والجواب عن ذلك: أن الشارع الحكيم قد لاحظ عباده وتوخى رشدهم في كل ما كلفهم به من أحكام الشريعة فلم يأمرهم إلا بما فيه مصلحتهم ولم ينههم إلا عما فيه مفسدة لهم لكنه - مع ذلك - لم يجعل تقرير المصلحة المتوخاة من وراء تلك الأحكام مرتبطا بآراء العباد وما تصل إليه أفكارهم بل تعبدهم بأدلة حكيمة قويمة قد انبثقت من منابع صافية عينها لهم فلم يترك لهم مجالا للعدول عنها إلى ما سواها.
وأول تلك الأدلة الحكيمة كتاب الله جل وعلا إذ هو المصدر الأول للتشريع المقدم على كل شئ وقد حكم بوجوب مسح الرؤوس والأرجل في الوضوء فلا محيص عن الإذعان لحكمه والتسليم لأمره.
أما نقاء الأرجل وخلوها من الدنس والقذر فلا بد من تحققه والتيقن منه قبل المسح عليها بأدلة خاصة قد أكدت على اشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه (1) ولعل غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجليه الذي وردت به الأخبار إنما كان من هذه الناحية ولعله كان من باب التبرد أو كان تمهيدا لأعمال الوضوء أو بعد الانتهاء منها ولذلك عند ما رآه بعضهم ظن أن ذلك هو المفروض في الوضوء أو كان من باب المبالغة في النظافة بعد الفراغ من الوضوء والله - تعالى - أعلم.
____________
(1) ولذلك هناك الفلاحون والعمال من الشيعة الذين يسيرون حفاة ولا يهتمون بطهارة أرجلهم في غير أوقات العبادة فإنهم إذا أرادوا الوضوء قاموا بغسل أرجلهم وتنظيفا أولا ثم يتوضأون ويمسحون عليها نقية جافة.
ملاحظة هامة
أخرج ابن ماجة (في باب: ما جاء في غسل القدمين من سننه: ج 1 ص 155 حديث 456) عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: " رأيت عليا توضأ فغسل قدميه إلى الكعبين ثم قال: أردت أن أريكم طهور نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ".
قال السندي - في تعليقه على الحديث -: " هذا رد بليغ على الشيعة القائلين بالمسح على الرجلين حيث الغسل من رواية علي ولذلك ذكره المصنف من رواية علي وبدا به الباب. ولقد أحسن المصنف وأجاد في تخريج حديث علي في هذا الباب جزاه الله خيرا قال: وظاهر القرآن يقتضي المسح كما جاء عن ابن عباس فيجب حمله على الغسل ".
وهذا الحديث لا تقوم به حجة حيث إنه ساقط من وجوه:
أولا: سند الحديث فقد رواه أبو حية الذي ترجمه الذهبي في باب الكنى من (ميزانه) فقال: " أبو حية بن قيس الخارفي الوادعي عن علي لا يعرف تفرد عنه أبو إسحاق بوضوء علي فمسح رأسه ثلاثا وغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ".
قال ابن المديني وأبو الوليد الفرضي: " مجهول " وقال أبو زرعة: " لا يسمى ". ثم إن هذا الحديث قد تفرد به أبو إسحاق وقد جاء في ترجمته من (الميزان) أنه ترك لأنه شاخ ونسي واختلط في آخر أيامه ولم يروه عنه سوى أبي الأحوص وزهير بن معاوية الجعفي فعابهما الناس بذلك ولا شك في أن المحدث إذ اختلط وجب طرح الأحاديث التي أم يتيقن صدورها عنه قبل اختلاطه سواء أعلم صدورها بعد الاختلاط كهذا الحديث أم جهل تاريخ صدوره لأن العلم الاجمالي في الشبهات المحصورة يوجب اجتناب الأطراف كلها كما هو مقرر في محله.
ثانيا: إن هذا الحديث يناقض القرآن المجيد القطعي وما عليه أئمة أهل
معنى إلى الكعبين
الكعبان في آية الوضوء هما مفصلا الساقين عن القدمين كما هو وارد عن الإمام الباقر عليه السلام. وجاء في (لسان العرب) (1): " أن ابن جابر سأل أحمد بن يحيى عن الكعب فأومأ ثعلب إلى رجله إلى المفصل منها بسبابته فوضع السبابة عليه ثم قال: هذا قول المفضل ابن الأعرابي قال:
ثم أومأ إلى الناتئين وقال: هذا قول أبي عمرو بن العلاء والأصمعي قال:
وكل قد أصاب ".
