الصفحة 188
الصائب، لأن ما يفعله وما يقوله نبي الله هو الصواب سواء تحصل عن طريق الوحي أو لما اتصف به الأنبياء من الفطانة ورجاحة العقل. وإنما كانت الاستشارة في الغالب الأعم لتحقيق هدف سياسي وموضع استراتيجي، وهو نوع من ربط وتقوية الجبهة الداخلية، وإلا فالأمر ينزل عليه من السماء. وهذا هو ما فهمه سعد بن معاذ وأسيد بن خضير، فإنهما لما شاهدا إلحاح المسلمين على النبي صلى الله عليه وآله كاره لذلك - ومطالبتهم إياه بالخروج لمقابلة المشركين في خارج المدينة يوم غزوة أحد - والنبي صلى الله عليه وآله كاره لذلك - قالا للناس: " قلتم لرسول الله (ص) ما قلتم، واستكرهتموه على الخروج، والأمر ينزل عليه من السماء فردوا الأمر إليه.. فما أمركم فافعلوه، وما رأيتم له فيه هوى أو رأي فأطيعوه ".. وهذا القول عين ما جاءت به الآية، في قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول).

يقول صاحب الدر المنثور: " " عندما نزلت (وشاورهم في الأمر) قال (ص): إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي " (1).

فالشورى لهم من النبي صلى الله عليه وآله ليست إدخالا لهم في أوامر وأحكام الوحي كما يظن كثير من الناس اليوم، بل هي لتحقيق وحدتهم وجمعهم على أمر الله تعالى، لا سيما في الحروب والغزوات، لما تتضمنه من تكاليف ومشاق، فإذا شعروا أنهم قد شاركوا في صناعة الموقف العسكري أو الحربي كانوا أميل إلى الاندفاع فيه وتحمل تبعاته.

فهاتان الآيتان: (وشاورهم في الأمر)، (وأمرهم شورى بينهم) لا يجوز أن تعتبرا دليلا على الأمر بالشورى في اختيار خليفة المسلمين، وذلك لسببين:

أولا: إن مسالة اختيار الخليفة من المسائل التي وقع فيها نزاع، فلا تصح الشورى فيها لقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول).

ثانيا: إن مسألة تنصيب الخليفة من المسائل التي نطق فيها الوحي بحكمه وحسم الأمر فيها، لعدم قدرة الناس على معرفة وتنصيب الخليفة، كما سيتضح أكثر فيما بعد إن شاء الله.

____________

1 - الدر المنثور 2: 90، تفسير الفخر الرازي 9: 66 تفسير القرطبي 4: 250.


الصفحة 189

الفصل الرابع: أولو الأمر هم أهل البيت عليهم السلام

  • الاستخلاف واجب على النبي صلى الله عليه وآله.

        من هم أولو الأمر؟

        نظر الإمام الرازي.

        نظر ابن جرير الطبري.

        أولو الأمر هم أهل البيت.

        ما هي العصمة؟

        أهل البيت النبي معصومون.

        دلالة آية " التطهير " على العترة من خلال العصمة.

        دلالة " حديث الثقلين " على عصمة العترة.

        دلالة " حديث السفينة " على عصمة العترة.

        خلاصة البحث.

        من أهل البيت؟


    الصفحة 190

    الصفحة 191

    الاستخلاف واجب على النبي صلى الله عليه وآله

    إن ما يجعل العقل أسير الحيرة والدهشة ما يذكره كثير من علماء المسلمين من عدم تعيين النبي صلى الله عليه وآله خليفة له من بعده، وإماما يتولى أمور المسلمين في غيابه.

    وفي الواقع إن هذا كلام لا ينتظر من أولئك الذين وصفوا بالعلم والمعرفة. وأنا أجزم بأن الذين يرددون هذا الكلام لم يكلفوا أنفسهم ولو قليلا من البحث والتحقيق حول مسألة تنصيب الإمام وتعيينه من جانب النبي صلى الله عليه وآله، إذ أنهم ركنوا إلى تقليد من سبقهم من العلماء، وتعودوا على اجترار ما قالوا في هذا الأمر، دون أن يفطنوا إلى أن القول بهذا فيه اتهام شديد للنبي صلى الله عليه وآله بتركه الواجب وعدم تبليغ أمر الله بتعيين ولي الأمر من بعده!

    فإنه أمر تالله - يبعث إلى الدهشة والذهول العقلي، إذ كيف يصرف النبي صلى الله عليه وآله النظر عن تعيين خليفته من بعده، وكيف هان عليه هذا الأمر، ولقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله حينما نعيت إليه نفسه طفق يورد الوصية للمسلمين تلو الوصية في أمور شتى، مظهرا اهتماما عظيما بأمر الدين، ومبديا قلقا بليغا بحال المسلمين بعد وفاته؟!

    لقد حذر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين من الاختلاف والفتن، ووعظهم غداة ومساء وهجيرا.. كل ذلك لكي يبين لهم طريق النجاة والسلامة إذا ما أقبلت الاختلافات والفتن كقطع الليل..

    فهل كان النبي صلى الله عليه وآله لا يرى لولي الأمر من بعده أثرا في نجاة الناس من هذه الفتن ولم الشمل إذا ما حلت بدارهم الاختلافات؟! أم كان إدراكه صلى الله عليه وآله قد قصر - وحاشاه - عن

    الصفحة 192
    إدراك هذا الأمر، فأدركه أبو بكر وفهمه عمر ومعاوية؟! وفطن إليه بنو أمية وبنو العباس؟! وهل الأمر الذي صدر به الوحي موجبا طاعة أولي الأمر لم يكن النبي صلى الله عليه وآله يرى أنه يوجب عليه تنصيب خليفة ووليا لأمر الناس؟! أم كان يرى أن الله يكلف الناس فوق طاقتهم، فيوقعهم بعد نبيهم في الاختلاف والتنازع والفتن؟!

    لقد ثبت، بما لا يدع مجالا للريب، أن النبي صلى الله عليه وآله ما كان يخرج من المدينة لغزوة إلا ويعين عليها شخصا خليفة له ريثما يعود.. فهل كان يرى أهمية الوالي على المسلمين في غيابه القصير في حياته، ولم يكن يرى له أهمية في غيابه الطويل بعد وفاته؟!!

    فما هذا القول؟! وأي عقل سليم يحكم بذلك؟! وأي حكمة يمكن لمسها فيه؟! وأي مصلحة تعود للمسلمين من فعل كهذا؟! وهل له نتيجة غير الخلاف والنزاع والخصام، كما حدث في سقيفة بني ساعدة... فاضطر ذلك العلماء للزج بأنفسهم في تبرير لا يسمن ولا يغني من جوع؟!

