مقدمة المركز
لا يخفى على أحد بأنّ الافتراق يؤدّي إلى تمزيق الأمة وتفتيت أوصالها وإضعاف بنيتها والحاق الخسارات الهائلة بها، نتيجة ضياع جهودها في الصراع والمهاترات والشقاق.
وقد ابتلي المجتمع الإسلامي ـ للأسف ـ بهذا الداء، بعد أن التحق رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى، ويشهد التاريخ بأنّ الأمة الاسلامية ما إن رزئت بفقده إلاّ وتغلّبت عليها الأهواء واستيقظت فيها الفتن، حتى عادت الجاهلية ونور الإسلام في الآفاق.
ومن هذا المنطلق بدأت الفرق المتعددة والجماعات المتضادة والتكتلات المختلفة تنتشر في الدائرة الاسلامية، حتى مهّد هذا الأمر للسلطات الحاكمة أن تستغل الوضع لمآربها الخاصة ومصالحها الشخصية.
وأوّل ما فعلت هذه السلطات أنّها استقطبت الفرق التي توفّر لها الدعم، ونبذت الاتجاهات التي لا تتماشى مع مصالحها.
ومن هنا احتضنت الحكومات مذهب أهل السنة، لأنها وجدته المذهب الوحيد الذي يوفّر لها ما تريد، فتقبلته بكل ترحاب، ومهّدت له السبيل للبقاء، لتستمد من وجوده مشروعية استيلائها على دفة الحكم، وليكون هذا المذهب مبرراً لكل ما تقوم به من أفعال تخدم
كما أنّ هذه السلطات حاولت عبر وسائل إعلامها المكثفة أن تضفي على هذا المذهب هالة من القداسة، وأن تصوّره بأنّه مذهب الجماعة والمذهب الوحيد المتّبع لسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله).
وفي المقابل حاول أتباع المذهب السني ـ تمشية مع الأهداف السياسية الحاكمة ـ أن يبيّنوا ضعف الاتجاهات المخالفة لهم.
وكان من جملة أساليبهم أن يصوّروا لعامة الناس بأنّ المذاهب المخالفة لهم مذاهب قائمة على الأهواء والبدع، وأنّها على الدوام في حالة انشقاق وتمزّق وتشتت لعدم امتلاكها الأصول الثابتة.
ومن جهة أخرى حاولوا أن يبيّنوا بأنّ مذهب أهل السنة بقي مذهباً واحداً نتيجة استمداد وجوده من القرآن والسنة.
وكان مذهب أهل البيت(عليهم السلام) من أكثر المذاهب التي تعرّض لهذه الهجمات، وقد اتبع بعض المؤرخين في تقسيمهم للفرق والمذاهب مقاييس ومعايير يكون مؤدّاها بأن مذهب التشيع قد تفرّق إلى فرق عديدة، وأن هذا المذهب كان دأبه الانشقاق والتفرقة نتيجة اضطرابه في الأصول العقائدية.
وفي الوقت نفسه تجنّب هؤلاء المؤرخين الحديث عن فرق أهل السنة، رغم كونها تنطبق عليها نفس المقاييس والمعايير التي قسّموا على ضوئها الفرق المخالفة لمذهبهم.
وقد التفت الأستاذ صالح الورداني إلى هذا الأمر، فألّف هذا الكتاب
ولكنه مع ذلك لم يسمح له ضميره الحي أن يتّبع نفس المنهج المغرض وغير الموضوعي الذي اتبعه أهل السنة والذي اطلقوا من خلاله اسم الفرقة على بعض الاتجاهات المنشقة عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ولو كان اتباع ذلك الاتجاه عشرة أشخاص.
بل حاول الأستاذ صالح الورداني أن يعرض في كتابه هذا فقط فرق أهل السنة الكبرى والبارزة، واتجاهاتها القديمة والمعاصرة التي ارتبطت بالواقع والأحداث اليومية، لتتنبه أذهان أهل السنة وتتجنّب الشطط والفتن، وليتعرّف عامة أهل السنة على الحقائق التي حاولت الأقلام المرتزقة إخفاءها عنهم.
