السيد محمد تقي المدرسي في كتابه التشريع الإسلامي هذا الأمر، وهو يبني نظريته على أن كل النصوص(1) الدينية تبين الحكم مع الحكمة، فيتتبع الفقيه هذه الحكم من خلال نصوص القرآن والسنة فتشكل هذه الحكم مجموعة قواعد كلية يمكن للفقيه أن يرجع إليها الحوادث الجزئية.
الدكتور: ما أنكرته في أول حديثك أقررت به في هذا الكلام فهذه النظرية التي ذكرتها مؤخراً تدل على أن الأصول الشيعية جامدة، مما دفع المدرسي أن ينتهج هذا النهج، الذي هو أقرب إلى الطرح السني، كما أن المدرسي من العلماء المعاصرين فتجربته مازالت حديثة، لا تحسب ضمن تاريخ المدرسة الأصولية الشيعية، بخلاف الأصول عند أهل السنة الذين هم أول من طرق هذا الباب الذي أكتشفه المدرسي مؤخراً ولعله استفاد من الطرح السني.
المؤلف: إن كلامي غير متناقض، فإنه يَصُب
____________
1- النصوص وليست الأحكام، والفرق كبير.
كما إن السيد المدرسي لم يبتدع شيئاً، وإنما قام بعملية جمع واستخراج القيم والحكم المبثوثة في القرآن والروايات، وسوف أحضر لك كتاب التشريع الذي طبع منه إلى الآن أربع مجلدات(1) حتى تعرف الفرق بين الطرح السني وطرح السيد المدرسي، فالفرق عميق بين الطرحين فالقياس يعتمد على استخراج علة الحكم من نفس الحكم، ثم يقيس عليها الفروع التي تشابهها في العلة، أما الطرح الآخر فهو يبنى على أن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة
____________
1- طبع الآن الجزء الخامس والسادس والسابع والثامن من التشريع.
____________
1- وليس هذا الاستنباط من نوع القياس الذي يرفضه مذهب أهل البيت عليهم السلام والسبب هو:
أولاً: أن القياس منهج يختلف جذرياً مع المنهج القرآني وقد ناقشنا ذلك في مناسبة سبقت..
ثانياً: أن القياس في المصطلح التعرف على حُكم النظير من خلال علة مظنونة في نظيره، بينما هنا نحن نريد استنباط حكم الفرع من الأصل. وعلى هذا فإن أساس البصيرة القرآنية التي عرفناها بفضل أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) هو السعي لفهم الحكم العامة في الشريعة عبر التدبر في آيات الذكر. والسلوك عبر المنهج الإلهي الذي بشر به الدين وسبق الحديث عنه وإذا تبصرنا هذا الحكم جيداً، وعرفناه يقيناً فإننا نستنبط منها حكم المسألة الفرعية بلا تردد، ويكون علمنا به علماً يقينيا أو على الأقل تطمئن نفوسنا إليه مما يكفينا حجة شرعية، كما سنتحدث عنه في مناسبة أخرى. وهكذا يرى هذه المنهج أنه لا يجوز الأخذ بالحِكمة المظنونة، ولكن يوصينا.
بضرورة البحث الجدي لمعرفة حكمة كل حكم شرعي من خلال التدبر في النصوص (الآيات والروايات) فنحن ندعو إلى الحصول على العلم بالحكمة الإلهية الموجودة في كل حكم شرعي. ولا ندعو إلى العمل بالحِكم المستنبطة بالقياس الظني، والفرق بينهما هو الفرق بين العمل بالاستنباط العملي وبين العمل بالقياس الظني والله الموفق).. التشريع الإسلامي ج1 ص52.
الدكتور: إن هذه الأصول التي ذكرتها ليست العُمدة عند أهل السنة، وإنما عمدتهم هو القرآن والسنة، والإجماع، والقياس، ثم بعد ذلك الأصول الأخرى، وفي هذه الأصول لا خلاف بين السنة والشيعة، فالخلاف ليس إجمالا وان ما تفصيلاً.
