يا محمد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله فقبلنا، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلنا، وأمرتنا أن نحج البيت فقبلنا، ثمّ لم ترض حتى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت: (من كنت مولاه فعليّ مولاه) فهذا شيء منك أم من الله؟
فقال: والله الذي لا إله إلا هو، إنهّ أمر من الله تعالى، فولّى الحارث بن النعمان وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد ـ (ص) ـ حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء، فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله بحجر فسقط على رأسه وخرج من دبره فخر صريعاً، فنزل: (سأل سائل بعذاب واقع)(1)، فكيف يجوز منكم أن يروي أئمّتكم وأنتم تقولون: إنّه مكذوب غير صحيح؟
قال الأئمة: يا يوحنّا قد روت أئمتنا ذلك لكن إذا رجعت إلى عقلك وفكرك علمت أنّه من المحال أن ينصّ رسول الله ـ (ص) ـ على علي بن أبي طالب الذي هو كما وصفتم ثم يتّفق كل الصحابة على كتمان هذا النص ويتراخون عنه، ويتفقون على إخفائه، ويعدلون إلى أبي بكر التيمي الضعيف القليل العشيرة، مع أن الصحابة كانوا إذا أمرهم رسول الله (ص) يقتل أنفسهم فعلوا، فكيف يصدّق عاقل هذا الحال من المحال؟
قال يوحنا: لا تعجبوا من ذلك فأمة موسى (ع) كانوا ستة أضعاف أمة محمد (ص) واستخلف عليهم أخاه هارون وكان نبيهم أيضاً وكانوا يحبّونه أكثر من موسى، فعدلوا عنه إلى السامري، وعكفوا على عبادة عجل جسد له خوار، فلا يبعد من أمة محمد
____________
1- سورة المعارج: الآية 1.
قال الائمة: يا يوحنا فلم لم ينازعهم بل سكت عنهم وبايعهم؟
قال يوحنا: لا شك أنه لما مات رسول الله (ص) كان المسلمون قلة، واليمامة فيها مسيلمة الكذاب وتبعه ثمانون ألفاً والمسلمون الذي في المدينة حشوهم منافقون، فلو أظهر النزاع بالسيف لكان كل من قتل علي بن أبي طالب بنيه أو أخاه كان عليه وكان قليل من الناس يومئذ من لم يقتل علي من قبيلته وأصحابه وأناسبه قتيلاص أو أزيد وكانوا يكونون عليه، فلذلك صبر وشاققهم على سبيل الحجة ستة أشهر بلا خلاف بين أهل السنة، ثم بعدما جرى من طلب البيعة منهم فعند أهل السنة أنه بايع، وعند الرافضة أنه لم يبايع، وتاريخ الطبري(1) يدل على أنه لم يبايع، وإنما العباس لما شاهد الفتنة صاح: بايع ابن أخي.
وأنتم تعلمون أن الخلافة لو لم تكن لعلي لما أدعاها، ولو ادعاها بغير حق لكان مبطلاً، وأنتم تروون عن رسول الله (ص) أنه قال: (علي مع الحق والحق مع علي)(2) فكيف يجوز منه أن يدّعي ما ليس بحق فيكذب نبيكم يومئذ؟!
وأما تعجبكم من مخالفة بني إسرائيل نبيهم في خليفته وعدولهم إلى العجل والسامري ففيه سر عجيب إنكم رويتم أن نبيكم قال: (ستحذون حذو بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر
____________
1- تاريخ الطبري ج3 ص208.
2- تقدمت تخريجاته.
قال العماء: يا يوحنا أفتدري أنت أن أبا بكر لا يصلح للخلافة؟
قال يوحنا: أما أنا فوالله لم أر أبا بكر يصلح للخلافة، ولا أنا متعصب للرافضة، لكني نظرت الكتب الإسلامية فرأيت أن أئمتكم أعلمونا أن الله ورسوله أخر أن أبا بكر لا يصلح للخلافة..
