الصفحة 34
فيقول:

وتبعه شاب ليس عليه غير إزار فأمسكوه. فتخلى عن الإزار وهرب عريانا (إنجيل مرقس 14: 51 - 52). وكان مرقس نسيب الرسول برنابا، أحد وجهاء كنيسة أورشليم القدس وكبار المبشرين بالإنجيل وكان ابن امرأة اسمها مريم ساكنة في أورشليم والظاهر أنه اهتدى إلى الإيمان المسيحي بواسطة خدمة بطرس الذي كان يتردد على بيت أمه، وصاحب بولس وبرنابا في أورشليم إلى أنطاكية، ولكنه فارقهما لأسباب لم تعرف (1). ويعتبر إنجيل مرقس أقصر الأناجيل الأربعة.

3 - إنجيل لوقا:

حسب الاعتقاد السائد في القرن الثاني للميلاد فإن كاتب هذا الإنجيل هو لوقا وهو رفيق وصديق بولس، ويحتمل أيضا أنه كاتب سفر أعمال الرسل، ولهذا فما هو معروف عنه مأخوذ من سفر الأعمال حيث يذكر أنه كان مع بولس في قسم من أسفاره. ولد لوقا من أبوين يونانيين في أنطاكية - سورية - وكان يمارس الطب وزعم البعض أنه كان رساما، وتتلمذ لبولس وكان غالبا في صحبته إلى أن استشهد بولس فتركه، إلا أنه لا يعرف أين قضى بقية عمره ولا أين مات غير

____________

(1) تفسير العهد الجديد: ص 88.

الصفحة 35
أن الكنيسة تكرمه تكريم الشهداء (1).

وكتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية، وأما تاريخ كتابة هذا الإنجيل فيعتقد أن أعمال الرسل قد كتب بعد كتابة الإنجيل بوقت قصير، ويرجح أن سفر أعمال الرسل كتب سنة 62 أو 63 ميلادية ولهذا يحتمل علماء الكتاب المقدس أنه مكتوب في سنة 60 ميلادية تقريبا. كما قد ورد في هذا الإنجيل بعض الحوادث التي لم تذكر في غيره من الأناجيل. ويظهر من مقدمة إنجيله أنه لم يكن معاينا للحوادث التي كتبها بل ألف إنجيله من شهادة الذين عرفوا السيد.

ومما يخص به هو نقل الحوادث التي جرت قبل ولادة المسيح (عليه السلام). وبعدها والظاهر أنه أخذها عن كتابة ربما نقلت عن أم الرب (مريم) لأنه لم يعرف أحد غيرها كثيرا مما ذكر بهذا الشأن (2).

4 - إنجيل يوحنا:

وهو الإنجيل الرابع والذي يختلف كثيرا عن الأناجيل الثلاثة، إذ يعتقد أن 90 % من هذا الإنجيل غير موجود في الأناجيل الثلاثة، وهو من أكثر الأناجيل التي دارت حولها الشكوك بين علماء الكتاب المقدس، فذهب البعض إلى أن كاتبه هو يوحنا ابن زبدي الرسول وأحد التلاميذ المقربين جدا ليسوع المسيح (عليه السلام)، ويذكر المؤرخون أن يوحنا الرسول كان تلميذا ليوحنا المعمدان

____________

(1) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 127.

(2) تفسير العهد الجديد: ص 30.

الصفحة 36
(يحيى) (عليه السلام) ومن ثم دعاه عيسى (عليه السلام) فاتبعه وأخيه يعقوب، فأصبح هو ويعقوب وبطرس من التلامذة المقربين ليسوع (عليه السلام).

وينقل أيضا أن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الشيخ ويعتقد أنه (يوحنا الشيخ) هو نفسه يوحنا الرسول. وقد ذكر أن الهدف من كتابة هذا الإنجيل هو تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح (عليه السلام) وناسوته ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة، كبدع الدوكنيين، والغنوسيين وغيرها (1).

ويوحنا هذا مع أنه هرب مع بقية التلاميذ لما أمسك بالمسيح (عليه السلام) ولكنه كما ينقل يوحنا في إنجيله (19 - 26) أودعه المسيح (عليه السلام) العناية بأمه العذراء مريم (عليها السلام).

ويشكك بعض علماء العهد الجديد في صحة نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا، إذ ينقل (برطشنيدر) إن هذا الإنجيل كله وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه، بل إنما صنفه بعضهم في ابتداء القرن الثاني ونسبه إلى يوحنا ليعتبره الناس. ورجح البعض الآخر أن هذا الإنجيل هو من تأليف طالب من طلبة الاسكندرية. وأما زمن كتابة هذا الإنجيل فيحتمل أنه كتب بين سنة 96 - 100 ميلادية.

وإذا عرف زمان شهادة يوحنا الرسول لأمكن معرفة صحة انتساب هذا الإنجيل إليه أو لا، ولكن في زمن شهادته اختلاف أيضا،

____________

(1) قاموس الكتاب المقدس: ص 1110.