المؤلف: أما القرآن والسنة فنعم رغم أن الخلاف فيهما موجود، فبأي كيفية نتعامل مع القرآن؟وكيف نفسره ونستنبط منه الحكم الشرعي؟ والسنة هل هي رواياتكم أم رواياتنا؟ وهل كلام أهل البيت حجة أم قول الصحابي؟ فهذه الأسئلة تباعد بيننا وبينكم، أما بخصوص الإجماع فهو غير حجة فقد ناقشت الكتب الأصولية الشيعية الإجماع وأثبتت عدم حجيته، نعم هنالك من يقول إن الإجماع حجة إذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم أو عن دليل شرعي، ولكن هنالك من رد عليه بأن الحجية لا تكون لذات
الدكتور: إنكار حجة الإجماع أمر غريب، فقد تعارف على حجيته المسلمون قديماً وحديثاً وبنيت على أساسه كثير من الأبواب الفقهية، بل حتى أن الشيعة يستدلون بالإجماع في مسائل فقهية فلماذا هذا التناقض؟!.
المؤلف: أولاً إن بحثنا عن حجية الإجماع كان في إطار الحجج القطيعة الذاتية التي تولد حكماً واقعياً فعدم حجية الإجماع بهذا المنظور من البديهيات، لأنه ليس كاشفاً عن الواقع، أما اعتبار الإجماع كدليل فهو مأخوذ بتعارف العقلاء بالأخذ به فيكون حجة عُقلائية إذا أورثت الاطمئنان واليقين، فاستدلال علماء الشيعة بالإجماع في المسائل الفقهية من هذا الباب، هذا بالإضافة إلى أن معظم المسائل التي استشهد الفقهاء فيها بالإجماع إنما بقصد تعضيد الفتوى لا من باب توليدها.
وعندما وصلنا إلى هذه النقطة أعتذر الدكتور لضيق وقته
مع الوهابية في أركان النقاش
دارت في الساحة الفكرية في مدينة عطبره أحداث ساخنة، بعد أن سيطر الطرح الشيعي على مستوى المناظرات وأركان النقاش، خاصة بين طلبة جامعة وادي النيل، فكان حديث الساعة الشيعة والتشيع حتى في الأماكن العامة، هذا مما أشعل نار الحقد الوهابي فكثفوا هجومهم على الشيعة في كل منابرهم، وعندما علموا أن مصدر التشيع في المدينة هو جامعة وادي النيل، عملوا على حجز دار الطلاب وهي دار كبيرة تقام فيها نشاطات الطلاب الثقافية والسياسية، لمدة يومين وهما الخميس والجمعة وكان برنامجهم يشتمل على معرض كتاب وملصقات وعرض فيديو، كلها تعرّض بالشيعة، بالإضافة إلى محاضرة في اليوم الأول بعنوان "وجاء دور المجوس" وكان المحاضر مستعار من مدينة أخرى وهي (مدني)
وكان قصدهم من هذا الجهد هو تشديد الضربة على الشيعة، حتى ينتهي وجودهم في المدينة، أو على الأقل يحدثوا قطيعة بين الشيعة والمجتمع، ولذلك عندما فشلوا في الرد على الشيعة رفعوا شعارات الولاء والبراءة وأمروا الناس بمقاطعة الشيعة في كل أمور الحياة.
وعندما اكتشفنا نواياهم قررنا أن يكون ردنا عليهم وعلى افتراءاتهم قوياً ومحكماً، وأن يكون أكثر علمية ولا ننصاع لتهكماتهم ومهاتراتهم، وخاصة أن الجو الذي سوف يكون فيه الحوار هو جو مثقف و واعي بأهمية البرهان والدليل.
وعندما جاء يوم الخميس زرنا الدار في الساعة الخامسة مساءً حتى نقف على آخر التطورات فوجدنا أن الدار كلها معدة لذلك، فقد حشدوا فيها المعارض والملصقات ومكبرات الصوت وكراسي ولحى طويلة
وبعد تلاوة آيات من القرآن الحكيم وتقديم المتحدث. شرع المحاضر في حديثه وكان يحتوي على الآتي:
ـ اختلف المسلمين إلى مذاهب عديدة وهذا مصداق لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى
ـ إن الشيعة عندما أرادوا أن يطعنوا في الدين طعنوا في الصحابة، والطعن في الناقل هو الطعن في المنقول، فشككوا في عدالة الصحابة وجرحوهم، مع أن الجرح والتعديل لا يجوز في حقهم، لأنهم وثقهم الله ورسوله.
