الصفحة 313
تلك حقيقة مطلقة!! وقد لقيت فاطمة عمر فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا! قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة!!

راجع الرياض النضرة مجلد 1 صفحة 197، وأبو بكر الجوهري في سقيفته برواية ابن أبي الحديد مجلد 1 صفحة 133 ومجلد 6 صفحة 293، وتاريخ الخميس مجلد 1 صفحة 188 وجاء في أنساب الأشراف مجلد 1 صفحة 586، وكنز العمال مجلد 3 صفحة 140، والرياض النضرة مجلد 1 صفحة 167، وأبو بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد مجلد 1 صفحة 132 ومجلد 6 صفحة 2، والخميس مجلد 1 صفحة 178، وأبو بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد مجلد 1 صفحة 134

وفي أنساب الأشراف للبلاذري فتحلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة: يا بن الخطاب أتراك محرقا علي بابي! قال: نعم!

وإلى هذا أشار عروة بن الزبير حين كان يعتذر عن أخيه عبد الله بن الزبير في ما جرى له مع بني هاشم وحصره إياهم في الشعب وجمعه الحطب لإحراقهم ليدخلوا في طاعته، كما أرهب بني هاشم وجمع لهم الحطب لتحريقهم إذا هم أبوا البيعة في ما سلف.

راجع مروج الذهب مجلد 2 صفحة 100، وأورده ابن أبي الحديد في مجلد 2 صفحة 481، واليعقوبي في تاريخه مجلد 2 صفحة 105، وراجع معالم المدرسين صفحة 127، وقال اليعقوبي في مجلد 2 صفحة 105 فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار، وكسروا سيف علي ودخلوا الدار.

7 - هذه البطولة في الشعر الحديث

يقول حافظ إبراهيم شاعر النيل في هذه الحادثة:

وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها

الصفحة 314
وفي رواية أبي بكر الجوهري في السقيفة برواية ابن أبي الحديد مجلد 1 صفحة 134 ومجلد 6 صفحة 286. (وخرجت فاطمة تبكي وتصيح، فنهنهت من الناس) وقال اليعقوبي: فخرجت فاطمة فقالت: والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله، فخرجوا وخرج من كان في الدار. راجع مجلد 2 صفحة 105 من تاريخ اليعقوبي!

ومن الروايات المتواترة عن أهل البيت الكرام، أن فاطمة كانت حاملا، وأنها قد ضربت بالسوط أثناء اقتحام البيت، وأنها سقطت فأسقطت ابنها محسنا!!

8 - عادة قروية

عندما يموت الميت يفتح أهله بيت عزاء، وفي اليوم الثاني للوفاة يتوافد أبناء القرية جميعا المحب والمبغض، ويقدمون التعازي لذوي الميت، ويدعون آل الميت بالتناوب لتناول وجبات الطعام، تعبيرا عن مشاركتهم لأهل الميت بالمصاب، وخلال فترة أربعين يوما يتجنب أهل القرية كلما يثير غضب أهل الميت أو يكسر خواطرهم أو يصدمها، ويقينا أن هذه العادة تسربت إلينا من التقاليد الجاهلية، وليس من المستبعد أن الإسلام قد أقرها، باعتبارها من الأعراف الحميدة المتلائمة مع الطبيعة الإنسانية والفطرة البشرية.

ألم يكن بالإمكان إمهال الآل الكرام ثلاثة أيام فقط، حتى تمر أيام العزاء بوفاة فقيدهم!

هذا على اعتبار أن الفقيد شخص عادي وليس نبيا، وعلى فرض أن الآل الكرام سوقة ومن عامة الناس، وليسوا طبقة متميزة لا تجوز الصلاة المفروضة على العباد بغير الصلاة عليهم!!!

ولكن الملك عقيم والسلطة الغالبة هي السلطة.

صحيح أنهم فجعوا أهل البيت الكرام، وروعوهم في بيتهم، وبكى علي والحسن والحسين وفاطمة من قلة الناصر، ونادى علي على رسول الله: يا بن أم إن القوم

الصفحة 315
استضعفوني وكادوا يقتلونني، ونادت فاطمة: يا أبتي يا رسول الله ماذا لقينا من ابن الخطاب وابن أبي قحافة. راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة صفحة 13، ولكن السلطة استفادت إذ خرج كل الزوار وبايعوا فكسبت السلطة خضوعهم، وضمتهم إلى قطيع السرب، وإلى جموع الطائعين!!

هذا هو مقياس الربح والخسارة، ولله عاقبة الأمور، والله إن النفس قد ضاقت بما لا يقال.