    وكما وضح لك أن عدالة كل الصحابة بقضهم وقضيضهم لا تصح، لانحراف البعض عن سواء السبيل، وارتكاب بعضهم ما حرم الله تعالى، ولهذا لا يمكن أن يوصي النبي صلى الله عليه وآله باتباع أي كان من الصحابة للنجاة والسلامة من الاختلاف والانحراف، ذلك لأن أمرا كهذا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وآله - بل إلى الوحي - فيه تجويز لارتكاب الأخطاء وفتح الطريق إلى النزاع والاختلاف.

    إن اختلاف الصحابة فيما بينهم أمر معلوم، وقتل بعضهم بعضا مسألة تعج بها صفحات التاريخ، وانحراف الكثير منهم عن الحق تثبته كتب السير والأخبار (1).

    ثم إننا علمنا أنه كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله بعض المنافقين، علمت أحوالهم وخصالهم ووضح نفاقهم للمسلمين، ولكن كان هناك أيضا منافقون لم يعلم عنهم شئ ولم يعرف نفاقهم، ولم تنكشف أحوالهم وقد أخبر الله تعالى نبيه الكريم بذلك في قوله تعالى:

    (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن

    ____________

    1 - شرح المقاصد للتفتازاني 5: 302.

    الصفحة 193
    نعلمهم) (1).

    ويمكنك أن تتصور خطورة الموقف الذي سيؤول إليه مصير الإسلام وهو بلا راع، عرضة لهؤلاء المنافقين المتمرسين بالنفاق، المبتعدين عن الأنظار والأفكار.

    إذا كان المنافق المعروف نفاقه أخطر على المسلمين من الكافر المعروف كفره، فسيكون أولئك المنافقون الذين لم يكن المسلمون يعرفون عنهم شيئا أخطر من أولئك الذين عرفوا، وذلك لجهل المسلمين بهم، لشدة خفائهم إذ تمرسوا بالنفاق ومردوا عليه وأتقنوه.

    وعلى هذا الأساس لا يستطيع أحد يجردهم عن الصحبة للنبي صلى الله عليه وآله، يل كيف يجرد هم عنها وهو لا يعرفهم؟! بل سيثني عليهم وسيصفهم بالإخلاص والتقوى بلا ريب، بحكم ما يبدونه من مظهر ديني يضمن لهم مقاما بين الصحابة العدول، وبالتالي سيهبهم بكل ارتياح صفة العدالة والوثاقة!! فكيف نسد منافذ الخطر والضلال الصادر من من هؤلاء المنافقين في الباطن، المؤمنين العدول في الظاهر؟ ولهذا كله فمن المحال الممتنع أن يأمر النبي صلى الله عليه وباتباع كل من هب ودب ممن كانت له صحبة معه من الناس في زمانه، وهو يعلم أن من بينهم وممن حولهم منافقين مستورين مردوا على النفاق وصقلوا فيه.

    إذا فالقول بعدالة كافة الصحابة خطأ فاحش، والأمر باتباع كافتهم دون تمييز لهم عن طريق الوحي أمر ينطوي على خطر بليغ يهدد الإسلام من أساسه، فلا يأمر به النبي صلى الله عليه وآله بحال من الأحوال.

    ولهذا تسقط كل الأحاديث التي تجعل من اتباع كافة الصحابة وسيلة للنجاة من الاختلافات والابتداع والإحداث في دين الله، كما وضح.

    وبعد ذلك كله.. فكيف لم يعين النبي صلى الله عليه وآله خليفة من بعده ويترك الناس يتناوشهم المنافقون من ظهر منهم ومن بطن، ويتر صدهم اليهود والنصارى الحاقد منهم على الإسلام والكامن له؟!!

    ____________

    1 - التوبة: 101.

    الصفحة 194
    وكيف يسهل على العقل الساذج القبول بأن النبي صلى الله عليه وآله مات بين السحر والنحر ولم يوص بشئ؟! وكيف تسكن النفوس النفوس إلى القول بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا من بعده، وذهب لا يلوي من حال المسلمين في غيابه على شئ؟!!! إن هذا كلام لا يلتفت إليه، إذ أنه تهمة لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله.

    اتهموه بأنه ترك أمته بلا راع عرضة للاختلاف والنزاع والاقتتال، وهذا فيه اتهام له صلى الله عليه وآله بترك الواجب! اتهموه بها وهو صلى الله عليه وآله الرحيم بأمته، الرؤوف بالمؤمنين، الذي يأسى لهم ويحرص على هداهم، كما قال عنه ربه تبارك وتعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (1).

    كل ذلك كان منهم في غفلة تصحيح ما نتج من حوادث السقيفة، فقالوا: لم يوص النبي صلى الله عليه وآله بشئ، ومن هنا لا يكون عيب في أن يتولى الخلافة أي كان من الناس، حتى لو كان فاسقا أو خارجا طاعة الله تعالى.

    يقول التفتازاني: " ولا ينعزل الإمام بالفسق، أو بالخروج عن طاعة الله تعالى " (2)!

    ويقول الباقلاني: " لا ينخلع الإمام بفسقه، وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يحب الخروج عليه " (3)!

    ثم ذكر: " بل يجب وعظه وتخويفه، وترك طاعته في شئ مما يدعو إليه من معاصي الله ".

    وهذا إضراب عجيب من الباقلاني، فلو كان الخروج على الإمام الفاسق غير جائز فكيف جاز ترك طاعته في بعض المعاصي؟! وهل وجوده على كرسي الحكم - والحالة هذه - لا يعد معصية في ذاته؟ ولماذا بعض المعاصي؟! وكيف جاز تخويفه؟ وكيف يكون تخويفه؟ أو ليس تخويفه هذا خروجا عليه؟!!

    ولو كان استطاعة الناس تخويفه وترك أوامره في بعض الأحوال بهذه السهولة فلم لا يعزلونه، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، وهو فاسق؟!

    ____________

    1 - التوبة: 128.

    2 - شرح العقائد النسفية: 185 - 186.

    3 - التمهيد للقاضي الباقلاني 181.

    الصفحة 195
    ما هذه إلا خطرفة سببها تجويز إمامة الفاسق. وللسياسة في ذلك الوقت دور كبير في ظهوره هذه الفتاوى وانتشار تلك العقيدة: إمامة الفاسق!

    لقد ذكرنا أن القول بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا على المسلمين من بعده قول يحمل أخطر الاتهامات للنبي صلى الله عليه وآله، ذلك لأن أمر الله تعالى بطاعة أولي الأمر على سبيل من الجزم والقطع، كما هو واضح في قوله تعالى: (وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)..

