الصفحة 146
وقال نبيك محمد صلى الله عليه وآله باتفاق المسلمين: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (1).

وقال صلى الله عليه وآله: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق) (2).

ولا ريب لأحد أن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام من العترة الطاهرة، وعلمه علم أبيه وعلم أبيه علم جده رسول الله صلى الله عليه وآله وعلم رسول الله من علم الله، هذا مضافا إلى أن الإمام الصادق عليه السلام قد اتفق جميع المسلمين على صدقه ووثاقته، وهناك طائفة كبيرة من المسلمين من يقول بعصمته وإمامته، وأنه الوصي السادس لرسول الله صلى الله عليه وآله وأنه حجة الله على البرية، وأن الإمام الصادق عليه السلام كان يروي عن آبائه الطيبين الطاهرين ولا يفتي برأيه، ولا يقول بما يستحسنه، فحديثه حديث أبيه وجده (3).

____________

(1) 1 - صحيح مسلم: الجزء السابع - ص 122.

2 - الطبري: ذخائر العقبى: ص 16.

3 - الحاكم في مستدركه: ص 148 و 532 إنه صحيح على شرط الشيخين.

4 - صحيح الترمذي: ج 2 ص 208.

5 - كنز العمال: ج 7 - ص 112 ومصادر كثيرة.

(2) أخرجه الحكم في المستدرك: 2 - 343. وأخرجه في الأوسط قال: وهذا هو الحديث: 18 من الأربعين الخامسة والعشرين من الأربعين، أربعين للنبهاني ص 216 من كتاب الأربعين حديثا الصواعق المحرقة: 153.

(3) روى الكليني أهم كتب الحديث عند الشيعة: في كتاب الكافي: 1 - 53 - ح 14 بإسناده إلى

=>


الصفحة 147
إذ أنهم منابع العلم والحكمة، ومعادن الوحي والتنزيل، فمذهب الإمام الصادق عليه السلام هو مذهب أبيه وجده المأخوذ عن الوحي، لا يحيد عنه قيد شعرة، لا بالاجتهاد كغيره ممن اجتهد.

فالأخذ بمذهب جعفر بن محمد عليه السلام ومذهب أجداده آخذ بالصواب، ومتمسك بالكتاب والسنة، وبعد أن أوردت عليه ما سمعت من الأدلة أكبرني، وفخم مقامي، وشكرني، فأجبته إن الشيعة لا ينقصون على الصحابة جميعا، بل إن الشيعة يعطون لكل منهم حقه، لأن فيهم العدل وغير العدل، وفيهم العالم والجاهل، وفيهم الأخيار والأشرار، وهكذا ألا ترى ما أحدثوه يوم السقيفة؟

تركوا نبيهم مسجى على فراشه، وأخذوا يتراكضون على الخلافة، كل يراها لنفسه، كأنها سلعة ينالها من سبق إليها مع ما رأوا بأعينهم وسمعوا بآذانهم من النصوص الثابتة الصارخة عن الرسول صلى الله عليه وآله من اليوم الذي أعلن فيه الدعوة إلى اليوم الذي احتضر فيه مع أن القيام بتجهيز الرسول صلى الله عليه وآله أهم من أمر الخلافة على فرض أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص، فكان الواجب عليهم أن يقوموا بشأن الرسول، وبعد الفراغ يعزون آله وأنفسهم لو كانوا ذوي إنصاف، فأين العدالة والوجدان؟! وأين مكارم الأخلاق؟! وأين الصدق والمحبة؟!

ومما يزيد في النفوس حزازة تهجمهم على بيت بضعته فاطمة الزهراء عليها السلام

____________

<=

أبي عبد الله عليه السلام قال: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله قول الله عز وجل.

الصفحة 148
نحوا من خمسين رجلا، وجمعهم الحطب ليحرقوا الدار على من فيها حتى قال قائل لعمر:

إن فيها الحسن والحسين وفاطمة!

قال: وإن!!!

ذكر هذا الحادث كثير من مؤرخي السنة (1) فضلا عن إجماع الشيعة وقد علم البر والفاجر وجميع من كتب في التاريخ أن النبي صلى الله عليه وآله قال:

(فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله، ومن أغضب الله أكبه الله على منخريه في النار).

ووقائع الصحابة الدالة على عدم القول بعدالة الجميع كثيرة راجع البخاري ومسلم فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث (الحوض) تعلم صحة ما ذهب إليه الشيعة، ومن نحا نحوهم من السنة، فأي ذنب لهم إذا قالوا بعدم عدالة كثير منهم؟

وهم الذين دلوا على أنفسهم، وحرب الجمل وصفين، أكبر دليل على إثبات مدعاهم، والقرآن الكريم كشف عن سوء أقوال كثير منهم، وكفانا سورة براءة دليلا.

