الصفحة 286
ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف، والآخر إلى سعيد بن زيد، وكلاهما من بين العشرة!

أما الطريق الأول: فهو محصور بعبد الرحمن بن حميد، عن أبيه حميد ابن عبد الرحمن الزهري، عن عبد الرحمن بن عوف (1).

وهذا إسناد باطل لأن حميد بن عبد الرحمن الزهري لم ير عبد الرحمن بن عوف، ولم يدركه! إذ إن عبد الرحمن بن عوف قد توفي سنة 32 هـ‍ (2)، وإن حميد ابن عبد الرحمن الزهري قد توفي سنة 105 هـ‍ عن عمر 73 سنة، فيكون قد ولد سنة 32، وهي سنة وفاة عبد الرحمن بن عوف!

وعلى رواية أنه توفي سنة 95 عن مثل هذا العمر، فعليه يكون قد بلغ العاشرة من عمره سنة وفاة عبد الرحمن بن عوف، وهذه أيضا لا تسعف الأمر، لأن عمرا كهذا لا يرشحه لهذه الرواية، فكيف أصبح - بعمره هذا - الراوي الأوحد؟

أضف إلى ذلك أن أهل التصانيف في علم الرجال قد حكموا بأن روايته عن عثمان بن عفان منقطعة، وأن روايته عن علي عليه السلام مرسلة، هذا وإن عثمان قد توفي بعد عبد الرحمن بثلاث سنين، وعاش علي بن أبي طالب بعده ثماني سنين. وأحصى ابن حجر من حدث عنهم حميد الزهري من الصحابة، وليس فيهم عبد الرحمن بن عوف (3)!. هذا هو إسنادهم الأول.

وأما الإسناد الثاني: فقد روي مرة من طريق عبد الله بن ظالم المازني عن سعيد بن زيد.

____________

(1) مسند أحمد 1: 193، الترمذي 5: 647، مصابيح السنة 4: 179.

(2) سير أعلام النبلاء 1: 92.

(3) أنظر ترجمته في تهذيب التهذيب 3: 45.

الصفحة 287
وعبد الله بن ظالم المازني هذا قال فيه ابن حجر: لينة البخاري (1).

وفي تاريخ البخاري الكبير، قال: ليس له حديث إلا هذا - عشرة في الجنة - وبحسب أصحابي القتل! (2).

وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: قال البخاري: عبد الله بن ظالم، عن سعيد بن زيد، عن النبي (ص): ولا يصح (3).

ورواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأخنس عن سعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن الأخنس قال عنه ابن حجر: مستور (4).

ومرة عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه، عن سعيد بن زيد (5) وفيها جميعا مع ما تقدم:

1 - أنها لم تعرف إلا في عهد معاوية، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثين سنة! فأين كانوا عنها، والجو يلائم نشرها، بل كانوا في حاجة لمثلها آنذاك في مواضع عديدة؟

والشاهد على ظهورها أيام معاوية صدر الرواية نفسها، ففي بعضها: لما قدم فلان الكوفة أقام فلانا خطيبا، فأخذ بيدي سعيد بن زيد، فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم - وذلك حين سمعه يسب عليا عليه السلام - فأشهد على التسعة أنهم في الجنة فعدهم - قلت: ومن العاشر؟

فتلكأ هنيئة، ثم قال: أنا. وجاء في رواية أخرى، أنه كان في المسجد - في الكوفة - فذكر رجل عليا فقام سعيد بن زيد، الحديث.

____________

(1) تقريب التهذيب 1: 424 / 394.

(2) التاريخ الكبير 5: 124 / 368.

(3) الضعفاء الكبير 2: 267 / 827.

(4) تقريب التهذيب 1: 472 / 858. وعد السرخسي المستور مع الفاسق والكافر والمعتوه وصاحب الهوى، وقال: قد نص محمد بن الحسن الشيباني على أن خبره كخبر الفاسق. أصول السرخسي 1:

370.

(5) الترمذي 5: 648.

الصفحة 288
هكذا إذن ظهرت هذه الروايات هنا لأول مرة ولم يسمع بها أحد من قبل!

2 - اضطرابها: فقد جاء في أكثرها ذكر النبي وتسعة معه ليس فيهم أبو عبيدة، وذكر في بعضها أبو عبيدة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم!

وفي بعضها عبد الله بن مسعود بدلا من أبي عبيدة (1).

3 - أن أيا من طريقها لم يذكره الشيخان: البخاري، ومسلم، ولو وجد أحدهما إليهما سبيلا يعتد به لأثبتها في مسنده، ولأعاد ذكرها في شتى الأبواب.