وذهب الجمهور إلى أن الكعبين هنا إنما هما العظمان الناتئان في جانبي كل ساق وقد احتجوا لذلك بأنه لو كان الكعب مفصل الساق عن القدم لكان الحاصل في كل رجل كعبا واحدا فكان ينبغي أن يقول: (وأرجلكم إلى الكعاب) كما أنه لما كان الحاصل في كل يد مرفقا واحدا قال: (وأيديكم إلى المرافق).
والجواب: أنه لو قال هنا: (إلى المرفقين) لكان التعبير صحيحا بلا إشكال ويكون المعنى حينئذ: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى مرفقي كل منكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين من كل منكم) فتثنية الكلمتين في الآية وجمعهما على حد سواء في الصحة وكذلك جمع إحداهما وتثنية الأخرى ولعل بلاغة التعبير قد اقتضت ذلك.
____________
(1) لسان العرب لابن منظور الإفريقي مادة (كعب) ص 3888: " وسأل ابن جابر...
وقبله وفي المادة نفسها: قرأ ابن كثير وأبو عمر وأبو بكر عن عاصم وحمزة: (وأرجلكم) خفضا والأعشى عن أبي بكر بالنصب مثل حفص وقرأ يعقوب والكسائي ونافع وابن عامر: (وأرجلكم) نصبا وهي قراءة ابن عباس رده إلى قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) وكان الشافعي يقرأ: (وأرجلكم) بالنصب.
____________
(1) التفسير الكبير للرازي: ج 11 ص 262.
[ 3 ]
المسح على الخفين
اختلف فقهاء الإسلام في المسح على الخفين والجور بين اختلافا كبيرا لا يتسع المجال لبحثه والإحاطة به في هذا المقام وبوجه عام فإن البحث عنه يتعلق بالنظر في جوازه أو عدم جوازه وفي شروطه وفي القدر المفروض مسحه وفي كيفية المسح المسنونة وفي مدة المسح عليهما وفي مكروهاته وفي نواقضه.
ويمكن الرجوع إلى بحث هذه الأمور تفصيلا في موضعها من كتب الفقه المقارن مثل: (موسوعة الفقه الإسلامي) و (الفقه على المذاهب الأربعة) وغيرهما وإنما الذي يعنينا هنا هو أصل الجواز لأنه يشكل مدار البحث ونطاقه الذي نقصد إليه. أما الجواز ففيه ثلاثة أقوال:
أولا: الجواز مطلقا سفرا وحضرا.
ثانيا: الجواز في السفر دون الحضر.
ثالثا: عدم الجواز مطلقا لعدم ثبوته وقد جاء ذلك في رواية عن مالك كما نقله عنه الفقيه ابن رشد في كتابه (بداية المجتهد: ج 1 ص 14).
وقد اتفق الجمهور على أصل جوازه - بغض النظر عن الشروط التي أخلفوا فيها لذلك - وذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى عدم جوازه وتمسك بذلك شيعتهم العاملون على منهجهم والروايات عندهم كثيرة جدا في هذا الموضوع تنفي جواز المسح على الخفين نفيا قطعيا سواء كان ذلك في الحضر أو في السفر.
كلا بل هي - الإجماع - من المحكمات البينات وقد أطبق المفسرون على أن " سورة المائدة " المشتملة على آية الوضوء لا يوجد فيها منسوخ إلا آية واحدة هي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله) [ المائدة / 2 ]، فقد ذهب بعضهم إلى نسخها دون ما سواها من آيات تلك السورة المباركة (1).
أما الأخبار الدالة على الترخيص بالمسح على الخفين فإنها موضوع نظر من وجوه:
أولا: أنها جاءت مخالفة لكتاب الله تعالى والمأثور عن الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه " (2).
ثانيا: أنها جاءت متعارضة في نفسها ومتضاربة في دلالاتها ولذلك كثر الاختلاف بين مصححيها العاملين على مقتضاها فإنهم إنما تعارضوا في أقوالهم وتعددت آراؤهم نظرا لتعارض هذه الأخبار التي استندوا إليها في أقوالهم (3).