9 - فشل المحاولات السابقة لتركيع أهل البيت

فشلت محاولات السلطة لتركيع أهل البيت الكرام عن طريق التهديد بالقتل (راجع الإمامة والسياسة صفحة 13 على سبيل المثال) مثلما فشلت محاولاتها للإيقاع بين أهل البيت وآل البيت، راجع الإمامة والسياسة صفحة 15 على سبيل المثال، ثم فشلت محاولاتها لتركيع أهل البيت عندما جمع أعوانها الحطب وهموا بحرق البيت على من فيه، وفيه فاطمة وعلي والحسن والحسين، واكتشفت السلطة أنها بأعمالها هذه تشحذ تعاطف الناس مع أهل البيت الكرام، وتعطي أهل البيت أكبر من حجمهم الفعلي على الخريطة السياسية.

وبالتالي فقد قررت السلطة اتباع أساليب جديدة أكثر فاعلية وأقل حرجا لها فلجأت إلى الحرب الاقتصادية.

10 - قرارات اقتصادية لتركيع أهل البيت نهائيا

عرفنا أن بطون قريش حاصرت بني هاشم ثلاث سنين في شعب أبي طالب وقاطعتهم، فلم تبعهم ولم تشتر منهم وعزلتهم عزلا كاملا، ولكن في عهد الشرك لم تصادر حقوق بني هاشم الاقتصادية، ولم تؤخذ أموالهم.

وأمام إصرار عميد أهل البيت والسيدة الزهراء وبني هاشم على تحدي السلطة بعدم مبايعتهم لها، وحرصا من السلطة على تقليم أظافر أهل البيت وإجبارهم على

الصفحة 316
الركوع والاستسلام، اتخذت السلطة مجموعة من القرارات الاقتصادية الهامة، لكي تجبر أهل البيت على التفاوض مع السلطة والاحتكام إليها، طمعا بتخليص ما أمكن استخلاصه من حقوق أهل البيت الكرام.

11 - القرار الأول حرمان أهل البيت من إرث النبي

بعد تهديد الإمام علي بالقتل، ومحاولة حرق بيته على من فيه، تبلغت فاطمة أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قررا حرمان أهل البيت من إرث النبي حرمانا كاملا.

12 - الغطاء الشرعي لقرار حرمان أهل البيت من إرث النبي

جاء في سنن الترمذي مجلد 7 صفحة 111 باب ما جاء في تركة الرسول أن فاطمة بنت محمد جاءت إلى أبي بكر وعمر تسألهما ميراثها من رسول الله، فقالا سمعنا رسول الله يقول (إني لا أورث). وجاء في مسند أحمد مجلد 1 صفحة 10 الحديث رقم 60، وفي سنن الترمذي مجلد 7 صفحة 109، وطبقات ابن سعد مجلد 5 صفحة 77، وابن كثير مجلد 5 صفحة 286 أن فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟ فقال: ولدي وأهلي.

فقالت: فما لنا لا نرث النبي؟ قال أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: إن النبي لا يورث!

وجاء في طبقات ابن سعد مجلد 2 صفحة 316: أن أبا بكر قال لفاطمة: أبوك والله خير مني وأنت والله خير من بناتي، وقد قال رسول الله: لا نورث، ما تركناه صدقة. وهذا الحديث برواية عمر. وبالنتيجة فإن أبا بكر منع أهل البيت إرث الرسول استنادا إلى حديث (ما تركناه صدقة).

13 - قصة حديث ما تركناه صدقة

جاء في كنز العمال مجلد 14 صفحة 130 فضل الصديق، برواية عائشة أم المؤمنين حيث قالت: واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما، فقال أبو بكر سمعت رسول الله يقول (إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة).


الصفحة 317
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج مجلد 4 صفحة 82 المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده، وفي صفحة 85 مجلد 4 قال: إن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده، وذكر ذلك أعظم المحدثين حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجاتهم في الخبر برواية الصحابي الواحد، وقال شيخنا أبو علي: لا يقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم واحتجوا بقبول الصحابة برواية أبي بكر وحده (نحن معاشر الأنبياء لا نورث).

ومع هذا وضعوا أحاديث أسندوا فيها إلى غير أبي بكر أنه روى ذلك عن الرسول!

جاء في كنز العمال مجلد 5 صفحة 365، وطبقات ابن سعد مجلد 2 صفحة 315 أن عليا قال لأبي بكر عندما ذكر أبو بكر حديث انتفاء إرث النبي (وورث سليمان داود) وقال (يرثني ويرث من آل يعقوب) فقال أبو بكر: هو هكذا، وأنت والله تعلم ما أعلم، فقال علي: هذا كتاب الله ينطق، فسكتوا وانصرفوا!

14 - بسط الخصومة علنيا

في سقيفة أبي بكر الجوهري، وفي بلاغات النساء لأحمد بن أبي الطاهر البغدادي، برواية ابن أبي الحديد مجلد 4 صفحة 87 - 89 وصفحة 92، وبلاغات النساء صفحة 12 - 15 أن فاطمة بنت محمد دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار... ثم قالت: أنا فاطمة بنت محمد أقول عودا على بدء: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم، وأخ ابن عمي دون رجالكم.... ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ يا بن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي؟!! لقد جئت شيئا فريا، فدونكها مخطومة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون...