ونحن ما أتينا شيئا إذا، ألا ترى ما أحدثه الطاغية معاوية، وعمرو بن العاص، ومروان، وزياد، وابن زياد، ومغيرة بن شعبة.

____________

(1) راجع في ذلك: الإمامة والسياسة: لابن قتيبة، والرياض النضرة - ومروج الذهب للمسعودي، وأنساب الأشراف للبلاذري، والإمام علي: لعبد الفتاح عبد المقصود، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد لتجد هذه الحادثة المؤلمة بحق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.

الصفحة 149
أما الشيعة فبرمتهم ذكروها وقد ذكر المؤرخون أسماء الذين أتوا بهذه الجناية قالوا: وكان ذلك برئاسة عمر - الشهم البطل المغوار - لكن لا في ساحة القتال وبهذا المعنى قال شاعرهم شاعر النيل حافظ إبراهيم:

وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها!!

استقصينا في كتابنا (ظلامات الزهراء عليها السلام) من مصادر الفريقين فراجع كتاب الشيخ الأنطاكي (لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت عليهم السلام).

وعمر بن سعد الذي أبوه من العشرة المبشرة في الجنة على ما زعموا!!

وطلحة، والزبير، اللذان بايعا عليا، ونقضا البيعة، وحاربا إمامهما مع عائشة في البصرة، وأحدثوا فيها من الجرائم التي لا يأتي بها ذو مروءة!! فليت شعري، هل كان وجود النبي صلى الله عليه وآله بينهم موجبا لنفاق كثير منهم، ثم بعد لحوقه بالرفيق الأعلى - بأبي وأمي - صار كلهم عدولا؟!

ونحن لم نسمع قط بأن نبيا من الأنبياء أتى قومه، وصاروا كلهم عدولا بل الأمر في ذلك بالعكس، والكتاب والسنة بينتا ذلك، فماذا أنت قائل أيها الأخ المحترم؟

فأجابني: حقا لقد أتيت بما فيه المقنع، فجزاك الله عني خيرا.

ثم قلت: جاء في كتاب (الجوهرة في العقائد) للشيخ إبراهيم اللوقاني المالكي:


الصفحة 150

فتابع الصالح ممن سلفا * وجانب البدعة ممن خلفا

قال: نعم هكذا موجود. قلت: أرشدني من هم السلف الذين يجب علينا اتباعهم؟ ومن الخلف الذين تجب علينا مخالفتهم؟

قال: السلف هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله. قلت: إن الصحابة عارض بعضهم بعضا، وجرى ما جرى بينهم مما لا يخفى على مثلكم. فتوقف برهة، ثم قال: هم أصحاب القرون الثلاثة، قلت له: إذا أنت في جوابك هذا قضيت على المذاهب الأربعة لأنهم خارجون عن القرون الثلاثة!

فتوقف أيضا، ثم قال: ماذا تريد بهذا السؤال؟ قلت: الأمر ظاهر وهو يجب علينا أن نتبع الذين نص عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يكونوا قدوة للأمة، قال: ومن هم؟

قلت: علي بن أبي طالب، وبنوه، الحسن والحسين، وأبناء الحسين التسعة عليهم السلام آخرهم المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

قال: والخلفاء الثلاث؟

قلت: الخلاف واقع فيهم، فالأمة لم تجتمع عليهم، وحدث منهم أعمال توجه عليهم النقد.

قال: عجبا! وهذا من رأي الشيعة؟ قلت: وإن يكن، هل وقع في الصحابة ما ذكرت لكم أم لا؟ قال: نعم.

قلت: إذا يجب علينا أن نأخذ بمن اتفقت عليهم الأمة، وندع المختلف فيهم، فالشيعة وهم طائفة كبيرة من الإسلام، يكثر عددهم، وهم منتشرون في

الصفحة 151
الدنيا كما تقدم، وفيهم العلماء الأعاظم والفقهاء الأكابر، والمحدثون الأفاضل..

فلم يعترفوا بخلافة الثلاثة ولكن أهل السنة اعترفوا بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام.

فخلافة أمير المؤمنين مجمع عليها عند المسلمين عامة، وخلافة الثلاثة ليس بمجمع عليها.

والخلافة بعد أمير المؤمنين علي إلى ولده الحسن، ثم إلى الحسين، ثم إلى ولده الأئمة التسعة عليهم السلام، خاتمهم قائمهم (عجل الله فرجه الشريف)، والنصوص في ذلك من كتبكم كثيرة (1).

وجاءت الروايات من طرقكم بفضل أهل البيت، وتقدمهم على غيرهم وأهمها: العصمة.

قال: نحن لا نقول بالعصمة! قلت: أعلم ذلك، ولكن الدليل قائم عند الشيعة على ما قلت، وسأقدم لك كتابا يقنعك ويرضيك.

قال: إذا ثبت لدي عصمتهم انحل الإشكال بيني وبينك.

