فقال ابن الزبير: أما والله لقد سرت تحت لواء أبي إلى علي بن أبي طالب وهو من تعلم.
فقال: لا جرم، والله لقد قتلكم بشماله.
فقال: أما إن ذلك في نصرة عثمان.
قال معاوية: والله ما كان بك نصرة عثمان، ولولا بغض علي بن أبي طالب لجررت برجلي عثمان مع الضبع (1).
يوم الخميس، وما يوم الخميس!
قال الشهرستاني في (الملل والنحل) في ذكر الاختلافات الواقعة بين الصحابة في حال مرضه، وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم:
فأول تنازع وقع في مرضه عليه السلام: فيما رواه الإمام أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري، بإسناده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال:
لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي مات فيه، قال: " ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي " فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله.
وكثر اللغط، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " قوموا عني، لا ينبغي عندي التنازع ".
قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2)!
وفي رواية أخرى: عن سعيد بن جبير، قال:
____________
(1) المصدر 7: 410.
(2) الملل والنحل - المقدمة الرابعة: 29.
قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه، فقال: " ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي " فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا:
ما شأنه، أهجر؟ استفهموه!
قال: " دعوني، فالذي أنا فيه خير " (1).
وفي رواية البخاري: فقال عمر: إن رسول الله قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " قوموا ".
فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم (2).
وفي مسند أحمد، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده، فخالف عمر بن الخطاب حتى رفضها (3).
ترى أين ذهبوا بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)
____________
(1) صحيح مسلم - كتاب الوصية 3: 1257 / 1637، مسند أحمد 1: 222، مسند أبي يعلى 4: 298 / 2409، البداية والنهاية 5: 200، تاريخ الطبري 3: 193، تاريخ ابن خلدون 2: 485.
(2) صحيح البخاري - كتاب المرضى - 7: 219 / 30، مسلم 3: 1259 / 22، مسند أحمد 1:
324، البداية والنهاية 5: 200، الكامل 2: 320، السيرة النبوية - للذهبي - 384 وهذه أحاديث متفق عليها.
(3) مسند أحمد 3: 346.
إلى قوله تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) (1)؟
أم أنهم نسوا فيمن نزلت تلك الآيات؟
سألت البخاري، والترمذي، والنسائي، وأصحاب النزول، وآخرين، فأجابوا جميعا: أنها نزلت في أبي بكر وعمر، وقد اختصما، وعلت أصواتهما في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه قصتهما كما يرويها البخاري:
عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة، قال: كاد الخيران أن يهلكا: أبا بكر وعمر! رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر - قال نافع: لا أحفظ اسمه (2) -.
فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي.
قال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم..) الآيات.
قال ابن الزبير، فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر (3).
____________
(1) سورة الحجرات: 1 - 4.
(2) هو القعقاع بن معبد، كما في المصادر الأخرى.
(3) صحيح البخاري - كتاب التفسير - 6: 243 / 339 و 341، سنن الترمذي 5: 387 / 3266، سنن النسائي - كتاب آداب القضاة - 8: 226، الواحدي في أسباب النزول: 215، السيوطي في لباب النقول: 194، وفي الدر المنثور 7: 546 و 547، تفسير الثعالبي 4: 185، تفسير الطبري
=>
وبأي شئ يعتذر معتذر لعمر قوله هذا، الذي راح بعضهم يستبدله بألفاظ قد تحتمل الألسن قراءتها، وإن لم ترتضيها القلوب المؤمنة، فيقول:
فقال عمر: غلبه الوجع أو كلمة بهذا المعنى!
فهل سيكفي هذا عذرا له؟
أم بماذا يفسرون قوله: عندكم القرآن، وحسبنا كتاب الله؟!
هل أراد بهذا إلغاء السنة النبوية كليا، والإعراض عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديثه، اكتفاء بالقرآن؟
لا أظن أن أحدا سيرضى لعمر مثل هذا، فيتابعه عليه، ولا أحسبه أراد هذا، لعلمه بأنه كفر صريح لا يخفى على أحد.
فماذا بقي؟..
