وأنت تعلم أن في كتابة ذلك الكتاب راحة قلب النبي وبرد فؤاده وقرة عينه وأمنه على أمته [ صلى الله عليه وآله ] من الضلال.
على أن الأمر المطاع والإرادة المقدسة مع وجوده الشريف إنما هما له. وقد أراد (بأبي وأمي) إحضار الدواة والبياض وأمر به فليس لأحد أن يرد أمره أو يخالف إرادته (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا).
على أن مخالفتهم لأمره في تلك المهمة العظيمة، ولغوهم ولغطهم واختلافهم عنده كان أثقل عليه وأشق من إملاء ذلك الكتاب الذي يحفظ أمته من الضلال. ومن يشفق عليه من التعب بإملاء كتاب كيف يعارضه ويفاجئه بقول هجر؟!
وقالوا: إن عمر رأى ترك إحضار الدواة والورق أولى مع أمر النبي [ صلى الله عليه وآله ] بإحضارهما..
وهل كان عمر يرى أن رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] يأمر بالشئ الذي يكون تركه أولى؟!
وأغرب من هذا قولهم: وربما خشي [ عمر ] أن يكتب النبي [ صلى الله عليه وآله ] أمورا يعجز عنها الناس، فيستحقون العقوبة بتركها!
وكيف يخشى من ذلك مع قول النبي [ الكريم ]: " لا تضلوا بعده "؟!
أتراهم يرون عمر أعرف منه [ صلى الله عليه وآله ] بالعواقب، وأحوط منه وأشفق على أمته؟!
كلا، [ أم كان عمر يرى أن النبي صلى الله عليه وآله يكلف الناس فوق طاقتهم ووسعهم (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
وقالوا: لعل عمر خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب لكونه في حال المرض، فيصير سببا للفتنة..
وأنت تعلم أن هذا محال مع وجود قوله (ص) " لا تضلوا "، لأنه نص بأن ذلك الكتاب سبب للأمن عليهم من الضلال، فكيف يمكن أن يكون سببا للفتنة بقدح المنافقين؟!
وأما قولهم في تفسير قوله: " حسبنا كتاب الله ": إنه تعالى قال: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقال عز من قائل: (اليوم أكملت لكم دينكم) فغير صحيح، لأن الآيتين لا تفيدان الأمن من الضلال، ولا تضمنان الهداية للناس.
فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتمادا عليهما؟! ولو كان وجود القرآن العزيز موجبا للأمن من الضلال، لما وقع في هذه الأمة من الضلال والتفرق ما لا يرجى زواله.
وقالوا في الجواب الأخير: إن عمر لم يفهم من الحديث أن ذلك الكتاب سيكون سببا لحفظ كل فرد من أمته من الضلال، وإنما فهم أنه سيكون سببا لعدم اجتماعهم - بعد كتابته - على الضلال. (قالوا): وقد علم رضي الله عنه أن اجتماعهم على الضلال مما لا يكون أبدا، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب، ولهذا عارض يومئذ تلك المعارضة.
وفيه - مضافا إلى ما أشرتم إليه -: أن عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد عن الفهم، وما كان ليخفى عليه من هذا الحديث ما ظهر لجميع الناس، لأن القروي والبدوي إنما فهما منه أن ذلك الكتاب لو كتب لكان علة تامة في حفظ كل فرد من الضلال. وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث إلى أفهام الناس.
وعمر كان يعلم أن الرسول (ص) لم يكن خائفا على أمته أن تجتمع على الضلال، إذ كان يسمع قوله (ص): " لا تجتمع أمتي على الضلال، ولا تجتمع على الخطأ "، وقوله:
" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق... " (الحديث)، وقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) (1)، إلى كثير من نصوص الكتاب والسنة الصريحة بأن الأمة لا تجتمع بأسرها على الضلال..
فلا يعقل مع هذا أن يسنح في خاطر عمر أو غيره أن النبي (ص) حين طلب الدواة
____________
(1) النور: 55.
والإنصاف أن هذه الرزية لمما يضيق عنها نطاق العذر، لو كانت - كما ذكرتم - قضية في واقعة، كفلتة سبقت، وفرطة ندرت.. لهان الأمر، وإن كانت بمجردها بائقة الدهر وفاقرة الظهر..
والحق أن المعارضين إنما كانوا ممن يرون جواز الاجتهاد في مقابل النص، فهم في هذه المعارضة وأمثالها إذا مجتهدون، فلهم رأيهم، ولله تعالى رأيه " (1).
