مصادر جديرة بالقراءة
1. (المراجعات)، حوار عقلاني معاصر بين شيخ الأزهر وأحد علماء الشيعة.
2. (الفصول المهمة).
3. (النص والاجتهاد)، لمؤلفه السيد شرف الدين الموسوي العاملي.
4. (معالم المدرستين)، للسيد مرتضى العسكري.
5. (أصل الشيعة وأصولها)، لمحمد حسين كاشف الغطاء.
6. (دلائل الصدق)، للشيخ محمد حسن المظفر.
7. (الغدير)، للشيخ الأميني.
8. (التشيع)، للسيد عبد الله الغريفي.
المستهدفون في الإشاعات
إن الإشاعات والاتهامات عادة ما تكون ضد أشخاص عاديين في المجتمع.. فلن تجد الصحف والمجلات في يوم من الأيام تتهجم على شخص عادي.. ولن تسمع عن صدور فتوى ضد إنسان ما لا شأن له في الناس.. ولن تلوك الألسن وتتبادل الأفواه دعايات وإشاعات حول من لا دور له ولا قضية..
وطوال التاريخ كان هناك صنفان من الناس تستهدفهما الإشاعات والاتهامات وتوجه ضدهما الدعايات:
الصنف الأول: أصحاب الكفاءات: مثال سيدنا محمد صلى الله عليه وآله عندما صدع بالرسالة وأراد تبليغها للأمة اتهمته بالجنون والسحر وحاربته حربا شعواء وحاولت الأمة إسقاطه في كل السبل لكنها عجزت لأنه محفوظ من قبل الخالق جل وعلا.
ومنها: سيدنا علي عليه السلام واجه أشد أنواع الإشاعات والمؤامرات واتهموا أهل البيت عليهم السلام أيام حكم يزيد اللعين بالخوارج بحيث ضللوا الأمة. وفي عصر معاوية (قال أنا أحارب عليا بجماعة لا يميزون الناقة من الجمل) فهناك تضليل إعلامي دقيق ومدروس.
ومنها: المؤامرة الكبرى على أهل بيت النبوة.. لماذا؟..
لأنهم حملة الرسالة الحقة بحيث إذا راجعت تاريخ أهل البيت عليهم السلام هناك قول للنبي صلى الله عليه وآله ما منا أهل البيت إلا مسموم أو مقتول.
لماذا؟!! هذا شأن أصحاب الحق في كل عصر ومصر.
وأعطيك عزيزي القارئ:
أمثلة معاصرة للمستهدفين بالإشاعات
1 - إن الطبيب المعروف (هارفي) (1578 - 1657 م) لم يكن له ذنب يستحق به التشهير والاتهام إلا كفاءته وتفوقه الذي جعله يكتشف الدورة
2 - والمكتشف الشهير (غاليلو) الذي يعتبر أحد مفجري عصر النهضة الأوروبية (1564 - 1642 م) اضطر كذلك أن يدفع ضريبة نبوغه وكفاءته العلمية التي تجلت في اكتشافاته وآرائه العلمية المعروفة فقد طورد واعتقل واستجوب أمام محكمة التفتيش ومنعت السلطات الكنيسية جميع الكاثوليكيين من قراءة كتبه وأصدرت ضده فتاوي التكفير وهكذا كل متفوق وصاحب كفاءة، عالما كان أو خطيبا، كاتبا أو مديرا، لا بد وأن يستعد لدفع ضريبة تفوقه وكفاءته بتلقي الاتهامات والإشاعات وشتى أنواع الإيذاء.
وما كانت جريمة يوسف النبي (عليه السلام) في طفولته حتى استحق أن يتآمر عليه إخوته ويلقوه في أعماق البئر ويحرمونه من حب أبيه ورعايته..
لا جرم له إلا جماله وأدبه ومحبة أبيه يعقوب (عليه السلام) البالغة له..
كما ينقل لنا القرآن الكريم حيث يقول تعالى:
(لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين. إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين. اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين. قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين) (1).
____________
(1) سورة يوسف: الآيات من 7 إلى 10.
الذين يتحسسون آلام شعوبهم ويزعجهم الفساد والانحراف في مجتمعاتهم فيهبون لتحمل مسؤولية الإصلاح.
وضمن هذه المعركة والصراع يشهر الطغاة والمفسدون سلاح الإشاعات والاتهامات ضد من يحمل راية الاصلاح ولواء التغيير.