الصفحة 318
وفي رواية بلاغات النساء صفحة 16 - 17 أن فاطمة قالت: أفعلى عمد تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول الله تبارك وتعالى (وورث سليمان داود) وقال الله عز وجل في ما قص من خبر يحيى بن زكريا (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) وقال عز وجل (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقال (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وقال (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) وزعمتم أن لا حظوة ولا إرث لي من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج منها نبيه، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون، أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة، أم لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي (صلى الله عليه وسلم)، أفحكم الجاهلية تبغون....

15 - إذا كان أهل البيت وأولاد النبي لا يرثونه فمن يرثه بحق السماء؟

جاء في مسند أحمد مجلد 1 صفحة 4 الحديث 14، وسنن أبي داود مجلد 3 صفحة 50، وتاريخ ابن كثير مجلد 5 صفحة 289، وشرح النهج مجلد 4 صفحة 81 نقلا عن السقيفة لأبي بكر الجوهري، وتاريخ الذهبي مجلد 1 صفحة 346 أن أبا بكر قال سمعت رسول الله يقول (إن الله عز وجل إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده، فرأيت أن إرثه على المسلمين) وما الذي يمنع من ذلك أليس هو صاحبه في الغار وأخوه في الدين، وخليفته الفعلي على المسلمين!!!!

16 - استثناء من نفي إرث النبي وتوريثه

تحقيقا للعدالة ورحمة بأهل البيت الكرام، فقد تفضل أبو بكر (رضي الله عنه) فقال (لقد دفعت آلة رسول الله ودابته وحذاءه إلى علي) وما سوى ذلك... ينطبق عليه الحديث. راجع شرح النهج مجلد 4 صفحة 87 - 89، وبلاغات النساء صفحة 12 - 15، راجع الرواية عند ابن أبي الحديد.


الصفحة 319
قال الكميت بن زيد الأسدي الطائي من شعراء القرن الأول، يصف هذا المنطق:

يقولون لم يورث ولو لا تراثه * لقد شركت فيه بكيل وأرحب
وعك ولخم والسكون وحمير * وكندة والحيان بكر وتغلب

17 - قرار حرمان أهل البيت من ميراث النبي قطعي

يبدو أن قرار السلطة بحرمان أهل البيت الكرام قطعي لا يجوز استئنافه، ولا يجوز الرجوع عنه مهما تعدد المحامون، ومهما كثرت المرافعات، ومهما تواترت النصوص، فالقرار قد صدر لينفذ، وقد نفذ بالفعل، واستثناء تلطفت السلطة فأعطت عليا دابة الرسول وآلته وحذاءه! وهكذا حسمت نهائيا قضية إرث النبي، ولا مجال للمراجعة بخصوصها، فالسلطة وجدت لتطاع، ولا يمكن للرعية أن تعدل قرارات السلطة!!

18 - قرار حرمان أهل البيت من منح الرسول ومصادرة هذه المنح

أثناء حياة الرسول الكريم منح منحا كثيرة للناس، ومنح أهل البيت منحا كغيرهم من الناس، فترك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ما منحه الرسول للناس ولم يتعرضا لهم، احتراما لمشيئة رسول الله، وتقديرا للناس الذين دخلوا بالطاعة والتزموا الجماعة.

أما المنح التي منحها رسول الله لأي فرد من أهل البيت، فقد قررا مصادرتهما وحرمان أهل البيت منها، حرصا على مصلحة المسلمين، وكانت فاطمة بنت محمد هي أول من حرمت من منحتها، وصودرت منها هذه المنحة!!!

19 - منحة فدك

الثابت عن طريق أهل البيت الكرام، أنه بعد نزول آية (وآت ذا القربى حقه) منح الرسول ابنته فاطمة فدكا، جاء في فتوح البلدان مجلد 2 صفحة 34 - 35 أن فاطمة قالت لأبي بكر: أعطني فدكا فقد جعلها رسول الله لي، فسألها البينة، فجاءت بأم أيمن ورباح مولى رسول الله، فشهدا لها بذلك. فقال لها أبو بكر: إن هذا الأمر لا تجوز فيه

الصفحة 320
إلا شهادة رجل وامرأتين، وفي رواية أخرى، شهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهدا آخر لها!!

وفي لفظ ابن أبي الحديد وتاريخ الذهبي (أن فاطمة قالت لأبي بكر: إنك عمدت إلى فدك فأخذتها، وعمدت إلى ما أنزله الله من السماء فرفعته عنا!

