مقدمة الناشر

كتب لأنبياء الله ورسله أن يعانوا الكثير وأن يتألموا أكثر ممن حملوا رسالاتهم إليهم.. ومنهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء عليهم السلام ورسول الإسلام إلى أهل الأرض قاطبة.

صبر الأنبياء عليهم السلام وارتفعوا فوق آلامهم وجراحاتهم من أجل الرسالات السماوية التي حملوها إلى الأمم بعزيمة إلهية تحقيقا لهدف إلهي رفيع وإرشادا وهداية لشعوبهم إلى طريق الخير والرشاد والإيمان الصحيح.

لا يحتاج الأنبياء والرسل إلى من يدافع عنهم لشخصهم.. وقد أصبحوا جميعا في رحاب الله عز وجل ينعمون بما يستحقوه بين يدي الله سبحانه وتعالى بعد أن أدوا رسالاتهم على الوجه الأكمل.

ليس دفاع المؤلف بهذا الكتاب عن رسول الله ونبي الإسلام من أجل تلميع صورته لدى المؤمنين وسواهم بقدر ما هو تصحيح لما درج عليه القول عن الرسول وما آلت إليه الحال من بعده - وهذا هو رأي المؤلف - وبقدر ما هو دفاع عن الرسالة الإسلامية السمحة وإظهار حقيقتها الساطعة للسير على هديها في الطريق القويم والفهم الصحيح.

اجتهد المؤلف وسبر أغوار الموضوع بجدية واضحة مستعينا بمراجع واجتهادات موثقة ولكل مجتهد نصيب تحقيقا لهدف وإثراء للثقافة الإسلامية والمكتبة العربية. إنه موضوع مفتوح للنقاش والرد الجاد والرصين

الصفحة 6
وباب مفتوح على مصراعيه لأهل العلم والمعرفة لمن أراد أن يدلي بدلوه تحقيقا للمزيد من العلم والثقافة والعمل الخير المفيد. (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم.

د. جعفر دياب


الصفحة 7

تقديم

- هناك أمة قتلت رسل الله..

- وهناك أمة ألهت رسل الله..

- وهناك أمة شوهت رسل الله..

- الأولى هي أمة اليهود..

- والثانية هي أمة النصارى..

- والثالثة هي أمة المسلمين..

أما كيف شوه المسلمون رسل الله فذلك ما يجيب عنه هذا الكتاب من خلال النصوص المعتمدة والثابتة التي يعتنقها القوم ويتعبدون بها حتى اليوم.. وهذه النصوص بالطبع خارج دائرة القرآن. فالقرآن لم ينص على شئ يمس الرسل ويقلل من شانهم ويحط من قدرهم ويشوه صورتهم. إنما تتركز هذه النصوص في دائرة كتب السنن وشروحاتها..

أي تتركز في نصوص منصوبة للرسول (ص)..

ونصوص منصوبة للصحابة..

وشروح للفقهاء تدور حول هذه النصوص..

وما يجب ذكره هنا هو أن أمة المسلمين لم تنفرد وحدها بأمر تشويه الرسل ورسولها خاصة وإنما سبقتها إلى هذا الأمر أمة اليهود والنصارى وقد أشار القرآن إلى هذا واشتراك المسلمين مع اليهود والنصارى في هذا الأمر إنما هو تأكيد لنبوءة الرسول (ص) التي تنص على أن أمته سوف تسلك سبل الأمم السابقة لها وتقع فيما وقعت فيه..

وأخطر ما وقعت فيه الأمم السابقة هو عبادة الرجال. وهو ما نص عليه قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله..) [ التوبة ].


الصفحة 8
وقد وقعت أمة محمد (ص) في هذا الأمر حين حكمت الروايات وأقوال الرجال في كتاب الله..

وحين رفعت الرجال فوق النصوص..

وحين تعبدت بروايات تهين الرسول وغيره من الرسل وقبلت تبريرات وتأويلات الفقهاء حول هذه الروايات..

أما ما يتعلق بتحكيم الروايات وأقوال الرجال في كتاب الله فليس موضوعه هنا. وقد تكون هناك إشارات حوله في دائرة البحث..

وكذلك ما يتعلق برفع الرجال فوق النصوص فقد القينا الضوء على هذه القضية في عدة بحوث صدرت لنا..

وبقي الجانب الخاص بشخص الرسول (ص) والرؤية التي يجب أن نتبناها تجاهه وهي رؤية تعتمد في الأساس على القرآن والعقل..

من هنا فقد طرحنا هذا البحث عدة قضايا ثابتة في كتب السنن حول شخص الرسول وهي محل تسليم القوم سلفا وخلفا. إلا أنه بضبطها بالقرآن وإخضاعها للعقل يتبين لنا أنها من صنع الرجال..

القضية الأولى هي: علاقة الرسول بعائشة الطفلة وعشقه لها وهيامه بها..

والثانية: إخراج الرسول من دائرة التبليغ والتبيين إلى دائرة التشريع.

والثالثة: وصف الرسول بالجهل والخوف والاهمال.

والرابعة: فضح الرسول جنسيا وهتك ستره..

والخامسة: تنازل الرسول لعمر عن أهم خصائصه..

والسادسة: الرسول يبشر بالظلم..

والسابعة: إهانة الأنبياء وتسفيههم..