فهذه كانت رزية يوم الخميس التي وقف فيها عمر أمام أمر النبي صلى الله عليه وآله أصلب وقفة، ولم يترك أمر النبي صلى الله عليه وآله ليخرج إلى حيز التنفيذ. ورأيت كيف اعتذر المعتذرون عن ابن الخطاب فيما فعل، وشاهدت مصارع تلك الاعتذارات الواهية. على أنه هناك ثلاث مسائل تكفي واحدة منها لمنع عمر عن الاعتراض على النبي صلى الله عليه وآله:
أولا: علم النبي الكريم، إذ أنه علم إلهي لا يرقى إليه عمر بأي حال من الأحوال، لا سيما في مجال الدين وفي طريقة بيانه للناس وتبليغه لهم، فلا عمر له رشح من علم النبي الكريم، ولا هو أعرف منه بطريقة تبليغ دين الله حتى يعارض هذه المعارضة، وكأنه يصر على أن الحق معه والباطل مع رسول الله الكريم!
ثانيا: تلك العصمة التي يتمتع بها النبي صلى الله عليه وآله، إذ أنها مانعة بلا ريب من أن يقوم النبي صلى الله عليه وآله بعمل يقع به موقع الطعن والرد والاعتراض من جانب عمر ومن لف لفه، ولا سيما في مجال تبليغ الوحي وهداية الناس.
ولذا ما إن نرى أحدا عارض النبي صلى الله عليه وآله في مسألة من المسائل فلا بد أن نحكم
____________
(1) كتاب النص والاجتهاد ص 159 وما بعدها - رزية يوم الخميس - أعذار المعارضيين وتزييقها - المورد 16.
وكان المتوقع أنه لما أمر النبي صلى الله عليه وآله بالإتيان بالدواة والبياض لكتابة ذلك الكتاب كان على عمر وجماعته أن يتسابقوا جميعا متزاحمين بالأكتاف للفوز بأداء هذه الطاعة الأخيرة في حياة النبي صلى الله عليه وآله. ولكن ذلك لم يحدث، فقد تثاقلوا عن طاعته وتسابقوا إلى معصيته، وقالوا " هجر رسول الله! "، يقول خطرفة ويهذي هذيانا. والله المستعان على ما يقولون.
ثالثا: إن قول الله تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) لا يتيح لعمر أو غيره أن يقول للنبي صلى الله عليه وآله: (لماذا؟)، فضلا عن شد حزام المعارضة والمناقشة، فهذه الآية لم تستثن عمر من الخروج عن طاعة النبي صلى الله عليه وآله، فعمر الذي قال: " حسبنا كتاب الله، عندنا القرآن " يعلم إذا بهذه الآية جيدا، ولكن عمر لم يكن يرى عيبا في رد ما يكره من أوامر النبي صلى الله عليه وآله، ولم يكن يرى مانعا من أن يجتهد ضد النصوص كتابا وسنة، وقد أوضحنا ذلك فيما مر عليك من كلام.
ونحن نتساءل: لقد عارض عمر النبي صلى الله عليه وآله في كتابة ما أراد قبل أن يكتب النبي صلى الله عليه وآله منه شيئا، فهل كان يعلم عمر بفحوى هذا الكتاب ومحتواه؟! وكيف علم بذلك؟ ومتى؟
وماذا كان الكتاب؟! أم لم يكن يعلم فعارض عن جهل؟!
ونسأل ثانية: هب أن عمر كان عالما بما يريد النبي صلى الله عليه وآله كتابته، فلماذا عارض ذلك الأمر، وقد علم أنه سبب لنجاة وهداية الأمة؟ فهل كان عمر يعلم أنه سيتضرر من كتابة ذلك الأمر على وجه الخصوص؟! أم ماذا يا أولي الألباب؟!.
الفصل الثالث: خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
بحث السند.
حديث أبي موسى الأشعري.
حديث عبد الله بن عمر.
حديث عبد الله بن زمعة.
حديث عبد الله بن عباس.
حديث عبد الله بن مسعود.
حديث بريدة الأسلمي.
حديث سالم بن عبيد.
حديث أنس بن مالك.
حديث عائشة.
حديث عائشة عن الأسود.
حديث عائشة عن مسروق بن الأجدع.
هل صلى أبو بكر بالناس؟
دلالة الحديث على صلاة أبي بكر.
السقيفة والشورى المزعومة.
ترك الأمر للناس والشورى.
ولكن هذا أشبه برأيهم في عدالة الصحابة بقضهم وقضيضهم، إذا أن هذا الرأي لم يبنوه على أسس قوية وأدلة مقنعة. وقد رأينا أن واقع الصحابة وسيرتهم لا تسمح بإعطاء هذه العدالة لكافتهم دون بحث وتفحص لأحوالهم. وخلافة الصديق كذلك، إذ أن الأدلة التي ساقوها لإثبات خلافته من بعد النبي صلى الله عليه وآله لا تقنع من تفحصها وألم بجوانبها، لأن هذه الأدلة بكلمة واحدة لا تدل على أحقية أبي بكر بالخلافة، إذ أنها أدلة أزهق القوم فيها أنفسهم لإيجادها بعد وقوع الحادثة في السقيفة.
