الصفحة 35

مدخل
في فضائل أهل البيت...

في هذا الباب من السعة ما قصرت عنه التصانيف الكبار، غير أننا سنشير هنا إلى شئ من فضائلهم - عليهم السلام - التي لم يشاركهم فيها أحد من الناس، تاركين ما يتعلق منها بالفصول القادمة إلى محله، ليكون هذا مدخلا لما يليه...

1 - آية المباهلة:

هذه الآية التي خلدت حدثا هو من أظهر معاجز سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، إذ جاء وفد نصارى نجران يدعي لنفسه الحق والظهور على الدين كله، فخاطب المليك المقتدر حبيبه المصطفى، فقال: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) (1).

____________

(1) آل عمران: 61

الصفحة 36
فمن الذين اصطفاهم الله تعالى لتلك المنازل العظمى؟

أولئك هم الذين انتخبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصداقا لهذه الآية الكريمة: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، ولا أحد سواهم (1).

قال البغوي في تفسيره: (آباءنا) أراد الحسن والحسين (ونساءنا) فاطمة (وأنفسنا) عنى نفسه وعليا رضى الله عنه (2).

وقال الرازي: هذه الآية دالة على أن الحسن والحسين عليهما السلام كانا ابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعد أن يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين فوجب أن يكونا ابنيه (3).

وهكذا يقال في علي عليه السلام، إذ وعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (وأنفسنا) فجاء بعلي معه.

ثم كانت بضعته الزهراء البتول كل ما اصطفاه من نساء أمته.

وأما الزمخشري فيقول: وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم، وقرب منزلتهم، بأنهم مقدمون على الأنفس، مفدون بها، وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (4)، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (5).

____________

(1) أنظر صحيح مسلم 4: 1871 / (32 - 2404). سنن الترمذي 5: 225 / 2999، مصابيح السنة 4: 183 / 4795، الكامل في التاريخ 2: 293، أسباب النزول للواحدي: 60، تفسير الرازي 8: 81، تفسير الزمخشري 1: 368، تفسير القرطبي 4: 104، تفسير الآلوسي (روح المعاني) 3: 188 - 189، تفسير النفسي 1: 221، تفسير أبي السعود 2: 46، تفسير فتح القدير للشوكاني 1: 347 - 348، معالم التنزيل للبغوي 1: 480، جامع الأصول 9: 470 / 6479 وسائر كتب التفسير، ومناقب أهل البيت عليهم السلام.

(2) معالم التنزيل 1: 480.

(3) تفسير الرازي 8: 81.

(4) سيأتي بيانه في الحديث اللاحق.

(5) التفسير الكشاف 1: 369 - 370.

الصفحة 37

2 - آية التطهير وحديث الكساء:

قد تقدمت شهادة الزمخشري بأن أصحاب الكساء هم: محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، فما هو خبر الكساء، وما صلته بآية التطهير؟

أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرحل (1) من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (2).

وروى الزمخشري هذا الحديث في تفسيره، ورواه الرازي أيضا، ثم عقب عليه بقوله: واعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث (3).

وأخرج الترمذي حديث أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، وحامتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ".

قالت أم سلمة: وأنا معهم، يا رسول الله؟

فقال: " إنك على خير " (4).

____________

(1) المرط: كساء من صوف أو خز، ويقال: مرط مرحل: إذا كان منقوش عليه صور الرحال، أو فيه علم.

(2) صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة - 4: 1883 / 2424.

(3) تفسير الرازي - عند الآية (61) من سورة آل عمران - 8: 80.

(4) سنن الترمذي - كتاب التفسير - 5: 351 / 3205 - وكتاب المناقب - 5: 663 / 3787 و 669

=>


الصفحة 38
وهكذا يثبت أن أصحاب الكساء الخمسة هم المشار إليهم في آية التطهير.

فعن سعد بن أبي وقاص: لما نزلت هذه الآية (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: " اللهم، هؤلاء أهلي " (1).

وقال الواحدي: إن هذه الآية نزلت في خمسة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام (2).

وأفرد المحب الطبري بابا أسماه: باب في بيان أن فاطمة وعليا والحسن والحسين هم أهل البيت المشار إليهم في قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (3).

____________

<=

/ 3871.

(1) صحيح مسلم 4: 1871 / (32 - 2404)، سنن الترمذي 5: 638 / 3724، مصابيح السنة 4 : 183 / 4795، جامع الأصول 9: 470، الاستيعاب - بهامش الإصابة - 3: 37، أسد الغابة 4:

26، وغيرهم كثير.

(2) أسباب النزول للواحدي: 200.

(3) ذخائر العقبى، وذكر في ذلك عدة أحاديث بين ص: 21 - 24.