ولأن الصديقة لم تأت إلا بعلي بن أبي طالب ولي الله، وأم أيمن، ولأن أبا بكر ملتزم بالشرعية، وبضرورة تقديم شاهدين لإثبات المنحة، ولأن وضع اليد وحده لا يكفي في مثل هذه الأمور، فقد أغلقت الخصومة رسميا، وتم تنفيذ قرار السلطة بمصادرة منح الرسول لأهل بيته وحرمانهم من هذه المنح!!

وتنفيذا لرغبة رسول الله تركت كل المنح التي منحها الرسول للمسلمين بأيديهم، ولم يطلب منهم لا شاهدا ولا شاهدين، لأن وضع اليد على المنحة يكفي!! ولله عاقبة الأمور.

20 - قرار حرمان أهل البيت من الخمس الوارد في القرآن الكريم

جاء في شرح النهج مجلد 4 صفحة 81 نقلا عن الجوهري، وفي تاريخ الإسلام للذهبي مجلد 1 صفحة 347، وفي كنز العمال مجلد 5 من صفحة 367 ثلاث روايات. (لما منعوا ابنة الرسول من إرث أبيها، طالبتهم بسهم ذوي القربى فقالت: لقد ظلمتنا أهل البيت من الصدقات، وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى، ثم قرأت عليه قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ولذي القربى...).

وعن عروة قال: أرادت فاطمة أبا بكر على فدك وسهم ذوي القربى فأبى عليها، وجعلها في مال الله تعالى!

وفي كنز العمال عن أم هاني أنها قالت: إن فاطمة أتت أبا بكر تسأله سهم ذوي القربى. فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: سهم ذوي القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد موتي. راجع كنز العمال مجلد 5 صفحة 367، كتاب الخلافة 416.


الصفحة 321

21 - من أين يأكلون بحق السماء؟

مشكلة الآل الكرام الحقيقية أنه محظور عليهم أن يأخذوا الصدقة فهي محرمة عليهم، لذلك خصهم الله تعالى بسهم ذوي القربى لتغطية هذه الناحية.

هل يعيش الآل الكرام وأهل البيت عيش السوقة؟ هل يتسولون الناس، من أين يأكلون؟

عن أنس بن مالك أن أبا بكر قال لفاطمة عندما سألته عن سهم ذوي القربى:

أفلك هو ولأقربائك؟ قال: لا، أنفق عليكم منه... وقال مرة: السهم لكم في حال حياة النبي وبعد موته ليس لكم... وفي سنن الترمذي مجلد 7 صفحة 111 أن أبا بكر قال: إني أعول من كان يعول رسول الله، وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه.

فالدولة إذا هي تنفق على أهل بيت محمد، بدليل قول أبي بكر: إن رسول الله قال لا نورث ما تركناه فهو صدقة، إن يأكل آل محمد من هذا المال، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل.... راجع صحيح البخاري مجلد 2 صفحة 200 باب مناقب قرابة الرسول، وراجع سنن أبي داود مجلد 2 صفحة 49 كتاب الخراج، وسنن النسائي مجلد 2 صفحة 179 قسم الفئ، ومسند أحمد مجلد 1 صفحة 6 و 9. فالحاكم يقدم لهم المأكل ولا يزيدون على المأكل، فطوال التاريخ يجب على أهل البيت أن يرتبطوا بالحاكم الذي يقدم لهم المأكل، ومن الحشمة وحسن الخلق أن يطيع الإنسان من يطعمه.

22 - تركة رسول الله من الضياع

1 - ترك رسول الله الحوائط السبعة اللاتي وهبهن له مخيزيق.

2 - ما وهبه الأنصار إياه، وهو كل ما ارتفع من أراضيهم الزراعية.

3 - أراضي بني النضير الزراعية ونخيلها.

4 - 8 أسهم من مجموع 36 سهما من أراضي خيبر.

5 - أراضي وادي القرى الزراعية.


الصفحة 322
وبعد وفاة الرسول استولى عليها أبو بكر، وقد عالج العلامة السيد مرتضى العسكري كل بند من هذه البنود الخمسة في كتابه الرائع معالم المدرستين المجلد الثاني.

23 - حتى تحزوا رقابنا بالمناشير

جاء في مجمع الزوائد للهيثمي مجلد 9 صفحة 39 عن عمر، أنه لما قبض رسول الله جئت أنا وأبو بكر إلى علي فقلنا: ما تقول في ما ترك رسول الله؟ قال: نحن أحق الناس برسول الله! قال فقلت: والذي بخيبر؟ قال: والذي بخيبر. قلت: والذي بفدك قال: والذي بفدك! فقلت: أما والله حتى تحزوا رقابنا بالمناشير!!!

24 - قرارات اقتصادية لا بد منها

1 - لإجبار الآل الكرام على الاحتكام للسلطة، بغض النظر عن طبيعة القرارات التي ستصدر عنها.

2 - تجريد الآل الكرام من سلاح خطير وهو المال، فإذا استعمله الآل الكرام، فقد يؤلفون به قلوب المسلمين ويستميلونهم لصالح قضيتهم.