لاحظ عزيزي القارئ هذه الملاحظات:
الملاحظة الأولى (معاناة الأنبياء).
الملاحظة الثانية (تهمة الجنون).
الملاحظة الثالثة (تهمة السحر).
الملاحظة الرابعة (تهمة الكذب).
الملاحظة الخامسة (التهم الأخلاقية).
الملاحظة السادسة (تهمة العمالة) (1).
فمن هنا نستنتج سبب الإشاعات نحو مذهب أهل البيت عليهم السلام المذهب الإسلامي الصحيح، وتوالت الإشاعات بقوة عبر التاريخ من بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله مرورا بالتغطية الإعلامية على خلافة علي عليه السلام واغتصاب حقه ومظلوميته الفاضحة، ومظلومية زوجته الزهراء عليها السلام بحيث اغتصب حقها وإرثها ومن أقرب المقربين لرسول الله صلى الله عليه وآله الذين يدعون بأصحابه ومرورا بمظلومية أولاده كسم الإمام الحسن من قبل معاوية وقتل الحسين وقطع عنقه وحمل رأسه من العراق إلى
____________
(1) أخذ هذا المقطع من مقال للشيخ حسن الصفار من عنوان كراس (كيف نقاوم الإعلام المضاد).
يا لها من فضائح.. يا لها من مجازر قتل جماعية أيام الدولة العباسية بحيث وصل الأمر كل إنسان يعلن حبه للإمام علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان يواجه بالجلد وقطع اللسان. وقطع الأعناق كحجر بن عدي الذي قطع عنقه، وميثم التمار، وأبو ذر الغفاري الذي واجه النفي إلى صحراء الربذة...
ولا زال مذهب أهل البيت عليهم السلام يواجه المؤامرات والضربات تلو الضربات والإشاعات والافتراءات بحيث وصل الأمر بمعاوية أن يجند أقلام تبث هذه الإشاعات الخطيرة لتبرير أفعال وأعمال من تآمر على علي عليه السلام وأهل بيته والأكثر خطورة هذه الإشاعة الفاضحة التي راح ضحيتها آلاف مؤلفة من القتلى وهي إشاعة وأسطورة عبد الله بن سبأ.
لماذا اختلقت هذه الإشاعة؟!! وما هي أسبابها وحيثياتها؟
وما الغاية والهدف من ورائها؟
ولماذا جاءت في هذا الظرف الحرج أثر المؤامرة على الإمام علي عليه السلام وما هو الهدف من صنعها واختراعها؟!!
وكثرت الأقلام للدفاع عن هذه القضية والإشاعة الكاذبة ولا زال الصراع مستمرا والخلاف بين الأمة إلى عصرنا هذا، قسم من يدافع عن هذه الإشاعة ويبرر وجودها بأدلة واهية، وقسم من يثبت أنها أسطورة كاذبة لا أساس لها.
ردا على الإشاعة الخطيرة لعبد الله بن سبأ
لقد كتب الكثير حول أسطورة عبد الله بن سبأ من خصوم الشيعة وأعدائهم وأن عبد الله بن سبأ هو الذي روج للشيعة مذهبهم الذي يعتمد على الوصاية وأن الوصاية مأخوذة من أصل يهودي وبالتالي خرجوا بنتيجة أن التشيع يهودي مصدره هذا الشيخ المسمى عبد الله بن سبأ. وأن ابن سبأ هو الذي دفع الناس وألبها على عثمان بن عفان عندما قتل. وأن ابن سبأ استطاع بحنكته أن يشوش على عدد كبير من الصحابة ليثيروا الفتنة والشغب كما يريد هذا وما جاء به المفكرون والمثقفون السنة من أصحاب الأقلام المأجورة قديما وحاضرا:
والجواب الصحيح عزيزي القارئ:
أقول: كل هذه التقولات والأكاذيب من أعداء التشيع قد جاءت للتغطية على الحق ولكن مصدر هذه الرواية أو الإشاعة الكاذبة تستند في أساسها على ركيزتين:
الركيزة الأولى: سيف بن عمر، وتقول عنه كتب التراجم ما يلي بالحرف الواحد:
يقول ابن حبان: كان سيف بن عمر يروي الموضوعات وقالوا: إنه كان يضع الحديث، وأتهم بالزندقة، كما يقول عنه الحاكم النيسابوري: أتهم سيف بالزندقة، وهو بالرواية ساقط، ويقول عنه ابن معين: ضعيف الحديث فليس فيه خير، وقال عنه النسائي صاحب السنن: ضعيف، وقال عنه السيوطي: إنه وضاع، وقال محمد بن طاهر بن علي الهندي عنه: سيف بن عمر متروك، اتهم
