الصفحة 169
أولها نقضا الحكم وآخرها نقضا الصلاة (1) وسيلي الأمر من بعده رجال يطفئون السنة ويحدثون البدعة (2).

بعد عودة الرسول إلى المدينة، مرض كما أخبر، ومات في مرضه دون أن تتبدل هذه الترتيبات أو تتغير، وكان الناس على يقين بأن الإمام والخليفة من بعد النبي هو علي بن أبي طالب!! وبما أن الإمام أو الرئيس العام هو أس النظام السياسي وحجر أساسه كما أوضحت السنة النبوية بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير، فإن سلطة النبي ستنتقل سلميا إلى الإمام علي بعد وفاة النبي، حيث يتولى هذا الإمام المؤهل قيادة الأمة، وتبليغ السنة، وبيان القرآن وبالكيفية التي أعده الله ورسوله لتحقيقها، ولهذا الإمام الاستعانة بمن يراهم من أهل القوة والأمانة، وعصمة الإمام علي، أي اعتصامه المؤكد بالله، والتزامه التام بطاعته، هي الضمانة الإلهية بعدم الانحراف أو إساءة استعمال السلطة أو الصلاحيات الهائلة المعطاة له، بمعنى آخر فإن الإمام شأنه شأن كل الأئمة الشرعيين محصن أو (مطعم) إلهيا ضد الخطأ والانحراف، تماما كما (حصن الرسول وطعم) لأن الإمام هو القائم مقام النبي وهو المؤدي عنه كافة الأحكام الشرعية، وقد تولت السنة النبوية المباركة بيان هذه الناحية وإثباتها.

لذلك لم تكن هنالك مشكلة بموت النبي، لأن الإمام عليا قد تم تتويجه وتمت مبايعته حال حياة النبي كولي وكإمام وكخليفة شرعي للنبي، فهو ولي عهده شرعيا أو رسميا، فإن تأكدت وفاة النبي بأية لحظة فسيحل محله آليا ولي عهده، كانت الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول وأكدها طوال عصر النبوة الزاهر محكمة تماما، وقد حرص الرسول على إقناع

____________

(1) صحيح البخاري كتاب الحج ج 1 ص 322، وصحيح مسلم ج 7 ص 18، راجع نماذج من تحذيرات الرسول.

(2) رواه أحمد الفتح الرباني ج 29 ص 23 وقال حديث صحيح.


الصفحة 170
المسلمين بسلامتها وصوابها، ونجح بالفعل في إقناعهم بذلك والحصول على رضاهم التام بها فحتى أبو سفيان إمام الكفر سابقا وولداه معاوية ويزيد وهم من قادة جبهة الشرك كانوا راضين ومقرين بسلامة وصواب هذه الترتيبات الإلهية، أما الفئة الصادقة المؤمنة فقد كانت ترى أن هذه الترتيبات المتعلقة بمن يخلف النبي أحكام إلهية أساسية، ملزمة، ولا تستقيم أمور الدين والدنيا إلا بها، والقوى التي حاربت وقاومت رسول الله قبل نصر الله والفتح كانت ترى أن هذه الترتيبات من القوة والأحكام بحيث لا يمكن نقضها، لذلك كانت أعناق تلك القوى خاضعة لهذه الترتيبات، لأنها قد اعتبرت أن القبول بهذه الترتيبات جزء لا يتجزأ من الإسلام، وأن الله هو الذي أمر بها، فهي أحكام إلهية، وأن مهمة الرسول كانت مقصورة على بيان هذه الأحكام، فالتفكير العام والقناعة الظاهرة لكافة القوى التي حاربت الرسول وقاومته ثم اضطرت لدخول الإسلام مشابه تماما لتفكير وقناعة القلة المؤمنة في هذه الناحية بالذات!!


الصفحة 171

الذين تجاهلوا سنة الرسول وخرجوا على الترتيبات الإلهية، وتجرأوا على نقض أول عرى الإسلام (نظام الحكم)

طالما أن الرسول الأعظم قد استطاع أن يقنع المسلمين بوجاهة الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، وأن يحملهم بالرضا على مبايعة الإمام علي بن أبي طالب في غدير خم ليكون أول إمام يخلف النبي، وطالما أن المسلمين قاطبة بمن فيهم أبو سفيان وولداه يزيد ومعاوية وهم ألد أعداء الله السابقين قد قبلوا بهذه الترتيبات، وأقروا بصوابها ووجاهتها وشرعيتها واعتبروها جزءا من صفقة الإسلام التي قبلوها، ولم يجرؤ أي واحد من الناس على إظهار رفضه لهذه الترتيبات!! فما الذي حدث ومن الذي حرض الناس على الخروج على هذه الترتيبات الإلهية؟ ومن الذي جرأهم على نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم وتجاهل بيان الرسول أو نصوص السنة النبوية التي عالجت موضوع نظام الحكم أو من يخلف النبي بعد موته!!؟ ومن الذي قاد المسلمين في مسيرتهم نحو تجاهل نصوص سنة الرسول، ونقض أو عروة من عرى الإسلام، من الذي قام بهذه الأعمال المدمرة التي ما زلنا حتى يومنا هذا ندفع ضريبة سكوت أجدادنا عليها أو ممالأتهم لفاعليها؟ هل هم شياطين قد خرجوا من البحر، أو هبطوا من الجو، وهل هم قوى خفية من الجن، كانت تتحرك

الصفحة 172
وتدمر دون أن يشاهدها أحد من المسلمين؟!!

الحقيقة المرة أن الذين حرضوا المسلمين على الخروج على الترتيبات الإلهية وهيجوا الناس ضدها، وجرأوا المسلمين على نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، كانوا نفرا من المسلمين، المحسوبين على القلة المؤمنة والذين نالوا شرف صحبة النبي، لقد كانت أفعالهم فتنة، وأشخاصهم فتنة أيضا، وقد كشفتهم تحركاتهم المشبوهة، ووسمتهم تلك التحركات بمياسم لا تخفى على محايد أبدا.

لقد رأيت ما فعله ذلك النفر من مهاجري بطون قريش عندما أمر رسول الله الناس بالخروج في جيش أسامة، كما رأيت أيضا ما فعلوه برسول الله وهو على فراش الموت، ثم رأيت كيف افتعلوا الشعور بالصدمة والفجيعة عندما علموا بوفاة الرسول، وفجأة كأن لم يكونوا في صدمة شبكوا أيديهم معا وتركوا رسول الله جنازة بين أيدي أهله، دون أن يشتركوا بتجهيزه، أو يشاركوا في دفنه، وذهبوا ليستولوا على ملك النبوة أثناء انشغال أصحابه الشرعيين بتجهيز النبي ودفنه، ليضعوا المسلمين في ما بعد أمام أمر واقع لا مجال لدفعه!! متجاهلين بالكامل كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، وقافزين قفزا كاملا عن النبي وعن بيانه، أو عن نصوص السنة النبوية المطهرة، التي عالجت هذه الناحية وتركت الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك!!