قال الأئمة: وأين ذلك.
قال يوحنا: رأيت في بخاريكم(2)، وفي الجمع بين الصحاح الستة، وفي صحيح ابي داود، وصحيح الترمذي(3)، ومسند أحمد بن حنبل(4) أن رسول الله (ص) بعث سورة براءة مع أبي بكر إلى أهل مكة، فلما بلغ ذي الحليفة دعاً علياً (ع) ثم قال له: أدرك أبا بكر وخذ الكتاب منه فاقرأه عليهم، فلحقه بالجحفة فأخذ الكتاب منه ورجع أبو بكر إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله أنزل فيّ شيء؟
قال: قال ولكن جاءني جبريل (ع) وقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك.
فإذا كان الأمر هكذا وأبو بكر لا يصلح لأداء آيات يسيرة عن النبي (ص) في حياته، فكيف يصلح أن يكون خليفته بعد
____________
1- انظر : معالم التنزيل للبغوي ج4 ص465، مجمع البيان ج10 ص462، باختلاف، وقد تقدم المزيد من تخريجات الحديث فيما سبق.
2- صحيح البخاري ج6 ص81.
3- سنن الترمذي ج5 ص256ـ 257 ح3090 ـ 3092 وج3 ص222 وح871.
4- مسند أحمد ج6 ص81.
فيا أيها المسلمون لم تتعامون عن الحق الصير؟ ولم تركنون إلى هؤلاء وكم ترهبون الأهوال؟
أطرق الحنفي بأسه إلى الأرض ثم رفعه وقال: يا يوحنا والله إنك لتنظر بعين الانصاف، وإن الحق لكما تقول، وأزيدك في معنى هذا الحديث، وهو أن اله تعالى أراد أن يبين للناس أن أبا بكر لا يصلح للخلافة، فلذلك أمر رسول الله (ص) أن يخرج علياً وراءه ويعزله عن هذا لامنصب العظيم ليعلم الناس أن أبا بكر لا يصلح لها، وأن الصالح لها علي (ع) فقال لرسول الله (ص): لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك(1)، فما تقول أنت يا مالكي؟
قال المالكي والله فإنه لم يزل يختلج في خاطري أن علياً نازع أبا بكر في خلافته مدة ستة أشهر، وكل متنازعين في الأمر لا بد وأن يكون أحدهما محقاً، فإن قلنا إن أبا بكر كان محقاً فقد خالفنا مدلول قول النبي ص): (علي مع الحق والحق مع علي)(2). وهذا حديث صحيح لا خلاف فيه ونظر إلى الحنبلي ليرى رأيه.
قال الحنبلي: يا أصحابنا كم نتعامى عن الحق؟ والله إن اليقين أن أبا بكر وعمر غصبا حق علي (ع).
وقال يوحنا: فاختبط القوم، وكثر بينهم النزاع لكن كان مآل كلامهم أن الحق في طرف الرافضة، وكان أقربهم إلى لاحق إذن إمام الشافعية، فقال
____________
1- مسند أحمد ج3 ص212، المصنف لابن ابي شيبة ص84 ـ 85 ح12184، كنز العمال ج2 ص431 ح4421، البداية والنهاية ج5 ص37، ود قتدمت تخريجاته.
2- تقدمت تخريجاته.
فما لامراد بإمام الزمان؟ ومن هو؟
قالوا: إمام زماننا القرآن فإنا به نقتدي.
فقال الشافعي: أخطأتم لأن النبي (ص) قال: الائمة من قريش(2) ولا يقال للقرآن إنه قد شيء.
فقالوا: النبي إمامنا.
فقال الشافعي: أخطأتم، لأن علماءنا لم اعترض عليهم بان كيف يجوز لأبي بكر وعمر أن يتركا رسول الله (ص) مسجّى غير مغسَّل ويذهبا لطلب الخلافة، وهذا دليل على حرصهم عليها، وهو قادح في صحة خلافتهما.