4 - أن الرواية لم تتوقف عند العشرة، بل تعدت إلى أحد عشر، فمن هو الحادي عشر؟

لو سئلت عن هذا لتبادر إلى ذهنك اسم: أبي ذر، أو عمار بن ياسر، أو ذي الشهادتين، أو حمزة بن عبد المطلب، أو جعفر الطيار، أو معاذ بن جبل أو رجل من هذه المراتب، ولكن الحقيقة غير هذه. فلندع الرواية تتكلم، لتكشف بنفسها عن هويتها:

ذكر المحب الطبري - في الرياض النضرة - فصلا في وصف كل واحد من العشرة يصفه حميدة، وساق الحديث، وذكر لكل واحد صفته إلى أن قال:

" ولكل نبي صاحب سر، وصاحب سري: معاوية بن أبي سفيان، فمن أحبهم فقد نجا، ومن أبغضهم فقد هلك " (2).

فهل يستدعي الأمر - بعد هذا - أن نقول: إن هذه الروايات ومثيلاتها هي أيضا من صنع الأمويين، وأساطيرهم الكثيرة خدمة لدولتهم التي لا تقوم إلا على مثل هذا؟!

____________

(1) الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة 2: 318.

(2) الرياض النضرة 1: 36.

الصفحة 289
إنها لحقيقة من أوضح الواضحات.

5 - وهذه الرواية أيضا تقطع الطريق على تلك الروايات وهي أحسن منها إسنادا:

فعن معاذ بن جبل، أنه لما حضرته الوفاة قال: التمسوا العلم عند أربعة:

عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة (1).

وهذه الرواية صححها الحاكم والذهبي، فينبغي أن يكون عبد الله بن سلام أحد العشرة المبشرة، وعليه فلا بد من إخراج واحد أو اثنين ممن ضمتهم الروايات المتقدمة.

6 - وأشد من هذا ما روي عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لحي يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام (2). فكيف غاب ذلك الحديث عن سعد وهو أحد العشرة، وهو آخرهم موتا؟!

7 - وكيف يصح حديث العشرة وبعضهم قد أباح دم بعض، واستحل قتله؟ فهل كان أشد على عثمان من طلحة والزبير؟

لقد كانا هما والسيدة عائشة أكثر من يؤلب عليه، ويحرض الناس على قتله!

وكان طلحة يكتب الكتب إلى الأمصار يحثهم على القيام على عثمان،

____________

(1) الترمذي 5: 671 / 3804، مسند أحمد 5: 243، مصابيح السنة 4: 221 / 4899، المستدرك 3: 416 وصححه، ووافقه الذهبي في التلخيص، وأخرجه أيضا أهل التراجم في ترجمة عبد الله بن سلام.

(2) مسند أحمد 1: 177، تهذيب تاريخ دمشق 7: 449، الإصابة 4: 81.

الصفحة 290
وقد أظهر بعض كتبه أهل البصرة يوم قدم إليهم يحثهم على قتال علي عليه السلام، والطلب بثأر عثمان، فقالوا له: أتعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم.

قالوا: فما ردك على ما كنت عليه، وكنت بالأمس تكتب إلينا، تؤلبنا على قتل عثمان، وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه (1)؟!

وكان عثمان وهو محصور في بيته يقول: هذا ما أمر به طلحة، اللهم اكفني طلحة فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم علي، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا وأن يسفك دمه (2).

وقد نكث طلحة والزبير بيعة عقداها راضيين بها، متحمسين لها! ثم انقلبا، وخرجا على إمام زمانهما! وجيشا عليه الجيوش! وقاتلاه أشد القتال! وكانا سببا في قتل الألوف من المسلمين من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله!

والغريب أن يعتذر لهذا أصحاب التاريخ فيقولون: إنهم خرجوا طلبا للإصلاح!! فهل كانت البصرة منقلبة على فتنة؟

أم أنهم استشاروا الإمام بشأن هذا الإصلاح فأذن لهم؟ لا هذا ولا ذاك!

ومما روي من أحداث الجمل: أن عليا عليه السلام قد قال لطلحة - وقد تحادثا قبل التحام الحرب -: " أيها الشيخ، اقبل النصح، وارض بالتوبة مع العار، قبل أن يكون العار والنار " (3)!

وقال عليه السلام في كتاب له بعثه إلى طلحة والزبير وهما في البصرة:

" ارجعا - أيها الشيخان - عن رأيكما، فإن الآن أعظم أمركما العار، من قبل أن

____________

(1) تاريخ الطبري 5: 179، الكامل في التاريخ 3: 216، الإمامة والسياسة: 68.

(2) الكامل في التاريخ 3: 174.

(3) الإمامة والسياسة: 75.

الصفحة 291
يجتمع العار والنار " (1).

وقبل أن يقع من ذلك كله شئ كان عمر قد أمر بقتل أصحاب الشورى جميعا إن مضت عليهم ثلاثة أيام ولم يبايعوا من بينهم خليفة (2)!