كان الرسول الأعظم قد حذر من ذلك النفر بقوله: (ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم يوم القيامة) (1) وفي رواية أخرى:

(فأقول يا رب أصحابي!! فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) (2)

____________

(1) صحيح البخاري ج 1 ص 141، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج 5 ص 159، وكنز العمال ج 14 ص 418 رواه أحمد والبيهقي.

(2) صحيح البخاري كتاب الدعوات ج 1 ص 141، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج 15 ص 159.


الصفحة 173
ويوضح الرسول الصورة في رواية ثالثة فيقول: (... فيقال لي لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) (1) ووضح الرسول الصورة أكثر فقال:

(... فقلت ما شأنهم؟ فيقال لي أنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم) (2).

لقد سلط رسول الله بهذه الأحاديث الصحيحة الضوء الكاشف على نفر من أصحابه، قريب منه، ومحسوب عليه، فأكد وبكل طرق التأكيد، بأن هذا النفر لن ينال شرف رفقة الرسول يوم القيامة، ولن يكون حيث يكون الرسول، بل سيكون هذا النفر في مكان آخر مع أشخاص من أمثالهم، والعلة بهذا الطرد من الرحمة الإلهية تلك الأحداث التي أحدثها ذلك النفر بعد وفاة الرسول، فمنذ اللحظة التي صعدت فيها روح النبي الطاهرة إلى بارئها ارتد ذلك النفر على أعقابه، (لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى...) والارتداد والردة لهما معنى محدد باللغة والشرع، والارتداد أسوأ وأقبح عاقبة ونهاية، والمرتد إنسان مطرود من رحمة الله، لأنه عرف وتيقن، ثم جحد وأنكر!! ولا ينفع ذلك النفر المرتد ادعاءهم بأنهم قد آمنوا بالإسلام، ولكنهم لا يقبلون أو كفروا بالأحكام الإلهية المتعلقة بنظام الحكم لأنها ليست مناسبة حسب اجتهاداتهم المريضة لقد عالج القرآن الكريم هذه الناحية، فقال الله تعالى كأنه يوجه كلامه العزيز لمثل هذا النفر: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب).

ولتكون على يقين من صحة وصواب ما ذهبنا إليه، فهل كان بوسع أحد من المسلمين أن يتجرأ فيقول للرسول في منزله أنت تهجر، ولا حاجة

____________

(1) صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج 3 ص 160، وصحيح مسلم ج 17 ص 94.

(2) صحيح البخاري كتاب الدعوات ج 4 ص 142 باب الصراط.


الصفحة 174
لنا بوصيتك، ولا بتوجيهاتك النهائية، لأن عندنا القرآن وهو يغنينا عنك.

لو لم يفتح عمر بن الخطاب هذا الباب فيواجه النبي بهذا اللفظ النابي!! فهل يتجرأ أبو سفيان أو أي زعيم من زعماء بطون قريش أو أي كهف من كهوف المنافقين وأركانهم على التلفظ بمثل هذا القول في حضرة رسول الله لو لم يجرئهم عمر على ذلك فيستعمل هذا اللفظ الفاحش!! لقد اقتصر دور الذين اتبعوه عندما اقتحم حجرة النبي على اللازمة التي وضعها عمر فكانوا يقولون: (القول ما قال عمر) ما له أهجر، استفهموه إنه يهجر!!

فماذا بقي من الإسلام بربك عندما يقول المسلم لرسول الله (اسكت أنت لا تعي ما تقول، حسبنا كتاب الله، ولا حاجة لنا بوصيتك!! إذا كان والد زوجة النبي وأحد المهاجرين يقول مثل هذا الكلام الفظ، فما الذي يمنع أعرابيا من أولئك الذين هم أشد كفرا ونفاقا من أن يقول هذا الكلام لأنه يردد ترديدا ما قاله الصاحب!!!

وهل كان بوسع أحد من المسلمين أن يشغب على الإمام علي أو أن يطعن بشرعية ولايته، أو أن يطالب بالخلافة من بعد النبي مع وجود صاحبها الشرعي لولا ما فعله ذلك النفر من المهاجرين!! لكن عندما يرى المسلمون صهري النبي أبا بكر وعمر، وعثمان وأبا عبيدة يشغبون على ولاية الإمام عليها ويطعنون بشرعيتها، ويطالبون بالخلافة متجاهلين وجود الخليفة الشرعي، فلا تثريب على المسلم العادي لو تاه في هذه الظروف، وعندما يرى المسلمون ذاك النفر من المهاجرين يتنكرون تنكرا كاملا لبيان الرسول أو سنته المتعلقة بنظام الحكم أو من يخلف النبي، ولا يقيمون لهذه السنة أي وزن، لأنها بحكم المعدومة في نظرهم فكيف ترجو من المسلمين البسطاء وحديثي العهد بالإسلام أن يلتزموا بالسنة أو أن يقيموا لها أي وزن!! بل كيف تحملهم على ذلك!!

لقد فتحوا أبواب الفتن كلها، وجرأوا المسلمين على الاستهانة

الصفحة 175
برسول الله، والاستهانة بسنة الرسول، وبكافة الترتيبات الإلهية التي أعلنها رسول الله والمتعلقة بنظام الحكم أو بمن بخلف الرسول!! لقد أوجد ذلك النفر المناخ الملائم لنقض عرى الإسلام كلها عروة بعد عروة، بل وقادوا بأنفسهم كما سنرى عملية نقض عرى الإسلام خطوة خطوة!

لقد استنفر ذلك النفر من المهاجرين كافة أعداء الله ورسوله السابقين، كما أيقظ المنافقين من غفلتهم، وهيجهم ضد الترتيبات الإلهية، واستعان بهم لنقض عرى الإسلام عروة عروة، وجعل لهم مصلحة في هذا النقض حيث استعان بهم، وأشركهم معه بالأمر، قال ابن حجر في فتح الباري:

(والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين... فلأجل ذلك استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم) (1).

قال حذيفة - أمين سر رسول الله على المنافقين - لعمر بن الخطاب يوما عندما رأى الفجار والمنافقين يتولون المناصب الحساسة في الدولة: (يا عمر إنك تستعين بالرجل الفاجر) (2) وقال حذيفة نفسه مرة أخرى لعمر:

(والله يا عمر إنك تستعمل من يخون وتقول ليس عليك شئ وعاملك يفعل كذا وكذا) (3).

وكان عمر يعلم أن الذين يستعين بهم ويعينهم أمراء، وولاة وقادة فجار أو منافقون أو خونة لله ولرسوله، ولكنه كان يبرر استعماله لهم واستعانته بهم بالقول: (نستعين بقوة المنافق وإثمه عليه) (4).