أجاب علماؤنا إنهم لمحموا أقوال النبي (ص) (من مات ولم يعرف إمم زمانه مات ميتة جاهلية) ولم يجوّزوا على أنفسهم الموت قبل تعيين الإمام فبادروا لتعيينه هرباً من ذلك الوعيد، فعلمنا أن ليس المراد بالإمام هنا النبي.
فقالوا للشافعي: فأنت من إمامك يا شافعي؟
قال: إن كنت من قبيلتكم فلا إمام لي، وإن كنت من قبيلة الاثني عشرية فإمامي محمد بن الحسن (ع).
فقال العلماء: هذا والله أمر بعيد كيف يجوز أن يكون إمامك واحداً من مدة لا يعيش أحد مثله، ولا يراه أحد؟ هذا بعيد جداً.
____________
1- تقدمت تخريجاته.
2- مسند أبي داود ص125 ح926، مسند أحمد ج3 ص183، المصنف لابن أبي شيبة ج12 ص169 ح12438 وص173 ح12447، كنز العمال ج12 ص30 ح33831.
قال يوحنا: إن نبيكم قال: ستفترق أمتي من بعدي إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية، واثنتان وسبعون في النار فهل تعرف الناجية من هي؟
قالوا: إنم أهل السنة والجماعة لقول النبي (ص) لما سئل عن الفرقة الناجية من هم؟ فقال: (الذين هم على ما أنا عليه اليوم وأصحابي)(1).
قال يوحنا: فمن اين لكم أنكم أنتم اليوم على ما كان عليه لانبي (ص)؟
قالوا: ينقل ذلك الخلف عن السلف.
فقال يوحنا: فمن الذي يعتمد على نقلكم؟
قالوا: وكيف ذلك؟
قال: لوجهين:
الأول: أن علماءكم نقلوا كثيراً من الأحاديث التي تدل على إمامة علي (ع) وأفضليته، وأنتم تقولون إنه مكذوب عليه، وشهدتم على علمائكم أنهم ينقلون الكذب فربما يكون هذا أيضاً كذباً ولا مرحج لكم.
____________
1- المعجم الصغر للطبراني ج1 ص256، كنز العمال ج1 ص210 ح1055 و1057، مجمع الزوائد ج1 ص189.
قال يوحنا: فأطرقوا جميعاً، ودار الكلام بينهم، وارتفعت الأصوات بينهم، وقالوا الصحيح أنا لا نعرف الفرقة الناجية من هي، وكل منا يزعم أنه هو الناجي، وأن غيره هو الهالك، ويمكن أن يكون هو الهالك، وغيره الناجي.
قال يوحنا: هذه الرافضة الذين تزعمون أنهم ضالون يجزمون بنجاتهم، وهلاك من سواهم، ويستدلون على ذلك بأن اعتقادهم أوفى للحق، وأبعد عن الشك.
قالت العلماء: يا يوحنا، قل وإنا والله لا نتهمك لعلمنا أنك تجادلنا على إظهار الحق.
قال يوحنا: أنا أقول باعتقاد الشيعة أن الله قديم ولا قديم سواه، وأنه موجود، وأنه ليس بجسم، ولا في محل، وهو منزه عن الحلول، واعتقادكم أنكم تثبتون معه ثمانية قدماء هي الصفات حتى إن إمامكم الفخر الرازي شنّع عليكم، وقال: إن النصارى واليهود، كفروا حيث جعلوا مع الله إلهين
قالوا: نعم.