فقدمت له الكتاب، وهو كتاب (الألفين) لأحد أعاظم مجتهدي الشيعة الإمام الأعظم (العلامة الحلي) فأخذ الكتاب يتصفحه في مجلسه فأكبره وأعجبه هذا السفر العظيم، ثم قال لي: هل تعلم أن فضيلتك أدخلت علي الريب في المذاهب الأربعة، وملت إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام لكن أريد منك تزويدي ببعض كتب الشيعة.

ثم ودعني وقام شاكرا حامدا، قاصدا إلى محله، وهو متزلزل العقيدة

____________

(1) صحيح مسلم: 3 - 453 - ح 5، وقد رواه مسلم من تسعة طرق (حيث الخلفاء الاثنا عشر).

الصفحة 152
[ بمذهبه ] وذهب.

ثم بعد أيام أتتني رسالة شكر منه من الأزهر الشريف، وأخبرني فيها، بأنه قد اعتنق مذهب أهل البيت عليهم السلام وصار شيعيا، ووعدني أن يكتب رسالة في أحقية مذهب الشيعة.

وهو اليوم - سلمه الله - لا يزال مشغولا بتأليف هكذا كتاب على ما بلغني أيده الله والمسلمين جميعا لخدمة الدين والمذهب، إنه سميع الدعاء.

الحوار الثالث
مناظرته مع كبير علماء الشافعية في حلب

يقول الشيخ الأنطاكي: بعد اشتهار أمرنا بالتشيع، أتاني أحد أعاظم علماء الشافعية المشهورين بالعلم والفضيلة في مدينة حلب الشهباء، وسألني بكل لطف: لماذا أخذتم بمذهب الشيعة، وتركتم مذهبكم؟

وما هو السبب الداعي لكم، واعتمادكم عليه؟

وما دليلكم على أحقية علي بالخلافة من أبي بكر؟

فناظرته كثيرا، وقد وقعت المناظرات فيما بيننا مرارا، وأخيرا اقتنع الرجل (1).

ومن جملة المناظرة أنه سألني عن بيان الأحقية في أمر الخلافة هل أبو بكر

____________

(1) مناظرة الشيخ الأنطاكي بعد التشيع مع أحد كبار علماء الشافعية في حلب وذكر المؤلف الشيخ أن كبير علماء الشافعية تشيع لكن رفض التصريح باسمه خوفا من قومه وعشيرته.


الصفحة 153
أحق أم علي؟

فأجبته: إن هذا شئ واضح جدا بأن الخلافة الحقة لأمير المؤمنين علي عليه السلام فور وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم من بعده إلى الحسن المجتبى عليه السلام ثم إلى الحسين الشهيد بكربلاء عليه السلام ثم إلى علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ثم إلى محمد بن علي الباقر عليه السلام ثم إلى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ثم إلى موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ثم إلى علي بن موسى الرضا عليه السلام ثم إلى محمد بن علي الجواد عليه السلام ثم إلى علي بن محمد الهادي عليه السلام ثم إلى الحسن بن علي العسكري عليه السلام ثم إلى الحجة ابن الحسن المهدي الإمام الغائب المنتظر عليه السلام.

ودليل الشيعة على ذلك:

الكتاب الكريم، والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله من الطرفين وكتبهم مليئة من الحجج والبراهين الرصينة، ويثبتون مدعاهم من كتبكم ومؤلفاتكم إلا أنكم أعرضتم عن الرجوع إلى مؤلفات الشيعة والوقوف على ما فيها، وهذا نوع من التعصب الأعمى.

أما الكتاب فقوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1).

وإن هذه الآية نزلت في ولاية (علي) بلا ريب بإجماع الشيعة وأكثر علماء السنة في كتب التفسير، كالطبري، والرازي، ابن كثير، وغيرهم فإنهم قالوا بنزولها في علي بن أبي طالب عليه السلام.

____________

(1) سورة المائدة الآية 55.


الصفحة 154
ومما لا يخفى على ذي مسكة بأن الله عز وجل هو الذي يرسل الرسل إلى الأمم لا يتوقف أمرهم على إرضاء الناس، وكذلك الوصاية تكون من الله لا بالشورى ولا بأهل الحل والعقد، ولا بالانتخاب أبدا، لأن الوصاية ركن من أركان الدين، والله جل وعلا لا يدع ركنا من أركان الدين إلى الأمة تتجاذبه أهواءهم، كل يجر إلى قرصه.

