الصفحة 28

(أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، وإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم)(1).

وروى مسلم في صحيحه، قال: بُعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة، وقراؤهم، فأتلوه ولا يطولن عليكم الأمر، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة)(2).

وفي أثناء ذكري لهذه الروايات، لاحظت أن الشيخ حملق عينيه وفتح فاه وظهرت الحيرة والدهشة على وجهه، فما أن توقفت عن الكلام حتى أخذ يقول: أنا لم أسمع بذلك وأنا لم أر ذلك، وأطالبك أن تحضر هذه المصادر أمامي.

قلت: قبل قليل كنت تتهجم على الشيعة وتتهمهم بالتحريف، فلماذا لم تحضر كتبهم التي لم ترها في حياتك كلها، فأنت ملزم بإحضار مصادرك وهذه مكتبتك، فيها البخاري ومسلم وكتب الحديث، أحضرها حتى أخرج لك هذه الروايات منها.. وعندما لم يجد مخرجاً قفز إلى موضوع آخر، وهو أن الشيعة تقول بالتقية فكيف نصدّق كلامهم؟!

وهرج ومرج، حتى قام أحدهم وأذن لصلاة العشاء، وبعد الصلاة تواعدنا أن نكمل المناظرة في الأيام القادمة، على أن نختار كل يوم

____________

1- صحيح البخاري ج8 ص26، رجم الحبلى من الحبلى من الزنا إذا أحصنت.

2- صحيح مسلم ج3 ص155 ، باب لو أن لابن آدم ...


الصفحة 29
موضوعاً نتناظر حوله.. ولما جاء الغد كنت جالساً أمام منزلنا في الصباح فمر الشيخ وسلم عليَّ بكل احترام وقال: عن هذه المباحث لا يفهمها العامة، فمن الأفضل أن نتحاور ونتناظر أنا وأنت على انفراد.

قلت: أوافق، لكن بشرط أن تترك التهجم على الشيعة، وفيما بعد لم نسمع له تهجماً على الشيعة.


الصفحة 30

  ملاحظات للباحث لا بد منها

قبل البدء في تسجيل بعض بحوثي في هذا الكتاب، أحببت أن أشير على بعض الملاحظات، التي استفدتها من تجاربي السابقة في منهج البحث.

(19 الثقة والتوكل على الله تعالى، وهي نقطة الانطلاق في البحث، فقد أعطى الله سبحانه الإنسان نور العقل والعلم، وجعل أمر الاستفادة منه بيد الإنسان نور العقل والعلم، وجعل أمر الاستفادة منه بيد الإنسان، فمن أهمل ذلك النور ولم يشعله لكشف الواقع، سيظل يعيش في ركام من الجهل والخرافات والضلال، بخلاف الذي يستثمر عقله وينمّيه، والفرق بين الاثنين يرجع إلى سبب واحد، وهو الثقة وعدمها، فالذي يشعر بالضعف والانهزام لا يستفيد من عقله، أما الذي يقف بالله تعالى وبما أعطاه من نور العقل يصل إلى قمة المعرفة والتحضر، فلذلك إن كثيراً ممن اعترض طريقي في البحث كان يستخدم هذا لأسلوب لضعضعة ثقتي، فيقول: من أين لك القدرة في بحث هذه الأمور؟! وإن بار علمائنا لم يتوصلوا إلى ما توصلت إليه فما هي قيمتك أمام جهابذة العلماء؟!.. وغير ذلك من أساليب تحطيم القدرات.

ولم يكونوا يريدون مني أكثر من أن أخوض فيما يخوضون، وأنعق كما ينعقون قال تعالى: (قالوا حسينا ما وجدنا عليه آباءنا) المائدة/104.

(2) التجنب من خداع الذات، بمعنى منع تسرب الحقيقة إلى العقل، قد يكون ذلك بإغلاق منافذ النفس المطلة على الواقع الخارجي، فيتعصب

الصفحة 31
ويمتنع عن سماع أحاديث المعرفة والأفكار الأخرى وقراءة الكتب وغير ذلك، وأي نوع من أنواع الانفتاح على الثقافات الأخرى، فكل دعوى تآمر بالانغلاق وعدم البحث وتحصيل المعرفة، فإنها دعوى تقصد تكريس الجهل وإبعاد الناس عن الحق، إن ما يقوم به الوهابية من تحصن بعدم الإضلاع على الكتب الشيعية وعم مجالسة أفراد الشيعة والنقاش معهم، هو أسلوب العاجز وهو منطق غير سليم، وقد عارض القرآن الكريم هذه الفكرة بقوله: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) البقرة/111.

