(نحن حزب اللّه الغالبون، وعتره رسولاللّه(ص)، الاقربون، واهل بيته الطيبون، واحد الثقلين الذين جعلنا رسول اللّه ثانى كتاب اللّه تبارك وتعالى الذى فيه تفصيل كل شىء لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعول علينا فى تفسيره، ولا يبطانا تاويله بل نتبع حقائقه، فاطيعونا ان طاعتنا مفروضه اذا كانت بطاعه اللّه ورسوله مقرونه، قال اللّه عز وجل: (ياايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولى الامر منكم فان تنازعتم فى شىء فردوه الى اللّه والرسول)«النساء/59»، وقال: (ولو ردوه الى الرسول والى اولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا)«النساء/83»، واحذركم الاصغاء الى هتوف الشيطانبكم، فانه لكم عدو مبين، فتكونوا كاوليائه الذين قال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال انى برىء منكم فتلقون للسيوف ضربا وللرماح وردا وللعمد حطما وللسهام غرضا ثم لا يقبل من نفس ايمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت فى ايمانها خيرا) (59).
ثم هلك معاويه، وكشرت الافعى الامويه عن انيابها، فارسل يزيد رساله الى عامله على المدينه الوليد بن عتبه بن ابى سفيان، وجاء فى صحيفه ملحقه بها (كانها اذن فاره): (اما بعد، فخذ حسينا وعبداللّه بن عمرو وعبداللّه بن الزبير بالبيعه اخذا شديدا، ليس فيه رخصه حتى يبايعوا،والسلام) (60).
فلما وصلت الرساله، استشار الوليد مروان بن الحكم (وقال: كيف ترى ان نصنع؟، قال: فانى ارى ان تبعث الساعه الى هولاء النفر فتدعوهم الى البيعه والدخول فى الطاعه، فان فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم، وان ابوا قدمتهم فضربت اعناقهم، قبل ان يعلموا بموت معاويه، فان علموا بموته وثب كل امرىء منهم فى جانب، واظهر الخلاف والمنابذه.
فارسل الوليد الى الحسين، (ع)، والى ابن الزبير يدعوهما فقالا له: انصرف، الان ناتيه.
ثم اقبل احدهما على الاخر، فقال عبداللّه بن الزبير للحسين: ما تراه بعث الينا فى هذه الساعه التى لم يكن يجلس فيها؟، فقال حسين: قد ظننت ارى طاغيتهم قد هلك، فبعث الينا لياخذنا بالبيعه قبل ان يفشو فى الناس الخبر.
فقال: وانا ما اظن غيره.
قال: فما تريد ان تصنع؟، قال: اجمع فتيانى الساعه ثم امشى اليه، فاذا بلغت الباب احتبستهم عليه ثم دخلت عليه، وانا على الامتناع قادر.
فذهب الحسين بن على الى دار الوليد فجلس فاقراهالوليد الكتاب، ونعى له معاويه ودعاه الى البيعه، فقال حسين: انا للّه وانا اليه راجعون، ورحم اللّه معاويه وعظم لك الاجر، اما ما سالتنى من البيعه فان مثلى لا يعطى بيعته سرا ولا اراك تجتزىء لها منى سرا ودون ان نظهرها على رووس الناس علانيه.
قال: اجل.
قال: فاذا خرجت الى الناس فدعوتهم الى البيعه دعوتنا مع الناس فكان امرا واحدا.
فقال له الوليد: فانصرف على اسم اللّه حتى تاتينا مع جماعه الناس.
فقال له مروان: واللّه لئن فارقك الساعه ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها ابدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع او تضرب عنقه.
فوثب عند ذلك الحسين فقال: يا ابن الزرقاء، انت تقتلنى ام هو كذبت واللّه واثمت.
ثم خرج فمر باصحابه فخرجوا معه حتى اتى منزله.
فقال مروان للوليد: عصيتنى؟ لا واللّه لا يمكنك من مثلها من نفسهابدا.
فقال الوليد: وبخ غيرك يا مروان، انك اخترت لى التى فيها هلاك دينى، واللّه ما احب ان لى ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وانى قتلت سينا، سبحان اللّه اقتل حسينا ان قال لا ابايع، واللّه انى لا اظن امرا يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند اللّه يوم القيامه.
فقال له مروان: فاذا كان هذا رايك فقد اصبت فيماصنعت) (61).
خرج حسين من ليلته، وسبقه ابن الزبير، متوجهين الى مكه.
ويبدو ان هذه الاونه القصيره فى هذا اليوم، كانت حافله بالمشاورات بين ابى عبداللّه الحسين وبين المحيطين به سواء ممن يحبه ويشفق عليه ويتمنى له النصر ام من اولئك الذين قدموا النصيحه لمجرد اداء الواجب.
وهذه المشاورات على قصر مدتها تعكس حاله التصميم والتخطيط الواعى من قبل الامام الحسين الذى كان يحمل على كاهله ما لو حملته الجبال لتدكدكت، وآخر هذه الاعباء سلامه ذلك الجسد الطاهر الذى هو قطعه من نور الرسول الاكرم طالما حملها المصطفى، صلى اللّه عليه وسلم، على عاتقه.
ولكن الاولويه كانت حينئذ لحفظ الدين لا لحفظ الارواح.
ها هو ابو عبداللّه يستشير اخاه محمد بن الحنفيه فيقول له اخوه: (يا اخى، انت احب الناس الى واعزهم على، ولست ادخر النصيحه لاحد من الخلق احق بها منك، تنح بتبعتك عن يزيد بن معاويه وعن الامصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك الى الناس فادعهم الى نفسك، فان بايعوا لك حمدت اللّه على ذلك، وان اجمع الناس على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك.
انى اخاف ان تدخل مصرا من هذه الامصار، وتاتى جماعه من الناس فيختلفون بينهم فمنهم طائفه معك واخرى عليك فيقتتلون فتكون لاول الاسنه، فاذا خير هذه الامه كلها نفسا وابا واما اضيعها دما واذلها اهلا.
قال له الحسين: فانى ذاهب يا اخى.
قال: فانزل مكه فان اطمانت بك الدار فسبيل ذلك، وان نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد الى بلد حتى تنظر الى ما يصير امر الناس وتعرف عند ذلك الراى فانك اصوب ما تكون رايا واحزمه عملا حين تستقبل الامور استقبالا ولا تكون الامور عليك ابدا اشكل منها حين تستدبرها استدبارا.
قال: يا اخى قد نصحت فاشفقت فارجو ان يكون رايك سديداموفقا) (62).
وفى روايه اخرى انه اشار عليه بالتوجه الى اليمن فكان جواب ابى عبداللّه الحسين: (يا اخى، لو لم يكن فى الدنيا ملجا ولا ماوى لما بايعت يزيد بن معاويه.