ومعنى هذا أن هذه الأدلة لم تمهد الطريق إلى خلافة أبي بكر، بل إن خلافة الصديق هي التي خلقت هذه الأدلة ومهدت لها الطريق إلى أفكار الناس، وإنما صنعت لتبرير ما تمخض عن سقيفة بني ساعدة.
وعلى أية حال فهي أدلة لا تقوى على الوقوف أمام أدلة المخالفين لخلافة الصديق، لأن أدلتهم أقطع في الدلالة وأقوى في الحجة.
ونحن نعلم أن طاعة أولى الأمر قد فرضت ووجبت على كل المؤمنين، وعليه
فالواجب لكي يؤدى طبقا لما أريد، ولكي ينجز في زمانه أو مكانه المعين له، لا بد أن يتشخص بأدلة واضحة سهلة الفهم والإدراك على مستوى أضعف الناس عقلا، لأن صعوبة فهم الواجب هي نوع من تكليف النفس بما لا يطاق، والناس كلهم مطالبون أمام الله بما أمروا به أو نهوا عنه، والتكليف بما لا يطاق محال على الشارع.
إذا فلا بد من الوضوح الذي يفيد اليقين عند بيان الواجب، وذلك لسد باب الظن فيه، حتى تقوم الحجة على كافة الناس لا على بعضهم.
فأهل السنة وزعموا أن لديهم أدلة تؤيد أحقية الصديق في الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله، وهي تنحصر في ثلاثة.. وسنبحثها جميعا في ما يأتي من أبواب، حتى يصرح الحق عن محضه ويبين لذي عينين.
ويكون البحث طبقا للنقاط التالية:
____________
1 - التفسير الكبير للرازي 8: 174.
الباب الأول
إستخلاف النبي صلى الله عليه وآله لأبي بكر في الصلاة
يقول أهل السنة إن النبي صلى الله عليه وآله، في أيام مرضه الذي توفي فيه، استخلف أبا بكر ليصلي بالناس، فصلى أبو بكر بهم صلاة الفجر من يوم الاثنين - يوم وفاته صلى الله عليه وآله - فكان أبو بكر بهذا هو آخر من صلى بالناس والنبي صلى الله عليه وآله على قيد الحياة، فصار لأبي بكر بهذه الصلاة خصوصية أهلته لتولي أمر المسلمين من بعد النبي صلى الله عليه وآله.
فقالوا: إن استخلاف النبي صلى الله عليه وآله لأبي بكر على الناس لكي يصلي بهم فيه إشارة إلى الخلافة الكبرى، وتولي أمور المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقد قاس القوم الخلافة العظمى على الخلافة الصغرى، وهي صلاة أبي بكر بالناس بأمر النبي صلى الله عليه وآله، فاستدلوا بذلك على اختياره خليفة للناس من جانب النبي صلى الله عليه وآله، فاختاره الناس خليفة مجمعين عليه لهذا السبب نفسه.
وهذا - كما ترى - دليل لا يفيد إلا الظن، إذا أنهم قد بنوه على القياس، ولا يقين في القياس كما هو معلوم. وهذا من قوادح هذا الدليل.
يقول القوم: "... وقد وقع قياس الإمامة الكبرى - وهي الخلافة العامة - على إمامة الصلاة... والحق أن أمره [ صلى الله عليه وآله ] إياه بإمامة الصلاة كان إشارة إلى تقدمه في الإمامة
الحديث المروي في صلاة أبي بكر
روى البخاري عن عائشة أنها قالت: " لما مرض النبي [ صلى الله عليه وآله ] مرضه الذي مات فيه، أتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل.
قلت: إن أبا بكر رجل أسيف. إن يقم مقامك يبكي، فلا يقدر على القراءة.
قال: مروا أبا بكر فليصل.
فقلت مثله، فقال في الثالثة أو الرابعة: " إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل "، فصلى.
وخرج النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم، يهادى بين رجلين، كأني أنظر إلى رجليه تخطان في الأرض. فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر، فأشار إليه أن صل، فتأخر أبو بكر وقعد النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إلى جنبه، وأبو بكر يسمع الناس التكبير " (2). ولهذا الحديث طرق أخرى، وسيتم بحثها من حيث السند أولا، ومن حيث مدلول المتن ثانيا.
