واستشهد الإمام في الحادي والعشرين من شهر رمضان عام 40 هجرية بعد يومين من طعنة أشقى الآخرين عبد الرحمن بن ملجم له أثناء سجوده وقت الفجر في مسجد الكوفة بالعراق.
2 - الإمام الحسن بن علي عليه السلام
ولد الإمام الحسن عليه السلام في ليلة الخامس عشر من شهر رمضان السنة الثالثة من الهجرة في المدينة المنورة. وروى أنس بن مالك أنه لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن بن علي عليه السلام (1)، وكان يكنى بالمجتبى، والزكي، والسبط، والنقي.
وكانت سيرته كسيرة جده وأبيه، فكان ذا ميزات وأخلاق وفضائل إنسانية سامية من حيث التواضع، والصبر، والوقار، والعفو عند المقدرة، والكرم، وغير ذلك من المزايا الحميدة التي جعلته محبوباً في قلوب الناس. وذكر المؤرخون أن الإمام الحسن عليه السلام أخذ الماء إلى عثمان أثناء حصاره بأمر من أبيه، وشارك برفقة أخيه الحسين وعدد من أبناء كبار الصحابة في حماية عثمان والوقوف أمام داره لمنع الثائرين ضد الخليفة من اقتحامها.
وفي زهده وعبادته، فقد ذكر الحافظ أبو نعيم قوله: (إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته)، فمشى عشرين مرة من المدينة إلى مكة على قدميه. وروي عنه أيضاً أنه تصدق بماله كله ثلاث مرات.
____________
(1) الفصول المهمة لابن المالكي ص 151.
وبعد استشهاد والده أمير المؤمنين، اعتلى منبر الكوفة وخطب بأهلها، فنهض الناس جماعات وبايعوه خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإماماً للأمة، وبقي كذلك لستة شهور حيث اضطر إلى عقد معاهدة الصلح مع معاوية ولا سيما بعد تيقنه بتأهب الرومان لمهاجمة المسلمين مستغلين في ذلك المواجهة المحتملة بين جيشي الحسن ومعاوية. والإمام الحسن عليه السلام بصلحه مع معاوية آثر مصلحة الإسلام على ما عداها، ولكنه بقي رغم هذا التنازل الإمام الحافظ لدين الله والهادي لشيعته ومحبيه ومصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا).
ويقول اليعقوبي في تاريخه: (عاد معاوية إلى الشام بعد عقد معاهدة الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام، وهناك وصلته الأنباء بأن إمبراطور الروم تحرك من روما بجيش كبير للهجوم على الدولة الإسلامية والتي لم يكن لها آنذاك القوة اللازمة لدرء الهجوم الروماني، فاضطر معاوية أن يدفع سنوياً للروم الشرقية مائة ألف دينار سنوياً) (1).
وكان من ضمن بنود الصلح أن تسلم الخلافة بعد موت معاوية إلى الإمام الحسن، وإن مات قبل معاوية تصبح الخلافة حقاً لأخيه الحسين. فكانت وفاته عليه السلام في السابع من شهر صفر سنة 50 للهجرة في المدينة المنورة متأثراً بالسم الذي دسته له زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس بالتآمر مع
____________
(1) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 26.
3 - الإمام الحسين بن علي عليه السلام
ولد في الثالث من شهر شعبان السنة الرابعة للهجرة في المدينة المنورة.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه وبأخيه الحسن عليه السلام: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، واشتهر بلقب سيد الشهداء.
وكانت حياته حافلة بالحوادث الهامة والمواقف الرسالية. كما ويشهد له محبوه وأعداؤه بالزهد، والتقوى، والعلم، والفصاحة، وفضائل الأخلاق، والرأفة بالفقراء والمساكين. وشارك أباه في مواقع الجمل، وصفين، والنهروان، إلا أن المحطة اللامعة في حياته ذات الأهمية القصوى التي شارك فيها كانت في كربلاء.
فبعد وفاة الإمام الحسن عليه السلام، بدأت الشيعة في العراق بمراسلة الحسين طالبة منه الثورة ضد معاوية، إلا أنه ذكر في جوابه إليهم أن له ولأخيه عهداً مع معاوية لا يستطيع نقضه. وأما معاوية فقد كان طوال فترة خلافته التي دامت عشرين عاماً يقوم بتهيئة الإمارة بعده لابنه الفاجر يزيد، والذي تربع فعلاً على سدة الحكم سنة 60 للهجرة بعد موت معاوية.
وكان من البديهي أن يرفض الحسين إعطاء البيعة ليزيد ليس فقط لخرق بني أمية معاهدة الصلح، وإنما أيضاً لإحياء الإسلام والسنن الدينية التي أصبحت مضيعة ومهددة بالتحريف والزوال ولم يكن يهدف الحسين
أيها الناس، إنهم أطاعوا الشيطان، وعصوا الرحمان، وأفسدوا في الأرض، وعطلوا السنن، وأستأثروا ببيت أموال المسلمين، وحللوا حرمات الله، وحرموا ما أحله، وأنا أحق الناس بالإنكار عليهم.