تقوية الإرادة، أمام تيارات الشهوة وخطوط ضغط المجتمع، الذي بنفر من كل من يخالفه أو يتمرد عليه، فلا بد /ن مواجهة هذه الضغوط بالصبر والعزيمة لأن الحق لم يكن امتداداً للمجتمعات وإفرازات طبيعة الإنسان، وهذا تاريخ أنبياء الله تعالى فقد لاقوا أشد أنواع العذاب من مجتمعاتهم، فكان بنوا إسرائيل يقتلون في اليوم سبعين، قال تعالى (وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون) الزخرف/7.

(4) هناك حجب كثيرة قد تكون حاجزاً عن اكتشاف الحق، فلا بد من الالتفات إليها ومراعاتها حتى تكون الحقيقة أكثر وضوحاً وضياء، ومن بين هذه الحجب.

آ ـ حب الذات، وهو شر داء، يصيب كل إنسان، فمنه تنعكس كل صفة ذميمة مثل الحسد والحقد والعناد، فعندما يجعل الإنسان أفكاره ومعتقداته ومعتقداته جزءاً من ذاته وكيانه حتى ولو كانت خرافية لا يمكن ن يتقبل أي نقد لها، لأنه يعتبر نقدها نقداً لذاته وكيانه، فبغريزة الدفاع عن النفس وحبها يستبسل في الدفاع عنها من غير وعي وفهم، وأحياناً يتعصب لفكرة لأنها تجلب له نفعاً أو تتدفع عنه ضراً يتلون معها ويحامي عنها، ويرفض بذلك كل الأفكار حتى ولو كانت خرافية لا يمكن أن يتقبل أي نقد لها، لأنه يعتبر نقدها نقداً لذاته وكيانه، فبغريزة الدفاع عن النفس وحبها يستبسل في الدفاع عنها من غير وعي وفهم، وأحياناً يتعصب لفكرة لأنها تجل له نفعاً وتدفع عنه ضراً يتلون معها ويحامي عنها، ويرفض بذلك كل الأفكار حتى ولو كانت خرافية لا يمكن أن يتقبل نقد لها، لأنه يعتبر نقدها نقداً لذاته وكيانه، فبغريزة الدفاع عن النفس وحبها يستبسل في الدفاع عنها من غير وعي وفهم، وأحياناً يتعصب لفكرة لأنها تجلب له نفعاً أوتدفع عنه ضراً يتلون معها ويحامي عنها، ويرفض بذلك كل الأفكار حتى ولو كانت

الصفحة 32
حقيقتها ظاهرة للعيان، وقد يحب الفكرة أيضاً لأنها تنسجم مع هواه أو هوى مجتمعه فلا يتنازل عنها.

ب ـ حُب الآباء، وهو يبعث الإنسان على تقليدهم من غير تفكر وتدبر، فتحت داعي الاحترام والخشية بالإضافة إلى الوراثة والتربية يسلم تسليماً مطلقاً بأفكارهم وعقائدهم، وهذا من أعظم الحجب التي تمنع الإنسان من اكتشاف الحقيقة.

ج ـ حب السلف، إن النظرة القدسية للعلماء السابقين والعظماء تدعو الإنسان إلى تقليدهم مطلقاً والاتكال على أفكارهم، فالاستسلام لهذا التقليد مدعاة للانحراف عن الحق، فلم يجعل الله تعالى عقولهم حجة علينا، وإنما عقل كان إنسان حجة عليه، فلا يمنعنا احترامنا لهم من مناقشة أفكارهم والتدقيق فيها حتى لا ندخل في قوله تعالى: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا) الأحزاب/67.

د ـ ومن عوامل الخطأ أيضاً، التسرع، وهو نتاج حب الراحة، فمن غير أن يتعب الإنسان نفسه في البحث والتنقيب يريد أن يصدر حكمه من أول ملاحظة، ومن هنا قل المفكرون في العالم لصعوبة التفكير والبحث، فمن يريد لاحق فلا بد أن يجهد نفسه في البحث.

وغير ذلك من الملاحظات العلمية التي لا بد من أن يضعها الباحث نصب عينيه قبل الشروع في البحث، وهذا مع التجرد التام والتسليم المطلق إذا ظهر الحق، وبالإضافة إلى طلب العون والتضرع إلى الله تعالى لكن ينبر قلبك بنور الحق: (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه) حديث شريف).