وأصحاب الشورى الذي انتخبهم عمر هم تمام العشرة المذكورين في الحديث: عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، ولم يبق من العشرة سوى سعيد بن زيد، فكيف يأمر عمر بقتلهم جميعا وهو يشهد لهم بالجنة؟

أم كيف جهلت أم المؤمنين عائشة أن عثمان مبشر بالجنة فصرحت بأنه قد كفر، وأمرت بقتله؟! ولقد كانت أشد الناس بغضا لعلي بن أبي طالب، إلا ما قد يكون من معاوية وصاحبه!

فأعجب إذن للمحب الطبري وهو يروي حديث العشرة بإسناده المبتور إلى عائشة (3)!

ومن حديث عائشة أخرج أحمد في مسنده أنها قالت: سمعت رسول الله يقول: " رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا " (4) فهل هذه هي منزلة المبشر بالجنة من بين سائر الناس، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون؟

ومن العشرة المذكورين من أنزل فيه الله: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم

____________

(1) نهج البلاغة - الكتاب رقم (54)، في شرح محمد عبدة 3: 123، صبحي الصالح: 446. العقد الفريد 5: 26.

(2) تاريخ المدينة 3: 925، الإمامة والسياسة 1: 24، تاريخ اليعقوبي 2: 16، الكامل في التاريخ 3:

67، تاريخ الطبري 5: 35، ابن أبي الحديد 1: 187.

(3) الرياض النضرة 1: 35.

(4) مسند أحمد 6: 115، حلية الأولياء 1: 98.

الصفحة 292
وأنتم لا تشعرون) (1).

ومنهم من نزل فيه قوله تعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما) (2) وهو طلحة (3).

فكيف تجتمع هذه المتناقضات؟!

أما إذا أضفت حادي عشرهم - معاوية - فتلك مصيبة لا بد أن ننزه ديننا العظيم منها، فإنه يكفي في معاوية محاربته " إمام المتقين " و " سيد المسلمين " و " قائد الغر المحجلين " (4).

ألم يأت في الحديث الشريف: " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية... ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى مؤمنها، ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه " (5)؟

____________

(1) تقدم أنها نزلت في أبي بكر وعمر.

(2) الأحزاب: 53.

(3) أنظر: تفسير الرازي 25: 225، تفسير القرطبي 14: 228، فتح القدير 4: 299، معالم التنزيل للبغوي 4: 483، تفسير ابن كثير 3: 513، تفسير روح البيان 7: 216، الدر المنثور 6: 643 - 644، لباب النقول للسيوطي: 179، البحر المحيط 7: 247.

فلا قيمة إذن لما اعتذر به الآلوسي من أنه قد يكون طلحة بن عبيد الله غير هذا المشهور، وقد رد عليه أبو حيان الأندلسي وفنده وأثبت أنها في طلحة المعروف لا غير وذكر قصة في ندمه على ما قال وقد أشار لها الآلوسي أيضا إلا أنه احتج بأن طلحة قد عصمه الله! فمن أين أتته هذه العصمة التي لا يعتقدها الآلوسي حتى لسيد المرسلين؟!.

(4) أنظر: المستدرك 3: 129، 138، أسد الغابة 3: 116، الترجمة من تاريخ دمشق لابن عساكر 2:

257، 486، الجامع الصغير 2: 177 / 5591، مجمع الزوائد 9: 121، ابن أبي الحديد 9: 169، الرياض النضرة 3: 138، الصواعق المحرقة: 125، وتقدم ذكر مزيد من مصادرها.

(5) صحيح مسلم - الإمارة - 3: 1476 / 53، سنن النسائي 7: 92، جامع الأصول 4: 456 / 2054.

الصفحة 293
ألم يأت في الحديث الشريف: " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " (1).

ألم يكن الصحابة هم أول المأمورين بهذا، فلماذا لم ينطبق شئ من هذا على الذين خرجوا على علي بن أبي طالب، ونكثوا عهدهم معه، وشقوا صف هذه الأمة يضربون برها وفاجرها ولا يتحاشون مؤمنا، ويعقدون بيعة بعد بيعة، والإمام الأول قائم مكانه؟!.

ألم يأت في الحديث الشريف: " من أتاكم وأمركم جمع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا من كان " (2)؟ بلى، ولقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصيه عليه السلام بقتال ثلاث فرق، فقال الوصي عليه السلام: " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين " (3).

قال ابن الأثير: النكث: نقض العهد، وأراد بهم أهل وقعة الجمل لأنهم كانوا بايعوا ثم نقضوا بيعته وقاتلوه. وأراد بالقاسطين أهل الشام، وبالمارقين الخوارج (4). فماذا بقي من رواية العشرة المبشرة إذن؟!