بل لا بد أن يكون القائم بأمر الله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله منصوصا عليه من الله لا ينقص عن الرسل ولا يزيد، معصوما عن الخطأ، فالآية نص صريح في ولاية علي عليه السلام وقد أجمعت الشيعة، وأكثر المفسرين من السنة أيضا أن الذي أعطى الزكاة حال الركوع هو (علي) بلا خلاف فتثبت ولايته عليه السلام أي خلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الآية فأورد علي حجة يدعي بها تدعيم خلافة أبي بكر، فقال: إن أبا بكر أحق بالخلافة!! إذ أنه أنفق أموالا كثيرة قدمها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وزوجه ابنته، وقام إماما في الجماعة أيام مرض النبي صلى الله عليه وآله.

فأجبته قائلا: أما إنفاق أمواله، فدعوى تحتاج إلى دليل يثبتها، ونحن لا نعترف بهذا الإنفاق، ولا نقر به، ثم نقول: من أين اكتسب هذه الأموال الطائلة؟

ومن الذي أمره به؟

ولنا أن نسألك: هل الإنفاق كان في مكة أم بالمدينة؟

فإن قلت: في مكة، فالنبي صلى الله عليه وآله لم يجهز جيشا، ولم يبن مسجدا ومن يسلم من القوم يهاجره (1) إلى الحبشة والنبي صلى الله عليه وآله وجميع بني هاشم لا تجوز عليهم

____________

(1) يعني يأمره بالهجرة.

الصفحة 155
الصدقة، ثم إن النبي صلى الله عليه وآله غني بمال خديجة كما يروون (1) وإن قلت: بالمدينة فأبو بكر هاجر ولم يملك من المال سوى (600) درهم فترك لعياله شيئا، وحمل معه ما بقي ونزل على الأنصار، فكان هو وكل من يهاجر عالة على الأنصار، ثم إن أبا بكر لم يكن من التجار، بل كان تارة بزازا يبيع - يوم اجتماع الناس - أمتعة يحملها على كتفه، وتارة معلم الأولاد، وأخرى نجارا يصلح لمن يحتاج بابا أو مثله. وأما تزويجه ابنته لرسول الله صلى الله عليه وآله فهذا لا يلزم منه تولي أمور المسلمين به.

وأما صلاته في الجماعة - إن صحت - فلا يلزم منها تولي الإمامة الكبرى أو الخلافة العظمى، فصلاة الجماعة غير الخلافة، وقد ورد أن الصحابة كان يؤم بعضهم بعضا، حضرا وسفرا، فلو كانت هذه تثبت دعواكم لصح أن يكون كل منهم حقيقا بالخلافة، ولو صحت لادعاها يوم السقيفة لنفسه لكنها لم تكن أنذاك، بل وجدت أيام الطاغية معاوية، لما صار الحديث متجرا، ثم حديث الجماعة جاء عن ابنته عائشة فقط!

ولا ننسى لما سمع النبي صلى الله عليه وآله تكبيرة الصلاة، قال: من يؤم الجماعة؟

فقالوا: أبو بكر، قال: احملوني فحملوه - بأبي وأمي - متعصبا مدثرا، يتهادى بين رجلين (علي، والفضل) حتى دخل المسجد فعزل أبا بكر، وأم الجماعة بنفسه، ولم يدع أبا بكر يكمل الصلاة، فلو كانت صلاة أبي بكر بإذن النبي صلى الله عليه وآله أو برضاه فلماذا خرج بنفسه صلى الله عليه وآله وهو مريض وأم القوم؟!

____________

(1) فإنفاق أبي بكر - على ما يدعيه الخصم - وعدم سواء بسواء أمام هذا الحديث المشهور إذ لا أثر له في سير الرسالة المباركة، إذا قيس بسيف علي، ناهيك من مبيت علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله والجود بالنفس أقصى غاية الجود فتدبره وأنصف.

الصفحة 156
والعجب كل العجب من إخواننا أنهم يقيمون الحجة بهذه الأشياء التي لا تنهض بالدليل، ويتناسون ما ورد في علي عليه السلام من الأدلة التي لا يمكن عدها، كحديث يوم الانذار إذ جمع رسول الله صلى الله عليه وآله عشيرته الأقربين بأمر من الله:

(وأنذر عشيرتك الأقربين) فجمعهم الرسول صلى الله عليه وآله وكانوا إذ ذاك أربعين رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه وضع لهم طعاما يكفي الواحد منهم، فأكلوا جميعهم حتى شبعوا، وبعد أن فرغوا، قال النبي صلى الله عليه وآله.

(يا بني هاشم! من منكم يؤازرني على أمري هذا)؟ فلم يجبه أحد، فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله، أؤازرك، قالها ثلاثا، وفي كل مرة يجيب علي: أنا يا رسول الله.

فأخذ برقبته، وقال: (أنت وصيي، وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا) (1).

قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب.

قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

وحديث (يوم الغدير) المشهور، وحديث (الثقلين)، وحديث (المنزلة)، وحديث (السفينة)، وحديث (باب حطة)، وحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، وحديث (المؤاخاة)، وحديث تبليغ سورة (براءة)، و (سد الأبواب)، و (قلع باب خيبر)، و (قتل عمرو بن عبد ود العامري)، و (زواج بضعة

____________

(1) ذكره المؤرخ جرجي زيدان في كتابه (تاريخ التمدن الإسلامي) ج 1 - ص 21. والأستاذ محمد حسنين هيكل في (حياة محمد) ص 4 الطبعة الأولى، وفي الطبعة الثانية حذف هذا القول مقابل مبلغ من الأموال والدولارات.

الصفحة 157
الرسول فاطمة الزهراء عليها السلام). إلى كثير وكثير من ذلك النمط مما لو أردنا جمعها لملأنا المجلدات الضخمة.

أفكل هذه الروايات المتفق عليها لا تثبت خلافة علي عليه السلام وتلك الروايات المختلف فيها والمفتعلة، تثبت لأبي بكر تولي منصب الرسالة؟!

وهذا شئ عجاب!

ثم قال لي: أنتم لا تعترفون بخلافة أبي بكر. قلت: لا، هذا لا نزاع فيه عندنا، ولكن ننازع في الأحقية والأولوية، هل كان أبو بكر أحق بها أم أمير المؤمنين عليه السلام.

ها هنا النزاع، ولنا عندئذ [ أن ] ننظر في هذا الأمر العظيم الذي جر على الأمة بلاء، وفرق الأمة ابتداء يوم السقيفة إلى فرقتين بل إلى أربع فرق، فالأنصار انقسموا على أنفسهم قسمين قسم يريد عليا وذلك بعد خراب البصرة. والآخر استسلم وسلم الأمر إلى أبي بكر.

وكذلك المهاجرون: منهم من يريد أبا بكر والآخر عليا، ثم إلى فرق تبلغ الثلاث والسبعين، كل فرقة تحمل على من سواها من الفرق حملة شعواء لا هوادة فيها، فجر الأمة الإسلامية إلى نزاع دائم عنيف فكفر بعضهم بعضا، ولا زالت الأمة تمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم المشؤوم إلى يوم الناس هذا، ثم إلى يوم يأتي الله بالفرج هذا الذي تحاول فيه.

فالشيعة برمتهم يحكمون بما يثبت عندهم من الأدلة قرآنا وسنة وتاريخا ويحتجون من كتب خصومهم السنة، فضلا عن كتبهم بالخلافة لعلي ولبنيه الأئمة الأحد عشر الذي تمسكت الشيعة بإمامتهم.


الصفحة 158
إلى غير ذلك من الأدلة التي أوردتها على فضيلته فسمع وقنع وخرج من عندنا وهو في ريب من مذهبه وشاكرا لنا على ما قدمناه له من الأدلة وقد طلب مني بعض كتب الشيعة ومؤلفاتهم فأعطيته جملة من الكتب.


الصفحة 159

الفصل الرابع

  • حوار يوحنا مع علماء المذاهب الأربعة استوقفني بشدة!!


    الصفحة 160

    الصفحة 161

    حوار يوحنا مع علماء المذاهب الأربعة استوقفني بشدة!!

    فإليك عزيزي نص الحوار:

    يوحنا مع علماء المذاهب الأربعة.

    الذي قدمه لي مصورا سماحة العلامة السيد علي البدري عندما كنت أتخبط وأبحث عن الحقيقة، فأرشدني إلى قراءته بتدبر.

    وهذا الحوار أعقبه تشيع علماء المذاهب الأربعة كيف.. ولماذا؟!!

    قال يوحنا: فلما رأيت هذه الاختلافات من كبار الصحابة الذين يذكرون مع رسول الله صلى الله عليه وآله - فوق المنابر عظم علي الأمر وغم علي الحال وكدت أفتتن في ديني، فقصدت بغداد وهي قبة الإسلام لأفاوض فيما رأيت من اختلاف علماء المسلمين لأنظر الحق وأتبعه، فلما اجتمعت بعلماء المذاهب الأربعة، قلت لهم:

    إني رجل ذمي، وقد هداني الله إلى الإسلام فأسلمت وقد أتيت إليكم لأنقل عنكم معالم الدين، وشرائع الإسلام، والحديث، لأزداد بصيرة في ديني.

    فقال كبيرهم وكان حنفيا: يا يوحنا، مذاهب الإسلام أربعة فاختر واحدا منها، ثم اشرع في قراءة ما تريد.


    الصفحة 162
    فقلت له: إني رأيت تخالفا وعلمت أن الحق منها واحد فاختاروا لي ما تعلمون أنه الحق الذي كان عليه نبيكم.

    قال الحنفي: إنا لا نعلم يقينا ما كان عليه نبينا بل نعلم أن طريقته ليست خارجة من الفرق الإسلامية، وكل من أربعتنا يقول إنه محق، لكن يمكن أن يكون مبطلا، ويقول: إن غيره مبطل لكن يمكن أن يكون محقا، وبالجملة إن مذهب أبي حنيفة أنسب المذاهب، وأطبقها للسنة، وأوفقها للعقل، وأرفعها عند الناس، إن مذهبه مختار أكثر الأمة بل مختار سلاطينها، فعليك به تنج.