لم يبق سوى أنه أراد أن يصرف الأمر عما يتبادر إلى أذهان الصحابة فورا، وهم يسمعون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " فإنه يتبادر إلى أذهانهم لأول وهلة حديث رسول الله في حجة الوداع:
" إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ".
وهذا وحده هو المعنى المقبول، والذي يؤيده: موافقة الكثير منهم لعمر، حيث لا تخفى كراهة بعضهم أن يكون هذا الأمر في أهل بيت النبي، كما صرحوا بذلك غير مرة.
____________
<=
26: 76 وليس فيه كلام ابن الزبير، وابن الأثير في جامع الأصول 2: 431 - 433.
وقول البخاري " عن أبيه، يعني أبا بكر " هو عند غيره " عن جده " وهو الصواب، فعبد الله هو
ابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر.
قال - ابن عباس - قلت: نعم.
قال: أيزعم أن رسول الله نص عليه؟
قلت: نعم، وأزيدك: سألت أبي عما يدعيه، فقال: صدق.
فقال عمر: لقد كان في رسول الله من أمره ذرو من قول (1) لا يثبت حجة، ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع في أمره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه، فمنعت من ذلك إشفاقا، وحيطة على الإسلام! ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا (2)! فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه، فأمسك! (3) وقد ذكر هذه القصة الدكتور نوري جعفر في كتابه (علي ومناوئوه) ثم علق عليها بقوله: وإذا صحت هذه الرواية فإن عمر يبدو كأنه أحرص على الإسلام من نبيه، وهو أمر كان المفروض في عمر أن لا يهبط إليه (4).
ولو فرضنا عدم صحة عذر عمر في هذه القصة، وأن عمر لم يهبط إليه، فقد هبط إليه كل من أراد أن يجد له عذرا، إذ لم يجدوا عذرا غيره، فاتفقوا على أنه قالها إشفاقا وحرصا على الإسلام! وبلفظ يناسب طبعه الغليظ (5)!
وأما النص الذي اختاره الشهرستاني (6) فهو قوله: هي اختلافات
____________
(1) ذرو من قول: طرف منه - أقرب الموارد 1: 368.
(2) لماذا؟ سيأتي جوابه في محله عن عمر أيضا.
(3) شرح ابن أبي الحديد 12: 21.
(4) علي ومناوئوه: 39.
(5) أنظر شرح ابن أبي الحديد 1: 183.
(6) في الملل والنحل - المقدمة الرابعة - 1: 29.
ولست أراه عذرا أقبح من الفعل.
فهل إن إقامة مراسم الشرع، وإدامة مناهج الدين ستتم بإعراضنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واتباع ما نجتهده من آرائنا؟!
أم أن قوله - إنه يهجر، حسبنا كتاب الله - أبقى على شئ من مراسم الشرع ومناهج الدين؟
وقد أوضح معناه ابن الأثير وهو يظن أنه قد تناول العذر، فقال في مادة - هجر -:
ومنه حديث مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قالوا: " ما شأنه؟
أهجر؟ " أي اختلف كلامه بسب المرض، على سبيل الاستفهام. أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من مرض؟
وهذا أحسن ما يقال فيه، ولا يجعل إخبارا، فيكون: إما من الفحش، أو الهذيان، والقائل كان عمر، ولا يظن به ذلك (1).
والأشد غرابة، أن صاحب الملل والنحل قد ساق اعتذاره هذا - بأنها اختلافات اجتهادية - بعد خمس صفحات وبضعة أسطر فقط من كلام له جاء فيه: اعلم أن أول شبهة وقعت في الخليفة: شبهة إبليس لعنه الله، ومصدرها:
استبداده بالرأي في مقابلة النص (2)؟
بل بعد أسطر فقط من استنكاره الشديد لاستعمال الرأي في مقابلة النص، حيث قال في معرض ذكره ذا الخويصرة التميمي واعتراضه على حكم
____________
(1) النهاية 5: 246، وعنه في لسان العرب - هجر - 5: 254.
(2) الملل والنحل - المقدمة الثالثة - 1: 23.
أو ليس ذلك - يعني قول ذي الخويصرة - حكما بالهوى في مقابلة النص، واستكبارا على الأمر بقياس العقل (1)؟!