3 - ربط الآل الكرام بالسلطة الحاكمة، وجعل رغيفهم بيد هذه السلطة، لتضمن السيطرة الكاملة عليهم، وتحييدهم وإلغاء دورهم كقيادة سياسية شرعية.

4 - عزل الآل الكرام شعبيا، حتى تميل عنهم أعين الناس.

5 - الحيلولة العملية بين الآل الكرام والمطالبة بالجمع بين النبوة والخلافة.

25 - تحقق هذه الأهداف

فقد فاوض الآل الكرام واحتكموا إلى السلطة، فحكمت السلطة بتنفيذ قراراتها الاقتصادية وحرمانهم من التركة، ومن المنح، ومن سهم ذوي القربى! وبموت فاطمة انصرف الناس عن علي، فشق بنفسه طريق المصالحة، وبايع هو وبنو هاشم وسلموا بالأمر الواقع!! فعساه أن يتمكن يوما من إطلاع الأمة على الحقيقة المرة، وأن يبصر

الصفحة 323
الناس بالتقاطيع الأساسية للمنظومة السياسية الإلهية، فيقارنوا بينها وبين ما حدث في التاريخ!!

26 - احتجاج الزهراء على القرارات الاقتصادية والملجأ الجديد

لما قرر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حرمان أهل البيت الكرام من ميراث النبي ومصادرة المنح التي منحها لهم النبي حال حياته، وتجريد الآل الكرام من حقهم في كل ممتلكات النبي، وحرمانهم من حقهم في الخمس الوارد في آية محكمة (لاثت الزهراء خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، فنيطت دونها ملاءة فجلست، ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس، حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم قالت) كما أورده أبو بكر الجوهري في سقيفته، وأحمد بن أبي طاهر البغدادي في بلاغات النساء، راجع شرح النهج مجلد 4 صفحة 87، وبلاغات النساء صفحة 12 - 15، وكما أجمع على مضمون ذلك أئمة أهل البيت الكرام، وإن كانت نصوص احتجاجها وخطبتها متفاوتة على حسب ما حفظه الرواة، أو سمحت بوصوله إلينا قيود الحكومات.

27 - النص الحرفي للاحتجاج

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أمدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في الفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها

الصفحة 324
بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كونها بقدرته، وذرأها بمشيئته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، وتعبدا لبريته، وإعزازا لدعوته.

ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وجياشة منه إلى جنته.

وأشهد أن أبي محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، علما من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور.

ابتعثه تعالى إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) ظلمتها، وكشف عن القلوب بهمها، وخلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الصراط المستقيم.

ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد (صلى الله عليه وآله) من تعب عن هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه، وأمينه على الوحي وصفيه، وخيرته من الخلق ورضيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.

ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت:

أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم، وزعمتم حق لله فيكم، عهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، منكشفة سرائره، متجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائد إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاء أسماعه، به تنال حجج الله المنورة وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته

الصفحة 325
الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.

فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب. وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة، والجهاد عزا للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة إيجابا للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية. فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله في ما أمركم به، ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء.

ثم قالت:

أيها الناس! اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد (صلى الله عليه وآله) أقول عودا وبدءا، ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخ ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه (صلى الله عليه وآله)، فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا ثبجهم، آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، وينكت الهام، حتى انهزم الجمع، وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيق النفاق، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص، في نفر من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله

الصفحة 326
تبارك وتعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله) بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن للشيطان وفغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيد أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون عند القتال!!

فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه ظهرت فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلبات الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهد فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألقاكم تدعونه مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، وأحمأكم فألقاكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر ابتدارا زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين!

فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون، أم بغيره تحكمون، بئس للظالمين بدلا، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين!

ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نقرتها، ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإخماد سنن النبي الصفي، تسرون حسوا بارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء، ونصبر منكم على مثل حز المدى، ووخز السنان في الحشا، وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون!

أفلا تعلمون؟ بلى تجلى لكم كالشمس الضاحية، أني ابنته.


الصفحة 327
أيها المسلمون أأغلب على إرث أبي؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ (لقد جئت شيئا فريا) أفعلى عمد تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول (وورث سليمان داود) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا (عليهما السلام) إذ قال (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) وقال (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقال (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وقال (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) وزعمتم أن لا حظوة لي، ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا!! أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي!! أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان!! أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة!! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟

فدونكها مخطومة، مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تحيرون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون، من يأتيه عذاب يخزيه، ويحل عليه عذاب مقيم!

ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت:

يا معاشر الفتية، وأعضاء الملة، وأنصار الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي؟

والسنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي يقول (المرء يحفظ في ولده) سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا إهالة، ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول!