الركيزة الثانية: السري بن يحيى، كما يسميه الطبري، وهو ليس بالسري بن يحيى الثقة، لأن السري بن يحيى الثقة يكون زمانه أقدم من الطبري فقد توفي سنة 197 هـ في حين ولد الطبري سنة 224 هـ فالفرق بينهما سبعة وخمسون عاما، ولا يوجد عند الرواة سري بن يحيى غيره، ولذلك يفترض أهل الجرح والتعديل أن السري الذي يروي عنه الطبري يجب أن يكون واحدا من اثنين، كل منهما كذاب وهما: السري بن إسماعيل الهمداني الكوفي، وهو أولهما وثانيهما السري بن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفى سنة 258 والذي أدرك ابن جرير الطبري وعاصره أكثر من ثلاثين عاما، وكل من هذين قد كذبه أهل الحديث، واتهموهما بالوضع، فقد كذبهما صاحب (تهذيب التهذيب) وصاحب (ميزان الاعتدال) وصاحب (تذكرة الموضوعات) وصاحب (لسان الميزان) وغيرهم واتهموا كل واحد منهم بالوضع.
وقد ذكر النقاد للطبري سبعمائة حديث وحديثا واحدا، وهذه الأحاديث تغطي زمن الخلفاء الثلاثة، وأسانيد هذه الروايات كلها عن السري الكذاب وعن شعيب المجهول، وعن سيف الوضاع المتهم بالزندقة.
ومن تلك الروايات رواية في عبد الله بن سبأ وسنده عن شعيب وعن سيف بن عمر وكل من كتب من أصحاب الأقلام المأجورة فهو عيال على الطبري وعنه
____________
(1) تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 4 - ص 295 نقلا عن (هوية التشيع) للدكتور الوائلي ص 130.
وقد ذكر الدكتور طه حسين الأسطورة السبأية حيث استعرض أولا الصورة التي رسمت لابن سبأ، ثم مزقها بعد تحليل دقيق وانتهى إلى أن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة ودعم رأيه بالأمور التالية:
1 - إن كل المؤرخين والثقات لم يشيروا إلى قصة عبد الله بن سبأ، ولم يذكروا عنها شيئا.
2 - إن المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب ومقطوع بأنه وضاع.
3 - إن الأمور التي أسندت إلى عبد الله بن سبأ تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي، كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ وسخرهم لمآربه، وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض، في منتهى البلاهة والسخف.
4 - عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر وعمار وغيرهم.
5 - عدم وجود أثر لابن سبأ ولجماعته في واقعة صفين وفي حرب النهروان وقد انتهى طه حسين إلى القول: إن عبد الله بن سبأ شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة. ولا وجود له في الخارج (1).
____________
(1) راجع (الفتنة الكبرى) طه حسين (فصل ابن سبأ تحت عنوان: ابن السوداء: ج 1 - ص 131.
وجاء في تاريخ دمشق أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي: (أنت وشيعتك في الجنة) (2).
وأيضا أن النبي صلى الله عليه وآله نظر إلى علي فقال صلى الله عليه وآله: (هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة) (3).
وروى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) في ذيل قوله تعالى:
(وأولئك هم المفلحون) (4) عن أبي بكر المعمري بإسناده عن عيسى عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال:
حدثني سلمان فقال: يا أبا الحسن كلما أقبلت أنت وأنا عند رسول الله إلا قال:
(يا سلمان هذا وحزبه هم المفلحون) (5).
وفي حديث آخر يثبت فيه رسول الله من هو وصيه من بعده:
(يا علي.. لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة، فإن لم تكن نبيا
____________
(1) المناقب: لابن المغازلي: ص 200.
(2) تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي في ترجمة علي بن أبي طالب: ج 2 - ص 345.
(3) تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي في ترجمة علي بن أبي طالب: ج 2 - ص 348.
(4) سورة البقرة: الآية 5.
(5) شواهد النزيل: ج 1 - ص 69.