____________

(1) صحيح مسلم - الإمارة - 3: 1480 / 61، جامع الأصول 4: 442 / 2024.

(2) صحيح مسلم - الإمارة - 3: 1479 / 59 - 60، سنن النسائي - التحريم - 7: 92، جامع الأصول 4: 442 / 2025.

(3) الإستيعاب 3: 53، أسد الغابة 4: 33، المستدرك 3: 139، 140، تاريخ بغداد 8: 340 - 341، الترجمة من تاريخ ابن عساكر 3: 200 / 1206 - 1219 من أربعة عشر طريقا عن علي وأم سلمة وأبي أيوب الأنصاري. مجمع الزوائد 6: 235 و 7: 238، كنز العمال 13: 110 / 36361، والمنتخب منه بهامش مسند أحمد 5: 437، 439، 451، وأصحاب المناقب كافة وغيرهم أيضا.

(4) النهاية - في اللغة - 5: 114، مثله في لسان العرب 2: 196 (نكث)، ومفصلا في مناقب الخوارزمي:

109 وما بعدها، والمحاسن والمساوئ: 45، وهو مما لا خلاف فيه.

الصفحة 294

معالم أخرى:

لقد كان يكفي معاوية وأصحابه أيضا حملتهم الجريئة في وضع الحديث المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكتمان ما أمروا بنشره والعمل به من الحق، وقد صح الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "!

فكيف بمن أمر بالكذب عليه، ووظف له الرجال، والأموال، وسفك دماء الصالحين الذين وقفوا بوجه حملته الجائرة، وإن كانوا من خيرة الأصحاب، كحجر بن عدي وأصحابه؟

تلك السيول من الأحاديث التي وضعوها لتأتي بعدهم أجيال تدين بدين الإسلام، ولا ترى فضلا لعلي بن أبي طالب إمام المتقين على معاوية، أو عمرو ابن العاص، أو مروان!

وضعوها لنسكت حين نرى أبا ذر الغفاري طريدا من مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الذي يتولى إخراجه منها هو طريد رسول الله وابن طريده، مروان بن الحكم (1)!

وعبد الله بن مسعود: حين يجر برجليه اللتين هما أثقل في الميزان من جبل أحد (2) من مسجد رسول الله، وتضرب به الأرض حتى يكسر له ضلعان!

وكل ما جناه أنه لم يفتح بيت مال المسلمين في البصرة - وكان أمينا عليه -

____________

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 171 - 173، تاريخ المدينة 3: 1034، ابن أبي الحديد 1: 199، 3: 28، ومفصلا في صفحة 54، أنساب الأشراف: القسم الرابع: 542 - 545، الرياض النضرة 3:

83 - 84.

(2) هكذا وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه، انظر: الاستيعاب بهامش الإصابة 2:

319، أسد الغابة 3: 257، الإصابة 4: 129، الطبقات الكبرى 3: 155.

الصفحة 295
لبني أمية ليأخذوا منه ما يشاؤون، حتى مات مغاضبا لعثمان، وأوصى أن يصلي عليه عمار بن ياسر (1)!

ألم يكن عبد الله بن مسعود ممن هاجر الهجرتين، وشهد المواضع كلها مع رسول الله، وشهد بيعة الرضوان (2)؟

وعمار بن ياسر: وقد حكم فيه مروان في مجلس الخليفة! فضربوه، حتى فتقوا بطنه، فغشي عليه (3)!

وعبادة بن الصامت: وهو ممن شهد العقبة، وأحد النقباء الاثني عشر، شهد بدرا والمواضع كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

قال الذهبي: كتب معاوية إلى عثمان: إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام!

فما هي قصته؟

قال: إن عبادة مرت عليه قطارة - من الإبل - وهو بالشام تحمل الخمر، فقال: ما هذه، أزيت؟

قيل: لا، بل خمر يباع لفلان! فأخذ شفرة من السوق، فقام إليها، فلم يذر فيها راوية إلا بقرها، وأبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلان إلى أبي هريرة، فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة..

____________

(1) تاريخ المدينة 3: 1049، الطبقات الكبرى 3: 150 - 158، أنساب الأشراف: القسم الرابع:

524 - 525، ابن أبي الحديد 1: 199 و 3: 43، الرياض النضرة 3: 84.

(2) أنظر ترجمة عبد الله بن مسعود في: الاستيعاب، وأسد الغابة، والإصابة، والطبقات الكبرى، وغيرها (3) تاريخ المدينة 3: 1099 و 1100 و 1101 و 1102، أنساب الأشراف: القسم الرابع: 358، الإستيعاب بهامش الإصابة 2: 477، ابن أبي الحديد 3: 50، الإمامة والسياسة 1: 32 - 33، الرياض النضرة 3: 85.

الصفحة 296
فأتاه أبو هريرة، فقال: يا عبادة، ما لك ولمعاوية؟ ذره وما حمل.