ومن مصادر حديث الكساء غير ما تقدم: مسند أحمد 4: 107 و 6: 292، 304، مصابيح السنة 4 : 183 / 4796، المستدرك 2: 416 و 3: 148، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9: 61 / 6937، سير أعلام النبلاء 3: 283، الصواعق المحرقة: باب 11 الفصل 1: 143، الخصائص للنسائي: 4، شواهد التنزيل 2: - 92 / 637 - 774، أسد الغابة 4: 29، الخصائص الكبرى للسيوطي 2: 464، مجمع الزوائد 9: 167.

الصفحة 39

3 - القرآن الكريم يأمر بمودتهم:

قال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (1).

قال الزمخشري: روي أنها لما نزلت قيل: يا رسول الله، من هم قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم: " علي وفاطمة، وابناهما " (2).

ورواه عنه الرازي، ثم قال: فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد من التعظيم، ويدل عليه وجوه:

الأول: قوله تعالى: (إلا المودة في القربى).

الثاني: لا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب فاطمة عليها السلام، قال صلى الله عليه وآله وسلم: " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها " وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يحب عليا والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله، لقوله تعالى:

(واتبعوه لعلكم تهتدون) ولقوله: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره)..

الثالث: أن الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة، وهو قوله: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " وهذا التعظيم لم

____________

(1) سورة الشورى: 23.

(2) الكشاف: 4: 219 - 220.

وروي الحديث أيضا في: فضائل الصحابة 2: 699 / 1141، المستدرك 3: 172، شواهد التنزيل 2: 130 من عدة طرق، الصواعق المحرقة: باب 11 فصل: 1: 170 - الآية 14: تفسير الرازي 27: 166: مجمع الزوائد 9: 168: وسائر كتب المناقب.

الصفحة 40
يوجد في حق غير الآل.

فكل ذلك يدل على أن حب محمد وآل محمد واجب، وقال الشافعي رضي الله عنه:

يا راكبا قف بالمحصب من منى * واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى * فيضا كما نظم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان: أني رافضي (1)

4 - ويوجب الصلاة عليهم:

في قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (2).

وهذا مما لا يغيب عن أحد، فكلنا نؤديه في صلواتنا، واجبة كانت أم مستحبة، وفي أذكارنا ودعائنا، لما ثبت في المتواتر عن صورة الصلاة على النبي حين سئل: كيف نصلي عليك، يا رسول الله؟

فقال: " قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على

____________

(1) تفسير الرازي 27: 661.

(2) الأحزاب: 56.

الصفحة 41
إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم " (1).

وفي هذا جاءت أبيات الشافعي الشهيرة:

يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الشأن أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له (2)

5 - ويبشرهم بالجنة والرضوان:

إذ يقول: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) (3).

وقد توافق المسلمون على أن هذه الآيات نزلت خاصة في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في قصة التصدق على المسكين واليتيم والأسير، وقد ذكرها أغلب أهل التفسير (4).

____________

(1) صحيح البخاري 6: 217 / 291، الترمذي 5: 359 / 3220 والحديث أشهر من أن نحصي مصادره.

(2) الصواعق المحرقة: باب 11 فصل 1: 148.

(3) الدهر - الإنسان -: 11، 12.

(4) أنظر: التفسير الكشاف - للزمخشري - 4: 670، وتفسير الرازي 30: 243، وقال: ذكره الواحدي في كتاب (البسيط)، فتح القدير للشوكاني 5: 349، روح المعاني 29: 157 - 158، معالم التنزيل للبغوي 5: 498، تفسير أبي السعود 9: 73، تفسير البيضاوي 2: 552، تفسير النسفي 3: 628،

=>


الصفحة 42

6 - علي وارث علم النبي:

فقد قال عليه السلام: " علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف باب من العلم وتشعب لي من كل باب ألف باب " (1).

وقال عليه السلام أيضا: " كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاني، وإذا سكت ابتدأني " (2).

7 - وأحب الخلق إلى الله:

ومما يشهد لهذا: حديث (الطائر المشوي) الشهير، كما يرويه أنس بن مالك، وخلاصته، قال: كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم طير أهدي إليه، فقال:

" اللهم إئتني بأحب الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير ".

فجاء علي فرددته، ثم جاء فرددته، فدخل في الثالثة، أو في الرابعة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ما حبسك عني "؟.

____________

<=

روح البيان للشيخ إسماعيل حقي 10: 268 وقد استوفى الموضوع تفصيلا ومناقشة.

