»(117)؟! فهل فهم منه القرابة، لا غير؟!
أم كان ابن عبّاس لا يريد إلاّ القرابة حين يذكر لعليٍ عشر خصال ليست لاَحدٍ من الناس، فيعدّ فيها هذا الحديث؟!(118).
____________
=
عليّ ح 3503، صحيح مسلم ـ فضائل عليّ ـ ح 2404، مصنّف ابن أبي شيبة ـ فضائل عليّ ـ 7|496 ح 11 ـ 15.
(116) ابن حزم| الفِصَل 4|94، ابن تيميّة| منهاج السُـنّة 4|87 ـ 88.
(117) صحيح مسلم ـ فضائل عليّ ح 32، الخصائص ـ بتخريج الاَثري ـ: ح 9 و 10 و 43 و 52، المصنّف| ابن أبي شيبة ـ فضائل عليّ ح 15.
(118) مسند أحمد 1|331، الخصائص ـ بتخريج الاَثري ـ: ح 23، المستدرك 3|132 ـ 133. ويأتي لاحقاً.
* ولا يخفى أيضاً أنّ قرابة عليٍ للرسول ليست كقرابة هارون لموسى، فليست هي المعنيّة في النصّ قطعاً..
* وغريب أن يخفى على هؤلاء ما هو ظاهر لمن هو دونهم.. فقوله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» ظاهر في عمومه واستيعابه جميع مصاديق تلك المنزلة، ومن هنا اسـتثنى النبوّة، فقال: «إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي» فلمّا استثنى النبوّة فقد نصّ على ثبات المصاديق الاَُخر، وهي: الوزارة والخلافة.
فلو لم يرد النصّ إلاّ في غزوة تبوك، لَما أفاد ذلك تخصيصه بتلك الغزوة ما دام الحديث نصّاً في العموم.
ومع هذا فقد ورد هذا النصّ في غير تلك الواقعة أيضاً، كما رواه ابن حبّان وغيره في خبر المؤاخاة(119).
6 ـ «يكون بعدي اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش».
متواتر، لا نزاع فيه!(120)
____________
(119) السيرة النبوية | لابن حبان: 149، وصححه سبط ابن الجوزي | تذكرة الخواص: 23 نقله عن الامام احمد في المناقب، وقال: رجاله ثقات.
(120) صحيح البخاري ـ الاحكام ح 8461، صحيح مسلم ـ الامارة ـ ح 1821 و 1822،
مسند احمد 1| 398 و 406، سنن ابي داود ح 4280، سنن الترمذي ـ كتاب
الفتن: ج 4 ح 2223، مصابيح السنة: 4 ح 4680. لذا فان قول الدكتور النشار |
نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام 1 | 448 و2 | 218: «ان فكرة 12 خليفة
لا وجود لها في الاسلام» انما هي كبوة فارس!.