ـ إن فرقة الشيعة ابتكرتها اليهودية ولذلك نجد أن مؤسسها يهودي أسمه عبدالله بن سبأ، وهو دخيل على الإسلام وما كان يقصد إلا الفتنة، فغلوا جماعته في علي وألهوه حتى أحرقهم بالنار وهذا دليل كافي على أن علياً بريءٌ منهم.
ـ إن الشيعة دخيلة على السودان وهو شعب
ـ ومن مساوئ الشيعة أيضاً يؤمنون بزواج المتعة وهو زواج جاهلي أبطله الإسلام، ولكنهم يدعون أنه لم يحرمه الرسول ولكن حرَّمه عمر بن الخطاب.
ولم يخرج كلامه من هذه النقاط. وبعد أن ختم حديثه، وزَّع جماعته قطعاً ورقيةً حتى تكتب فيها الأسئلة، ولكنها طريقة غير مجدية في حقنا، فرفعت يدي وطلبت أن اسأل مباشراً، فوافق على ذلك.
وبعد أن أمسكت بلا قطة الصوت، شكرته على أتاحته الفرصة لنا، وقلت له: إن لي ملاحظات على كل كلامك، ولكن أن أسألك وأنت تُجيب فهذه مسألة غير منصفة، فأخيرك بين أمرين إمّا تعقد معي مناظرة، وإمّا أن تسمح لي بالكلام حتى أعقب على كل المحاضرة، فأيهما تختار؟.
ـ سكت مدة من الزمن وقال: أسمح لك بخمس دقائق.
ـ قال عشرة دقائق.
ـ أيضاً لا تكفي، وأنا أرى أن تكون مناظرة، حتى لا تكون محدده بزمن، ونحن مستعدون أن نجلس معك أسبوعاً كاملاً ونطرح كل العقائد الشيعية من الألف إلى الياء.
ـ قال إن المناظرة لابد أن تُنسق مع جماعة أنصار السنة المحمدية في الجامعة.
ـ قلت أنا أريدها معك أنت شخصياً فلا تحتاج إلى تنسيق.
ـ تكلم براحتك.. وكأنه هاربٌ من المناظرة.
ـ وبعدما فسح لي المجال للتحدث، رأيت أن من الأنسب أن لا أعتمد على منهجية الرد وحسب، وإنما أقوم بتوضيح عام لمفهوم التشيع، ونشوئه التاريخي ومصادره، بمثابة مقدمة تأصيلية.
فقلت: إن التشيع ليس وليد اللحظة ولا وليد حالة تاريخية معينة كما يقول البعض، إن التشيع نشأ بعد حرب الجمل، أو كما يقال أن التشيع اصبح خط في الأمة الإسلامية بعد حادثة كر بلاء الأليمة التي ولدت
إن الناظر إلى التشيع بروح موضوعية، يرى أنه ضارب جذوره في عمق الرسالة المحمدية، فهو كمفهوم واضح من خلال النص القرآني والأحاديث النبوية، فإنه لا يتجاوز أن يكون نظرة عميقة في سنن الله سبحانه وتعالى، التي نستخلص منها ضرورة اصطفاء أئمة وقادة ربانيين يتكفلون بقيادة البشرية إلى نور الهداية، فالضرورة العقلية تحتم وجود إمام من قبل الله ليقود هذه الأمة، وتؤيد هذه الضرورة العقلية النصوص الشرعية التي نجدها ظاهرة في تنصيب الأئمة واصطفاء القادة، فما من مجتمع بشري مرَّ على تاريخ الإنسانية وألا كان فيه قيادة إلهية تمثل حجة الله على العباد، فقد أرسل الله مائة وأربع عشرين ألف نبي كما في بعض الروايات، ولكل نبي وصي يحفظ خط الرسالة من بعد النبي.
