قالت أم سلمة: فاتق الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذرك الله ورسوله ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب.
وبعد هذه النصيحة وهذا التذكير من أم سلمة خرجت عائشة من عندها وهي حنقة عليها (1).
فلما خرجت لمحاربة الإمام حلفت أم سلمة ألا تكلمها أبدا فلما رجعت عائشة من حرب الجمل دخلت على أم سلمة فقالت عائشة السلام عليك يا أم المؤمنين. فقالت أم سلمة يا حائط ألم أنهك ألم أقل لك؟! فقالت عائشة فإني أستغفر الله وأتوب إليه كلميني يا أم المؤمنين؟ قالت: يا حائط ألم أقل لك؟ ألم أنهك فلم تكلمها حتى ماتت (2).
مقارنات (بين إرث عائشة، وحرمان فاطمة)
عائشة تطالب بالإرث
وطلب نساء النبي إرثهن على حسب الجبلة البشرية والعرف.
إلا أن عائشة بعد موت الزهراء نسيت هذا الحديث ورجعت إلى الحق والفطرة البشرية فتراها تطرق باب عثمان للمطالبة بإرثها من النبي صلى الله عليه وآله.
روى شريك بن عبد الله في حديث رفعه أن عائشة وحفصة جاءتا عثمان حين نقص أمهات المؤمنين ما كان يعطيهن عمر فسألتاه أن يعطيهما ما فرض عمر
____________
(1) الفتوح لابن أعثم: 2 - 283، شرح النهج: 6 - 217، المعيار والموازنة: ص - 29.
(2) المحاسن والمساوئ: للبيهقي: ص 297 - 298.
لا والله ما ذاك لكما عندي.
فقالتا له: تأتنا ميراثنا من رسول الله من حيطانه، وكان عثمان متكئا فجلس وكان علي بن أبي طالب عليه السلام جالسا عنده فقال:
ستعلم فاطمة أي ابن عم لها اليوم: ألستما اللتين شهدتما عند أبي بكر ولفقتما ومعكما أعرابيا يتطهر ببوله مالك بن الحويرث من الحدثين فشهدتم أن النبي قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فإن كنتما شهدتما بحق فقد أجزت شهادتكما على أنفسكما وإن كنتما شهدتما بباطل فعلى من شهد بالباطل لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فقالتا له: يا نعثل والله لقد شبهك رسول الله صلى الله عليه وآله بنعثل اليهودي. فقال لهما: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط).
أخرج ابن داود وابن ماجة عن عامر عن سعد بن أبيه قال: مرضت عام الفتح حتى أشفيت على الموت فعادني رسول الله فقلت: أي رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي.
أفأتصدق بثلثي مالي؟
قال: لا.
قلت: فالشطر؟
قال: لا.
قلت: فالثلث؟
قال: الثلث والثلث كثير إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة
(يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا!! أفعلى عمد تركتم كتاب ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول:
(وورث سليمان داود) وقال فيما اقتص من خبر زكريا:
(فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا).
وقال:
(وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله). قال:
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وقال: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين).
فخرجنا من عنده (1).
هذا الكلام من عثمان كان صاعقة عليهما لأنه يحمل آيات الحق ويبين ظلمهما للزهراء عليها السلام لما لفقتا كذبا وزورا لمنع الزهراء من إرث أبيها.
الزهراء عليها السلام تطالب بالإرث
وبناء على مذهب أهل السنة فإن عائشة لا تملك شيئا ولا سائر أخواتها من نساء النبي صلى الله عليه وآله وهذه الحقيقة من أبرز ما وقع فيه الخلاف بعد الخلافة، فبعد أن
____________
(1) الإيضاح للفضل بن شاذان ص (258 - 268).
قال أبو بكر: إن رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وآله من هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولأعملت فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وآله.
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي عليه السلام ليلا ولم يؤذن لها أبو بكر (1).
وفي عبارة أخرى: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: إن النبي لا يورث (2) وفي عبارة ثالثة: حدثني رسول الله إن الله يطعم النبي صلى الله عليه وآله الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه الله إليه رفعت (3).
وفي عبارة رابعة: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنما هي طعمة أطعمني إياها الله في حياتي ما دامت فهي بين المسلمين (4).
