الصفحة 176

المسألة السابعة عشرة
قوله: الجريمة كل الجريمة هو أن نجد من ينزل بهذا المستوى الباسق، الباسق إلى الحضيض بأكاذيبه وإجرامه القولي.

قال الدكتور البوطي في محاضرته (1):

الجريمة كل الجريمة هو أن نجد من ينزل بهذا المستوى الباسق الباسق إلى حضيض بأكاذيبه وإجرامه القولي.

طيب. بعد هذا القول: فكر الشيعة لمع في داخل سقيفة بني ساعدة، لكن ما كان اسمهم شيعة طبعا اسمهم ناس إن وجدوا وقالوا: ليكن سيدنا علي خليفة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وطبعا في وجهة نظر، " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " لما هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتركه في بيته وكلفه أن يعطي الأمانات للناس وأيضا " راية خيبر " عندما قال: سأعطي الراية لرجل يحبه الله ورسوله في طبعا وجهة نظر ولها أدلة، والذين قالوا أبا بكر أيضا لهم وجهة نظر ولهم أدلة.

هذه أدلة ذكرت من منطلق أن أناسا مذهبهم مذهب أهل البيت وأناس مذهبهم ليس مع أهل آل البيت هذه ما كانت موجودة أبدا. وإنما هنالك دلائل تلمع هنا ودلائل تلمع هنا وجمعت هذه الدلائل وقورن بعضها ببعض وكانت الحصيلة لأبي بكر " أي في الخلافة ".

____________

(1) محاضرة ألقيت في جامعة دمشق بتاريخ 31 / 2 / 1995.


الصفحة 177
أقول: إن المتأمل لنص كلام حضرة الدكتور في هذه المحاضرة وفي سياق حديثه عن عقيدة الإمامية، ولمخالفة الشيعة في عقيدتهم لعقيدة أهل السنة والجماعة والذي ما سل سيف عبر التاريخ أشد من سيف الحديث عن مسألة الخلافة والإمامة ومن هو أحق بها، وكل يجر النار إلى قرصه.

لكني لا أرى الخوض في هذه المسائل الخلافية والبحث عن الحقيقة فيها والمحاورة والموضوعية والانفتاح الفكري الهادف والنقد البناء جريمة على حد زعم الدكتور.

وقاله: (الجريمة كل الجريمة هو أن نجد من ينزل بهذا المستوى الباسق الباسق " مكررا كلمة الباسق للتأكيد على قوله " إلى حضيض بأكاذيبه وإجرامه القولي.

إنا لنستشف من كلام حضرة الدكتور شيئا من التعصب المقيت بالمحاورة والمناقشة في محاضرته ومن خلال كلماته وألفاظه فعندما نتحاور في مسألة عقائدية يجب أن نتحاور بقلب مفتوح لا يحمل الحقد حتى نستطيع أن نتوقف على الحقائق ونبثها ما دام هدفنا جميعا إقامة الحق القائم على الدليل والبرهان.

وإنا لنجد فكر الشيعة الإمامية لم يلمع فقط داخل السقيفة على حد قول الدكتور لكني سأستعرض نماذج من الآراء في ذلك، وأترك ما أريد توضيحه وتبيانه في آخر الصفحات.

متى بدأ التشيع؟

أولا: رأي يرى أنهم تكونوا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وممن يذهب لهذا ابن خلدون: فقد قال: إن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك (1) إلخ...

____________

(1) تاريخ ابن خلدون: ج 3 ص 364.


الصفحة 178
ثانيا: الدكتور حسن إبراهيم فقد قال: ولا غرو فقد اختلف المسلمون أثر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمن يولونه الخلافة وانتهى الأمر بتولية أبي بكر وأدى ذلك إلى انقسام الأمة العربية إلى فريقين سنية وشيعية (1).

ثالثا: الدكتور أحمد أمين فقد قال: وكانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه (2).

رابعا: المستشرق جولد تسهير قال: إن التشيع نشأ بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالضبط بعد حادثة السقيفة (3).

خامسا: اليعقوبي قال: ويعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب (4).

وتعقيبا على ذكر المتخلفين كما أتى بذكرهم الدكتور الشيخ الوائلي في كتابه هوية التشيع (5).

إن المتخلفين عن بيعة الخليفة أبي بكر قال الدكتور أحمد محمود صبحي: إن بواعث هؤلاء مختلفة في التخلف فلا يستدل منها على أنهم كلهم من الشيعة. وقد يكون ما قاله صحيحا غير أن المتخلفين الذين ذكرهم المؤرخون أكدت كتب التراجم على أنهم شيعة (6).