فقال له عبادة: لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا يأخذنا في الله لومة لائم.

فسكت أبو هريرة.

وكتب فلان إلى عثمان: إن عبادة قد أفسد علي الشام (1)!

ألم يكن هؤلاء من خيرة أصحاب رسول الله، فلماذا لا نتذكر بحقهم حديث " احفظوني في أصحابي "؟!

أم إن هذه الأحاديث جاءت خاصة في حفظ معاوية ومروان وأمثالهما دون سائر الصحابة؟!

ولو توقف الأمر عند السكوت لكان أهون، ولكن الداهية الدهواء، والطامة الكبرى حين ينبري علماء المسلمين! ليبرروا كل جريمة حدثت بأنها اجتهاد، وأن الذي ارتكبها إنما هو مجتهد قد أخطأ في اجتهاده، فله أجر اجتهاده هذا!

يقول ابن حزم الأندلسي: وعمار رضي الله عنه قتله أبو الغادية يسار بن سبع السلمي، شهد بيعة الرضوان، فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه، فأبو الغادية (2) - رضي الله عنه - متأول مجتهد مخطئ فيه، باغ عليه، مأجور أجرا واحدا (3)!

وقال: فصح أن عليا هو صاحب الحق، والإمام المفترضة طاعته، ومعاوية مخطئ، مأجور، مجتهد.

وقال قبلها: فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه، وصحته إمامته

____________

(1) سير أعلام النبلاء 2: 9 - 10، الرياض النضرة 3: 84.

(2) ورد في المصدر، في الموضعين: أبو العادية - بالعين المهملة، والصحيح ما أثبتناه عن الإصابة وغيرها.

(3) الفصل في الملل والنحل 4: 161.

الصفحة 297
وأنه صاحب الحق، وأن له أجرين: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة.

وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون، مجتهدون مأجورون أجرا واحدا (1). وأما في أمر قتلة عثمان فيقول: وليس هذا كقتلة عثمان رضي الله عنه، لأنه لا مجال للاجتهاد في قتله (2).

أما عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" قاتله وسالبه في النار " (3) فلقاتله أجر الاجتهاد! أرأيت تحديا للدين أشد من هذا؟

وخالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويرة - مالك يقول له: أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلى القبلة؟! - ثم تزوج بامرأته من ليلتها، ولم يأذن لها بعدة، اعتذر بقوله: تأولت، فأصبت وأخطأت (4).

ولما أتي به إلى أبي بكر، وقد أراد عمر أن يقام عليه الحد، قال له أبو بكر: هيه - يا عمر - تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد (5)!

ويمتد الأمر، حتى أصبح يرمى بالكفر! أو بالفسوق! من تجرأ فقال:

إن فلانا منهم قد أخطأ في كذا. حتى صار تنزيههم هذا عقيدة دخلت في الحدود والأحكام، والحلال والحرام.

روى الذهبي: قال ابن الجنيد: سمعت يحيى بن معين يقول: تحريم النبيذ صحيح، ولكن أقف ولا أحرمه، فقد شر به قوم صالحون بأحاديث صحاح

____________

(1) المصدر 4: 161، 163، ومثله كلام ابن كثير في البداية والنهاية 7: 290.

(2) المصدر 4: 161.

(3) سير أعلام النبلاء 1: 420، 425، 426. الطبقات الكبرى 3: 261، أسد الغابة 4: 47، كنز العمال 13: 531 / 7383، مجمع الزوائد 9: 297 وقال: رجاله رجال الصحيح.

(4) تاريخ اليعقوبي 2: 132.

(5) الكامل في التاريخ 2: 358، الفتوح لابن أعثم 1: 25 - 26.

الصفحة 298
وحرمه قوم صالحون بأحاديث صحاح (1).

أليس هذا هو الغلو بعينه.

أليس من التناقض أننا نحاول أن نثبت لهم العصمة عمليا، مع أنك لا تجد لمبدأ العصمة محلا مع سيد الأنبياء والمرسلين؟

ولماذا نستنكر أن يقال: إن فلانا منهم أخطأ في هذا الفعل، أو ذاك القول، وقد رضينا أن تحل اللعنة الكبرى على " طاوس الملائكة "!

وعلى العابد الزاهد الذي أوتي الاسم الأعظم، أو بعضه، حتى جعله الله مثلا لنا وعبرة، فقال في كتابه العزيز: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآيتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) (2).

أليس الله تعالى يقول: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) (3)؟

ألم تحدثنا كتب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال:

" ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب، أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح:

(وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم

____________

(1) سير أعلام النبلاء 11: 88.

(2) الأعراف: 175 - 176.

(3) آل عمران: 144.