(1) تفسير الرازي 8: 21 - عند تفسير قوله تعالى (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم..) " آل عمران: 23 ". ورواه ابن عساكر في تاريخه كما في ترجمة الإمام علي منه 2: 485 / 1012، والجويني في فرائد السمطين 1: 101 / 70، والمتقي في كنز العمال 13: 114 / 36372، والحافظ المغربي في (فتح الملك العلي): 48.

(2) سنن الترمذي 5: 637 / 3722 و 640 / 3729، مصابيح السنة 4: 174 / 4771، المستدرك 3: 125، الخصائص للنسائي: 30، أسد الغابة 4: 29، جامع الأصول 9: 474 / 6492، الصواعق المحرقة - باب 9 -: 123، حلية الأولياء 1: 68، كنز العمال 13 / 36387.

الصفحة 43
قال: والذي بعثك بالحق نبيا إني لأضرب الباب ثلاث مرات ويردني أنس.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لم رددته "؟.

قلت: كنت أحب معه رجلا من الأنصار فتبسم النبي (1).

8 - وأخصهم برسول الله:

فلا أحد أقرب ولا أخص منه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي حديث المناجاة، عن جابر، وعبد الله بن عباس: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه!

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ما أنا انتجيته، ولكن الله انتجاه " (2).

____________

(1) سنن الترمذي 5: 636 / 3721، الخصاص للنسائي: 5، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2:

560 / 945، المستدرك على الصحيحين 3: 130 - 132، وصححه، وقال رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا، ومصابيح السنة 4: 173 / 4770، أسد الغابة 4: 30، البداية والنهاية 7: 363، جامع الأصول 9: 471، وتاريخ دمشق لابن عساكر كما في ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق 2:

106 - 134 من أربع وأربعين طريقا، الرياض النضرة 3: 114 - 115، ذخائر العقبى: 61، وكفاية الطالب: 144 - 156 وأحصى فيه ستة وثمانين رجلا كلهم رووه عن أنس، وقال الخوارزمي في مقتل الإمام الحسين (ص 46): أخرج ابن مردويه هذا الحديث بمائة وعشرين إسنادا. وسيأتي أن الذهبي ألف جزءا فيما اعتمده من طرق هذا الحديث.

(2) الترمذي 5: 639 / 3726، مصابيح السنة 4: 175 / 4773، أسد الغابة 4: 27، جامع الأصول 9 / 6493، تاريخ بغداد 7: 402، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي 42، المناقب لابن المغازلي : 124 / 162 - 166 من خمسة طرق، مناقب الخوارزمي: 82، النهاية في الحديث 5: 25، تاج العروس 10: 358، شرح النهج لابن أبي الحديد 9: 173 / 21، الرياض النضرة 3: 170، والبداية والنهاية: 7: 369.

الصفحة 44
وفي حديث سد الأبواب: عن عبد الله بن عباس، وزيد بن أرقم، وغيرهم: كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " سدوا الأبواب، إلا باب علي ".

فتكلم بذلك الناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد، فإني أمرت بسد هذه الأبواب إلا باب علي، وقال فيه قائلكم، والله ما سددته ولا فتحته، ولكني أمرت فاتبعته " (1).

9 - علامة الإيمان:

قال علي عليه السلام: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي إلي، لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق " (2).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: إنا كنا لنعرف المنافقين -

____________

(1) الترمذي 5: 641 / 2732، أحمد في المسند 1: 331، وفي فضائل الصحابة 2: 581 / 985، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7: 13، أحكام القرآن لابن عربي 1: 438، المستدرك 3: 125، ابن عساكر كما في الترجمة 1: 275 / 323 وبعده من واحد وعشرين طريقا، مجمع الزوائد 9: 114 - 115، الرياض النضرة 3: 158 ذخائر العقبى: 76، الخصائص للنسائي: 13، الإصابة للعسقلاني 4: 270، جامع الأصول 9: 475 / 6494، البداية والنهاية 7: 355، وجميع كتب المناقب.

(2) صحيح مسلم - كتاب الإيمان - 1: 86 / 131، سنن الترمذي 5: 643 / 3736، سنن النسائي - كتاب الإيمان - 8: 116، وأخرجه أيضا في الخصائص: 27، سنن ابن ماجة 1: 42 / 114، مصابيح السنة 4: 171 / 4763، ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر 2: 190 / 682 685، جامع الأصول 9: 473 / 6488، البداية والنهاية 7: 368، الإستيعاب - بهامش الإصابة 3: 37، الإصابة 4: 271، أسد الغابة 4: 26.

الصفحة 45
نحن معشر الأنصار - ببغضهم علي بن أبي طالب (1).

وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب (2).

10 - الصديقون ثلاثة:

قال صلى الله عليه وآله وسلم: " الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، قال: (يا قوم اتبعوا المرسلين).

وحزقيل مؤمن آل فرعون، قال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله).

وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم (3).

11 - والسبق ثلاثة:

قال صلى الله عليه وآله وسلم: " السبق ثلاثة: السابق إلى موسى، يوشع

____________

(1) سنن الترمذي 5: 635 / 3717، الإستيعاب 3: 36 فضائل الصحابة 2: 579 / 979، أسد الغابة 4: 30، جامع الأصول 9: 473 / 6486 الترجمة من تاريخ ابن عساكر 2: 219 / 722 726، 727، 728، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري مثله.

(2) المستدرك على الصحيحين 3: 129 وقال: صحيح على شرط مسلم.

(3) الصواعق المحرقة باب 9. فصل 2 / 30، 31 وأخرجه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2:

627 / 1072 و 655 / 1117، والديلمي في الفردوس 2: 581 / 3681، وابن عساكر كما في الترجمة 1: 91 / 126، ابن المغازلي في المناقب 245 / 293 و 294 والخوارزمي في المناقب: 219، السيوطي في الجامع الصغير 2: 115 / 5148، 5149، والمتقي في الكنز 11 / 32897، المحب الطبري في ذخائر العقبى: 58، السيرة الحلبية 1: 435، شواهد التنزيل 2: 223 / 938 - 942.

الصفحة 46
ابن نون.

والسابق إلى عيسى، صاحب ياسين.

والسابق إلى محمد، علي بن أبي طالب (1).

12 - ولما قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآيات: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيهما اسمه...) الآيات (2)، سئل: أي بيوت هذه؟

فقال: " بيوت الأنبياء ".

قال أبو بكر: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ - يعني بيت علي وفاطمة -.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: " نعم، من أفاضلها " (3).

فهو بيت ضم بين أركانه أخا رسول الله وأحب الناس إليه وسيد العرب علي ابن أبي طالب، مع بضعة رسول الله، سيدة نساء أهل الجنة - فاطمة الزهراء - مع ريحانتي رسول الله، وسبطيه، وسيدي شباب أهل الجنة - الحسن والحسين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فكيف لا يكون من أفاضلها؟

____________

(1) الصواعق المحرقة باب 9. فصل 2 / 29 وقال: أخرجه الديلمي عن عائشة، والطيراني وابن مردويه عن ابن عباس، وهو في مجمع الزوائد 9: 102، كنز العمال 11 / 32896، والرياض النضرة 3:

110، ذخائر العقبى: 58، الجامع الصغير 2: 66 / 4795، المناقب للخوارزمي: 20، شواهد التنزيل 2: 213 / 924 - 931 (2) النور: 36 - 38.

(3) الدر المنثور، عند تفسير الآية، وقال: أخرجه ابن مردويه عن أنس بن مالك، وبريدة. وذكره الحاكم في شواهد التنزيل: من سورة النور ح / 567، 568، والآلوسي في روح المعاني 18: 174.

الصفحة 47

لا بد من إمام

  • الإمامة في القرآن

  • في السنة

  • وفي الاجماع


  • الصفحة 48

    الصفحة 49

    الإمامة في القرآن

    في القرآن الكريم نصوص تفيد إفادة واضحة ضرورة وجود إمام يقتدى به في كل زمان.

    وفيها أيضا تفصيل لحال الناس، وأن لكل فئة منهم إماما تقتدي به، برا كان أو فاجرا، وسواء كان (يهدي إلى الحق) أم يهدي إلى الضلال والنار.

    والناس على ذلك منقسمون.

    ثم جعل لزاما على المؤمنين التزام الإمام الحق في كل زمان..

    ومن تلك النصوص الشريفة:

    1 - قوله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) (1).

    قال المفسرون: والمعنى: ولنجعلن من أمتك أئمة يهدون مثل تلك الهداية لما صبروا عليه من نصرة الدين وثبتوا عليه من اليقين (2).

    ____________

    (1) سورة السجدة: 24.

    (2) الكشاف 3: 516، روح المعاني 21: 138، تفسير أبي السعود 7: 87، تفسير المراغي 21: 118 وبنفس المعنى في: تفسير الرازي 25: 186، تفسير النسفي 3: 45.

    الصفحة 50
    2 - قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا..) الآية (1).

    3 - قوله تعالى: (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (2).

    4 - قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (3).

    ففي هذه الآيات يلزم الله جل جلاله عباده المؤمنين بالتمسك بولاية الولي الحق وإطاعته، وأن طاعته هي طاعة لله ولرسوله، وهي الأصل في كونهم (حزب الله).

    وقوله تبارك اسمه: (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) (4) فلكل طائفة من الناس إمام يأتمون به، وهذا حال الناس منذ خلق الله آدم، وإلى قيام الساعة (5).

    ____________

    (1) المائدة: 55.