    يوضح أن أولي الأمر طاعتهم واجبة كطاعة صلى الله عليه وآله. ووجوب طاعة أولي الأمر توجب.

    على النبي صلى الله عليه وآله تعيينه، فالقول بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف اتهام له صلى الله عليه وآله بترك الواجب.

    إن العقل يحكم بأن الأمر بإطاعة أولي الأمر وإيجاب طاعتهم إنما هو على قرار طاعة النبي صلى الله عليه وآله، مما يستوجب تعيينهم من قبل الله تعالى بوساطة نبيه الكريم، ولا يجوز ترك تعيينهم للناس، لأن ذلك ليس في مقدورهم، فمعرفة الناس لأولي الأمر - بدون أن يعرفهم الوحي لهم - يفرض أن الناس قادرون على المعرفة من تجب طاعته من البشر، في حين أن الناس ليسوا قادرين على ذلك.

    ولو كان الناس استطاعتهم معرفة من وجبت طاعته من البشر - نبيا كان أم غيره - لما احتاج النبي صلى الله عليه وآله إلى إبداء المعجزة حتى يعجز الناس بأمره ويصدقوه فيطيعوه.

    فالنبي صلى الله عليه وآله واجب الطاعة، ولكن اتهمه الناس بالكذب والسحر الجنون ولم يصدقوه، إذا فالناس لا يقدرون على معرفة أولي الأمر، ولم ترك لهم تعيين أولي الأمر فستنتج المفاسد التالية:

    إما أن يولي الناس الفاسق، والله لم يأمر بطاعته، بل إنه لا يحب الفاسقين.

    وإما أن يشتد الخلاف عند اختيار ولي الأمر، وتقع الفتن من الناس، لعصبياتهم وقبلياتهم وغيرها من صفات حب الذات. والاختلاف ممنوع، والنزاع يجب إرجاعه إلى الكتاب والسنة لفضه.

    وأيضا إن هذا الواجب إن كان الناس مسؤولين عنه فيستلزم التكليف بما لا يطاق، لأنهم لا يعرفون أولي الأمر.

    وإن لم يكونوا مسؤولين عنه فيستلزم البعث في أفعال الله تعالى - تنزه الله عن ذلك -

    الصفحة 196
    حيث أمر أمر وجوب (كوجوب طاعة الله وطاعة الرسول) ومع ذلك لا يسأل عنه هل أنجز هذا الأمر الواجب أم لا؟

    ولهذا فلما كان عجز الناس عن معرفة وتعيين أولي الأمر يؤدي إلى تولية الفاسق أو وقوع الاختلاف والتناحر حول تعيين ولي الأمر، أو يكون التكليف بما لا يطاق، أو ينسب العبث إلى الله تعالى في فعله.. اتضح أن تعيين أولي الأمر لم يتركه الله لاختيار الناس، بل إنه مسند إليه تعالى.

    من هم أولو الأمر

    يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول).

    إنك تلحظ في هذه الآية أنه أمر فيها بأمر واحد إطاعة ثلاثة: الله تعالى ورسوله وأولو الأمر، بوساطة فعل الأمر: (أطيعوا)، وذلك في قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، فماذا يمكن أن نفهم من ذلك؟ وماذا أراد الله تعالى بإشراك النبي صلى الله عليه وآله وأولي الأمر في أمر واحد بطاعتهما؟ على أن الحال لا يختلف لو فصل الأمر ولم يجمع في فعل واحد.

    إن إصدار الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وأولي الأمر بهذه الصورة المشتركة في أمر واحد يؤكد لنا التساوي بين طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر. فلما كانت طاعة الرسول صلى الله عليه وآله واجبة قطعا فطاعة أولي الأمر واجبة قطعا أيضا. والعموم والإطلاق الواضح في الأمر بالطاعة لا يسمح باستثناء طاعة أولي الأمر وفصلها عن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله بأي حال من الأحوال، أو بأي شرط من الشروط.. إذا طاعة أولي الأمر هي من الواجبات في الدين على المؤمنين.

    ثم إن النبي صلى الله عليه وآله معصوم بلا شك، ولو على قول من ينسب إليه العصمة في تبليغ الوحي، فهو معصوم إذا. وهنا نسأل: ما هي الحكمة في أن يكون النبي صلى الله عليه وآله معصوما؟

    إن الله تعالى لم يدع لنبي من الأنبياء مسؤولية التشريع ولم يسند إليهم تأسيس

    الصفحة 197
    الأحكام والشرع، فالله تعالى هو الذي يعلم ما ينفع الناس وما يصلحهم، ولهذا فهو الذي له أن يقوم بهذا الأمر الذي لا يقدر عليه غيره، وما على الرسول إلا بلاغة بلاغا لا يخالجه الإبهام.

    والله تعالى بإسناد الأمر إلى ذاته العلية يريد أن يبلغ تشريعه الناس دون أي تغيير أو نقص، سواء كان عمدا أو سهوا. ولكن الرسول بشر، والبشرية مجمع الأخطاء والنسيان، فما هو العمل إذا ما أنزل عليه أمر الله ليبلغه كما أنزل عليه دون تغيير يؤدي إلى التغيير في طريقة وأسلوب التبليغ، فضلا عن أن يؤدي إلى تغيير الهدف والغاية؟

    ولهذا عصم الله الأنبياء عن الخطأ عمدا أو سهوا، حتى لا يحدث ذلك التغيير تبعا للخطأ. وعلى هذا فكل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وآله هو الوحي بعينه، من حيث اللفظ والمعنى تارة، ومن حيث المعنى فقط تارة أخرى. ولهذا فالنبي صلى الله عليه وآله (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) (1).

    فإذا ثبت فالنبي صلى الله عليه وآله لا بد أن يدركه الموت يوما، وسيأخذ بزمام الأمر من بعده ألو الأمر الذين وجبت طاعتهم على الناس مثله صلى الله عليه وآله، وإن كان الوحي لا يتنزل عليهم لاكتمال نزوله.

    إن العمل بهذا الوحي - طبقا لعمل النبي صلى الله عليه وآله به - لم ينته، بل هو باق ما بقي الزمان والمكان. ونحن نعلم أن حفظ كلام كما قيل دون تغيير هو أسهل بكثير من العمل به وتطبيقه على مسرح الواقع الملموس، حيث المشاكل والمعضلات والمنعطفات الحرجة.