____________

(1) فتح الباري كتاب الأحكام ج 13 ص 98.

(2) كنز العمال ج 5 ص 77.

(3) راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 31.

(4) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي راجع كنز العمال ج 4 ص 614.


الصفحة 176
وهكذا وحسب هذه السياسة المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله، ولتحذيرات الرسول المتكررة صار تأمير الفاسقين والمنافقين والفجار والاستعانة بهم هو الأصل، وهو المبدأ العام، فأينما وجدت هذه القوة المزعومة استعانوا بها بغض النظر عن دين صاحبها أو سابقته أو جهاده أو علمه أو ماضيه، أو عداوته السابقة لله ولرسوله، أو تحذير الرسول منه، والقوة بهذا المعنى تعني الالتزام بسياسة ذلك النفر، والولاء لهم، وكراهية أعدائهم، وحرمان أولئك الأعداء من كافة الوظائف العامة!! والكارثة حقا أن الذين يعتبرهم ذلك النفر أعداء هم آل محمد وقرابته الأدنون ومن والاهم من القلة المؤمنة ممن قامت دولة الإسلام بسيوفهم وعلى أكتافهم!

فالمقداد بن عمرو، وسعد بن عبادة، وعمار بن ياسر، وأبو ذر وأمثالهم يتأخرون أو يؤخرون بحجة أن القوة لا تتوفر بهم، ويقدم عليهم معاوية والوليد بن عتبة (1)، وابن أبي سرح (2)، والحكم بن العاص (3)، ومروان ابنه (4)، والأعور السلمي (5)، ويعلى بن منبه (6)، وأياس بن صبح (7)، وطليحة بن خويلد (8) وأمثالهم.

____________

(1) كان يسكر علنا، وصلى الصبح بالناس وهو سكران وكان أحد أمراء عمر، الإصابة ج 3 ص 363.

(2) هو الذي افترى على الله الكذب بنص القرآن، وقد أباح الرسول دمه، تاريخ الطبري ج 5 ص 59، والبداية والنهاية لابن الأثير ج 8 ص 214.

(3) وثقنا في البحوث السابقة لعن الرسول للحكم بن العاص ولابنه مروان وتحذيراته منهما ومن نسلهما.

(4) المصدر السابق.

(5) شهد حنين مشركا، الإصابة ج 2 ص 540، وأسد الغابة ج 6 ص 16، وقد لعنه رسول الله وكان من أشد المبغضين لعلي لكن عمر أمره وجعله على مقدمة جيش، الإصابة ج 1 ص 541.

(6) كان يعلى من الحاقدين على علي بن أبي طالب فقد أعان الزبير في ما بعد بأربعمائة ألف عندما خرج على علي واشترى لعائشة جملها عسكر وجهز 70 رجلا من قريش، الاستيعاب لابن عبد البر ج 6 ص 662 - 663.

(7) كان بسر بن أرطأة من أصحاب مسيلمة الكذاب أسلم وولاه عمر القضاء على البصرة، الاستيعاب ج 1 ص 120.

(8) ادعى النبوة بعد النبي، فأعجب به عمر وطلب من أمر الله أن يشاوروه، البداية والنهاية ج 7 ص 130.


الصفحة 177
لقد تجاهل ذلك النفر تحذيرات الرسول من بني أمية (1) والتاريخ الأموي الأسود فعين يزيد بن أبي سفيان قائدا عاما لجيش الشام، ولما مات يزيد ورثه أخوه معاوية كقائد عام ووال على بلاد الشام (2) وأطلق عمر بن الخطاب يد معاوية في بلاد الشام وأعطاه الحرية الكاملة ليفعل ما يشاء، وليجمع كما يشاء وليتصرف على الوجه الذي يريد بلا رقيب ولا حسيب فقد قال يوما لمعاوية: (... لا آمرك ولا أنهاك) (3) وكان عمر يوطد لمعاوية بين الناس فيقول أمام علية القوم وأركان دولته: (إنه فتى قريش وابن سيدها) (4) وكان يقول لعلية القوم: (تذكرون كسرى وعندكم معاوية) (5) وكان عمر يعد معاوية للخلافة ومواجهة الإمام علي في ما بعد لقد خاطب عمر أهل الشورى بقوله: (إذا اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام) (6) وكان عمر يعرف أن معاوية يعد أهل الشام للخروج وأنه سيخرج ذات يوم فقد صرح عمر في يوم من الأيام قائلا: (يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق) (7) ومع هذا لم يتعرض له عمر، إنما تركه ليكمل استعداداته وعدته ويخرج في الوقت المناسب المتفق عليه، وكان وراء تأمير عمرو بن العاص ليكون عونا لمعاوية ذات يوم فقد أعلن عمر أمام أركان دولته قائلا: (لا ينبغي لأبي عبد الله - أي عمرو بن العاص - أن يمشي على الأرض إلا أميرا) (8) وأتمها عمر على بني أمية ووضع الأساس المتين

____________

(1) راجع نصوص سنة الرسول التي سقناها تحت عنوان (الرسول يحذر من الخطر الماحق).

(2) البداية والنهاية لابن الأثير ج 8 ص 118، وتاريخ الطبري ج 5 ص 69، والاستيعاب ج 3 ص 596، وكنز العمال ج 13 ص 606.

(3) البداية والنهاية ج 8 ص 125، وتاريخ الطبري ج 6 ص 184.

(4) البداية والنهاية ج 8 ص 125، والاستيعاب ج 8 ص 397.

(5) تاريخ الطبري ج 6 ص 184.

(6) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 535.

(7) الدلائل لابن سعد وكنز العمال ج 12 ص 354.

(8) الإصابة ج 5 ص 3.


الصفحة 178
لحكمهم عندما عهد بالخلافة لعثمان المشهور بتعصبه لهم.

ولما آلت الخلافة إلى عثمان بعهد من عمر رفع شعار (صلة الرحم) بدلا من شعار (القوة) الذي رفعه عمر، فعمر كان يبحث عن الأقرباء حتى لو كانوا من المنافقين والفجار ليستعين بقوتهم!! أما عثمان فقد كان يبحث عن الأرحام ليصلها.

ومن نافذة الأرحام وبابها الواسع، دخل الأمويون كلهم، ودخل معهم أولياؤهم إلى ولايات الدولة، وأعمالها ومناصبها الحساسة، ووظائفها العامة فما من مصر من الأمصار، وما من عمل من الأعمال إلا وواليه أموي أو موالي لبني أمية، وكان أول الداخلين من هذا الباب عمه الحكم بن العاص طريد رسول الله وعدو الله ورسوله، فلما تولى عثمان الخلافة أدخل الحكم بن العاص معززا مكرما، ومع الحكم دخل ابنه مروان، قالت عائشة لمروان: (أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله قد لعن أباك وأنت في صلبه) (1) وكان مروان من أسباب قتل عثمان في ما بعد (2).