قال يوحنا: فاعتقادهم إذا خير من اعتقادكم، واعتقاد الشيعة أن الله سبحانه لا يفعل قبيحاً، ولا يخلّ بواجب، وليس في فعله ظلم، ويرضون بقضاء الله لأنه لا يقضي إلا بالخير، ويعتقدون أن فعله لغرض لا لعبث، وأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يضل أحداً من عباده، ولا يحول بينهم وبين عبادته، وأنه أراد الطاعة، ونهى عن المعصية، وأنهم مختارون في أفعال أنفسهم، واعتقادكم أنتم أن الفواحش كلها من الله ـ تعال الله عن ذلك علواً كبيراً ـ وأن كل ما يقع في الوجود من الكفر والفسوق والمعصية والقتل والسرقة والزنا فإنه خلقه الله تعالى في فاعليه وأراده منهم وقضى عليهم به ورفع اختيارهم، ثم يعذبهم عليه، وأنتم لا ترضون بقضاء الله بل إن الله تعالى لا يرضى بقضاء نفسه، وانه هو الذي أضل العباد وحال بينهم وبين العبادة والإيمان، وإن الله تعالى يقول: (ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى)(1)، فاعتبروا هل اعتقادكم خير من اعتقادهم أم اعتقادهم خير من اعتقادكم ونتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون!!
وقالت الشيعة: أنبياء الله معصومون من أول عمرهم إلى آخره عن الصغائر والكبائر فيما يتعلق بالوحي وغيره عمداً وخطأً، واعتادكم أنه يجوز عليهم الخطأ والنسيان، ونسبتم أن رسول الله (ص) سهى في القرآن بما يوجب الكفر فقلتم: إنه صلى الصبح فقرأ سورة النجم:
____________
1- سورة الزمر: الآية 7.
واعتقاد الشيعة أن رسول الله (ص) لم يقبض حتى أوصى إلى من يقوم بالأمر بعده، وأنه لم يترك أمته هملاً ولم يخالف قوله تعالى، واعتقادكم أن ترك أمته هملاً، ولم يوص إلى من يقوم بالأمر بعده، وإن كتابكم الذي أنزل عليكم فيه وجوب الوصية، وفي حديث نبيكم وجوب الوصية، فلزم على اعتقادكم أن يكون النبي (ص) أمر الناس بما لم يفعله، فأي الاعتقادين أولى بالنجاة.
واعتقاد الشيعة أن رسول الله (ص) لم يخرج من الدنيا حتىنص الخلافة على علي بن أبي طالب ع) ولم يترك أمته هملاً فقال له يوم الدار: (أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا أمره)(3) وأنتم نقلتموه ونقله إمام القرّاء والطبري والخركوشي وابن اسحاق.
وقال فيه يوم غدير خم: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) حتى قال له عمر: بخ لخ لك يا علي، أصبحت مولاي وولى كل مؤمن ومؤمنة، نقله إمامكم أحمد بن حنبل في مسنده(4). وقال فيه لسلمان: (عن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب) رواه إمامكم أحمد بن حنبل(5). وقال فيه: (إن الأنبياء
____________
1- سورة النجم: الآية 19و20.
2- تنزيه الأنبياء لعلم الهدى الشريف المرتضى أعلى الله مقامه).
3- تقدمت تخريجاته.
4- مسند أحمد ج4 ص281.
5- فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج2 ص615 ح1052.
____________
1- صحيح مسلم ج4 ص1871 ـ 1873 ح32 ـ 35، صحيح البخاري ج5 ص23.
2- صحيح مسلم ج5 ص1870 ح30 ـ 32، صحيح البخاري ج5 ص24.
3- سورة الدهر: الآية 1.
4- سورة المائدة: الآية 55.
5- وهي قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية)، سورة البقرة الآية 274، وقد تقدمت تخريجات نزولها فيه (ع).
6- المستدرك ج3 ص32، تاريخ بغداد ج13 ص19 رقم 6978، الفردوس بمأثور الخطاب ج3 ص455 ح5406.
7- فقد جاء في فرائد السمطين ج1 ص143 ح105: عن عبد الله بن عكيم الجهني، قال: اقل رسول الله (ص) إن الله تبارك وتعالى أوحى إلي في علي (ع) ثلاثة أشياء ليلة أسري بي إنه سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين.