الصفحة 299
وأنت على كل شئ شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " (1)؟

ألم يبرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما صنع خالد في بني خزيمة إذ لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فقالوا: صبأنا، فأخذهم قتلا وأسرا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: " اللهم، إني أبرأ إليك مما صنع خالد " مرتين (2)؟

فما بالنا لا نبرأ مما تبرأ منه نبينا، ومن أمثاله؟

بل أم الدواهي أننا نزعم أن سكوتنا عنها ورضانا هو التقوى، وأما إنكارها فهو خوض فيما لا يصح الخوض فيه!!

ونردد المقولة المنسوبة إلى الحسن البصري، وقد سئل عن أصحاب معركة الجمل، فقال: تلك وقعة لم يشترك سيفي بها، فلا أريد أن أشرك لساني بها! ناسين أن علينا أن نقتدي برسول الله، لا غير!

(ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (3).

ولقد أحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقواما، فوجب علينا حبهم، وموالاتهم.

____________

(1) صحيح مسلم 4: 2194 / 58، وتقدم مثله كثير في حديث الحوض.

(2) صحيح البخاري - كتاب المغازي - 5: 321 / 339 و - كتاب الأحكام - 9: 133 / 49، وذكره أيضا في كتاب الجزية وكتاب الدعوات من صحيحه، وسنن النسائي - كتاب آداب القضاء - 8: 236 ومسند أحمد 2: 151، وحياة الصحابة 2: 422، وتاريخ الإسلام للذهبي - جزء المغازي - 568.

(3) الأحزاب: 21.

الصفحة 300
فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله أمرني أن أحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم ".

فقالوا: من هم، يا رسول الله؟

فقال " علي منهم - علي منهم - يكررها ثلاثا - وأبو ذر، والمقداد، وسلمان " (1).

وقد غضب لأقوام، فوجب علينا أن نغضب لغضبه، ونرضى لرضاه:

أخرج أحمد والحاكم: أنه كان بين خالد بن الوليد وعمار بن ياسر كلام، فشكاه خالد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من يعاد عمارا يعاده الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله " (2) هذا والشاكي هو خالد!.

وأخرج مسلم في صحيحه أن سلمان، وصهيبا، وبلالا كانوا قعودا، فمر بهم أبو سفيان، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها.

فقال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن أغضبتهم، لقد أغضبت ربك " (3) هذا والشاكي هو أبو بكر!

____________

(1) سنن الترمذي 5: 636 / 3718، سنن ابن ماجة 1: 53 / 149، المستدرك 3: 130، مسند:

أحمد 5: 351، أسد الغابة 4: 410، الترجمة من تاريخ ابن عساكر 2: 172 / 666، الإصابة 6:

134، الصواعق المحرقة: باب 9: 122، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 134، سير أعلام النبلاء 2 61، الرياض النضرة 3: 188، مناقب الخوارزمي: 34.

(2) مسند أحمد 4: 90، المستدرك 3: 391، سير أعلام النبلاء 1: 415، كنز العمال 13: 533 / 37388.

(3) صحيح مسلم 4: 1947 / 170، مصابيح السنة 4: 211 / 4873، حياة الصحابة 2: 443، سير أعلام النبلاء 2: 25.

الصفحة 301
وتقدم الحديث في غضبه صلى الله عليه وآله وسلم على من طعن في إمرة أسامة.

أفإن غضبنا لغضبه صلى الله عليه وآله وسلم هنا وحفظنا كرامة أسامة وأبيه، سنكون قد أخطأنا حين لم نوافق من طعن عليهما من الصحابة؟

فإن أخطأنا، فكفانا أننا مع رسول الله، وحاشاه أن يخالطه الخطأ.

وإن أصبنا هنا، فما لنا لا نكون قد أصبنا حين نغضب لمن هو أعظم منزلة من زيد، ومن أسامة؟!

أعني: عليا، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام.

قال سعد بن أبي وقاص: كنت جالسا في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: " ما لكم وما لي؟! من آذى عليا فقد آذاني " (1).

ثم ألم نقرأ في (شكوى الأربعة) و (شكوى بريدة) كيف غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يشكون إليه عليا، فرد عليهم - أرواحنا فداه - فقال: " ما تريدون من علي؟! ما تريدون من علي؟! إنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي "؟

ولئن كان أسامة قد تعرض لطعن في إمارته وقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة، فأثار ذلك من غضبه صلى الله عليه وآله وسلم ما أخرجه مع شدة مرضه، عاصبا رأسه، يتهادى بين رجلين (2) ورجلاه تخطان في الأرض، حتى قال مقالته الشهيرة تلك، فأي غضب سيغضب إذن لما أصاب أخيه، ووصيه، ووزيره، وخليفته الذي صرح بولايته، فشهدوا له وهنؤوه؟

____________

(1) حياة الصحابة 2: 484، البداية والنهاية 7: 346، مجمع الزوائد 9: 129 ووثق رجاله.