ثالثا: إجماع أئمة أهل البيت عليهم السلام على القول بعدم جواز المسح على حائل سواء في ذلك الخف والجورب والحذاء وغيرها من سائر الأجناس
____________
(1) التفسير الكبير للرازي: ج 11 ص 163.
(1) المصدر نفسه.
(3) نقل ابن رشد في بداية المجتهد: ج 1 ص 15 حيث ذكر اختلافهم في تحديد محل المسح على الخفين فقال: سبب اختلافهم تعارض الأخبار في ذلك. ونقل ذلك أيضا في ص 16 حيث ذكر اختلافهم في توقيت المسح إذ قال: والسبب في اختلافهم اختلاف الآثار في ذلك.
رابعا: إنها لو كانت حقا لتواترت في كل عصر ومصر لأن الحاجة إلى معرفة طهارة الأرجل في الوضوء حاجة عامة - كما أومأنا إليه من قبل - لجميع رجال الأمة ونسائها وهي حاجة ضرورية لهم في كل يوم وليلة من أوقات سفرهم وإقامتهم فلو كانت غير المسح المنصوص عليه في الآية لعلمه المكلفون في عهد النبوة وبعده ولكان مسلما بينهم في كل جيل لا سيما إذا جاء على هذا النحو من حيث كونه عبادة محضة غير معقولة المعنى غريبة في باب العبادات تستوجب الشهرة بهذه الغرابة ولما لم يكن الأمر على تلك الدرجة المطلوبة من التواتر فإنه يسحب الثقة من هذه الأخبار.
خامسا: إنه لو فرض صحتها لوجب أن تكون منسوخة بآية " المائدة " لأنها آخر سورة نزلت وبها أكمل الله الدين وأتم النعمة ورضي الإسلام دينا فواجبها واجب إلى يوم القيامة وحرامها حرام إلى يوم القيامة.
وقد نصت على ذلك أم المؤمنين عائشة حيث قالت لجبير بن نفير - عندما حج فزارها: " يا جبير تقرأ " المائدة "؟ فقال: نعم. فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه " (1). لكن الجمهور قد تشبثوا في بقاء حكم المسح على الخفين بعد نزولها بحديث جرير الذي رواه مسلم بسنده عن إبراهيم عن همام قال:
" بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له: تفعل هذا؟! فقال: نعم
____________
(1) أخرجه الحاكم في أول تفسير " سورة المائدة " من المستدرك: ج 2 ص 311 ثم أخرج حديثا نحوه عن عبد الله بن عمرو وقال بعد إيراد كل من الحديثين: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد أورده الذهبي في التلخيص معترفا بصحته على شرط الشيخين وحديث جبير بن نثير رواه أحمد والنسائي أيضا.
والجواب عن ذلك: إن جرير بن عبد الله إنما أسلم قبل نزول " سورة المائدة " فقد جاء في ترجمته من (الإصابة): " ففي (الصحيحين) عنه (أي جرير) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: استنصت الناس في حجة الوداع وجزم الواقدي بأنه قد وفد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان سنة عشر وأن بعثه إلى ذي الخلصة كان بعد ذلك وأنه وافى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع من عامه قال الحافظ: وفيه عندي نظر لأن شريكا حدث الشيباني عن الشعبي عن جرير قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن أخاكم النجاشي قد مات - الحديث أخرجه الطبراني فهذا يدل على أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر لأن النجاشي مات قبل ذلك " (2). ومعلوم أن موت النجاشي إنما كان قبل نزول " سورة المائدة " حيث أنه قد توفي السنة العاشرة بلا كلام في هذا.
وثمة تشبت؟؟؟ آخر اورده القسطلاني حيث يقول - عند شرح حديث المسح على الخفين من (إرشاد الساري) -: " وليس المسح بمنسوخ لحديث المغيرة الصريح بمسح النبي صلى الله عليه وآله وسلم خفيه في غزوة تبوك وهي آخر غزواته و " المائدة " نزلت قبلها في غزوة المريسيع... " إلى آخر كلامه.
والجواب: أن غزوة المريسيع هي غزوة بني المصطلق كانت في شعبان سنة خمس وقيل: سنة أربع - كما نقله البخاري عن موسى بن عتبة عند ذكرها من كتاب (المغازي) - وقيل: سنة ست للهجرة وقد نزلت بعدها
____________
(1) قال النووي في تعليقه على هذا الكلام من شرحه لمسلم: ج 3 ص 164: " معناه أن الله تعالى قال في " سورة المائدة ": (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم...) فلو كان إسلام جرير متقدما على نزول " المائدة " لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخا بآية " المائدة " فلما كان إسلامه متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به.. " إلى آخر ما ذكره.