وقال النبي (ص): (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)(2)، ثم علي زين العابدين، ثم أولاده المعصومون الذين خاتمهم الحج القائم المهدي إمام الزمان (ع) الذي من مات ولم يعرفه مات ميتة الجاهلية(3)، وأنتم رويتم في صحاحكم عن جابر بن سمرة أنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول (يون بعدي إثنا عشر أميراً) وقال كلمة لم أسمعها(4) وفي بخاريكم(5) قال رسول الله (ص) (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً) ثم تكلم بكلمة خفيفة خفيت علي.
وفي صحيح مسلم (لا يزال أمر الدين قائماً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(6)، وفي الجمع بين الصحيحين والصحاح الستة أن رسول الله (ص) قال: (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي أثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(7).
وروى عالمكم ومحدثكم وثقتكم صاحب كفاية الطالب عن أنس بن مالك، قال: كنت أنا وأبو ذر وسلمان وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم عند
____________
1- كفاية الأثر: ص38، بحار الانوار ج36 ص289.
2- مسند أحمد ج3 ص3 و66، سنن الترمذي ج5 ص614 ح3768، تاريخ بغداد ج11 ص90 ، كنز العمال ج12 ص112 ح34246.
3- تقدمت تخريجاته.
4- مسند أحمد ج5 ص92و94، المعجم ج2 ص236 ح1875 وص248 ح1923.
5- صحيح البخاري ج4 ص218.
6- صحيح مسلم ج3 ص1453 ح10.
7- صحيح مسلم ج3 ص1452 ح5، مسند أحمد ج4 ص94 و96، وقد تقدمت تخريجات هذه الأحاديث.
فقال: نعم، لو سمعتم ما سمعت لفعلتم بهما أكثر مما فعلت.
فقلنا: وما سمعت فيهما من رسول الله (ص يا أبا ذر؟
فقال: سمعته يقول لعلي ولهما: (والله لو أن عبداً صلى وصام حتى يصير كالشن البالي إذاً ما نفعه صلاته ولا صومه إلا بحبكم والبراءة من عدوكم).
ياعلي، من توسل إلى الله بحقكم فحق على الله أن لا يرده خائباً.
يا علي، من أحبكم وتمسك بكم فقد تمسك بالعروة الوثقى.
قال: ثم قام أبو ذر وخرج فتقدمنا على رسول الله (ص) فقلنا: يا رسول الله أخبرنا أبو ذر بكيت وكيت.
فقال: صدق أبو ذر، والله ما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر(1).
ثم قال (ص): خلقني الله تعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق اله آدم بسبعة آلاف عام، ثم نقلنا من صلبه في أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات.
____________
1- مجمع الزوائد ج5 ص197 ص442، مشكل الآثار ج1 ص224، مسند أحمد بن حنبل ج2 ص175 وص223 ط الميمنية، الكامل في الضعفاء لابن عدي ج5 ص1816، البداية النهاية ج7 ص165، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج8 ص259، بتفاوت.
فقال رسول الله (ص): كنا اشباحاً من نور تحت العرش نسبّح الله ونقدسه.
ثم قال (ص): (لما عرج بي إلى السماء وبلغت إلى سدرة المنتهى ودعّني جبرئيل.
فقلت: يا حبيبي جبرئيل في مثل هذا المقام تفارقني؟
فقال يا محمد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي، ثم زج بي من النور على النور ما شاء الله تعالى، فأوحى الله تعالى إلي: يا محمد: إني أطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها وجعلتك نبياً، ثم اطلعت ثانياً فاخترت منها علياً وجعلته وصيك ووارث علمك وإماماً من بعدك، وأخرج من أصلابكم الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي، ولولاهم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة، ولا الجنة ولا النار، أتحب أن تراهم؟
فقلت: نعم يا رب، فنوديت: يا محمد أرفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري (ع).