ولسنا نغفل أن إبليس كان من المقربين، بل هو (طاوس الملائكة) وإذا ذكر من له منزلة كهذه يقال: عليه السلام، حتى إذا استبد برأيه في مقابلة النص، أصبحنا نقول: لعنه الله!
وأن ذا الخويصرة كان صحابيا ينبغي الترضي عنه!
فكيف جاز لأولئك استعمالهم الرأي في مقابلة النص، وإعراضهم عن أمر النبي بقياس العقل، بينما كان هذا سببا في حلول اللعنة الأبدية على إبليس، وفي هلاك ذي الخويصرة الذي كان له من الصحبة ما لم يكن لكثير ممن نترضى عنهم؟!
بعثة أسامة:
قال في (الملل والنحل): الخلاف الثاني في مرضه: أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: " جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه ".
فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، وأسامة قد برز من المدينة.
وقال قوم: قد اشتد مرض النبي عليه السلام فلا تسع قلوبنا مفارقته، والحالة هذه (2) وكان سبب ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة
____________
(1) في السطر الثامن من الصفحة 28.
(2) المصدر 1: 29.
ودخلت أم أيمن، فقالت: أي رسول الله، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " أنفذوا بعث أسامة ".
وعسكر الجيش خارج المدينة، وفيهم أبو بكر وعمر، وثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك أسامة، فجاءه، وطأطأ عليه يقبله، فجعل الحبيب المصطفى يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة، كالداعي له، ثم أشار إليه بالرجوع إلى عسكره والتوجه لما بعثه فيه، فرجع أسامة إلى عسكره.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبح بارئا، فدخل عليه أسامة من معسكره، فأمره رسول الله بالخروج وتعجيل النفوذ، وقال: " اغد على بركة الله " وجعل يقول: " أنفذوا بعثة أسامة " ويكرر ذلك (2).
الآن ضع كلماته صلى الله عليه وآله وسلم: " جهزوا جيش أسامة "، " أنفذوا بعثة أسامة "، لعن الله من تخلف عنه " ضعها إلى جنب قوله تعالى:
____________
(1) صحيح البخاري 5: 96 / 223 و 5: 290 / 262، صحيح مسلم 4: 1884 / 2426، مسند أحمد 2: 20، سيرة ابن هشام 4: 300، الطبقات الكبرى 4: 65، ابن أبي الحديد 1: 159، السيرة النبوية - المسمى (عيون الأثر) - 2: 352، سير أعلام النبلاء 2: 500، المغازي - للذهبي - 714 وقال: متفق على صحته.
(2) الطبقات الكبرى 4: 68، تهذيب تاريخ دمشق 1: 122، ابن أبي الحديد 1: 160 و 6: 52، المغازي - للواقدي - 3: 1119، عيون الأثر 2: 352، تاريخ ابن خلدون 2: 484 وأورده موجزا على عادته.
وقوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (2).
وهل يشك أحد في كونه صلى الله عليه وآله وسلم أعلم بمصلحة الدين والأمة منهم، وأنه أشفق على الإسلام والمسلمين من غيره؟
إذن كيف نفسر ذلك منهم؟
مهما كان فهو في خلاف ما أمر به رسول الله، وشدد عليه، والنصوص في ذلك صريحة.
وشواهد كثيرة يطول ذكرها تدل كلها على عدم سلامة الرأي القائل بعدالة كل صحابي.
وتدل أيضا على أن التاريخ السياسي لهذه الأمة له الأثر الأكبر فيما بلغنا حول بعض الصحابة، وللموضوع تتمة في الفصل الآتي.
وأما باقي الصحابة وهم الأكثر عددا، فهم أنصار الله ورسوله، وهم أفضل من على وجه الأرض حينئذ، وبهم قام هذا الدين وانتصر، فجزاهم الله على ذلك أحسن الجزاء، ورضي عنهم وأرضاهم، وجعلنا من التابعين لهم بإحسان.
____________
(1) النساء: 59.
(2) الأحزاب: 36.
حوار
أسئلة حرة
أسئلة حرة، تبث بها الفطرة، بحثا عن موضع قدم من بين تلك اللجج.
ولها أن تسأل لتهتدي، وليس لأحد إلجامها بعد ما أذن الله لها، وأمرها بذلك:
فقال تعالى: (أفلا تذكرون) (1).