وفي حديث آخر: عن أبي هريرة عن سلمان قال: قلت يا رسول الله من وصيك؟ فقال صلى الله عليه وآله: (إن وصيي وموضع سري وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب) (2) وعن أم سلمة قالت في ضمن حديث طويل: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن الله اختار من كل أمة نبيا، واختار لكل نبي وصيا، فأنا نبي هذه الأمة وعلي وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي) (3).
وفي حديث آخر: عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أتاني جبرائيل وقد نشر جناحيه، فإذا في أحدهما مكتوب: لا إله إلا الله، محمد النبي صلى الله عليه وآله ومكتوب على الآخر: لا إله إلا الله، علي الوصي) (4).
ما قاله الباحث المتشيع المصري (سعيد أيوب) يكشف عن الحقيقة لماذا عبد الله بن سبأ لم يمزق وحدة المسلمين في الشام!!
ومن الثابت والذي لا خلاف عليه أن القصص وسرد الحكايات كان وجبة أساسية على امتداد العهد الأموي، وتحت ظلاله سبوا أمير المؤمنين عليا في البيوت والحارات وفي المساجد.
____________
(1) ينابيع المودة: للقندوزي الحنفي: ج 1 - ص 78.
(2) (مفتاح النجاة) للحافظ البدخشي: ص 94، و (كنز العمال) ج 6 - ص 143.
(3) (المناقب): للخوارزمي الحنفي: ص 90.
(4) المناقب: للخطيب الخوارزمي الحنفي: ص 90.
ثم لماذا لم يبحث عنه معاوية يوم أن جلس على رقبة الأمة؟
وهو الذي كان يبحث عن المعارضين تحت كل حجر، وأتي بعمرو بن الحمق؟ وقطع رأسه وأهداه إلى زوجته فكان أول رأس أهدي في الإسلام) (1).
ما قاله الدكتور أحمد صبحي حول ابن سبأ
ويبدو أن مبالغة المؤرخين وكتاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ يرجع إلى سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين، فلقد حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة كمقتل عثمان ثم حرب الجمل وقد شارك فيها كبار الصحابة وزوجة الرسول، وكلهم يتفرقون ويتحاربون وكل هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي، أن يبتلى تاريخ الإسلام هذه الابتلاءات ويشارك فيها كبار الصحابة الذين حاربوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وشاركوا في وضع أسس الإسلام، كان لا بد أن تلقى مسؤولية هذه الأحداث الجسام على كاهل أحد، ولم يكن من المعقول أن يتحمل وزر ذلك كله صحابة أجلاء أبلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله بلاء حسنا، فكان لا بد أن يقع عبئ ذلك كله على ابن سبأ فهو الذي أثار الفتنة التي أدت لقتل عثمان، وهو الذي حرض الجيشين يوم الجمل على الالتحام على حين غفلة من علي وطلحة والزبير.
____________
(1) معالم الفتن - سعيد أيوب: ج 1 - ص 489.
لماذا أقحموا ابن سبأ في الفتنة
وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله صريحة في كشف الحقيقة
أنترك أيها القارئ النبيه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله الصريحة في وقوع الفتنة من بعده ونتبع الشائعات والأكاذيب!!
إن الدكتور أحمد صبحي أصاب في تحليله عندما قال: (إن تاريخ الإسلام ابتلي بابتلاءات شارك فيها كبار الصحابة وذكر منهم طلحة والزبير وعائشة زوجة النبي ولكن من الصعوبة إلقاء الوزر والإثم على هؤلاء) فاخترعوا قضية ابن سبأ هذا البعبع ليحمل الوزر والإثم عنهم.
وأضيف إلى كلام الدكتور كونه لم يتطرق للأحاديث النبوية الصريحة التي فضحت أكذوبة ابن سبأ. فأذكر منها:
1 - عن موفق بن أحمد الخوارزمي عن زادان عن علي (رضي الله عنه)
____________
(1) نظرية الإمامة: ص 29.
وهم أنا ومحبي وأتباعي) (1).
وعن جعفر الصادق عن آبائه عن علي (رضي الله عنهم) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي مثلك في أمتي مثل عيسى ابن مريم، افترق قومه ثلاث فرق:
فرقة مؤمنون وهم الحواريون، وفرقة عادوه وهم اليهود، وفرقة غلو فيه فخرجوا عن دين الله وهم النصارى. وإن أمتي ستفترق فيك ثلاث فرق: فرقة اتبعوك وأحبوك وهم المؤمنون، وفرقة عادوك وهم الناكثون والمارقون والفاسقون، وفرقة غلو فيك وهم الضالون. يا علي أنت وأتباعك في الجنة، وعدوك والغالي فيك في النار) (2).