(2) هما: علي والفضل بن العباس، انظر: البخاري 1: 101 / 11، مسلم 1: 311 / 90 - 92.


الصفحة 302
أي غضب سيغضب له وقد عقدوا البيعة فيما بينهم وتركوه منشغلا بتجهيز جثمانه الطاهر؟ ويوم أحاطوا بيته، وهجموا عليه في داره! فأخرجوه منها بالعنف، وهو يقول: " أنا عبد الله، وأخو رسوله ".

وحين يهددونه بالقتل، أو يبايع لهم!

فيقول: " إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله ".

فيقولون: أما أخو رسول الله فلا!

وكم سيغضب لغضب بضعته فاطمة الزهراء البتول مرة بعد أخرى، حتى ماتت وهي غضبى على رجال! وفاطمة التي يغضب الله لغضبها، ويتأذى رسول الله لأذاها؟

كم سيغضب لتظاهر بعد تظاهر على أهل بيته، وخاصته، حتى قال علي عليه السلام يوم الشورى - وقد انتهت بالبيعة لعثمان بالخلافة - قال: " ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) (1)؟

ولقد كان التظاهر عليه متتابعا..

فيوم السقيفة مشهور، وقد تمت فيه البيعة - بغيابه - لأبي بكر، فقام بعدها أبو بكر خطيبا في مسجد رسول الله، معرفا بسيرته فقال قولا لو نسب لغيره لقيل إنه لا يصلح أن يقوم على شئ من أمور المسلمين، إذ قال:

" ألا وإن لي شيطانا يعتريني، فإذا أتاني فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم! " (2).

____________

(1) الكامل في التاريخ 3: 71.

(2) تاريخ الطبري 3: 211، صفة الصفوة 1: 261، تاريخ الخلفاء: 54، البداية والنهاية 6: 307، الإمامة والسياسة: 16، ابن أبي الحديد 6: 20 و 17: 159، مجمع الزوائد 5: 183، كنز العمال 5:

=>


الصفحة 303
ومع هذا فقد تمت، تلك البيعة التي وصفها عمر - في خطبته التي اتفق عليها أصحاب السير - بأنها كانت فلتة!

وذلك أنه سمع رجلا يقول: لو قد مات عمر لبايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فأعد لأجل ذلك خطبته التي ألقاها في مسجد رسول الله مقدمه من الحج، فقال فيها: لا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها، وليس منكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر.

من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا (1).

ثم جاء آخر أيام أبي بكر، فماذا حصل؟

كتب أبو بكر عهده بالخلافة من بعده لعمر، من دون أدنى مشورة من المسلمين! وجاء الصحابة، وأبدوا سخطهم، فقالوا: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته (2)؟

وتمت البيعة!

حتى كان آخر أيام عمر، فأخذ يتصفح الناس، من يستخلف منهم!

فقال: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، وقلت لربي إن سألني:

سمعت نبيك يقول " إنه أمين هذه الأمة ".

____________

<=

590 / 14050.

(1) صحيح البخاري - كتاب الحدود - 8: 302 / 25 والنص عنه، مسند أحمد 1: 56، الرياض النضرة 1: 232، تاريخ الطبري 3: 200، الكامل في التاريخ 2: 326، سيرة ابن هشام 4: 308 - 309، الملل والنحل للشهرستاني: الجزء الأول - الخلاف الخامس - 30 - 31، تاريخ الخلفاء للسيوطي:

51، ابن أبي الحديد 2: 23، وانظر النهاية لابن الأثير 3: 175، 467.

(2) تاريخ الخلفاء: 62 - 63، تاريخ الطبري 4: 54، الكامل في التاريخ 2: 425، الإمامة والسياسة 1: 19، السنن الكبرى للبيهقي 8: 149.

الصفحة 304
ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته، وقلت لربي إن سألني:

سمعت نبيك يقول: " إن سالما شديد الحب لله تعالى " (1).

وقال أيضا: لو استخلفت معاذ بن جبل، فسألني ربي: ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيك يقول: " إن العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل كان بين أيديهم رتوة بحجر " (2).

هكذا عرف إذن لهؤلاء منازلهم، فهل جهل منزلة علي؟

أم أن أحدا منهم يقاس به؟

ألم يكن عمر هو القائل: بخ بخ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (3)؟

أليس هو القائل: لقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لئن يكون لي خصلة منها أحب إلي من أن أعطى حمر النعم: تزويجه فاطمة بنت رسول الله، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحل له ما يحل له، والراية يوم خيبر (4)؟

وهو الشاهد يوم أعطي علي الراية في خيبر، ويوم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " فقال أبو بكر: أنا هو؟

قال: " لا ".