. أما في بحث السند فنكتفي بالبحث الذي نشر عن أصح روايات هذا الحديث، في ضمن سلسلة الأحاديث الموضوعة، في مجلة " تراثنا " (3) تحقيق العلامة السيد علي الميلاني، في (العدد الثالث [ 24 ] السنة السادسة / رجب 1411 هـ).
يقول السيد الميلاني: " لقد نقلنا الحديث بأتم ألفاظه وأصح طرقه عن الصحاح
____________
1 - فواتح الرحموت، شرح مسلم الثبوت في علم الأصول 2: 239، بهامش المستصفى.
2 - شرح صحيح البخاري 2: 162 - باب من أسمع التكبير.
3 - مجلة تراثنا: نشرة فصلية تصدرها مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم.
[ وسنبحث الحديث من ناحية السند أولا، ومن ناحية المتن ثانيا ].
بحث السند
لقد كانت الأحاديث المذكورة عن:
عائشة بنت أبي بكر.
عبد الله بن مسعود.
عبد الله بن عباس.
عبد الله بن عمر.
عبد الله بن زمعة.
أبي موسى الأشعري بريدة الأسلمي.
أنس بن مالك.
سالم بن عبيد.
فنحن ذكرنا الحديث عن تسعة من الصحابة، وإن لم يذكر الترمذي إلا ستة، حيث قال بعد إخراجه عن عائشة: " وفي الباب عن عبد الله بن مسعود، وأبي موسى، وابن عباس، وسالم بن عبيد، وعبد الله بن زمعة. لكن العمدة حديث عائشة... بل إن بعض ما جاء عن غيرها من الصحابة مرسل وأنها هي الواسطة.
فلنبدأ أولا بالنظر في الأساتيد من غبرها ممن ذكرناهم:
حديث أبي موسى الأشعري
أما الحديث المذكور عن أبي موسى الأشعري، والذي اتفق عليه البخاري ومسلم وأخرجه أحمد، ففيه:
2 - أن الراوي عنه (أبو بريدة) وهو ولده كما نص عليه ابن حجر (2). وهذا الرجل فاسق أثيم له ضلع في قتل حجر بن عدي، حيث شهد عليه - في جماعة - شهادة زور أدت إلى شهادته (3)... وروي أيضا أنه قال لأبي العادية - قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه -:
" أأنت قتلت عمار بن ياسر؟ قال: نعم. قال: فناولني يدك. فقبلها وقال: لا تمسك النار أبدا " (4)!
3 - والراوي عنه " عبد الملك بن عمير ":
وهو (مدلس) و (مضطرب الحديث جدا) و (ضعيف جدا) و (كثير الغلط). قال أحمد: " مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته، وما أري له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها " (5).
وقال إسحاق بن منصور: " ضعفه أحمد جدا " (7).
وقال ابن معين " مخلط " (8).
وقال أبو حاتم: " ليس بحافظ، تغير حفظه " (9). وعنه: " لم يوصف بالحفظ " (10).
وقال ابن خراش: " كان شعبة لا يرضاه " (11).
____________
(1) - فتح الباري 2: 130.
2 - فتح الباري 2: 130.
3 - تاريخ الطبري 4: 199 - 200.
4 - شرح نهج البلاغة 4: 99.
5 - تهذيب التهذيب 6: 411 وغيره.
6 - تذهيب التهذيب 6: 12، ميزان الاعتدال 2 660.
7 - ميزان الاعتدال 6: 660.
8 - ميزان الاعتدال 6: 660، المغني 2: 407 تهذيب التهذيب 6: 412.
9 - ميزان الاعتدال 6: 660.
10 - تهذيب التهذيب 6: 412.
11 - ميزان الاعتدال 6: 660.
وقال السمعاني: " كان مد لسا " (2)، وكذا قال ابن حجر (3).
وعبد الملك هذا هو الذي ذبح عبد الله بن يقطر أو قيس بن مسهر الصيداوي، وهو - أي الصيداوي - رسول الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة، فأنه لما رمي بأمر من ابن زياد من فوق القصر وبه رمق أتاه عبد الملك بن عمير فذبحه، فلما عيب عليه ذلك قال: " إنما أردت أن أريحه " (4)!
ثم الكلام في أبي موسى الأشعري نفسه، فإنه من أشهر أعداء مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقد كان يوم الجمل يقعد بأهل الكوفة عن الجهاد مع الإمام علي عليه السلام، وفي صفين هو الإمام عليه السلام عن الخلافة. وقد بلغ به الحال أن كان الإمام عليه السلام يلعنه في قنوته مع معاوية وجماعة من أتباعه (5).
ثم إن أحمد روى هذا الحديث في فضائل أبي بكر، بسنده عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، عن أبيه كذلك (6).