الصفحة 33


الفصل الثاني
وانكشف الزيف


  عليكم بسنتي.. الخدعة الزائفة
  مصادر الحديث
  رواية الترمذي
  سند الحديث عند أبي داوود
  سند الحديث عند ابن ماجة
  الواقع التاريخي وحديث (وسنتي)
  الحديث الآخر
  حوار مع المحدث الدمشقي الأرنؤوطي
  لا تحل مشكلة أهل السنة بالحديثين
  الخلفاء هم أئمة أهل البيت
  أهل البيت طريق التمسك بالكتاب والسنة



الصفحة 34

الصفحة 35

... وانكشف الزيف...

إن الحديثين: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) و(إني تارك ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي)؛ كانا بالنسبة لي من أقوى الأدلة التي كنت أحتج بها حينما كنت أميل إلى الفكر الوهابي، فبعد أن حفظت الحديثين اللذين يرددهما كثير من علمائهم في الكتب والمحاضرات، ولم أحده نفسي يوماً بالرجوع إلى مصادراهما الأصلية من كتب الحديث، وكنت أتعامل معهما تعامل المسلّمات والبديهيات، وهذا ليس بالشيء الغريب فهما في الواقع الأساس الأول الذي يبتني عليه الفكر السني، وبالأخص الفكر الوهابي الذي تبنى الحديثين بصلابة.. فلم يطرأ ببالي مجر الشك في صحتهما لأنهما القاعدة التي أنطلق منها في انتمائي إلى المذهب السني فالشك فيهما يعني الشك في انتمائي.

وهذه الفكرة التي انخدعت بها لم تكن ـ بعد التحقيق ـ وليدة العصر أو وليدة الفكر السني، وإنما هي وليدر خطة مدروسة دبر لها من قديم الزمان لتمويه الحقائق ولمواجهة خط أهل البيت، الذي يمثل الإسلام بأروع صوره، وللأسف الشديد فإن كثيرا من المدارس الفكرية، قامت على أنقاض ذلك المخطط الخبيث، فتبنت أفكاره وكأنها نازلة من عند الله سبحانه وتعالى، وروجوا لها ودافعوا عنها بكل السبل والوسائل. وما الوهابية إلا مثال

الصفحة 36
واضح لضحايا ذلك المخطط الذي أودى بالأمة الإسلامية إلى واد سحيق من الانقسام والفرقة والشتات.

وسنحاول كشف نزر يسير من مكائده في كل فصل من فصول الكتاب.

وما يهمنا من ذلك المخطط في هذا المجال هما الحديثان اللذان كانا الخطة الأولى لتحريف الدين وتغيير مسار الرسالة ولإبعاد المسلمين عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي)..ذلك الحديث المتواتر الذي روته كتب الحديث وتعدت مصادره عند السنة والشيعة، ولكن يد الغدر والخيانة حاولت أن تخفيه عن الأنظار وروجت بدلا عنه حديثي: (كتاب الله وسنتي) و(عليكم بسنتي..) اللذين سينكشف ما ينطويان عليه من ضعف.

فوجئت عندما سمعت أول مرة حديث: (كتاب الله وعترتي).. وأخذني الخوف.. وتمنيت ألا يكون صحيحا، لأنه يهدم كل ما كنت بنيته من فكري الديني، بل ينسف مرتكز المذهب السني... ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.. وحدث العكس تماما عندما نظرت إلى الحديثين في مصادرهما الأصلية، فوجدت أن حديث: (كتاب الله وعترتي...) عليه من الصحة والوثاقة ما لا يستطيع أحد أن يشك فيه، بخلاف حديث: (كتاب لله وسنتي..) الذي لا يتجاوز أن يكون خبر آحاد مرفوعا أو مرسلا، وعليه عندما شعرت بمرارة الهزيمة، فبدأت بعد ذلك تجتمع عندي القرائن والإشارات واحدة بعد أخرى، حتى انكشف لي الحق بأجلى صوره... وسوف نثبت هنا ضعف حديثي: (عليكم بسنتي..) و(وكتاب الله

الصفحة 37
وسنتي..) وصحة حديث العترة الذي هو الرصاصة الأولى التي تصيب قلب الفكر السني..

  حديث: (عليكم بسنتي..) الخدعة الزائفة:

(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).