ومع أن مروان ملعون على لسان رسول الله، ومع أن الرسول قد حذر منه ومن أبيه بالذات ومن ذريتهم ومن بني أمية عامة إلا أن مروان قد تدرج بمناصب الدولة حتى تولى الخلافة ولقب (بأمير المؤمنين) والاهم أن أولاده وأحفاده الأساس المتين لحكمهم يوم عهد عمليا بالخلافة لعثمان، مع علمه بأن عثمان كهف الأمويين الصالح منهم والطالح، ومع أنه قد سمع تحذيرات الرسول من بني أمية، وتأكيدات الرسول القاطعة (بأنهم أكثر بطون قريش بغضا لمحمد ولآل محمد) (3) وسمع رسول أيضا وهو يتحدث عن الأمويين وعن رؤياه لهم وهم ينزون فوق منبره نزو القردة، وأنهم

____________

(1) قد وثقنا ذلك مرات متعددة في البحوث السابقة راجع شذرات الذهب لابن عماد ج 1 ص 99.

(2) الإصابة لابن حجر ج 6 ص 157.

(3) المستدرك على الصحيحين للحاكم، وحلية الأولياء، راجع كنز العمال ج 11 ص 169.


الصفحة 179
الشجرة الملعونة (1) وسمع عمر رسول الله وهو يحذر من الحكم بن العاص وذريته، ويلعنهم، كما سمع عمر رسول الله وهو يلعن أبا سفيان ومعاوية ويزيد (2)، وكان لعن الرسول لأبي سفيان ويزيد ومعاوية مشهورا بين المسلمين، أنظر إلى قول محمد بن أبي بكر في رسالة لمعاوية (... وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لرسول الله...) ومع أن معاوية قد رد على رسالة محمد بن أبي بكر ردا بليغا إلا أنه لم ينف بأنه اللعين ابن اللعين على لسان رسول الله (3)...

ولما مات عمر بن الخطاب كانت ولايات الدولة وأعمالها ومناصبها العليا وكافة وظائفها العامة، غاصة بأصحاب القوة من الفاسقين والمنافقين والفجار الذين استخدمهم الخليفة عمر ليستعين بقوتهم كما وثقنا قبل قليل!!! قد توارثوا ملك النبوة، مع أنه عدو لله ولرسوله، وقد وصف مروان بن الحكم وضع دولة الخلافة بآخر أيام عثمان وصفا دقيقا حين قال لجموع الصحابة الذين احتشدوا حول دار عثمان مطالبين بالإصلاحات: (ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بإذن صاحبه إلا من أريد، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا!!!

ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا) (4) والخلاصة أن دولة الخلافة قد تحولت إلى ملك أموي خالص، وأن الأمويين قد غلبوا على كل شئ، وأن الأكثرية الساحقة من العوام مع بني

____________

(1) رواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 74 وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية والنهاية رواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي.

(2) وقعة صفين ص 217 و 220 وص و 118 و 119 من وقعة صفين لنصر بن مزاحم ط القاهرة 1382 ه‍ ص 102، ومروج الذهب للمسعودي ط 1385 ج 3 ص 11.

(3) راجع تحذيرات الرسول التي سقناها في هذا الكتاب تحت عنوان (الرسول الأعظم يحذر من الخطر الماحق ويكشف قادة التآمر) وراجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية.

(4) تاريخ الطبري ج 5 ص 110.


الصفحة 180
أمية طمعا بنصيب مما هم غالبون عليه، وأنه لم يبق من الإسلام السياسي إلا لقب الخليفة (أمير المؤمنين) وأن الولايات والأعمال والوظائف العليا والدنيا بالكامل مع بني أمية ومن والاهم، بمعنى أن الدولة بكل مؤسساتها قد جمعت من الناحية الفعلية تحت سيطرة أعداء الله ورسوله الذين حذر منهم الرسول!! وأن الفئة المؤمنة مهمشة بالكامل، وأقلية وليس لها من أمر الدولة أي شئ!!

ولو تولى الخلافة بعد عثمان أي رجل في الدنيا غير الإمام علي بن أبي طالب لما استطاع أن يصمد في مثل هذه الظروف لأكثر من ساعة واحدة، لأن الملك الأموي خاصة، وسلطان المنافقين والفاسقين والفجار قد توطد نهائيا، وألقى أجرانه في الأرض والنفوس معا!! واستقرت ثقافته ثقافة الانحراف في المجتمع الإسلامي الجديد! وأصبحت هي الثقافة الرسمية التي تتبناها الدولة رسميا وتدخلها في مناهجها التربوية والتعليمية.

هذه نماذج من الطواقم التي قادت أو ساهمت بنقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، ثم تكاتفت هذه الطواقم، فنقضت كامل ما تبقى من عرى الإسلام.

والقاسم المشترك بين أفراد هذه الطواقم وجماعاتها، هو كراهيتها لولاية أو رئاسة آل محمد، فهي لا تقبل أن يتولى الخلافة أو الرئاسة العامة أي رجل من آل محمد مهما كانت مواصفاته ومؤهلاته، ثم إن الأكثرية الساحقة من أفراد تلك الطواقم من الحاقدين على الإمام علي بن أبي طالب، لأن الإمام عليا قد وترهم أثناء حرب الكفر مع الإيمان، فما ولى الخلفاء واليا أو عاملا أو قائدا أو أميرا على أي مصر من الأمصار، أو في أي عمل من الأعمال إلا وكان حاقدا على الإمام علي، أو كارها له، أو موتورا، أو متصنعا ذلك!! لأن دولة الخلافة لم تكن تولي أعمالها إلا لموالين لها، والكارهين لأعدائها، والإمام علي وأهل بيت النبوة ومن والاهم يحتلون قائمة أعدائها!!!


الصفحة 181
ولا علم لي أن الخلفاء قد ولوا رجلا واحدا من أهل بيت النبوة أو ممن يواليهم أي عمل من الأعمال، أو أسندوا له أية وظيفة من الوظائف العامة!! لقد كان أهل بيت النبوة ومن والاهم مجردين عمليا من كافة حقوقهم السياسية ومعزولين رسميا عزلا تاما!!