____________
(1) صحيح البخاري: 5 - 177 و 8 - 185، صحيح مسلم: 3 - 1280، سنن البيهقي: 6 - 30.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي: 16 - 219.
(3) المصدر السابق: 16 - 223.
(4) فتوح البلدان: ص 38.
ثم قالت: أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟
أم هل تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان؟
أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟
أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟! فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون.
ولا ينفعكم إذ تندمون، (ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) (من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) (1).
فسبحان من خصها بهذا البيان القاطع والبلاغة الواضحة حيث أنها لم تبق للخليفة أي مهرب وقد استدلت بتوريث الأنبياء ثم بتوريث الناس.
وهذه الآيات كلها عامة فكيف يخص بها محمد صلى الله عليه وآله دون غيره من سائر بني الإنسان.
ولذا كان أبو بكر متهما بحديثه الذي تفرد به دون سائر الصحابة. وهذا الحديث غريب لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده.
____________
(1) توجد هذه الخطبة الموجهة لأبي بكر: بلاغات النساء: ص 14 أعلام النساء: 3 - 1208، شرح النهج: 16 - 211، وقد أخرجها الطبرسي في الإحتجاج.
الفصل الثامن
أسباب التحول والانتقال
واكتشفت أحاديث حار فيها علماء السنة
أولا: حديث الدار أو حديث الانذار
وهو قول النبي صلى الله عليه وآله:
(هذا علي أخي، ووزيري، ووصيي، وخليفتي من بعدي).
أخرجه كثير من الحفاظ، وأئمة الحديث، وأهل السير والتواريخ من الفريقين في صحاحهم، ومسانيدهم، واعترفوا بصحته، وكثرة رواته، وتلقاه المؤرخون من الأمة الإسلامية وغيرها بكل قبول، ملقين إليه بسلاح النظر والتفكير، إذ أنه ظهر بين الرواة ظهورا واضحا لا غبار عليه، وأرسل في صحيفة التاريخ إرسال المسلم.
وقد صدر هذا الحديث عن صاحب الرسالة في بدء الدعوة.
ونص الحديث على ما ذكره الطبري في تاريخه (1) عن أبي حميد، قال:
حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمر، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن
____________
(1) ج 3 - ص 560.
لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله (وأنذر عشيرتك الأقربين) (1) دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا علي! إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت إني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليه حتى جاء جبرئيل، فقال:
(يا محمد! إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك)! فاصنع لنا صاعا من الطعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسا من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به.
ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وآله جذبة من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال:
خذوا بسم الله. فأكل القوم حتى ما لهم بشئ حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم.
ثم قال: اسق القوم. فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعا، وأيم الله، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله.
____________
(1) سورة الشعراء: الآية 214.
قال: ففعلت، ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام، فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشئ حاجة، ثم قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعا.
ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: (يا بني عبد المطلب! إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي، وخليفتي فيكم)؟
قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت - وإني لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا -: أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه.
فأخذ برقبتي، ثم قال:
(إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا).
قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب:
قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
قال العلامة الحجة الأميني في كتابه الغدير (1) بعد ذكر هذا الحديث: وبهذا
____________
(1) ج 2 - ص 279.
ورواه الفقيه برهان الدين في (أنباء نجباء الأنباء) ص 44 - 48، وابن الأثير في الكامل ص 24، وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في (تاريخه) ج 1 - ص 116، وشهاب الدين الخفاجي في (شرح الشفا) للقاضي عياض ج 3 - ص 137 وبتر آخره، وقال:
ذكر في دلائل البيهقي، وغيره بسند صحيح.
والخازن علاء الدين البغدادي في (تفسيره) ص 390، والحافظ السيوطي في (جمع الجوامع) كما في ترتيبه ج 6 - ص 392 نقلا عن الطبري، وفي ص 397 عن الحفاظ الستة: أبي إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي.
وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) ج 3 - ص 254، وذكره المؤرخ جرجي زيدان في (تاريخ التمدن الإسلامي): ج 1 - ص 31، والأستاذ محمد حسنين هيكل في (حياة محمد) ص 104 من الطبعة الأولى.