في هذا الحديث ركز الرسول صلى الله عليه وآله على الفرقة التي عادت عليا عليه السلام وفعلا حصل ذلك. الناكثون: طلحة والزبير وعائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله المارقون: الخوارج الذين خرجوا على الإمام.
الفاسقون: وفي أحاديث أخرى القاسطون: وهم معاوية وأزلامه.
وفي حديث آخر: رواه الحافظ النسائي بالإسناد الصحيح في الخصائص عن علي (رضي الله عنه) أنه قال: (أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين).
____________
(1) ينابيع المودة: للقندوزي الحنفي ج 1 ص 109.
(2) (ينابيع المودة) للقندوزي الحنفي: ج 1 - ص 109.
أبي القاسم الرافعي محرر مذهب الإمام الشافعي ما نصه:
(وثبت أن أهل الجمل وصفين والنهروان بغاة) (1).
قال الحافظ عقب قول الرافعي:
(هو كما قال، ويدل عليه (أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين) (2).
ما قاله أحد علماء السنة المعاصرين الشيخ عبد الله الهرري:
(ولا يظن ظان أن قول بعض المحدثين في كتب الاصطلاح) (الصحابة كلهم عدول) معناه أن كلا منهم سالم من الكبيرة، وهذا بعيد من الصواب لأن منهم من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) (3).
وحديث آخر: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله للزبير قبل أن يقاتل عليا عليه السلام (إنك لتقاتلنه وأنت ظالم له) (حديث رواه الحاكم في المستدرك).
وقال الإمام عبد القاهر التميمي في كتابه الإمامة:
أجمع علماء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين والمسلمين أن عليا (كرم الله وجهه) مصيب في قتاله لأهل صفين، كما هو مصيب في أهل
____________
(1) أنظر التلخيص: 4 - 449، لابن حجر العسقلاني.
(2) رواه النسائي في الخصائص، والبزار، والطبراني، نقلا عن كتاب المقالات السنية للشيخ عبد الله الهرري شيخ الأحباش في بيروت.
(3) المقالات السنية: للشيخ الهرري: ص 208.
عزيزي القارئ بعد عرض هذه الأحاديث التي أجمعت عليها الأمة الإسلامية من الفريقين، السني والشيعي على إدانة طلحة والزبير وعائشة على أنهم هم الناكثون وإجماع العلماء على أنهم بغاة ظالمون وأن الإمام عليا كان على حق في قتالهم بتصريحات وأقوال النبي صلى الله عليه وآله ما دام رسول الله صلى الله عليه وآله صرح بأنهم بغاة.
ما هو دور ابن سبأ في هذه القضية وأين هو...؟!
أنهرب من الأدلة القاطعة الصريحة ببغيهم ونلقي الوزر على عاتق شخصية وهمية لا أصل لها.
كل ذلك.. لنبرر ساحة طلحة والزبير وعائشة زوجة النبي لماذا لا نواجه الواقع..؟ كفانا العيش في التناقضات والتأويلات والتبريرات..
لنبرر قتل معاوية بن أبي سفيان لعمار بن ياسر (رض) ونبقى نعيش على المقولة الخرافية (سيدنا معاوية (رض) قتل سيدنا عمار (رض) فالقاتل والمقتول (رض) أتريدونا أن نعيش على الخرافات والإشاعات والأساطير..
أتريدونا أن نقول بأن معاوية اجتهد فأخطأ فأين وجه الاجتهاد الشرعي وصحيح البخاري صريح في قوله:
(يا عمار تقتلك الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار).
فالفئة الباغية تتمثل في معاوية ابن سفيان.
فعندما سمع معاوية بالحديث وعمار قتل عنده قال لعمرو بن العاص يا عمرو عمار قتل عندنا ما هو المخرج ما هو الحل دبرني؟
وأما في خصوص السيدة عائشة.
فموقفها من الإمام أشهر من كفر إبليس فهي التي قادت حرب الجمل وسفكت الدماء وجرت المسلمين إلى القتل والفناء من أجل بغضها لعلي مع أن النبي صلى الله عليه وآله قد حذرها وأخبرها بأنها ستحارب عليا وهي له ظالمة.
فقال لها يوما في محضر نسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب فتقول: ردوني. وضرب على ظهرها وقال: إياك أن تكونيها يا حميراء.