    إذا، كيف يتسنى لأولي الأمر القيام بهذه المهمة الأصعب بعد النبي صلى الله عليه وآله دون التعرض للخطأ، إن لم تكن لهم تلك العصمة التي كان يتمتع بها النبي صلى الله عليه وآله؟ وكيف يصل ما أراده الله إلى الناس عبر أولي الأمر دون خطأ وهم بشر؟ ونحن أوضحنا أن العصمة تحفظ الوحي النازل على النبي صلى الله عليه وآله دون أن ينحرف عمدا أو سهوا، لفظا أو عملا، والله لا يسمح بشئ من ذلك الانحراف.

    فإن لم يكن أولو الأمر على عصمة النبي صلى الله عليه وآله وقع ما لم يسمح به الله تعالى، وما لم

    ____________

    1 - النجم: 3 و 4.


    الصفحة 198
    يرده في تبليغ الوحي.

    إذا، وجبت عصمة أولي الأمر كما وجبت عصمة الرسول صلى الله عليه وآله. على أن وجوب الطاعة بالجزم والقطع إشارة إلى العصمة، فالعصمة أساس وجوب الطاعة، وبسبب هذه العصمة لا يختلف خطاب الله تعالى للناس - إذا قدر أن يخاطبهم مباشرة بتكاليفه وأوامره - عن مخاطبته إياهم عبر النبي صلى الله عليه وآله به. والسر في ذلك هو وصول خطاب الله ذاته إلى الناس بسبب العصمة التي للنبي صلى الله عليه وآله.. وهذا يعني - من ثم - أن فقدانها في أولي الأمر يؤدي إلى التغيير بلا ريب، وهو ما لا يريده الله تعالى.

    نظر الإمام الرازي

    يقول الفخر الرازي (1): " إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية. ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد أن يكون معصوما عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعة، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد، وإنه محال.

    فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما. فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكورين في الآية لا بد أن يكونوا معصومين ".

    ثم يدلف الرازي إلى تحديد أولي الأمر المعصومين هؤلاء، حسبما يرى ويظن، فيقول: " ثم نقول: ذلك المعصوم إما مجموع الأمة، أو بعض الأمة، لأنا بينا أن الله تعالى أوجب طاعة أولي الأمر في هذه الآية قطعا. وإيجاب طاعتهم قطعا ومشروط بكوننا عارفين بهم، قادرين على الوصول إليهم، والاستفادة منهم. وإننا نعلم بالضرورة أننا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم... ".

    ولقد ذهب الرازي إلى أن أولي الأمر هم بعض الأمة، يتمثلون في أهل الحل والعقد

    ____________

    1 - تفسير الإمام الرازي 10: 144.

    الصفحة 199
    وبسبب بعد إجماعهم عن الخطأ - على ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: " لا تجتمع أمتي على الخطأ " - تتحقق بذلك العصمة المطلوبة في أولي الأمر.

    قوله: إن مجموع الأمة ليس هم أولي الأمر واضح لا يحتاج إلى إثبات. وأما كون أولي الأمر هم بعض الأمة فأمر نتفق فيه مع الفخر الرازي، غير أن قوله: إن هذا البعض من الأمة - أي أولي الأمر - هم أهل الحل والعقد قول تكتنفه إشكالات عدة، تجعل عدة، تجعل قبوله أمرا مستحيلا.

    فأولها: إمكانية وقوع الإجماع ليست متحققة.

    ثانيها: من يعرفهم للأمة باعتبارهم أهل الحل والعقد؟!

    ثالثها: أين نتحصل على عصمتهم؟! هل في الأفراد منهم أو في هيأتهم الاجتماعية؟!

    إن إمكانية تحقق وقوع الإجماع من المستحيلات في هذه الأمة، لا سيما في اختيار القادة والرؤساء، ودونك الواقع يصرح مؤكدا ما نقول.

    نعم، من المحال أن تجتمع الأمة على الخطأ بأسرها، لكن من المحال أن يتحقق إجماع الأمة بأسرها، وفرق شاسع بين الحالتين، فلو دعا بعض فالأمة إلى الحق فلا بد أن يوجد من يخالفهم من الناس سبب من الأسباب التي لا حصر لها، فالقومية، والعصبية، والنعرات القلبية، واختلاف الإدراك ووجهات النظر، والعناد، واللجاج... كلها منفردة أو مجتمعة تجعل من وقوع الإجماع أمرا لا يرجي تحققه بين الناس.

    وإن مسألة الخلافة من المسائل التي كان للأمة أن تجتمع عليها، لو كان للإجماع إمكانية الوقوع، مع قلة المجتمعين في السقيفة، وما كان لهم من الصحبة التي تجعلهم في مصاف أهل الحل والعقد في زمانهم. وعلى رغم ذلك فقد نشب الخلاف واستحال الإجماع، وسلت السيوف، وأخذ البعض بالقوة، وأغري آخرون بالمال.. فكيف للرازي أن يحلم بإجماع استحال أن يقع بين صحابة النبي صلى الله عليه وآله وهم الجيل الأول الذي عاصر النبي صلى الله عليه وآله، ليقع بين الناس في عصره أو ما تلاه من عصور، أو في هذا العصر الذي ازداد فيه تشعب العقائد وتشتت الأفكار؟!!


    الصفحة 200
    على أن الانقسام المشاهد في كل فرقة من الفرق الإسلامية هو تصريح باستحالة تحقق الإجماع. ولا أري إمكانية وقوع الإجماع بين أهل السنة فيما بينهم، ولا بين الشيعة بانفرادهم، فضلا أن يقع الإجماع بينهما مجتمعين.

    فاجتماع الأمة بأسرها على الخطأ ممكن، ولكن لا يمكن أيضا اجتماعها على الحق بأسرها.

    إن واقعة صفين كانت بين أمة المسلمين، وقد كان الحق عند أحد الطرفين بلا شك، ولكن لم يجتمع المسلمون عليه كما لم يجتمعوا على ما يقابله من الباطل، فنشبت بينهم الحرب، وقتل بعضهم بعضا.. فلماذا يتكلم الإمام الرازي بكلام يبعد عن الواقع ويعطي مصدقا لآية قرآنية ليس له وجود؟!

    ثم كيف يتم التعرف على أن أهل الحل والعقد هم هؤلاء؟! فالإشكال الذي أشكل به الإمام الرازي - وهو إشكاله بصعوبة التعرف على الأئمة المعصومين، واستحالة الوصول إليهم - هو إشكال يرد عليه، إذ كيف يتم التعرف على أهل الحل والعقد والوصول إليهم؟!

    . من الذي يقدمهم إلى الأمة بهذه الصفة؟! ونحن ليس لدينا في مجال التعيين إلا الإجماع أو الانتخاب والترشيح أو النص.