فقطع محمد بن الحنفيه الكلام وبكى فبكى الحسين ساعه ثم قال: يا اخى جزاك اللّه خيرا، لقد نصحت واشرت بالصواب، وانا عازم على الخروج الى مكه، وقد تهيات لذلك انا واخوتى وبنو اخى وشيعتى وامرهم امرى ورايهم رايى، واما انت يا اخى فلا عليك ان تقيم بالمدينه فتكون لى عينا عليهم لا تخفى عنى شيئا من امورهم، ثم دعا بكتاب وكتب وصيه).
(هذا ما اوصى به الحسين بن على بن ابى طالب الى اخيه محمد المعروف بابن الحنفيه: ان الحسين يشهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وان الجنه والنار حق، وان الساعه آتيه لا ريب فيها، وان اللّه يبعث من فى القبور.
وانى لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح فى امه جدى وشيعه ابى على بن ابى طالب، فمن قبلنى بقبول الحق فاللّه اولى بالحق، ومن رد على هذا اصبر حتى يقضى اللّه بينى وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتى لك يا اخى وما توفيقى الا باللّه عليه توكلت واليه انيب).
كما روى عنه، (ع)، انه كتب كتابا الى اخيه ابن الحنفيه والى بنى هاشم:
(بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن على الى محمد بن على ومن قبله من بنى هاشم، اما بعد، ان الدنيا لم تكن وان الاخره لم تزل، والسلام).
كما روى الطبرى، فى تاريخه، عن ابى سعد المقبرى قال:
(نظرت الى الحسين داخلا مسجد المدينه وانه ليمشى وهو معتمد على رجلين، وهو يتمثل بقول ابن مفرغ:
قال: فقلت فى نفسى واللّه ما تمثل بهذين البيتين الا لشىء يريد.
قال: فما مكث الا يومين حتى بلغنى انه سار الى مكه.....، فلما سار نحو مكه قال: (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنىمن القوم الظالمين)«القص /21» (63)، فلما دخل مكه قال: (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى ان يهدينى سواء السبيل)«القصص/22» (64).
4-ضرورات المرحله ونماذج رجالاتها
هكذا بدات مسيره ابى عبداللّه الحسين (ع) متجها الى مكه، ثم الى ارض الطف حيث المقر والمقام.
كان الحسين، (ع)، قبل خروجه، يتمثل بقول الشاعر فى اباء
الذل والضيم حتى وان كان ثمن ذلك التضحيه بالنفس:
وهو على ما قاله الامام على، ذات يوم، مستحثا اصحابه على الجهاد من اجل الحق: (الموت فى حياتكم مقهورين والحياه فى موتكم قاهرين).
انها المعادله التى لو وعاها المسلمون من قديم لما صاروا الى هذه الهوه السحيقه التى هم فيها الان، اباء الضيم وعدم الخضوع للظلم والظالمين مهما كان الثمن.
ا- النموذج الاول: التعلق بالاوهام
كانت الامه المسلمه، آنئذ، فى امس الحاجه الى هذا الموقف الحسينى حيث تداخلت الاهواء والمواقف ما بين عبداللّه بن عمر صاحب المواقف التائهه بدءا من خلع بيعه امام الحق على بن ابى طالب وجلوسه فى بيته يخزل الحق، باعتبار ان هذه الاحداث كانت فتنه وانه وحده هو والقله الذين جلس كل منهم فى بيته كانوا على الحق، ثم ها هو يكرر الماساه نفسها، ويحاول ان يسبغ هاله من القداسه الموهومه على ما اسماه (جماعه المسلمين)، يعنى الدوله اليزيديه الامويه، فينصح للحسين وابن الزبير قائلا: (اتقيا اللّه، ولا تفرقا جماعه المسلمين)، هذه الجماعه او الامه التى صارت خولا وعبيدا لبنى اميه يقتلون ابناءهم ويستحيون نساءهم ويذبحون خيارهم وصلحاءهم ويدنون فساقهم ومنافقيهم ويستاثرون باموال المسسلمين يجعلونها دوله بينهم، انها المفاهيم المعكوسه التى سادت الامه المسلمه المنكوبه بعد ذلك، ولذا نرى الامام الحسين يجبهه بالحق حين التقاه فى مكه قائلا له: (اتق اللّه، يا ابا عبد الرحمن، ولا تدع نصرتى).
انه من الضرورى ان نفرق بين الاسلام كما جاء به محمد بن عبداللّه(ص)، والجماعه المسلمه التى عاشت فى كنف القياده الرساليه للنبى الاكرم محمد(ص)، وذلك الكيان المسخ الذى آلت اليه الامه فى ظل قياده بنى اميه، شتان بين الحالين، فجماعه الحق تعرف بامام الحق ولا يمكن ان يكون العكس صحيحا فيصبح من اغتصب اراده جماعه الحق هو امام الحق، وهذا ما عجز ابن عمر عن رويته عمدا او عجزا عن الادراك، فخذل الامام على، وهو اوضح نموذج لالتقاء جماعه الحق مع امام الحق، ويسعى لتخذيل الامام الحسين وابقائه مع القاعدين، وينهى حياته اى ابن عمر نهايه تتلاءم مع مجموع مواقفه، فبينما يخرج الصحابه والتابعون على يزيد فى واقعه الحره تراه يصفهم بالبغى والعدوان، ثم يذهب مبادرا ليبايع الحجاج بن يوسف الثقفى بعدما قتل ابن الزبير وهدم الكعبه، انها مواقف التيه.
ولذا كان الامام الحسين، (ع)، واضحا فى مخاطبته قاطعا عليه طريق الالتفاف قائلا له: (يا ابا عبد الرحمن، اما علمت ان من هوان الدنيا على اللّه ان راس يحيى بن زكريا اهدى الى بغى من بغايا بنى اسرائيل، اما تعلم ان بنى اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون فى اسواقهم يبيعون ويشترون كان لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل اللّه عليهم بل امهلهم واخذهم بعد ذلك اخذ عزيز ذى انتقام، اتق اللّه يا ابا عبد الرحمن ولا تدعنصرتى) (65).
كان ابو عبداللّه عارفا بالرجل وبتوجهاته النفسيه التى حاول دائما ان يعطيها ثوب القداسه، وكان بنو اميه لا يقلون معرفه بالرجلوكانوا لا يخشونه، فقد بعث اليه الوليد قائلا: (بايع ليزيد.
فقال: اذا بايع الناس بايعت.
فقال رجل: ما يمنعك ان تبايع؟ انما تريد ان يختلف الناس فيقتتلوا ويتفانوا فاذا جهدهم ذلك، قالوا: عليكم بعبداللّه بن عمر لم يبق غيره بايعوه.