الناظر لأول وهلة لهذا الحديث يظن أنه الحجة الدامغة الدلالة الواضحة على وجوب إتباع مدرسة الخلفاء الراشدين، وهم: (أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، وعلى بن أبي طالب)، ولا يمكن له أن يحمله على غير هذا المعنى، إلا أن يكون ضربا من التأويل فبه يثبت صحة مذهب أهل السنة والجماعة ـ مدرسة الخلفاء ـ في قبال مدارس تسير في اتجاه مخال لمذهب أهل البيت، لأنها قامت على هذا الحديث وأمثاله..

ولكن بالنظرة العلمية وبقليل من الجهد في تفحص الواقع التاريخي، وملابسات هذا الحديث وأمثاله، أو بالنظر في مجال علم الحديث وفنون الجرح والتعديل يظهر وينكشف زيف هذا الحديث وبطلانه..

.. ومن الجهل أن يحتج أي سني على أحد من الشيعة بهذا الحديث وذلك لانفراد أهل السنة به، ولا يمكن إلزام الشيعة بما لم يروونه في مصادرهم التي يثقون بها.


الصفحة 38
ولكن بما أنني، باحث سني لابد أن تكون انطلاقتي من الكتب والمصادر السنية، حتى تكون ملزمة لي، وهذه نقطة منهجية ومحورية في البحث. لابد أن نلتفت إليها في احتجاجاتنا وحواراتنا لأن الحجة لا تسمى حجة إلا إذا التزم بها الخصم حتى تكون حجة عليه وهذا ما لا ينتبه له كثير من علماء أهل السنة، عندما يحتجون على الشيعة، بهذا الحديث مثلا..

مقابل ما يحتج به الشيعة من حديث كتاب الله وعترتي، والفارق بين الحجتين واسع، إذ أن حديث سنتي من مختصات السنة، بخلاف حديث وعترتي الذي يعتَدّ به عند الطرفين.


الصفحة 39

  مصادر الحديث:

إن أول إشكال يوجه للحديث (عليكم بسنتي..) أنه مما أعرض عنه الشيخان ـ البخاري ومسلم ـ ولم يخرجاه، وهذا يعني النقصان في درجة صحته، وذلك لأن أصح الأحاديث ما أخرجه الشيخان، ثم ما انفرد في إخراجه البخاري، ثم ما انفرد في إخراجه مسلم ثم ما كان على شرطيهما، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، وهذه المميزات لا توجد في هذا الحديث.

يوجد الحديث في (سنن أبي داود، سنن الترمذي، سنن ابن ماجة).

إن رواة هذا الحديث لا يخلو جميعهم من ضعف وطعن عند علماء الجرح والتعديل، والمتتبع لتراجمهم يلاحظ ذلك جيدا، ولا يسعني في هذه العجالة أن أناقش رواة هذا الحديث واحدا واحدا، بشتى طرقه، ونقل آراء علماء الجرح والتعديل فيهم، وسأكتفي بتضعيف راو واحد أو اثنين من مسند كل رواية: وهو كاف لتضعيفها كما اتفق على ذلك علماء الجرح والتعديل، إذ ربما يكون هذا الراوي الضعيف قد اختلق هذه الرواية.

  رواية الترمذي:

روى الترمذي هذا الحديث عن بغية بن الوليد، وإليك آراء علماء الجرح والتعديل فيه: قال فيه ابن الجوزي في حديث: (وقد ذكرنا أن بغية

الصفحة 40
كان يروي عن المجهولين والضعفاء، ولربما أسقط ذكرهم وذكر من رووا له عنهم)(1).

وقال ابن حبان: (لا يحتج ببغية)(2). وقال: (بغية مدلس، يروي عن الضعفاء، وأصحابه لا يسوون حديثه ويحذفون الضعفاء منهم)(3).

وقال أبو إسحاق الجوزجاني: (رحم الله بغية ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذه)(4).

وغيرها من كلمات الحفاظ وعلماء الجرح والتعديل وما ذكرناه كاف للمقام.

  سند الحديث عن أبي داود:

ـ الوليد بن مسلم: روى الخبر عن ثور الناصبي كما قال ابن حجر العسقلاني: (و كان جده قتل يوم طعن مع معاوية، فكان ثور إذا ذكر عليا قال: لا أحب رجلا قتل جدي)(5).

أما الوليد فقد قال الذهبي: (و قال أبو مسهر الوليد مدلس، وربما دلس عن كذابين)(6).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: (سئل عنه أبي فقال: كان رفّاعاً)(7). وغير ذلك وهو كاف لتضعيف روايته.