أتقولون مات محمد (صلى الله عليه وآله) فخطب جليل استوسع وهبه، واستشهر فتقه، وانفتق رتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، وكسفت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم، في ممساكم ومصبحكم، هتافا وصراخا وتلاوة وألحانا، ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله، حكم فصل، وقضاء حسم (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو

الصفحة 328
قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) إيها بني قيلة أأهضم تراث أبي، وأنتم بمرأى مني ومسمع ومبتدأ ومجمع، تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذووا العدد والعدة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجلبة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، وأنتم معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون نأمركم فتأتمرون، حتى دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام، وخصصت نصرة الشرك، وسكنت فوارة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين.

فأنى جسرتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم، وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة! أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم (فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد)!

ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثة الصدور، وتقدمة الحجة.

فدونكموها فاحتقبوها، دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله، وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة. فبعين الله ما تفعلون (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد (فاعملوا إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون!!!)

الصفحة 329

28 - جواب أبي بكر

يا ابنة رسول الله، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رؤوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا لبعلك دون الأخلاء، آثره على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبكم إلا كل سعيد، ولا يبغضكم إلا كل شقي، فأنتم عترة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الطيبين، والخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، والله ما عدوت رأي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا، وإنما نورث الكتاب والحكمة، والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر، بعدنا أن يحكم فيه بحكمه، وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح، يقاتل به المسلمون، ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة ثم الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي، ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك، لا نزوي عنك، ولا نذخر دونك، وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا يدفع ما لك من فضل، ولا يوضع من فرعك وأصلك، حكمك نافذ في ما ملكت يدي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك.

فقالت (عليها السلام): سبحان الله ما كان رسول الله عن كتاب صادفا، ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته، شبيه بما بقي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا يقول (يرثني ويرث من آل يعقوب)، (وورث سليمان داود) فبين عز وجل ما وزع عليه من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، ولا (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون).


الصفحة 330
فقال أبو بكر: صدق رسول الله وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبد، ولا مستأثر وهم بذلك شهود!

فالتفتت (عليها السلام) وقالت: معاشر الناس المسرعة إلى قبل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر، (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اعتضتم، لتجدن والله محمله ثقيلا، وغبه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراء الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تخشون، وخسر هنالك المبطلون.

ثم عطفت على قبر رسول الله وقالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم وقد نكبوا
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم * لما مضيت وحالت دونك الترب
تجهمتنا رجال واستخف بنا * لما فقدت وكل الأرض مغتصب
وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك تنزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات ينبئنا * فقد فقدت فكل الخير محتجب
إنا رزئنا بما لم يرز ذو شجن * من البرية لا عجم ولا عرب

29 - كلامها مع نساء المهاجرين والأنصار

زارتها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها: يا بنت رسول الله كيف أصبحت من علتك؟ فقالت (عليها السلام) أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم قبل أن عجمتهم، وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحا لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي،

الصفحة 331
بئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وسنت عليهم عارها، فجدعا وعقرا، وسحقا للقوم الظالمين. ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الوحي الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين. وما نقموا من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطئه، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله عز وجل.

والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاعتلفه، ولسار بهم سيرا سجحا، لا يكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا، تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطانا، قد تحير بهم الري، غير منحل منه بطائل إلا بغمر الماء، وردعة شررة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض. وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث، إلى أي سناد استندوا، وبأي عروة تمسكوا، استبدلوا الذنابا والله بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا! ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون! أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون!!

أما لعمر إلهك لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القصب دما عبيطا، وذعافا محقرا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما سن الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا، وطامنوا للفتنة جأشا وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيأكم زهيدا، وزرعكم حصيدا، فيا حسرتي لكم، وأنى بكم وقد عميت عليكم! أنلزمكموها وأنتم لها كارهون!!! راجع شرح النهج لابن أبي الحديد مجلد 16 صفحة 234، وبلاغات النساء صفحة 19، والإحتجاج للطبرسي مجلد 1 صفحة 147 - 149


الصفحة 332

30 - رأي آخر لفاطمة الزهراء

(أما والله لو تركوا الحق على أهله، واتبعوا عترة نبيه، ما اختلف في الله اثنان، وورثها سلف عن سلف، وخلف بعد خلف، حتى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين، ولكن قدموا من أخره الله، وأخروا من قدمه الله). راجع البحار مجلد 36 صفحة 352.

31 - أقيلوني بيعتي

مما لا شك فيه أن أبا بكر رقيق القلب، فقد تأثر بكلام الزهراء وخاف من قولها له (والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها). راجع الإمامة والسياسة صفحة 14

وهاله منظر الصديقة بعد محاولة عمر (رضي الله عنه) لإحراق بيتها، وقوة حجة الإمام، كل هذه الأمور تزاحمت في ذهنه فاجتمع إليه الناس بعد خروجه من بيت فاطمة فقال لهم يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته، مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي. راجع الإمامة والسياسة صفحة 14.