ولهذه الأسباب، فقد أصر الحسين عليه السلام على المواجهة بالرغم من علمه بنكوص أهل الكوفة وارتدادهم عن نصرته وبقائه بإثنين وسبعين رجلاً فقط من أهل بيته وأصحابه الذين جاءوا معه من مكة والمدينة، حيث كان لسان حال الحسين كما وصف أحد الشعراء:
وهكذا كان، فقد استشهد الحسين في العاشر من محرم عام 60 للهجرة وجميع من بقي معه من الرجال واستشهد وعشرون ممن تحول إلى نصرته من المعسكر الأموي علي رأسهم الحر بن يزيد الرياحي، ثم حملت رؤوس الشهداء إلى يزيد في الشام (1).
4 - الإمام علي بن الحسين عليه السلام
ولد في الخامس من شهر شعبان سنة 38 للهجرة بالمدينة المنورة، وكان يلقب بزين العابدين والسجاد. وعاصر فترات حكم كل من يزيد بن معاوية، معاوية بن يزيد، مروان بن الحكم، عبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك.
____________
(1) تجد تفاصيل أو في حول هذه المأساة في الفضل الرابع.
وهكذا فقد كان الإمام أثناء المدة القصيرة التي قضاها في الشام دائم الاستنكار لأعمال يزيد وتذكير الناس بما حصل في كربلاء، حتى أعيد مع النساء الهاشميات السبايا إلى المدينة حيث قضى بقية عمره الشريف هناك.
ولكنه لم يكن بمنأى من المضايقات المستمرة هناك من رجال بني أمية، فاختار طريق السرية في تربية نخبة من التلاميذ وإعدادهم، حتى وصل عددهم إلى مئة وسبعين تلميذاً، وأصبح كل واحد منهم عالماً نبراساً في المجتمع الإسلامي. منهم: سعيد بن المسيب، سعيد بن جبير، محمد بن جبير، أبان بن تغلب، جابر بن محمد بن أبي بكر، القاسم بن محمد بن أبي بكر، جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو حمزة الثمالي.
ومن أشهر آثاره العلمية التي خلفها (الصحيفة السجادية)، وهي مجموعة من الأدعية والمناجاة التي كتبها وأورثها لشيعته، وهذه الصحيفة عبارة عن موسوعة كبيرة لمبادئ الإسلام ومعرفة الله ومعرفة الإنسان. وقد لجأ الإمام ليعبر عن أفكاره ومبادئه عبر هذه الأدعية لأنه لم يكن يسمح له عبر غيرها كاعتلاء المنبر أو المجالس العامة، حيث كانت أدعيته ذات وجهين: عبادي واجتماعي.
ومن آثاره أيضاً (رسالة الحقوق) والتي تعد من أسمى الرسائل في أنواع الحقوق، يذكر فيها حقوق الله سبحانه وتعالى على الإنسان، وحقوق نفسه عليه، وحقوق أعضائه من اللسان، والسمع، والبصر، والرجلين، واليدين،
____________
(1) مقتل الخوارزمي ج 2 ص 43.
وأما عن زهده وعبادته ومواساته للفقراء، وخوفه من الله فغني عن البيان، فقد كان الإمام إذا توضأ اصفر وجهه، فيقال له: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقف (1).
وبقي تحرك الإمام مرصوداً من قبل السلطات الأموية حتى قرر الخليفة عبد الملك بن مروان اعتقاله، فأرسل إلى الشام مثقلاً بالحديد لإرهابه وإجباره على التوقف عن استنكار الأمويين، ولكنه لم يأبه بذلك ثم أعيد إلى المدينة، حيث استمر فيها على النهج نفس، حتى دس إليه سليمان بن عبد الملك السم أخيراً في عهد أخيه الخليفة الوليد بن عبد الملك.
وأسدل بذلك الستار على حياة نجم آخر من نجوم الهداية في الخامس والعشرين من محرم سنة 95 للهجرة، ودفن في البقيع بجانب ضريح عمه الحسن بن علي عليه السلام. ومما يجدر ذكره أن الوهابيين (2) قاموا بهدم قبره، وقبور بقية الأئمة في البقيع في الثامن من شوال سنة 1344 ه / 1925 م.
5 - الإمام محمد بن علي عليه السلام
ولد في الأول من شهر رجب عام 57 للهجرة بالمدينة المنورة، وقد عرف بلقب الباقر لبقره العلم وتفجيره له وتوسعه فيه، وعاصر طوال فترة إمامته التي دامت 18 عاماً حكم كل من الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك.
وقد استمر هؤلاء الخلفاء باستثناء عمر بن عبد العزيز بمضايقة أئمة أهل البيت عليه السلام وتصفية أنصارهم ومحبيهم كما فعل من سبقهم من الخلفاء
____________
(1) جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج 6 ص 441.