    فأما القول بضرورة الإجماع عليهم فنحن به محتاجون إذا إلى إجماعين: إجماع من الأمة يعرفنا بأهل الحل والعقد، وإجماع آخر يعرفنا بصواب ما يصدره أهل الحل والعقد من أحكام وأوامر ونواه، بحيث تلتزم الأمة بما يصدر عنهم. وبهذا تتضاعف المشكلة، لأن العبور من الإجماع الأول إلى الإجماع الثاني محال، لعدم إمكانية وقوع الإجماع الأول.

    فالجهد الذي قام به الإمام الرازي لإبعاد نفسه عن الاعتراف بالأئمة المعصومين على قول الشيعة - لا سيما بعد الاعتراف الموفق منه بعصمة أولي الأمر - فهو جهد مقدر ومشكور علميا، لكنه ناقص ولا يحل المشكلة، فقد كان عليه أن يبين لنا معيار وملاك الاتصاف بأهلية الحل والعقد، وكيفية تعريف الأمة بهم، وعلى رغم أن ذلك تترتب عليه مشكلاته، غير أنه يتيح فرصة أطول لمن أراد السفسطة.


    الصفحة 201
    وأما الترشيح.. فكيف لنا أن نطمئن لمن جاء بهم الترشيح، وأنهم ممن يملكون أهلية الحل والعقد دون منازع؟!

    إن الانتخاب أو الترشيح قد يأتيان بالجاهل أو الفاسق أو المنافق أو بكل من هو بعيد عن هذه المسؤولية. والتجارب في ذلك كثيرة.

    ثم كيف نتصور عصمة أهل الحل والعقد على رأي الإمام الرازي، لا سيما وأنها ناتجة عن عدم اجتماعهم على الخطأ؟! إن تحقق العصمة على هذا القول الذي ذهب إليه الرازي يواجه بمشكلتين أساسيتين:

    الأولى: لا تتحقق هذه العصمة إلا بتحقق الاجماع، وقد أثبتنا عدم إمكانية وقوعه.

    الثانية: أن الاجماع - من حيث هو - أمر اعتباري، إذ أنه لا يعدو أن يكون سوى الهيئة الاجتماعية الاعتبارية للمجتمعين، فلو نسبت العصمة إلى هذه الهيئة فهي - لاعتباريتها - ليس لها وجود متحقق، بل هي عدم محض. فكيف تتعلق العصمة بشئ عدمي، والعصمة هي في الواقع معلول للعلم اليقيني الذي هو حاصل للمعصوم؟!

    وأما إذا نسبت إلى الأفراد من أهل الحل والعقد.. فمن ينسبها إليهم فلا بد له من دليل على ذلك. ولو أنه تحصل عليه فسيتفق مع الشيعة في قولهم: إن أولي الأمر هو الأئمة المعصومون، أو يقول بقولهم من حيث لا يشعر بهذا الاتفاق.

    يقول الإمام الرازي: " إن الله تعالى أوجب طاعة أولي الأمر في هذه الآية قطعا، وإيجاب طاعتهم قطعا مشروط بكوننا عارفين بهم، قادرين على الوصول إليهم والاستفادة منهم. وإننا نعلم بالضرورة أننا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم... ".

    أجل، فلو عصم الله تعالى أولي الأمر وأوجب طاعتهم على الناس ثم ترك للبشر التعرف عليهم بوساطة أنفسهم فصحيح أننا عاجزون عن معرفتهم ولا يستقيم لنا ذلك، ولكن لا يقومه كلام الرازي بأن إيجاب طاعتهم مشروط بكون الناس عارفين بهم.

    لماذا؟!

    ذلك لأن أولي الأمر معصومون، كما ثبت، وأوجبت طاعتهم قطعا، كما هو واضح،

    الصفحة 202
    فلو ترك أمر تعيينهم والتعرف عليهم للناس فسيظل الناس عاجزين عن ذلك أبدا، ولا يمكنهم الوصول إليهم بأي حل من الأحوال، لما علم أن الناس ليس في مقدورهم معرفة المعصوم الواجب الطاعة من البشر.

    إذا، فعجزهم أبدي في هذا الأمر، وعلى هذا يكون الله تعالى قد عصم وأوجب قطعا طاعة من ليس له طاعة على الناس، لأن طاعته مشروطة بكون الناس عارفين، به وليس ذلك في وسعهم بتاتا. ولا يبقى بعد ذلك معنى لعصمتهم ولا لوجوب طاعتهم، ولا يبقى إلا العبث - تنزه الله عن ذلك وعلا علوا كبيرا -.

    وعلى هذا فالشرط الذي ذكره الرازي في إيجاب طاعة أولي الأمر بكون الناس عارفين بهم شرط لا معنى له، لأن الإمام الرازي يعلم جيدا أن الناس لا يمكنهم معرفة أولي الأمر ذوي العصمة، لو أسند أمر التعرف عليهم إلى هؤلاء الناس.. فيبقى عدم وجوب الطاعة أبديا ليس مؤقتا بشرط. ولكن ما أراد الله هذا. فهل أمر بطاعتهم لكي لا يطاعوا؟! أم أوجبها على الناس قطعا وإطلاقا لكي يقف عجز الناس عن معرفة المعصومين أمام قطعها وإطلاقها؟!!

    إن الله سبحانه وتعالى ما عصم أولي الأمر إلا ليحفظ بهم الوحي، وما أوجب طاعتهم إلا ليهتدي الناس بهم. ولا يتم ذلك إلا إذا كانوا معروفين ومعينين للناس، حتى يؤدى لهم واجب الطاعة. ولهذا كله فلا يعقل أن يسند الله تعالى أمر تعيينهم إلى الناس، أو يترك التعرف عليهم لجهد الناس العاجزين في الحقيقة عن معرفتهم.

    إن الإمام الرازي غفل عن أن الله تعالى هو المتكفل بتعيين أولي الأمر وتعريفهم إلى الناس، فلما رأى وجوب الطاعة القطعي المطلق، وعجز الناس الأكيد عن معرفة أولي الأمر.. اضطر إلى تقييد الاطلاق بشرط لا معنى له، فأبعد وابتعد.

    ثم عمد الرازي إلى إبطال قول من حمل معنى " أولي الأمر " في الآية على الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام. وأورد ثلاثة أدلة لإبطال هذا القول:

    والواقع أن المرء يقف مندهشا بين مقام الرازي العلمي وضعة قوله في إبطال قول من يفسر " أولي الأمر " بالأئمة المعصومين.


    الصفحة 203
    إن أصحاب هذا القول لا يعنون بالأئمة المعصومين إلا العلماء من عترة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته الكرام.