قال عبداللّه: ما احب ان يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا، ولكن اذا بايع الناس ولم يبق غيرى بايعت.
قال: فتركوه وكانوا لايتخوفونه) (66).
لماذا كان بنو اميه لا يتخوفونه؟ ولماذا لم يبايع منذ اللحظه الاولى؟، كانوا لا يتخوفونه لان الرجل كان وارثا لاسم ولم يكن وارثالفاعليه، كانوا لا يتخوفونه لانه كان كما وصفوه يريد ان يقتتل الناس ويتفانوا، فاذا جهدهم ذلك: قالوا عليكم بعبداللّه بن عمر، تماما كما حدث يوم شورى ابن العاص حيث كان بعض الناس يريد ان يدفع به الى سده الخلافه، وكان الرجل لا يزال ذاكرا لهذا اليوم ويحلم بتكراره، وهذا هو الوهم الاول الذى بدا للرجل المنتظر ان ياتى الناس اليه ويبايعوه.
الوهم الثانى الذى عاشه ابن عمر يتمثل فى انه كان يعتقد ويظن انه وارث لنهج فى الدين والسياسه ليس بنهج آل بيت محمد ولا هو بالنهج الاموى.
والحقيقه انه كان وارثا لمرحله طويت فانطوت، مرحله تخيل بعض الناس انها دائمه، ولكن كبار المخططين الذين حكى عنهم ربنا عز وجل بقوله: (ام ابرموا امرا فانا مبرمون)«الزخرف / 79» وصنعوها مرحله انتقاليه.
فليس من المعقول ان يموت رسول اللّه اليوم، فيقفز بنو اميه على سده الخلافه صبيحه اليوم التالى، لا بد من انتقال وتمهيد سواء على مستوى الامكان والتنفيذ ام على مستوى القبول النفسى لافراد هذه الامه، كان لا بد من ثلاثين عاما من التمهيد لم يعكر صفوها الى صعود الامام على بن ابى طالب سده الخلافه.
اذا لم يكن مسموحا لابن عمر، ولا لاى ابن غيره ان يعيد استعراض نهج آبائه على المسلمين، فهذه مرحله قد طويت ويكفيكم ما نلتموه من شرف لم يكن يخطر لكم على بال، وعلى كل حال شرف مدفوع الثمن فى الدنيا.
ب- النموذج الثانى: طلب الدنيا بعمل الاخره، اختلاط الدين بالاهواء
واذا كنا قد اتينا على ذكر ابن عمر وما قدمه من نموذج فى فهم الاسلام، فان النموذج الاخر الذى عاصر ثوره الامام الحسين(ع): هو نموذج عبداللّه بن الزبير، ذاك الذى قال عنه امير المومنين على(ع) (ما زال الزبير رجلا منا اهل البيت حتى نشا ابنه المشووم عبداللّه) (67) فهو صاحب مواقف قد تركت بصماتها فى التاريخ، اذ لعب دورا رئيسيا فى تاجيج نار الفتنه فى واقعه الجمل فيذكر اصحاب التاريخ ان عائشه دعت ابن عمر يوما وقالت له: (يا ابا عبد الرحمن، ما منعك ان تنهانى عن مسيرى؟ قال: رايت رجلا قد غلب عليك ورايتك لا تخالفينه يعنى عبداللّه بن الزبير فقالت: اما انك لو نهيتنى ما خرجت) (68).
وها هو يرى فى هلاك معاويه واستخلاف يزيد فرصه كبرى لا بد من انتهازها ليبلغ ما يتمناه من الملك والخلافه، كما روى عنه الشعبى: (رايت عبداللّه بن الزبير قام فى الحرم فالتزم الركن وقال: اللهم انك عظيم ترجى لكل عظيم، اسالك بحرمه وجهك وحرمه عرشك وحرمه بيتك الا تخرجنى من هذه الدنيا حتى الى الحجاز ويسلم علىبالخلافه) (69).
وشتان بين الحالين، حال الامام الحسين الذى يضحى بنفسه شهيدا فى ارض كربلاء وبين هذا الرجل الذى يختار الحرم المكى موقفا ملائما لبدء تاسيس دولته بغض النظر عن النتائج الوخيمه التى تحل ببيت اللّه الحرام، وهو عين ما حذر منه الامام الحسين (ع) قائلا: (لئن اقتل خارج مكه بشبر احب الى من ان اقتل داخلها بشبر، وان اقتل خارجها بشبرين احب الى من ان اقتل خارجها بشبر)، ولكنه لم يتورع عن تعريض الكعبه للدمار وجعلها مسرحا لسفك الدماء وصولا الى ما اراد من هدف وهو السلطه، ولما تحقق له بعض ما اراد، فعل الاعاجيب، فهم يحكون عنه صلاه وصياما وقياما ويحكون عنه ايضا انه قطع ذكر رسول اللّه فى خطبه الجمعه اسابيع كثيره، فاستعظم الناس ذلك فقال: (انى لا ارغب عن ذكره، ولكن له اهيل سوء اذا ذكرته اقلعوا اعناقهم فانا احب اناكبتهم) (70).
فلما عاتبه بعض خاصته فى هذا قال: (واللّه ما تركت ذلك علانيه الا وانا اقوله سرا واكثر منه، لكنى رايت بنى هاشم اذا سمعوا ذكره اشرابوا واحمرت الوانهم وطالت رقابهم، واللّه ما كنت لاتى لهم سرورا وانا اقدر عليه، واللّه لقد هممت ان احظر لهم حظيره ثم اضرمها عليهم نارا فانى لا اقتل منهم الا آثما كفارا سحارا، واللّه لا انماهم اللّه ولا بارك عليهم بيت سوء لا اول لهم ولا آخر، واللّه ما ترك نبى اللّه فيهم خيرا، استفرغ نبى اللّه صدقهم فهم اكذبالناس) (71).
ولسنا هنا بصدد استقصاء سيره ابن الزبير ولا ردود ابن عباس عليه، فيكفيه انه نفى ابن عباس الى الطائف، فكان يجلس ليحدث اهل الطائف مترحما على السابقين، ويقول واصفا ابن الزبير: (ذهبوا فلم يدعوا امثالهم ولا اشباههم، ولا من يدانيهم.
ولكن بقى اقوام يطلبون الدنيا بعمل الاخره، يلبسون جلد الضان تحتها قلوب الذئاب والنمور، ليظن الناس انهم من الزاهدين فى الدنيا يراوون الناس باعمالهم ويسخطون اللّه بسرائرهم، فادعوا اللّه ان يقضى لهذه الامه بالخير والاحسان فيولى امرها خيارها وابرارها ويهلك فجارها واشرارها، ارفعوا ايديكم الى ربكم وسلوه ذلك، فيفعلون).