الصفحة 37
إذ يقول البعض أنه استشهد سنة 100 ميلادية، بينما يعتقد آخرون أنه كان سنة 70 ميلادية.

وأما مضمون هذا الإنجيل فإنه يختلف تماما عن بقية الأناجيل كما ذكرنا، إذ أنه يجسد بوضوح الناحية الإلهية من حياة يسوع المسيح (عليه السلام). والمسيحيون يعتمدون على هذا الإنجيل في إثبات ألوهية المسيح (عليه السلام) أكثر من بقية الأناجيل، إضافة إلى ذلك فإنه ينقل للمسيح (عليه السلام) بعض المعاجز التي لم تذكر في أي من الأناجيل السابقة.

سفر أعمال الرسل

هذا هو عنوان السفر الخامس من أسفار العهد الجديد. وترجع هذه التسمية إلى القرن الثاني الميلادي، وفي الحقيقة فإن هذا الاسم لا يدل على أن السفر يذكر كل أعمال الرسل، بل القصد من السفر هو إظهار كيفية تأسيس الكنيسة المسيحية، وانتشار المسيحية بين اليهود.

وابرز شخصية في القسم الأول من السفر هي شخصية بطرس الرسول رئيس الكنيسة، وأما الشخصية البارزة في القسم الثاني من السفر فهي شخصية بولس.

إضافة إلى ذلك فإن السفر يذكر شخصيات وأعمال غيرهما من الرسل في مناسبات عدة.


الصفحة 38
والسفر معنون باسم رجل يدعى ثاوفيليس، وهو نفسه الذي كان قد أهداه الإنجيل. ويعتقد أن مؤلف هذا السفر هو نفسه لوقا الإنجيلي، وقد كتب بين سنة 64 - 70 ميلادية، باللغة اليونانية التي كتب بها إنجيل لوقا.

الرسائل

وتتألف الرسائل من قسمين رئيسين، أولهما رسائل بولس وثانيهما الرسائل العامة.

رسائل بولس: نرى من الضروري قبل كل شئ التعريف بشخصية بولس فنذكر نبذة مختصرة عن حياته:

أن المعلومات المتوفرة عن شخصية بولس موزعة بين سفر أعمال الرسل ورسائله.

ولد بولس في طرسوس من قيلقيية في السنة العاشرة للميلاد تقريبا، وكان أبوه يهوديا من سبط بنيامين، وكسائر صبيان اليهود تعلم حرفة صنع الخيام للاكتساب منها، وبدأ تحصيله في طرسوس التي كانت مركزا علميا إذ كانت مركزا للفلسفة الرواقية التي ظهر تأثيرها في كثير من تعبيرات بولس عن المبادئ المسيحية.

وسافر بولس إلى أورشليم - القدس وعمره 20 أو 22 سنة

الصفحة 39
حينما شرع المسيح برسالته (1).

وبولس له اسمان الأول عبري وهو شاؤل ومعناه (المطلوب) وهو المذكور في أعمال الرسل حتى الفصل الثالث عشر. والآخر بولس ومعناه (الصغير) وهو المذكور في بقية فصول سفر أعمال الرسل وفي كل الرسائل.

وحضر في أورشليم عند أحد أكابر علماء الشريعة اليهودية واسمه (جملاييل): وكانت له ثقافة يونانية - رومانية إضافة إلى ثقافته اليهودية، وكان يعرف اللغة الآرامية والعبرية واليونانية (2). وكان حارا حاذقا شديد الانفعال، وكان من طبعه أنه لا ينقاد إلى الاتفاق مع الذين يخالفونه، على أن الله قهر عنفه الطبيعي وحدة خلقه (3).

والنقطة المهمة والمتيقن منها في حياة بولس هي أنه تبوأ مكانة عند علماء اليهود، وعند ظهور الدعوة المسيحية شن حربا شعواء ضد المسيحيين، فقد كان يضطهدهم كثيرا، وكان من الذين ساقوا التهم إلى أول شهيد في المسيحية (إستفانوس)! فكان شخصا متعصبا لليهودية، وكان له النصيب الأوفر في ملاحقة أتباع المسيح (عليه السلام) وقطع دابرهم، ولم يكتف بملاحقتهم في أورشليم بل لا حقهم خارجها أيضا.

فالتمس من عظيم الأحبار في أورشليم رسائل إلى مجامع

____________

(1) قاموس الكتاب المقدس: ص 196.

(2) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 139.

(3) تفسير العهد الجديد ص 375.

الصفحة 40
دمشق حتى يسوق إلى أورشليم كل من كان على هذه الملة، وفي طريقة إلى دمشق وحسب سفر أعمال الرسل: تراءى له يسوع المسيح (عليه السلام) وقاله له شاول، وشاول لماذا تضطهدني فانقلب حاله ثم دخل دمشق وبعد ثلاثة أيام جاءه حننيا وعمده، فتحول بولس من مضطهد إلى مناصر للمسيحية، وبعدها أختاره المسيح (عليه السلام) ليبشر بالعقيدة المسيحية إلى الوثنيين.