سادسا: الرأي الذي يذهب إلى أن التشيع نشأ أيام عثمان ومن الذاهبين لذلك: جماعة من المؤرخين والباحثين منهم: ابن حزم وجماعة آخرون ذكرهم بالتفصيل يحيى بن هاشم فرغل في كتابه (7) وقد استند إلى مبررات شرحها.

____________

(1) تاريخ الإسلام: ج 1 ص 371.

(2) فجر الإسلام: ص 266.

(3) العقيدة والشريعة: ص 174.

(4) تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 104.

(5) هوية التشيع للدكتور الوائلي: ص 24.

(6) نظرية الإمامة: ص 33.

(7) عوامل من أهداف نشأة علم الكلام: ج 1 ص 105.


الصفحة 179
سابعا: الرأي الذي يذهب إلى تكون الشيعة أيام خلافة الإمام علي (عليه السلام) ومن الذاهبين إلى هذا الرأي النوبختي في كتابه فرق الشيعة (1) وابن النديم في الفهرست حيث حدده بفترة واقعة البصرة وما سبقها من مقدمات كان لها الأثر المباشر في تبلور فرقة الشيعة وتكوينها (2).

ثامنا: الرأي الذي يذهب إلى أن ظهور التشيع كان بعد واقعة الطف على اختلاف في الكيفية بين الذاهبين لهذا الرأي حيث يرى بعضهم أن بوارد التشيع التي سبقت واقعة الطف لم تصل إلى حد تكوين مذهب متميز له طابعه وخواصه وإنما حدث ذلك بعد واقعة الطف بينما بينما يذهب (3).

ولكن بعد واقعة الطف أخذ طابعا سياسيا وعمق جذوره في النفوس وتحددت أبعاده إلى كثير من المضامين، وكثير من المستشرقين يذهبون لهذا الرأي وأغلب المحدثين من الكتاب.

يقول الدكتور كامل مصطفى إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين (عليه السلام) حيث أصبح التشيع كيانا مميزا له طابعه الخاص.

في حين يذهب الدكتور عبد العزيز الدوري إلى أن التشيع تميز سياسيا ابتداء من مقتل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ويتضمن ذلك فترة قتل الحسين (عليه السلام) حيث يعتبرها امتدادا للفترة السابقة (4).

وإلى هذا الرأي يذهب المستشرق بروكلمان في تاريخ الشعوب الإسلامية حيث يقول: والحق أن ميتة الشهداء الذي ماتها الحسين ولم يكن لها أي أثر سياسي هذا على زعمه - قد عملت في التطور الديني للشيعة حزب علي الذي أصبح بعد ملتقى جميع النزاعات المناوئة للعرب - وهو زعم باطل - واليوم لا يزال ضريح الحسين (عليه السلام) في كربلاء أقدس حجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين ما فتئوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره

____________

(1) فرق الشيعة: ص 16.

(2) الفهرست لابن النديم ص 175.

(3) الصلة بين التصوف والتشيع: ص 23.

(4) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام: ص 72.


الصفحة 180
غاية ما يطمعون فيه (1).

إن رأي بروكلمان كما يذكر لنا الدكتور الوائلي في كتابه (2) لا يصمد أمام المناقشة، كونه يرى أن لا أثر سياسي للواقعة أي واقعة الطف فهو من قبيل إنكار البديهيات وإنما يقصر أثر الواقعة على تعميق المذهب دينيا فقط وقد شايع بركلمان في هذا الرأي جماعة آخرون ذكرهم يحيى فرغل مفصلا في كتابه (3).

وأقول: إن هذه الآراء الثمانية في نشأة التشيع لا تصمد أمام المناقشة والدليل لأن هذه الآراء أومض فيها التشيع نتيجة احتكاكه بمؤثر من المؤثرات في تلك الفترة التي أرخت بها تلك الآراء ظهور التشيع فظنوه ولد آنذاك بينما التشيع موجود بكيانه الكامل منذ الصدر الأول وقد آن الأوان لأعرض لحضرة الدكتور البوطي رأي جمهور الشيعة وخاصة المحققين منهم،

الأدلة على تكون التشيع أيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ويعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واضع حجر الأساس للتشيع.

رأي الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى حيث ذهب هؤلاء إلى أن التشيع ولد أيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكشفت عما لعلي (عليه السلام) من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلى أن الشيعة ثقاة أهل السنة والجماعة.

منها: ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة البينة بسنده عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، فنزل قوله تعالى:

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية).