وما لاقته الأمة الإسلامية من تمذهب وفرقة ما
كان يمثل المرجعية المعصومة والقيادة الواحدة، فيثبت من ذلك أن الطريق الوحيد لعصمة الأمة هو وجود قيادة إلهية معصومة. وهذا ما تتبناه الشيعة، ومن هنا كان من الضروري أن يُنصب الله ورسوله إماماً لقيادة المسلمين، والذي ينكر هذا التنصيب بمعنى أن الله لم يعين إماماً يكون بذلك نسب سبب الضلالة إلى الله ورسوله.
فهذا هو مفهوم الإمامة، ولا أتصور أنّ أحداً من المسلمين ينكر الإمامة كضرورة ومفهوم، ولكن الخلاف كل الخلاف في مصاديق الإمامة الخارجية،
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مرحباً بسيد الموحدين وإمام المتقين"، وعن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: قال رسول الله" الأئمة من ولدي، فمن أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصا الله، هم العروة الوثقى، والوسيلة إلى الله جل وعلا" ومئات الأحاديث، فما ذنب الشيعة بعد ذلك إذا والوا علي بن أبي طالب، وأخذوا دينهم منه، فهو المسار الطبيعي للرسالة، ولولاه لم يعرف للدين معنى.
ولذلك نجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكد
هذا بالإضافة لوجود كثير من الآيات والأحاديث التي توجب إتباع أهل البيت خاصة وأخذ الدين عنهم كقوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1).
من الضروري أن لا يكون الله طهرهم من الذنوب عبثاً وإنما تطهيرهم مقدمة لإ تباعهم وأخذ الدين منهم، كما جاء في الحديث: "إني تارك فيكم
____________
1- (سورة الأحزاب: آية /33).
وهذا يدل على إن البعد عن الضلالة لا يتحقق إلا بإتباعهم وأخذ الدين منهم، حتى السلف ـ الصالح ـ لا يسمى صالحاً إلا إذا أخذ دينه عن أهل البيت(عليهم السلام)، فبأي حجة بعد ذلك تقول إن أخذ الدين لابد أن يكون عن طريق السلف، وأي سلف تقصد هل الذين لم يتفقوا في ابسط الأحكام الفقهية، كاختلاف فهم في قطع يد السارق فهل تُقطع من أصل الأصابع، كما قال بعض الصحابة، أو من الكف، أو من المرفق، أو من الكتف كما قال آخرين(2)، فمن الضروري أن
____________
1- صحيح مسلم: ج4ص123 دار المعارف بيروت لبنان. المستدرك ج3ص27 كتاب معرفة الصحابة، دار المعرفة بيروت. مسند أحمد ج3ص17 -26 -14 -59 -دار صادر بيروت. الترمزي ج5 ص663 -662 -دار إحياء التراث العربي. كنز العمال ج1 الباب الثاني ص172 حديث رقم 810 و871 و872 و873 طبعة مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الخامسة سنة 1985 وغيرهم لا يسع المجال لذكرهم. وللتفصيل راجع كتابي الحقيقة الضائعة ص65 2- راجع بداية المجتهد ونهاية المقتصد وتفسير الفخر الرازي.
أسألك بالله إن كنت صادقاً فيما تقول، أن تثبت لي دليلاً واحداً يقتضي بوجوب إتباع السلف؟! واستدلا لك ببعض الآيات كقوله تعالى {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} (سورة النساء: آية/ 115)، فإنها لا يمكن أن تحمل على مطلق السلف، وإنما هي عامة وتخصيصها يحتاج إلى دليل ولا توجد قرائن تخصصها إلا ما جاء في حق أهل البيت(عليهم السلام)، ولا يمكن أن تحملها على مطلق السلف كما ثبت من وقوع الاختلاف بينهم.