فبدأ تبشيره إلى جميع الأمم في آسيا وأوربا فذهب إلى بلاد العرب وفلسطين وسوريا ولبنان وتركيا ويونان وقبرص ورومية وربما أيضا إسبانيا، وكانت خاتمة حياته أنه استشهد في روما سنة 67 م (1).

وفي الحقيقة نستطيع القول أن بولس هذا صار الرجل الأول في المسيحية بعد يسوع (عليه السلام) إذ أنه ارتفع صيته وشهرته حتى على الرسل الاثني عشر، وترجع أغلب عقائد المسيحية إليه وسنشير إلى ذلك لاحقا أن شاء الله تعالى.

ولم يكتب بولس أكثر هذه الرسائل بل أملاها على غيره وكثيرا ما كان يخرج عن موضوعه لسبب عروض كلمة أو أمر تذكره أو كان يخشاه (2).

____________

(1) لاحظ سفر أعمال الرسل ورسائل بولس.

(2) تفسير العهد الجديد: ص 374.

الصفحة 41
وأما رسائله فهي:

1 - رسالته إلى أهل رومية: كتبها إلى المسيحيين القاطنين في رومية، ويحتمل أنها كتبت شتاء سنة 58 م.

2 - رسالته إلى أهل تسالونيكي الأولى: ويحتمل أنها كتبت بين سنة 52 - 53 ميلادية وكتبها في كورنثوس.

3 - رسالته إلى أهل تسالونيكي الثانية: وهي كتبت بعد الرسالة الأولى بفترة قصيرة.

4 - رسالته إلى أهل غلاطية: وكتبت في أفسس سنة 54 - 57 ميلادية.

5 - رسالته إلى أهل كورنثوس الأولى: يرجح أنها كتبت في سنة 57 - 58 ميلادية. في أفسس ومكدونية.

6 - رسالته إلى أهل كورنثوس الثانية: وكتبت بعد الأولى بفترة قليلة.

7 - رسالته إلى أهل كولوسي وأفسس وفيلبي وفليمون:

وكتبت سنة 61 - 63 م في رومية.

8 - رسالته إلى أهل فيلبي: وكتبت سنة 63 م أو بعد ذلك بقليل.

9 - رسالته إلى أهل كولوسي: وكتبت على ما يظن سنة 63 م.


الصفحة 42
10 - رسالته إلى أهل فليمون: كتبت بين 63 م - 64 م.

11 - رسالته إلى تيطس: وهو رفيقه وكتبت سنة 64 م - 67 م.

12 - رسالته إلى تيموثاوس الأولى: كتبت بين سنة 64 - 66 ميلادية من مقدونية.

13 - رسالته إلى تيموثاوس الثانية: وكتبت سنة 67 ميلادية - من رومية.

هذه هي باختصار الرسائل المنسوبة إلى بولس، وحسب تاريخ كتابتها فهي مكتوبة على وجه التقريب قبل الأناجيل الأربعة، باللغة اليونانية الدارجة في عصره، ولقد أصبحت هذه الرسائل من أهم مراجع الديانة المسيحية لمعرفة عقيدتها، وهذا ما جعل كثيرا من الآباء القديسين والعلماء قديما وحديثا يكتبون عنها ويعلقون عليها.

وإضافة إلى هذا فإن هناك العديد من الرسائل الأخرى لبولس ولكنها فقدت ولم تصل إلينا (1).

الرسالة إلى العبرانيين:

وهذا السفر يعتبر غامضا من جهة تأليفه، إذ لا يوجد بين علماء الكتاب المقدس إجماع أو اتفاق على حقيقة كاتب الرسالة، ومنذ عهد آباء الكنيسة الأولى والجدال يدور حول اسم الكاتب لهذا السفر، فقد اعتبرتها الكنيسة الشرقية من وضع بولس، مع أن فيها مادة وأسلوبا

____________

(1) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 140.

الصفحة 43
يختلف عن باقي كتابات بولس.

وفي العصر الحاضر أجمع العلماء على أنها ليست من تأليف بولس.

واعتقد (كليمنت الاسكندري) أن لوقا ترجمها عن النسخة الأصلية التي كتبها بولس بالعبرانية، أما الكنيسة الغربية فقد شككت في أنها من وضع بولس، وقال طرطوليان أنها من وضع القديس برنابا، وذكر (أوريجينس) المصري (القرن الثالث) أن كاتبها هو (أبلس) الذي جاء أسمه في سفر أعمال الرسل (18 - 24) -.