    (2) المائدة: 56.

    (3) النساء: 59.

    (4) الإسراء: 71.

    (5) إن هناك وجوها أخرى في تفسير " إمام " في هذه الآية، وقد تعرض لها صاحب تفسير الميزان وأجاب عليها، ونذكر خلاصة كلامه، قال: فمنها - أي تلك الوجوه - قولهم إن الإمام هنا هو الكتاب المنزل كالقرآن والتوراة، وفيه أنه معلوم لا كتاب ولا صحف أو ألواح قبل نوح (عليه السلام)، وعلى مقتضى تفسيرهم خرج من قبل نوح من عموم الدعوة.

    ومنها: قولهم إن المراد بالإمام هو اللوح المحفوظ. قال: لم يصلح هذا، لكون اللوح المحفوظ واحدا، والآية تفيد أن لكل طائفة من الناس إماما غير ما لغيرهم.

    ومنها: أن الإمام هو النبي، وفيه أنهم أخذوا الإمام بمعناه العرفي، ولا سبيل إليه مع وجود معنى خاص له في عرف القرآن وهو الذي يهدي بأمر الله، أو المؤتم به في الظلال. وكذلك فإنه لا يلائمه ما في الآية من تفريع، أعني قول: (فمن أوتي كتابه بيمينه) و (من كان في هذه أعمى) إذ لا تفرع بين الدعوة بالإمام بهذا المعنى، وبين إعطاء الكتاب باليمين أو العمى، فالآية الكريمة تقول: (يوم ندعوا كل

    =>


    الصفحة 51

    وفي السنة

    وفي الحديث النبوي الشريف ما يقطع بوجوب الإمامة، ومن ذلك:

    1 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية " (1).

    وفي رواية: " من مات وليس عليه إمام فإن موتته موتة جاهلية " (2).

    وفي رواية أخرى: " من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية " (3).

    وهذه نصوص صريحة، وخطابات واضحة منه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أفراد المؤمنين كافة، إلى كل من أقر بالتوحيد والنبوة واليوم الآخر وكل ضرورات الدين، فهو وإن كان على ذلك كله إلا أنه ليس على شئ، بل هو على أمر الجاهلية، ما لم يعرف إمام زمانه.

    ____________

    <=

    أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا * ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا). انتهى بإيجاز.

    ومما يؤكد هذا المعنى، ما ذكره اليعقوبي في تاريخه، باب خطب رسول الله ومواعظه، فقال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما فقال في خطبته: " اذكروا الموت فإنه آخذ بنواصيكم - إلى أن قال -:

    إن العبد لا تزول قدماه يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن إمامه من هو؟ قال الله، عز وجل: (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) " إلى آخر الآية - تاريخ اليعقوبي 2: 90.

    (1) مسند أحمد 4: 96، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 49 / 4554، حلية الأولياء 3: 224 ، كنز العمال 1: 103 / 464.

    (2) المستدرك على الصحيحين 1: 117، مجمع الزوائد 5: 218، 224، 225، الدر المنثور 2: 286 - عند الآية (103) من سورة آل عمران -.

    (3) ينابيع المودة: 117.

    الصفحة 52
    وهذه المعرفة، بإمام زمانه، يفصلها النص الآخر الذي يؤكد النصوص المتقدمة، ويبينها، وهو:

    2 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية " (1).

    فالمعرفة بالإمام إذن هي في أداء البيعة له، والتي تقتضي - بداهة - طاعته وموالاته، ومعاداة أعدائه، والبراءة من كل ولاية غير ولايته التي هي ولاية الله ورسوله، كما دلت عليه النصوص القرآنية المتقدمة.

    وهكذا يقرر الإسلام أن لكل زمان إماما حقا، ويقضي بوجوب البيعة له..

    وهذا ما تجب معرفته في البدء.

    اثنا عشر إماما

    ثم بعد ذلك يأتي الإسلام ليحدد الأئمة - الذين جعل البيعة لهم تمام الدين، وحقيقة معناه - باثني عشر إماما، عددا معدودا، كما ثبت ذلك لدى المسلمين في الصحيح مما اتفقوا عليه من السنة النبوية المطهرة:

    ففي الصحيح البخاري (2): عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

    ____________

    (1) صحيح مسلم - كتاب الإمارة - 3: 1478 / 58 - (1851)، السنن الكبرى 8: 156، جامع الأصول 4: 463 / 2065، مجمع الزوائد 5: 218، تفسير ابن كثير 1: 530 - عند الآية (59 من سورة النساء -.

    (2) ج 9 - كتاب الأحكام - 147 / 79، رواه الترمذي في السنن كتاب الفتن 4: 501 / 2223.