حديث عبد الله بن عمر
وأما الحديث المذكور عن عبد الله بن عمر، فالظاهر كونه عن عائشة كذلك. كما رواه مسلم عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الملك بن عمر، عن عائشة... ولكن البخاري رواه بسنده عن الزهري، عن حمزة عن أبيه، قال: " لما اشتد برسول الله وجعه... ".
وعلى كل حال، فإن مدار الحديث على:
____________
1 - ميزان الاعتدال 2: 660.
2 - الأنساب 10: 50 " القطبي ". 3 - تقريب التهذيب 1: 521.
4 - تلخيص الشافي 3: 35، روضة الواعظين: 177، مقتل الإمام الحسين عليه السلام للمقرم: 185.
5 - وقعة صفين 551 - 552 / طبعة مصر.
6 - فضائل الصحابة 1: 106.
قال ابن أبي الحديد: " وكان الزهري من المنحرفين عنه. وروى جرير بن عبد الحميد، عن محمد بن شيبة، قال: " شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليا فنالا منه، فبلغ ذلك علي بن الحسين، فجاء حتى وقف عليهما، فقال: " أما أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك إلى الله، فحكم لأبي على أبيك. وأما أنت يا زهري فلو كنت بمكة لأريتك كبر أبيك " (2).
قال: روى عاصم بن أبي عامر الجبلي، عن يحيى بن عروة، قال: " كان أبي إذا ذكر عليا نال منه " (3).
قال الذهبي في ترجمة عمر بن سعد [ قائد جيش يزيد ]: وأرسل عنه الزهري وقتادة. قال ابن معين: " كيف يكون قتل الحسين ثقة؟! " (4).
وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة الزهري من " رجال المشكاة ": " إنه ابتلى بصحبة الأمراء وقلة الديانة. وكان أقرانه من العلماء والزهاد يأخذون عليه وينكرن ذلك منه، وكان يقول: أنا دون شرهم [ يعني الأمراء ]، فيقولون [ أي أقرانه من العلماء والزهاد ]: ألا ترى ما هم فيه وتسكت؟! ".
وقال ابن حجر في ترجمة الأعمش: " حكى الحاكم عن ابن معين أنه قال: أجود الأسانيد الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري!
فقال: تريد أن يكون الأعمش مثل الزهري؟! الزهري يرى العرض والإجازة ويعمل لبني
____________
1 - هو من شيوخ البخاري ومسلم، ومن أئمة الجرح والتعديل. اتفقوا على أنه أعلم أئمة الحديث بعميمه وسقيمه. توفي سنة 302 هـ، ترجم له في: تذكرة الحفاظ 2: 429، وغيره.
2 - شرح نهج البلاغة 6: 102.
3 - شرح نهج البلاغة 4: 102.
4 - الكاشف 2: 311.
" ولما خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه " (2). [ والكاتب له في الحقيقة هو الإمام السجاد عليه السلام، كما في " تحف العقول عن آل الرسول "، كتب إليه يعظه ]: " إن ما كتمت واحتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغي...
جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم، جسرا يعبرون إليك إلى بلاياهم، وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم. إحذر فقد نبئت، وبادر فقد أجلت... " (3).
ثم الكلام في عبد الله بن عمر نفسه: فإنه ممن امتنع عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد عثمان، وقعد عن نصرته، وترك الخروج معه في حروبه، ولكنه لما ولي الحجاج بن يوسف الحجاز من قبل عبد الملك جاء ليلا ليبايعه، فقال له: " ما أعجلك؟!
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول: من مات وليس يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية!!
فقال له: إن يدي مشغولة - عنك يكتب - فدونك رجلي، فمسح على رجله وخرج!! ". [ عبد الله بن عمر، صحابي معروف، وهو ابن الخطاب، يبايع الحجاج بن يوسف بيعة الذليل، إذ مد له الحجاج رجله ليبايعه، وهو يرى فيه إمام زمانه، ويمتنع عن بيعة العزة والكرامة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، زوج البتول، وابن عم الرسول، ولا يرى فيه إمامه، أو ولاية تلزمه، أو تخرجه عن ميتة الجاهلية، وهكذا فالصحابة كلهم عدول، ويا لله ويا للعدالة!! ].
حديث عبد الله بن زمعة
وأما حديث عبد الله بن زمعة، فقد رواه أبو داود عنه بطريقين. والمدار في كليهما
____________
1 - تهذيب التهذيب 4: 195.
2 - إحياء علوم الدين 2: 143.
3 - تحف العقول عن آل الرسول للشيخ ابن شعبة الحراني (من أعلام الإمامية في القرن الرابع) ص 198.