____________

1- الموضوعات لابن الجوزي ج1ص109 .

2- المصدر السابق ص151 .

3- المصدر السابق ص218 .

4- خلاصة عبقات الأنوارج2ص350 .

5- المصدر السابق ص344 .

6- ميزان الاعتدال ج4 ص347 .

7- تهذيب التهذيب ج11ص154 .


الصفحة 41

  سند الحديث عند ابن ماجه:

روي بثلاث طرق:

ـ ففي طريق الحديث الأول، عبد الله بن علاء، وقد قال فيه الذهبي: (وقال ابن حزم ضعفّه يحيى وغيره)(1) وهو روى الخبر عن يحيى وهو مجهول عند ابن قطان(2).

ـ أما في الطريق الثاني ففيه إسماعيل بن بشير بن منصور، فقد كان قدريا كما في تهذيب التهذيب(3).

ـ أما في الطريق الثالث عند ابن ماجه:

روى الخبر عن ثور ـ الناصبي ـ عبد الملك بن الصباح، ففي ميزان الاعتدال: (متهم بسرقة الحديث)(4).

هذا بالإضافة إلى أن الحديث خبر أحاد، ترجع كل رواياته إلى صحابي واحد وهو العرباض بن سارية، وخبر الأحاد لا يثبت في مقام الاحتجاج، بالإضافة إلى أن العرباض كان من شيعة معاوية وجلاوزته.

  الواقع التاريخي وحديث وسنتي:

أما الواقع التاريخي فإنه يكذب هذا الحديث أيضا:

ذكر التاريخ أن السنة المطهرة لم تكتب على عهد رسول الله (ص)، بل هناك أحاديث من طرق أهل السنة ينهى فيها رسول الله (ص) عن كتابة الأحاديث، مثل قوله (ص):

(لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه) كما في سنن الدارمي(5)، ومسند أحمد، وفي رواية (أنهم استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله

____________

1- ميزان الاعتدال ج2 ص343 .

2- تهذيب التهذيب ج11 ص280 .

3- ج1 ص284 .

4- ج2 ص656 .

5- رواه أحمد و مسلم و الدارمي، و الترمذي و النسائي عن أبي سعيد الخدري.


الصفحة 42
وسلم أن يكتبوا عنه فلم يأذنهم) وغيرها من الروايات الظاهرة بمنع الكتابة عن رسول الله (ص)، وكل هذا كان ضمن المخطط الذي نفذ لمنع نشر الحديث وكتمانه حتى لا يظهر الحق، ولم يقفوا عند ذلك فقد اجتهد عمر اجتهادا واضحا لمحو السنة، روى عروة بن الزبير أن فمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن. فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله (ص) فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال:

إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا)(1).

وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار من كان عنده شيء فليمحه(2).

وروى ابن جرير أن الخليفة عمر بن الخطاب كان كلما أرسل حاكما أو واليا إلى قطر أو بلد، يوصيه في جملة ما يوصيه: (جرد القرآن وأقل الرواية عن محمد وأنا شريككم)(3).

وقد حفظ التاريخ أن الخليفة قال لأبي ذر وعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء: (ما هذا الحديث الذي تفشون عن محمد؟!)(4).

كما ذكر أن عمر جمع الحديث من الناس، فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار،

____________

1- رواه حافظ المغرب بن عبد البر و البيهقي في المدخل عن عروة.

2- جامع بيان العلم و فضله ج1 ص64ــ 65. طبقات ابن سعد ج1 ص3 .

3- تاريخ الطبري ج3 ص273.

4- كنز العمال ج10 ص239.


الصفحة 43
ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب، كما روى الخطيب عن القاسم في تقييد العلم.

وما ذكره عمر من سبب لمصادرة السنة، فإنه سبب لا يقبله الجاهل فضلاً عن العالم، لأنه مخالف للقرآن لروح الدين والعقل، فكيف يقول: (جردوا القرآن وأقلوا الرواية) والقرآن نفسه يؤكد أن حجته تقوم بالسنة لأنها موضحة وشارحة ومخصصة ومقيدة وغير ذلك وقد قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) فكيف يبين رسول الله (ص) القرآن! أو ليس بالسنة؟! وقال تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى* إنه هو إلا وحي يوحى) فما فائدة الوحي إذا أمرنا بكتمانه وحرقه وهذه السنة التي تحتجون بلزوم إتباعها قد مرت عليها سلسلة من المؤامرات فقد بدأت المسيرة من أبي بكر فقد أحرق في خلافته خمسمائة حديث كتبه عن رسول الله (ص)(1)، قالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلب ولما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها وقال: حشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك)(2).