    قال يوحنا: فصاح به إمام الشافعية، وأظن أنه كان بين الشافعي والحنفي منازعات فقال له: اسكت لا نطقت، والله لقد كذبت وتقولت، ومن أين أنت والتمييز بين المذاهب، وترجيح المجتهدين؟ ويلك ثكلتك أمك أين لك الوقوف على ما قاله أبو حنيفة، وما قاسه برأيه، فإنه المسمى بصاحب الرأي يجتهد في مقابل النص، ويستحسن في دين الله ويعمل به حتى أوقعه رأيه الواهي في أن قال:

    لو عقد رجل في بلاد الهند على امرأة كانت في الروم عقدا شرعيا، ثم أتاها بعد سنين فوجدها حاملا وبين يديها صبيان يمشون ويقول لها: ما هؤلاء؟ وتقول له:

    أولادك فيرافعها في ذلك إلى القاضي الحنفي فيحكم أن الأولاد من صلبه، ويلحقونه ظاهرا وباطنا، يرثهم ويرثونه، فيقول ذلك الرجل: وكيف هذا ولم أقربها قط؟ فيقول القاضي: يحتمل أنك أجنبت أو أن تكون أمنيت فطار منيك في قطعة فوقعت في فرج هذه المرأة (1)، هل هذا يا حنفي مطابق للكتاب والسنة؟

    ____________

    (1) أنظر: الفقه على المذاهب الأربعة: ج 4 - ص 14 و 15.

    الصفحة 163
    قال الحنفي: نعم إنما يلحق به لأنها فراشه والفراش يلحق ويلتحق بالعقد ولا يشترط فيه الوطي، وقال النبي صلى الله عليه وآله: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فمنع الشافعي أن يصير فراشا بدون الوطي، وغلب الشافعي الحنفي بالحجة.

    ثم قال الشافعي: وقال أبو حنيفة: لو أن امرأة زفت إلى زوجها فعشقها رجل فادعى عند قاضي الحنفية أنه عقد عليها قبل الرجل الذي زفت إليه، وأرشى المدعي فاسقين حتى شهدا له كذبا بدعواه، فحكم القاضي له تحرم على زوجها الأول ظاهرا وباطنا وتثبت زوجية تلك المرأة للثاني وأنها تحل عليه ظاهرا وباطنا، وتحل منها على الشهود الذين تعمدوا الكذب في الشهادة (1)! فانظروا أيها الناس هل هذا مذهب من عرف قواعد الإسلام؟

    قال الحنفي: لا اعتراض لك، عندنا أن حكم القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا وهذا متفرع عليه، فخصمه الشافعي ومنع أن ينفذ حكم القاضي ظاهرا وباطنا بقوله تعالى (وأن أحكم بما أنزل الله) (2) ولم ينزل الله ذلك.

    ثم قال الشافعي: وقال أبو حنيفة: لو أن امرأة غاب عنها زوجها فانقطع خبره، فجاء رجل فقال لها: إن زوجك قد مات فاعتدي، فاعتدت: ثم بعد العدة عقد عليها آخر ودخل عليها، وجاءت منه بالأولاد، ثم غاب الرجل الثاني وظهرت حياة الرجل الأول وحضر عندها فإن جميع أولاد الرجل الثاني أولاد للرجل الأول يرثهم ويرثونه (3).

    ____________

    (1) أنظر: الأم للشافعي ج 5 - ص 22 - 25.

    (2) سورة المائدة الآية: 49.

    (3) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 - ص 119.

    الصفحة 164
    فيا أولي العقول، هل يذهب إلى هذا القول من له دراية وفطنة؟

    فقال الحنفي: إنما أخذ أبو حنيفة هذا من قول النبي صلى الله عليه وآله: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فاحتج عليه الشافعي بكون الفراش مشروطا بالدخول، فغلبه.

    ثم قال الشافعي: وإمامك أبو حنيفة قال: أيما رجل رأى امرأة مسلمة فادعى عند القاضي بأن زوجها طلقها، وجاء بشاهدين، شهدا له كذبا فحكم القاضي بطلاقها، حرمت على زوجها، وجاز للمدعي نكاحها وللشهود أيضا (1)، وزعم أن حكم القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا.

    ثم قال الشافعي: وقال إمامك أبو حنيفة: إذا شهد أربعة رجال على رجل بالزنا، فإن صدقهم سقط عنه الحد، وإن كذبهم لزمه، وثبت الحد (2) فاعتبروا يا أولي الأبصار.