(2) تجد تفاصيل عن نشأة هذه الحركة في الفصل الخامس من هذا الكتاب.
وواصل الإمام محمد الباقر عليه السلام النهج السري لسلفه الإمام زين العابدين بتنشيط الحركة التربوية والتعليمية الشاملة، والتي مهدت لإنشاء أول مدرسة إسلامية على منهج تعاليم أهل البيت عليه السلام ولكنه وبسبب ضغوط السلطات ومراقبتهم، فإن نشاطات هذه المدرسة بقيت محدودة، ولم تعط ثمارها الحقيقية إلا في عصر الإمام السادس جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
وقد قام الإمام الباقر عليه السلام بنشر الأحاديث والأحكام الإسلامية بشكل ملحوظ حتى أصبح الناس في عصره يتناقلون علومه وأخباره.
ثم لاقى الإمام عليه السلام نفس مصير آبائه وأجداده، عندما دس إليه السم عن طريق الأيدي الآثمة للسلطة الأموية الحاكمة وكان ذلك في السابع من ذي الحجة عام 114 للهجرة في المدينة المنورة، وهناك دفن، فيما يعرف ب (البقيع).
6 - الإمام جعفر بن محمد عليه السلام
ولد في السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 83 للهجرة بالمدينة المنورة وأمه فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. وعاصر خلال فترة إمامته من الخلفاء الأمويين كلاً من هشام بن عبد الملك، يزيد بن عبد الملك، إبراهيم بن الوليد، ومروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين والملقب بالحمار. ومن العباسيين، فقد عاصر عبد الله السفاح وأبا جعفر المنصور الدوانيقي. وكان أشهر ألقابه الصادق.
وقد دار نشاط الإمام الصادق عليه السلام العلمي حول محورين أساسيين، هما: حماية العقيدة الإسلامية من التيارات العقيدية والفلسفية والإلحادية التي قويت في عصره، ونشر الإسلام وتوسيع دائرة الفقه والتشريع وتثبيت معالمهما وحفظ أصالتهما.
ويقول أبو حنيفة النعمان وهو أحد أئمة المذاهب الفقهية الأربعة عند أهل السنة: (عندما استدعى أبو جعفر المنصور الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إلى العراق دعاني إليه لمناظرته، فكتب أربعين مسألة لطرحها على الإمام. وحين دخلت على المنصور وجدت الإمام الصادق جالساً إلى يمينه فسلمت وجلست، وقدمني المنصور إليه، ثم أمر بطرح المسائل عليه، فكنت أسأله واحداً واحداً، وهو يجيب عنها واحدة واحدة، ومبدياً في كل مسألة آراء أهل المدينة وآراء أهل العراق وأخيراً رأيه الخاص به. وكان رأيه موافقاً لآرائهم حيناً ومخالفاً حيناً. فعرفت أنه أعلم الناس وأعرفهم بعقائد أهل زمانه) (1).
ويقول مالك بن أنس، وهو إمام آخر من أئمة المذاهب الأربعة وأحد تلاميذ الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (كنت غالباً أدخل على الإمام الصادق عليه السلام، فكان إما مصلياً أو قارئاً القرآن الكريم. ولم تر عين مثله، ولم تسمع أذن بمثله، ولم يخطر على بال أحد أن يكون هناك أوسع علماً وأكثر عبادة وزهداً منه) (2).
____________
(1) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 157.
(2) الإرشاد للمفيد ص 389.
وفي جانب العلوم الطبيعية، فقد تمكن الإمام من كشف أسرار نالت إعجاب العلماء الاختصاصيين في العصر الحديث، لا سيما ما جاء منها في كتابه (توحيد المفضل) الذي أملاه على تلميذه المفضل بن عمرو الكوفي في أربعة أيام، وكذلك تربيته للعالم الفذ جابر بن حيان الذي يعد اليوم أبو الكيمياء، حيث أخذ علمه عن الإمام الصادق عليه السلام وألف كتباً ورسائل عديدة في هذا المضمار. وقال الدكتور يحيى الهاشمي: (إن هناك عدة كتب مخطوطة لجابر بن حيان لا يزال علماء الألمان يعكفون على حل رموزها) (2). وقال الحوماني: (واستخراج المعلوم من المجهول له علم خاص سماه علماء الغرب (علم الجبر) اشتقوه من اسم جابر بن حيان، لأنه أول من وضع هذا العلم نقلاً عن معلمه جعفر الصادق) (3).
وانتقل الإمام إلى جوار ربه في الخامس والعشرين من شوال عام 148 هجرية بالمدينة المنورة، ودفن في مقبرة البقيع بجوار آبائه الباقر، وزين العابدين، والحسن عليهم السلام.
____________
(1) جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج 6 ص 455.
(2) الحوماني، أشعة من حياة الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ص 41.