____________

(1) تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان: ص 128.

(2) هوية التشيع: ص 26.

(3) عوامل وأهداف نشأة علم الكلام: ج 1 ص 106.


الصفحة 181
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام):

هم أنت وشيعتك.

  • وأخرج ابن مردويه عن علي (عليه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

    ألم تسمع قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) إلخ هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين (1).

    ومن هنا ذهب أبو حاتم الرازي إلى أن أول اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو مذهب الشيعة وكان هذا لقب أربعة من الصحابة هم:

    أبو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي. وبعد صفين أشهر موالي علي (عليه السلام) بهذا اللقب (2).

    والأدلة التي يعتمد عليها الشيعة بخلافة وإمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) أدلة كثيرة ومحكمة بينما الأدلة التي يعتمد عليها إخواننا أهل السنة والجماعة في خلافة أبي بكر كما زعم الدكتور البوطي وبينها. كحديث الصلاة، وحديث كتابة الكتاب، وحديث الخلة، فقد ناقشتها في بداية الكتاب وأنها موضوعة ولا تصمد أمام الدليل والبرهان.

    وأما الأدلة التي يعتمد عليها الشيعة بالنسبة لنشوء التشيع فبينا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي وضع اللبنة الأولى للتشيع ونشأته.

    وهناك عدة مواقف نستعرض منها نماذج ليرى حضرة الدكتور:

    الموقف الأول:

    عندما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (3) قال المؤرخون:

    إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا عليا (عليه السلام) وأمره أن يصنع طعاما ويدعو آل عبد المطلب

    ____________

    (1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي: ج 6 ص 376.

    (2) روضات الجنات للخونساري: ص 88.

    (3) سورة الشعراء: الآية 214.


    الصفحة 182
    وعددهم يومئذ أربعون رجلا وبعد أن أكلوا وشربوا من لبن أعد لهم قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنهما جميعا - يقول علي - وقلت وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (1).

    الموقف الثاني:

    يقول أبو رافع القبطي مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يوحى إليه فرأيت حية فنمت بينها وبين النبي لئلا يصل إليه أذى منها حتى انتهى عنه الوحي فأمرني بقتلها وسمعته يقول: الحمد لله الذي أكمل لعلي منته وهنيئا لعلي بتفضيل الله إياه... بعد أن قرأ قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2) وقد أجمع أعلام أهل السنة والشيعة على نزول هذه الآية في علي (عليه السلام) ومنهم السيوطي في الدر المنثور عند تفسير الآية المذكورة، وكذلك الرازي في مفاتيح الغيب والبيضاوي في تفسيره والزمخشري في كشافه.

    والثعلبي في تفسيره والطبرسي في مجمع البيان وغيرهم من أعلام المفسرين والمحدثين.

    الموقف الثالث:

    موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم وذلك عند نزول الآية: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله

    ____________

    (1) تاريخ الطبري: ج 2 ص 216، تاريخ الكامل لابن الأثير: ج 2 ص 28.

    (2) سورة المائدة: الآية 55.


    الصفحة 183
    يعصمك من الناس) (1) وعندما أوقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الركب وصنعوا له منبرا من أحداج الإبل خطب عليهم خطبته المعروفة ثم أخذ بيد علي وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فكررها ثلاثا ثم قال: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " فلقيه الخليفة الثاني فقال: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

    وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره سبب نزول هذه الآية عشرة وجوه ومنها أنها نزلت في علي (عليه السلام) ثم عقب بعد ذلك بقوله: وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي - يريد الباقر (2) إن حديث الغدير أخرجه جماعة من حفاظ أهل السنة وقد رواه ابن حجر في صواعقه عن ثلاثين صحابيا ونص على أن طرقه صحيحة وبعضها حسن (3).

    وفي النص الأخير لكلام الدكتور الذي قال فيه:

    " وإنما هنالك دلائل تلمع هنا ودلائل تلمع هنا، وجمعت هذه الدلائل وقورن بعضها ببعض وكانت الحصيلة لأبي بكر " أي في مسألة الخلافة ".

    أقول: إن أهل السنة والجماعة اختلفوا في خلافة الخليفة أبي بكر (رض) هل كانت بالنص؟... أم أنها كانت بالاختيار؟...

  • فذهب الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث إلى أنها ثبتت بالنص الخفي والإشارة.

  • وذهب بعضهم إلى أنها ثبتت بالنص الجلي.

  • وذهب جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشاعرة إلى أنها ثبتت بالاختيار (4)...