ويكفيه انه جمع بنى هاشم جميعهم فى سجن عارم، واراد ان يحرقهم بالنار فجعل فى فم الشعب حطبا كثيرا، فارسل المختار ابا عبداللّه الجدلى فى اربعه آلاف فارس فما شعر بهم ابن الزبير الا والرايات تخفق بمكه فاخرج الهاشميين.
قال المسعودى: (وكان عروه بن الزبير من اعلام الرواه والمحدثين يعذر اخاه عبداللّه فى حصر بنى هاشم فى الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول: انما اراد بذلك ان لا تنتشر الكلمه ولا يختلف المسلمون وان يدخلوا فى الطاعه فتكون الكلمه واحده، كما فعل عمر بن الخطاب ببنى هاشم لما تاخروا عن بيعه ابى بكر فانه احضر الحطب ليحرق عليهمالدار) (72).
اننا امام واقع لا بد من ايراده، كما هو، بغض النظر عما لدينا من انطباع وتخيلات عن هذا الشخص او ذاك.
كان ابن الزبير يشكل نموذجا اختلط فيه الدين بالاهواء، نموذج يتكرر على مدى الازمنه وخاصه فى زماننا هذا، حيث يستفيد امثال هولاء (الذين طلبوا الدنيا بعمل الاخره) من حالات الخلخله التى تمر بها المجتمعات الاسلاميه نتيجه للصراعات السياسيه، فيحاولون الاستفاده من هذه الفرصه للاستيلاء على السلطه عشقهم الاول والاخير، وهم لا يرون اثقل على قلوبهم من حمله كلمه الحق مثل الحسين وابن عباس، ولو ظفروا بالسلطه لكان هولاء اول ضحاياهم، وهم فى محاولاتهم الحصول على مشتهاهم من السلطان والجاه يمكنهم الاطاحه بكثير من المقدسات مثل انتهاك حرمه بيت اللّه الحرام، ثم يموهون على العامه والبسطاء ببعض التوابل مثل الصلاه والصيام والقيام وطول الركوع والسجود، وتبقى القلوب قلوب الذئاب مهما ارتدت من جلود الضان، اذا كان الزبير طالبا للحق فلماذا حارب امير المومنين على؟، ولماذا خذل الحسين، (ع)؟، فلا عجب ان يهدى اليه ابن عباس هذه الكلمات، والحسين خارج من مكه:
ولا عجب ايضا ان ينذره الحسين بسوء فاله: (ان ابى حدثنى ان بها كبشا يستحل حرمتها، فما احب ان اكون ذلك الكبش) (73).
ج- النموذج الثالث: طلب الحق والشهاده فى سبيله
كان لا بد من المرور بذكر ابن الزبير لان ذكر النقائض يعين على كشف الحقائق، فلم يكن الحسين امام الحق، وارث النبى وعلى، على شاكله هولاء ممن يبحثون عن سلطان او جاه وانما كان هدفه انقاذ الدين واعلاء كلمه الحق.
لم تكن حقبه امامه الحسين، (ع)، فى مكه، فتره راكده.
ومن الواضح انها كانت حافله بالحوارات بين وجوه الامه الذين جمعهم موسم الحج ومحاوله اللحاق بابى عبداللّه الحسين (ع)، وثنيه عن مسيره المزمع الى العراق وان تناقضت الدوافع.
ومن ناحيه اخرى مثل خروج الحسين (ع) الى مكه واباءه البيعه بارقه امل لمن يرغبون فى التخلص من بنى اميه والسير خلف رايه اهل البيت عليهم السلام، فاجتمعوا فى الكوفه فى منزل سليمان بن صرد الخزاعى فذكروا هلاك معاويه فحمدوا اللّه واثنوا عليه، وقال سليمان بن صرد: ان معاويه قد هلك وان حسينا لم يبايع يزيد وقد خرج الى مكه وانتم شيعته وشيعه ابيه، فان كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدو عدوه ونقتل انفسنادونه فاكتبوا اليه واعلموه، وان خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل فى نفسه.
قالوا: لا بل نقاتل عدوه ونقتل انفسنا دونه.
قال: فاكتبوا اليه.
5-اكتمال عناصر التحرك
كتب اهل الكوفه الى الحسين (ع) يقولون: ليس علينا امام، فاقبل لعل اللّه ان يجمعنا بك على الحق.
وتوالت الكتب تحمل التوقيعات تدعوه الى المجىء لاستلام البيعه وقياده الامه فى حركتها فى مواجهه طواغيت بنى اميه، وهكذا اكتملت العناصر الاساسيه للحركه الحسينيه، وهى:
ا- وجود قياده شرعيه تمثل التصور الحقيقى للاسلام، وهى قياده ابى عبداللّه الحسين.
ب- وجود الظروف الداعيه الى حمل لواء التغيير، وتتمثل فى تمادى الفساد الاموى ورغبته فى مصادره اراده الامه مره واحده والى الابد فى شكل مبايعه يزيد (القرود).
ج- وجود اراده جماهيريه تطلب التغيير وتستحث الامام الحسين للمبادره الى قياده الحركه وكان موقع هذه الاراده فى الكوفه، تمثلت فى رسائل البيعه القادمه من اهلها.
وهكذا لم يكن بوسع ابى عبداللّه الحسين ان يقف من هذه الامور كلها موقف المتفرج الهارب بنفسه من ساحه الوغى او (الفار بدينه) الى ساحات الاعتزال والانعزال، وهى جميعها اشكال مختلفه من الهروب والتهرب من تحمل المسووليه، وهو مسلك فضلا عن ضرره البليغ على الواقع الراهن فى تلك اللحظه يعطى المبرر لكل من تعرض لهذه الظروف او ما شابهها ان يهرب بنفسه وينجو بشحمه ولحمه حتى يستوفى الاجل المحتوم، ويبقى فى وجدان الامه رمزا من رموز الكهنوت الهارب من مواجهه الشيطان فى ارض الواقع واللائذ بالنصوص والتبريرات.
كان بوسع الحسين، (ع)، ان يفعل مثلما فعل ابن عمر فيبايع بيعه المضطر ليزيد، ونضيف الى لائحه الروايات التبريريه التى رواها الرجل على لسانه او على لسان النبى الاكرم عده نصوص اخرى ربما كانت تحتل مكانا ابرز من نصوص ابن عمرو كان البخارى ومسلم سيحتفلان بها، فها هو ابن الرسول وعلى وفاطمه يوجب السمع والطاعه ليزيد القرود ويدعو الى توحيد الجماعه صفا واحدا خلف حفيد آكله الاكباد وحفيد ابى سفيان عدو اللّه ورسوله حتى آخر نفس.