وبالرغم من كل هذا بقي الاختلاف في مؤلف هذا السفر إلى يومنا هذا، ولكن الكنيسة اعترفت بها وأدرجتها ضمن الأسفار الملهمة (1). وكذلك تاريخ كتابتها فهو الآخر مجهول ويعتقد أنها كتبت في إيطاليا لأنه قد ذكر ذلك في السفر نفسه إذ ورد فيه: يسلم عليكم الذين في إيطاليا (13 - 24).

رسالة يعقوب: وهي منسوبة للقديس يعقوب الذي لعب دورا كبيرا في كنيسة أورشليم إذ أصبح أول أساقفتها بعد رحيل بطرس إلى أنطاكية، ويحتمل أنها كتبت بين 50 - 60 ميلادية، وهي تحتوي على حكم ونصائح وتعليمات للسلوك المسيحي، وهي لا تشبه الرسائل في العهد الجديد بل هي أشبه بنسق الأنبياء في العهد القديم.

____________

(1) قاموس الكتاب المقدس ص 98.

الصفحة 44
وليس في الرسالة إشارة إلى آلام يسوع وقيامته، ولم تبدأ بتحيات وتنته ببركات رسولية كبقية الرسائل. وقد أعترض على هذا السفر لوثر إذ يقول أنها تناقض تعليم بولس عن التبرير بالإيمان والمحبة للمخلص يسوع (عليه السلام) (1). فإن يعقوب يؤكد على الإيمان والعمل معا أنظر (2: 14) ما المنفعة يا أخوتي أن قال أحد أن له إيمانا ولكن ليس له أعمال هل يقدر الإيمان أن يخلصه، أن الإيمان بدون أعمال ميت.

رسالتا بطرس: أن كاتب هاتين الرسالتين هو بطرس الرسول ويتضح ذلك من مقدمتهما.

وكان هذا الرسول يسمى سمعان وأبوه يونا (مت 16 - 17) وقد سماه المسيح (عليه السلام) بعد متابعته إياه بطرس أي (صخر) وكما أختاره رئيسا للكنيسة. وكانت مهنته صيد السمك وكان مقيما في كفر ناحوم، ويرجح أنه كان أحد تلاميذ يوحنا المعمدان (يحيى) (عليه السلام) وقد جاء به إلى المسيح (عليه السلام) أخوه أندراوس الذي كان من المقربين ليوحنا المعمدان.

وصار بطرس بسبب حماسته ونشاطه وغيرته الأول من بين التلاميذ الاثني عشر منذ البداية، حيث كان اسمه يذكر دائما في المقدمة عند ذكر أسماء الرسل. وكما أوصى المسيح (عليه السلام) فقد قاد

____________

(1) قاموس الكتاب المقدس: ص 1077.

الصفحة 45
بطرس بعد رفع المسيح (عليه السلام) التلاميذ والمؤمنين إلى سد الفراغ في عدد الرسل بانتخاب بديل ليهوذا (1 ع: 1 - 15)، ولكنه بعد فترة بدأ يختفي متخذا له مكانا متواضعا بعد أن ترك أورشليم وراح يواصل رحلاته التبليغية مع زوجته من مكان لآخر.

وللأسف فإن الكتاب المقدس لا يخبرنا عن أتعاب وأقوال هذا الرسول إلا قليلا في أعمال الرسل وهذين السفرين المنسوبين إليه، وأما بخصوص خاتمة حياته فلا تعرف بالضبط ويقال أنه سجن وصلب غير أنه لا يستطيع أحد تأكيد أين ومتى كان ذلك، ويرجح أنه ذهب إلى رومية واستشهد فيها سنة 64 أو 67 ميلادية (1)، وأما الرسالتان فهما:

الرسالة الأولى: وقد كتبت على الأرجح في رومية بين عامي 63 - 67 م تقريبا، وتتضمن هذه الرسالة بعض المسائل الأخلاقية والسلوكية وتثبيت الإيمان.

الرسالة الثانية: أما الرسالة الثانية فيقول كاتبها عن نفسه أنه سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله (1: 1).

إلا أن العلماء غير متفقين من جهة كاتبها ومن جهة تاريخ كتابتها فيقولون أن أسلوب الرسالة ليس بالأسلوب البسيط وهي تخالف الرسالة الأولى، وقد بدأ النقاد منذ عصر (جيروم) يأخذون

____________

(1) قاموس الكتاب المقدس: ص 177.

الصفحة 46
اختلاف الأسلوب دليلا على اختلاف الكاتب أضافة إلى أن الكنيسة الأولى لم تكن متثبتة ومتحققة بشأن كاتب هذه الرسالة، ولم تدخل الرسالة ضمن مجموع أسفار العهد الجديد في الكنيسة السريانية إلا في القرن السادس الميلادي، والرسالة تتضمن بعض الارشادات أيضا.