    الصفحة 53
    " يكون بعدي اثنا عشر أميرا " فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: " كلهم من قريش ".

    وفي صحيح مسلم (1): أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

    إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة " قال: ثم تكلم بكلام خفي علي، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: قال: " كلهم من قريش ".

    وأخرج الإمام أحمد في مسنده (2) بطريقين، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رجلا سأله - وهو يقرئهم القرآن - يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كم تملك الأمة من خليفة؟

    فقال ابن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال:

    نعم، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: " اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل ".

    وأخرج مسلم أيضا (3): أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا يزال الدين قائما، حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش " (4).

    ____________

    (1) ج 3 - كتاب الإمارة - 1452 / 5 (1821) وبعده من سبعة طرق، وجامع الأصول 4: 440، 442.

    (2) ج 1: 398، 406.

    (3) ج 3 - كتاب الإمارة - 1453 / 10 (1822)، ورواه أبو داود في سننه 4: 106 / 4280، والبغوي في مصابيح السنة 4: 137 / 4680، والجزري في جامع الأصول 4: 440، 442.

    (4) وقد ورد هذا الحديث: " الخلفاء بعدي اثنا عشر " في صحيح البخاري بثلاثة طرق وفي مسلم " 9 " طرق، وأبو داود في " 3 " طرق، والترمذي بطرق واحد، وأحمد " 9 " طرق وغيرهم بطرق أخرى.

    الصفحة 54

    وفي الاجماع

    قال ابن حزم (1): اتفق جميع أهل سنة، وجميع المرجئة وجميع الشيعة، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة.

    وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل، يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2).

    قال: والقرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمامة، ومن ذلك: قوله تعالى:

    (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأئمة، وإيجاب الإمامة (3).

    وقال القلقشندي (4):

    في وجوب عقد الإمامة لمن يقوم بها، قال الماوردي: وعقدها لمن يقوم بها واجب بالإجماع، وإن شذ عنه الأصم (5).

    ____________

    (1) هو الإمام أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، عالم الأندلس وإمامها ولد بقرطبة، ثم أقصي إلى بادية لبلة فتوفي فيها سنة 456 هـ‍ الأعلام - للزركلي - 4: 254.

    (2) قال: حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم، وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد، وهم المنسوبون إلى نجدة بن عمير الحنفي القائم باليمامة.

    ثم قال: وقول هذه الفرقة ساقط، ورد عليه: بالإجماع، والقرآن، والسنة.

    (3) الفصل في الملل والنحل 4: 87.

    (4) هو أحمد بن عبد الله القلقشندي الشافعي، المتوفى سنة 820 هـ‍.

    (5) الأصم: هو عبد الرحمن بن كيسان أبو بكر الأصم المعتزلي. لسان الميزان 3: 427 وقال ابن أبي الحديد المعتزلي: أبو بكر الأصم من قدماء أصحابنا، حكي عنه قوله في الإمامة: غير واجبة إذا

    =>


    الصفحة 55
    ثم قال: ولا خلاف بين أهل العلم أنها فرض كفاية - كالجهاد ونحوه - إذا قام بها من هو أهل لها سقط فرضها عن كافة الناس، وإن لم يقم بها أحد أثم من الناس فريقان:

    أحدهما: أهل الحل والعقد، حتى يختاروا للأمة إماما يقوم بأمرهم.

    والثاني: أهل الإمامة، حتى ينتصب للإمامة أحدهم (1).

    وقال الإمام أبو الحسن الأشعري (2):

    قال الناس كلهم - إلا الأصم -: لا بد من إمام (3).

    وأما الإسفرائيني (4)، فقال:

    قد اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أصول من أركان الدين، كل ركن منها يجب على كل عاقل معرفة حقيقته.

    ولكل ركن منها شعب: وفي شعبها مسائل اتفق أهل السنة فيها على قول واحد، وضللوا من خالفهم فيها - وعد هذه الأركان إلى أن قال -:

    والركن الثاني عشر: الخلافة والإمامة، وشروط الزعامة.

    ثم قال في بيان هذا الركن:

    ____________

    <=

    تناصفت الأمة ولم تتظالم - قال - وقال المتأخرون من أصحابنا: إن هذا القول غير مخالف لما عليه الأمة لأنه إذا كان لا يجوز في العادة أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس يحكم فيهم، فقد قال بوجوب الرئاسة على كل حال. شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 308.

    (1) مآثر الإنافة في معالم الخلافة 1: 29 - 30 باختصار.

    (2) هو علي بن إسماعيل بن إسحاق أبو الحسن الأشعري مؤسس مذهب الأشاعرة، شيخ أهل السنة والجماعة، كان من الأئمة المتكلمين، تلقى مذهب المعتزلة، وتقدم فيه، ثم رجع، وجاهر بخلافهم، توفي ببغداد سنة 324 هـ‍ الأعلام - للزركلي - 4: 263.