ولو كان فعل هذا وحاشاه لاستشهد به الافاقون والمنافقون والمخادعون فى كل موقف يرون فيه ضروره اسناد حزب الشيطان ومنعه من الانهيار، ولما قال احد: ثار الحسين رافضا الظلم واستشهد فى سبيل اللّه، ولماتت هذه الامه الى نهايه الدهر.
6-الهجره الثانيه: من مكه الى الكوفه
جاءت الرسل الى ابى عبداللّه تدعوه الى المجىء، واجاب الامام بارسال مسلم بن عقيل بن ابى طالب، وكان من امره رضوان اللّه عليه ما كان، حيث استشهد حميدا سعيدا وارسل الامام الرسل الى اهل البصره والكوفه يدعوهم الى الاجتماع معه والى تاييده، ثم خرج (ع) من مكه باتجاه العراق.
وحاولت السلطه الامويه الغاصبه منعه وابقاءه فى مكه، فامتنع الحسين وصحبه ومضى على وجهه ونادوه يا حسين الا تتقى اللّه؟ تخرج من الجماعه وتفرق بين هذه الامه؟، فتلا (ع) قوله تعالى: (وان كذبوك فقل لى عملى ولكم عملكم انتم بريئون مما اعمل وانا برىء مما تعملون)«يونس/41» (74).
ثم خطب خطبه بليغه تبين انه، (ع)، كان متيقنا من قدره، راغبا فيه وهو الشهاده فقال: (الحمد للّه وما شاء اللّه، ولا قوه الا باللّه، وصلى اللّه على رسوله، فخط الموت على ولد آدم فخط القلاده على جيد الفتاه، وما اولهنى الى اسلافى اشتياق يعقوب الى يوسف، وخير لى مصرع انا لاقيه كانى باوصالى تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملان منى اكراشا جوفا واجربه سغبا.
لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى اللّه رضانا اهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا اجر الصابرين، لن تشد عن رسول اللّه لحمته وهى مجموعه له فى حظيره القدس تقر بهم عينه وينجز لهم وعده، ومن كان باذلا فينا مهجته وموطنا على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا فاننى راحل مصبحا ان شاء اللّه تعالى) (75).
جاء الناصحون، من كل اتجاه، يقدمون للامام ما يرون انه الرويه الصائبه، منهم من ينصح له بعدم الخروج، ومنهم من ينصحه بالامتناع بالحرم المكى، مثل محمد بن الحنفيه، فاجابه الحسين (ع): (يا اخى، اخشى ان يقاتلنى اجناد بنى اميه فى حرم مكه، فاكون كالذى يستباح حرمه فى حرم اللّه.
فقال محمد: يا اخى فسر الى اليمن او الى بعض النواحى فانك امنع الناس.
فقال الحسين (ع): يا اخى لو كنت فى حجر هامه من هوام الارض لاستخرجونى منه حتى يقتلونى.
ثم قال له: يا اخى سانظر فى ما قلت.
فلما كان وقت السحر عزم الحسين على الرحيل الى العراق، فجاءه اخوه محمد واخذ بزمام ناقته التى هو راكبها وقال: يا اخى الم تعدنى النظر فى ما اشرت به عليك؟.
قال: بلى.
قال: فما حداك على الخروج عاجلا؟.
فقال (ع): يا اخى ان جدى رسول اللّه اتانى بعدما فارقتك وانا نائم فضمنى الى صدره وقبل ما بين عينى وقال لى: يا حسين يا قره عينى، اخرج الى العراق، فان اللّه قد شاء ان يراك قتيلا مخضبا بدمائك.
فبكى محمد بن الحنفيه بكاء شديدا، وقال له: يا اخى، اذا كان الحال كذا فما معنى حملك هولاء النسوان، وانت ماض الى القتل.
فقال (ع): يا اخى قد قال جدى ايضا: ان اللّه قد شاء ان يرى نسوتك سبايا مهتكات يسقن فى اسر الذل، وهن ايضا لا يفارقننى ما دمت حيا.
فلما اصر محمد على المنع والانصراف عن الخروج قال الامام (ع):
ويروى:
ويروى:
فان عشت لم اذمم وان مت لم الم * كفى بك ذلا ان تعيش وتندما
ثم تلا (وكان امر اللّه قدرا مقدورا)«الاحزاب/38».
لقد كان الحسين، (ع)، طالب حق وشهاده لا طالب اماره كما عنون ابن كثير فى تاريخه قائلا: (خروج الحسين طالبا للاماره).
والحق اعلى واجل من الامره وان كل ما رويناه يخبرنا ان خروج الحسين لم يكن متوقفا على اراده الجماهير ومطالبتها له، بل كان ناشئا عن الامر الالهى، انه الامر نفسه الذى بعث بمقتضاه رسول اللّه للناس بشيرا ونذيرا، وبعهد من رسول اللّه كانت الوصيه والامامه فى آل بيت النبوه، وبعهد من اللّه ورسوله الى ائمه آل البيت سواء الذين تحركوا ام من لم يتحرك، كانت حركاتهم وسكناتهم، كان الحق غايتهم وكانت بلورته وتحديد معالمه هى مهمتهم سلام اللّه عليهم ولذا كانت الامه يومها والى يومنا هذا فى حاجه الى تلك الحركه الحسينيه ليهلك من هلك عن بينه ويحيا من حيا بقى عن بينه، ولم يكن الحسين (ع) بحاجه الى حركه الامه بل كانت الامه هى المحتاجه، ولذا حمل الحسين (ع) النساء والاطفال حتى تكون الجريمه الامويه كامله وحتى يحمل الراضون الوزر الكامل من يومها الى يومنا هذا (وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم وليسالن يوم القيامه عما كانوا يفترون)«العنكبوت/13».
وهكذا استكملت الحركه الحسينيه معالمها وبنو اميه يحاولون الحيلوله بين الحسين (ع) وبين اختياره لموقع المواجهه، فلما احس والى مكه ان الحسين قد خرج بعث اليه كتابا بالامان حمله عبداللّه بن جعفر ويحيى بن سعيد يمنيه بالامان والصله والبر وحسن الجوار ويعيذه من الشقاق والخلاف والهلاك، فرد (ع) بقوله: (اما بعد، فانه لم يشاقق اللّه ورسوله من دعا الى اللّه عز وجل وعمل صالحا وقال: اننى من المسلمين وقد دعوتنى الى الامان والبر والصله فخير الامان امان اللّه، ولن يومن اللّه، من لم يخف من الدنيا، فنسال اللّه مخافته فى الدنيا توجب لنا امانه يوم القيامه، فان كنت نويت بالكتاب صلتى وبرى فجزيت خيرا فى الدنيا والاخره والسلام).