(رسائل يوحنا الرسول)

وهي ثلاث: وتدعى هذه الرسائل مع رسالة يعقوب ورسالتي بطرس ورسالة يهوذا بالرسائل العامة (الجامعة) لأنها لم توجه إلى جماعة مفردة من المسيحيين، بل إلى الكنيسة المسيحية جمعاء مع أن رسالتي يوحنا الثانية والثالثة موجهتان إلى أفراد ولكنهما اعتبرتا من الرسائل الجامعة أيضا لارتباطهما بالرسالة الأولى.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الكاتب لم يذكر أسمه في هذه الرسائل سوى في الثانية والثالثة إذ يسمي نفسه (الشيخ) مما حمل البعض على الاعتقاد بأنه (يوحنا الشيخ) الذي عاش في أفسس حوالي نهاية القرن الأول، وكما ذكرنا فإن يوحنا الشيخ - كما يعتقد البعض - هو يوحنا الرسول ولهذا نسبت هذه الرسائل إليه. والرسائل هي:

الرسالة الأولى: وهي أطول الثلاث، وهي خالية من التحية والبركة التي تفتتح وتختم بها الرسائل، وفيها تشابه بينها وبين الإنجيل

الصفحة 47
الرابع إلا أن فيها تباينا أساسيا عنه، ولذا اختلف في نسبتها إلى يوحنا الرسول.

ويعتقد أنها كتبت بين سنة 90 - 100 ميلادية، والرسالة مقالة أو عظة أكثر منها رسالة، ويبدو أنها كتبت دحضا لبعض الآراء الخاطئة التي روجها بعض الكذبة داخل الكنيسة.

الرسالة الثانية: وهي الرسالة التي بعثها الشيخ إلى السيدة المختارة وأولادها، واختلف في تفسير هذه السيدة فالبعض ذهب إلى أن كاتبها يقصد بها كنيسة من الكنائس واتباعها، والبعض الآخر قال أنه كتبها إلى سيدة تدعى (كيرية) أي السيدة المختارة، وهذه الرسالة قصيرة إذ تحتوي على أقل من ثلاثمائة كلمة باللغة الأصلية اليونانية ويعتقد أنها والرسالة الثالثة كتبتا بين سنة 96 و 110 ميلادية (1).

الرسالة الثالثة: يعتقد أن كاتب هذه الرسالة أرسلها إلى (غاليس الكورنتي) المذكور في الرسالة الأولى لبولس إلى كورنثوس، والظاهر أنه كان عضوا غنيا في كنيسة كورنثوس، ويحتمل أن المراد غيره، وتتضمن الرسالة مدحا لغايس على تقواه ومعروفه للغرباء ويعده بقرب زيارته له.

رسالة يهوذا: ويهوذا هذا ليس يهوذا الإسخريوطي الخائن. بل هو يهوذا أخو يعقوب، فقد ذكر كاتبها أنه أخو يعقوب صاحب المقام

____________

(1) قاموس الكتاب المقدس: ص 1112.

الصفحة 48
السامي في كنيسة أورشليم، ولا يعرف عنه إلا الشئ اليسير.

ولا يدعي الكاتب أنه من الرسل، ويقال أنه كتبها بعد استشهاد أخيه يعقوب أي في العقد السابع من القرن الأول والمقصود منها تحذير المؤمنين من المعلمين المضلين الذين ظهروا في الكنيسة الأولى.

(رؤية يوحنا)

وهي السفر الأخير من العهد الجديد، وبعد نقاش وجدال طويلين، انتهى الأمر بالتفكير في الشرق والغرب إلى الاعتراف بأنه سفر كتب بالهام الروح القدس واعتبر جزءا من العهد الجديد.

وقد كتب السفر في جزيرة بطمس إحدى جزر بحر اليونان في سنة 95 م تقريبا، والسفر بعد المقدمة والتحية ينقسم إلى سبعة أقسام رئيسية تعقبها الخاتمة، وكل قسم من هذه الأقسام يشمل رؤيا مستقلة أو سلسلة رؤى، والرؤية ملأى بالرموز وهي مكتوبة إلى الكنائس السبع التي في آسيا (1).

هذه هي الأسفار التي يشتمل عليها العهد الجديد، ويظهر أنها كتبت خلال نصف قرن تقريبا ما بين سنة 55 - 110 ميلادية، فهي لم تر النور دفعة واحدة، ومما يلفت النظر فإن المسيحيين يعتقدون أن

____________

(1) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 146.

الصفحة 49
المسيح (عليه السلام) لم يكتب شيئا ولم يأمر أحدا من تلاميذه بتدوين أقواله وأعماله، ولكن قد طلب منهم أن يشهدوا ويبشروا بما رأوا وسمعوا فكانت نقطة الانطلاق للرسل هي البشارة والشهادة للمسيح (عليه السلام).

ومن هنا بدأ التقليد المسيحي وهو التذكير المشترك بهذه الحوادث من جيل إلى جيل. (ولهذا فالتقليد الشفوي يعتبر الينبوع الذي نهل منه الرسل وتلاميذ الرسل ليدونوا أسفار العهد الجديد. على أن هذا التدوين للتقليد الشفوي لم يتم بإرادة الرسل أيضا فمرقس مثلا حسب أوزابيوس قد دفعه إلى التدوين المستمعون لبطرس الرسول الذي وجد نفسه أمام الأمر الواقع، فبطرس حسب اكليمنضوس لم يتدخل لا راضيا ولا رافضا (1)).