وفي مصادر كثيرة قال: يا حميراء كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة (1).
ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وآله ينبه أصحابه إلى أنها أصل لكل فتنة فقد أخرج البخاري في صحيحه (2) في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي قال:
قام النبي خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال ههنا الفتنة (ثلاثا) من حيث يطلع قرن الشيطان.
وفي لفظ صحيح مسلم (3): خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من بيت عائشة فقال:
____________
(1) الكامل لابن الأثير: 3 - 210، مصنف عبد الرزاق: 11 - 365، السيرة الحلبية 3 - 285، فتوح ابن أعثم: 2 - 287، شرح النهج: 6 - 217، العقد الفريد: 4 - 316، مستدرك الحاكم: 3 - 119، ترجمة الإمام: ص 224 في أنساب الأشراف تحقيق المحمودي.
(2) صحيح البخاري: باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله: 4 - 64.
(3) صحيح مسلم: 8 - 181.
وكانت تحمل قميص رسول الله وتقول:
أيها الناس هذا قميص رسول الله لم يبل وبليت سنته، اقتلوا نعثلا فقد كفر) (1) كانت تسمي عثمان بنعثل لقب شخص يهودي وبعد كل هذا هل يتسنى لأحد أن يقول إن الفتنة أو الإشاعة السبأية صحيحة وكما يقول المثل الشعبي (دود الخل منه وفيه). فلماذا؟ لا ندافع عن علي عليه السلام بأحقيته.. بحربهم.
وأختم قولي: عندما استشهد الإمام علي عليه السلام في المحراب سجدت السيدة عائشة شكرا (2).
ومن أراد التوسع في قضية طلحة والزبير وعائشة وحرب الجمل فليراجع كتابي (حوار ومناقشة حول كتاب السيدة عائشة) في الرد على الدكتور البوطي.
الإشاعة الأخيرة
(أترك الجدال مع الشيعي ولو كان على حق)
قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة النحل: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن..) (كلمة وجادلهم من الجدل وهو:
مقابلة الحجة بالحجة والدليل بالدليل.
____________
(1) تاريخ الطبري: 4 - 477، الكامل لابن الأثير، 3 - 87، فتوح ابن أعثم: 2 - 335، شرح ابن أبي الحديد: 2 - 77 نهاية ابن الأثير: 4 - 156.
(2) راجع مقاتل الطالبيين ص (55) سجودها شكرا لله عندما قتل علي عليه السلام.
وفي الحديث النبوي المروي عن الطرفين: (ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا).
ويعني هذا فيما يعني - على ما يبدو - ما يكون من جدال بالباطل نحو ما جاء في سورة غافر: (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق).
وفي سورة غافر: (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه). إذ يضيف لنفسه الكبر وهو ضلال أيضا فيصر على العناد. فهنا تأتي كلمة أترك الجدال ولو كان على حق ما تجادل فيه، وعلى باطل ما يجادل به الآخر، طبعا هذا بعد مقارعته بالحجج، فليس يعني هذا لا تجادله بل يعني أترك مجادلته بعد الحجة، إن أصر على الكبر والعناد فتكون بذلك قد خرجت عن مسؤولية الأمر بالمجادلة في (وجادلهم).
وكذلك ورد النهي عن الجدل (ولا تجادلهم عن الذين يختانون أنفسهم) (1).
وفي آية أخرى (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد) (2).
فلنجادل بالحسنى - ومن باب أولى أن يكون بالتي هي أحسن بيننا نحن المسلمين، لا أن يفتح أحدنا باب الجدال مع أخيه بالتي هي أسوء. كاتهامه
____________
(1) سورة النساء: الآية 107.
(2) سورة الحج: الآية 3.
محاورة ظريفة
إن أبا حنيفة أسمع بهلول بن عمرو وكان قد مر به. قال: لقد تكلم جعفر الصادق بن محمد بثلاث مسائل ما يعجبني كلامه فيها. يقول إن أفعال الخلق مستنده إليهم مع أن الآيات دالة على أن الله فاعل كل شئ. ويقول: إن الله موجود لكن لا يراه أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة. وهل يكون موجود من لا يرى..؟ ما هذا إلا تناقض، ويقول: أن الشيطان خلق من النار ويعذب بالنار، فكيف يعذب الشئ بجنسه؟
فما كان من بهلول إلا أن تناول حجرا وضرب به رأس أبي حنيفة وشجه.