(3) المصدر السابق.
7 - الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
ولد في السابع من شهر صفر سنة 128 للهجرة بالأبواء - بين مكة المكرمة والمدينة المنورة - وكان أشهر ألقابه الكاظم، وعاصر كلاً من أبي جعفر المنصور، محمد المهدي بن المنصور، موسى الهادي ابن المهدي، وهارون الرشيد الابن الآخر للمهدي.
وشهدت فترة أبي جعفر المنصور عودة القمع والاضطهاد لأهل البيت عليه السلام، وأشياعهم، فاختار الإمام الكاظم أن يركز جهوده في المضمار العلمي، فواصلت مدرسة أهل البيت العلمية في عهده بالازدهار، وتخرج منها العديد من العلماء والمفسرين الأفذاذ منهم: علي بن يقطين، محمد بن أبي عمر، وهشام بن الحكم وغيرهم. وقد قيل فيه إنه كان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأفقههم، ودامت فترة إمامته 35 عاماً.
وعاش الإمام الكاظم عليه السلام فترات طويلة من عمره الشريف في ظلمات سجون العباسيين، حيث سجنه الخليفة المهدي ثم أطلقه وسجنه بعد ذلك هارون الرشيد في البصرة ثم نقله إلى سجن بغداد لمدة طويلة أقل ما قيل فيها إنها كانت أربع سنوات، ومات متأثراً بسم يعتقد أن الرشيد كان وراء الأيدي التي اقترفت هذا الإثم الكبير، وكان ذلك في الخامس والعشرين من رجب سنة 183 للهجرة. ودفن بالقرب من بغداد في مقابر قريش المعروفة في أيامنا هذه باسم (الكاظمية) نسبة إلى الإمام الكاظم عليه السلام.
8 - الإمام علي بن موسى عليه السلام
ولد في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة 148 للهجرة بالمدينة المنورة، واشتهر بلقب الرضا، وعاصر خلافة كل من هارون الرشيد، محمد الأمين، وعبد الله المأمون، ودامت فترة إمامته عشرين عاماً.
وقد كثرت الثورات العلوية خلال عهد المأمون، والتي كانت تنادي بالرضا من آل محمد، ومن ذلك أطلق المأمون على الإمام علي بن موسى
وعند موافقة الإمام على قبول ولاية العهد كان قوله للمأمون: (قد نهاني الله عز وجل أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل ذلك على أن لا أولي أحداً ولا أنقض رسماً ولا سنة، وأكون في الأمر بعيداً مشيراً) (1).
ومما يؤكد قلق المأمون تجاه سياسته بالتعامل مع الإمام أنه وبعد أن ألح عليه مرة بإقامة صلاة العيد، تراجع عن ذلك ومنعه من إقامتها، وخصوصا ملاحظته تعاظم مكانة الإمام في عيون الناس يوماً بعد يوم، وخشيته من انتشار علمه وسيرته في ربوع العالم الإسلامي، فقرر إنهاء حياة الإمام عليه السلام وقام بدس السم إليه، مما أدى إلى مفارقته لهذه الدنيا. وكان ذلك في السابع عشر من صفر سنة 203 للهجرة، ودفن جثمانه الطاهر في (خراسان) بالمدينة التي تعرف اليوم باسم (مشهد) في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وبالرغم من أن المأمون تظاهر بالحزن الشديد عندما أخبر بوفاة الإمام وقام بتمزيق قميصه وبكى بصوت عال، إلا أن معظم الباحثين والمؤرخين على يقين باقترافه لهذا الجرم الشائن.
____________
(1) علي محمد دخيل، أئمتنا، ج 2 ص 140.
9 - الإمام محمد بن علي عليه السلام
ولد في ليلة التاسع عشر من رمضان سنة 195 للهجرة في بغداد، وعاصر خلافتي المأمون والمعتصم. وأشهر ألقابه الجواد والتقي ودامت إمامته لسبعة عشر عاماً.
وقد أثارت مسألة انتقال الإمامة إلى الإمام محمد الجواد جدلاً كثيراً بسبب صغر سنه حين تسلمه الإمامة، حيث كان عمره عند وفاة والده الإمام علي الرضا عليه السلام ثماني سنوات أو عشر حسب اختلاف الروايات. ويذكر بعض المؤرخين أن الشيعة حاروا واضطربوا ووقع بينهم الخلاف والانقسام بسبب هذا الحدث (1). وبالرغم من ذلك، فإن أغلب الشيعة قبلوا إمامته واحتجوا كما يذكر الشيخ المفيد وهو من أعظم علماء الشيعة الكبار في القرن الرابع الهجري بأن كمال العقل لا يستنكر لحجج الله تعالى مع صغر السن لقوله تعالى بشأن عيسى عليه السلام: (قالوا كيف نكلم من كان في المهدي صبيا، قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً) [ مريم / 29 - 30 ]. وبقوله تعالى بشأن يحيى عليه السلام:
(وآتيناه الحكم صبياً) [ مريم / 12 ]، إلى قوله: وإذا كان الأمر على ما ذكرناه من تخصيص الله تعالى حججه، بطل ما تعلق به هؤلاء القوم، على أنهم إن أقروا بظهور المعجزات على الأئمة وخرق العادة لهم، وفيهم بطل أصلهم الذي اعتمدوا عليه في إنكار إمامة الجواد عليه السلام (2). وتكررت هذه الحالة بشأن الإمام علي الهادي وهو عاشر الأئمة، وآخرهم الإمام محمد المهدي عليه السلام.