ومثل هذه القضايا وغيرها التي يحتويها هذا الكتاب ليس هناك من هدف لطرحها سوى تنبيه المسلمين إلى ما هم فيه من انحراف وضلال باعتقادهم مثل هذه الأمور في حق نبيهم وغيره من الأنبياء..


الصفحة 9
الهدف هو تأكيد حقيقة ثابتة طمرتها الروايات وأقوال الرجال وهي أن كتاب الله هو العقيدة الحقة والبرهان المبين الذي يبطل حجج الروايات وأقوال الرجال أجمعين..

الهدف هو تحرير المسلمين من قواعد وعقائد هي بمثابة أغلال تكبل العقل وتحول دون فهم كتاب الله وجعله حكما في أمور الدين..

إن مثل هذه الأمور الشائنة والقبحة في حق نبينا وغيره من الرسل والتي تكتظ بها كتب السنن وشروحاتها إنما هي نقطة سوداء في جبين الإسلام تفتح الباب واسعا لخصومه والمتربصين به للتشكيك فيه وضربه..

إن هدم شخص الرسول وتشويهه يعني هدم الدين وتشويهه..

وأوقن وأنا أخط سطور هذا الكتاب أن المسلمين لن يقبلوا بحال تلك الصورة المزرية القبيحة التي تصورها كتب السنن عن الرسول والأنبياء..

موقن برفضهم هذه الصورة وثورتهم عليها..

وموقن أيضا برفض هذه الثورة ومحاولة تأكيد هذه الصورة وتبريرها من قبل كهان الدين وفقهاء السلاطين والثورة على هذا الكتاب..

وعندما تتفجر ثورة المسلمين..

وعندما تتفجر ثورة الكهان..

يكون هذا الكتاب قد حقق الهدف من صدوره..

والحمد لله أولا وأخيرا..

صالح الورداني     
القاهرة         
ص. ب 163 / 11794
رمسيس         


الصفحة 10

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى:

(وإنك لعلى خلق عظيم)

صدق الله العظيم


الصفحة 11

الرواية
بين الشك واليقين


الصفحة 12

الصفحة 13
يستند الفقهاء والمحدثون في موقفهم من الروايات المنسوبة للرسول على أساس قاعدة نقد السند لا نقد المتن فهم في مواجهة هذا الكم من الروايات التي تهين الرسل والرسول خاصة وتشكك في الدعوة التي بعث بها لا يعملون عقولهم في نصها ومحتواها وأبعادها. فقط ما يعنيهم من أمرها هو بحث كونها صحيحة أم ضعيفة أم موضوعة من حيث سلسلة الرواة الذين يروونها فإذا سلم هؤلاء الرواة من التجريح. سلمت الرواية مهما يكن محتواها ونصها..

وعلى هذا الأساس تم تمرير الكثير من النصوص المنسوبة للرسول (ص) تحت دعوى صحتها وسلامتها من ناحية السند..

وعاشت الأمة على هذا الوهم الذي باركه الفقهاء والمحدثون طوال تلك القرون منذ تدوين الأحاديث وجمعها وحتى اليوم..

إلا أنه بقليل من البحث والتأمل سوف يتبين لنا بطلان هذه القاعدة ودخولها من دائرة الشك. ذلك لكون الفقهاء الذين ابتدعوها هم أيضا الذين ابتدعوا ضوابطها ومتعلقاتها..

إن تركيز الفقهاء على أمر السند والحيلولة دون الخوض في أمر المتن وإعمال العقل فيه قد دفع بالمسلمين إلى تركيز جهودهم وطاقاتهم نحو سلسلة الرواة وما يتعلق بها من تعديل وتجريح..

من هنا فقد اكتظت ساحة الفكر الإسلامي بأمهات الكتب التراثية والمعاصرة التي تتحدث عن التعديل والتجريح وما أسموه بعلم الرجال..

ولقد أكدت هذه الكتب أن قاعدة بحث السند التي اعتمد عليها الفقهاء لا تخرج عن كونها صورة من صور عبادة الرجال التي وقعت فيها الأمم السابقة..

وعلى هذا الأساس كثر الخلاف بين فقهاء علم الرجال حول تعديل وتجريح الرواة. ففي الوقت الذي يقول فيه واحد بتجريح فلان يأتي آخر فيوثقه..


الصفحة 14
وفي الوقت الذي يتفق فيه عدد منهم على تعديل راوي يأتي آخر ويجرحه طاعنا في هذا التعديل..

ولا يوجد عند فقهاء الجرح والتعديل إجماع محدد على توثيق رواة بعينهم اللهم إلا رواة البخاري ومسلم وهؤلاء أيضا قد قيل فيهم الكثير..

وقد وضع ابن حجر العسقلاني شارح البخاري مقدمة طويلة تحت اسم (هدى الساري) دافع فيها عن الطعون التي وجهت للبخاري من قبل فقهاء الحديث ومنهم أساتذة البخاري نفسه..

وقال القاسمي: وقد تجافى أرباب الصحاح الرواية عن أهل الرأي فلا تكاد تجد اسما لهم في سند من كتب الصحاح أو المسانيد أو السنن كالإمام أبي يوسف والإمام محمد بن الحسن فقد لينهما أهل الحديث (1)..

ويكاد يجمع فقهاء الحديث على أن التعديل يقبل من غير ذكر سببه. أما التجريح فيجب أن يتذكر سببه.