كانت تلك الطواقم غير مؤهلة لقيادة الدعوة، وغير مؤهلة أيضا لقيادة دولة إسلامية، لأنها لا تعرف القرآن الكريم إلا مجملا، ولا تعرف بيان النبي لهذا القرآن، أو سنة الرسول فالقسم الأعظم من هذه الطواقم لم يتتلمذ على يد رسول الله، بل كان يقاوم رسول الله ويحاربه، وبقي في الجبهة المعادية لله ولرسوله وللمؤمنين حتى استسلمت قيادة تلك الجبهة، واضطرت للتلفظ بالإسلام فأسلم هذا القسم تبعا لإسلام قيادة الشرك فكانوا يرون رسول الله في المناسبات، أو عند أسفارهم للمدينة، أو عند الاجتماعات العارضة، ثم إنهم لم يقصدوا تعلم أحكام الدين، وإن قصدوا ذلك فإن المدة المحدودة جدا التي قضوها مع الرسول لا تساعدهم على تعلم أحكام الدين فطوال 21 عاما وهم في معسكر الشرك، الكافر بالكامل بكل ما كان يقول الرسول، فلو افترضنا أنهم خلال السنتين المتبقيتين من عصر النبوة قد استمعوا لماما أو أحيانا لما سيقوله الرسول، لكانت هذه المدة غير كافية لاستيعاب تجارب وعلوم ودروس 21 عاما قد ضاعت عليهم بعد نقض الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم، أو بمن سيخلف النبي، وجد هذا الطاقم نفسه مع ذلك النفر من مهاجري بطون قريش الذين قادوا عملية نقض الترتيبات الإلهية، وبعد فترة وجدوا أنفسهم هم القادة الحقيقيون للمجتمع الإسلامي، فكان من المفترض أن يتولى هذا الطاقم تعليم المجتمع أحكام الدين، ولكن هذا الطاقم لا يعرف أحكام الدين المتعلقة بالحكم أو بالاقتصاد أو الاجتماع، فكيف يعلم الناس أحكام هذا الدين من يجهلها!! ثم إن وجود تلك الطواقم نفسها معارض لحكم الدين، لأن هنالك من هو أولى منها بحكم الأمة.


الصفحة 182
لقد كان مؤهلها الوحيد هو انضمامها لجبهة الرافضين للترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم، ومعاداتها للإمام الشرعي الذي اختاره الله ورسوله، وولاؤها للقادة الفعليين الجدد، وكانت تلك الطواقم في قرارة نفسها تعلم أنها بحكم الغاصبة، وأنها غير مؤهلة لقيادة مجتمع قانونه الإسلام لأنها لا تعرف ذلك القانون، فكيف تطبق على المجتمع قانونا لا تعرفه!! ثم إنها لو عرفت حكم الإسلام في أمر من الأمور، فلن تكون هذه المعرفة لصالحها، بل ستكون دليلا على غصب هذه الطواقم حقا لغيرها!!

ثم إن ذلك النفر من المهاجرين الذين قادوا عملية نقض أول عروة من عرى الإسلام، لم يتم تأهيلهم تأهيلا شرعيا لرئاسة الأمة لأن الله ورسوله قد أهلا الرؤساء الشرعيين، وذلك النفر ليس منهم فكانوا يجهلون القرآن الكريم، ولا يعرفون إلا مجمله، وكانوا يجهلون سنة الرسول أو بيانه لهذا القرآن ولا يعرفون إلا القليل منها، ثم إن هذا القليل الذين يعرفونه يتحول إلى إثبات ضدهم باعتبارهم قد غصبوا ما ليس لهم، فكانوا مضطرين لتجاهل معرفتهم لهذا القليل أو إنكار صلة هذا القليل بالله وبرسوله!! خذ على سبيل المثال عمر بن الخطاب، وهو قائد ذلك الفريق ومنظره، فإنه لم يكن يعلم أن آية (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...) هي آية في كتاب الله لذلك سأل أبا بكر قائلا: (هذا في كتاب الله؟ فقال له أبو بكر نعم، فسكت عمر) (1) واعترف بنفسه بأن الجميع أفقه منه، وأن العامة وحتى النساء يعرفون أكثر مما يعرف، وللتغطية على هذا، فقد كان يعاقب كل مسلم يسأله أو يسأل ولاته أسئلة دينية لا يعرفون جوابها!! فكان يضرب السائلين من المسلمين حتى يشرفوا على الموت!! ثم يأمر بعزلهم عن الناس، وعدم مجالستهم!!

فسؤال المسلم عن معاني آيات في القرآن الكريم، مثل آية: (الجوار الكنس)

____________

(1) الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 54، وتاريخ الطبري ج 1 ص 1817 - 1818، وابن كثير ج 5 ص 243، والسيرة الحلبية ج 3 ص 392، وابن ماجة الحديث 1627.


الصفحة 183
أو (والنازعات غرقا) أو (وفاكهة وأبا)... تعتبر جرائم كبرى... (1).

وعندما لم يتمكن الخليفة من معاقبة السائل عن أمور لا يعرفها بسبب الظروف عندئذ يهز العصا في وجه السائل ثم يقول له: (هذا تكلف!! فما عليك إذا لم تعرف الجواب!! ما ستخسر إن لم تعرف جواب هذا السؤال.

(قرأ عمر على المنبر آية (وفاكهة وأبا) فسأله رجل من المسلمين عن معنى الأب، فنفض عمر عصا كانت في يده ثم قال: (هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الأب!؟ اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه) (2).

وفي رواية أخرى أن عمر قد قال للسائل أو للسائلين: (دعونا من هذا آمنا به كل من عند ربنا) (3).

ويبدو أن عمر قد ضمرها لمن سأله أو سألوه عن معنى هذه الآية وهو على المنبر، ذات يوم هم بمعاقبتهم روى السيوطي: أن رجلا سأل عمر عن قوله: (وفاكهة وأبا) فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة (4).

والخلاصة أن ذلك النفر من المهاجرين الذي قاد عملية نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، ثم استلم الخلافة بالقوة والتغلب لم يكن محيطا بالقرآن، ولا ببيان النبي لهذا القرآن، ولا محيطا بسنة الرسول لأن أي واحد منهم لم يؤهله الله ولا رسوله للرئاسة العامة، ولم

____________

(1) راجع سنن الدارمي ج 1 ص 54، وكنز العمال ج 2 ص 331 وج 11 ص 296، والدر المنثور ج 2 ص 7 وج 3 ص 161 وج 6 ص 111، وإكمال الدين ج 5 ص 221 وج 6 ص 206، وتدوين القرآن لأبي محمد الشيخ علي الكوراني ص 209 وما فوق، لتقف على قضية ضبيع التميمي وما لحقه من ظلم وما أصابه من عذاب نتيجة ارتكابه لبعض هذه الجرائم.

(2) السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 317، وتدوين القرآن ص 225.

(3) المستدرك للحاكم ج 2 ص 390، وتدوين القرآن ص 225.

(4) الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 317.