وقال تعالى: (أفلا تعقلون) (2).
وقال جل جلاله: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (3).
وقال حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: " تفكر ساعة خير من قيام ليلة " (4).
وقال وليه، أخو رسوله: " إن الحق والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن
____________
(1) يونس 3، هود 24، 30، النحل: 17، المؤمنون: 85، الصافات: 155، الجاثية: 23.
(2) البقرة: 44، 76، آل عمران: 65، الأنعام: 32، الأعراف: 169، يونس: 16، هود: 51 ومواضع أخرى.
(3) سورة محمد (ص): 24.
(4) الكافي 2: 45 / 2 (باب التفكر)، كنز العمال 3 ح / 5711.
فلنا إذن أن نفتش عن كلمة الحق، فنأخذها، وعن الخطوة الحق، فنقفوا أثرها، وندع ما سوى ذلك لأهله، ولكل إلى ربه معاد.
وقد لا يكون دقيقا قولنا: إن التعرض لأصحاب النبي هو من خلاف التقوى إذ إن الأمر هو من خلاف الدين، أما التقوى فمرحلة متقدمة من مراحل الإيمان، ذلك إن كان تعرضا لأجل التعرض ليس إلا، أو لمل ء الفراغ بما ليس منه جدوى، أو ركوبا على مطية الهوى.
أما حين يكون بحثا عن الهدى، ولأجل أن نعرف من هم أولياء الله حقا ومن الذي انتحل هذا اللقب، أو منحه من غير ما استحقاق، فنوالي الصالحين ونجافي المعاندين، فعندئذ يكون بحثنا من صلب الدين، ومن مخ العبادة.
وليس في هذا فرصة للخلاف، وإلا فبأي معنى سيكون من أولياء الله ونحن لا نعرف من هم أولياؤه حقا، فنواليهم، ولا ندري من هم أعداؤه، فنعاديهم؟
ولعله استدل بحديث كثير على وجوب تجنب ما من شأنه المساس بأي ممن أدرك النبي، وأسلم على عهده، فصح أن يسمى (صحابيا).
ومن ذلك:
حديث: " احفظوني في أصحابي ".
وحديث: " لا تسبوا أصحابي ".
وحديث: " أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم ".
وحديث: " خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " وأمثال هذا.
____________
(1) تاريخ اليعقوبي 2: 210.
ومن الذي وضع أسه، وأشاد بنيانه؟
أنحن، أهل هذه الأجيال المتأخرة كنا وراء كل ذلك، أم سبقنا إليه قوم آخرون؟
بحثت بجد فلم أجد حادثة في هذا الباب - بعد غياب النبي صلى الله عليه وآله وسلم - سبقت ما كان من عمر بن الخطاب في سعد بن عبادة يوم السقيفة: اقتلوا سعدا، قتل الله سعدا.
فكانت هذه هي أول سبة عرفها المسلمون فيما بينهم، وجثمان النبي الطاهر لم يودع بعد!
والذي تلقاها هو أحد النقباء، ومن أصحاب الشجرة، وممن شهد المواضع كلها، أو جلها.
ثم أعقب هذا بقليل إحاطة بيت علي وفاطمة عليهما السلام، وانتهاكه، وما صحب ذلك من تفاصيل تعدى ذكر أهمها.
ثم ما وقع من عمرو بن العاص، وجماعة من مسلمة الفتح بحق الأنصار من نيل، وطعن، وانتقاص كاد يثير فتنة كبيرة لولا أن دفع الله ذلك على لسان علي بن أبي طالب، والقثم بن العباس، وخالد بن سعيد بن العاص (1).
ثم جاءت (الدرة) التي لم ينج منها إلا من رحم ربي.
الدرة التي كانت تقع على رؤوس المهاجرين، والأنصار، والبدريين، وأصحاب الشجرة، فلا تتردد في النيل من كرامة أحدهم، أو أذاه!
وأحداث أخرى تعاقبت، سنمر على بعضها بالإشارة دون التفصيل.
وربما تعدى على أكثرها شهرة وصدى مقالة أم المؤمنين عائشة في الخليفة
____________
(1) ابن أبي الحديد 6: 17 - 45، تاريخ اليعقوبي 2: 128.