عن اى امان يتحدث هولاء المخادعون المنافقون، الم يبعث يزيد القرود بالامس الى واليه على المدينه يخير الحسين بين البيعه والقتل، حتى اضطر (ع) الى الخروج ليلا وهو يقرا (فخرج منها خائفا يترقب)«القصص/21»، فاى امان هذا؟ اهو تاجيل لتنفيذ القرار حتى تاتى الفرصه المناسبه وتتم العمليه بهدوء وسلامه؟ اغتيالا او سما، كما اخبر به اخاه محمدا بن الحنفيه: (اخشى ان يقاتلنى اجناد بنى اميه فى حرم مكه، فاكون كالذى يستباح دمه فى حرم اللّه، يا اخى لو كنت فى حجر هامه من هوام الارض لاستخرجونى منه حتى يقتلونى).
لقد كان خروج الحسين (من مكه) قرارا مدروسا قائما على معلومات موثوقه وموكده عن النوايا الحقيقيه لبنى اميه ولسوابقهم التى لم تكن قد اضحت يومها تاريخيه فى قتل خصومهم اغتيالا بالسم او بغيره، ولذا كان قرار الخروج (من) مكه (الى) ارض كربلاء لا الى اى مكان آخر، لا الى اليمن ولا الى اى ارض اخرى.
ثم هو فى لقائه مع الفرزدق يوكد هذا المعنى.
ولا يسعنا الا تصديق ما جاء على لسان الحسين، فقد التقى الفرزدق الشاعر بقافله الحسين فسلم عليه وقال له:
(بابى انت وامى، يا ابن رسول اللّه، وما اعجلك عن الحج؟، فقال:
لو لم اعجل لاخذت).
وهذا كلام واضح لا لبس فيه ولا التواء.
ثم ساله ابو عبداللّه عن الناس فقال: (قلوبهم معك واسيافهم عليك والامر ينزل من السماء واللّه يفعل ما يشاء).
فقال (ع):
(صدقت، للّه الامر وكل يوم هو فى شان، فان نزل القضاء بما نحب ونرضى فنحمد اللّه على نعمائه وهو المستعان على اداء الشكر، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوىسريرته) (76).
ويبقى اخذ الحسين لنسائه وبنات النبوه والرساله موضعا للاستفهام والتساول الناشىء من قله فهمنا وادراكنا لوظيفه اهل البيت وطبيعه مهمتهم فى حفظ الرساله الاسلاميه، فها هو التاريخ يحكى لنا بعض نماذج الزهاده لاشخاص خالفوا نهج اهل البيت عليهم السلام بل وحاربوه، ويصعب علينا تحقيق كل هذه الروايات اثباتا او نفيا، ولكن التاريخ البشرى كله لم يحدثنا عن قائد يحمل امانه الحفاظ على منهج يحمل معه كل هذا الكم من القرابين من اهل بيته الطاهرين ومن فلذات كبده بل وحتى نساءه وحرماته.
التاريخ يحكى لنا آلاف النماذج عن قتلى وشهداء من اجل فكره او مذهب، لكن لم يحك لنا عن النموذج الحسينى لقافله تحمل حرمات رسول اللّه وبنات الرساله يودين واجبهن فى التضحيه والفداء.
بعض الباحثين يرد على انصار نهج آل البيت متسائلا: باى ميزه فضل هولاء؟ ويقول: انهم ليسوا افضل من غيرهم، ويقتطف عبارات ياخذها بعيدا عن سياقها مثل قوله: (يا فاطمه بنت محمد اعملى، لا اغنى عنك من اللّه شيئا.
ويرد انصار اهل البيت بما ورد من آيات واحاديث، ولكن فى ظنى ان اكبر رد على هولاء هو موقف آل بيت النبوه فى يوم عاشوراء، حيث ضرب الجميع اروع الامثال على ان فضل آل البيت على من عداهم كان فضل عمل لا شرف بلا عمل، ليس آل البيت فى حاجه الى اكاذيب تعلى شانهم بانهم اول من يعمل واول من يلبى واول من يستشهد، وواللّه لقد ذهب فضلهم ونورهم بكل من عداهم، وهكذا فان مقاله ابى عبداللّه حاكيا عن رسول اللّه:
(قد قال جدى رسول اللّه، ان اللّه قد شاء ان يرى نسوتك سبايا مهتكات يسقن فى اسر الذل).
7-فى الطريق الى كربلاء
ثم تحرك (ع)، فلقى رجلا فى الرهيمه يدعى ابا هرم فقال له:
(يا ابن النبى، ما الذى اخرجك من المدينه؟.
فقال له الحسين (ع): شتموا عرضى فصبرت، وطلبوا مالى فصبرت، وطلبوا دمى فهربت، وايم اللّه لتقتلنى الفئه الباغيه ثم ليلبسنهم اللّه ذلا شاملا وسيفا قاطعا وليسلطن اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا اذل من قوم سبا، اذ ملكتهم امراه فحكمت فى اموالهم ودمائهم) (77).
وفى الطريق الى العراق، جاءه نعى مسلم بن عقيل وهانى بن عروه فنظر الى بنى عقيل فقال: (ما ترون فقد قتل مسلم؟، فقالوا: واللّه ما نرجع حتى نصيب ثارنا او نذوق ما ذاق.
فاقبل عليهم الحسين (ع) فقال: لا خير فى العيش بعد هولاء.
ثم التقاه الحر بن يزيد الرياحى فخطب فيهم: ايها الناس، انى لم آتكم حتى اتتنى كتبكم وقدمت على رسلكم ان اقدم علينا فليس لنا امام لعل اللّه ان يجمعنا واياكم على الهدى والحق، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطونى ما اطمئن اليه من عهودكم ومواثيقكم، وان لم تفعلوا وكنتم لمقدمى كارهين انصرفت عنكم الى المكان الذى جئت منه اليكم.
فسكتوا عنه ولم يتكلم احد).
ثم خطب خطبه اخرى، بعد صلاه العصر، فحمد اللّه واثنى عليه وقال: (اما بعد، ايها الناس فانكم ان تتقوا اللّه وتعرفوا الحق لاهله يكن ارضى للّه عنكم، ونحن اهل بيت محمد اولى بولايه هذا الامر عليكم من هولاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فان ابيتم الا الكراهه لنا والجهل بحقنا وكان رايكم الان غير ما اتتنى به كتبكم وقدمت على به رسلكم انصرفت عنكم.
فاجابه الحر: انى واللّه ما ادرى ما هذه الكتب والرسل التى تذكر.
فقال (ع) لبعض اصحابه: يا عقبه بن سمعان اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم الى.
فاخرج خرجين مملوئين صحفا فنشرت بين يديه).
ثم مضى الحسين (ع) حتى انتهى الى قصر بنى مقاتل، فنزل فاذا هو بفسطاط مضروب فقال: (لمن هذا؟، فقيل: لعبيداللّه بن الحر الجعفى.