قلنا: من أين لنا العلم بتأخر إسلامه وقد تبينا أنه كان قبل نزول " سورة المائدة "؟! كما في الجواب.
(2) الإصابة القسم الأول: ج 2 ص 76.
والرواية في ذلك ثابتة عن عائشة أخرجها الواحدي في كتابه (أسباب النزول ص 113) فراجعه لتكون على بينة من أن القسطلاني قد اشتبهت عليه آية الوضوء بآية التيمم.
سادسا: إن عائشة أم المؤمنين كانت تنكر المسح على الخفين أشد الإنكار وابن عباس - وهو حبر الأمة ووعاء الكتاب والسنة - كان من المنكرين أيضا وقد اشتد كل منهما في رده ودفعه فهذه عائشة تقول: " لئن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين " وهذا ابن عباس يقول:
" لئن أمسح على جلد حمار أحب إلي من أن أمسح على الخفين " وقد نقل هاتين الروايتين الرازي - عند تفسير آية الوضوء - من (تفسيره الكبير) (1). وإننا إذا تأملنا هذه اللهجة الشديدة من الإنكار وجدنا أنها لا تتناسب مع اعتبار هذه الأخبار بل لا تتناسب مع مجرد احترامها وإذا كانت هذه هي أقوال المعاصرين لتلك الأخبار العارفين بصحيحها وسقيمها فكيف يتسنى لنا الركون إليها على بعدنا المديد عنها قرونا طويلة؟! وأن من أمعن النظر - متجردا - في إنكار أم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عباس وسائر أئمة أهل البيت عليهم السلام فإنه يضطر إلى الشك في أمر تلك الأخبار. ومن هنا لا يمكن الايقان بتواترها بل إن القول بذلك يعد غلوا ومبالغة وإلا فكيف يجهلها هؤلاء الكرام البررة أو يتجاهلونها؟!
والذي يدل على مدى الشك والريب الذي كان يختلج في النفوس من جراء هذا العمل هو أن الناس كانوا يستغربونه ويرتابون في جوازه حتى أن
____________
(1) التفسير الكبير للرازي: ج 11 ص 163.
تفعل هذا؟!!
وكأنهم كانوه يستغربونه إذ أن معرفته لا بد من أن تكون بديهية لهم لأنها تتعلق بأمر الطهارة التي يطلبها المرء كل يوم وليلة على نحو الضرورة.
وكذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في (صحيحه) عن ابن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه مسح على الخفين وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك فقال: " نعم إذا حدثك سعد شيئا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا تسأل عنه غيره " (1).
وهنا - أيضا - نجد أن ابن عمر استغرب هذا الأمر من سعد واندهش له ومن ثم ذهب إلى أبيه عمر كيما يسأله عنه وهذا يدل على أنه لم يكن مشهورا بل معروفا فكيف به متواترا؟!
وكذلك الإمام مالك في إحدى الروايتين عنه أنه أنكر جواز المسح على الخفين (2).
____________
(1) صحيح البخاري: ج 1 ص 62.
(2) تفسير الرازي: ج 11 ص 163 والقرطبي: ج 3 ص 2097.
[ 4 ]
السجود على الأرض
إن السجود يعد من أجل العبادات وأعظم الأعمال قربة عند الله حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " (1).
وذلك لما فيه من التذلل والخضوع لله جل وعلا وأنه مظهر من مظاهر التواضع لعظمته سبحانه وأنه تعبير لما يكنه العبد من ولاء وتقديس لمولاه الجليل ولذلك قد ندب إليه الشرع في مواطن أخرى غير الصلاة مثل سجود التلاوة عند ذكر آيات معينة من القرآن المجيد وسجود الشكر.
والواجب في كل ركعة من الصلاة سجدتان وذهب إخواننا الشيعة الإمامية إلى أن السجود لا يصح إلا على الأرض مباشرة أو ما نبت منها شريطة أن لا يكون ماكولا أو ملبوسا لما دلت عليه الأخبار الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام. كما أنه يناسب الغاية من السجود فإن السجود على الأرض مباشرة أدعى إلى الشعور بالذل والصغار إمام الله عز وجل إذ أنه يذكر الإنسان بعنصره الحقيقي ومنبته الأصلي ويبعد عنه مظاهر الدنيا الزائفة التي يتعلق بها طيلة حياته.