32 - لشيعة أبي بكر رأي آخر

حتى لو أراد أبو بكر أن يتنازل عن الخلافة لما استطاع إلى ذلك سبيلا، فلا يقبل عمر (رضي الله عنه) ذلك، ولا تقبل بطون قريش ذلك، ولا يقبل المؤملون في نظامه والمستفيدون منه، ولا يقبل الذين يكرهون آل محمد، فاتحد الجميع وقالوا يا خليفة رسول الله إن هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، إنه إن كان هذا لم يقم لله دين! فقال أبو بكر:

والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة، ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة، بعد ما سمعت ورأيت من فاطمة. راجع الإمامة والسياسة صفحة 14.

33 - احتجاجات الإمام علي (عليه السلام)

لقد احتج الإمام علي بكل أساليب الاحتجاج، فقد أخذت قريش الخلافة من الأنصار بحجة أن قريش عشيرة النبي، وأهله وأولياؤه، وأن العرب تأبى أن تولى

الصفحة 333
الخلافة إلا من كانت النبوة فيهم. راجع كلمة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، وكلمة عمر رضي الله عنهما، وكما أجمع على نقلهما بهذا الجوهر كافة المؤرخين. أنظر على سبيل المثال الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري.

وقد واجه الإمام القوم وقال لهم: لقد احتججتم على الأنصار بالقرابة من رسول الله، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيا وميتا.

وعندما انهارت وتداعت حجة القرابة كمسند للخلافة، احتجت بطون قريش بالشورى، فاحتج عليهم الإمام بقوله: فكيف بهذا والمشيرون غيب!! على حد تعبير الكميت بن زيد الأسدي الشاعر، إذ من الواضح أنه لم يستشر أحد من أهل البيت ولم يحضر هذه الشورى أي هاشمي، فما معنى الشورى التي لا يحضرها أعدال الكتاب، والمتفردون بمعرفة الصواب؟

وطوال حياة الإمام، وطوال حياة العترة الطاهرة، وهم يحتجون ويشكون، ويوضحون طبيعة الإمامة وأنها اختصاص من كل الوجوه، فليس بإمكان أي متغلب أن يكون إماما، فقد ركز الإمام على علم أهل البيت، والإعداد الإلهي لهم لقيادة الأمة، وعلى موقعهم في النظام السياسي الإسلامي، وأنهم حجر الأساس فيه، وركز على الظلم الذي لحق به وبأهل بيته وباتحاد على قريش على منازعته في حقه بالخلافة، وعلى الاستبداد على أهل البيت في هذا الأمر وهم (الأعلون نسبا، والأشدون برسول الله نوطا) حتى إذا آلت الخلافة إليه وبالطريقة التي سنتها أقطاب قريش، انتفضت عليه قريش، وأفسدت عليه أمره، وما زالت به حتى زعزعت أركان ملكه، وسلبته سلطان ابن أمه!

لذلك فإن شعور الإمام بالظلم كان فظيعا، واكتسبت شكواه صدى خاصا يقطع نياط القلوب! وقد سمع الإمام يوما صارخا ينادي أنا مظلوم فقال الإمام: هلم فلنصرخ معا، فإنني ما زلت مظلوما! مجلد 3 صفحة 351 من شرح النهج لابن أبي الحديد.

وكانت طبيعة احتجاجات الإمام سلمية، قائمة على الحجة الشرعية، ومنطق العقل.


الصفحة 334

34 - أسباب عدم استعمال الإمام للقوة

لقد استقام أمر الحكم، وبحث الناس عن مصالحهم بالمشاركة في النظام الجديد، فحاول الإمام أن يطلب النصرة هو وزوجته ووالده من كل بيت من بيوت الأنصار، ولكن الأنصار كانت قد انبهرت وبايعت وتعذر أن تجيبه لهذا السبب، مؤكدة أنه لو سبق أبا بكر إليهم ما عدلوا به، فكان يقول: أفكنت أدع رسول الله جنازة لم أجهزه، وأخرج لأنازع الناس أمره؟!!

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنه ليس معه من الناحية الفعلية إلا الهاشميون، وماذا يغني الهاشميون عنه أمام وحدة قريش ضده، وحياد الأنصار أو اتحادهم مع قريش!! فأي مواجهة بين الهاشميين وبين هذا التجمع الكبير هي من قبيل الانتحار ، وعبر الإمام عن هذه الحقيقة بقوله (وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء...). راجع مجلد 1 صفحة 134 من شرح النهج أو بقوله (فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا مساعد إلا أهل بيتي، فظننت بهم عن الغنية... مجلد 3 صفحة 639

وهنالك سبب آخر دفع الإمام للاحتجاج السلمي وعدم استعمال القوة وهو ما عبر عنه بقوله:

فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقل خلف... راجع المجلد الأول من شرح النهج صفحة 249. ولعل هذا أهم سبب من أسباب موادعة الإمام وجنوحه للاحتجاج الشرعي والعقلي بصورة سلمية.