ورجال السند كلهم ثقات إلا أبو مريم عبد الغفار بن القاسم فقد ضعفه القوم، وليس ذلك إلا لتشيعه، فقد أثنى عليه ابن عقدة وأطراه، وبالغ في مدحه كما في (لسان الميزان) ج 4 - ص 43 وأسند إليه، وروى عنه الحفاظ المذكورون، وهم أساتذة الحديث، وأئمة الأثر، والمراجع في الجرح والتعديل، والرفض والاحتجاج.
____________
(1) قال المؤلف: راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3 - ص 263.
وصححه أبو جعفر الإسكافي، وشهاب الدين الخفاجي كما سمعت، وحكى السيوطي في (جمع الجوامع) كما في ترتيبه ج 6 - ص 396 تصحيح ابن جرير الطبري له، على أن الحديث ورد بسند آخر رجاله كلهم ثقات كما يأتي، أخرجه أحمد في مسنده ج 1 - ص 111 بسند رجاله كلهم من رجال الصحاح بلا كلام، وهم: شريك، الأعمش، المنهال، عباد.
وليس من العجيب ما هملج به ابن تيمية من الحكم بوضع الحديث، فهو ذلك المتعصب العنيد، وأن من عادته إنكار المسلمات، ورفض الضروريات، وتحكماته معروفة، وعرف منه المنقبون أن مدار عدم صحة الحديث عنده هو تضمنه فضائل العترة الطاهرة!!
ثم ذكر العلامة الأميني صورة ثانية فراجع، وقال: أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 1 - ص 159 عن عفان بن مسلم الثقة المترجم له ج 1 - ص 86 عن أبي عوانة الثقة المترجم له ج 1 - ص 78 عن عثمان بن المغيرة الثقة، عن أبي صادق مسلم الكوفي الثقة، عن ربيعة بن ناجذ التابعي الكوفي الثقة، عن علي أمير المؤمنين عليه السلام.
وبهذا السند والمتن أخرجه الطبري في تاريخه ج 1 - ص 217، والحافظ النسائي في الخصائص ص 18.
وصدر الحفاظ الكنجي الشافعي في الكفاية ص 89، وابن أبي الحديد في (شرح النهج) ج 3 - ص 255، والحافظ السيوطي في (جمع الجوامع) كما في
صورة ثالثة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعا بني عبد المطلب، وساق الحديث فراجع، ثم قال: أخرجه الحافظ ابن مردويه، بإسناده، ونقله عنه السيوطي في (جمع الجوامع) كما في كنز العمال ج 6 - ص 401.
وذكر للحديث أيضا صورة رابعة - بعد ذكر صدر الحديث -:
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا بني عبد المطلب، إن الله بعثني إلى الخلق كافة، وإليكم خاصة، فقال: (وأنذر عشيرتك الأقربين) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر، ويؤازرني، يكن أخي، ووزيري، ووصيي، ووارثي، وخليفتي من بعدي). فلم يجبه أحد منهم.
فقام علي، وقال: أنا يا رسول الله. قال: اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثانيا، فصمتوا، فقام علي، وقال: أنا يا رسول الله. فقال: اجلس.
ثم أعاد القول على القوم ثالثا، فلم يجبه أحد منهم، فقام علي: فقال: أنا يا رسول الله. فقال: (اجلس، فأنت أخي ووزيري، ووصيي، ووارثي، وخليفتي من بعدي).
أخرجه الحافظان ابن أبي حاتم واليعقوبي، ونقله عنهما ابن تيمية في (منهاج السنة) ج 4 - ص 80 وعنه الحلبي في سيرته ج 1 - ص 304.
ثم قال: صورة خامسة، في حديث قيس ومعاوية فيما رواه التابعي الكبير صادق الهلالي في كتابه عن قيس.
رواه مسندا وبهذا السند والمتن أخرجه صدر الحفاظ الكنجي الشافعي في الكفاية ص 89.
ثم قال: في صورة سابعة، أخرجه أبو إسحاق الثعلبي في (الكشف والبيان) عن أبي رافع، إلى قوله: وذكر الحديث عبد المسيح الأنطاكي المصري المسيحي في تعليقه على (العلوية المباركة) ص 76 ولفظ ذيل الحديث فيه: (فمن يجيبني إلى هذا الأمر) وذكر الحديث نظما، راجع الجزء الثاني من كتاب (الغدير) للعلامة الحجة الأميني ص 284.