حديث عبد الله بن عباس
وأما حديث عبد الله بن عباس - الذي رواه ابن ماجة وأحمد، الأول رواه عن:
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس. والثاني رواه عن:
يحيى بن زكريا بن أبي إسحاق، عن الأرقم، عنه - فمداره على: أبي إسحاق، عن الأرقم.
وقد قال البخاري: " لا نذكر لأبي إسحاق سماعا عن الأرقم بن شرحبيل " (1).
وأما أبو إسحاق السبيعي.. فقد " قال بعض أهل العلم: كان قد اختلط، وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه " (2).
و " كان مدلسا " (3).
وكان يروي عن عمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام (ع).
وكان يروي عن شمر بن ذي الجوشن الملعون (5) [ قاطع رأس الحسين عليه السلام ].
وفي مسند أحمد مضافا إلى ذلك:
1 - سماع " زكريا " من " أبي إسحاق " بعد اختلاطه، كما ستعرف.
2 - " زكريا بن أبي زائدة "، قال أبو حاتم: " لين الحديث، كان يدلس ". ورماه بالتدليس أيضا أبو زرعة وأبو داود وابن حجر... وعن أحمد: " إذا اختلف زكريا وإسرائيل فإن زكريا أحب إلي من ابن إسحاق. ثم قال: ما أقربهما، وحديثهما عن أبي إسحاق لين سمعنا منه بآخره " (6). [ أي آخر أيامه، يريد: بعد اختلاطه ].
____________
1 - ذكره في الزوائد، بهامش سنن ابن ماجة 1: 391.
2 - ميزان الاعتدال 3: 27.
3 - تهذيب التهذيب 8: 56.
4 - الكاشف: ميزان الاعتدال: تهذيب التهذيب 7: 396.
5 - ميزان الاعتدال 2: 72.
6 - تهذيب التهذيب 3: 285، الجرح والتعديل 1: 2 / 593.
نعم، رواه لا عن هذا الطريق، لكنه عن ابن عباس، عن العباس، فقال مرة: " حدثنا يحيى بن آدم "، وأخرى: " حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم "، عن قيس بن الربيع، عن عبد الله بن أبي السفر، عن أرقم بن شرحبيل، عن العباس بن عبد المطلب: " أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال في مرضه: " مروا أبا بكر يصلي بالناس، فخرج أبو بكر، فكبر، ووجد النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم راحته فخرج يهادى بين رجلين، فلما رآه أبو بكر تأخر، فأشار إليه النبي: مكانك. ثم جلس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى جنب أبي بكر، فاقترأ من المكان الذي بلغ أبو بكر من السورة " (2).
لكن مداره على قيس بن الربيع الذي أورده البخاري في الضعفاء (3).
وكذا النسائي (4).
وابن حبان في المجروحين (5).
وضعفه غير واحد، بل عن أحمد أنه تركه الناس، بل عن يحيى بن معين تكذيبه (6).
حديث عبد الله بن مسعود
أما الحديث المذكور عن عبد الله بن مسعود، فأخرجه النسائي، ورواه الهيثمي وقال: " رواه أحمد وأبو يعلى ".
____________
1 - فضائل الصحابة 1: 106.
2 - فضائل الصحابة 1: 108 - 109.
3 - الضعفاء للبخاري 273.
4 - الضعفاء للنسائي 401.
5 - كتاب المجروحين: 2: 216.
6 - تهذيب التهذيب 8: 350، ميزان الاعتدال 3: 393، لسان الميزان 4: 477.
قلت: " وذكر الحافظ ابن حجر، عن ابن مسعود: كان كثير الخطأ في حديثه.
وعن يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب.
وعن أبي حاتم: ليس محله أن يقال هو ثقة، ولم يكن بالحافظ. وقد تكلم فيه ابن علية فقال: كل من اسمه عاصم سيئ الحفظ.
وعن ابن خراش: في حديثه نكرة.
وعن العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ.
والدار قطني: في حفظه شئ.
والبزار: لم يكن بالحافظ.
وحماد بن سلمة: خلط في آخر عمره.
وقال العجلي: كان عثمانيا " (2).
حديث بريدة الأسلمي
أما حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أحمد بسنده عن بريدة، عن أبيه.. فمع غض النظر عما قيل في رواية ابن بريدة - سواء كان " عبد الله " أو سليمان " - عن أبيه (3) ففيه عبد الملك بن عمير، وقد عرفته [ أنظر: بحث حديث أبي موسى الأشعري ].
حديث سالم بن عبيد
أما حديث سالم بن عبيد الذي أخرجه ابن ماجة:
1 - فقد قال فيه ابن ماجة: هذا حديث غريب.