نقل ابن الصلاح في مقدمته: ذكر الخطيب الحافظ في (الكفاية) أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل البخاري ومسلم. ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح فيهم. كعكرمة مولى ابن عباس وكإسماعيل بن أويس وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم. واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم. وهكذا فعل أبو داود السجستاني. وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلى إذا فسر سببه.. وقيل إن ذلك هو الصحيح المشهور (2)..

وبه أخذ النووي في (التقريب) وقال هو الصحيح (3)..

____________

(1) أنظر الجرح والتعديل لجمال الدين القاسمي..

(2) أنظر مقدمة ابن الصلاح والنظر الجرح والتعديل. وانظر الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي..

(3) أنظر السيوطي في شرحه التدريب وانظر المراجع السابقة.. وانظر شرح مسلم للنووي المقدمة..


الصفحة 15
ويروى أن أكثر الحفاظ على قبول التعديل بلا سبب وعدم قبول الجرح إلا بذكر السبب (1)..

وقال القاري: التجريح لا يقبل ما لم يبين وجهه. بخلاف التعديل فإنه يكتفي فيه أن يقول: عدل أو ثقة مثلا (2)..

وقال ابن الصلاح: أنه يثبت - أي التعديل والجرح - في الرواية بواحد لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر. فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادة (3)..

ويجمع الفقهاء على أن تقبل تزكية كل عدل وجرحه ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو عبدا. وخالف بعضهم في عدم قبول النساء في التعديل لا في الرواية ولا في الشهادة (4)..

وإذا تعارض الجرح والتعديل في راو واحد فجرحه بعضهم وعدله بعضهم ففيه ثلاثة أقوال:

الأول: أن الجرح مقدم مطلقا ولو كان المعدلون أكثر..

الثاني: إن كان عدد المعدلين أكثر قدم التعديل..

الثالث: أنه يتعارض الجرح والتعديل فلا يترجح أحدهما إلا بمرجح (5)..

ويقول الصنعاني: قد يختلف كلام إمامين من أئمة الحديث في الراوي الواحد. فيضعف هذا حديثا وهذا يصححه. ويرمي هذا رجلا من الرواة بالجرح وآخر يعدله وذلك مما يشعر بأن التصحيح ونحوه من مسائل الاجتهاد التي اختلفت فيها الآراء. فقد قال مالك في ابن إسحاق: إنه دجال من الدجاجلة. وقال فيه شعبة: إنه أمير المؤمنين في الحديث. وشعبة إمام لا كلام في ذلك. وإمامة مالك

____________

(1) أنظر إمعان النظر شرح نخبة الفكر لأكرم عبد الرحمن السندي.

(2) المرجع السابق بشرح علي القاري..

(3) أنظر مقدمة ابن الصلاح..

(4) أنظر الرفع والتكميل والسيوطي وابن الصلاح ومقدمة مسلم.

(5) الرفع والتكميل وانظر مقدمة ابن الصلاح والمراجع السابقة.


الصفحة 16
في الدين معلومة لا تحتاج إلى برهان. فهذان إمامان كبيران اختلفا في رجل واحد من رواة الأحاديث (1)..

وينبني على خلاف الأئمة خلاف الأتباع كما أشار الصنعاني فرفض أتباع مالك قبول رواية ابن إسحاق. ويأخذ أصحاب شعبة بروايته..

ويحدد الفقهاء ألفاظ الجرح والتعديل فيما يلي:

1 - في الرواة المقبولين:

ثبت حجت وثبت حافظ وثقة متقن. وثقة ثقة..

ثم ثقة..

ثم صدوق. ولا بأس به. وليس به بأس..

ثم محله الصدق وجيد الحديث وصالح الحديث وشيخ وسط.. وشيخ حسن الحديث. وصدوق إن شاء الله وصويلح ونحو ذلك.

2 - في الرواة المجروحين:

دجال. كذاب. وضاع. يضع الحديث..

ثم متهم بالكذب. ومتفق على تركه..

ثم متروك. وليس بثقة. وسكتوا عنه. وذاهب الحديث. وفيه نظر.

وهالك. وساقط..

ثم واه بمرة. وليس بشئ. وضعيف جدا. وضعفوه. وضعيف وواه.. ثم يضعف. وفيه ضعف. وقد ضعف. ليس بالقوي. ليس بحجة. ليس بذلك.

يعرف وينكر. فيه مقال. تكلم فيه. لين. سئ الحفظ. لا يحتج به. اختلف فيه.

صدوق لكنه مبتدع ونحو ذلك من العبارات التي تدل بوضعها على اطراح الراوي بالأصالة أو على ضعفه. أو على التوقف فيه. أو على عدم جواز أن يحتج به (2)..

____________

(1) إرشاد النقاط إلى تيسر الاجتهاد..

(2) أنظر ميزان الاعتدال للذهبي. وانظر شرح الألفية للعراقي. ومقدمة ابن الصلاح. والجرح والتعديل والرفع والتكميل وغيرها من كتب الرجال..


الصفحة 17
وإذا قال أهل الحديث: هذا حديث صحيح أو حسن فمرادهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد. لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة.. وكذا قولهم: هذا حديث ضعيف فمرادهم أنه لم تظهر لنا فيه شروط الصحة. لا أنه كذب في نفس الأمر لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ (1)..

ويقول المحدثون أنه لا يلزم من عدم ثبوت صحة الحديث وجود الوضع ولا يلزم من عدم صحته وضعه (2)..