الصفحة 184
يعده لها فكان من الطبيعي بأن لا يتمكن أي واحد منهم من القيام بأعباء ومسؤوليات ومهام الرئاسة العامة قياما شرعيا، كذلك فإن الطواقم التي استعان بها ذلك النفر كانت إما من حديثي العهد بالإسلام، أو من أعداء الله ورسوله السابقين وهم بالضرورة يجهلون أحكام الإسلام ويجهلون أو يتجاهلون تاريخ الإسلام المجيد. فكان من الطبيعي أن لا يتمكن ذلك النفر ولا تلك الطواقم من تطبيق الإسلام، لأنهم لا يحيطون به!! وكان من الطبيعي أيضا أن يفشل ذلك النفر بقيادة دولة الإسلام ودعوته قيادة شرعية، وكان من الطبيعي أن تحل عرى الإسلام كلها بهذا المناخ عروة بعد عروة، بقصد أو بدون قصد، وكان من الطبيعي أن تنتشر الجهالة في الإسلام الحقيقي وبتاريخه المجيد، وأن تسود ثقافة الانحراف المقصود أو غير المقصود فكيف نطلب من معاوية مثلا أن يطبق أحكام الإسلام في بلاد الشام وأن يعرف أهل الشام بالإسلام وتاريخه، ومعاوية نفسه لا يعرف هذه الأحكام وليس من مصلحته، ولا من مصلحة ولايته ولا من مصلحة الدولة التي يمثلها أن يفهم أهل الشام تاريخ الإسلام الحقيقي، فلو عرف أهل الشام أن معاوية وأبوه وأخوه وأقاربه هم الذين قادوا جبهة الشرك ضد رسول الله قبل الهجرة، وحاربوه بعد الهجرة، وألبوا العرب عليه، ولم يلقوا السلاح حتى اضطرهم رسول الله إلى الاستسلام، هنالك تلفظوا بكلمة الإسلام، لو عرف أهل الشام ذلك لطردوا معاوية، ولما قبلوا بولايته، لذلك صار من مصلحة معاوية ومن مصلحة الدولة التي يمثلها معاوية أن يجهل أهل الشام تاريخ الإسلام، وتاريخ بنائه، وأن يجهلوا أحكامه.

- تساءل أحدهم: ابن من أبو تراب هذا الذي يلعنه الإمام معاوية على المنبر، فأجابه أحد السامعين من أهل الشام (أراه لصا من لصوص الفتن)!!

- روى المسعودي قال: كنا نقعد نتناظر في أبي بكر وعمر وعلي ومعاوية ونذكر ما يذكره أهل العلم، وكان قوم من العامة يأتون فيستمعون.


الصفحة 185
منا، فقال لي ذات يوم أحدهم، وكان من أعقلهم وأكبرهم لحية: كم تطنبون في علي ومعاوية وفلان وفلان؟ قلت: ما تقول أنت في ذلك؟ قال:

من تريد؟ قلت: علي ما تقول فيه؟ فقال: أليس هو أبو فاطمة؟ قلت: ومن كانت فاطمة؟ قال: امرأة النبي ابنة عائشة أخت معاوية، قلت: فما كانت قصة علي؟ قال: قتل في غزوة حنين مع النبي (1) لقد صلى معاوية الجمعة بأهل الشام يوم الأربعاء!! وقال لأهل الشام أن علي بن أبي طالب هو الذي قتل عمار بن ياسر!! وعلمهم أن لعن علي بن أبي طالب سنة وعبادة يجب أن ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير (2) وصدقه أهل الشام وهم يعتقدون أن هذا هو الإسلام!!، كان المسلمون يصلون في صلاتهم على محمد وآل محمد في الوقت نفسه الذي كانوا فيه يسبون ويلعنون عميد آل محمد!! إنها ثقافة الانحراف التي جاءت كنتيجة حتمية وطبيعية لحل أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، ثم تداعت الأمور وانجلت تبعا لها كافة عرى الإسلام عروة بعد عروة.

____________

(1) راجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 39 - 41، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 78.

(2) راجع أمر معاوية لأهل الشام وسكان مملكته بضرورة شتم الإمام ولعنه في صحيح مسلم ج 2 ص 360، وصحيح الترمذي ج 5 ص 301 - 380، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 109، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 67.


الصفحة 186

الفصل الثاني
لماذا تجاهل ذلك النفر سنة الرسول ونقضوا أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم

1 - الطمع بملك النبوة أو الرئاسة العامة، والحرص عليها: لو أن ذلك النفر من المهاجرين، قد اعترف بسنة الرسول، والتزم بالترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلف الرسول بعد موته، لما استطاع ذلك النفر أن يستولي على ملك النبوة، ولما تمكن أفراده من الوصول إلى منصب الرئاسة العامة للأمة، لذلك كان تجاهلهم لسنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وعدم التزامهم بالترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول تعبيرا واضحا كل الوضوح عن طمعهم بملك النبوة أو الرئاسة العامة وحرصهم عليها، ورغبتهم الجامحة بالاستيلاء على هذا المنصب!! فلو أن الله سبحانه وتعالى قد اختارهم للرئاسة العامة، ولو أن الرسول كان قد أعلنهم خلفاء من بعده، لأقروا بشرعية وصواب الترتيبات الإلهية، والتزموا بها، ولقالوا حينها بأن الرسول لا ينطق عن الهوى، وأنه يتبع ما يوحى إليه من ربه، لأن الترتيبات الإلهية وسنة الرسول اتفقت وما تهوى أنفس ذلك النفر، وبالتالي لما كانت هنالك من حاجة لعدم الالتزام بها، لأنها تخدم طمعهم بالرئاسة، وحرصهم عليها، لأنهم طالبوا إمارة، ومكلفون بالانتقال من وضع التابعين إلى وضع المتبوعين، فالمعروف لدى الجميع أن ذلك النفر كان قبل.


الصفحة 187
الإسلام مغمورا، وليسوا من علية القوم، ولا من ساداتهم، لقد اشتهروا فقط عندما اعتنقوا الإسلام، وعندما نال بعضهم شرف مصاهرة رسول الله، فلم يدعي أبو بكر أو عمر أو عثمان أو أبو عبيدة، أو عبد الرحمن بن عوف أو غيرهم من ذلك النفر أنه كان سيد قومه في الجاهلية، أو أنه كان من علية القوم، بل قد أقروا جميعا بأنهم كانوا قبل الإسلام مجرد أشخاص مغمورين لا ذكر لهم، وأن اعتناقهم للإسلام هو الذي أعطاهم الشهرة بعد خمول ذكر، وألبسهم ثوب العز بعد ذل، لقد هيج هذا الوضع الجديد في نفوس ذلك النفر الطمع بالإمارة والحرص عليها، خاصة وأن ذلك النفر قد أصبح في عداد أفراد الحلقة الأولى التي تلتف حول النبي، وبحكم هذا الوضع، وبحكم المصاهرة والصحبة فقد أصبحوا على صلة دائمة بالنبي، فذاع صيتهم، وعلا ذكرهم، وازداد هيجان طمعهم بالإمارة من بعد النبي، وحرصهم عليها، لقد أحسوا بأنه لم يبق بينهم وبين ما يطمعون به إلا قاب قوسين أو أدنى وهذا ما حفز هممهم، وضاعف جهدهم، وسرع خطواتهم نحو ما يريدون.