    ____________

    (1) سورة المائدة: الآية 69.

    (2) تفسير الرازي: ج 3 ص 431.

    (3) الصواعق المحرقة: الباب الثاني من الفصل التاسع.

    (4) رياض العبد الله - أهل الشورى الستة الذين اختارهم عمر (رض) ص 6 - الطبعة الأولى - دار الرشيد - 1992 بيروت.


    الصفحة 184
    وهنا أقول لحضرة الدكتور بما أنه أشعري المذهب فأنتم وأستاذكم أبو الحسن الأشعري ممن تقولون بأن خلافة الصديق قد تمت بالاختيار وليس هناك دلائل تثبت خلافة الصديق وأرى في هذا خروجا عن الرأي الذي أنت تلتزم وتعتقد به هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى.. هل تستطيع حضرة الدكتور أن تحدد الفترة التي تمت بها مقارنة الأدلة ببعضها البعض وكانت الحصيلة لأبي بكر بالخلافة.

    وهل هذا رأي حسي أم حدسي؟ وأيهما أنت تتبناه وأطلب منك تحديد الحقبة الزمنية التي تمت فيها مقارنة الأدلة ببعضها البعض.

    ولكني أرد بالنقض على أصحاب الرأي القائل بأن هناك أدلة وردت في خلافة الصديق وهذا ما أوضحناه في المسألة الرابعة من هذا الكتاب.

    وإليكم الأدلة من القرآن والحديث في إثبات خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) للقارئ الكريم حتى يتبين له الحق وينكشف عنه ذلك الضباب الوهمي فإليك أيها القارئ دراسة مفصلة في بيان الأدلة من الصحاح الستة والكتب المعتبرة لدى أهل السنة والجماعة في بيان خلافة علي (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة ونشكر حضرة الدكتور محمد بيومي مهران ومركز الغدير للدراسات الإسلامية في تحقيق تلك المصادر من الصحاح والكتب المعتبرة فإليك أخي القارئ الكريم هذه الدراسة.


    الصفحة 185

    دراسة في الآيات والأحاديث الدالة على خلافة
    علي (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

    من الصحاح الستة والكتب المعتبرة عند أهل السنة والجماعة (1)

    آية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا):

    [ الفخر الرازي في تفسيره الكبير ]:

    في سورة المائدة / 55، في ذيل تفسير قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).

    قال: وروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد لم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فما أعطاني أحد شيئا وعلي (عليه السلام) كان راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى - وكان فيها خاتم - فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: اللهم إن أخي موسى (عليه السلام) سألك فقال: رب اشرح لي صدري (إلى قوله) وأشركه في أمري فأنزلت قرآنا ناطقا، سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري، قال أبو ذر: فوالله ما أتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال، يا محمد اقرأ: إنما وليكم الله ورسوله إلى آخرها.

    ____________

    (1) الدر المنثور: 7 / 504 ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: 2 / 421.


    الصفحة 186
    وذكره الشبلنجي في نور الأبصار: ص 170 وقال: نقله أبو إسحاق أحمد الثعلبي في تفسيره:

    وانظر أيضا في مضمون هذه الأحاديث: تفسير الطبري: 6 / 186، الدر المنثور للسيوطي، والكشاف للزمخشري - ذيل تفسير الآية -، كنز العمال: 6 / 319 و 7 / 305، أسباب النزول للواحدي: ص 148، ذخائر العقبى: ص 88، 102، مجمع الزوائد: 7 / 17 (1).

    إن الآية الشريفة - بعد الأخبار المتقدمة في الباب السابق الواردة كلها في نزول الآية في علي بن أبي طالب (عليه السلام) - تكون ظاهرة في إمامته (عليه السلام) فإن مفادها - بعد ورود تلك الأخبار - يكون هكذا: إنما وليكم الله ورسوله وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقوله تعالى: (والذين آمنوا) (إلخ) وإن كان لفظ جمع ولكنه قد أريد منه شخص واحد وحمل لفظ الجمع على الواحد جائز إذا كان على سبيل التعظيم، ولفظ الوالي وإن كان له معان متعددة كالمحب والصديق والناصر والجار والحليف ومالك الأمر أو الأولى بالتصرف أو المتصرف وغير ذلك، ولكن الظاهر من الولي هنا - بعد وضوح تبادر الحصر من إنما - هو مالك الأمر أو الأولى بالتصرف أو المتصرف، فإنه المعنى الذي يلائم الحصر في الله عز وعلا وفي رسوله وفي علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا المحب أو الصديق أو الناصر وما أشبه ذلك، إذ من الواضح المعلوم أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض - كما في القرآن الكريم - من دون اختصاص بالثلاثة المذكورين، وبعض الروايات المتقدمة وإن فسر الولي فيها بمعنى المحب أو الصديق أو الناصر، ولكن ظهور كلمة إنما في الحصر - بل وضعها له لغة بمقتضى تبادره منها عرفا والتبادر علامة الحقيقة كما حقق في الأصول - مما يعني تفسير الولي بمعنى مالك الأمر ونحوه مما يناسب الاختصاص بالله ورسوله وأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فتأمل جيدا.