    ثم قال الشافعي: وقال أبو حنيفة: لو لاط رجل بصبي وأوقبه فلا حد عليه بل يعزر (3).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (من عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول) (4).

    ____________

    (1) ومثله أيضا، كما قال في ج 133 من تاريخ بغداد ص 370، قال الحارث بن عمير: وسمعته يقول (يعني أبو حنيفة): لو أن شاهدين شهدا عند قاض، أن فلان بن فلان طلق امرأته، وعلموا جميعا أنهما شهدا بالزور ففرق القاضي بينهما، ثم لقيها أحد الشاهدين فله أن يتزوج بها.

    (2) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 - ص 129.

    (3) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 141.

    (4) المستدرك للحاكم ج 4 ص 355، كنز العمال ج 5 ص 340 ح 13129.

    الصفحة 165
    وقال أبو حنيفة: لو غصب أحد حنطة فطحنها ملكها بطحنها، فلو أراد أن يأخذ صاحب الحنطة طحينها ويعطي الغاصب الأجرة لم يجب على الغاصب إجابته وله منعه، فإن قتل صاحب الحنطة كان دمه هدرا، ولو قتل الغاصب قتل صاحب الحنطة به (1).

    وقال أبو حنيفة: لو سرق سارق ألف دينار وسرق ألفا آخر من آخر ومزجها ملك الجميع ولزمه البدل.

    وقال أبو حنيفة: لو قتل المسلم التقي العالم كافرا جاهلا قتل المسلم به والله يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (2).

    وقال أبو حنيفة: لو اشترى أحد أمه أو أخته ونكحهما لم يكن عليه حد وإن علم وتعمد (3).

    قال أبو حنيفة: لو عقد أحد على أمه أو أخته عالما بها أنها أمه أو أخته ودخل بها لم يكن عليه حد لأن العقد شبهة (4).

    وقال أبو حنيفة: لو نام جنب على طرف حوض من نبيذ فانقلب في نومه، ووقع في الحوض ارتفعت جنابته وطهر.

    وقال أبو حنيفة: لا تجب النية في الوضوء (5)، ولا في الغسل (6)، وفي

    ____________

    (1) الفتاوى الخيرية ج 2 - ص 150.

    (2) سورة النساء الآية: 141.

    (3) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 123.

    (4) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 124.

    (5) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 63.

    (6) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 117.

    الصفحة 166
    الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات) (1).

    وقال أبو حنيفة: لا تجب البسملة في الفاتحة (2) وأخرجها منها مع أن الخلفاء كتبوها في المصاحف بعد تحرير القرآن.

    وقال أبو حنيفة: لو سلخ جلد الكلب الميت ودبغ طهر وإن له الشراب فيه ولبسه في الصلاة (3)، وهذا مخالف للنص بتنجيس العين المقتضي لتحريم الانتفاع به.

    ثم قال: يا حنفي، يجوز في مذهبك للمسلم إذا أراد الصلاة أن يتوضأ بنبيذ، ويبدأ بغسل رجليه، ويختم بيديه (4)، ويلبس جلد كلب ميت مدبوغ (5)، ويسجد على عذرة يابسة، ويكبر بالهندية، ويقرأ فاتحة الكتاب بالعبرانية (6)، ويقول بعد الفاتحة: دو برك سبز - يعني مداهمتان - ثم يركع ولا يرفع رأسه، ثم يسجد ويفصل بين السجدتين بمثل حد السيف وقبل السلام يتعمد خروج الريح، فإن صلاته صحيحة، وإن أخرج الريح ناسيا بطلت صلاته (7).

    ____________

    (1) مسند أحمد ج 1 - ص 25، حلية الأولياء ج 6 ص 342، السنن الكبرى للبيهقي ج 1 - ص 41.

    (2) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 - ص 242.

    (3) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 - ص 26.

    (4) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 - ص 68، الفقه على المذاهب الخمسة ص 37.

    (5) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 - ص 26.

    (6) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 - ص 230.

    (7) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 - ص 307.

    الصفحة 167
    ثم قال: نعم يجوز هذا، فاعتبروا يا أولي الأبصار، هل يجوز التعبد بمثل هذه العبادة؟ أم يجوز لنبي أن يأمر أمته بمثل هذه العبادة افتراء على الله ورسوله؟

    فأفحم الحنفي وامتلأ غيظا وقال: يا شافعي أقصر فض الله فاك، وأين أنت من الأخذ على أبي حنيفة وأين مذهبك من مذهبه؟ فإنما مذهبك بمذهب المجوس أليق لأن في مذهبك يجوز للرجل أن ينكح ابنته من الزنا وأخته، ويجوز أن يجمع بين الأختين من الزنا، ويجوز أن ينكح أمه من الزنا، وكذا عمته وخالته من الزنا (1)، والله يقول (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم) (2) وهذه صفات حقيقية لا تتغير بتغير الشرائع والأديان، ولا تظن يا شافعي يا أحمق أن منعهم من التوريث يخرجهم من هذه الصفات الذاتية الحقيقية ولذا تضاف إليه، فيقال: بنته وأخته من الزنا، وليس هذا التقييد موجبا لمجازيته كما في قولنا أخته من النسب بل لتفصيله، وإنما التحريم شامل للذي يصدق عليه الألفاظ حقيقة ومجازا اجتماعا، فإن الجدة داخلة تحت الأم إجماعا، وكذا بنت البنت، ولا خلاف في تحريمها بهذه الآية، فانظروا يا أولي الألباب هل هذا إلا مذهب المجوسي، يا خارجي.