وقد قال الإمام الأكبر، فقيد الإسلام السيد عبد الحسين شرف الدين (رحمه الله) في كتابه (المراجعات) ص 119:
وهذا الحديث - أي حديث الدار المتقدم - أورده الكاتب الاجتماعي محمد حسنين هيكل المصري في الطبعة الأولى - من كتابه (حياة محمد صلى الله عليه وآله) لكنه لم يذكره في الطبعة الثانية والثالثة!!
أقول: وقد قامت الضجة حول إثباته الحديث، وهو صريح في استخلاف علي أمير المؤمنين عليه السلام وحين قيام الضجة نشر في جريدته (السياسة المصرية) مصادر هذا الحديث، فراجع العمود الثاني من الصفحة الخامسة من ملحق (عدد) 2751 من جريدته (السياسة المصرية) الصادر في 12 ذي العقدة سنة 1350 هـ تجده مفصلا، وإذا راجعت العمود الرابع من ص 6 من ملحق (عدد) 2785 من (السياسة) تجده ينقل الحديث عن كل من:
قلت: ونقل الحديث (جرجس) الإنجليزي في كتابه الموسوم (مقالة في الإسلام) وقد ترجمه إلى العربية ذلك الملحد البروتستاني الذي سمى نفسه بهاشم العربي!!
والحديث تجده في ص 79 من ترجمة المقالة في الطبعة السادسة.
ولشهرة هذا الحديث ذكره عدة من الإفرنج في كتبهم الفرنسية والإنجليزية، والألمانية، واختصره (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال) أقول:
ففي هذا الحديث الشريف دلالة واضحة، وحجة قاطعة على أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله هو علي بن أبي طالب عليه السلام لأن النبي صلى الله عليه وآله أصدر هذا الأمر في أول بدء الدعوة، واستوزر بها عليها عليه السلام إذ لم يتصد لها غيره من القوم الذين حضروا الدار في المرات الثلاث، وفي كلها ينهض علي عليه السلام قائلا:
أنا يا رسول الله.
وفي آخرها قال له رسول الله صلى الله عليه وآله:
(أنت أخي، ووزيري، ووصيي، وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا) (1).
____________
(1) ونذكر لك عزيزي القارئ مصادر أخرى لأعلام القوم قد رووا هذا الحديث المبارك، منهم:
=>
____________
<=
أحمد في مسنده: 1 - 111 - و ص 330، والحاكم في المستدرك: 3 - 123، والطبري في
تفسيره: 19 - 68، عنها إحقاق الحق: 3 - 560.
ورواه الثعلبي في تفسيره: 75 على ما في مناقب عبد الله الشافعي، والطبري في تاريخ الملوك: 2 -
62، والخركوشي في شرف النبي: 70، وابن حسنويه في در بحر المناقب: 39 (مخطوط)،
وسبط ابن الجوزي في التذكرة: 44، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة: 68، وفرائد
السمطين: 1 - 85، والزرندي في نظم درر السمطين: 82، وابن سعد في الطبقات الكبرى:
1 - 187، وأبو الفداء في تفسيره (المطبوع بهامش فتح البيان: 7 - 193) وابن أبي بكر في
مجمع الزوائد: 8 - 302 و ج 9 - 113، والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال: 5 - 41
(المطبوع بهامش المسند)، وبرهان الدين الحلبي في إنسان العيون المشهور بالسيرة الحلبية: 1 -
286، والقندوزي في ينابيع المودة: 105 عنها إحقاق الحق: 4 / 60 - 70.
ورواه الخازن في تفسيره: 5 - 105، والبغوي في معالم التنزيل: 5 - 105، والآمرتسري في
أرجح المطالب: 230، والنسائي في الخصائص: 18، والحنفي في حياة الصحابة: 1 - 81 و
155، والحسكاني في شواهد التنزيل: 1 - 20، عنها إحقاق الحق: 14 - 423 - 430.
ورواه الهندي في كنز العمال: 15 - 100، وابن الورد في تاريخه: 1 - 138، وأبو الفداء القرشي
في السيرة النبوية: 1 - 459، عنها الإحقاق: 15 - 144 - 149، وفي ص 193 - 195 و
207 و 280 و 505 - 507 عن شرح النهج لابن أبي الحديد: 3 - 255، وابن عساكر في
ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق: 1 83 و 84، وأبو الفرج في الوفا بأحوال المصطفى
: 1 279، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين: 244.