    ____________

    (1) التفسير الكبير: 12 / 26، الدر المنثور: 3 / 104، أسباب النزول للواحدي: ص 133، الرياض النضرة: 3 / 182، ذخائر العقبى: ص 102، تهذيب التهذيب: 11 / 386.


    الصفحة 187

    حديث ((علي وليكم من بعدي)):

    [ سنن الترمذي: 2 / 297 ]:

    روى بسنده عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله جيشا واستعمل عليهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: إذا لقينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله أم تر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي.

    ورواه أحمد بن حنبل أيضا في مسنده 4 / 437 باختلاف يسير في اللفظ، وقال فيه: فقال: دعوا عليا دعوا عليا إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي، ورواه أبو داود الطيالسي أيضا في مسنده (3 / 111) باختلاف يسير في اللفظ، وقال فيه: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لهم ولعلي؟ إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي، ورواه أبو نعيم أيضا في حليته (6 / 294) والنسائي أيضا في خصائصه مختصرا (ص 19 و 23) وقال فيه: والغضب يبصر في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي، وذكره المحب الطبري أيضا في الرياض النضرة (2 / 171) وقال: أخرجه الترمذي وأبو حاتم وخرجه أحمد وأورده المتقي أيضا في كنز العمال (6 / 154) بطريقين وقال: أخرجه ابن أبي شيبة (وفي ص 399) وقال: أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وصححه (1).

    ____________

    (1) سنن الترمذي: 5 / 590 ح 3712، مسند أحمد: 5 / 606 ح 19426، مسند أبي داود الطيالسي: ص 111 ح 829، خصائص النسائي - ضمن السنن -: 5 / 132 ح 8474، الرياض

    الصفحة 188

    [ مسند أحمد بن حنبل: 5 / 356 ]:

    روى بسنده عن بريدة قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، قال:

    فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي (عليه السلام) امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخبره بذلك، فلما أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أتبعه ففعلت ما أرسلت به فقال: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي، وإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.

    ورواه النسائي أيضا في خصائصه باختلاف يسير ص 24 والهيثمي في مجمع الزوائد (9 / 127) وقال: رواه أحمد والبزار باختصار، والمتقي أيضا في كنز العمال (6 / 154) مختصرا وقال: أخرجه ابن أبي شيبة وص 155 وقال: أخرجه الديلمي عن علي (عليه السلام) وأورده المناوي أيضا في كنوز الحقائق ص 186 وقال: أخرجه الديلمي ولفظه: إن عليا وليكم من بعدي (1).

    قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " علي وليكم من بعدي " الذي قد عرفت جملة من طرقه في الباب السابق هو من الأدلة القوية والنصوص الجليلة على خلافة علي (عليه السلام) من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا فصل، والاستدلال به يتوقف على بيان السند والدلالة جميعا.

    أما السند، فقد رواه جمع من أعاظم الصحابة كعلي (عليه السلام) وابن عباس، وعمران بن حصين ووهب بن حمزة، وبريدة الأسلمي، وأنه قد خرجه كما تقدم وعرفت جمع من أئمة الحديث كالترمذي في سننه والنسائي

    ____________

    النضرة: 3 / 115، كنز العمال: 11 / 599 ح 32883 و 13 / 142 ح 36444، المستدرك على الصحيحين: 3 / 119 ح 4579، نزل الأبرار: ص 55.

    (1) مسند أحمد: 6 / 489 ح 22503، خصائص النسائي: 5 / 133 ح 8475، كنز العمال: 11 / 608 ح 32942، البداية والنهاية: 7 / 379.


    الصفحة 189
    صاحب الصحيح في خصائصه، والإمام أحمد بن حنبل في مسنده وأبي داود الطيالسي في مسنده وهو من مشايخ البخاري، وأبي نعيم في حليته والخطيب البغدادي في تاريخه، وأبي حاتم، وابن أبي شيبة، وابن جرير الطبري، والبزار، والطبراني، وابن الجوزي، والرافعي، وابن مردويه والحافظ أبي القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، ويوسف بن صهيب، والديلمي وغيرهم ممن لم أظفر به في هذه العجالة.