    فالرازي الذي على عصمة أولي الأمر.. يصرفها عن الأئمة من عترة النبي صلى الله عليه وآله، فلمن يعطيها يا ترى؟! لأهل الحل والعقد؟! ومن الذي يراه الرازي له أهلية الحل والعقد من الناس غير علي وفاطمة والحسن والحسين وأبنائهم على مر العصور؟!!

    إنهم إلى العصمة أقرب من غيرهم، وحمل معنى " أولي الأمر " عليهم أولى وأسلم من حمله على أناس لا يمكن التعرف عليهم ولا سبيل إلى الوصول إليهم.

    يقول الرازي: " وأما حمل الآية على الأئمة المعصومين - على ما تقول الروافض - ففي غاية البعد، لوجوه:

    أحدها: ما ذكرناه أن طاعتهم مشروطة [ أي مشروطة بكون الناس عارفين بهم ] ".

    وأنا لا أدري.. أيكون الإمام الرازي لا يعلم بالأئمة المعصومين الذين يعنيهم الشيعة، ويحملون عليهم معنى " أولي الأمر " في الآية؟! أم إنه يعلم بذلك ويعرف هؤلاء الأئمة، ولكنه لا يعرف لهم عصمة تجعلهم من أولي الأمر؟!

    على أن قوله بأن طاعتهم مشروطة بكون الناس عارفين بهم قول قد اندفع بأن الله تعالى هو المتكفل بتعيين أولي الأمر وتعريفهم للناس، منذ إعلانه وجوب طاعتهم، بل منذ بدء الرسالة. ولهذا لا يبقى لشرط الرازي معنى، ويبقى العموم والإطلاق. في الأمر يوجوب طاعتهم على ما عليه الأمر بوجوب طاعة النبي صلى الله عليه وآله من العموم والإطلاق.

    وأما كون الأئمة المعصومين هم العلماء من عترة النبي صلى الله عليه وآله فسيأتي إثباته في محله إن شاء الله.

    وأما دليل الثاني فيقول فيه: " إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر، و " أولي الأمر " جمع، وعندهم - أي عند الروافض، ويعني بهم الشيعة - لا يكون في الزمان إلا إمام واحد، وحمل الجمع على الفرد خلاف الظاهر ".

    وهذه من المسائل التي ارتعش فيها يراع الرازي، لأن ذكر " أولي الأمر " بلفظ الجمع في هذه الآية لا ينافي وجود إمام واحد في الفترة الزمانية الواحدة، ثم يليه الذي بعده

    الصفحة 204
    فيبقى في فترة زمانية واحدا، ثم يليه الذي بعده.. وهلم جرا إلى اثني عشر إماما. وإنما ورد ذكرهم بلفظ الجمع لاشتراكهم في حكم واحد، فجمعهم هذا الحكم لفظا لا زمانا، فإن كانوا مجتمعين فلهم هذا الحكم، وإن تفرقوا في الأزمان حسب التسلسل فلكل واحد منهم نفس هذا الحكم، وهو الأمر بوجوب طاعتهم.

    إذا، فلا تنافي بين الإمام الواحد في زمانه وبين ذكر " أولي الأمر " في الآية بلفظ الجمع.

    وأما حمل الجمع على الفرد الذي هو خلاف الظاهر، فهو أن يطلق لفظ الجمع ويراد به واحد بعينه من أفراده، دون قصد بيان حكم مشترك بين الأفراد. وهناك من النصوص ما يؤيد ذلك.

    فالأمر بطاعة الخلفاء واتباع سنتهم جاء على قرار الأمر بطاعة أولي الأمر في الآية، يقول: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء.. ". فالخلفاء جمع، فلا يجوز أن يقال هو خلاف الظاهر لحمله على الفرد، إذ أننا رأينا الخلفاء الأربعة قد جاء في كل زمان واحد منهم، فلم يتناف ذلك مع لفظ الجمع " الخلفاء "، ولم يقل أحد بلزوم مجيئهم جميعا في زمان واحد، فأولو الأمر من هذا القبيل.

    وأما قوله في دليله الثالث فهو: " لو كان المراد بأولي الأمر الإمام المعصوم، لوجب في قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) أن يقال: فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الإمام المعصوم "!

    فهذا شئ عجاب، إذ أن قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) لا يعارض كون أولي الأمر هم الأئمة المعصومين الذين يجب الرجوع إليهم عند النزاع والاختلاف بعد الرسول الأكرم.

    إن الله أمر برد النزاعات إلى نفسه وإلى الرسول، وهذا لا ينحصر في نزاع دون نزاع، بل يشمل كل النزاعات التي تحدث بينهم في حياة الرسول وبعد وفاته.

    إذا، فالنزاعات مستمرة بعد الرسول صلى الله عليه وآله، ولا بد من حلها طبقا للوحي وما يقول به الرسول صلى الله عليه وآله، فمن الذي سيتصدى لهذا الأمر من بعد النبي صلى الله عليه وآله؟!


    الصفحة 205
    ولو ترك الأمر لكل الناس في حل منازعاتهم فرجوعهم إلى الكتاب والسنة لا يكون غير رافع لنزاعاتهم فحسب، بل سيؤدي إلى شدة النزاع. وليس التقصير أو القصور في الكتاب والسنة، وإنما القصور في عقول الناس، وإدراكاتهم متباينة ومتفاوتة، والفرق التي نشاهدها - سواء في الماضي أو الحاضر - هي نتيجة لتلك الإدراكات المختلفة.. إذا، فالنزاع باق.

    والنزاع والاختلاف - كما نعلم - أمر ممنوع وغير مسموح به، وإن رفعه وتجنبه أمر واجب بنص القرآن، ولا يتم هذا إلا بالرجوع إلى أولي الأمر. وهذا مما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب إذا. وعدم ذكر الرجوع إليهم عند المنازعات في الآية لا يتعارض مع وجوب الرجوع إليهم.

    ولكن، ما هو السر في عدم ذكرهم في الآية الآمرة برد المنازعات إلى الله والرسول؟

    إننا نعلم أن موضوع الإمام المعصوم نفسه من المسائل التي حدث فيها النزاع، كما رأيت في سقيفة بني ساعدة.

    كما أننا لا نشك في أن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو إذا عالم بوقوع النزاع الذي حدث في أمر الإمام في سقيفة بني ساعدة قبل نزول هذه الآية، ولهذا لا يمكن أن يأمر برد النزاعات إلى الإمام المعصوم، وهو متنازع فيه مع أنه قد عين وحدد. ونحن نعلم أن النزاع بطبيعة الحال لا ينتج إلا عن العصبية والقبلية، واتباع الهوى، أو التأويل الخاطئ للنصوص. ولأن الله تعالى لطيف بعباده يهيئ لهم دائما سبل الثوبة والأوبة، فأمرهم - رحمة منه وتذكيرا لهم - برد النزاع في الإمام المعصوم مرة أخرى إلى الكتاب وما قاله الرسول في ذلك، عسى أن يتذكر الناس، أو يعلم الجاهل، أو ينتبه الغافل، أو تلين قناة المعاند اللاج، أو يطلع المتأول خطأ على الصواب.