وقد اقتضت الضرورة عند الموالين للمزيد من البحث والتحري بما يخص إمامة الجواد عليه السلام، فاقدموا على اختباره في مواقف وحالات متعددة حتى تحقق لهم الاطمئنان بغزارة علمه وأهليته، ولم يرفض إمامته
____________
(1) رسول جعفريان، الحياة الفكرية والسياسة لأئمة أهل البيت، ج 2 ص 103.
(9) الشيخ المفيد، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ص 256.
ومن المعلوم أن الأئمة عليه السلام كانوا يجيبون على جميع الأسئلة التي تعرض عليهم، وكان الأتباع والموالون يقبلون إمامتهم تبعاً لذلك بالرغم من وجود النص المسبق على إمامتهم (1).
ويقول العلامة السبحاني: (وليس عجيباً تحمل أعباء الزعامة في أيدلوجية الرجل الإلهي، فالأئمة الإلهيون كانوا متحلين منذ البداية ومن أجل أهداف معنوية بتربية خاصة، ويخطون بكمالات (معنوية) لا توجد إطلاقاً في الأفراد العاديين. ولقد تجلت لكل الناس هذه الكمالات في الإمام محمد الجواد عليه السلام من خلال مناقشاته ومناظراته عندما كان يلتقي بعلماء بغداد بحضور الخليفة المأمون، والذي بلغ إعجابه به يوماً أن زوجه ابنته أم الفضل لما رآه فيه من الفضيلة، وبلوغ العلم، والحكمة، والأدب، وكمال العقل مع صغر سنه وما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل زمانه (2).
ثم انتقل الإمام بعد زواجه إلى المدينة المنورة حيث ربى خلال فترة إقامته فيها شخصيات علمية كثيرة، وعندما استلم المعتصم مقاليد الحكم سنة 218 للهجرة، استدعى الإمام إلى بغداد ليكون تحت مراقبته، وخوفاً من شدة التفاف الناس حوله.
وقد انتقل الإمام إلى جوار ربه في التاسع والعشرين من ذي القعدة سنة 220 للهجرة وكان عمره 25 عاماً، حيث يعتقد بعض المؤرخين أن المعتصم قد دس إليه السم عن طريق زوجته أم الفضل. ودفن بجوار جده الإمام موسى الكاظم عليه السلام بالقرب من بغداد.
____________
(1) رسول جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2 ص 105.
(2) جعفر السبحاني، مشهد من حياة أئمة الإسلام، ص 69.
10 - الإمام علي بن محمد عليه السلام
ولد في الخامس عشر من ذي الحجة سنة 212 للهجرة بقرية من نواحي المدينة المنورة تدعى صربا، ودامت إمامته لمدة 34 عاماً، وكان أشهر ألقابه: الهادي والنقي. وقد عاصر كلاً من المعتصم، الواثق، المتوكل، المنتصر، المستعين، والمعتز.
وكما يصفه المؤرخون فإنه كان فقيهاً وإماماً متعبداً، وأطيب الناس مهجة وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب وأكملهم من بعيد، إذا صمت علته هيبة الوقار، وإذا تكلم سماه البهاء (1).
وكانت سياسة الخلافة العباسية منذ عهد المأمون إلى ما قبل مجئ المتوكل إلى الحكم تقوم على أساس التمسك بمذهب المعتزلة والدفاع عنهم مما فسح المجال تلقائياً بشئ من الحرية للشيعة، ولكن بمجئ المتوكل إلى الحكم، وانتهاجه سياسة الدفاع عن مذهب أهل الحديث (2) المناقض للمعتزلة، ابتدأ التشدد والضغط من جديد على مذهبي الشيعة والمعتزلة، واضطهاد أتباعهما.
وكانت فترة الأربعة عشر عاماً التي عاشها الإمام من حكم المتوكل بعد أن استقدمه إلى سامراء وأجبره على العيش فيها من أشد السنين التي مرت عليه، وأذاقه الخليفة فيها أشد صنوف العذاب والمحن. ويروي المسعودي أنه: (سعي إلى المتوكل بالإمام محمد الجواد أن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته، وأنه عازم على الوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الجند الأتراك، وهجموا على داره ليلاً، فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى، ومتوجه إلى الله
____________
(1) ابن أشوب مناقب آل أبي طالب، ج 4 ص 401.