وكتب عمر في خلافته إلى الآفاق أن من كتب حديثاً فليمحه(3).

وسار عثمان على نفس الخط؛ لأنه وقع على أن يواصل مسيرة الشيخين - أبي بكر وعمر - فقال على المنبر: (لا يحل لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر)(4).

____________

1- كنز العمال ج1 ص237 ـ 239.

2- تذكرة الحفاظ ج1ص5.

3- مسند أحمد ج 3 ص 12 ـ 14.

4- كنز العمال ج10 ص295 رقم الحديث 29490.


الصفحة 44
ثم واصل المسيرة من بعده معاوية بن أبي سفيان، قائلاً: (يا ناس أقلوا الرواية عن رسول الله وإن كنم تتحدثون فتحدثوا بما كان يُتحدث به عمر)(1).

وبذلك أصبح ترك كتابة الأحاديث سنة متبعة، وعدت كتابتها شيئاً منكراً.

ولم يكن هذا الكبت والتضليل الإعلامي الذي مارسته السلطات الحاكمة على كتابة الحديث إلا من أجل كتم فضائل أهل البيت والحيلولة دون انتشارها. هذا هو السبب الذي لا يرضاه الكثيرون، ولكن هو الواقع المرير الذي يصطدم به المتتبع في التاريخ والدارس لأحداثه.

وبعد ذلك أي سنة أمر رسول الله (ص) بإتباعها؟!.

هل هي ما محاه عمر أم ما أحرقه أبو بكر؟!.

ولو كان هناك أمر بإتباع السنة. فلماذا لا ينصاع له الخلفاء الراشدون، فيكثروا من روايتها ويحرصوا على كتابتها؟!.

فماذا يصنع من يريد التمسك (بالسنة) من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!.

فلنفترض أنه عاشر الصحابة، أيظل يبحث عن جميع الصحابة ليأخذ منهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم الولاة والحكام، والقواد والجنود في الثغور؟!.

أيبحث عنهم جميعا ليسألهم عن طبيعة ما يريد التعرف عليه من أحكام، أم يكتفي بالرجوع إلى الموجودين، وهو لا يجزئه لاحتمال صدور الناسخ أو المقيد أو المخصص بحضور واحد أو اثنين ممن ليسوا بالمدينة؟ والحجية ـ كما يقول ابن حزم ـ: لا تتقوم إلا بهم.

____________

1- كنز العمال ج10 ص291 رقم الحديث 29413.


الصفحة 45
وإذا كانت هذه مشكلة من أدرك الصحابة، وهم قلة فما بالك من بعدما توسعت الدولة الإسلامية وكثرت الفتوحات، وكثرت الأسئلة عن الحوادث والمتغيرات.

فبماذا يجابون؟!!

وهكذا ضاع كثير من الأحاديث والأحكام، وإلى هذا كانت تهدف المؤامرة، فقد صرح عمر بذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند وفاته: (ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا). فقال فمر إنه يهجر، حسبنا كتاب الله(1).

فالغاية التي منعت من إحضار الكتف والدواة لرسول الله ليكتب لهم كتابا يمنعهم من الضلالة هي نفسها التي منعتهم عن جمع الأحاديث وكتابتها.

فكيف يروى بعد ذلك (تمسكوا بسنتي).

ولم يتمسك بها الصحابة ولا الخلفاء، بل صرحوا بغير ذلك، كما روى الذهبي في تذكرة الحفاظ قال: إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه(2).

(إن الشيء الطبيعي أن لا يفرض أي مصدر تشريعي على الأمة ما لم يكن مدونا ومحدد المفاهيم، أو يكون هناك مسؤول عنه يكون هو المرجع

____________

1- البخاري، كتاب العلم، ج1ص30

2- أضواء على السنة المحمدية، محمد أبو رية ص53 .


الصفحة 46
فيه)(1). وقد أجمعت الأمة على أن السنة لم تدون في عهد الرسول ولا عهد الخلفاء ولم تدون إلا بعد قرن ونصف من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فبأي وجه يقول قائل: (عليكم بسنتي..).

  الحديث الآخر:

ـ نصه:

(تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة نبيه).