و"مركز الأبحاث العقائدية" إذ يقدّم هذا الأثر القيّم ضمن "سلسلة الرحلة إلى الثقلين" كلّه أمل في أن تشهد الساحة الاسلامية أمثال هذه المؤلّفات التي من شأنها تجلية الغيوم التي حالت دون رؤية الكثير من المسلمين للواقع الذي هم فيه، ليكون ذلك محفّزاً لنبذ التقليد الأعمى والتوجّه إلى البحث الذي يوصل صاحبه إلى مرحلة البصيرة في أمر دينه.
مركز الأبحاث العقائدية
فارس الحسون
(الأنعام / 159)
تقديم
على مرّ تاريخ المسلمين، نشأت خلافات ونزاعات وتطاحنات أدت إلى نشوء فرق واتجاهات متعددة بداية من وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)وحتى اليوم.
والذين رصدوا هذه الحالة في الماضي من الفقهاء والمؤرخين خضعوا لعوامل سياسية ومذهبية حالت بينهم وبين التشخيص الموضوعي لها.
رصدوا هذه الحالة من منظور أهل السنة ولم يرصدوها من منظور النصوص.
رصدوها من منظور الحكام لا من منظور الواقع.
أهل السنة الذين يعتقدون أنهم الطائفة الحقة المنصورة في الدنيا والآخرة.
والحكام الذين اعتبروا أنفسهم أئمة المسلمين وحصلوا على مباركة الفقهاء.
من هنا برزت النظرة الأحادية المخاصمة للفرق المخالفة لأهل السنة والخط السائد.
ومن هنا أيضاً تم تجنّب المساس بأهل السنة وفرقهم.
وجاءت كتب الفرق التي كتبت بأقلام أهل السنة لتعلن الحرب على الفرق المخالفة وتتهمها بالزيغ والضلال.
إلاّ أنه لم يتجه أحد إلى إدخال أهل السنة في دائرة المحاكمة كما أدخلوا هم الفرق الأخرى.
ولم يتجه أحد إلى الشك في معتقداتهم وأفكارهم بفرقهم المختلفة التي تتساوى في معتقداتها وأفكارها مع الفرق الأخرى بل أن هذه الفرق تمتاز عليها.
لقد دارت صراعات ونزاعات وتطاحنات بين فرق أهل السنة وصلت إلى حد التكفير وإراقة الدماء، وسوف نرصدها من خلال هذا الكتاب.
وسوف نرصد أيضاً الحالة العقائدية والفكرية لهذه الفرق، تلك الحالة التي تجاوزت حدود النص والعقل، بالإضافة إلى رصد دور الحكام في واقع هذه الفرق وفي مواجهة الفرق المخالفة.
وما نهدف إليه من خلال هذا الرصد هو كشف الدور الذي لعبته السياسة والمذهبية في التعتيم على حقيقة الدين وبث الفرقة بين المسلمين وفرض الروايات الزائفة التي وطنت العقائد والمفاهيم الفاسدة، وأضفت عليها القداسة بحيث طغت على العقائد الصحيحة والمفاهيم الفاعلة التي تسهم في نهوض الأمة ودفعها إلى الأمام، كما وطنت الخلافات والصراعات وبررتها وأعطت السلاح لأهل الفرق ليستبيحوا به بعضهم البعض.
إنّ هذا الكتاب هو خطوة على طريق تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة الموروثة.
وتصحيح المفاهيم هو مقدمة أساسية نحو وحدة المسلمين.
صالح الورداني
القاهرة
مدخل
أصل الفرقة والخلاف
لقد لبس الحكام ثوب الإمامة وبارك الفقهاء هذه الجناية في حق الإسلام والمسلمين.
ومنذ ذلك الحين زرعت شجرة الخلاف، وأثمرت فرقاً وجماعات متناحرة عوقت مسيرة الأمة وأدّت إلى تخلّف المسلمين.
إن جميع صور الفرقة والخلاف والتناحر التي استوطنت واقع المسلمين من بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وحتى اليوم كان سببها غياب الإمامة الحقة.
لقد كان الإسلام خاتم الرسالات ومحمد (صلى الله عليه وآله) هو خاتم الأنبياء، فمن ثم كان لابد وأن تكون هناك أداة لضبط حركة الإسلام وواقع المسلمين من بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) وكانت هذه الأداة هي الإمامة.