وقول آخر: بين قولنا موضوع وبين قولنا لا يصح بون كثير. فإن الأول إثبات الكذب والاختلاق. والثاني إخبار عن عدم الثبوت (3)..

وقال ابن حجر: لا يلزم من كون الحديث لم يصح أن يكون موضوعا (4)..

ويفرق فقهاء الحديث بين الحديث المنكر. وبين الراوي المنكر.. فإن قيل هذا حديث منكر لا يقصد به أن راويه غير ثقة..

وإن قيل فلان روى المناكير أو حديثه هذا منكر ونحو ذلك: لا يقصد أنه ضعيف (5)..

قال الحاكم: قلت للدارقطني: فسليمان ابن بنت شرحبيل؟ قال: ثقة.

قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: يحدث بها عن قوم ضعفاء أما هو فثقة (6)..

وقال الذهبي في ترجمة عبد الله بن معاوية الزبيري: قولهم منكر الحديث لا

____________

(1) الرفع والتكميل. وانظر المراجع السابقة..

(2) الرفع والتكميل وانظر المراجع الأخرى..

(3) الزركشي. النكت على مقدمة ابن الصلاح..

(4) القول المسدد في الذب عن مسند أحمد.

(5) الرفع والتكميل.

(6) فتح المغيث للسخاوي..


الصفحة 18
يعنون به أن كل ما رواه منكر بل إذا روى الرجل جملة وبعض ذلك مناكير فهو منكر الحديث..

وقال: ما كل من روى المناكير يضعف (1)..

وقال ابن حجر في ترجمة ثابت بن عجلان الأنصاري. قال العقيلي: لا يتابع على حديثه. وتعقب ذلك أبو الحسن بن القطان بأن ذلك لا يضره إلا إذا كثرت منه رواية المناكير ومخالفة الثقات (2)..

وقال السيوطي عن الذهبي: أنكر ما للوليد بن مسلم من الأحاديث حديث حفظ القرآن وهو عند الترمذي وحسنه. وصححه الحاكم على شرط الشيخين (3)..

وعن أحوال الرواة نذكر ما يلي:

في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري قال ابن حجر: ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله (ليس بشئ) يعني أن أحاديثه قليلة.. وقد وثق ابن معين عبد العزيز هذا في رواية. وفي رواية أخرى قال فيه: ليس بشئ..

وقال ابن حجر: احتج به الجماعة (4)..

وفي ترجمة محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي يقول ابن حجر: قال معاوية بن صالح: قال لي أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب. وقال لي يحيى بن معين: ضعيف. وقال مرة: ليس بشئ. وقال مرة: كان يقلب الحديث عن يونس يغيره عن معمر. ليس بثقة (5)..

وجاء في ترجمة داود بن الزبرقان الرقاش البصري. قال ابن معين: ليس

____________

(1) ميزان الاعتدال..

(2) مقدمة فتح الباري شرح البخاري..

(3) تدريب الراوي شرح تقريب النواوي.

(4) مقدمة فتح الباري..

(5) تهذيب التهذيب ح‍ 9 / 364..


الصفحة 19
بشئ. وقال ابن المديني: كتبت عنه شيئا يسيرا ورميت به. وضعفه جدا. وقال الجوزجاني: كذاب. وقال يعقوب بن شيبة وأبو زرعة: متروك. وقال أبو داود:

ضعيف. وقال مرة: ليس بشئ. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان:

اختلف فيه الشيخان. أما أحمد فحسن القول فيه ويحيى بن معين وهاه (1)..

وفي ترجمة محمد بن ميسر الصنعاني البلخي الضرير يقول ابن حجر: قال يحيى بن معين: كان جهميا شيطانا ليس بشئ. وقال النسائي: متروك (2)..

وينقل ابن الصلاح: قيل ليحيى بن معين: إنك تقول (فلان ليس به بأس) و (فلان ضعيف) قال: إذا قلت لك ليس به بأس. فثقة. وإذا قلت لك ضعيف فهو ليس بثقة ولا تكتب حديثه (3)..

وفي مقدمة فتح الباري ذكر ابن حجر عن يونس البصري قال ابن الجنيد عن ابن معين: ليس به بأس. وهذا توثيق من ابن معين..

وقال ابن عدي: إذا لم يعرف ابن معين الرجل فهو مجهول ولا يعتمد على معرفة غيره (4)..

وقال الذهبي في ترجمة أبان بن حاتم الأملوكي: اعلم أن كل من أقول فيه (مجهول) ولا أسنده إلى قائله فإن ذلك هو قول أبي حاتم. فإن عزوته إلى قائله كابن المديني وابن معين فذلك بين ظاهر. وإن قلت: فيه جهالة أو نكرة أو يجهل أو لا يعرف وأمثال ذلك ولم أعزه إلى قائل فهو من قبلي. وكما إذا قلت: ثقة أو صدوق أو صالح أو لين أو نحوه ولم أضفه إلى قائل فهو من قولي واجتهادي (5)..

____________

(1) المرجع السابق ح‍ 3 / 305..

(2) لسان الميزان ح‍ 3 / 142..

(3) مقدمة ابن الصلاح. وانظر لسان الميزان ح‍ 1 / 13..

(4) تهذيب التهذيب ح‍ 6 / 218..

(5) ميزان الاعتدال ح‍ 1 / 5..