(هذا قميص رسول الله لم يبل بعد وقد أبلى عثمان سنته!).
(اقتلوا نعثلا فقد كفر).
ثم هل هناك أشهر من سبهم عليا وحسنا وحسينا عليهم السلام على المنابر عقودا من الزمن؟
حتى صار ذلك سنة تتوارثها الأجيال، جيل عن جيل، ولو لا أن سخر الله لها عمر بن عبد العزيز فمنعها لبقيت جارية في أمتنا إلى يومنا هذا، ولألفيتنا نعتقد أنها واحدة من سنن الدين!
وماذا عساه يستغرب المرء من هذا القول، ألم يكن ذلك الإعتقاد ساريا بين أجدادنا من أبناء تلك العصور، حتى كان خطباؤهم، وعامتهم يتقربون به إلى الله؟
حدث أبو سلمة المثنى بن عبد الله الأنصاري - أخو محمد بن عبد الله الأنصاري - قال: قال لي رجل: كنت بالشام، فجعلت لا أسمع أحدا يسمي:
عليا، ولا حسنا، ولا حسينا، وإنما أسمع: معاوية، ويزيد والوليد.
قال: فمررت برجل على باب داره، وقد عطشت فاستسقيته، فقال: يا حسن، اسقه.
فقلت له: أسميت حسنا؟
فقال: إي والله، إن لي أولادا أسماؤهم حسن، وحسين، وجعفر، فإن أهل الشام يسمون أولادهم بأسماء خلفاء الله، ولا يزال أحدنا يلعن ولده ويشتمه، وإنما سميت أولادي بأسماء أعداء الله، فإذا لعنت فإنما ألعن أعداء الله.
فقلت له: ظننتك خير أهل الشام، وإذا جهنم ليس فيها شر منك (1).
____________
(1) معجم الأدباء 14: 128 - 129، ورواها الذهبي في سير أعلام النبلاء، الترجمة 113 ج 10: 402.
وكان ذلك واحدا من القرون الثلاثة التي ذكرت في الحديث، أنها خير القرون. فما الذي أريد من تلك القرون؟ أم أي يوم يعظمون؟
أيوم قتل فيه أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين، أخو رسول رب العالمين، لينزو بنو أمية على منابر المسلمين؟
أم يوم فتنة الجمل، وعشرات الآلاف من القتلى، كلهم من أهل تلك القرون، بين صحابي وتابعي؟ وليس بخفي ما يعقب القتل من ترميل النساء، وإيتام الأطفال، والشدائد والضياع.
أم يوم فتنة الدار، ومقتل الخليفة عثمان بن عفان؟
أم يوم أغير على آل رسول الله بعيد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم؟
أذلك القرن يريدون، أم قرنا قتل فيه أبناء المصطفى و فيهم سبطه وريحانته، سيد شباب أهل الجنة، وسبيت بنات الزهراء: زينب، و أم كلثوم، ومن معهن من نساء أهل البيت، وآل أبي طالب، حتى لم يبق بيت له برسول الله صلة إلا وضجت فيه النوائح، وسكنته الأحزان والآلام؟!
أم قرنا أبيحت فيه مدينة رسول الله المنورة في وقعة الحرة الشهيرة، فقتل الأصحاب والتابعون، ونهبت الأموال، وبقرت بطون الحوامل، وهتكت الأعراض حتى ولدت الأبكار لا يعرف من أولدهن (1)؟!
____________
(1) الإمامة والسياسة: 209 - 220، الكامل في التاريخ 4: 111 - 119، تاريخ اليعقوبي 2: 250، العقد الفريد 5: 128، الجوهر الثمين: 78 - 79، تعجيل المنفعة للعسقلاني: 453 - ترجمة يزيد بن معاوية -.
إن قيل هذا فليس لأحد إن يرد على مانعي الزكاة بعد وفاة النبي، بل وحتى الذين ارتدوا عن الإسلام جهارا، لأنهم جميعا من أهل القرن الأول، وممن أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورآه، وسمع حديثه!