    وأما الدلالة، فهي ظاهرة جدا بعد ملاحظة القرينة اللفظية المتصلة بالحديث الشريف وهي كلمة من بعدي، وتوضيحه: إن للفظ الوالي في اللغة معاني متعددة كالمحب والصديق والناصر والجار والحليف وغير ذلك، ومن أظهر معانيه وأشهرها هو مالك الأمر فكل من ملك أمر غيره بحيث كان له التصرف في أموره وشؤونه فهو وليه، فالسلطان ولي الرعية أي يملك أمرهم وله التصرف في أمورهم وشؤونهم والأب أو الجد ولي الصبي أو المجنون أي يملك أمره وله التصرف في أموره وشؤونه، وهكذا ولي المرأة في نكاحها أو ولي الدم أو الميت، (وقد يقال) إن الولي قد جاء بمعنى الأولى بالتصرف فالسلطان ولي الرعية والأب أو الجد ولي الصبي أو المجنون، وهكذا إلى غيرها من الأمثلة يكون بهذا المعنى أي أولى بالتصرف، ويؤيده في المقام ورود بعض أخبار الباب كما تقدم بلفظ قوله:

    فهو أولى الناس بكم بعدي. (كما قد يقال) إن الولي قد جاء بمعنى المتصرف فالسلطان مثلا ولي الرعية يكون بهذا المعنى أي هو المتصرف في أمورهم وهكذا ولي الصبي وغيره، وعلى كل حال إن الولي بما له من المعنى المعروف الظاهر المشهور - سواء عبرنا عنه بمالك الأمر أو بالأولى بالتصرف أو بالمتصرف - لا يكاد يطلق إلا على كل من له تسلط وتفوق على غيره وكان له التصرف في أموره وشؤونه، ثم من المعلوم أن إرادة الجار أو الحليف أو ما أشبه ذلك من لفظ الولي في الحديث الشريف مما لا يناسب المقام، بل مما لا محصل له أصلا - كما قدمنا - فيبقى المحب والصديق والناصر ومالك الأمر أو الأولى بالتصرف أو المتصرف على اختلاف التعابير في المعنى الأخير، كما أن من المعلوم أن لفظة (من بعدي) مما ينافي إرادة المحب أو الصديق أو الناصر، إذ كونه (عليه السلام) محبا للمسلمين أو صديقا أو ناصرا لهم مما لا ينحصر بما بعد زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل

    الصفحة 190
    هو كان كذلك في زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا ينحصر المراد من الولي في الحديث الشريف بالمعنى الأخير وهو مالك الأمر والأولى بالتصرف أو المتصرف في أمور المسلمين وفي شؤونهم، وذلك لما فيه من المناسبة الشديدة مع كلمة من بعدي فيتعين هو من بين سائر المعاني وهو معنى الإمام والخليفة كما هو واضح لمن أنصف.

    حديث يوم الدار:

    [ تاريخ الطبري: 62 ]:

    روى بسنده عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (وأنذر عشيرتك الأقربين) [ الشعراء / 114 ] دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لي: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت أني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليه (أي سكت) حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمد إنك إن لا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حذية (أي قطعة) من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصفحة، ثم قال: خذوا بسم الله فأكل القوم حتى ما لهم بشئ من حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم ثم قال: اسق القوم فجئتهم بذاك العس فشربوا منه حتى رووا منه جميعا، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقدما سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: الغد يا علي إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم إلي، قال: ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته

    الصفحة 191
    لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشئ حاجة، ثم قال:

    اسقهم فجئتهم بذاك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا وقلت - وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا - أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب:

    قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

    وذكره المتقي أيضا في كنز العمال (6 / 392) مختصرا وقال: أخرجه ابن جرير، وذكره أيضا في (6 / 397) باختلاف يسير وقال: أخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل (1).

    حديث " يكون بعدي اثنا عشر خليفة ":

    [ صحيح البخاري في كتاب الأحكام ]:

    روى بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: أنه قال: كلهم من قريش (أقول ورواه أحمد بن حنبل أيضا في مسنده بطريقين: (5 / 90، 92) (2).