لقد كانوا في قرارة أنفسهم يعلمون علم اليقين أن من اختاره الله لخلافة النبي وأعلنه رسول الله أشجع وأعلم وأقرب للنبي وأكثر عناء وأقدم سابقة وأرضى لله من أي واحد منهم، وكانوا على يقين بأنهم لم يكن لأي واحد منهم أي دور بارز في أية معركة من المعارك التي حسمت الصراع لصالح الإسلام، بل كانوا يعلمون علم اليقين بأنهم قد ولوا يوم الزحف وفروا في أكثر من معركة، وأن أي واحد منهم لم يقتل أو يجرح أو يأسر أي مشرك طوال فترة الصراع بين الكفر والإيمان، لكنهم اعتقدوا أن الحياة فرص ومغامرة، وأن عليهم أن يغتنموا هذه الفرصة، وأن يخوضوا غمار هذه المغامرة!! خاصة وأنهم قد اعتبروا أن مجرد اتباعهم للنبي وهجرتهم تبعا لهجرته، وعدم قتالهم إلى جانب زعامتهم - زعامة البطون - تضحية كبرى تستحق مكافأة كبرى وهي الإمارة أو الرئاسة العامة من بعد النبي!!.


الصفحة 188
لقد كانت علاقة ذلك النفر بزعامة بطون قريش وتبعيته لها علاقة وتبعية من نوع خاص، له القدرة على اجتياز كل المحرمات وإثبات وجوده، ولم يستطع هذا النفر أن يتخلص من الإحساس بالتبعية حتى بعد انتصار الإسلام وهزيمة زعامة البطون!! انظر إلى قول عمر عن معاوية: (أنه فتى قريش وابن سيدها) (1) القرآن الكريم اعتبر أبا سفيان أحد أئمة الكفر، والرسول الأعظم لعن أبا سفيان وابنيه يزيد ومعاوية كما وثقنا (2) وتاريخ أبي سفيان في محاربته لله ولرسوله من الوضوح بحيث لا يخفى على أحد، ثم إن الرسول قد حذر من بني أمية عامة ومن أبي سفيان وبنيه خاصة، ومع هذا فإن عمر بن الخطاب قد قفز عن تلك الحقائق وبقي على يقينه واعترافه قبل الإسلام بأن أبا سفيان هو سيد قريش، وأن عمر وهو الخليفة أحد تابعيه!! فلم يعتبر عمر نفسه ولا في أي يوم من الأيام سيدا لقريش لأن سيدها معروف وهو أبو سفيان، لقد كان ذلك النفر مأخوذا بحبه لقريش، وزعامتها، وتعصبه لهما، وكان ذلك النفر يجهر بذلك ويجاهر به حتى في الظروف العصيبة، وقد وثقنا ما قاله أبو بكر وعمر في بدر قبل بدء المعركة، لذلك فإن هذا النفر قد اعتبر أن مجرد إعلانه بأنه مع النبي وأنه ليس مع زعامة البطون يعتبر تضحية كبرى تستحق مكافأة كبرى وعظمى أقلها الرئاسة من بعد النبي، وهذا ما جذر أطماع ذلك النفر بالرئاسة بعد النبي، وغذى حرصهم عليها، وضاعف من جهودهم للحصول عليها، وهون عليهم كل عسير لبلوغها.

2 - شبكة هائلة من العلاقات: لقد اشتد الصراع بين الكفر بكل أشكاله وبين الإيمان، واتسع نطاق هذا الصراع حتى شمل الجميع،

____________

(1) البداية والنهاية ج 8 ص 125، والاستيعاب لابن عبد البر ج 8 ص 397.

(2) راجع تحذيرات الرسول ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 217 و 220، ومروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 14، وإمتاع الأسماع للمقريزي.


الصفحة 189
فانقسمت مجتمعات الجزيرة العربية على تعددها إلى قسمين أحدهما وهو الأقل مع النبي وثانيهما مع زعامة بطون قريش.

ومع هذا فقد نجح ذلك النفر بالاحتفاظ والمحافظة على علاقة جيدة مع الجميع، فلم يقطعوا خيوط الاتصال مع أي طرف من أطراف الصراع، ولا مع أية جماعة من جماعاته!! وهذا ما قوى الأمل عندهم بأن الجميع سيقبلون رئاستهم بعد وفاة النبي، وفي حالة حدوث صراع بين ذلك النفر وبين آل محمد أصحاب الحق الشرعي بالرئاسة، فإن الجميع سيقفون مع ذلك النفر وسيتخلون عن آل محمد الذين أثخنوا الجميع بالجراح، ووتروا الجميع، وسيسهل على ذلك النفر تجاهل وجود الترتيبات الإلهية، وتجاهل النصوص الشرعية التي رتبت عصر ما بعد النبوة، وسيسهل على الجميع الوقوف وراء ذلك النفر تحت مظلة الإسلام، لأن أعداء الله السابقين كلهم قد دخلوا الإسلام، وشكلوا الأكثرية الساحقة من المجتمع الإسلامي الجديد، فيمكن استثمار هذه الكثرة الكاثرة تحت مظلة (الشورى) وهي مبدأ إسلامي!!! ومن هنا فقد أخذ ذلك النفر يبني وينمي علاقاته مع الجميع.

أ - كان بحكم الصحبة والمصاهرة والهجرة واعتناق الإسلام محسوبا على النبي والذين آمنوا، وكانت حكومة النبي حكومة عدل إلهي، فهي لا تعاقب على النوايا، ولا تجرم إلا ما يقع من الأفعال، كان النبي على علم بنوايا ذلك النفر، ولكن هذه النوايا لم تترجم إلى أفعال كاملة خلال حياة النبي، وإذا صدرت من ذلك النفر مقاطع من أفعال فقد كانت مغطاة بالشبهات التي تقيم من العقوبة، لقد اكتفى النبي بوصفهم وصفا دقيقا وتحذير الناس منهم، لقد أكد الرسول أن هذا الحي من قريش (1) سيحمل الناس على سنة فارس والروم (2) ولن يدعوا لله في الأرض عبدا صالحا إلا

____________

(1) رواه البخاري كتاب بدء الخلق علامات النبوة ج 2 ص 280، ومسلم كتاب الفتن ج 18 ص 41.

(2) رواه الطبراني مجمع الزوائد ج 7 ص 236.