الصفحة 20
ويقصد أكثر المحدثين بكلمة مجهول في حق الراوي أي جهالة العين بالا يروي عنه إلا واحد. أما أبو حاتم فيريد به جهالة الوصف (1)..

ويعد فقهاء الحديث سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ولم يأت بمتن منكر يعد توثيقا له (2)..

وفي ترجمة حفص بن بغيل قال ابن القطان: لا يعرف له الحال ولا يعرف.

وقال الذهبي: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا. فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته. وهذا شئ كثير ففي (الصحيحين) من هذا النمط خلق كثير مستورون ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل (3)..

ويرجح الفقهاء العمل بالرأي القائل بقبول رواية المستور لأنه قد تعذرت الخبرة في كثير من رجال القرن الأول والثاني والثالث ولم يعلم عنهم مفسق. ولا تعرف في رواياتهم نكارة. فلو ردت أحاديثهم أبطلت سننا كثيرة وقد أخذت الأمة بأحاديثهم (4)..

ويقول الذهبي في ميزانه في ترجمة مالك بن الخير الزبادي المصري.

قال فيه ابن القطان: هو ممن لم تثبت عدالته. يريد أن ما نص أحد على أنه ثقة. وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم.

والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح (5)..

ويذكر في كثير من كتب الرجال في حق كثير من الرواة (تركه يحيى القطان) وهذا يعني إخراج الراوي من حيز الاحتجاج بروايته.

____________

(1) الرفع والتكميل.. ويرى الفقهاء أن الجهالة ترتفع عن الراوي إذا ما روى عنه اثنان..

(2) المرجع السابق وانظر الجرح والتعديل لأبي حاتم الرازي.

(3) ميزان الاعتدال ح‍ 1 / 556..

(4) أنظر المرجع السابق ومقدمة ابن الصلاح..

(5) ح‍ 3 / 426.


الصفحة 21
وقال الترمذي: ذكر عن يحيى بن سعيد القطان أنه كان إذا رأى الرجل يحدث عن حفظه مرة هكذا ومرة هكذا ولا يثبت على رواية واحدة تركه (1)..

وقال ابن معين في ترجمة بكر بن خنيس الكوفي العابد: ليس بشئ.

وقال مرة: ضعيف. وقال مرة: شيخ صالح لا بأس به (2)..

وقال ابن حجر في ترجمة هدبة بن خالد القيسي الذي لقيه الشيخان وأبو داود ورووا عنه: قواه النسائي مرة. وضعفه أخرى..

قال ابن حجر: لعله ضعفه في شئ خاص (3)..

وفي ترجمة عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة المعروف بابن الغسيل. بعد حكاية توثيقه عن ابن معين وغيره. قال ابن حجر: تضعيفهم له بالنسبة إلى غيره ممن هو أثبت منه من أقرانه وقد احتج به الجماعة سوى النسائي (4)..

وفي ترجمة محارب بن دثار وترجمة نافع بن عمر الجمحي يقول ابن حجر: إن تضعيف ابن سعد فيه نظر لأنه يقلد الواقدي ويعتمد عليه. والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق فاعلم ذلك (5)..

وقد جعل ابن حجر في شرحه للبخاري بابا تحت عنوان: أسماء من طعن فيهم من رجال البخاري وأورد فيه عدد (417) طعنا سوف نورد هنا نماذج منها:

في ترجمة الجعد بن عبد الرحمن المدني يقول: احتج به الخمسة وشذ الأزدي فقال: فيه نظر وتبع في ذلك السباجي لأنه ذكره في الضعفاء وقال: لم يرو عنه مالك. وهذا تضعيف مردود..

____________

(1) شرح سنن الترمذي المسمى تحفة الأحوزي ح‍ 4 / 390.

(2) ميزان الاعتدال ح‍ 1 / 344..

(3) مقدمة فتح الباري ح‍ 2 / 168..

(4) المرجع السابق ح‍ 2 / 141..

(5) المرجع السابق ح‍ 2 / 164 وما بعدها..


الصفحة 22
وفي ترجمة سعيد بن سليمان الواسطي يقول: قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان صاحب تصحيف ما شئت. وقال الدارقطني: يتكلمون فيه. قلت: هذا تليين منهم لا يقبل..

وفي ترجمة عبد الأعلى بن عبد الأعلى يقول: وثقة ابن معين وغيره.

وقال أحمد: كان يرمى بالقدر. وقال محمد بن سعد: لم يكن بالقوي.

قلت هذا جرح مردود وغير مبين ولعله بسبب القدر..

وفي ترجمة عبد الملك بن الصباح المسمعي وذكره الذهبي ونقل عن الخليلي أنه قال فيه: كان متهما بسرقة الحديث. قال ابن حجر: وهذا جرح مبهم..

وفي ترجمة عمر بن نافع مولى بن عمر قال ابن سعد: كان ثبتا قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه. قلت: وهو كلام متهافت كيف لا يحتجون به وهو ثبت..

وفي ترجمة عمرو بن سليم الزرقي قال ابن خراش: ثقة في حديثه اختلاط.

قلت: ابن خراش مذكور بالرفض والبدعة فلا يلتفت إليه..

وفي ترجمة أبي سلمة موسى بن إسماعيل المنقري. قال ابن خراش فيه:

صدوق وتكلم الناس فيه. قلت: نعم تكلموا فيه بأنه ثقة يا رافضي..