لم تكن الإمامة ـ لو أتيحت لها الفرصة للقيام بدورها في واقع المسلمين بعد غياب الرسول ـ لتسمح ببروز الحكام الطغاة والفقهاء المسيسين.
والحكام الطغاة والفقهاء المسيسين كانا أساس الفرقة والخلاف.
والفقهاء المسيسين برواياتهم وفتاويهم.
من هنا وجب إلقاء الضوء على صور الخلاف والتناحر التي برزت بعد وفاة الرسول وأثمرت في النهاية هذه الفرق التى نحن بصدد الحديث عنها هنا.
وجب معرفة الدوافع التي أدت إلى بروز فرق أهل السنة وبروز الفرق المخالفة لها المتصادمة معها.
يعرض لنا الشهرستاني بوادر الخلاف وشبهاته بداية من عصر الرسول قائلاً: إن الشبهات التي في آخر الزمان هي بعينها تلك الشبهات التي وقعت في أول الزمان وإن خفي علينا ذلك فى الأمم السالفة لتمادي الزمان، فلم يخف في هذه الأمة أن شبهاتها كلها نشأت من شبهات منافقي زمن النبي(صلى الله عليه وآله)، إذ لم يرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى، وشرعوا فيما لا مصرح للكفار فيه ولا مسرى، وسألوا عما منعوا من الخوض فيه والسؤال عنه وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز فيه الجدال(1).
وهذه لفتة طيبة من الشهرستاني، إذ حصر الشبهات التى ولدت الخلاف والفرقة بين المسلمين فى عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) وبهذا يكون قد أعطانا المفتاح الذى ندخل من خلاله إلى بيت الداء، فإن واقع المدينة في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) كان يكتظ بالمنافقين المتربصين بالإسلام والمسلمين.
ولم يكن تيار المنافقين تياراً سرياً، وإنما كان علنياً مفضوحاً بنصوص
____________
1- الملل والنحل هامش الفصل في الملل والنحل لابن حزم ج1/ المقدمة الرابعة.
وليس من السهل على العقل أن يسلم بأن عناصر المنافقين ورموزهم كانت مجهولة ولم يشر إليها الرسول(صلى الله عليه وآله) بالتحديد وهو يعلم مدى خطورتها على مستقبل الإسلام ووحدة المسلمين.
وليس من العقل القول بأن المنافقين كانوا خارج دائرة الصحابة، أو كانوا بعيدين عن الرسول (صلى الله عليه وآله).
إذا سلمنا بهذا وجب علينا أن نعلم أن المنافقين كانوا يخططون فى حياة الرسول(صلى الله عليه وآله) للخروج عن نهج الإسلام وضرب الفكرة التى تقوم عليها وحدة المسلمين وهى الإمامة، وقد حاولوا ضربها في شخص الرسول (صلى الله عليه وآله) ويظهر ذلك من محاولات الاغتيال التي دبرت له، ومحاولات الدعاية التى كانت تهدف إلى تشوية الإسلام وشخص الرسول(صلى الله عليه وآله)(1).
وإذا كان هذا هو الحال في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) والوحي يتنزل، فكيف سوف يكون الحال بعد رحيله وانقطاع الوحي؟
لا شك أن دور المنافقين سوف يبرز وبقوة على ساحة الواقع.
وهذا هو ما حدث بمجرد أن لفظ الرسول (صلى الله عليه وآله) أنفاسه، أن ضربت الإمامة حصن المسلمين وحل محلها الحكام الذين احتاجوا إلى الفقهاء
____________
1- انظر كتب السيرة وسيرة ابن هشام خاصة. وانظر سورة التوبة وتفسيرها في كتب التفسير وقد أطلق عليها بعض الفقهاء اسم الفاضحة لأنها تفضح الواقع المدني وتعري المنافقين. وانظر لنا كتاب: دفاع عن الرسول.
ولقد تبنّى أهل السنة هذا الموقف من أجل الحفاظ على وجودهم ومستقبلهم، فهم إن تخلوا عن عقيدة التعتيم تحت ستار عدالة جميع الصحابة لكشفوا حقيقة المنافقين، وبالتالي تسقط مشروعية الحكام الذين اغتصبوا الإمامة من مستحقيها وانحرفوا عن نهج الرسول (صلى الله عليه وآله)بعد وفاته.