ولا نقبل استدلالك بقوله تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ... } (سورة الفتح: آية/ 29)، فإنها لا
ونحن ندري أن مشكلتكم ليست الأدلة والبراهين الواضحة في وجوب إتباع أهل البيت(عليهم السلام)، وإنكم لم تكونوا سلفيين بمحض إرادتكم، وإنما هذا ما ورثتموه من التاريخ الجائر للحكمين الأموي والعباسي، الذي عمل جهده حتى يورث الأمة تياراً يواجه أهل البيت(عليهم السلام)، وإلاّ ما كررت أنت نفس ما لاكه علماؤك الأقدمين، الذين صنعتهم السلطات الجائرة، ليشوهوا صورة التشيع، بالله عليك هل هناك عاقل له قليل إطلاع بالمذهب الشيعي يكون صادقاً مع نفسه إذا نسبه إلى عبدالله بن سبأ؟ نعم قد يكون الجاهل معذوراً، ولكن ما عذر من يكرر الجهل ويتبناه من غير دراية وتحقيق، ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين فكيف تتحدثون عن الشيعة، وكأنهم مخلوق غريب لا ارتباط لهم بالإنسانية، ويعيشون في كوكب غير كوكبنا، عزيزي إن الوسائل قد تغيرت فاتركوا ما ورثتموه عن سلفكم
وكان بإمكاني أن لا أرد على ما ذكرت، لأنه لا يرقى إلى مستوى الفكر والنقاش، ولكن تنازلاً أعقب على ما ذكرته في حديثـك.
أولاً: إن نسبة الشيعة إلى عبدالله بن سبأ، يرجع إلى ما رواه الطبري، وهو أول راوي لذلك، أما بقية المؤرخين فإنهم أخذوا منه، وروى الطبري ذلك عن سيف بن عمر، وسيف معروف قدره عند علماء الجرح والتعديل(1)، فأنه رجل كاذب ومدلس ولا يؤخذ
____________
1- قال يحيي بن معين - ت 233 هـ-: ضعيف الحديث فلسٌ خير منه. وقال أبو داو ود -ت 275 هـ- ليس بشيء كذاب. وقال النسائي صاحب الصحيح -ت303 هـ-ضعيف ومتروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون. وقال بن =حاتم -ت327 هـ-: متروك الحديث. وقال أبن عدي -ت365 هـ-يروي الموضوعات عن الأثبات، أُتهم بالزندقة، وقال: قالوا كان يضع الحديث. وقال الحاكم -ت405 هـ-: متروك، وقد أُتهم
=>
ثانياً: حتى لو سلمنا بهذه الروايات فإنها لا تقول بأن عبدالله بن سبأ هو مؤسس الشيعة، فكل ما فيها أن هذا الرجل أدعى أن لكل نبي وصي، وان وصي محمد هو علي(عليه السلام)، وهذا ليس من مبتكرات عبدالله بن سبأ، وإنما صرَّح به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل، فإذا كان قول الشيعة مطابق لقول أبن سبأ، فما هو وجه الملازمة بين هذا وبين أن يكون هو مؤسس الشيعة؟ فما هو وجه الشبه حتى تربط بين الأمرين ولعمري إنها لسخافة في الرأي.
أما تأليه علي(عليه السلام) وأن علياً(عليه السلام) أحرق أتباعه بالنار، فإن الشيعة لا تؤمن بذلك، وإنما نعتقد أن علياً (عليه السلام) عبدٌ صالح من عباد الله الصادقين،
____________
<=
بالزندقة. وهّاهُ الخطيب البغدادي، ونقل بن عبد البر عن بن حيان أنه قال فيه: سيف متروك، وإنما ذكرنا حديثه للمعرفة، ولم يعقب بن عبد البر عليه، وقال الفيروز آبادي، صاحب توالف، وذكره مع غيره وقال عنهم: ضعفاء. وقال بن حجر بعد إيراد حديث ورد في سنده اسمه: فيه ضعفاء أشدهم سيف. وقال صفي الدين ضعفوه، وروى له الترمذي فرد حديث.