فقلت: يا رب من هؤلاء ومن هذا؟
فقال سبحانه وتعالى: هؤلاء الأئمة من بعدك المطهّرون من صلبك، وهذا هو الحجة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ويشفي صدور قوم مؤمنين.
فقلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله لقد قلت عجباً.
قال يوحنا: واعتقادكم أنتم ن رسول الله (ص) لما مات مات على غير وصية، ولم ينص على خليفته، وأن عمر بن الخطاب اختار أبا بكر وبايعه وتبعته الأمة، وأنه سمى نفسه خليفة رسول الله (ص9 وانتم تعلمون كلكم أن أبا بكر وعمر لما مات رسول الله (ص) تركاه بغير غسل ولا كفن وذهبا إلى سقيفة بني ساعدة فنازعا الأنصار في الخلافة، وولي أبو بكر الخلافة ورسول الله (ص) مسجى، ولا شك أن رسول الله (ص) لم يستخلفه، وأنه كان يعبد الأصنام قبل أن يسلم أربعين سنة، والله تعالى يقول (لا ينال عهدي الظالمين)(2) ومنع فاطمة إرثها من أبيها رسول الله (ص) بخر (رواه).
قالت فاطمة: يا أبا بكر ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئاً فرياً، وعارضته بقول الله: (يرثني ويرث من آل يعقوب)(3) (وورث سليمان داود)(4)، وقال اله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم)(5) ولو كان حديث أبي بكر صحيحاً لم يمسك علي بن أبي طالب (ع) سيف رسول الله (ص) ويغلته وعمامته ونازع العباس علياً بعد موت فاطمة (ع) في ذلك، ولو كان هذا الحديث معروفاً لم يجز
____________
1- كفاية الأثر: ص69 ـ 73.
2- سورة البقرة: الآية 124.
3- سورة مريم: الآية 6.
4- سورة النمل: الآية 16.
5- سورة النساء: الآية 11.
وأبو بكر قال: أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم(2)، فإن صدق فلا يصح له التقدم على علي بن أبي طلاب (ع) وإن كذب فلا يصلح للإمامة، ولا يحمل هذا على التواضع لجعله شيئاً موجباً لفسخ الإمامة وحاملاً له عليه.
وأبو بكر قال: إن لي شيطاناً يعتريني، فإذا زغت فقوّموني(3). ومن يعتريه الشيطان فلا يصلح للإمامة!!
وأبو بكر قال في حقه عمر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، ووقى الله المسلمين شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه(4)، فتبين أن بيعته كانت خطأ على غير الصواب، وأن مثلها مما يجب المقاتلة عليها.
وأبو بكر تخلف عن جيش أسامة وولاه عليه، ولم يولّ النبي (ص) على علي أحداً(5).
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص280 ـ 281، وقد تقدمت تخريجاته.
2- الإمامة والسياسة ج1 ص22، كنز العمال ج5 ص588 ح14046 و1405، تاريخ الطبري ج3 ص210، نهج الحق ص264، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص169.
3- نفس المصدر السابق.
4- تقدمت تخريجاته.
5- انظر: الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص144، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج4 ص96.
وأبو بكر لم يكن عالماً بالأحكام الشرعية، حتى قطع يسار السارق، وأحرق بالنار الفجاءة السلمي التيمي(2)، وقد قال رسول الله (ص): (لا يعذّب بالنار إلا رب النار)(3).
ولما سئل عن الكلالة لم يعرف ما يقول فيها فقال: أقول برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن الله وإن كان خطأ فمن الشيطان.
وسألته جّدة عن ميراثها، فقال: لا أجد لك في كتاب اله شيئاً ولا في سنة محمد، ارجعي حتى أسأل فأخبره المغيرة بن شعبة أن النبي (ص) أعطاها السدس وكان يستفتي الصحابة في كثير من الأحكام.