وتسقط أيضاً مشروعية الحكام الذين جاءوا من بعدهم من بني أمية وبني العباس وغيرهم ممن استمدوا شرعيتهم من حكام المرحلة الأولى ـ الخلفاء الثلاثة ـ وإذا ما سقطت مشروعية الحكام فسوف تسقط من ورائها مشروعية أهل السنة ويفقدون الأمن والحماية التي كانوا يحظون بها في ظل هؤلاء الحكام، وبالتالي يفقدون القدرة على البقاء والاستمرار.
وهذه هي أزمة أهل السنة التى تسبّبت فى تعدد فرقها وبروز تيارات مخالفة لها، أي بروز الفرق في واقع المسلمين.
إنّ أهل السنة تبنّوا أطروحة عاجزة عن مواكبة الواقع، والتغيرات تعتمد على التأويل والتبرير، فمن ثم لم تستطع هذه الأطروحة أن تحقق الاستقرار الفكري والعقائدي للمسلمين فى مواجهة الخلافات والصدامات التي وقعت بعد الرسول بين الصحابة وبعضهم وبين الحكام والمسلمين على وجه العموم.
قال الشهرستاني: أول تنازع في مرضه (عليه السلام) فيما رواه البخاري لما اشتد بالنبي مرضه الذي مات فيه، قال أئتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي. فقال عمر: إن رسول الله غلبه الوجع حسبنا كتاب الله وكثر اللغط. فقال النبي (صلى الله عليه وآله)قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع. قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)(1).
الخلاف الثاني في مرضه(صلى الله عليه وآله) أنه قال: جهّزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلّف عنها، فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره.
وقال قوم: اشتد مرض النبي، فلا تسع قلوبنا مفارقته(2).
الخلاف الثالث فى موته(صلى الله عليه وآله).
قال عمر: من قال إن محمداً مات قتلته بسيفي هذا.
وقال أبو بكر: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات(3).
الخلاف الرابع في موضوع دفنه (صلى الله عليه وآله): أراد أهل مكة من المهاجرين ردّه
____________
1- انظر: البخاري كتاب العلم. باب كتابة العلم. وشرحه في فتح الباري ج1/208 وج8/ كتاب المغازي. وانظر لنا كتاب السيف والسياسة وانظر مسلم كتاب الوصية 2- انظر البخاري كتاب المغازي وشرحه في فتح البارى ج8/ 152. وانظر طبقات ابن سعد ج2/191. وانظر سيرة ابن هشام وكتب التاريخ فترة وفاة الرسول.
3- انظر ابن سعد وابن هشام وكتب التاريخ.
وأرادت جماعة نقله إلى بيت المقدس لأنها موضع دفن الأنبياء(1).
الخلاف الخامس في الإمامة. وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان، وقد سهل الله تعالى ذلك في الصدر الأول فاختلف المهاجرون والأنصار فيها(2).
الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبى (صلى الله عليه وآله) ودعوى فاطمة وراثة تارة وتمليكاً أخرى(3).
الخلاف السابع فى قتال مانعي الزكاة فقال قوم لا نقاتلهم قتال الكفرة.
وقال قوم بل نقاتلهم(4).
الخلاف الثامن في تنصيص أبي بكر على عمر بالخلافة وقت الوفاة، فمن الناس من قال قد وليت علينا فظاً غليظاً وارتفع الخلاف(5).
____________
1- انظر كتب التاريخ فترة وفاة الرسول.
2- انظر أحداث سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول في كتب التاريخ. وانظر لنا كتاب السيف والسياسة.
3- انظر البخاري كتاب الخمس. وكتاب الفرائض. ومستدرك البخاري، ومسلم ج3/153.
4- انظر الخلاف بين أبي بكر وعمر حول قتال مانعي الزكاة في كتب التاريخ عام تولى أبو بكر الخلافة. وانظر البخارى كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، ومسلم كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس.