ورواه الأنصاري في مختصر تاريخ دمشق: 17 - 120، ومحمد المكي في الغرر والدرر: 124،
وأبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي عليه السلام خرجه الشيخ محمد باقر المحمودي وسماه (النور
المشتعل): 155، عنها إحقاق الحق: 20 - 119 - 130، وفي ص 224 و 231 و 238 و
381، عن الشافعي في تهذيب الآثار وتفصيل المعاني الثابت من رسول الله صلى الله عليه وآله: 1 - 57،
والجرجاني في الكامل في الرجال: 2 - 588.
يا مسلمون! فلماذا هذا التعصب مع وجود النص الصريح الوارد في كتب القوم (السنة) على أن الخلافة فورية، وإرجاؤها دعوى تحتاج إلى دليل هناك؟!
ثانيا: حديث الثقلين
وهو قول النبي صلى الله عليه وآله:
(إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا).
بلغ هذا الحديث الشريف من الشهرة ما أغنى استطراد مصادره، فإنه قد رواه الفريقان، واعترفت به الفرقتان، وعرفه الخاص والعام، بل حفظه الصغير والكبير، والعالم والجاهل، فهو فاكهة الأندية وفي مذاق الأفواه حتى كاد أن يتجاوز حد التواتر.
غير أن الرواة اختلفوا في نص هذا الحديث الشريف اختلافا كثيرا، إلا أن الاختلاف الذي جاء فيه لا يغير مفاده، ولا يجعل منه منزعا للتأويل الزائغ، ولا ذريعة للفرار عما ألزم به منطوقه.
وهذا الاختلاف يشهد لما قيل من أن رسول الله صلى الله عليه وآله نطق بمفاد هذا الحديث الشريف في عدة مواطن، مراعيا وحدة المعنى والغرض، كما أن تعدد الرواة له، وتعدد الطرق لروايته ينبئنا عن تعدد تلك المواطن، ومن تلك المواطن:
وسنذكر لك أيها القارئ اللبيب بعض من أخرج هذا الحديث الشريف من أئمة أهل السنة قديما وحديثا في كتبهم من الصحاح، والسنن، والمسانيد، والتفاسير، والسير، والتواريخ، واللغة، وغيرها بأسانيد عديدة، وطرق شتى، وذلك لزيادة الإيضاح والاطمئنان، وتتميما للفائدة.
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده (2) عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
(إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل، وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني بهما أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
وأخرج أيضا في نفس المصدر ص 26 عن أبي سعيد الخدري حديثا آخر.
وأخرج أيضا في نفس المصدر ص 59 عن أبي سعيد الخدري حديثا آخر.
وأخرج في الجزء الرابع ص 367 عن زيد بن أرقم حديثا آخر.
____________
(1) قال المؤلف: أنظر إلى كتاب (الثقلان) للإمام الحجة الشيخ محمد الحسين المظفر (رحمه الله) تجد ما ذكرناه وزيادة على ذلك مما فيه الكفاية.
أقول: ونطق به صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف بعد انصرافه من الطائف أيضا.
(2) ج 3 - ص 17.
(وأنا تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:
وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي).
وأخرج المتقي الهندي في كنز العمال (2) حديثا يقرب من حديث مسلم المتقدم.
وفي صحيح الترمذي (3) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصوى، يخطب فسمعته يقول:
(يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي).
قال الترمذي - بعد إيراده الحديث -: وفي الباب عن أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد.
وفيه أيضا: عن زيد بن أرقم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
____________
(1) 2 - ص 238.
(2) ج 7 - ص 112.
(3) ج 2 - ص 308.
وأخرج هذا الحديث الطبري في ذخائر العقبى ص 16.
وأخرج الحاكم في المستدرك (1) عن زيد بن أرقم، أن النبي صلى الله عليه وآله قال في حجة الوداع:
(إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى، وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
وذكر الحاكم هذا الحديث أيضا في ص 148 و 532 من مستدركه، وقال - بعد إيراده الحديث -: إنه صحيح على شرط الشيخين.
وقد أورد هذا الحديث الذهبي في تلخيص المستدرك.
وقد أخرج القندوزي الحنفي حديث الثقلين في ينابيع المودة (2) من طرق شتى.