حجة الإمامية
ولننظر - الآن - في ما احتج به الإمامية من أدلة على وجوب السجود على الأرض:
____________
(1) رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
أولا: الأخبار الدالة على السجود على الأرض:
- أخرج البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ".
- وفي لفظ الترمذي: " جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا ".
أخرجه عن علي وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وجابر وابن عباس وحذيفة وأنس وأبي أمامة وأبي ذر.
- وفي لفظ البيهقي: " جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ".
- أخرج النسائي عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصل " (1).
- أخرج الحاكم في (مستدركه) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد على الحجر (2).
قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي في (التلخيص).
- أخرج الشيخان في (صحيحيهما) في باب: التماس ليلة القدر من حديث أبي سعيد الخدري وفيه قال: " أقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته ".
وأخرج البيهقي في (السنن الكبرى) عدة أحاديث منها:
- عن جابر بن عبد الله قال: " كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد واضعها بجبهتي إذا سجدت من شدة الحر " (3).
____________
(1) سنن النسائي: ج 2 ص 32.
(2) المستدرك: ج 3 ص 473.
(3) رواه أحمد أيضا في مسنده: ج 1 ص 327.
- عن خباب بن الإرث قال: " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شدة الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا " (1) (أي: لم يقم بإزالة شكوانا وقيل:
إنه منسوخ بحديث جواز الابراد بالصلاة).
- عن صالح بن حيوان السبائي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يسجد بجنبه وقد اعتم على جبهته فحسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبهته.
- عن عبد الله القرشي - مرسلا - قال: " رأى رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يسجد على كور عمامته فأومأ بيده: ارفع عمامتك فأومأ بيده: ارفع عمامتك وأومأ إلى جبهته ". (كور العمامة: محيطها الدائري).
- عن ابن أبي ليلى عن علي عليه السلام قال: " إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته ".
- عن نافع أن ابن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض.
- عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أنه كان إذا قام إلى الصلاة حسر عن جبهته.
- عن أنس بن مالك قال: " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه ".
قال البيهقي: " قال الشيخ: وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السجود على كور العمامة فلا يثبت شئ من ذلك وأصح ما روي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك قال في الحديث
____________
(1) رواه مسلم أيضا في باب: استحباب الابراد بالظهر: ج 5 ص 121.
وأخرج الشافعي في كتابه (الأم) بسنده عن رفاعة بن رافع بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر رجلا إذا سجد أن يمكن وجهه من الأرض حتى تطمئن مفاصلة ثم يكبر فيرفع رأسه ويكبر فيستوي قاعدا يثني قدميه حتى يقيم صلبه ويخر ساجدا حتى يمكن وجهه بالأرض وتطمئن مفاصله فإذا لم يصنع هذا أحدكم لم تتم صلاته.
قال الشافعي: " ولو سجد على بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك ولم يكن عليه إعادة لأنه ساجد على جبهته ولو سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه ذلك لأن الجبهة موضع السجود وإنما سجد - والله أعلم - على الأنف لاتصاله بها ومقاربته لمساريها ولو سجد على خده أو على صدغه لم يجزه السجود وإن سجد على رأسه فماس شيئا من جبهته الأرض أجزاه السجود إن شاء الله تعالى ولو سجد على جبهته ودونها ثوب أو غيره لم يجزه السجود إلا أن يكون جريحا فيكون ذلك عذرا ولو سجد عليها وعليها ثوب متخرق فماس شيئا من جبهته على الأرض أجزأه ذلك لأنه ساجد وشئ من جبهته على الأرض وأحب أن يباشر راحتيه الأرض في البرد والحر فإن لم يفعل وسترهما من حر أو برد وسجد عليهما فلا إعادة عليه ولا سجود سهو) (2).
نقول، هذا يدل بوضوح ظاهر على وجوب السجود على الأرض مباشرة.
وأخرج عبد الرزاق الصنعاني في (مصنفه باب: الصلاة على الصفا والتراب) عدة أحاديث منها:
____________
(1) السنن الكبرى: ج 2 ص 105.
(2) الأم للشافعي: ج 1 ص 99.