فدعاه الحسين الى الخروج معه فاستقاله عبيداللّه فقال له الحسين: فان لم تكن تنصرنا فاتق اللّه، لا تكن ممن يقاتلنا فواللّه لا يسمع داعيتنا احد ثم لا ينصرنا الا هلك.
فقال له: اما هذا فلا يكون ابدا ان شاء اللّه).
ثم سار (ع)، فخفق وهو على ظهر فرسه خفقه ثم انتبه وهو يقول: (انا للّه وانا اليه راجعون والحمد للّه رب العالمين.
ففعل ذلك مرتين او ثلاثا فاقبل اليه ابنه على بن الحسين فقال: مم حمدت اللّه واسترجعت؟، قال: يا بنى انى خفقت خفقه، فعن لى فارس على فرس وهو يقول: (القوم يسيرون والمنايا تسير اليهم) فعلمت انها انفسنا نعيت الينا.
فقال له: يا ابت لا اراك اللّه سوءا، السنا على الحق؟، قال: بلى واللّه الذى مرجع العباد اليه.
فقال: فاننا اذا ما نبالى ان نموت محقين.
فقال له الحسين (ع):
جزاك اللّه خير ما جزى ولدا عن والده).
تروى لنا كتب التاريخ خطبه اخرى للامام الحسين(ع): (ايها الناس، ان رسول اللّه قال: (من راى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه، ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، يعمل فى عباد اللّه بالاثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله) الا وان هولاء قد لزموا طاعه الشيطان وتركوا طاعه الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستاثروا بالفىء، واحلوا حرام اللّه وحرموا حلاله، وانا احق من غير، وقد اتتنى كتبكم وقدمت على رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلمونى ولا تخذلونى، فان تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فانا الحسين بن على وابن فاطمه بنت رسول اللّه نفسى مع انفسكم واهلى مع اهليكم فلكم فى اسوه، وان لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم من اعناقكم بيعتى فلعمرى ما هى لكم بنكر، لقد فعلتموها بابى واخى وابن عمى مسلم بن عقيل، والمغرور من اغتر بكم فحظكم اخطاتم ونصيبكم ضيعتم، (فمن نكث فانما ينكث على نفسه)«الفتح/ 10» وسيغنى اللّه عنكم،والسلام) (78).
ثم خطب خطبه اخرى فقال: (انه قد نزل من الامر ما قد ترون، وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وادبر معروفها واستمرت جدا فلم يبق منها الا صبابه كصبابه الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، الا ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المومن فى لقاء اللّه محقا، فانى لا ارى الموت الا سعاده ولا الحياه مع الظالمين الابرما) (79).
8-محاولات اخفاء الحقيقه ابن كثير يناقض نفسه
كلمات واضحه يفهمها من يقراها، تستعصى على التزوير، لكن يد الغش والخيانه اخفت كل شىء وزورت كل شىء، ونشات اجيال واجيال لا تعرف من ذكرى الحسين الا انه ابن بنت رسول اللّه(ص)، وانه خرج يطلب الملك والاماره فخذله المسلمون الشيعه، وقتله بنو اميه وهم اصحاب الدوله الشرعيه، واما الشيعه فهم يضربون انفسهم ويسيلون دماءهم لانهم قتلوه، قليل اولئك الذين يعرفون الحقيقه بتفصيلاتها حتى ابن كثير يكتب فصلا، فى البدايه والنهايه، بعنوان (صفه مقتل الحسين بن على رضى اللّه عنه ماخوذه من كلام ائمه هذا الشان لا كما يزعمه اهل التشيع من الكذب الصريح والبهتان).
ولا يلام ابن كثير الدمشقى على حب قومه من بنى اميه، ولا على سبابه للمسلمين الشيعه واتهامه لهم بالكذب الصريح والبهتان.
ولكن العجب كل العجب انه لم يخالف حرفا واحدا مما رواه ائمه التشيع فى كتبهم عن مقتل الحسين (ع)، ويكذب عده روايات وردت فى هذا الشان ليست محوريه ولا اساسيه فى القضيه وهو يتناقض مع نفسه فيقول: (ولقد بالغ الشيعه فى يوم عاشوراء فوضعوا احاديث كثيره كذبا وفحشا من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدتالنجوم..) (80).
ثم يقول ناقضا ما ذهب اليه: (واما ما روى من الاحاديث والفتن التى اصابت من قتله فاكثرها صحيح!!! فانه قل من نجا من اولئك الذين قتلوه من آفه او عاهه فى الدنيا فلم يخرج منها حتى اصيب بمرض واكثرهم اصابهمالجنون) (81).
ثم يناقض نفسه، ويتخبط ويواصل الشتم والسب، ويقول: (للشيعه والروافض فى صفه مصرع الحسين كذب كثير واخبار باطله وفى ما ذكرناه كفايه، وفى بعض ما اوردناه نظر، ولولا ان ابن جرير وغيره من الحفاظ ذكرو ما سقته واكثره من روايه ابى مخنف لوط بن يحيى، وقد كان مسلما شيعيا وهو ضعيف الحديث عند الائمه، ولكنه اخبارى حافظ عنده من هذه الاشياء ما ليس عند غيره.
ثم يقول: (وقد اسرف الرافضه فى دوله بنى بويه فكانت الدبادب تضرب بغداد ونحوها من البلاد فى يوم عاشوراء) الخ.
(وقد عاكس الرافضه والشيعه يوم عاشوراء النواصب من اهل الشام فكانوا يوم عاشوراء يطبخون ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون افخر ثيابهم، ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه انواع الاطعمه ويظهرون فيه السرور والفرح يريدون بذلك عناد الروافضومعاكستهم) (82).
اذا الشيخ ابن كثير يقر ويعترف ان اجهزه الدعايه الامويه قلبت الحقائق وحولت يوم الكارثه الى يوم عيد وسرور، وهو الذى ما زال متداولا الى يومنا هذا.
ويمضى الرجل يكشف على استحياء دخيله نفسه فيقول: (وقد تاول عليه من قتله انه جاء ليفرق كلمه المسلمين بعد اجتماعها وليخلع من بايعه من الناس واجتمعوا عليه فقد ورد فى صحيح مسلم الحديث بالزجر عن ذلك والتحذير منه والتوعد عليه).
عفوا، ايها الشيخ، يبدو ان (خطا) الامام الحسين (ع) انه ولد واستشهد قبل مجىء (مسلم) وكتابه، فلم يدر بالحديث المزعوم على رسول اللّه، ولم يعلم ان الامه بعد قرنين ستعرف (صحيح مسلم) وتجهل (صحيح الحسين).