فذهب إلى القاضي يشتكي منه فأحضرهما القاضي وقال لبهلول: أأنت ضربته..؟ قال: نعم. قال له: ولم؟ فقال: أيها القاضي إن هذا الرجل غلط جعفر بن محمد في ثلاث مسائل فهاكها في الرد عليه:
الأولى: إن أبا حنيفة يزعم أن الأفعال لا فاعل لها إلا الله فهذه الضربة من الله فما تقصيري..؟
الثانية: يقول أن كل موجود لا بد أن يرى فهذا الوجع الذي في رأسه موجود لكن لا يراه أحد. أهو أبيض أم أسود..؟
الثالثة: يقول إن الشئ لا يتعذب بجنسه وهو مخلوق من التراب وهذا الحجر من التراب أيضا فكيف يتعذب بجنسه..؟
محاورة أخرى أظرف
وفي نهاية المطاف ولتعميم الفائدة أرى من المناسب أن أنقل للقارئ الكريم المحاورة التي جرت بين أبي حنيفة وفضال بن الحسين بن فضال الكوفي على ما نقلها الشيخ قطب الدين أبو الحسن سعد بن هبة الله الراوندي في سنة (573 هـ) في كتابه الخرايج والجرايح، قال:
لما أراد الحسين عليه السلام أن يدفن الحسن عليه السلام عند جده أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أمية وقال:
أيدفن عثمان أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي لا يكون ذلك أبدا.
ولحقت عائشة على بغل وهي تقول: ما لي ولكم أتريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب.
فقال ابن عباس لمروان: انصرفوا لا نريد دفن صاحبنا فإنه كان أعلم وأعرف بحرمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله من غير أن يطرق عليه. هجما كما طرق عليه غيره هجما بيته بغير إذنه انصرف ونحن ندفنه بالبقيع كما وصى. ثم قال لعائشة:
واسوأتاه يوما على جمل ويوما على بغل، وفي رواية يوما تجملت ويوما تبغلت وإن عشت تفيلت. فأخذ الشاعر الحسين بن الحجاج البغدادي فقال:
قال الراوندي:
بيان قوله لك التسع من الثمن إنما كان في مناظرة فضال بن الحسين بن فضال الكوفي مع أبي حنيفة فقال له فضال:
قول الله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم).
منسوخ أو غير منسوخ قال: غير منسوخ.
قال: ما تقول في خير الناس بعد رسول الله أبو بكر أو علي بن أبي طالب عليه السلام؟
فقال: أما علمت أنهما ضجيعا رسول الله صلى الله عليه وآله في قبره فأي حجة تريد أوضح من هذه في فضلهما.
فقال له فضال: لقد ظلما إذا أوصيا بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق وإن كان الموضع لهما ووهباه من رسول الله لقد أساءا إذا رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما، وقد أقررت أن قوله تعالى:
(لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) غير منسوخ فأطرق ثم قال:
لم يكن له ولا لهما خاصة لكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا
____________
(1) إشارة إلى ركوبها الجمل.
(2) إشارة إلى ركوبها البغلة يوم منعت دفن الحسن بجانب جده.
فقال له فضال: أنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وآله مات عن تسع حشايا وكان لهن الثمن لمكان فاطمة فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبره والحجرة كذا وكذا طولا وعرضا فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك.
وبعد فما بال عائشة وحفصة يرثان رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة بنته لا ترثه ومنعت الميراث فالمناقضة ظاهرة في ذلك من وجوه كثيرة.
فقال أبو حنيفة نحوه عيني فإنه رافضي خبيث (1).
نعم هكذا كان الجدل، مقارعة الحجة بالحجة فهذه الإشاعة ليست إلا تهربا من الدليل.
وهكذا كانت سيرة المخالفين حين لا يجدون جوابا يتهمون الآخرين بالرفض وهكذا كانت سياسة القوم تعتمد على التأويل والتبرير والإشاعات والأبواق المأجورة للتغطية على الحقائق حيث منعوا بضعة الرسول صلى الله عليه وآله السيدة فاطمة من جميع حقوقها الشرعية والاجتماعية حتى ماتت حزنا وأسى.
لفتت نظري محاورة بين السيدة عائشة وأم سلمة (رض)
قالت لها أم سلمة: لقد سمعت رسول الله يقول: علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني.
أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا؟
____________