5- انظر كتب التاريخ فترة مرض أبي بكر ووفاته، وانظر لنا السيف والسياسة.
الخلاف العاشر في عهد أمير المؤمنين علي وحرب الجمل وصفين والخوارج(2).
وهذه الخلافات العشرة التي رصدها الشهرستاني إنما تصب جميعها في محيط الإمامة، وقد بنيت على أساسها مواقف ومعتقدات كان لها دورها الفاعل فيما بعد في نشأة الفرق الإسلامية.
وكان لابد من تجديد الموقف الشرعي الواضح من هذه الخلافات على أساس النصوص الصريحة، إلا أن اختفاء هذا الموقف واكب اختفاء الإمامة، فمن ثم برز مكانه الموقف التأويلي التبريري الذي عبّر عن الخط السائد والذي عجز عن تكوين رؤية مقنعة تعبر عن حقيقة الإسلام لا عن مصالح ونفوذ الطبقة الحاكمة.
لقد كانت أول الفرق بروزاً فى واقع المسلمين فرقة القبليين بزعامة عمر بن الخطاب، وهذه الفرقة هي التي أوصلت أبا بكر إلى الحكم وقد احتوت على المهاجرين وبعض القبائل.
ثم برزت في مواجهتها فرقة الأنصار التى تكونت من الأوس والخزرج.
ولما استقر الأمر للقبليين ضرب الأنصار وأهل البيت وساد النهج
____________
1- انظر المراجع السابقة.
2- انظر المراجع السابقة. وكتابنا الإمام علي سيف الله المسلول.
وفرقة الأمويين كانت بزعامة معاوية بن أبى سفيان وقد أخذت دفعتها الأولى على حين تسلم السلطة بعد مصرع عثمان.
وفرقة الأمويين كانت بزعامة معاوية بن أبى سفيان وقد أخذت دفعتها الأولى على يد عمر بن الخطاب حين قام بتعيين معاوية حاكماً للشام فمنحه القوة والسلطة التى أهلته لتكوين فرقته، وقد استقطب هذه الفرقة الكثير من المهاجرين من خصوم أهل البيت على رأسهم عمرو بن العاص وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة بالإضافة إلى أهل الشام(1).
وظهرت في مواجهة الإمام علي فرقة الجمل بقيادة عائشة زوج النبي(صلى الله عليه وآله)وضمت طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وآخرين.
كما برزت في مواجهته فرقة الخوارج التي ضمت الكثير من الأعراب والقبليين الذين يتميزون بضيق الأفق وقلة الفهم والسطحية.
ولما قتل الإمام علي واستتب الأمر لمعاوية أعلن الملكية لأول مرة في تاريخ المسلمين وبدأ فى اختراع الروايات بمعونة أبى هريرة وغيره واستخدامها كغطاء شرعي، ومن هنا وضع حجر الأساس لفرقة أهل السنة.
____________
1- حول علاقة عمر بمعاوية، انظر سيرة عمر مع معاوية حين ولاه الشام في كتب التاريخ. وانظر الإصابة في تمييز الصحابة ترجمة معاوية رقم 8068. وانظر لنا السيف والسياسة.
وأصبح هناك ثلاثة فرق رئيسية على الساحة الإسلامية:
الأولى الفرقة الحكومية نواة أهل السنة.
الثانية فرقة الشيعة.
الثالثة فرقة الخوارج.
ثم برزت فرقة المرجئة بعد ذلك كفرقة محايدة تجاه الصراع الدائر بين الفرق الثلاث السابقة.
فرقة معاوية التي لا تعترف بالشيعة والخوارج.
وفرقة الشيعة التي لا تعترف بمعاوية والخوارج.
وفرقة الخوارج التي تكفّر الفرقتين.
وقد احتوت المرجئة عدداً من الصحابة والتابعين الذين وقفوا على الحياد تجاه الصراع الدائر على الساحة.
وجاء بعد ذلك الحسن البصري ليبرز بفرقته التي تميل إلى الزهد والعزلة عن الواقع والبعد عن متاهات السياسة.