____________

(1) الطبري 5: 34، الكامل 3: 65، صفة الصفوة 1: 367، 383 على الترتيب.

(2) صفة الصفوة 1: 494، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 2: 188، والرتوة: الرمية، والمعنى:

أنه يتقدم عليهم بمقدار رمية حجر.

(3) تقدم ذكر العديد من مصادره في حديث الغدير.

(4) الرياض النضرة 3: 118، مجمع الزوائد 9: 130، فرائد السمطين 1: 345، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 136، الترجمة من تاريخ ابن عساكر 1: 220 / 283، المستدرك 3: 125، الصواعق المحرقة: باب 9. فصل 1: 127.

الصفحة 305
قال عمر: أنا هو؟

قال: " لا، ولكن خاصف النعل ".

وهو أيضا من أعرف الناس بأن منزلة علي من رسول الله هي منزلة هارون من موسى. أليس هو القائل في علي: أما إن وليهم حملهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم؟

فأين ذهب عنه وهو يقول: لو سألني ربي، لو سألني ربي؟

ولقد كان له يوما مع ابن عباس حوار ذكر فيه عليا عليه السلام، وحقه في الخلافة، فقال لابن عباس: أتدري ما منع الناس منكم؟

قال: لا.

قال: لكني أدري.

قال: وما هو، يا أمير المؤمنين؟

قال: كرهت قريش أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة، فتجخفوا جخفا (1) فنظرت قريش لنفسها، فاختارت، ووفقت فأصابت.

قال ابن عباس: أيميط أمير المؤمنين عني غضبه، فيسمع؟

قال: قل ما تشاء.

قال: أما قولك: إن قريشا كرهت، فإن الله تعالى قال لقوم: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) (2). وأما قولك: إنا كنا نجخف، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال له

____________

(1) الجخف: التكبر.

(2) سورة محمد (ص): 9.

الصفحة 306
الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) (1) وقال له: واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) (2).

وأما قولك: فإن قريشا اختارت، فإن الله تعالى يقول: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (3).

وقد علمت - يا أمير المؤمنين - أن الله اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت.

فقال عمر: على رسلك - يا ابن عباس - أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشا في أمر قريش لا يزول، وحقدا عليها لا يحول.

فقال ابن عباس: مهلا - يا أمير المؤمنين - لا تنسب هاشما إلى الغش، فإن قلوبهم من قلب رسول الله الذي طهره الله وزكاه، وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى لهم: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (4).

وأما قولك: حقدا، فكيف لا يحقد من غصب بشيئه، ويراه في يد غيره!

ثم قال: وأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو، ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله، واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فنحن أحق برسول الله من سائر قريش.

فقال له عمر: قم الآن، فارجع إلى منزلك. فلما ذهب هتف به عمر:

أيها المنصرف، إني على ما كان منك لراع حقك!

فالتفت إليه ابن عباس، فقال: إن لي عليك، وعلى كل المسلمين حقا

____________

(1) القلم: 4.

(2) الشعراء: 215.

(3) القصص: 68.

(4) الأحزاب: 33.

الصفحة 307
برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن حفظه فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع. ثم مضى (1).

ونقل أيضا عن الزبير بن بكار (2)، في كتاب " الموفقيات " عن عبد الله ابن عباس، قال: إني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة، إذ قال لي: يا بن عباس، ما أرى صاحبك إلا مظلوما.

فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين، فاردد إليه ظلامته!

فانتزع يده من يدي، ومضي يهمهم ساعة، ثم وقف، فلحقته، فقال:

يا بن عباس، ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه!

فقلت في نفسي: هذه شر من الأولى! فقلت: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك (3).

صدق ابن عباس، فما استصغره الله ورسولك يومذاك، ولا يوم اختاره النبي للمنزلة الأولى بعده: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ".

ولا يوم أخذ بيده، وهتف باسمه على الملأ من المسلمين، فقال: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".

ولا استصغره قومه - أنفسهم - يوم " أحد " إذ انهزموا عن رسول الله وتركوه معه، ويوم " حنين " ولا يوم " الخندق "! فليتهم لم يعتذروا!

____________

(1) تاريخ الطبري 5: 31، الكامل في التاريخ 3: 63 - 65، ابن أبي الحديد 12: 53 - 54.

(2) هو الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، وهو شيخ ابن ماجة والبغوي وابن ناجية وأبي حاتم، وقد وثقه أحمد، وابن حبان، والدارقطني، ويحيى بن معين، والنسائي، وقالوا فيه: كان ثقة ثبتا عالما بالنسب وأخبار المتقدمين ومآثر الماضين.

توفي سنة 256 هـ‍.

تهذيب الكمال 9: 293، تهذيب التهذيب 3: 312 / 580.

(3) ابن أبي الحديد 6: 45، 12: 46.