2 - وفي سنده نظر... فإن " نعيم بن أبي هند " تركه مالك ولم يسمع منه، لأنه كان
____________
1 - مجمع الزوائد 5: 183.
2 - تهذيب التهذيب 5: 35.
3 - تهذيب التهذيب 5: 138.
و " سلمة بن نبيط " لم يرو عنه البخاري ومسلم. قال البخاري: اختلط بآخره (2).
3 - ثم إن " سالم بن عبيد لم يرو عنه في الصحاح، وما روى له من أصحاب السنن غير حديثين، وفي إسناد حديثه اختلاف!
قال ابن حجر: " سالم بن عبيد الأشجعي "، من أهل الصفة، ثم نزل إلى الكوفة.
وروى له من أصحاب السنن حديثين صحيح في العطاس، وله رواية عن عمر فيما قاله وصنعه عند وفاة النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وكلام أبي بكر في ذلك. أخرجه يونس بن بكير في زياداته.
روى عنه هلال بن يساف، ونبيط بن شريط، وخالد بن عرفطة (3).
وقال أيضا: " الأربعة - سالم بن عبيد الأشجعي له صحبة وكان من أهل الصفة، يعد من الكوفيين. روى عن النبي في تشميت العاطس، وعن عمر بن الخطاب، روى عنه خالد بن عرفجة - ويقال ابن عرفطة - وهلال بن يساف ونبيط بن شريط. وفي إسناد حديثه اختلاف " (4).
أقول: يظهر من عبارة ابن حجر في كتابيه، ومن مراجعة الرواية عن الهيثمي (5) أن حديث سالم بن عبيد حول صلاة أبي بكر هو الحديث الذي عن عمر فيما قاله وصنعه عند وفاته صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.. لكن ابن ماجة ذكر بعضه، كما نص عليه الهيثمي، وظاهر عبارة ابن حجر " في الإصابة " عدم صحة إسناده، ولعله المقصود من قوله في " تهذيب التهذيب ": " وفي إسناد حديثه اختلاف "، إذ القدر المتيقن منه ما يرويه نبيط بن شريط عنه، وهذا الحديث من ذلك.
____________
1 - تهذيب التهذيب 10: 418.
2 - تهذيب التهذيب 4: 140.
3 - الإصابة 2: 5.
4 - تهذيب التهذيب 3: 381.
5 - مجمع الزوائد 5: 182.
حديث أنس بن مالك
أما حديث أنس بن مالك، فمنه ما عن الزهري عنه، وقد أخرجه البخاري ومسلم وأحمد. والزهري من قد عرفته. [ أنظر: بحث حديث عبد الله بن عمر ].
مضافا إلى أن الراوي عنه عن البخاري هو شعيب، وهو: شعيب بن حمزة كاتب الزهري وراويته (1).
ويروي عن شعيب: أبو اليمان، وهو الحكم بن نافع. وقد تكلم العلماء في رواية أبي اليمان من شعيب، حتى قيل: " لم يسمع منه ولا كلمة " (2).
والراوي عن الزهري عند أحمد: سفيان بن حسين، وقد اتفقوا على عدم الاعتماد على روايته عن الزهري، فقد ذكر ذلك ابن حجر عن: ابن معين وأحمد والنسائي وابن عدي وابن حبان...
وعن يعقوب بن شيبة: " في حديثه ضعف ".
وعثمان بن أبي شيبة: " كان مضطربا في حديثه قليلا ".
وعن ابن خراش: " كان لين الحديث ".
وعن أبي حاتم: " لا يحتج به ".
وعن ابن سعد: " يخطئ في حديثه كثيرا " (3).
هذا وقد روى الهيثمي فقال: " رواه أحمد، وفيه سفيان بن حسين، وهو ضعيف في الزهري. وهذا من حديثه عنه " (4).
ومنه ما عن حميد بن أنس، وقد أخرجه النسائي وأحمد، وحميد هو: حميد بن أبي حميد الطويل، وقد نصوا على أنه كان " مدلسا "، وعلى " أن أحاديثه عن أنس مدلسة " (5). وهذا الحديث من تلك الأحاديث.
____________
1 - تهذيب التهذيب 4: 307.
2 - تهذيب التهذيب 2: 380.
3 - تهذيب التهذيب 4: 96.
4 - مجمع الزوائد 5: 181.
5 - تهذيب التهذيب 3: 34.
هذا، وسواء صحت الطرق عن أنس أو لم تصح، فالكلام في أنس نفسه:
فأول ما فيه كذبه، وذلك في قضية الطائر المشوي، حيث كان رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قد دعا الله سبحانه أن يأتي بعلي عليه السلام وكان يترقب حضوره، فكان كلما جاء علي عليه السلام ليدخل على النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال أنس: " إن رسول الله على حاجة "! حتى غضب رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] وقال له: " يا أنس، ما حملك على رده؟! ".