    (3) مقالات الإسلاميين 2: 133.

    (4) هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الإسفرائيني، العالم المتفنن من أئمة الأصول، كان صدر الإسلام في عصره ولد ونشأ في بغداد، ثم رحل إلى نيسابور ثم ارتحل منها وتوفي في إسفرائين - من نواحي نيسابور - سنة 429 هـ‍. الأعلام - للزركلي - 4: 48.

    الصفحة 56
    إن الإمامة فرض واجب على الأمة لأجل إقامة الإمام: ينصب لهم القضاة والأمناء، يضبط ثغورهم، ويغزي جيوشهم، ويقسم الفئ بينهم، وينتصف لمظلومهم من ظالمهم (1).

    هكذا يتضح أن الإمامة منصب إلهي كما تصرح الآيات البينات، وأن معرفة الإمام واجبة كما تقول الأحاديث الشريفة، وقد انعقد الاجماع على لزومها، ووجوب إقامة من يقوم بشؤونها، فلا مجال للشك بعد هذا في ضرورة وجود الإمام، ولزوم تعيينه، فمن هو الإمام إذن؟.

    ____________

    (1) الفرق بين الفرق: 323، 349.

    الصفحة 57

    من هو الإمام؟


  • آراء المذاهب في الإمام

  • الإمام في القرآن والسنة - الله تعالى يقول ورسوله يتحدث -

  • أصحاب الحق يتكلمون


  • الصفحة 58

    الصفحة 59

    آراء المذاهب في الإمام

    أولا: مع المذاهب الأربعة:

    وننقل خلاصة آراء المذاهب الأربعة في الإمامة والخلافة عن كتاب (تاريخ المذاهب الإسلامية) للشيخ (محمد أبو زهرة) باختصار مفيد، من مجموع ما ذكره في جزأي كتابه:

    " أبو حنيفة " 80 - 150 هـ‍

    قال المؤلف، بعد أن استعرض مواقف أبي حنيفة من الخلافتين الأموية والعباسية، وموقفه من نهضة زيد بن علي (1)، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن

    ____________

    (1) هو زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليه السلام - ذو علم وجلالة وصلاح عده طائفة من المسلمين إماما، فسموا (الزيدية)، وكان خروجه في عهد هشام بن عبد الملك الأموي، من الكوفة، فقتل فيها - رحمه الله - فنصبوا رأسه على قصبة، وصلبوه زمنا، ثم جمع فأحرق وذري نصفه في الفرات، ونصفه في الزرع، لقول يوسف بن عمر الثقفي الذي تولى قتاله: والله - يا أهل الكوفة - لأدعنكم تأكلونه في طعامكم، وتشربونه في مائكم! وكان ذلك سنة (121). الطبقات الكبرى 5: 326 وتاريخ اليعقوبي 2: 326.

    الصفحة 60
    علي (1)، قال:

    إذن، المعروف عن أبي حنيفة، أنه يرى الإمامة يجب أن تكون في أقرباء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأرجح في أبناء علي (2).

    قال أبو زهرة: والذي يرجح هذا الاختيار أمور:

    1 - اعتبار خروج زيد بن علي أنه يشبه خروج رسول الله (ص) يوم بدر، فالمعركة بين الكفر والإيمان.

    2 - عدم توليه عمل لبني أمية، مع شدة إصرار عاملهم ابن هبيرة (3)، بقوله: أعطيك أرفع المناصب، بينما قبل فقهاء العراق، كابن أبي ليلى (4)، وابن شبرمة (5)، وداود بن أبي هند (6)، وغيرهم كثير.

    ____________

    (1) المعروف ب‍ (النفس الزكية)، وكانت نهضته على أبي جعفر المنصور العباسي، هو وأخوه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، سنة 145، وفيها استشهدا - رحمهما الله تعالى - تاريخ اليعقوبي 2: 145.

    (2) قال الزمخشري في (الكشاف) عند تفسيره قوله تعالى (ولا ينال عهدي الظالمين) - البقرة - 124 - قال وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي رضي الله عنهما، وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المشتهر بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه، وكان يقول في الدوانيقي وأشياعه: لو أرادوا بناء مسجد، وأرادوني على عد آجره، لما فعلت.

    وفي الملل والنحل: وكان أبو حنيفة على بيعته (أي محمد ذو النفس الزكية) ومن جملة شيعته، حتى رفع الأمر إلى المنصور الدوانيقي فحبسه حتى مات في الحبس، ولما قتل محمد ذو النفس الزكية بقي أبو حنيفة على بيعته يعتقد موالاة أهل البيت. المصدر 1: 140.