- عن عائشة قالت: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متقيا وجهه بشئ ".
(تعني في السجود).
- عن عبد الكريم بن أمية قال: " بلغني أن أبا بكر كان يسجد أو يصلي على الأرض مفضيا إليها ".
- عن أبي عبيدة قال: " كان ابن مسعود لا يسجد إلا على الأرض " (2).
- عن الثوري قال: " أخبرني محل عن إبراهيم أنه كان يقوم على البردي ويسجد على الأرض قلنا: ما البردي؟ قال: الحصير " (3).
- عن ابن عيينة قال: " قلت لعطاء: أرأيت إنسانا يصلي وعليه طاق في برد فجعل يسجد على طاقه ولا يخرج يديه؟ قال: لا يضره قلت:
فلغير برد؟ قال: أحب إلي أن يسوي بينها وبين الأرض فإن لم يفعل فلا حرج قلت: أحب إليك أن لا يصلي على شئ إلا على الأرض ويدع ذلك كله؟ قال: نعم ". (الطاق: نوع من الثياب).
- عن ابن جريج قال: " قلت لعطاء: كان ينهي عن مسح التراب للوجه؟
قال: نعم. ويقال: إذا رأيت شيئا تكرهه فأخره قلت: أي شئ؟ قال: قد سمعنا ذلك وأحب إلي أن لا تمسحها قلت: أرأيت لو مسحت؟ قال: فلا تعد ولا تسجد سجدتي السهو ".
____________
(1) روى الترمذي من حديث أم سلمة قالت: رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلاما لنا يقال له أفلح إذا سجد نفخ فقال: " يا أفلح ترب وجهك ".
(2) أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد: ج 2 ص 57.
(3) المصدر نفسه.
- عن أبي ذر قال: " سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كل شئ حتى سألته عن مسح الحصى فقال: واحدة أو دع) (2).
- عن أبي ذر قال: " رخص في مسحة للسجود وتركها خير من مائة ناقة سود ".
وفي رواية أخرى عنه قال: (إذا دنت الصلاة فامش على هيئتك فصل ما أدركت وأتمم ما سبقك ولا تمسح الأرض إلا مسحة وأن تصبر عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدقة ".
وفي رواية عن محمد بن طلحة وعبد الله بن عياش أبي ربيعة قالا: " مر أبو ذر وأنا أصلي فقال: إن الأرض لا تمسح إلا مسحة ".
- عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل له في مسح الحصى في الصلاة فقال: " إن كنت فاعلا فواحدة " (3).
- عن عبد الرحمن بن زيد قال: " كان عبد الله بن زيد يسوي الحصى بيده مرة واحدة إذا أراد أن يسجد ويقول في سجوده: لبيك اللهم لبيك وسعديك ".
- عن يحيى بن كثير قال: (سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يقلب الحصى في الصلاة في المسجد فلما انصرف قال: من الذي كان يقلب الحصى في الصلاة؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله قال: فهو حظك من صلاتك) (4).
____________
(1) رواه الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.
(2) رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مسح الحصى في الصلاة فقال: " واحدة ولئن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدق ".
(3) عن معيقب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا تمسح الحصى وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوي الحصى رواه أصحاب الصحاح الستة.
(34) أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد: ج 2 ص 86.
وفي باب: متى يمسح التراب عن وجهه:
- عن ابن جريج قال: (قلت لعطاء: نفضت يدي من التراب قبل أن أفرغ من الصلاة قال: ما أحب ذلك ".
- عن قتادة أنه كان يمسح جبهته إذا فرغ من الصلاة قيل أن يسلم.
- عن ابن جريج عن عطا قال: " يقال: إن استطعت أن لا تمسح بوجهك من التراب حتى تفرغ من صلاتك فافعل وإن مسحت فلا حرج وأحب إلي أن لا تمسح حتى تفرغ قال عطاء: " وكل ذلك أصنع ربما مسحت قبل أن أفرغ من صلاتي وربما لم أمسح حتى أفرغ من صلاتي " (1).
نقول: كل هذه الأحاديث والآثار الصحيحة المتضافرة تدل دلالة قاطعة على أن المعمول به في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة (رضوان الله عليهم) والتابعين لهم بإحسان هو السجود على الأرض لا غير حتى أنهم كانوا يلاحظون تسوية الحصى قبل السجود على الأرض ويتوخون في جواز ذلك المقدار المسموح به كذلك الحرص على معرفة جواز مسح الوجه من التراب ومتى يكون.