عفوا، ايها الشيخ، فقد جهلت الامه (حديث الثقلين): (انى تارك فيكم ما ان تمسكتم به بعدى لن تضلوا ابدا كتاب اللّه وعترتى اهل بيتى وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض)، وهو حديث رواه (مسلم) فى صحيحه بعد الحسين بقرنين، لقد جهلت الامه هذا الحديث يوم كان عليها ان تذكره ثم روته بعد ذلك ولم تفهمه هذه الامه التى نسيت وتناست ما صح نصا وما جسده الامام الحسين، مارست الدين على الطريقه الامويه ومن حاول المقاومه كان مصيره القتل كما اسلفنا من قبل.
ثم يمضى الشيخ فى منطقه ويقول بعدما عدد القتلى ممن عدهم افضل من الحسين وابيه: (ولم يتخذ احد يوم موتهم ماتمايفعلون فيه ما يفعله هولاء الجهله من الرافضه يوم مصرع الحسين) (83).
ثم يناقض نفسه كعادته: (واحسن ما يقال، عند ذكر هذه المصائب وامثالها، ما رواه على بن الحسين، عن جده رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم انه قال: ما من مسلم يصاب بمصيبه فيتذكرها وان تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعا الا اعطاه اللّه من الاجر مثل يوم اصيب فيها).
اننا نستعرض كلمات ابن كثير لانها نموذج لحاله التناقض والارتباك التى وقع فيها الكثيرون ممن اذهلهم الحدث وعجزوا عن متابعته وقول كلمه الحق فيه، ومن اولئك الذين ارادوا استتباب الامر لبنى اميه وظنوا ان قضيه آل البيت قد طويت وانتهت فلما اعلن الحسين ثورته وخط كلمه الحق بدمائه على الارض، وفى السماء بل وفى الكون كله، لجاوا مره اخرى الى الكتمان والتزييف لعل الناس ينسون، ولكن هيهات هيهات.
هكذا وصل الركب الى محط رحاله الاخير.. الى كربلاء، حيث اذن اللّه ان يستقر الجسد الطاهر لابى عبداللّه الحسين ويبقى شاهدا لكل القيم التى جاء بها محمد بن عبداللّه واورثها المصطفين من عباد اللّه من آل محمد اماما وراء امام، دينا قيما مله ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين.
ويبقى ايضا هذا الجسد الطاهر شاهدا على الذين (نقضوا غزلهم من بعد) قوه امكاثا واتبعوا سنن من قبلهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، اراد اللّه ان يستقر الجسد الطاهر لابى عبداللّه الحسين(ع) فى هذا المكان شاهدا على فضيحه بنى اميه ومن مهدوا لهم ومن ساروا على دربهم من المزورين ومن الاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياه الدنيا، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ومكروا مكرا ومكر اللّه بهم مكرا وهم لا يشعرون، هم قد خططوا لقتل ابى عبداللّه الحسين فى صمت كما قتل الحسن سلام اللّه عليه من دون ان يعرف التاريخ قاتله، وهذا ما اكد عليه ابو عبداللّه فى حواراته المختلفه.
وكان الحسين يعلم ان الاجل لا مفر منه، ولذا كان يتمثل بابيات الشاعر:
لقد كان خروج الحسين(ع)، رفضا للاغتيال خلسه وصمتا، وسعيا الى القتل شاهدا شهيدا فى واقعه لا بد من تسجيلها فى القلوب.. حتى القلوب الميته تعجز عن مداراتها، ذلك الاموى البغيض الذى روى كل تفاصيل الواقعه كارها كان شاهدا رغم انفه، وحاول ان يتنصل وحاول ان يتمسح بتكذيب بعض تفاصيل لن تغير شيئا.
كان الجميع شاهدا على عظمه ابى عبداللّه الحسين وعلى عظمه اهل البيت سواء المحبون ام الكارهون، وهكذا تحقق للحسين(ع) ما اراد وخسر بنو اميه ومن مهدوا لهم ومن ساروا على دربهم.. خسروا معركه الشرعيه بشكل نهائى، تلك الغلاله الرقيقه من التمسح بالدين زورا وبهتانا سقطت وتمزقت، كان معاويه يرفع شعار الثار للخليفه المظلوم وقد موه بذلك على البسطاء، اما الان فان النظام الاموى اسفر عن وجهه الكئيب، وها هو يزيدهم يعريهم وينادى ائمه الكفر من آبائه (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رووسهم الحميم)«الحج/19» عتبه بن ربيعه وشيبه بن ربيعه والوليد بن عتبه الذين ارسلوا الى النار بسيف الامام على(ع) ليشهدوا ويقول:
وها هى واقعه رواها كل اصحاب التواريخ بلا استثناء حتى ابن كثير الاموى، لقد علم الحسين (ع) كل البشر درسا فى الادراك الواعى للهدف والسعى الى تحقيقه مهما كانت التضحيات.
وهكذا سقطت مره واحده والى الابد كل اقنعه الاسلام الكهنوتى، وتبلور الصراع بين الحق والباطل ليصبح بين الحسين ويزيد.
اما اصحاب انصاف المواقف اشباه الرجال فقد سقطوا وادرك الجميع انهم فى صف الاسلام الاموى، وهكذا يمتد الصراع حتى آخر الزمان ليصبح بين المهدى وارث اهل البيت والسفيانى وارث النهج الاموى.
الفصل الرابع
كربلاء: النهوض بالامه المنكوبه
1- الموقف الحسينى معيار وقدوه
فى ليله الشهاده، وفى يومها، واصل الحسين الشرح والبيان، جمع اصحابه واهل بيته وخطب فيهم: (اما بعد، فانى لا اعلم اصحابا اولى ولا خيرا من اصحابى، ولا اهل بيت ابر ولا اوصل من اهل بيتى، فجزاكم اللّه عنى جميعا خيرا.
الا وانى اظن يومنا من هولاء الاعداء غدا الا وانى قد رايت لكم فانطلقوا جميعا فى حل ليس عليكم منى ذمام، هذا ليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.... ثم لياخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتى، ثم تفرقوا فى سوادكم ومدائنكم حتى يفرج اللّه، فان القوم انما يطلبونى ولو قد اصابونى لهوا عن طلب غيرى.
فقال له اخوته وابناوه وبنو اخيه وابناء عبداللّه بن جعفر: لم نفعل؟ لنبقى بعدك!؟ لا ارانا اللّه ذلك ابدا.
بداهم بهذا القول العباس بن على،
ثم انهم تكلموا بهذا ونحوه فقال الحسين(ع): يا بنى عقيل
حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد اذنت لكم، قالوا: فما يقول
الناس، يقولون: انا تركنا شيخنا وسيدنا وبنى عمومتنا خير
الاعمام ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معه برمح، ولم نضرب
معهم بسيف، ولا ندرى ما صنعوا، لا واللّه لا نفعل، ولكن تفديك
انفسنا واموالنا واهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح اللّه
العيش بعدك)
(84).