فلما لم يقل بهذا أحد من أهل القبلة علمنا أنه ليس المراد تعظيم كل ما حدث في تلك القرون، كما أنه لا يصح تعظيم كل فرد من أهل تلك القرون وحفظ جانبه من أن ينال بشئ.
وليس هذا فقط، بل لا يصح أيضا الاعتقاد بأن أولئك جميعا هم أفضل ممن يأتي بعدهم، ناهيك عن أنبياء وصديقين عاشوا قبلهم ورحلوا.
فهل يمكن أن يكون المراد أن الصالحين من أهل تلك القرون هم أفضل على الإطلاق ممن سيأتي بعدهم؟
سوف لا أكون إلا مذكرا حين أقول: إن العكس أقرب للصواب - لما جاء في صحاح الأحاديث - باستثناء من جاءت النصوص بتفضيلهم.
فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " طوبى لمن رآني وآمن بي، ثم طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " طوبى لمن آمن بي ورآني مرة، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات " (2).
____________
(1) مسند أحمد 3: 71، كنز العمال 1 ح / 249.
(2) مسند أحمد 3: 155، 5: 248، 257، كنز العمال 1 ح / 250، مجمع الزوائد 10: 67 وقال:
رواه أحمد والطبراني بأسانيد رجالها رجال الصحاح غير أيمن بن مالك الأشعري وهو ثقة.
قال: " أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني " (1).
ثم يأتي هذا التفضيل صريحا في حديث صحيح، هذا نصه:
عن أبي جمعة، قال: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله، أحد أفضل منا، أسلمنا معك، وجاهدنا معك؟
قال: " نعم، قوم يكونون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني " (2).
ويأتي مفصلا في حديث آخر رجاله رجال الصحاح، أخرجه الهيثمي عن عمر بن الخطاب، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالسا، فقال:
" أنبؤوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا ".
قال: يا رسول لله، الملائكة.
قال: " هم كذلك، يحق لهم ذلك، وما يمنعهم من ذلك وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم ".
قالوا: " يا رسول الله، الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته والنبوة.
قال: " هم كذلك، ويحق لهم ذلك، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالمنزلة التي أنزلهم بها؟ ".
قالوا: " يا رسول الله، الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء.
قال: " هم كذلك، ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة؟ بل غيرهم ".
____________
(1) مسند أحمد 3: 155.
(2) مسند أحمد 4: 106 - وأخرجه في الصفحة ذاتها من طريق أبي المغيرة -، مسند أبي يعلى 3: 128، أسد الغابة 5: 159، مجمع الزوائد 10: 66.
قال: " أقوام في أصلاب الرجال، يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا " (1).
ومرة أخرى يأتي هذا التفصيل مشرقا لا ضباب عليه، فبينما تراه صلى الله عليه وآله وسلم بشيرا لمؤمنين " لم يأتوا بعد " تراه نذيرا بليغا لمن كان حوله!
إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم يوما وأصحابه من حوله قال: " وددت أنا قد رأينا إخواننا ".
فقالوا: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟
قال: " بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض ".
فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من لم يأت من أمتك بعد؟
قال: " أرأيت لو أن رجلا كان له خيل غر محجلة (2) بين ظهراني خيل بهم دهم (3) ألم يكن يعرفها؟ ".
قالوا بلى.
قال: " فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض - ثم قال - ألا ليذادن رجال منكم عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم: ألا هلم، فيقال: إنهم بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا " (4).
____________
(1) مسند أبي يعلى 1: 147 / 160، مجمع الزوائد 10: 65، وأخرجه الحاكم في المستدرك 4: 85 في - ذكر فضائل الأمة بعد الصحابة والتابعين - وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(2) الغرة: بياض الوجه والمحجل: الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد. النهاية 1: 346.
(3) البهم: جمع البهيم، وهو الذي لا يخالط لونه لون سواه، والدهم: من الدهمة وهي السواد. انظر الصحاح: مادة (بهم) (دهم).
(4) هذا نص مسند أحمد 2: 300، ومسند أبي يعلى 11: 387 / 662 - (6502)، وهو في صحيح
=>
نعم، إن أحدا لا يشك في أن قرنا عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو خير القرون.
فأي زمن هذا الذي يضاهي زمنا أطل فيه نور المصطفى على العالمين!