ثالثاً: ما كانت هذه الفرية إلا حلقة من مسلسل الوضع على الشيعة، كما قال طه حسين (أبن سبأ شخص أدخره خصوم الشيعة للشيعة ولا وجود له في الخارج). وتستهدف هذه المحاولة تشويه عقائد الشيعة التي تنبع من القرآن والسنة، مثل الوصية والعصمة، فلم يجد أعداؤُهم طريقاً إلا ربط هذه العقائد بجذر يهودي، يكون بطلها شخصاً خيالياً أسمه عبد الله بن سبأ فيلقى اللوم بذلك عليه وعلى الذين أخذوا منه، وهذا بالإضافة إلى تعديل صورة الصحابة وتنزيههم عن اللوم والعتاب، بما جرى بينهم من فرقة واختلاف انتهت بقتل عثمان، وحرب الجمل التي تعتبر أكبر فاجعة بعد حادثة السقيفة، حيث راح ضحيتها آلاف من الصحابة، وما هذه القصة المفتعلة عن بن سبأ إلا تغطية على تلك الفترة الزمنية الحرجة، فألقوا مسؤولية ما حدث على هذه الشخصية الوهمية وأسدلوا الستار، ومن غير ذلك يكون الصحابة أنفسهم مسؤولين عما حدث، من انشقاق الأمة وتفرقهم إلى
وعندما كنت أتحدث كان بعض الوهابية يصيحون الزمن الزمن. ولكن المحاضر صامتاً وكأن على رأسه الطير ولم يتفوه بكلمة واحدة، وشعرت بأنه يطلب المزيد ولذلك ما إن وضعت لاقطة الصوت وقلت لنا عودة.
قال: أسألك سؤالاً، هل عندك دليل صريح على ولاية علي بن أبي طالب وخلافته.
قلت: من القرآن، والسنة، والعقل، والتاريخ، فأيهما تحب؟ قال: من القرآن:
فحمدت الله في سري على هذه الفرصة الجديدة، وقلت: إن الآيات كثيرة في ذلك وسوف أذكر لك بعضها مع التوضيح:
أولاً: قوله تعالى:
هذه الآية تطرح نفس ما قلناه وتؤكد أولاً: ضرورة الولاية في الدين.
وثانياً: استمرارية ولاية الله، وهي السلطة والحاكمية للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم من بعده الذين آمنوا الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون.
أما ولاية الله فهي ثابتة بالذات، وأما ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والذين أمنوا فهي بالتبع، فولاية الله في الأرض وحكومته لا تتم إلا باصطفاء بشر أعطاهم الله القدرة التي تؤهلهم على أن يكونوا امتدادا لحكومة الله في الأرض، فلا يحق للإنسان، مطلق الإنسان، أن يتصرف في إدارة البلاد والعباد من غير إذن من الله، لأن الله هو الحاكم "إن الحكم إلا لله" ولا تتم حكومته في الأرض إلا إذا اصطفى الله حاكماً من عباده، ولذلك جاءت هذه الآية القرآنية صريحة في هذا المجال فأثبتت أولاً: ولاية الله ثم
____________
1- سورة المائدة: آية /55.
فدلالة هذه الآية على ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) تكون واضحة إذا أتتضح أن المراد من قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.
هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) والحمد لله إن هذا المعنى ثابت لما تواتر من الأخبار في نزول هذه الآية بخصوص علي بن أبي طالب(1)، وأذكر لكم هنا ما جاء
____________
1- وقد روى هذا الخبر جمع من الصحابة منهم:
(1) أبو ذر الغفاري: وقد رواه عنه مجموعة من الحفاظ مثل:
آ- أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي في التفسير (الكشف والبيان عن تفسير القرآن).
ب- الحافظ الكبير الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج1 ص177 ط ـ بيروت.
ج- سبط بن الجوزي في التذكرة ص18.
د- الحافظ أبن حجر العسقلاني في (الكاف الشاف) ص65... وغيرهم من المحدثين والحفاظ.
(2) المقداد بن الأسود: وأخرجه عنه الحافظ الحسكاني في (شواهد التنزيل) ج1 ص171 ط. بيروت تحقيق المحمودي.
(3) أبو رافع القبطي مولى رسول الله: أخرجها عنه مجموعة من الأعلام مثل
=>