هذا الحديث أسخف من أن يناقش وكل ما يمكن أن يقال فيه بالإضافة لما تقدم:

(1) إن هذا الحديث لم يروه أصحاب الصحاح الستة عند أهل السنة، وهذا كاف لتضعيفه فكيف يا ترى تمسكوا بحديث لم يكن له وجود في صحاحهم ومسانيدهم، والناظر لمكانة الحديث عند أهل السنة لا يختلجه الشك في أن هذا الحديث قد روته الصحاح وعلى رأسها البخاري ومسلم، وفي الواقع لا وجود له بتاتا.

(2) إ، أقدم المصادر التي ذكرت هذا الحديث، هي موطأ الإمام مالك، وسيرة ابن هشام، والصواعق لابن حجر.. ولم أجد كتابا آخر روى هذا الحديث. وقد اشتركت هذه الكتب في نقل الحديثين ما عدا الموطأ.

(3) رواية الحديث مرسلة في الصواعق، ومبتورة السند في سيرة ابن هشام(2)، ويدعي ابن هشام أنه أخذ الحديث من سيرة ابن إسحاق، وبحثت

____________

1- أصول الفقه المقارن، محمد تقي الحكيم ص73 .

2- سيرة ابن هشام، الطبعة القديمة ج2ص603 ، الطبعة الثانيةج4ص185، و الطبعة الأخيرةج2ص221 .


الصفحة 47
سيرة ابن إسحاق فلم أجد الحديث في كل الطبعات، فيا ترى من أين أتى به ابن هشام؟!.

(4) أما رواية مالك للحديث، فهو خبر مرفوع لا سند له، قال راوي الموطأ: (حدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله (ص) قال: ....الحديث)(1).

... كما تلاحظ أن هذا الحديث من غير سند فلا يمكن الاعتماد عليه. ولماذا انفرد مالك بهذا الحديث ولم يرويه أستاذه أبو حنيفة أو تلميذه الشافعي وأحمد بن حنبل، فلو كان الحديث صحيح لماذا أعرضت عنه أئمة المذاهب، وأئمة الحديث؟!.

(5) أخرج الحاكم في مستدركه(2) الحديث بطريقتين، الطريق الأول فيه زيد الديلسي عن عكرمة عن ابن عباس، ولا يمكن أن نقبل هذا الحديث لأن في سنده عكرمة الكذاب(3) وهو من أعداء أهل البيت (ع) ومن الذين خرجوا على علي (ع) وكفروه، وأما الطريق الآخر فيه صالح بن موسى الطلحي عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن صالح عن أبي هريرة، وهذا الحديث أيضاً لا يمكن أن يقبل لأن الحديث على رواية أبي سعيد الخدري قاله رسول الله (ص) وهو على فراش الموت، وفي هذه الفترة كان أبو هريرة في البحرين أرسل مع العلاء الحضرمي قبل أن يتوفى رسول الله (ص) بسنة ونصف، إذن متى سمع النبي وهو على فراش الموت؟!.

____________

1- الموطأ، للإمام مالك توفي 179 ه، ج2،ص46،صححه، ورقمه، وخرج أحاديثه و علق عليه محمد عبد الباقي..

2- المستدرك ج1ص93 اشرف د. يوسف عبد الرحمن المرعشي، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان.

3- سوف يأتيك كلمات علماء الجدح والتعديل في عكرمة.


الصفحة 48
(6) السنن الكبرى للبيهقي ينقل الحديث ج10 ص4، دار المعرفة بيروت ـ لبنان، نقل حديث مسلم (تركت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، ثم ينقل حديثي المستدرك بالنص.

(7) كتاب الفقيه المتفقه ـ للخطيب البغدادي ج1 ص94 قام بتصحيحه والتعليق عليه فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري عضو دار الإفتاء - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، نقل حديثين، الأول هو حديث المستدرك، (عن أبي صالح عن أبي هريرة). أما الحديث الجديد إلي نقله، قال حدثني سيف بن عمر، عن ابن إسحاق الأسدي عن الصباح بن محمد عن أبي حازم عن أبي سعيد الخدري... الحديث، وهذا السند لا يمكن أن يقبل بشهادة علماء الحرج والتعديل في سيف بن عمر الذين أجمعوا على كذبه وافتراءه، وسوف يأتيك قول العلماء فيه.