زمنا فيه بهجة الخلائق، الرحمة المهداة، إمام الأنبياء، وسيد المرسلين!
زمنا ما زالت رسل السماء فيه تتوافد على رسول الله وأمينه في أرضه، ونور الإسلام ينتشر في الآفاق فيملأ قفارها خيرا وعطاء وحبا وعزة وصفاء!
وحسبك فيه أنه عهد المصطفى المختار، وكفى.
فطوبى لمن أدركه ثم رعاه، فإن صحبة المصطفى شرف لا يضاهى لمن حفظ له حقه، ولكنه وبال على من فرط فيه، وضيعه!
روى البخاري عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، قال: لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت: طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبايعته تحت الشجرة.
فقال: يا بن أخي، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده! صلى الله عليه وآله وسلم (1)!
إذن، هل يصح أن يكون كل رجل منهم بمنزلة النجم، إذا اقتدينا به اهتدينا؟
إن كان الأمر كذلك فعلى أي شئ هرعوا مسرعين نحو سقيفة بني ساعدة ليدركوا الأنصار قبل أن يبايعوا خليفة من بينهم؟
وكان الأنصار قد مالوا إلى سيدهم سعد بن عبادة، ألم يكن سعد
____________
<=
مسلم 1: 218 / 249 كتاب الطهارة، وسنن ابن ماجة - كتاب الزهد - 2: 1439 / 4306، والموطأ
1: 28 / 28 - كتاب الطهارة باختلاف يسير في اللفظ.
(1) (صحيح البخاري - باب غزوة الحديبية 5: 264 ح / 197.
ثم لم يحفظوا رسول الله في سعد!
قال عمر بن الخطاب وهو يصف بيعة السقيفة: ثم نزونا (1) على سعد، حتى قال قائلهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعدا (2)!
وسعد بن عبادة - هذا الذي وطؤوه وشتموه - إنما هو أحد النقباء، ومن أصحاب بدر وبيعة الشجرة!
قال ابن عباس: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المواطن كلها رايتان: مع علي راية المهاجرين، ومع سعد بن عبادة راية الأنصار.
وروى أحمد عن قيس بن سعد، قال: زارنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم - الحديث - ثم رفع يديه، فقال: " اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة " (3).
فلماذا كتب " الهدى " و " النجاة " لمن تابع عمر في بيعته لأبي بكر، ولم يكتب من ذلك شئ لمن تابع سعدا الذي أعرض عنهما، ولم يبايع لأحد منهما حتى توفي على عهد عمر مخاصما له (4)؟
____________
(1) أي وقعنا عليه ووطئناه. انظر لسان العرب (نزا) 15: 320.
(2) صحيح البخاري - كتاب الحدود - 8: 304 ح / 25، تاريخ الطبري 3: 201، الكامل في التاريخ 2: 328، تاريخ اليعقوبي 2: 124، البداية والنهاية 5: 216، ابن أبي الحديد 2: 25، الرياض النضرة 1: 234، سيرة ابن هشام 4: 310، جامع الأصول 4: 471.
(3) أنظر ترجمة سعد بن عبادة في: أسد الغابة 2: 283، الإصابة 3: 80 / 3167، الطبقات الكبرى 3: 613، تهذيب الكمال 10: 277 / 2214.
(4) الكامل 2: 331، الطبري 3: 210، أسد الغابة 2: 284، الإصابة 3: 80، تهذيب الكمال 10 : 281، تاريخ ابن خلدون 2: 488، الطبقات الكبرى 3: 616 - 617، سير أعلام النبلاء 1:
=>
- وهل يناقض كلام رسول الله بعضه بعضا؟
فهو صلى الله عليه وآله وسلم القائل لعمار بن ياسر: " تقتلك الفئة الباغية " (1).
والفئة الباغية هذه إنما كان يقودها صحابيان: معاوية، وعمرو بن العاص!
فهل يكون الباغي مهتديا؟
إذن كيف سيعرف الحق؟ وأين سيكون الدين؟
- وإن كان لسائر الصحابة مثل هذه المنزلة، فكيف جاز لعمر أن يقبل الدعوى على المغيرة بن شعبة بالزنا، ثم استدعى الشهود، وأجلسهم للخصومة، حتى شهد منهم ثلاثة وتلكأ الرابع (2)؟!