وأبو بكر لم ينكر على خالد بن الوليد في قتل مالك بن نويرة، ولا في تزويج امرأته ليلة قتله من غير عدة.
وأبو بكر بعث على بيت أمير المؤمنين (ع) لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار(4) وفيه فاطمة (ع) وجماعة من بني هاشم وغيرهم فانكروا عليه.
____________
1- تقدمت تخريجاته..
2- راجع: الإمامة والسياسة ج1 ص14.
3- شرح السنة للبغوي ج12 ص198، مجمع الزوائد ج6 ص251، كشف الأستار ج2 ص211 ح1538.
4- الإمامة والسياسة ج1 ص191، نهج الحق ص27، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص56: فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة (ع) تبكي وتصبح، فنهنهت من الناس إلخ وروى ذلك عن أبي بكر الجوهري.
وأبو بكر لما حضرته الوفاة، قال: يا ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه، وليتني كنت سألت رسول الله (ص): هل للأنصار في هذا الأمر حق؟
وقال: ليتني في ظلة بني ساعدة ضربت على يد أحد الرجلين، وكان هو الأمير وأنا الوزير(2).
وأبو بكر بكر عندكم أنه خالف رسول الله (ص) في الاستخلاف، لأنه استخلف عمر بن الخطاب ولم يكن النبي (ص) ولاه قط عملاً إلاغزوة خيبر فرجع منهزماً، وولاه الصدقات فشكا العباس فعزله النبي (ص): وأنكر الصحابة على أبي كر تولية عمر حتى قال طلحة: وليت عمر فظاً غليظاً.
وأما عمر، فإنه أتي إليه بإمراة زنت وهي حامل فأمر رجمها، فقال علي (ع): إن كان لك عليها سبيل فليس لك على حملها من سبيل، فأمسك وقال: لولا علي لهلك عمر(3).
وعمر شك في موت النبي (ص) وقال: ما مات محمد ولا يموت حتى تلا عليه أبو بكر الآية (إنك ميت وإنهم ميتون)(4) فقال: صدقت، وقال: كأني لم أسمعها(5).
____________
1- نهج الحق ص272، أسد الغابة ج2 ص14، الصواعق المحرقة ص175، ط المحمدية وص105 ط الميمنية بمصر.
2- الإمامة والسياسة: ج1 ص1، مروج الذهب ج2 ص301 ـ 302، نهج الحق ص265.
3- تقدمت تخرجاته.
4- سورة الزمر: الآية 3.
5- تاريخ الخميس ج2 ص167، صحيح البخاري ج6 ص17، وقد تقدم الحديث مع تخريجاته.
وقال في خطبة له: من غالى في مهر امرأته جعلته في بيت مال المسلمين، فقال له امرأة، تمنعنا ما أحل اله لنا حيث يقول (وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً)(2) فقال: كل الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت(3).
وكان يعطي حفصة وعائشة كل واحدة منهما مأئتي ألف درهم، وأخذ مائتي الف درهم من بيت المال فأنكر عليه المسلمون فقال: أخذته على وجه القرض(4).
ومنع الحسن والحسين (ع) إرثهما من رسول اله (ص ومنعما الخمس(5).
وعمر قضى ف الحد بسبعين قضية وفضل في العطاء والقسمة ومنع المتعتين وقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) حلالاً وأنا محرّمهما، ومعاقب من فعلهما(6).
وخالف النبي (ص) وأبا بكر في النص وعدمه، وجعل الخلافة في ستة نفر، ثم ناقض نفسه وجعلها في أربعة نفر، ثم في
____________
1- تقدمت تخريجاته.
2- سورة النساء.
3- الدر المنثور ج2 ص466، نهج الحق ص278، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص182 وج12 ص17.
4- نهج الحق ص279، وفيه عشرة آلاف.
5- أحكام القرآن للجصّاص ج3 ص61.
6- نهج الحق: ص281، الدر المنثور ج2 ص487، وقد تقدمت تخريجاته.