وابن خراش هذا الذي يذمه ابن حجر ويتهمه بالرفض قال فيه الذهبي:

حافظ بارع ناقد جوال (ت 283 هـ). ذكر بشئ من التشيع..

ويروى أنه خرج مثالب الشيخين - أبو بكر وعمر - وكان ينكر حديث " إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " الذي احتج به أبو بكر على فاطمة حين طالبته بميراث أبيها بعد وفاته (ص). وكان يطعن في سلسلته. وقيل له من تتهم به؟ قال: مالك بن أوس.

قال ابن حجر: وهو - أي مالك - أحد التابعين الأجلة وقيل إن له صحبة والحديث صحيح متفق عليه ومروي عن أكثر من عشرة من الصحابة..


الصفحة 23
وفي ترجمة بهز بن أسد العمي البصري. قال ابن حجر وثقة ابن معين والقطان وأبو حاتم وابن سعد والعجلي. وقال أحمد: إليه المنتهى في التثبت.

وشذ الأزدي فذكره في الضعفاء. وقال: إنه كان يتحامل على علي. قلت: اعتمده الأئمة ولا يعتمد على الأزدي (1)..

وقال الذهبي في ميزانه في ترجمة سفيان بن عيينة: يحيى بن سعيد القطان متعنت في الرجال..

وقال أيضا في ترجمة سيف بن سليمان المكي: حدث - مع تعنته - عن سيف..

وقال الذهبي: وأما ابن حبان فإنه تقعقع كعادته وقال فيه: يروي عن الضعفاء أشياء كثيرة ويدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المستمع لا يشك في وضعها (2)..

وقال ابن حجر: ابن حبان ربما جرح الثقة حتى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه (3)..

وقال الذهبي في ترجمة الفقيه أبي ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي أحد الأعلام: وثقة النسائي والناس. أما أبو حاتم فتعنت وقال: يتكلم بالرأي فيخطئ ويصيب ليس محله محل المستعين في الحديث. فهذا غلوا من ابن حاتم (4)..

وقد قسم الذهبي من تكلم في الرجال إلى ثلاثة أقسام:

الأول: من تكلموا في سائر الرواة كابن معين وأبي حاتم..

الثاني: من تكلموا في كثير من الرواة كما لك وشعبة..

الثالث: من تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي..

____________

(1) أنظر نماذج أخرى من هؤلاء الرجال في هدى الساري مقدمة فتح الباري..

(2) ميزان الاعتدال ح‍ 2 / 185..

(3) القول المسدد في الذب عن مسند أحمد بن حنبل..

(4) ميزان الاعتدال ح‍ 1 / 29.


الصفحة 24
والكل على ثلاثة أقسام:

قسم متعنت في الجرح متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطين والثلاث.

وقسم متسمح كالترمذي والحاكم..

وقسم معتدل كأحمد والدارقطني وابن عدي (1)..

وقد وقع الذهبي في كثير من المتوصفة وجرحهم (2)..

ووقع الجوزجاني في الحوفيين (3)..

ووقع ابن حجر في الشيعة (4)..

ووقع جميع الفقهاء في المخالفين من المعتزلة والجهمية والقدرية ورفضوا رواياتهم.. كما هو واضح مما سبق..

ويبقى لنا بعد هذا السرد عن حال السند والرواة أن نذكر أن الفقهاء والمحدثين أجمعوا على جواز إخضاع سند الحديث لقواعد الجرح والتعديل وتتبع سلسلة الرواة ونقدها إن كان حالها يوجب النقد والتوقف عند الصحابي..

وابتدعوا لذلك قاعدة تقول: من ثبتت صحبته ثبتت عدالته..

فالصحابة في نظر الفقهاء والمحدثين جميعهم عدول لا يخضعون للنقد والتجريح وإنما الذي يخضع لهذا التابعين وتابعيهم ومن بعدهم من الرواة (5)..

وهم يعرفون الصحابي بأنه كل من شاهد رسول الله أو سلم عليه أو ولد في حياته أو عاصره ولو ساعة ويدخل في ذلك التعريف الجن أيضا (6)..

من هنا فعندما يذكر فقهاء علم الرجال كلمة (له صحبة) وهم يناقشون حال الرواة فإنما يقصدون من ذلك الكف عن الخوض فيه. ونقد من بعده من الرواة..

____________

(1) فتح المغيث للسخاوي وانظر الرفع والتكميل..

(2) أنظر ميزان الاعتدال..

(3) أنظر تهذيب التهذيب..

(4) أنظر مقدمة فتح الباري..

(5) أنظر كتب الجرح والتعديل..

(6) أنظر مقدمة الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني.


الصفحة 25
ومن هنا أيضا أصبح لكل هؤلاء الذين يدخلون في تعريف الصحبة حق الرواية عن الرسول (ص) في مشروعية تامة..

وهذا الأمر يدفعنا إلى إلقاء الضوء على قضية هامة تتعلق بأمر الأحاديث والرواية عن رسول الله (ص)..

إن الحقيقة الأولى التي يجب تأكيدها في هذا المضمار هي أن الصحابة انقسموا بعد وفاة الرسول (ص) إلى قسمين:

قسم ارتد إلى نهجه القبلي..

وقسم ثبت على نهج الرسول..

القسم الأول هو الذي تحالف مع أبي بكر وعمر وعثمان ثم معاوية من بعدهم.