كل ذلك يؤكد على أنه مدار العمل هو السجود على الأرض مباشرة وعدم العدول إلى ما سواها فما بالك بمن استبدل بذلك الفرش الوثيرة والسجاجيد الناعمة؟!
ثانيا: في ما ورد من السجود على الخمرة والحصير:
جاء في (لسان العرب): الخمرة: حصيرة أو سجادة صغيرة تنسج من
____________
(1) المصنف: ج 1 ص 391 و 392 وج 2 ص 38.
(اللسان) مادة (خمر) ص 1261.
- أخرج البخاري في باب الصلاة على الخمرة عن عبد الله بن شداد عن ميمونة أم المؤمنين قالت: " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الخمرة " (1).
- أخرج مسلم - في كتاب الحيض - عن عائشة قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد قالت: فقلت: إني حائض فقال:
إن حيضتك ليست في يدك " (2).
- أخرج الترمذي عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الخمرة " (3).
- عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: (كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حصير وخمرة يصلي عليها) (4).
- عن أنس بن مالك قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الخمرة ويسجد عليها " (5).
- أخرج البخاري - في باب: الصلاة على الحصير - عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصل لكم. قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث
____________
(1) البخاري: ج 1 ص 107.
(2) مسلم: ج 3 ص 209.
(3) الترمذي: ج 2 ص 126.
(4) أخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أبي يعلى رجال الصحيح وعن أم حبيبة مثله صحيحا كما في مجمع الزوائد: ج 2 ص 57.
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير بأسانيد بعضها صحيح رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: ج 2 ص 57.
نقول: هذه الأخبار الواردة وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل بيتا فيه فحل (2) فكسح ناحية منه ورش فصلى عليه (3).
فإنها تدل على جواز السجود على ما خرج من الأرض بحيث يكون غير ملبوس ولا مأكول ولا ريب أن الخمرة والفحل والحصير المصنوعة من سعف النخيل من موارد ذلك كما لا يخفى.
ولذلك قال الحافظ في (الفتح) في شرحه لحديث ميمونة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي على الخمرة: " قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة عليها إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة وقد روى ابن أبي شيبة أن ابن الزبير كان يكره الصلاة على شئ دون الأرض وكذا روى عن غير عروة بن الزبير ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه.
والله أعلم " (4).
ثالثا: في ما ورد من السجود على غير الأرض لعذر:
- أخرج البخاري - في باب: السجود على الثوب في شدة الحر - عن أنس بن مالك قال: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود " (5).
____________
(1) البخاري: ج 1 ص 107.
(2) الفحل: حصير معمول من سعف فحال النخل وقيل: حصيرة أصغر من المصلى وقيل:
الخمرة: الحصير الصغير الذي يسجد عليه.
(3) السنن الكبرى للبيهقي: ج 2 ص 436.
(4) فتح الباري: ج 1 ص 388.
(5) البخاري: ج 1 ص 107.
قال الشوكاني في (نيل الأوطار): " الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء الحر وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل لتعليق بسط الثوب بعدم الاستطاعة وقد استدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي. قال النووي: وبه قال أبو حنيفة والجمهور " (2).
- أخرج ابن ماجة في (سننه) عن أنس بن مالك قال: " كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر " (3).
قال السندي في شرحه: " الظهائر ": جمع ظهيرة وهي شدة الحر نصف النهار " سجدنا على ثيابنا ": الظاهر أنها الثياب التي هم لابسوها ضرورة أن الثياب في ذلك الوقت قليلة فمن أين لهم ثياب فاضلة؟ فهذا يدل على جواز أن يسجد المصلي على ثوب هو لابسه كما عليه الجمهور.
وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء عن ابن عباس قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسجد على ثوبه " (4). وما جاء عن الحسن أنه قال: " كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه " (5). وراجع - أيضا - ما قاله البيهقي حوله في (سننه الكبرى) في ما مر عليك آنفا.
تنبيه:
هناك حديث مرفوع أخرجه أحمد في (مسنده):
____________
(1) مسلم: ج 5 ص 121.
(2) نيل الأوطار: ج 2 ص 289.
(3) ورواه النسائي في السنن: ج 2 ص 216.
(4) أخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير. (5) البخاري: ج 1 ص 107.