(2) مرت تفاصيل عن هذه الفرق والمذاهب في الفصل الخامس.
فبكى المتوكل حتى بلت دموعه لحيته وبكى الحاضرون، ثم أمر المتوكل برفع مائدة الشرب، ثم رد الإمام إلى منزله مكرماً) (1).
وقد توفي الإمام في الثالث من شهر رجب سنة 254 للهجرة متأثراً بسم الخليفة المعتز، ودفن في سامراء شمال مدينة بغداد في العراق.
11 - الإمام الحسن بن علي عليه السلام
ولد في الثامن من ربيع الثاني سنة 232 للهجرة في المدينة المنورة، وعاصر خلافة كل من المعتز، المهتدي، والمعتمد، ودامت فترة إمامته ست سنوات. واشتهر بلقب العسكري نسبة إلى عسكر ويراد بها سر من رأى (أو
____________
(1) مروج المذهب للمسعودي، ج 4 ص 11.
واشتدت رقابة العباسيين للإمام الحسن العسكري أكثر مما كانت على أبيه وذلك لتعاظم قوة الشيعة في العراق، ولعلم الخلفاء العباسيين من خلال أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما تناقلته الأجيال من معتقدات الشيعة أنه سيولد للإمام ولد يقضي على كل الحكومات المستبدة.
ولذلك فإنه عندما ولد للإمام الحسن ابنه محمد، فقد أخفى خبر ولادته عن عموم الناس، فضلاً عن العناية الإلهية التي أحاطت المولود بالحفظ والستر حتى فشلت السلطة في استقصاء الأمر.
وتوفي الإمام في الثامن من ربيع الأول سنة 260 للهجرة وعمره 28 عاماً بعد أن اشتد به المرض في عهد الخليفة المعتمد. ولم يستبعد أن اشتداد المرض عليه كان بتأثير سم قد دس إليه عن طريق أيدي السلطة الآثمة، وذلك نظراً لصغر عمره عند وفاته وتخوف العباسيين منه لا سيما أنه كان قد سجن عدة مرات مع أنصاره وخطط لقتله. ودفن بجانب ضريح والده الإمام علي الهادي عليه السلام في سامراء شمال العاصمة العراقية بغداد.
12 - الإمام محمد بن الحسن (المهدي)
ولد في الخامس عشر من شعبان سنة 255 للهجرة بمدينة سامراء في عهد الخليفة المهتدي العباسي، وأشهر ألقابه: المهدي، القائم، المنتظر، الحجة، صاحب الزمان. وقد امتدت فترة إمامته منذ تسلمه مقاليدها سنة 260 للهجرة ولغاية أيامنا هذه وإلى أن يشاء الله جل وعلا.
____________
(1) وفيات الأعيان لابن خلكان، ج 2 ص 94.
وقد انتقلت الإمامة إليه عند وفاة والده وكان له من العمر خمس سنوات شأنه في ذلك شأن النبي يحيى عليه السلام الذي تسلم مقاليد النبوة والحكم وهو صبي: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً) [ مريم / 12 ]، وهذا أقل إعجازاً من تسلم نبي الله عيسى عليه السلام النبوة وهو لا يزال رضيعاً: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً، قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً) [ مريم / 29 - 30 ].
وما يثبت هوية الإمام محمد المهدي من السنة النبوية قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي) (1).
ومن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أيضا ما يوضح مهمته: (تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً (2)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا إلا
____________
(1) صحيح الترمذي ج 9 ص 74، مسند أحمد ج 1 ص 376.
(2) المستدرك للحاكم ج 4 ص 557، مسند أحمد ج 3 ص 36.
ومن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً ما يثبت إنه يظهر قبل نزول عيسى عليه السلام: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم) (2) وقال الحافظ في شرحه لهذا الحديث: (تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى بن مريم سينزل ويصلي خلفه) (3).
ولذلك فإن الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ليس خاصاً بالشيعة، فأهل السنة مجمعون على الإيمان به وإن خالف غالبيتهم ما يعتقده الشيعة بما يتعلق بمولده سنة 255 للهجرة وقالوا بأنه سيولد في آخر الزمان، والفتوى التي أصدرها المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة والمؤرخة في 31 آيار 1976 تمثل موقف أهل السنة في عصرنا حول هذه المسألة وهذا نصها (المهدي عليه السلام هو محمد بن عبد الله الحسني، العلوي، الفاطمي، المهدي، الموعود، المنتظر، موعد خروجه في آخر الزمان، وهو من علامات الساعة الكبرى يخرج من المغرب ويبايع له في الحجاز في مكة المكرمة، بين الركن والمقام، بين باب الكعبة المشرفة والحجر الأسود الملتزم. ويظهر عند فساد الزمان وانتشار الكفر وظلم الناس، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يحكم العالم كله وتخضع له الرقاب بالإقناع تارة وبالحرب تارة أخرى وسيملك الأرض سبع سنين وينزل عيسى عليه السلام من بعده، فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله بباب لد بأرض فلسطين. وهو آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر
____________
(1) صحيح ابن ماجة، باب الجهاد.