وأما الشروع في كتابة الأناجيل رغم عدم طلب يسوع المسيح (عليه السلام) من التلاميذ ذلك فيعزونه إلى أسباب عديدة منها، (رغبة المسيحيين بالحصول على معلومات أكثر عن حياة وتعاليم المسيح (عليه السلام) يحتفظون بها، وكذلك تقدم السن بالرسل الأولين وشدة الاضطهادات التي كانت تحيط بهم، إضافة إلى ظهور الأفكار العقائدية الباطلة تحت تأثير الوثنية واليهودية والتي انتشرت بسرعة مسببة القلق والشك في صفوف المؤمنين الجدد، وغيرها من الأمور، كل ذلك

____________

(1) نفس المصدر: ص 115.

الصفحة 50
دفع بالمسيحيين الأولين إلى تدوين تعاليمهم حتى لا تنسى) (1).

والمسألة المهمة في هذا الموضوع هي أن الكنيسة تعتقد أن الأناجيل كتبت بالوحي والإلهام الإلهي، فنرى في مقدمة الإنجيل مكتوبا: كتب العهد الجديد بوحي من الروح القدس في مدة لا تتعدى المائة من السنين، ولقد حفظ الله الإنجيل في هذه النصوص على مر السنين رغم الاضطهادات والأخطار) (2).

ومما يجدر الإشارة إليه أن الكنيسة الأولى لم تكن تعرف هذه الكتب على أساس أنها مكتوبة بالإلهام والوحي، بل إنما اعتبرت كذلك بعد كتابة هذه الكتب بعدة قرون، ففي القرون الأولى للميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي لم يكن أحد يتكلم عن الالهام في هذه الكتب، بل حتى الكنيسة لم تكن تقبل سوى العهد القديم كتابا مقدسا، إلا أن تعدد الكتب في القرن الأول والثاني للميلاد والتي تجاوزت المائة، وظهور العقائد المختلفة في الكنيسة، دفعت الكنيسة إلى تشكيل المجامع المحلية والتي تعددت كثيرا (كمجمع نيقية 325، مجمع هيبون في 393، وقرطجنة 397 و 418) ومن خلال هذه المجامع أعطيت اللوائح الرسمية للعهد الجديد وتم اختيار (27 سفرا) على أنها مكتوبة بالوحي والإلهام الإلهي.

____________

(1) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 113.

(2) مقدمة العهد الجديد.

الصفحة 51
وأما الكتب الأخرى فقد ألغيت ولم تقبلها الكنيسة، وأول من اعتبر هذه الأسفار (27) هو مجمع نيقية السكوني سنة (325) م ثم جاء البابا جيلاسيوس الأول (492 - 496)، إذ أعطى المرسوم الرسولي سنة 495 ميلادي مقدما اللائحة التي نملكها اليوم للعهد الجديد (1). وأعتقد أن إلغاء كل تلك الكتب الأخرى أضاع تراثا عظيما كان يمكن الاعتماد عليه لفهم الحقائق عن المسيحية بصورة أفضل وأدق وأقرب للواقع. وأما سبب اختيار هذه الكتب دون غيرها، فلأنها (على حد قول المسيحيين) (تعطي بشكل أفضل ما كانت تؤمن به الكنيسة الأولى، ولكن هذا لا يعني أن الكنيسة هي التي منحت صفة الالهام لهذه الأسفار، بل أن محتوى الأسفار ذاته هو الذي دفع بالكنيسة لتمييزها عن الكتب الأخرى) (2).

وأما كيفية الوحي والإلهام في كتابة هذه الأسفار فيعتقد المسيحيون أن الالهام الكتابي الذي يقصدونه هو غير الالهام النبوي، فالإلهام الكتابي يدل على عمل الله (فوق الطبيعي) الذي يمارسه على مؤلفي الكتاب ليدفعهم إلى تدوين الحقائق التي أوحاها وأعطاها للبشر وذلك بمساعدته الدائمة والمباشرة.

فالكاتب يعبر عما يريد الله أن يطلع الناس عليه ولكنه ليس

____________

(1) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 117.

(2) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 117.

الصفحة 52
كقطعة الإسفنج في نقل الماء، تحمله ولكن لا تفعل غير ذلك.

أن وحي الكتاب المقدس يختلف في مفهومه عن مفهوم الوحي في الإسلام، إذ يعتقد المسلمون أن النبي لم يكن سوى ناقل لكلام الله، ولا دخل له فيه، وأما الوحي الكتابي عند المسيحيين، فهو من عمل الله والانسان معا، فالكاتب في هذا الالهام يحتفظ بشخصيته وعبقريته وأسلوبه في الكتابة، وأما الإلهام النبوي فإن النبي لا يعدو كونه أداة طيعة يتكلم بأسم الرب لا غير، ومن هنا فالإلهام الكتابي يختلف عن الالهام النبوي، ولهذا نرى التمايز بين الأسفار المكتوبة بالإلهام تبعا لتغاير أسلوب كتابها (1).