والاستدلال بهذا الحديث ساقط من وجوه:
أولا: إن الحديث لا يدل على القدر الواجب من السجود المتعلق بالجبهة إذ لا يوجد ملازمة بين الصلاة على الفروة والسجود عليها فلربما قام للصلاة عليها حين كان يضع جبهته على ما يصح السجود عليه.
ثانيا: إنه لو فرض أن المقصود على الفروة هو السجود عليها فإن ذلك يعارض السنة القطعية القاضية بوجوب السجود على الأرض.
ثالثا: ضعف سند الحديث بحيث لا يقوم به حجة في مجال الأحكام ففيه يونس بن الحرث قال أحمد: " أحاديثه مضطربة ". وقال عبد الله بن أحمد:
" سألته عنه مرة فضعفه ". وعن ابن معين: " لا شئ ". وقال أبو حاتم: " ليس بالقوي ". وقال النسائي: " ضعيف ". وقال مرة: " ليس بالقوي ". وقال ابن أبي شيبة: " سألت ابن معين عنه فقال: كنا نضعفه ضعفا شديدا ". وقال الساجي: " ضعيف إلا أنه لا يتهم بالكذب " (2).
وفيه - أيضا - أو عون عبيد الله بن سعيد الثقفي الكوفي. ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) فنقل عن أبيه قوله: " هو مجهول ". وقال ابن حجر: " حديثه عن المغيرة مرسل ".
صفوة القول
هذه خلاصة ما أوردناه من الصحاح والمسانيد مرفوعا وموقوفا في ما يصح السجود عليه وهي تدل على أن الأصل في ذلك - مع وجود القدرة
____________
(1) مسند أحمد: ج 4 ص 254.
(2) تهذيب التهذيب: ج 11 ص 437.
وقد أخرج الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده في (مصنفه) الجزء الثاني عن سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين " أن الصلاة على الطنفسة محدث ". (الطنفسة: النمرقة فوق الرحل وقيل: هي البساط الذي له خمل رقيق).
السجود على تربة كربلاء
قد تبين - مما تقدم - أن السجود على الأرض مباشرة هو الأصل المعمول به على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان وهو الذي يلتزم به إخواننا الشيعة الإمامية حتى يومنا هذا ولا يحيدون عنه قيد أنملة فهم يسجدون على الأرض شريطة التأكد من عدم نجاستها وخلوها من الأقذار ويستحبون من بين تراب الأرض تربة كربلاء حيث استشهد بها أبو الأحرار وسيد الشهداء أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السلام الذي خرج في ثلة من أهل بيت النبوة الأطهار عليهم السلام وصحابته الأبرار من أجل مقارعة الظلم والطغيان والإثم والعدوان المتمثل في طاغية
وقد سجل التاريخ أروع ملحمة بطولية على أرض كربلاء التي ارتوت بدماء الحسين عليه السلام وأهل بيته الأطهار وصحابته الأبرار تلك الدماء التي أريقت على صعيدها من أجل عزة الإسلام وإعلاء كلمة الله في يوم عاشوراء وقد دلت بعض الأحاديث على فضل هذه التربة الطاهرة ومكانتها السامية فترى الواحد منهم يحمل معه تربة نقية طاهرة منها كيما يسجد عليها لله رب العالمين.
ولا شك أنه أمر مستحسن فطريا أن يتخذ المصلي لنفسه تربة طاهرة طيبة يتأكد من طهارتها بخلوها من النجاسات ولا فرق في ذلك بين أن تكون من هذه الأرض أو تلك من حيث الأصل الواجب فهي كلها في الشرع سواء لا امتياز لإحداهن على الأخرى في جواز السجود عليها وما ذلك الحرص والاهتمام إلا لحفاظ المصلي على طهارة جسده وملبسه ومصلاه. وعليه فإن المسلم يقوم باتخاذ صعيد طيب لنفسه يسجد عليه في حله وترحاله وفي سفره وإقامته لا سيما في حال السفر لعدم الثقة بطهارة كل أرض ينزل بها ويتخذها مسجدا من المدن والفنادق وردهات المنازل والساحات العامة والمطارات ومحطات وسائل المواصلات المختلفة التي تشهد فئات من البشر من مختلف الملل والأجناس... من المسلمين وغيرهم من أخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين وبخاصة موضوع الطهارات والنجاسات.