    يا شافعي، إمامك أباح للناس لعب الشطرنج (3) مع أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا يحب الشطرنج إلا عابد وثن).

    ____________

    (1) أنظر الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 134.

    (2) سورة النساء الآية: 23.

    (3) أنظر: الأم للشافعي ج 6 ص 208، الفقه الإسلامي وأدلته ج 5 ص 566.

    الصفحة 168
    يا شافعي، إمامك أباح للناس الرقص والدف والقصب (1)، فقبح الله مذهبك، ينكح فيه الرجل أمه وأخته ويلعب بالشطرنج ويرقص، ويدف، فهل هذا إلا ظاهر الافتراء على الله ورسوله، وهل يلتزم بهذا المذهب إلا أعمى القلب وأعمى عن الحق.

    قال يوحنا: وطال بينهما الجدال واحتمى الحنبلي للشافعي، واحتمى المالكي للحنفي، ووقع النزاع بين المالكي والحنبلي، وكان فيما وقع بينهما أن الحنبلي قال: إن مالكا أبدع في الدين بدعا أهلك الله عليها أمما وهو أباحها، وهو لواط الغلام، لواط المملوك وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من لاط بغلام فاقتلوا الفاعل والمفعول) (2).

    ____________

    (1) الفقه الإسلامي وأدلته ج 7 ص 128.

    (2) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 140، ونقل لنا العلامة الزمخشري في تفسير الكشاف: 3 - 301 فإنه يقول:

    إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به * وأكتمه كتمانه لي أسلم
    فإن حنفيا قلت قالوا بأنني * أبيح الطلا وهو الشراب المحرم
    وإن مالكيا قلت قالوا بأنني * أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
    وإن شافعيا قلت قالوا بأنني * أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
    وإن حنبليا قلت قالوا بأنني * ثقيل حلولي بغيض مجسم
    وإن قلت من أهل الحديث وحزبه * يقولون: تيس ليس يدري ويفهم
    تعجبت من هذا الزمان وأهله * فما أحد من ألسن الناس يسلم
    أحزين دهري وقدم معشرا * على أنهم لا يعلمون وأعلم

    =>


    الصفحة 169
    وأنا رأيت مالكيا ادعى عند القاضي على آخر أنه باعه مملوكا والمملوك لا يمكنه من وطئه، فأثبت القاضي أنه عيب في المملوك ويجوز له رده، أفلا تستحي من الله يا مالكي يكون لك مذهب مثل هذا وأنت تقول مذهبي خير من مذهبك؟! وإمامك أباح لحم الكلاب فقبح الله مذهبك واعتقادك.

    فرجع المالكي عليه وصاح به: اسكت يا مجسم يا حلولي، يا حولي، يا فاسق، بل مذهبك أولى بالقبح، وأحرى بالتنفير، إذ عند إمامك أحمد بن حنبل أن الله جسم يجلس على العرش، ويفضل عنه العرش بأربع أصابع، وأنه ينزل كل ليلة جمعة من سماء الدنيا على سطوح المساجد في صورة أمرد، قطط الشعر، له نعلان شراكهما من اللؤلؤ الرطب، راكبا على حمار له ذوائب (1).

    قال يوحنا: فوقع بين الحنبلي والمالكي والشافعي والحنفي النزاع، فعلت أصواتهم وأظهروا قبائحهم ومعايبهم حتى ساء كل من حضر كلامهم الذي بدا منهم، وعاب العامة عليهم.

    فقلت لهم: على رسلكم، فوالله قسما إني نفرت من اعتقاداتكم، فإن كان الإسلام هذا فيا ويلاه، لكني أقسم عليكم بالله الذي لا إله إلا هو أن تقطعوا هذا البحث وتذهبوا فإن العوام قد أنكروا عليكم.

    ____________

    <=

    فنرى أن العالم الزمخشري يخجل أن ينسب نفسه إلى أحد المذاهب الأربعة وهو من كبار أعلام السنة!!

    (1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 2 ص 509، وممن روى أنه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) البخاري في التهجد بالليل، مسند أحمد بن حنبل ج 1 - ص 120 و ص 446، الترمذي ج 1 - ص 142.