ولماذا أجاز شهادتهم على قدامة بن مظعون الأنصاري في شرب الخمر، ثم أقام عليه الحد، فجلده (3)؟
ولماذا لم يستبعد ذلك منهما، ويحكم باستحالته عليهما لما كان لهما من الصحبة والسابقة؟ فقد كان قدامة بن مظعون ممن شهد بدرا (4)، والمغيرة قد
____________
<=
277.
(1) صحيح البخاري - كتاب الصلاة 1: 194، صحيح مسلم - كتاب الفتن 4: 2235 / 70، 72،
73، مسند أحمد 2: 161، 164، وعدة مواضع أخرى، وترجمة عمار بن ياسر في جميع كتب التراجم
والسير.
(2) المستدرك 3: 448، الكامل في التاريخ - أحداث السنة السابعة عشر - 2: 540، تاريخ الطبري
4: 206، البداية والنهاية 7: 83، ابن أبي الحديد 12: 231.
(3) أسد الغابة 4: 199، الإصابة 5: 233، الطبقات الكبرى 5: 560، ابن أبي الحديد 20: 23،
سير أعلام النبلاء 1: 161، البداية والنهاية 7: 107، الرياض النضرة 2: 358 - 359.
(4) أسد الغابة 4: 198، الطبقات الكبرى 5: 401، الإصابة 5: 232، سير أعلام النبلاء 1: 161
=>
فأين أصبح إذن حديث - أصحابي كالنجوم -؟
هذا الحديث الذي لو صح على إطلاقه لامتلأت السنة بتناقض عجيب واضطراب لا تثبت معه قدم، إذ سيختلط الحق بالباطل، والهدى بالضلال، ويصبح من المحال الفصل بينها، غير أنه قد أراحنا من هذا العناء من أثبت مرة سقوط هذا الحديث عن المنزلة التي يصح معها الإحتجاج به، ومرة أثبت بطلانه:
فقد روى المتقي الهندي الحديث في باب الإعتصام بالكتاب والسنة بهذا النص: " مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحد في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية، فإن لم تكن سنة مني فما قال أصحابي، إن أصحابي كالنجوم في السماء فأيهم أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة ".
ثم عقب عليه، فقال: (ق) - أي أخرجه البيهقي - في المدخل، وأبو نصر السجزي في الإبانة، وقال: غريب.
وأخرجه الخطيب، وابن عساكر، والديلمي، عن سليمان بن أبي كريمة عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس - قال - وسليمان ضعيف، وكذا جويبر (2).
فللحديث - إذا - طريقان: أحدهما غريب، وهذا لا يحتج به.
والآخر فيه ضعيفان، فهو مردود.
____________
<=
وقالوا: كان أحد السابقين الأولين هاجر الهجرتين وشهد بدرا.
(1) أسد الغابة 4: 406، الإصابة 6: 131 وترجمة المغيرة في كافة مصادرها.
(2) كنز العمال 1: 198 / 1002.
وأخرجه الذهبي وابن حجر أيضا من حديث جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وبعد أن وصفاه بوضع الحديث قالا: ومن بلاياه حديث أصحابي كالنجوم (2).
نعم، لو صح الحديث فإنه لا يكون إلا كما فسره الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام حيث سئل عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
" أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وعن قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" دعوا لي أصحابي " فقال: " هذا صحيح، يريد: من لم يغير بعده، ولم يبدل!
لما يروونه من أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليذادن برجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد غرائب الإبل عن الماء، فأقول: يا رب أصحابي، أصحابي. فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: بعدا لهم، وسحقا لهم ". أفترى هذا لمن لم يغير ولم يبدل (3)؟
وحديث العشرة المبشرة:
هو أيضا من تلك الأحاديث التي صنعت لأجل نشر الغبار على الحقيقة!
فهذا الحديث الذي راج رواجا عجيبا ليس له إلا طريقان: أحدهما
____________
(1) لسان الميزان 2: 137 - 138.
(2) ميزان الاعتدال 1: 413، لسان الميزان 2: 117 - 118.