(2) صحيح مسلم، باب نزول عيسى ج 1 ص 373.
(3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 5 ص 362.
ومن علماء أهل السنة الذين وافقوا معتقد الشيعة بولادة الإمام المهدي لأبيه الإمام الحسن العسكري سنة 255 للهجرة وأنه لا يزال حياً يرزق منذ ولادته:
1 - كمال الدين بن طلحة في كتابه: (مناقب السؤول في مناقب آل الرسول.
2 - محمد بن يوسف الكنجي في كتابه: (البيان في أخبار صاحب الزمان).
3 - نور الدين بن الصباغ في كتابه: (الفصول المهمة).
4 - سليمان القندوزي في كتابه: (ينابيع المودة).
5 - شمس الدين سبط بن الجوزي في كتابه: (تذكرة الخواص)، وغيرهم.
وقد كانت غيبة الإمام المهدي عليه السلام عن الأنظار على مرحلتين:
المرحلة الأولى: وتسمى الغيبة الصغرى والتي بدأت منذ وفاة والده وتسلمه الإمامة سنة 260 للهجرة، وكان يمكن للناس خلال هذه المرحلة الاتصال به عن طريق نواب خواص عينهم الإمام ليكونوا حلقة الوصل بينه وبين أتباعه، ولينقلوا لهم إجاباته وتوجيهاته. ودامت الغيبة الصغرى 69 عاما تخللها أربعة، نواب خواص وهم على التوالي: عثمان بن سعيد العمري، محمد بن عثمان العمري، حسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري.
المرحلة الثانية: وتسمى الغيبة الكبرى والتي بدأت سنة 329 للهجرة ولا زلنا نعيشها في أيامنا وإلى أن يشاء الله. وتحولت عند بداية هذه المرحلة النيابة الخاص إلى النيابة العامة المتمثلة بفقهاء الشيعة ومجتهديهم المؤهلين من نواحي العدالة والأعلمية والخبرة ويطلق عليهم اسم مراجع الدين ومفردها المرجع الديني لرجوع الناس إليهم في أخذ الفتوى والإرشاد. ويتم وصول
وأما على صعيد السياسة والحكم في ظل الغيبة الكبرى، يجوز لأي من الفقهاء المؤهلين إقامة الحكومة الإسلامية أو قيادتها وعلى بقية الفقهاء أو المراجع التأييد والمناصرة. وأما شكل هذه الحكومة وصلاحياتها وحدود سيادتها، فإنها من الأمور الواقعة تحت اجتهاد الفقهاء في كل عصر، وليس لها صيغة ثابتة. وتعتبر شرعية الجمهورية الإسلامية في إيران مستمدة من هذا الأصل الفقهي عند الشيعة، وإن كان الفقهاء يختلفون حول بعض المسائل الفرعية أو التفصيلية المتعلقة بهذا الأمر.
وبالإضافة لكل ما سبق، فإنه يثار أيضاً حول الإمام المهدي عليه السلام وغيبته تساؤلات عديدة لا بد من التطرق إليها، وأهمها ما يلي:
أولاً: لماذا يغيب الإمام وقد نصب لحفظ الدين وهداية الناس؟
ثانياً: كيف يمكن له أن يعش هذا العمر الطويل؟
ثالثاً: ما هي علامات ظهوره؟
ونحاول فيما يلي الإجابة عن هذه التساؤلات الثلاثة بإيجاز:
أولاً: أسباب الغيبة
إن من أوضح الأسباب التي يمكن بها فهم الحكمة الإلهية التي اقتضت غيبة الإمام المهدي هو تخطيط السلطات العباسية لقتله، وكان هذا واضحاً من خلال إصرارهم في البحث عن أي مولود للإمام الحسن العسكري عليه السلام أثناء مرضه، والاستقصاء حتى بشأن زوجاته وجواريه إن كان أي منهن فيها حمل. وإذا علمنا أن الإمام المهدي هو آخر الأئمة الاثني عشر والذي وعد الله بأن يتم نوره وينشر عدله في جميع أرجاء المعمورة بظهوره، فإنه سيزول جزء كبير من استغرابنا حول هذه المسألة
وهكذا، فقد استمرت غيبة الإمام على مر العصور لاستمرار الظروف ذاتها المواتية لسفك دمه الطاهر على أيدي ملوك المسلمين وسلاطينهم، ولكان ذلك بمرأى ومسمع ورضا من سواد الأمة الأعظم كما حصل ذلك من قبل في تعذيب المسيح عليه السلام وقتل الحسين وغيرهم من أولياء الله وحججه، فيكون الناس هم الذين حرموا أنفسهم من الانتفاع من الوجود الظاهري للإمام المهدي بينهم كما حرمت الأمم السابقة نفسها من الانتفاع من الوجود الأنبياء والرسل الذين أرسلوا لهدايتهم. وهذه سنة ثابتة أودعها الله في خلقه: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) [ هود / 28 ].