والقسم الثاني هو الذي تحالف مع الإمام علي وآل البيت..

القسم الأول هو الكثرة..

والقسم الثاني هو القلة..

القسم الأول حوى جميع الذين شملهم هذا التعريف العائم الذي ذكرناه..

والقسم الثاني حوى الصحابة الذين لهم باع ووزن وقيمة ومكانة وعلما وبذلا في سبيل الدعوة طوال حياة الرسول..

القسم الأول سادت رواياته..

والقسم الثاني ضربت رواياته..

وقد انعكس هذا الموقف على التابعين وتابعيهم فأصبحوا قسمين:

قسم سار مع بني أمية وبني العباس..

وقسم مع أبناء الإمام علي الأئمة مثل الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق..

وانعكس هذا الموقف أيضا على حركة تدوين الحديث وجمعه.. وبدا أثره واضحا على علم الجرح والتعديل..


الصفحة 26
الجانب الغالب والسائد يشكك في أنصار آل البيت أو من يسمونهم بالشيعة والرافضة ولا يروون لهم ويجرحوهم تحت ضغط الحكام الذين يجدون في هذا الخط - خط آل البيت - خطرا على وجودهم ونفوذهم وسلطانهم.

ومن جانب آخر هم يروون لخصومهم وأعدائهم ويعدلونهم..

وهذه نماذج من هؤلاء الرواة الخصوم:

- مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عم عثمان بن عفان. قال فيه ابن حجر: يقال إن له رؤية - أي صحبة للرسول - فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه. وقال عروة بن الزبير كان مروان لا يتهم في الحديث. وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا على صدقه. وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة - أحد العشرة المبشرين بالجنة - يوم الجمل بسهم فقتله ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى. قال ابن حجر: فأما قتل طلحة فكان متأولا فيه كما قرره الإسماعيلي وغيره. وأما ما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد وعروة وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرا عندهم بالمدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف على ابن الزبير ما بدا (1)..

- عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور كان يرى رأي الخوارج وكان شاعرهم ويدعو لمذهبهم. قال ابن حجر: وهو الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي عليه السلام بتلك الأبيات السائرة وقد وثقه العجلي وقال قتادة كان لا يتهم في الحديث. وقال أبو داود ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران هذا وغيره (2)..

- معاوية بن أبي سفيان من الطلقاء الذين دخلوا الإسلام بعد فتح مكة روى له أصحاب السنن باعتباره صحابي عدل. وروى له البخاري ثمانية أحاديث (3)..

____________

(1) مقدمة فتح الباري. أسماء من طعن فيهم من رجال البخاري..

(2) المرجع السابق..

(3) لم تثبت أية فضائل لمعاوية على لسان الرسول (ص) قال بذلك إسحاق بن راهويه أستاذ البخاري. ورفض النسائي كتابة شئ في معاوية وقتل بسبب ذلك. أنظر فتح الباري ح‍ 7 باب ذكر معاوية. وانظر ترجمة النسائي في كتب التراجم ومقدمة سننه.


الصفحة 27
- أبو هريرة الدوسي أورده ابن حجر في باب من لا يعرف اسمه واختلف فيه وقال فيه: روى له البخاري (446) حديثا (1)..

- بسر بن أرطأة قال فيه ابن معين: كان رجل سوء. وبسر هذا كان من قادة معاوية الذين قادوا حملات الإبادة والتصفية الجسدية لمعارضي معاوية وأنصار على في الحجاز واليمن. وكان الإمام علي قد دعا عليه.. وقد روى له أبو داود والترمذي والنسائي (2)..

- يزيد بن زياد الكلاعي الحمصي. نهى أحمد عن مجالسته وكان الأوزاعي سئ القول فيه. وكان يكره الإمام علي لقتله جده في صفين. روى له البخاري وغيره (3)..

- طارق بن عمرو المكي مولى عثمان بن أبي عفان. ولي المدينة من قبل عبد الملك بن مروان وكان من ولاة الجور. روى له مسلم وأبو داود (4)..

- عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المعروف بالأشدق. كان واليا على المدينة من قبل معاوية ويزيد خرج على عبد الملك بن مروان فقتله. من ولاة الجور. روى له مسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي (5)..

- مجالد بن سعيد الهمداني الكوفي. قال فيه أحمد: ليس بشئ. وقال الدارقطني: لا يعتبر به. ونقل البخاري أن ابن مهدي لم يكن يروي عنه. روى له مسلم وغيره (6).

____________

(1) اختلف في اسم أبو هريرة أكثر من عشرين خلافا. أنظر تاريخ الصحابة لابن حبان.

وطبقات ابن سعد والإصابة وأسد الغابة. في معرفة الصحابة والاستيعاب في معرفة الأصحاب..

(2) مقدمة فتح الباري.

(3) أنظر مقدمة فتح الباري ومقدمة مسلم..

(4) المرجعين السابقين وانظر كتب الرجال..

(5) المراجع السابقة.

(6) المراجع السابقة.


الصفحة 28
وقال ابن المديني سئل يحيى بن سعيد القطان عن جعفر الصادق فقال: في نفسي منه شئ ومجالد أحب إلي منه (1)..

- حريز بن عثمان الرحبي الحمصي. متهم بسبب الإمام علي والكذب على رسول الله (ص). روى له البخاري وغيره (2)..