ثم كتمه الشهادة بالحق، وذلك في قضية مناشدة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الناس عن حديث الغدير وطلبه الشهادة منهم به، فشهد قوم وأبى آخرون - ومنهم أنس (1) - فدعى عليه فأصابتهم دعوته..
ومن المعلوم أن الكاذب لا يقبل خبره، وكتم الشهادة إثم كبير قادح في العدالة كذلك.
حديث عائشة
أما حديث عائشة.. فقد ذكرنا أنه هو العمدة في هذه المسألة:
لكونها صاحبة القصة.
ولأن حديث غيرها إما ينتهي إليها، وإما هو حكاية عما قالته وفعلته.
ولأن روايتها أكثر طرقا من رواية غيرها، وأصح إسنادا من سائر الأسانيد، وأتم لفظا وتفصيلا للقصة..
وقد أوردنا الأهم من تلك الطرق، والأتم من تلك الألفاظ. وأما البحث حول ألفاظ ومتون الحديث - عنها - فسيأتي في الفصل اللاحق، مع النظر في ألفاظ حديث غيرها [ البحث حول ألفاظ ومتون الحديث، لم ينقل هنا من مصدره ].
____________
1 - أنظر: الفصل الأول من هذا الكتاب - ص 42.
أما رجال الأسانيد... فإن طرق الأحاديث المذكورة عنها تنتهي إلى:
1 - الأسود بن يزيد النخعي.
2 - عروة بن الزبير بن العوام.
3 - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
4 - مسروق بن الأجدع.
ولا شئ من هذه الطرق بخال عن الطعن والقدح المسقط عن الاعتبار والاحتجاج.
حديث عائشة عن الأسود
كان الأسود من المنحرفين عن أمير المؤمنين علي عليه السلام (1). والراوي عنه في جميع الأسانيد المذكورة هو إبراهيم بن يزيد النخعي، وهو من من أعلام المدلسين.. قال أبو عبد الله الحاكم - في الجنس الرابع من المدلسين -: قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين، فغيروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا. قال: " أخبرني عبد الله بن محمد بن حمويه الدقيقي، قال: حدثني جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، قال: " حدثني خلف بن سالم، قال: سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين، فأخذنا في تمييز أخبارهم، فاشتبه علينا تمييز الحسن بن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي، لأن الحسن كثيرا ما يدخل بينه وبين الصحابة أقواما مجهولين، وربما دلس عن مثل عتى بن ضمرة وحنيف بن المنتجب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم. وإبراهيم أيضا يدخل بينه وبين أصحاب عبد الله مثل متى بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي، وربما دلس عنهم " (2).
والراوي عن إبراهيم هو: " سليمان بن مهران الأعمش "، والأعمش معروف
____________
1 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 97.
2 - معرفة علوم الحديث 108.
قال الخطيب: " التدليس للحديث مكروه عند أهل العلم. وقد عظم بعضهم الشأن في ذمه، وتبجح بعضهم بالبراءة منه " (3).
ثم روى عن شعبة بن الحجاج قوله: " التدليس أخو الكذب " وعنه: " التدليس في الحديث أشد من الزنا ". وعنه: " لأن أسقط من السماء أحب إلي من أن أدلس ".
وعن أبي أسامة: " خرب الله بيوت المدلسين، ما هم عندي إلا كذابون ".
وعن ابن المبارك: " لأن نخر من السماء أحب إلي من أن ندلس حديثا ".
وعن وكيع: " نحن لا نستحل التدليس في الثياب فكيف في الحديث؟! ".
فأذن يسقط هذا الحديث بهذا السند الذي اتفقوا في الرواية به، فلا حاجة إلى النظر في حال من قبل الأعمش من الرواة.
لكن مع ذلك نلاحظ أن الرواي عن الأعمش عند البخاري وأحمد - في أحد طرقهما - وعند مسلم والنسائي هو " أبو معاوية ". وهذا الرجل أيضا من المدلسين:
قال السيوطي: " فائدة: أردت أن أسرد أسماء من رمي ببدعة ممن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما:
وهم: إبراهيم بن طهمان، أيوب بن عائذ الطائي، ذر بن عبد الله المرهبي، شبابة بن سوار، عبد الحميد بن عبد الرحمن... محمد بن حازم أبو معاوية الضرير، ورقاء بن عمر اليشكري... هؤلاء رموا بالإرجاء، وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر
____________
1 - تقريب التهذيب 1: 331.
2 - تدريب الراوي 1: 221.