وهنالك سبب آخر أنه لو تجاوز الإمام حدودا معينة بالاحتجاج فقد تقتله السلطة، لأنها لا تسمح لأحد من رعاياها أن يشكك بشرعية وجودها، والإمام لا يجزع من الموت بل يعشق الموت أكثر من عشق الرضيع لثدي أمه، لكن لو قتلته السلطة

الصفحة 335
ونتيجة الزخم الإعلامي وسيطرة السلطة على وسائل الإعلام، فقد يضيع الجانب الأهم في النظام السياسي الإسلامي ولا تعرفه الأمة، ووجود الإمام على قيد الحياة ضروري لإحاطة الأمة علما بالفرق بين ما وقع، وما كان لازما أن يقع حسب قواعد الشرع.

فمن خلال احتجاجاته السلمية، وفي ظروف غاية في الضنك والقسوة، بين الإمام النظام السياسي الإسلامي بخطوطه العريضة وتفاصيله، وترك للأمة أن تتأكد من صواب بيانه، وأن هذا البيان كان متعارضا تماما مع الواقع التاريخي.

35 - الإحتجاج بتميز أهل البيت الكرام

بنو هاشم عامة، وأهل البيت خاصة يشكلون فئة متميزة تماما عن غيرها من جماعات الأمة وفئاتها، ومن يسبر غور المنظومة الحقوقية الإلهية وتاريخ نشأة الإسلام، ويعرف طبيعة النظم السياسية في العالم، يدرك بأقل جهد بأن هذه الفئة خصصت شرعا لقيادة الأمة، ولمرجعيتها، وأهلت للقيادة والمرجعية معا، وتحملت من التبعات ما لم تتحمله أي فئة أخرى! وأن هذه الفئة قد أعدت لتكون نقطة استقطاب للأمة أيضا كلما انفرط عقدها، وتبعثر جمعها! وما يؤكد هذا التوجه ما بينه الرسول وأجمعت عليه الأمة بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خير الناس فرقة وقبيلة وبيتا ونسبا وحسبا، راجع صحيح الترمذي مجلد 2 صفحة 269، والمستدرك على الصحيحين مجلد 4 صفحة 73، وكنز العمال مجلد 6 صفحة 108، والدر المنثور في ذيل آية التطهير.

فضلا عن الآيات القرآنية النازلة بهم، كآية التطهير، راجع صحيح مسلم بشرح النووي مجلد 15 صفحة 194، وصحيح الترمذي مجلد 5 صفحة 30 حديث 3158، وأية المودة في القربى، راجع الصواعق المحرقة لابن حجر صفحة 101، والمستدرك للحاكم مجلد 3 صفحة 172 وكآية المباهلة، راجع صحيح مسلم مجلد 2 صفحة 360، وصحيح الترمذي مجلد 4 صفحة 293، وآية الإطعام، وآية الاعتصام، وآية

الصفحة 336
الصادقين، وآية أولي الأمر، وآية أهل الذكر، وآية المنازعة، وآية الإنذار والهداية، وآية الصراط المستقيم، وآية الولاية، وآية الغفران، وآية السلم، وآية التبليغ، وآية الإكمال.... إلخ.

وقد لخص النبي الكريم هذا التميز بحديث الثقلين الذي أجمعت الأمة على صحته، حيث بين أن الهدى لا يدرك إلا بالتمسك بالثقلين، وأن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بالثقلين معا، وهما كتاب الله، وعترة النبي أهل بيته. وهذا قمة التميز المبارك.

والإمام علي (عليه السلام) أشار إلى هذا التميز أكثر من مرة، كقوله: أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذبا وبغيا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى، مجلد 3 صفحة 187

أو كقوله: إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاية من غيرهم. مجلد 3 صفحة 187 مكتبة الحياة.

أو كقوله: إن الأئمة قوام الله على خلقه، وعرفاؤه على عباده، ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه... مجلد 3 صفحة 238

أو كقوله: نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، فمن أتى من غير أبوابها سمي سارقا. مجلد 3 صفحة 247

أو كقوله: منهم كرائم الإيمان، وهم كنوز الرحمن، إن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يسبقوا. مجلد 3 صفحة 256

أو كقوله: أسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر، أغصانها معتدلة، وثمارها متهدلة... مجلد 3 صفحة 300

أو كقوله: أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا والأشدون برسول الله (صلى الله عليه وآله) نوطا، فإنها كانت أثرة... مجلد 3 صفحة 303

أو كقوله: هم موضع سره، ولجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه. المجلد الأول صفحة 124