وانشق على البصرى واصل بن عطاء واصطدم به حول الموقف من صاحب الكبيرة والإشارة بالكبيرة كان يقصد بها الحكام الذين ارتكبوا الكبائر في حق الإسلام والمسلمين دون أن يظهر الموقف الشرعي المطلوب تجاههم، فأثار واصل هذه المسألة من باب إيقاظ العقل المسلم من سباته الطويل منذ معاوية وحتى عصره وقام بعد ذلك بتأسيس
وكان قد برزت فى ذلك الوقت فرقة الأحناف بالعراق وفرقة المالكية بمدينة الرسول(صلى الله عليه وآله).
وكردّ فعل لفرقة المعتزلة برزت فرقة أهل الحديث التي صبت جهودها فى مجال الرواية وتحجيم دور العقل وكانت نواة فرقة الحنابلة فيما بعد.
ثم برزت بعد ذلك فرقة الشافعية والحنابلة والسفيانية والأوزاعية.
الشافعية في العراق ثم فى مصر.
والحنابلة في العراق.
والسفيانية في العراق.
والأوزاعية في الشام.
وفي مواجهة هذه الفرق السنية برزت فرقة الجبرية وفرقة القدرية، ثم فرقة الأشاعرة السنية التي حاولت التوفيق بين النقل والعقل، ولحقت بها فرقة الماتردية التى برزت في بلاد ما وراء النهر.
وقامت حكومات في بلاد المشرق تبنّت الفرقة الحنفية فى الفقة والفرقة الماتردية في الاعتقاد.
وقامت حكومات أخرى في الشام ومصر تبنت الفرقة الشافعية في الفقة والفرقة الأشعرية في الاعتقاد.
وقامت حكومات ثالثة في بلاد المغرب والأندلس، فتبنت الفرقة المالكية في الفقة والأشعرية في الاعتقاد.
وهكذا أسهمت السياسة فى سيادة الفرق السنية وانتشارها على
ولم يكن لتحدث هذه الازدواجية فى الاعتقاد والتلقي في دائرة أهل السنة إلاّ بضغط الحكام الذين سار الفقهاء في ركابهم، وهو أمر إن دل على شيء فإنما يدل على مدى النقص والخلل في أطروحات فرق أهل السنة بحيث تحتاج الفرق إلى أن تكمل بعضها.
وهذه الفرق مجملة هي التي ظلت ترتع في واقع المسلمين حتى بروز فرقة ابن تيمية في القرن الثامن الهجري والتي ضربت في حينها ثم عادت للبروز من جديد في إطار الفرقة الوهابية التي تفرخت منها العديد من الفرق السنية المعاصرة مثل:
فرق الإخوان.
وفرقة أنصار السنة.
وفرقة السلفيين.
وفرقة الجهاد.
وفرقة طالبان.
وفرقة جند الصحابة.
وفرقة الشريعة المحمدية.
وفرقة التبليغ.
وفرقة جيهمان.
وفرقة الألبانيون.
وفرقة أهل الحديث.
وكما كان أهل السنة في الماضي هم سبب الخلاف والتعددية، أصبحوا اليوم أيضاً من أسباب الفرقة والخلاف فى واقع المسلمين بل أن الحالة انعكست عليهم فأصابهم بالفرقة والشتات بصورة لم تحدث لهم من قبل.
ولم تحقق لهم حالة الأمن والاستقرار والانتشار التي عاشوها في حماية الحكام. الوحدة المنشودة والتماسك الفكري والعقائدي فذهبوا كل مذهب.
ومما سبق يمكن القول أن السبب المباشر في حدوث الفرقة والخلاف في واقع المسلمين يكمن فى الانحراف عن فكرة الإمامة، ذلك الانحراف الذي بدأ على يد فرقة القبليين التى سلمت الدفة لفرقة الأمويين التي استثمرت الرواية لتتسلم الدفة منها فرقة العباسيين وتبرز فى ظلها فرق أهل السنة التي اعتمدت على الروايات الموروثة من العصر الأموي والتي برزت في العصر العباسي لتؤسس معتقد انحصار الإمامة في الحكام.