(8) كتاب: الألماع إلى معرفة أصول الرواية وتقيد السماع للقاضي عياض 479 ـ 544هـ تحقيق السيد أحمد صقير الطبعة الأولى، الناشر دار الراس الناصرة - المكتبة العتيقة - تونس ص9، نقل نص الحديث من كتاب الفقيه المتفقه الذي في سنده سيف بن عمر.

وغير ما ذكرناه لا يوجد كتاب قط نقل حديث (كتاب الله وسنتي) فإذن لم يثبت للحديث إلا ثلاثة طرق عن ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة، وهذه الطرق مع ضعفها لم تظهر إلا في وسط القرن الخامس الهجري أي بعد الحاكم، ولم يأتي كتاب أقدم من ذلك يذكر هذه الطرق. هذا أولاً، وثانياً أن هؤلاء الصحابة الثلاثة أبو هريرة وابن عباس وأبو سعيد الخدري رووا حديث (كتاب الله وعترتي) في القرن الثاني الهجري كما روى مسلم، فأيهما نقبل(1).

____________

1- وقد أفادني سماحة العلامة السيد علي البدري كثيراً في تخريجات حديث (كتاب الله وسنتي).


الصفحة 49
وبذلك لا تتجاوز هذه الرواية كونها خبر أحاديث مرفوعة أو مرسلة.. ومما يدل على أنها موضوعة أن حديثاً مثل هذا الحديث في الأهمية بمكان وهو الدستور الذي سوف تسلكه الأمة بعد رسول الله (ص): (لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه).! فيفترض أن يكرره رسول الله (ص) في مواضع كثيرة، وان يتناوله الصحابة بالرواية والحفظ كما في حديث (كتاب الله وعترتي).

فلا يمكن أن يكون رسول الله (ص) قد جعل لنا هذا الحديث مصدراً تشريعياً من بعده لأنه حديث مبهم قاصر الدلالة، بالإضافة إلى ظنية صدوره.

  حوار مع المُحدث والحافظ الدمشقي عبد القادر الأرنؤوطي:

حدث لي أثناء إقامتي في الشام لقاء مع الشيخ عبد القادر الأرنؤوطي، وهو من علماء الشام وله إجازة في علم الحديث.

وقد تم هذا اللقاء من غير إعداد مني، وإنما كان من طريق الصدفة..

كان لي أحد الأصدقاء السودانيين اسمه عادل، تعرفت عليه في منطقة السيدة زينب (ع) وقد أنار الله قلبه بنور أهل البيت (ع) وتشيع لهم، وامتاز هذا الأخ بصفات حميدة قلت ما تجدها في غيره، فكان خلوقاً متديناً ورعاً. وقد أجبرته الظروف على العمل في إحدى المزارع في منطقة تسمى (العادلية) - 9 كم تقريباً جنوب السيدة زينب (ع) - وكان بجوار المزرعة التي يعمل بها مزرعة أخرى لرجل كبير السن متدين يكنى بأبي سلمان.


الصفحة 50
فعندما عرف هذا الجار أن السوداني الذي يعمل بجواره شيعي، جاء إليه وتحدث معه، قال:

- يا أخي، السودانيون سنة طيبون.... من أين لك بالتشيع؟!. هل في أسرتك أحد شيعي؟

قال عادل: لا، ولكن الدين والقناعة لا تبتني على تقليد المجتمع والأسرة.

قال: إن الشيعة يكذبون ويخدعون العامة.

قال عادل: أنا لم أر منهم ذلك.

قال: بلى نحن نعرفهم جيداً.

قال عادل: يا حاج، هل تؤمن بالبخاري، ومسلم وصحاح السنة؟

قال: نعم.

قال عادل: إن الشيعة يستدلون على أي عقيدة يؤمنون بها من هذه المصادر، فضلاً عن مصادرهم.

قال: إنهم يكذبون ولهم بخاري ومسلم مُحرَّف.

قال عادل: إنهم لم يلزموني بكتاب مخصص، بل طلبوا مني أن أبحث في أي مكتبة في العالم العربي.

قال: هذا كذب، وأنا من واجبي أن أردك مرة أخرى إلى السنة، (وإن يهدي بك الله رجل واحد خير لك مما طلعت عليه الشمس)....

قال عادل: نحن طالبي حق وهدى، نميل مع الدليل حيثما مال.

قال: غني سأحضر لك أكبر عالم في تدمشق، وهو العلامة عبد القادر الأرنؤوطي، عالم جليل، ومحدث حافظ، وقد حاول الشيعة إغراءه بالملايين حتى يصبح معهم، لكنه رفض,...