    وما دام الله قد أمر برد النزاعات إلى الكتاب والسنة، فحل هذه النزاعات لا محالة موجود فيهما. وما دام قد وقع النزاع في الإمام المعصوم فبيانه موجود في الكتاب والسنة، وإلا يكون رد النزاع إليهما لا معنى له إن كانا لا يتضمنان الحل. ولما كان الكتاب والسنة فيهما الحل لما وقع من نزاع حول الإمام فمن المحال أن لا يكون النبي صلى الله عليه وآله قد

    الصفحة 206
    أعلمهم بذلك وبلغهم إياه، لأن التبليغ واجب عليه، بل التبليغ البين المزيل لكل إبهام وإيهام (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) (1).

    على أن الله تعالى يقول: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (2)، فالرد إلى أولي الأمر فيما يجهل الناس حلوله - سواء كان نزاعا أو حكما من الأحكام - أمر ثابت. ولكن لوقوع النزاع فيهم أنفسهم أجل الأمر بذلك إلى بعد الثوبة والأوبة، بالنظر في كتاب الله وسنة رسوله.

    وقد يشكل علينا بما قلنا بأن أخذ الناس مباشرة من الكتاب والسنة أمر لا يرتفع به النزاع ولا يزداد به الطين إلا بلة، فكيف يرجع الناس النزاع في أولي الأمر وهم غير معروفين لهم، والناس لا تدرك من القرآن والسنة إدراكا واحدا، فكيف تحل مسألة النزاع في أمر الإمام هذا؟

    ونجيب: إننا قد ذكرنا أن الإمام المتنازع في أمره قد عين من قبل النبي صلى الله عليه وآله إذا، فهو موجود بين المتنازعين، فواجب عليه - بحكم إمامته - أن يبين لهم الأمر إذا أراد الناس أن يعلموه وردوا نزاعهم إلى الكتاب والسنة. فالإمام في هذه الحال لا بد أن يقيم الحجة والدليل على إمامته وأحقيته في الأمر من الكتاب والسنة، إذ أنه بهما أعلم إذا، فهو - كفرد من أفراد الناس وطرف من أطراف النزاع - سيتكفل برفع النزاع حتى تثبت إمامته.. هذا إذا كان المتنازعون قد تأولوا خطأ، أو كانوا لا يعلمون.

    وأما إن كانت العصبية والقبلية والعناد واللجاج: (ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون) (3).

    ثم إن الإمام الرازي ركز على العجز عن معرفة الإمام، سواء في عصره خاصة، أو ما يليه من عصور.. فهل يعني هذا أن العجز عن معرفة الإمام المعصوم كان في عصر الإمام الرازي فقط، وأنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله لم يكن الناس عاجزين عن معرفة الإمام المعصوم

    ____________

    1 - النور: 54، العنكبوت: 18.

    2 - النساء: 83.

    3 - الجاثية: 27.

    الصفحة 207
    في ذلك الزمان؟

    فنقول: إن كان الناس في تلك العصور، من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، عاجزين عن معرفة الإمام المعصوم.. فلماذا يحصر الرازي الكلام في عجز الناس عن معرفة الإمام المعصوم بعصره فقط أو بما بعده من عصور؟! وإن لم يكونوا عاجزين فكيف تولى الأمر من هو غير معصوم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله؟!

    نظر ابن جرير الطبري

    أما الطبري فقد ذكر عند تفسيره هذه الآية: " والصواب من القول في ذلك أن يقال:

    هو أمر من الله [ تعالى ] بطاعة رسوله في حياته فيما أمر ونهى، وبعد وفاته في اتباع سنته، وذلك أن الله [ تعالى ] عم بالأمر بطاعته، ولم يخصص ذلك في حال دون حال، فهو على العموم.. واختلف أهل التأويل في أولي الأمر الذين أمر الله عباده بطاعتهم في هذه الآية، فقال بعضهم: [ هم ] - الأمراء أصحاب السرايا على عهد النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.

    - وقال بعضهم: هم أهل العلم والفقه.

    - هم أبو بكر وعمر.

    ثم قال: " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم، ومنها عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال: على المرء المسلم الطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فمن أمر بمعصية فلا طاعة.

    فإذا كان معلوما أنه لا طاعة واجبة على أحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل، وكان الله قد أمر بقوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) بطاعة ولي أمرنا.. كان معلوما أن الذين أمر الله بطاعتهم تعالى ذكره من ذوي أمرنا هم الأئمة ومن ولاهم المسلمون دون غيرهم من الناس.. وأنه لا طاعة تجب لأحد فيما أمر أو نهى - فيما لم تقم حجة وجوبه - إلا الأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم، فإن على

    الصفحة 208
    من أمروه بذلك طاعتهم، وكذلك في كل ما لم يكن لله معصية ". (1)

    إن من المسائل الهامة التي أثبتها وأقرها الإمام الرازي والطبري في تفسيريهما لهذه الآية هو أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على نحو من القطع والجزم. وفي الواقع لا أظن مسلما يقول بغير ذلك، إذ أن الآية صريحة في إيجاب طاعتهم، بل إن الرازي قد ذهب إلى عصمة أولي الأمر، وهو الحق بلا ريب، وأشار الطبري إليها بقوله: " وأنه لا طاعة لأحد فيما أمر أو نهى - فيما لم تقم حجة وجوبه - إلا الأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم ".

    فالذي وجبت طاعته في أمر لم يقم الدليل على وجوبه إذا أمر به لا بد أن يكون معصوما، لأن وجود الدليل يصون الإنسان عن الوقوع في الخطأ، ويهديه إلى الصواب، فإذا انعدمت العصمة والفرض عدم دليل على الوجوب، فكيف نعلم أن المأمور به صواب وأمر واجب. ولما كانت طاعة الأئمة، في الأمر الذي ليس له دليل يشير إلى وجوبه، واجبة على الناس علم أن أمرهم هذا حق وصواب ولا سبيل للخطأ إليه لعصمتهم، وإلا لما كانت طاعتهم واجبة، فالأمر بالباطل والخطأ أمر لا يصح ولا يجب، بل يحرم.

    إذا فطاعة الإمام في أمر لا دليل على وجوبه هو لعدم نفوذ الخطأ والباطل إلى أمره هذا، وذلك لعدم نفوذ الخطأ إلى نفس الإمام، بسبب عصمته التي هي أساس فرض طاعته ووجوبها على الناس بلا دليل أو برهان على وجوب أمره.