    (3) هو يزيد بن عمر بن هبيرة والي العراق من قبل مروان بن محمد بن مروان، ودامت ولايته منذ سنة (128) حتى قتل على عهد السفاح سنة 133 هـ‍. تاريخ اليعقوبي 2: 353.

    (4) محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، ويقال هو داود بن الجلاح الأنصاري الكوفي، كان من أصحاب الرأي، وتولى القضاء بالكوفة، وأقام عليها حاكما ثلاثا وثلاثين سنة، ولي لبني أمية ثم بني العباس - وكانت وفاته سنة 148 أيام المنصور، وهو باق على القضاء، وفيات الأعيان 4: 179.

    (5) هو عبد الله بن شبرمة بن حسان بن المنذر الضبي، أبو شبرمة الكوفي، كان قاضيا على السواد لأبي جعفر المنصور، وهو من فقهاء الكوفة، وفاته سنة 144 هـ‍. تهذيب التهذيب 5: 250 تسلسل / 439.

    (6) داود بن أبي هند، واسمه دينار بن عذافر أبو محمد البصري، من موالي بني قشير، وكان مفتي أهل

    =>


    الصفحة 61
    3 - خطبته عندما استقر الأمر، لأبي عبد الله السفاح - مؤسس الدولة العباسية - عندما جمع العلماء بالكوفة، وخطبهم السفاح، فقال: إن الخلافة قد عادت إلى أهل بيت نبيكم، وأنتم معاشر العلماء أحق من أعان، فبايعوا بيعة تكون عند إمامكم حجة لكم، وأمانا في معادكم.

    وكان أبو حنيفة وقتئذ حاضرا، فنظر إليه العلماء يتطلعون إلى رأيه، فقال:

    الحمد لله الذي أعاد إلينا قرابة رسول الله وأبعد عنا جور الظلمة، وبسط ألسنتنا بالحق.

    فقالوا: بايعنا على أمر الله، والوفاء لك بعهدك، فلا أخلى الله هذا الأمر من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

    4 - إنقلابه على العباسيين حين دب الخلافة بينهم وبين أبناء علي، ثم مبايعته لمحمد بن الحسن أيام المنصور.

    (مالك بن أنس) 93 - 179 هـ‍

    ونظام تعيين الإمام كان يراه حسبما تم في سلوك الصحابة، مضيفا إليه رأيه، فهو عنده بأحد طرق أربعة:

    1 - نظام الشورى ابتداء، كما فعل الصحابة في شأن أبي بكر، وعلي.

    2 - نظام الاستخلاف بشرط المبايعة، كما فعل أبو بكر في شأن عمر 3 - نظام الشورى بين عدد يعينهم الخليفة السابق، كما فعل عمر.

    4 - نظام الغلبة بالسيف، فمن تغلب بالسيف ثم بايعه الناس، تعد ولايته شرعية، وكان عدلا في ذاته.

    ____________

    <=

    البصرة - وقد رأى أنس بن مالك ولم يرو عنه - ولد بمرو وتوفي بالبصرة سنة 136. تهذيب الكمال 8:

    461 تسلسل / 1790، سير أعلام النبلاء 6: 376 ت / 158

    الصفحة 62

    (الشافعي) 150 - 204 هـ‍

    وله ثلاثة آراء في الإمامة: 1 - إنه يرى الإمامة أمرا دينيا لا بد من إقامته.

    2 - إنه يرى أن الإمامة في قريش.

    3 - لا يشترط لصحة الخلافة أن تكون البيعة سابقة على التولي، بل إنه يقرر أنه لو تغلب متغلب، وكان قرشيا، ثم استقام له الأمر، واجتمع عليه الناس، فإنه يعد إماما.

    قال: وقد روى عنه تلميذه حرملة (1)، أنه قال: كل قرشي غلب على الخلافة بالسيف، واجتمع عليه الناس، فهو خليفة.

    (أحمد بن حنبل) 164 - 241 هـ‍

    وملخص رأيه في الخلافة، أنها على أربعة أشكال:

    1 - نظام الشورى ابتداء، كانتخاب أبي بكر، وعلي.

    2 - نظام الاستخلاف من الخليفة السابق، بشرط المبايعة.

    3 الشورى بين عدد معين يختارهم الخليفة السابق ليختاروا واحدا منهم كما فعل عمر.

    ____________

    (1) هو أبو حفص وأبو عبد الله حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة، كان أكثر أصحاب الشافعي اختلافا إليه واقتباسا منه. توفي سنة 243 وقيل 244. وفيات الأعيان 2: 64 ت / 154، طبقات الشافعية 1: 61 / 6.