الصفحة 190
فتنوه (1)، وعندما حذر الرسول منهم طالب المسلمين باعتزالهم قائلا: (لو أن المسلمين اعتزلوهم) (2) ووضح الرسول الصورة فأكد أن قسما من أصحابه المحسوبين عليه سيحدثون من بعده أحداثا (3) وأنهم سيرتدون منذ اللحظة التي يموت فيها النبي (4) وأنهم من الهالكين لأنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ولن ينجو منهم غير النادر (5) ومن المؤكد أن رسول الله قد نصح ذلك النفر، وحذرهم من مغبة ما يضمرون لأنهم إن نقضوا أول عروة من عرى الإسلام، فستنقض تبعا لها كافة عرى الإسلام، ومن المؤكد أن ذلك النفر لم يقدر نصيحة رسول الله حق قدرها لأنهم كانوا موقنين أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى، ولا ينبغي أن يحمل كلامه على محمل الجد!!! لقد وثقنا ذلك أكثر من مرة، ولأنهم كانوا يعتقدون أن الرئاسة العامة أمر دنيوي، وأن ذلك النفر أعلم بشؤون الدنيا ومصلحة المسلمين من الرسول نفسه!! لقد أقنعوا أنفسهم بذلك فمضوا نحو غايتهم، كان قلب النبي الشريف يذوب أسى، ولكن ماذا كان بإمكانه أن يفعل غير ما فعل!!

ب - في الوقت نفسه الذي ارتبط فيه ذلك النفر مع النبي والذين آمنوا برابطة الإسلام، احتفظ ذلك النفر مع زعامة بطون قريش بروابط الدم والقربى والتعاطف، فكانت مواقفهم متعاطفة مع بطون قريش، وكانوا يجهرون بذلك التعاطف علنا أنظر إلى قول عمر مخاطبا رسول الله أمام الأنصار والمهاجرين قبل معركة بدر (يا رسول الله إنها والله قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبدا،

____________

(1) رواه أحمد وقال الهيثمي أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح، الفتح الرباني ج 23 ص 240.

(2) صحيح البخاري ج 2 ص 280، وصحيح مسلم ج 12 ص 14، والفتح الرباني ج 3 ص 39، ومعالم الفتن ج 1 ص 303.

(3) صحيح البخاري ج 1 ص 141، وصحيح مسلم ج 15 ص 159، وكنز العمال ج 14 ص 418.

(4) صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج 3 ص 160، وصحيح مسلم ج 17 ص 94.

(5) صحيح البخاري ج 4 ص 142 كتاب الدعوات باب الصراط.


الصفحة 191
ولتقاتلنك فاتهب لذلك أهبته) (1) عمر مع النبي، والنبي وأتباعه في حالة حرب مع قريش، والنبي يتأهب لأول مواجهة عسكرية مع قريش، وما قاله عمر تثبيط للنبي وأصحابه عن مواجهة قريش ومدح لقريش وتعصب لها في وقت غير ملائم، ومن الطبيعي أن تسمع قريش بما قاله أبو بكر وعمر، ومن الطبيعي أن قريشا ستشعر بالارتياح لموقف الرجلين وتعاطفهما معها.

لما فتح رسول الله مكة أتاه ناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا حلفاؤك وقومك وإنه لحق بك أرقاؤنا، ليس لهم رغبة في الإسلام، وإنما فروا من العمل فارددهم علينا. فشاور الرسول أبا بكر في أمرهم فقال صدقوا يا رسول الله! فقال لعمر ما ترى؟ فقال مثل قول أبي بكر! فقال الرسول: (يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان فيضرب رقابكم على الدين) (2) وأشار إلى الإمام علي بن أبي طالب. هذه المواقف سقناها على سبيل المثال.

وعندما كانت قريش تتفقد قتلاها وجرحاها وأسراها، وتتعرف بدقة على من قتل أو جرح أو أسر أي واحد منهم لتنتقم وتثأر حسب العادة الجاهلية الضاربة الجذور في النفس العربية، كانت زعامة بطون قريش دائما تكتشف أن ذلك النفر لم يلوث يده بقطرة دم واحدة من أبنائها فكان شعورها بالارتياح من ذلك النفر يزداد يوما بعد يوم! كانت زعامة بطون قريش ومن والاها يحقدون على محمد وعلى آله وعلى أتباعه المخلصين ولكنهم لم يكونوا يحقدون على ذلك النفر، بل ولم يكرهوه، وعلى العكس كانوا يحسون بالارتياح والرضا من مواقفه المتعاطفة معهم، ولم

____________

(1) مغازي الواقدي ط أكسفورد ج 1 ص 48 - 49، وإمتاع الأسماع للمقريزي ص 74 - 75، ومعالم المدرستين للعسكري ج 1 ص 171.

(2) المستدرك للحاكم ج 2 ص 138 ونحوه في صحيح مسلم ج 4 ص 298، وكنز العمال ج 13 ص 174، وآيات الغدير لأبي محمد الكوراني ص 161.


الصفحة 192
يكن لديهم ما يمنع من رئاسة ذلك النفر للأمة بعد وفاة النبي، بل إن رئاسة ذلك النفر أحب إليهم من رئاسة الإمام علي الذي فتك بهم فتكا ذريعا أثناء حرب الكفر مع الإيمان، وأحب إليهم من رئاسة أي واحد من ذرية النبي أو من صلب علي!! لكن زعامة بطون قريش وأولياءها السابقين ليسوا على استعداد لقيادة مبادرة بهذا الخصوص، أو قيادة الخروج على الترتيبات التي أعلنها النبي، هم على استعداد لتأييد ذلك النفر إن نجح أو كان نجاحه ممكنا. وهذا ما زاد طمع ذلك النفر بالرئاسة، وأنعش أمله بإمكانية الحصول عليها. لأن زعامة بطون قريش وأولياءها السابقين يشكلون أكبر شريحة من شرائح المجتمع الإسلامي الجديد.

ج - أما المجموعة أو الشريحة الثانية من شرائح المجتمع الإسلامي الجديد التي اعتمد ذلك النفر على تأييدها له عند تجاهله لسنة الرسول والترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف الرسول وعند استيلائه على منصب الخلافة فهم المنافقون، لأن الله ورسوله قد وضعا معيارا دقيقا لمعرفة المؤمن من المنافق، فالمؤمنون يحبون الإمام عليا ويقبلون بولايته أما المنافقون فيكرهون الإمام عليا ويبغضونه ولا يقبلون بولايته وقد شاع هذا المعيار في المجتمع الإسلامي الجديد، لذلك كنت ترى الجميع يحبون الإمام عليا ويقبلون بولايته أو يتظاهرون بذلك، ولكن التظاهر كان ينكشف، ويظهر المنافقون، قال الرسول الأعظم: (لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) (1) وقال أبو سعيد الخدري كنا نعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب (2) وأكد أبو ذر الغفاري وجود هذا المعيار واستعماله فقال: (ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم لله

____________

(1) صحيح الترمذي ج 2 ص 30، وصحيح النسائي ج 2 ص 27، وخصائص النسائي ص 27، وصحيح ابن ماجة ص 12، ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 84 و 95 و 128، وتاريخ بغداد ج 2 ص 255، وحلية الأولياء ج 4 ص 185 وقال هذا حديث صحيح، وكنز العمال ج 6 ص 394.

(2) صحيح الترمذي ص 299، ومسند أحمد ج 6 ص 292.