    [ صحيح مسلم في كتاب الإمارة ]:

    في باب الناس تبع لقريش، روى بسندين عن جابر بن سمرة قال:

    دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى

    ____________

    (1) تاريخ الطبري: 2 / 319، الكامل في التاريخ: 1 / 487 - 488، كنز العمال: 13 / 131 ح 36419، وص 149 ح 36465، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13 / 210، شواهد التنزيل: 1 / 542.

    (2) صحيح البخاري: 6 / 2640 ح 6796، مسند أحمد: 6 / 94 ح 20325 وص 97 ح 20349.


    الصفحة 192
    يمضي فيهم اثنا عشر خليفة (قال) ثم تكلم بكلام خفي علي (قال) فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش (1).

    [ صحيح مسلم في كتاب الإمارة ]:

    في باب الناس تبع لقريش بسندين عن عامر بن سعد عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - يوم جمعة عشية رجم الأسلمي - يقول:

    لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، الحديث. ورواه أحمد بن حنبل أيضا في مسنده (5 / 89) (2).

    [ سنن الترمذي: 2 / 35 ]:

    روى بسندين عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يكون من بعدي اثنا عشر أميرا (قال) ثم تكلم بشئ لم أفهمه فسألت الذي يليني فقال: قال: كلهم من قريش. ورواه أحمد بن حنبل في مسنده في (5 / 92، 94، 99، 108) وذكره ابن حجر أيضا في صواعقه ص 113 وقال: أخرجه الطبراني (3).

    والأخبار المتقدمة كما عرفت هي من الأدلة القاطعة والنصوص الجلية الواضحة على حقية مذهب الشيعة الاثني عشرية وعلى بطلان سائر المذاهب طرا، وذلك لعدم انطباقها على ما يعتقده العامة من خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة أو الخمسة بانضمام الحسن بن علي (عليه السلام) إليهم لكونهم أقل عددا أو خلافة من سواهم من بني أمية أو بني العباس لكونهم أكثر عددا، مضافا إلى أن بني أمية وبني العباس أغلبهم من أهل الفسق والفجور قد قضوا أعمارهم بشرب الخمور بالملاهي والملاعب واستماع الغناء وشرب الدفوف وبسفك الدماء المحرمة وغير ذلك من المحرمات فكيف يجوز أن يكونوا خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا تنطبق الأخبار أيضا على ما تعتقد سائر فرق الشيعة من الزيدية والإسماعيلية والفطحية وغيرهم لكون أئمتهم أقل،

    ____________

    (1) صحيح مسلم: 4 / 100 ح 5، فتح الباري: 13 / 180.

    (1) صحيح مسلم: 4 / 101 ح 10، مسند أحمد: 6 / 93 ح 20319.

    (3) سنن الترمذي: 4 / 434 ح 2223، مسند أحمد: 6 / 97 ح 20349، الصواعق المحرقة:

    ص 189.


    الصفحة 193
    فينحصر انطباقها على ما يعتقد الشيعة الاثنا عشرية من إمامة الأئمة الاثني عشر الذين هم عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته، أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم المهدي الحجة ابن الحسن العسكري (عليه السلام) الذي ستأتي الأخبار الواردة فيه مفصلا في خاتمة الكتاب إن شاء الله تعالى، وقد ذكر القندوزي في ينابيع المودة في الباب السابع والسبعين عن بعض علماء العامة أنه قد روى حديث جابر بن سمرة وقال في آخره: كلهم من بني هاشم، وقد روي الحافظ أبو نعيم في حليته (1 / 86) بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي رزقوا فهما وعلما، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.

    حديث " علي وصيي ":

    [ مستدرك الصحيحين: 3 / 172 ]:

    روى بسنده عن علي بن الحسين قال: خطب الحسن بن علي (عليه السلام) على الناس - حين قتل علي (عليه السلام) - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح الله عليه، وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله (ثم قال) أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن النبي وأنا ابن الوصي (إلى آخر الحديث). وذكره المحب الطبري أيضا في ذخائره ص 138 وقال: أخرجه الدولابي (1).

    [ مجمع الزوائد: 9 / 113 ]:

    قال: وعن سلمان قال: قلت: يا رسول الله إن لكل نبي وصيا فمن

    ____________

    (1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 188 ح 4802، ذخائر العقبى: ص 138، مجمع الزوائد:

    9 / 146.


    الصفحة 194
    وصيك؟ فسكت عني فلما كان بعد رآني فقال: يا سلمان فأسرعت إليه قلت: لبيك، قال: تعلم من وصي موسى (عليه السلام)؟ قال: نعم يوشع بن نون، قال: لم؟ قلت: لأنه كان أعلمهم يومئذ (قال) فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب (قال) رواه الطبراني.