ولو كان أهل السنة قد أقروا أن الإمام غير الحاكم أو بصورة أخرى أكثر تحديداً قالوا إن الحاكم ليس إماماً ولا يجوز له أن يكون إماماً، لما برز الخلاف من الأصل بين المسلمين، ولاتجه المسلمون على الفور نحو الإمام يرجعون إليه في أمور دينهم فيحسم لهم الخلاف ويقض على
من هنا برزت النزعة العدائية من قبل أهل السنة تجاه الفرق الأخرى المخالفة التى نادت بفكرة الإمامة الحقة مثل الشيعة، أو التى نادت بإحياء دور العقل مثل المعتزلة أو التى نادت بالتحرر من الروايات فيما يتعلق بصفات الله مثل الجهمية وغيرها.
وفي الفصول القادمة سوف نعرض جوانب أخرى تتعلّق بنهج أهل السنة وفرقهم وطرح الفرق الأخرى.
الحكام والفرق
إلاّ أنهم تقاربوا مع فرق أهل السنة واستثمروها لدعم نفوذهم ومصالحهم وتحالفت معهم فرق أهل السنة من أجل تثبيت أقدامها في واقع المسلمين ودعم أنشطتها وتوسيع رقعتها وتصفية خصومها من الفرق الأخرى.
____________
1- استثمر المأمون العباسي المعتزلة والشيعة بعض الوقت ثم بطش بهما، أنظر كتب التاريخ فترة حكم المأمون.
نصوص أهل السنة:
إن المتأمل في أطروحة أهل السنة بفرقها المختلفة يتبيّن له أنّها تتخذ موقفاً واحداً من الحكّام، وهو موقف الاعتراف والمسالمة والسمع والطاعة في جميع الأحوال مهما كانت سياساتهم ووضعهم الشرعي.
وسوف نعرض هنا نصوص عقائد أهل السنة في الحكام كما وضعها كبار رموزهم.
يقول ابن حنبل: الخلافة في قريش ما بقى من الناس اثنان، ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا يخرج عليهم ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة. والجهاد ماض قائم مع الأئمة، بروا أو فجروا، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل. والجمعة والعيدان والحج مع الأئمة وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء، ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إلى الأمراء عدلوا فيها أم جاروا. والانقياد إلى من ولاه الله أمركم لا تنزع يداً من طاعة، ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً ولا تخرج على السلطان وتسمع وتستطيع ولا تنكث بيعته، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة(1).
____________
1- رسالة السنة ط السعودية.
وقال ابن قدامة: ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمى أمير المؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين(2).
ويقول ابن تيمية: ويرون ـ أي أهل السنة ـ إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً(3).
ويقول الطحاوي: الحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برّهم وفاجرهم إلى قيام الساعة لا يبطلها شيء ولا ينقضها(4).
وما سبق عرضه تلتزم به جميع فرق أهل السنة من الماضي والحاضر باستثناء فرقة الجهاد على ما سوف نبين عند الحديث عن الفرق.
____________
1- عقيدة أهل السنة المسماة برسالة أهل الثغر. ط القاهرة.
2- لمعة الاعتقاد، ط القاهرة. وانظر الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة للبيهقي ط. بيروت.
3- أنظر العقيدة الواسطية.
4- أنظر العقيدة الطحاوية.
إن المتتبع لحركة الصدام بين فرق أهل السنة والفرق المخالفة يتبين أن الحكام استثمروا أهل السنة بدوافعهم العقائدية التي تنبذ الآخر وتعاديه في ضرب هذه الفرق تحت ستار شرعي.
وهذا التحالف بين أهل السنة والحكام في مواجهة المعارضة قائم ومستمر حتى اليوم ويتجلّى بوضوح من خلال مواقف المؤسسات الدينية الحكومية المعاصرة في مواجهة المعارضين للحكم والخارجين عن طاعته حتى من أهل السنة(1).
____________
1- أنظر مواقف فرقة الأزاهرة أو المؤسسة الأزهرية الحكومية في مصر من فرقة الإخوان وفرقة الجهاد وفرقة التكفير وسائر فرق أهل السنة المخالفة لهم والاتجاهات الأخرى المعارضة لهم ـ في كتابنا الحركة الإسلامية في مصر. وأنظر فصل فرقة الأزاهرة من هذا الكتاب.
وأنظر تحالف المؤسسة الوهابية في الجزيرة العربية مع حكام آل سعود.