- عمر بن سعد بن أبي وقاص. قاد الجيش الذي قتل الحسين وأبناء الرسول (ص) في كربلاء. روى له البخاري وغيره (3)..

ويروي مسلم عن ابن سيرين قوله: لم يكونوا - أي الفقهاء - يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع - الشيعة والمعتزلة ومن لم يساير الوضع القائم في عصر التدوين - فلا يؤخذ حديثهم (4)..

ويقول ابن حجر: فأكثر من يوصب بالنسب - أي معاداة علي وأهل البيت - يكون مشهورا بصدق اللهجة والتمسك بأمور الديانة. بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم كاذب ولا يتورع في الأخبار (5)..

ومن نماذج القسم الأول الذي ساير النهج القبلي بعد وفاة الرسول عائشة وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك..

وهؤلاء الستة أسهموا بدور كبير في التحدث بلسان الرسول وقد اعتمدت كتب السنن على رواياتهم خاصة عائشة وابن عمر وأبو هريرة. وأغلب الروايات التي سوف نتعرض لها في هذا الكتاب منقولة عنهم..

فقد روت عائشة في البخاري (442) حديثا..

____________

(1) تهذيب التهذيب.

(2) المراجع السابقة. (3) المراجعة السابقة.

(4) مقدمة مسلم.

(5) مقدمة فتح الباري.


الصفحة 29
وروى أبو هريرة (446) حديثا..

وروى ابن عمر (270) حديثا (1)..

هذا بينما لم يرو البخاري بنت الرسول سوى حديث واحد..

وروى لعلي بن أبي طالب (29) حديثا فقط (2)..

وهؤلاء الثلاثة على وجه الخصوص (عائشة أبو هريرة ابن عمر) من خصوم الإمام علي الذين أعلنوا انحيازهم بالكامل إلى صف معاوية وبني أمية..

وتجد الروايات المنسوبة للرسول (ص) والخاصة بالحكام وطاعتهم والصبر على أذاهم وظلمهم وتبرير الوضع السائد قد جاءت عن طريق هذا القسم خاصة هؤلاء الثلاثة (3)..

ويقسم فقهاء الحديث الرواية إلى متواترة وآحاد. وأكثر الروايات تدخل في دائرة الآحاد بينما المتواترة قليلة ومعدودة (4)..

وجرى العمل من قبل الفقهاء على الأحاديث الآحاد وقبولها وبناء الأحكام والعقائد على أساسها..

قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمت على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع..

____________

(1) مقدمة فتح الباري. وهذا الحصر خاص بالبخاري أما الكتب السنن الأخرى فقط روى فيها هؤلاء الثلاثة الكثير. ومجموع ما رواه أبو هريرة وحده أكثر من خمسة آلاف وما روته عائشة (2300) حديثا. وما رواه ابن عمر (2600) حديثا..

(2) المرجع السابق.

(3) من هذه الروايات: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات. مات ميتة جاهلية. ومن رأى من أميره شيئا فليصبر. ومن يطع الأمير فقد أطاعني. واسمع وأطع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك.. إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقي به.. أنظر مسلم كتاب الإمارة.

والبخاري كتاب الأحكام.. أنظر كتابنا السيف والسياسة. وكتابنا الخدعة.. وانظر باب الرسول الظالم من هذا الكتاب..

(4) يقسم فقهاء الحديث الخبر - أي الحديث - إلى متواتر وآحاد. ويقسمون الآحاد إلى أقسام منها المشهور والعزيز والغريب والحسن والمرسل والمعلق وغير ذلك. أنظر كتب مصطلح الحديث..


الصفحة 30
وقال: وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ويجعلها شرعا ودينا في معتقده. على ذلك جماعة أهل السنة (1)..

ويقول ابن الصلاح: أهل الحديث كثيرا ما يطلقون على ما أخرجه البخاري ومسلم جميعا صحيح متفق عليه ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم جميعا صحيح متفق عليه ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه. لكن اتفاق الأمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه. لاتفاقهما على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول. وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به خلافا لمن نفي ذلك محتجا بأنه لا يفيد من أصله إلا الظن (2)..

ورد النووي على هذا الكلام بقوله: وهذا الذي ذكره الشيخ خلاف ما قاله المحققون والأكثرون فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة تفيد الظن. فإنها آحاد. والآحاد إنما تفيد الظن لما تقرر.. ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك (3)..

ويدور نزاع بين القدامى والمعاصرين حول حجية حديث الآحاد وكونه يفيد العلم أم الظن..؟

ففقهاء الوضع السائد يدافعون عن حديث الآحاد ويشككون في ناقديه والمترددين في الأخذ به لأن عقائدهم وأحكامهم تقوم عليه وآي محاولة للنيل منه سوف تهدم مذهبهم بأكمله (4)..

وذهب الشافعي وغيره من المحدثين إلى أن الحديث إذا كان صحيحا على شرط المحدثين لا يكون مخالفا للكتاب أبدا (5)..

وقال: ولم نجد عنه حديثين مختلفين إلا ولهما مخرج. أو على أحدهما

____________

(1) التمهيد ح‍ 1 / 3 وما بعدها..

(2) علوم الحديث..

(3) شرح مسلم ح‍ 1 / 20.

(4) أنظر كتب علوم الحديث وكتب أصول الفقه..

(5) بغية الفحول..