    وذكره ابن حجر أيضا في تهذيب التهذيب (3 / 106) قال: عن أنس عن سلمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): هذا وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي.

    وذكره المتقي أيضا في كنز العمال (6 / 154) ولفظه: إن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب. (قال): أخرجه الطبراني عن أبي سعيد عن سلمان (1).

    [ كنز العمال: 6 / 153 ]:

    قال: أما علمت أن الله عز وجل اطلع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبيا؟ ثم اطلع الثانية فاختار بعلك فأوحى إلي فأنكحتكه واتخذته وصيا، قاله لفاطمة (عليها السلام)، ثم قال: أخرجه الطبراني عن أبي أيوب، (قال) وذكره الهيثمي أيضا في مجمعه (8 / 253) وقال: رواه الطبراني (2).

    [ كنز العمال: 6 / 392 ]:

    قال: عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال:

    فأحجم القوم عنها جميعا، قلت: يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا (قال) أخرجه ابن جرير (3).

    ____________

    (1) المعجم الكبير للطبراني: 6 / 221 ح 6063، الرياض النضرة: 3 / 123.

    (2) كنز العمال: 11 / 604 ح 32923، المعجم الكبير للطبراني: 4 / 171 ح 4046.

    (3) كنز العمال: 13 / 11 ح 36371، تاريخ الطبري: 2 / 321، الكامل في التاريخ: 1 / 487 - 488، ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق: 1 / 102 ح 138.


    الصفحة 195
    وهذه الأخبار التي دلت على أن عليا (عليه السلام) وصي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي من الأدلة القوية والحجج الجلية على إمامة علي (عليه السلام) وخلافته من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (وتوضيح ذلك) مما يحتاج إلى ذكر مقدمة وهي أن الوصية (قيل) هي من أوصاه أو وصاه توصية أي عهد إليه كما في القاموس وغيره (وقيل) هي من وصي يصي إذا وصل الشئ بغيره لأن الموصي يوصل تصرفه بعد الموت بما قبله، والظاهر أن الأول أقرب، وعلى كل حال لا كلام في أن الوصي - سواء كان مأخوذا من العهد أو وصي يصي بمعنى الوصل - هو متصرف فيما كان الموصي متصرفا فيه، ولذا قيل: إن الوصاية هي استنابة الموصي غيره بعد موته في التصرف فيما كان له التصرف فيه من إخراج حق واستيفائه أو ولاية على طفل أو مجنون يملك الولاية عليه إلى آخره، (ومن هنا) يتضح لك أن الوصي مما يختلف ولايته سعة وضيقا بحسب اختلاف ولاية الموصي سعة وضيقا، فأوصياء سائر الناس تكون ولايتهم مقصورة على الأموال من الدور والعقار ونحوهما أو على الأطفال والمجانين ومن بحكمهم من السفهاء الذين كان للموصي ولاية عليهم، وأما أوصياء الأنبياء فتكون ولايتهم عامة على جميع الأمة ذكرها وأنثاها حرها وعبدها كبيرها وصغيرها، وعلى جميع ما في أيديهم من الأموال منقولها وغير منقولها، إذ كل نبي أولى بأمته من أنفسهم فيكون أولى بأموالهم بالأولوية القطعية، فإذا كان النبي أولى بهم وبأموالهم كان الوصي كذلك، فشيث (عليه السلام) مثلا وصي آدم (عليه السلام) أو سام (عليه السلام) وصي نوح (عليه السلام) أو يوشع (عليه السلام) وصي موسى (عليه السلام) أو شمعون (عليه السلام) وصي عيسى (عليه السلام) ونحو ذلك من أوصياء الأنبياء، كل واحد منهم يكون بهذا المعنى وصيا للنبي، فإذا عرفت معنى الوصي وأن أوصياء الأنبياء ليسوا كأوصياء سائر الناس بأن تكون ولايتهم مقصورة على أموال الموصي وأطفاله بل لهم ولاية عامة على ما كان الموصي وليا عليه ومتصرفا فيه من الأموال والأنفس، كانت الأخبار التي دلت على أن عليا (عليه السلام) وصي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو هو خاتم الأوصياء وخيرهم هي من الأدلة القوية والحجج الجلية على أن لعلي (عليه السلام) ما كان ثابتا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الولاية العامة على المؤمنين أنفسهم وأموالهم جميعا، وهذا هو معنى الإمام والخليفة.