وأخرج ص 36 عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال في العترة:
وهم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، أيها الناس إنكم لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
وقد أخرج ابن حجر في صواعقه لحديث الثقلين طرقا كثيرة، ففي الباب
____________
(1) ج 3 - ص 109.
(2) ص 25.
اعلم أن الحديث التمس بذلك طرقا كثيرة، وردت عن نيف وعشرين صحابيا، ومر له طرق مبسوطة في الشبهة الحادية عشرة، وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنه قال بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنه قال [ ذلك ] لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر.
ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز، والعترة الطاهرة (1).
وفي تاريخ اليعقوبي (2) قال النبي صلى الله عليه وآله.
(أيها الناس إني فرطكم، وأنتم واردون علي الحوض، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
قالوا: وما الثقلان يا رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قال: (الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله، وطرف بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي).
إلى غير ذلك مما يطول الكلام باستقصاء ذكرهم كالطبري في ذخائر العقبى ص 16، والدارمي في سننه: ج 2 - ص 432، والنسائي في خصائصه ص 30، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب الباب الأول ص 11 في بيان صحة خطبته بماء يدعى خما، قال بعد نقل الحديث:
____________
(1) الصواعق المحرقة: 150 (مكتبة القاهرة).
(2) ج 2 - ص 93.
ورواه أبو داود، وابن ماجة القزويني في كتابيهما، وأيضا في الباب الحادي والستين ص 130، وأبو نعيم الأصفهاني في حليته: ج 1 - ص 355، وابن الأثير الجزري في أسد الغابة: ج 2 - ص 12 و ج 3 - ص 147، وابن عبد ربه في العقد الفريد: ج 2 - ص 346 و 158 في خطبة النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع.
وابن الجوزي في تذكرة الخواص الباب الثاني عشر ص 332 قال بعد نقل قول جده: وقد أخرجه أبو داود في سننه، والترمذي أيضا، وذكره رزين في الجمع بين الصحاح، والعجب كيف خفي عن جدي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم.
والحلبي الشافعي في إنسان العيون: ج 3 - ص 308.
والثعلبي في الكشف والبيان في تفسير آية الإعتصام، وفي تفسير آية الثقلان، والفخر الرازي في تفسيره: ج 3 - ص 18 تفسير آية الإعتصام، والنيسابوري في تفسيره ج 1 - ص 349 تفسير آية الإعتصام.
والخازن في تفسيره ج 1 - ص 257 في تفسير آية الإعتصام، وفي الجزء الرابع ص 94 في تفسير آية المودة، وأيضا في تفسير آية (سنفرغ لكم أيها الثقلان) (1) ص 212. وابن كثير الدمشقي في الجزء الرابع ص 113 في تفسير آية المودة، وفي الجزء الثالث ص 485 في تفسير آية التطهير، وأيضا في تاريخه في الجزء الخامس أو السادس في ضمن حديث الغدير، وابن أبي الحديد في شرح النهج
____________
(1) سورة الرحمن: الآية 31.
والشبلنجي في نور الأبصار ص 99.
وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 25.
والحمويني في فرائد السمطين بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، والبغوي الشافعي في مصابيح السنة ج 2 - ص 205 و 206.
قال الإمام شرف الدين (ره) في مراجعاته ص 42:
والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متظافرة، وقد صدح بها رسول الله صلى الله عليه وآله في مواقف له شتى: تارة يوم غدير خم كما سمعت، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع، وتارة بعد انصرافه من الطائف، ومرة على منبره في المدينة، وأخرى في حجرته المباركة في مرضه، والحجرة غاصة بأصحابه إذ قال:
(أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إني مخلف فيكم كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي)، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فرفعها، فقال:
(هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا على الحوض) الحديث، ثم قال: أخرجه الطبراني كما في أربعين الأربعين للنبهاني، وفي إحياء الميت للسيوطي.
وأنت تعلم أن خطبته صلى الله عليه وآله يومئذ لم تكن مقصورة على هذه الكلمة، فإنه لا
يقال عمن اقتصر عليها أنه خطبنا، لكن السياسة كم اعتقلت ألسن المحدثين،
وحبست أقلام الكاتبين، ومع ذلك فإن هذه القطرة من ذلك البحر، والشذرة من