ثانياً: تفسير العمر الطويل
يبلغ عمر الإمام المهدي في اليوم عام (1418 ه 1997) 1162 عاماً، الأمر الذي يستبعده المخالفون ويسخر منه المنكرون. ولكن لو تصفحنا آيات القرآن الكريم لوجدنا شواهد عديدة على طول عمر أولياء الله وأنبيائه. فهذا
____________
(1) صحيح البخاري، كتاب الفتن، ج 9 ص 144.
وأمد الله كذلك في عمر عيسى والخضر عليه السلام آلاف السنين ولا يزالا أحياء، وحتى أن إبليس قد أعطي مثل ذلك: (فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) [ الحجر / 37 - 38 ]. وحسب بعض الروايات، فإن آدم وإدريس وهود عمروا ما يزيد عن 900 سنة، بل إن معدل أعمار قوم هود كانت 400 سنة.
وأما من الناحية العلمية، فليس هناك أي دليل يقول باستحالة إطالة عمر الإنسان لمئات السنين، بل ثبت مخبرياً أنه يمكن للإنسان تطويل عمره دون حد إذا كان مراعياً لقواعد التغذية المثالية، ومحصناً بالأدوية والمعالجات الصحيحة ضد العوارض والأمراض. وقد وجد في زماننا أفراد عاشورا أكثر من 170 عاماً، وتجد دولاً متقدمة علمياً كاليابان يزيد معدل عمر سكانها عن الثمانين عاماً في الوقت الذي تجد فيه هذا المعدل لا يتجاوز الخمسين عاماً في بعض الدول الإفريقية.
ثالثاً: علامات الظهور:
يفهم من الروايات الكثيرة المتعلقة بالإمام المهدي المنتظر بوجود علامات تنبي بظهوره، وهي على ثلاثة أنواع كما يلي:
الأول: علامات كونية كالنداء أو الصيحة التي تنطلق من السماء، وخسف البيداء، والخسوف والكسوف في غير أوقاتهما وغير ذلك من الآيات السماوية أو الطبيعية.
الثاني: علامات متعلقة بشخصيات كخروج السفياني، والدجال، واليماني، والخراساني، وقتل عبد الله والنفس الزكية وغيرهم. وهذان النوعان من العلامات قد كثر الوضع في الروايات القائلة بهما، وما صح منها من الممكن أن يحمل تفسيرها على عدة وجوه.
القسم الرابع
آثار أزمة الخلافة والإمامة
على
شريعة الإسلام وواقع المسلمين
تقديم
قد يتساءل بعض القراء عن جدوى الخوض في أزمات وفتن عفى عليها الزمان، كأزمة الخلافة والإمامة بمنظورها التاريخي والتي لا تزيد تفرق المسلمين - في تقديرهم - إلا تفرقاً واختلافاً، في الوقت الذي ينبغي فيه أن يوجه الاهتمام أولاً إلى الأزمات الكثيرة التي تعانيها الأمة في هذا العصر.
ومع ما لهذا الرأي من وزن واعتبار، إلا أن هذا النوع من البحوث لا ينبغي النظر إليه على أنه منافاً لبحوث قضايا العصر ومشكلاته، بل إنه وباستقرائنا لالتباس فهم المسلمين لهذه المسألة في واقعها التشريعي، والتخبط بتطبيقها في واقعها التاريخي نجد أن لذلك الالتباس ولهذا التخبط آثاراً وترسبات عانت الأمة الإسلامية على مر تاريخها ولا زالت من شرورهما، مما يجعل من قضية الخلافة والإمامة أهم قضايا العصور كلها.
فالمسألة ليست مجرد أزمة تاريخية متعلقة بزعامة الناس في عصر من العصور، كالخلاف في الخيار بين شخصي علي وأبي بكر واستحقاقهما للخلافة، ولا هي كانت بسبب ما جرى بشأن ميراث فاطمة ولا قميص عثمان أو خروج عائشة، ولا هي لإثبات أو نفي بغي معاوية أو كفر يزيد. فلو كانت أزمة الخلافة المزمنة هي مجرد الخلاف حول هذه المسائل وأمثالها، لكانت فعلاً مما عفى عليه الزمان وذلك لإمكانية حصر هذه المسائل الخلافية في ظروفها الزمانية، المكانية، وفصلها عما يخص أي زمان أو مكان آخرين، ولكان الأجدر أن تبحث في دائرتها التاريخية ليس إلا.
وأما كون هذه الأزمة هي خلاف حول حقيقة التشريع الإسلامي فيما
يخص قيادة المسلمين في كل عصر من العصور قبل أن يكون خلافاً حول