وعلى ذلك فإن الكاتب الملهم من قبل الله يكون معصوما عن الخطأ فيما يكتبه، لأن الله لا يخطأ ولا يخدع أحدا، وأما دائرة العصمة (والقول للمسيحيين) فهي تشمل الحقائق الدينية والالهية الموحاة من قبله، وأما الحقائق الدنيوية التي ليست من حقل الحقائق الإلهية فيمكن للكاتب أن يخطأ فيها، فالله سبحانه لا يبتغي أن يجعل منه رجلا كاملا في العلوم (2).

هذا باختصار نبذة عن العهد الجديد واعتقاد المسيحيين به، فهو الأساس لكل العقائد المسيحية.

____________

(1) معجم اللاهوت الكتابي: ص 15.

(2) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 105.

الصفحة 53
وقبل الإشارة إلى بعض النقاط والتساؤلات التي تدور حول هذه الأسفار، وتتميما للفائدة نشير بإيجاز إلى بعض الكتب الأخرى التي رفضتها الكنيسة لتتضح لنا صورة ما عنها:

الكتب الأخرى

أو كما يسميها المسيحيون (الكتب المنحولة) وهي على ما يذكر المؤرخون قد وصلت إلى مائة كتاب خلال القرنين الأول والثاني للميلاد، وأن مقدمة إنجيل لوقا تشير إلى ذلك حيث يقول: إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ولكن للأسف فإن معظمها قد ضاع و أهمل، وهنا نشير إلى بعضها.

1 - إنجيل يعقوب: (ويعود إلى القرن الثاني للميلاد، وهو يتحدث عن سيرة العذراء مريم (عليها السلام) منذ مولدها إلى ولادتها للمسيح (عليها السلام) وإقامتها في الهيكل. وهي تطابق إلى حد ما قصة مريم (عليها السلام) في القرآن الكريم إذ يذكر كيف أن والديها قدماها للهيكل للخدمة وكان الملاك يأتيها بالطعام وكفالة يوسف لها.

2 - إنجيل متي: وهو الآخر يروي قصة العذراء، ولادتها ونزول الطعام عليها من قبل الملاك، ويروي ميلاد يسوع وهروبه إلى مصر وبعض معجزاته التي رافقته.

3 - إنجيل الطفولية (العربي): يعود إلى القرن الخامس، وهو

الصفحة 54
الآخر يروي المعجزات عند ولادة يسوع المسيح (عليه السلام) وكذلك خلال هروبه إلى مصر، ونجد فيه معجزة (تحويل الطير من طين إلى طير حي بنفخة منه) (1).

وهناك أناجيل أخرى كثيرة: كإنجيل نيقوديموس، إنجيل الأبيونيين المصريين، إنجيل العبرانيين، إنجيل بطرس، إنجيل توما وغيرها من الرسائل الأخرى الكثيرة (2)...

وأما الإنجيل الآخر الذي أود الإشارة إليه فهو إنجيل برنابا، الذي أحدث منذ ظهوره ضجة كبيرة بين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وبالحقيقة فقد كتبت بحوث ودراسات عديدة عن هذا الإنجيل، فهو يوافق بشكل عام القرآن في عامة قصصه، و كذلك فهو يذكر النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) صريحا باسمه.

وأصل هذا الكتاب قد عثر عليه باللغة الإيطالية كما ينقل عن الترجمة الإسبانية له، فيذكر المترجم، أن الأصل الإيطالي قد عثر عليه راهب يدعى فرامرينو، في زمن البابا (سكست كنت الخامس) سنة (1585 - 1595) ميلادي. فقرأ الراهب الكتاب فأعتنق الدين الاسلامي وترك ديانته السابقة، وفي الحقيقة فإن النقاش ما زال قائما إلى الآن حول هذا الإنجيل، حيث يعتقد المسيحيون أنه كان هناك

____________

(1) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 149.

(2) قاموس الكتاب المقدس: ص 122.

الصفحة 55
إنجيل أو رسالة لبرنابا الرسول ولكنها كانت تعترف (بأن المسيح (عليه السلام) هو ابن الله المتجسد، وأنه صلب وقام وظهر لتلاميذه وصعد إلى السماء) فهي كانت تحافظ على التعليم الرسولي. ولكن الكنيسة لم تعتبرها من الكتب الملهمة رغم محافظتها على التعليم الرسولي!! (1) ومن أراد التوسع في حقيقة هذا الإنجيل فليراجع مقدمة الدكتور خليل سعادة مترجم هذا الإنجيل من الإنجليزية إلى العربية 1908. وكذلك مقدمة محمد رشيد رضا..