    ونفهم من هذا عدم جواز مسألة الإمام في أوامره ونواهيه، كما لا يجوز مسألة النبي صلى الله عليه وآله فيما يأمر به أو ينهى عنه، كل ذلك لعصمتها.. وبهذا يثبت الطبري أيضا عصمة أولي الأمر بقوله هذا.

    ثم رجح الطبري من بين آراء العلماء الرأي القائل بأن أولي الأمر هم الأمراء والولاة وأئمة المسلمين.

    وهذا صحيح لا قدح فيه، ولكنه أتبع ذلك بقوله: " ومن ولاهم المسلمون " ونفهم من ذلك أن الطبري يرى أن هؤلاء الولاة والأئمة يعينهم المسلمون، وهذا أمر لا يصح أبدا.

    ____________

    1 - تفسير جامع البيان لابن جرير الطبري 5: 94 - 95.

    الصفحة 209
    إننا نصرف النظر عن العصمة التي أشار إليها الطبري إشارة، ولم يصرح بها كما صرح الإمام الرازي، ولكن.. هل أثبت الطبري وجوب طاعة الأئمة هؤلاء فيما أمروا به أو نهوا عنه ولو لم تقم الحجة على وجوب أمرهم ونهيهم؟!!

    إذا، يكفي هذا في إبطال ما ذهب إليه من قدرة الناس من المسلمين على معرفة الولاة والأئمة وتعيينهم. والسبب واضح، فإننا ذكرنا أن البشر ليس في مقدورهم معرفة من وجبت طاعته في أوامره ونواهيه - سواء كان بدليل أو بدون دليل - على وجوب أمره.

    وإذا عجزوا عن معرفته فهم عاجزون عن تعيينه وتنصيبه، كما هو واضح، لأن معرفة من وجبت طاعته على الناس هو فرع معرفة الواجبات. ولو كان الناس يعرفون الواجبات لما خالفوا منها شيئا، ولبطل إرسال الرسل لبيان الواجبات للناس وصار إرسالهم تحصيلا للحاصل.

    فالناس لجهلهم بما هو واجب أرسل الله تعالى إليهم الرسل والأنبياء ليهديهم إلى تلك الواجبات ويعرفهم بها، إذ فيها صلاحهم ونفعهم. ولكي يتحقق هذا الهدف الذي أراده الله - وهو إصلاح الناس وهدايتهم - لا بد أن يضمن وصول أوامره ونواهيه الموصلة إلى تلك الغاية، فعصم الرسل ليسد باب التغيير والانحراف عن طريقهم، ثم أوجب طاعتهم. ولكن رأيناه أيضا أوجب طاعة أولي الأمر، فلو كانت الأخطاء تعتريهم فهل يصل إلى الناس ما أراده الله لهم من نفع وصلاح، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وهم المتصدون لهداية الناس وإرشادهم إلى الغاية والهدف الإلهي؟ أبدا، فوجوب طاعتهم - مع ارتكابهم الأخطاء - هو مدعاة للانحراف عن المسير الذي رسمه الله تعالى بوساطة رسله المعصومين، فهنا تكمن عصمة أولي الأمر، وهنا سر وجوب طاعتهم، وهنا عجز الناس عن معرفة أولي الأمر.. فالمعصوم الواجب الطاعة لا يعلمه إلا الله، وتعيينه إذا مسند إليه، إذ أنهم الطريق الذي يطويه الوحي المعصوم ليصل إلى الناس سالما من أي خطأ، فإنه يجب أن يصل إليهم كما هو بعيدا عن الخطأ والباطل، ولا يتم ذلك إلا بعصمة الأنبياء وولاة الأمر من بعدهم.

    وقد يحتج علينا بما قاله الطبري: " فإن على من أمروه بذلك طاعتهم، وكذلك في كل ما

    الصفحة 210
    لم يكن لله معصية "، أو بما قاله الرازي: " إن الأمة مجمعة على أن الأمراء والسلاطين إنما تجب طاعتهم فيما علم بالدليل أنه حق وصواب، وذلك الدليل ليس إلا الكتاب والسنة ".

    لقد أورد الإمام الرازي هذا الكلام لإبطال القول بأن أولي الأمر هم الأمراء والولاة كما يقول الطبري. والرازي يرد هذا الكلام لأنه يجري وراء العصمة ويسعى لأن يجد من تتوفر فيه، فانتهى إلى أهل الحل والعقد لعدم اجتماعهم على الخطأ، ولكن قد رأيت ما يكتنف هذا القول من إشكالات... فراجع.

    أما الطبري فيشترط وجوب طاعة أولي الأمر بأن لا يكون ما أمروا به فيه معصية لله تعالى، وعندها يرتفع وجوب الطاعة على الناس.

    إن معرفة كون أمرهم معصية أو غير معصية يحتاج إلى دليل وبرهان وحجة، وهذا يتناقض مع قوله: " إنه لا طاعة لأحد فيما أمر ونهى - فيما لم يقم حجة وجوبه - إلا الأئمة "، فهو في هذا الكلام يؤكد أن طاعتهم في الأمر والنهي، سواء توفر الدليل على وجوبه أو لم يتوفر، واجبة قطعا.. فكيف يأتي مرة أخرى ويشترط طاعتهم فيما لم يكن لله معصية؟! فمعرفة أن ذلك معصية أو غير معصية - أي معرفة أن طاعتهم واجبة أو غير واجبة لأنها معصية - تحتاج إلى حجة تبين الوجوب في الأمر أو النهي... فأين كلامه هذا من كلامه الأول؟! على أن كلامه الأول هو الأصح، لأن طاعة أولي الأمر جاءت مساوقة لطاعة النبي صلى الله عليه وآله في العموم والإطلاق والوجوب والعصمة، فلا تقيد بشرط ولا يطالبون بالدليل فيما يأمرون به.

    والحديث الذي ذكره يختص بولاة الجور الذين يغصبون الحكم بالقوة، ويتسلطون على الناس بالظلم، ولا يرتبط بأولي الأمر الذين جاء الأمر بطاعتهم في الآية القرآنية، فهم معصومون ووجوب طاعتهم عام مطلق غير مشروط. والرازي يؤيد ذلك بقوله: " ذلك لأن الله تعالى أمر بطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر في لفظة واحدة، وهو قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) واللفظة الواحدة لا يجوز أن تكون مطلقة ومشروطة معا، فلما كانت هذه اللفظة مطلقة في حق الرسول وجب أن تكون مطلقة في حق أولي الأمر أيضا ".