وهنا أود أن أشير إلى بعض النقاط والتساؤلات المهمة التي تدور حول صحة هذه الأسفار ونسبتها إلى الوحي الإلهي:

أولا: السؤال الأول الذي يمكن طرحه هو أن النسخ الأصلية لهذه الأسفار مفقودة، بل نسخ النسخ مفقودة كذلك، حيث أن أقدم نسخة موجودة تعود إلى القرن الرابع الميلادي، فلو سلمنا بأن مؤلفي هذه الأسفار قد كتبوها بالوحي الإلهي، فهل من المعقول أن ندعي بأن النسخ المنقولة عن الأصل هي الأخرى قد نقلت بالوحي الإلهي، ولم تتدخل الآراء والإبداعات للناسخ فيها من زيادة ونقيصة.

ولعدم توفر النسخ الأصلية، فلا يمكن القطع بأن النص الأصلي لم يدخل عليه الزيادة والنقصان فلا يمكن التثبت من أن النسخ الموجودة بين أيدينا هي مطابقة تماما للنسخ الأصلية وخصوصا مع

____________

(1) المسيح في الفكر الاسلامي: ص 152.

الصفحة 56
الجهل بالأشخاص الذين قاموا بنسخها وبعقائدهم.

ثانيا: أن الكنيسة الأولى وإلى القرن الرابع تقريبا - كما ذكرنا - لم تكن تعترف بأن هذه الكتب إنما كتبت بالإلهام والوحي الإلهي، بل تم ذلك في مجمع نيقية المسكوني سنة (325) ميلادية، فقد تم جمع الكثير من الأناجيل والأسفار وتم اختيار هذه الأسفار وعددها (27) ككتاب مقدس وملهم، وأما الكتب الأخرى مع أنه قد كتب بعضها الرسل أنفسهم (كإنجيل أو رسالة برنابا) ولم تكن تغاير التعاليم الرسولية على حد زعمهم، ولكنها رفضت وأهملت.

وهنا نستطيع التساؤل هل اختار هذا المجمع هذه الكتب بوحي سماوي أو لا؟ فإن كان الجواب نفيا (وهو كذلك إذ لو كان الاختيار بوحي سماوي لم لم يتم هذا الوحي إلى الكنيسة الأولى وحتى القرن الرابع؟)، فإنه إذن من اختيار البشر، والبشر معرضون للصواب والخطأ، فعلى أبعد الاحتمالات فإن الإنسان العاقل يشك في أن هذه الأسفار هي الإنجيل الموحى.

ثالثا: النقطة الأخرى هي أن بعض النصوص المعتمدة كانت قد ترجمت من لغتها الأصلية إلى لغة أخرى والأصل المترجم عنه قد فقد، وما هو مشهور ومعروف أن المترجم مهما كان ذكيا وبارعا وذا إلمام باللغة يجد صعوبة في نقل المراد بشكل دقيق، لأنه غالبا ما يجد كلمات ليس لها مكافئ في اللغة المترجم إليها، فيضطر إلى وضع

الصفحة 57
الكلمات التي يعتقد أنها أقرب للمعنى، وبالتالي فيمكن أن يتغير المعنى المراد أصلا، ولهذا فلا يمكن الاعتماد بشكل قاطع على الترجمة. ومراجعة سريعة لحال الأسفار (المقدسة) تكشف لنا أن بعض النسخ الموجودة هي ترجمة للنسخ الأصلية المفقودة.

رابعا: أن من الأمور التي يحكم بها العقل هي أن الكتاب السماوي يجب أن لا يشوبه التناقض والاختلاف لأن الله تعالى عالم وحكيم فيستحيل نسبة الاختلاف والتناقض إلى وحيه، وحتى بمعنى الوحي والإلهام الكتابي الذي يعتقد به المسيحيون إذ يكون المعنى من الله والكلمة والأسلوب من المؤلف، وذلك لأن الله سبحانه يستحيل أن يوحي إلى شخص معنى يختلف عن الذي أوحاه إلى آخر في نفس المورد، أو معنى واحد لقصة واحدة تنقل في أسلوبين.

مثلا: في قصة صلب عيسى (عليه السلام) تنقل بعض الأسفار أنه سقي خمرا مرا، وفي البعض الآخر يقول خلا، فهذه قصة واحدة ولكن تختلف من سفر لآخر، فإذا كان الاثنان مكتوبين بالوحي الإلهي، فيكون واحد منها صحيحا (بحكم العقل) لا كلاهما، والأسفار مليئة بهذه التناقضات، ولولا أن قصدي في هذا البحث الاختصار قد الإمكان لبينت العشرات من هذه الاختلافات في العهد الجديد وأكتفي هنا بذكر بعضها ومن أراد المزيد فليطالع العهد الجديد بنفسه، 1 - الاختلاف في نسب عيسى (عليه السلام) في الأناجيل، ومهما