الصفحة 57
وفي راوية أخرى: " أن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش (2)..

وقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت (3).

وهناك عدة أحاديث وردت في لعن الحكم بن العاص وأولاده (4)..

وقال أبو هريرة: حفظت وعاءين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعاء بثثته ووعاء لو بثثته لقطع هذا البلعوم (5)..

وفي ترجمة الحكم بن العاص الأموي عم عثمان بن عفان يقول ابن حجر: نفاه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الطائف وأعاده عثمان إلى المدينة في خلافته. ونقل أن النبي دعا عليه ولم يثبت ذلك - كلام ابن حجر - وروي أن الصحابة دخلوا على الرسول وهو يلعن الحكم بن العاص. فقالوا يا رسول الله ما له: قال: دخل على شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهه. فقالوا أفلا نلعنه نحن؟ قال: لا، كأني أنظر إلى بنيه يصعدون منبري وينزلونه. قالوا يا رسول الله ألا نأخذهم. قال: لا ونفاه رسول الله (6)..

وروى الطبراني: كان الحكم يجلس عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا تكلم اختلج فبصر به النبي فقال: كن كذلك فما زال يختلج حتى مات قال ابن حجر في هذا الحديث: في إسناده نظر. وأخرجه البيهقي من هذا الوجه وفيه ضرار بن صرد وهو منسوب للرفض(7)..

وروى ابن حجر عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه: قال كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأى الحكم بن العاص. فقال النبي: ويل لأمتي مما في صلب هذا (8)..

وروي عن عائشة أنها قالت لمروان: أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن أباك وأنت في صلبه ()..

ويروي مسلم عن ابن عباس: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه (10)..

ويروي ابن حجر عن البغوي قال: كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال هذا كسرى العرب (11)..


الصفحة 58
ويروي عن ابن أبي الدنيا: قال عمر إياكم والفرقة بعدي فإن فعلتم فاعلموا أن معاوية بالشام فإذا أوكلتم إلى رأيكم عرف كيف يستبدها منكم (12)..

وكان أبو سفيان وولده معاوية يعاملان معاملة المؤلفة قلوبهم حتى عهد عمر الذي ألغى نصيب المؤلفة قلوبهم وولى معاوية على الشام (13)..

أما الأحاديث التي وردت في مدح بني أمية فعلى رأسها الأحاديث التي تمدح الشام وأهلها وهي مقر بني أمية ومركز حكمهم كما هو معروف (14)..

وروي عن عثمان أنه قال: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم (15)..

ويحاول كتاب السنن اختلاق الفضائل لمعاوية وأبيه ورفع مكانتهم وتنقية صورتهم على لسان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)..

يروي مسلم أن أبا سفيان قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا نبي الله ثلاث أعطنيهن. قال نعم. قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. قال نعم. قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك. قال نعم. قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال نعم (16)..

ومثل هذه الرواية إنما تثير في النفس تساؤلات كثيرة في مقدمتها:

هل الفضائل تستجدى وتطلب أم تمنح من الرسول؟.

وما هي الفضيلة التي ينص عليها هذا الحديث لأبي سفيان؟.

وهل من الخلق أن يتحدث أبو سفيان مع الرسول بهذا الأسلوب عارضا ابنته عليه بصورة توحي وكأن للنساء مدخلا لقلبه؟.

ثم كيف يجيبه الرسول على مطالبه بهذه البساطة؟.

وكيف لمثل أبي سفيان أن يطلب أمرة المسلمين في القتال وهو محاط بالشك والكراهية من المؤمنين هو وولده؟.

إن مثل هذا الحديث يحمل مغالطة تأريخية خطيرة وهي أن الثابت من خلال كتب القوم أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوج أم حبيبة قبل الهجرة.


الصفحة 59
وهذه إشارة قوية على وضع هذا الحديث وكونه من اختراع السياسة (17)..

يروي مسلم أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم. فأتى النبي فأخبره. فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك (18)..

وهذه رواية أخرى تؤكد التصور السابق وهو أن أبا سفيان لم يكن بصاحب مكانة حميدة بين صحابة رسول الله ولم يكن موضع احترام أحد إلا أذناب قريش من أهل القبلية والمنافقين والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا دافع أبو بكر عن أبي سفيان؟.

هل كان يجهل وضع هذا الرجل وتاريخه؟.

وهل كان أبو سفيان ما يزال شيخ قريش وسيدها؟.

إن رد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على أبي بكر لهو أكبر دلالة على أن موقف هؤلاء الصحابة من أبي سفيان هو الموقف الشرعي وأن أبا بكر تجاوز هذا الموقف وانحرف عنه.. وجعل البخاري لمعاوية بابا أسماه باب ذكر معاوية ليس فيه شئ يحسب لمعاوية. فهو لا يحوي سوى رواية على لسان ابن عباس تشهد له بالصحبة تارة وبالفقه تارة أخرى (19)..

يقول ابن حجر معلقا على الباب بقوله: عبر البخاري بقوله ذكر ولم يقل فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب لأن ظاهر شهادة ابن عباس له بالصحبة والفقه دالة على الفضل الكثير. ونقل عن إسحاق بن راهويه قوله: لم يصح في معاوية شئ. وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما (20)..

وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية؟

فأطرق ثم قال: اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا.


الصفحة 60
فعمدوا إلى رجل قد حاربه - معاوية - فأطروه - رفعوه - كيدا منهم لعلي..

وعلق ابن حجر على هذه الرواية بقوله: فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له (21)..

يروي مسلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل ابن عباس وهو صبي في طلب معاوية. قال فجئت فقلت هو يأكل. ثم قال لي اذهب وادع لي معاوية. قال فجئت فقلت هو يأكل. فقال: لا أشبع الله بطنه (22).

وقد فسر بعضهم هذا الحديث لصالح معاوية واعتبر أن دعاء الرسول على معاوية يعني صحة الجسم بحيث تبقى شهيته مفتوحة على الدوام للطعام. كما وضع مسلم هذه الرواية تحت باب أسماه باب من لعنه الرسول أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة (23)..

ولقد كانت هذه الرواية هي السبب المباشر في مصرع النسائي المحدث على يد أنصار معاوية بالشام حين طلبوا منه أن يكتب كتابا في معاوية وأبى (24)..

ويبدو من هذا الطرح أن هناك محاولات بائسة من فقهاء يدينون بالولاء لبني أمية من أجل رفع مكانة هذه العائلة وإضفاء المشروعية على خطها وممارساتها..

وكانت هذه الروايات بالإضافة إلى هذه التفسيرات الدافع الأساسي الذي دفعني إلى الشك في جميع الروايات المتعلقة بالفضائل والعمل على بحثها وضبطها بميزان القرآن والعقل مما أوصلني إلى النتائج التالية:

- أن معظم الروايات التي تدور حول فضائل الصحابة لا تشير إلى منقبة واضحة محددة (25)..

- أن هذه الروايات تروى على الأغلب على لسان أصحاب الفضائل أنفسهم (26)..

- إن فحص سيرة هؤلاء يكشف إن مثل هذه الفضائل لا تخصهم وربما قصد بها سواهم (27)..

- إن الأضواء والروايات مسلطة على نماذج ورموز معينة من الصحابة بينما هناك رموز لها مكانتها ودورها البارز لم تحظ بشئ من هذه الروايات (28)..


الصفحة 61
- أن معظم أصحاب الفضائل كانوا من أنصار معاوية وخط بني أمية (29)..

- أن هناك روايات صريحة في الإمام علي وآل البيت تتضاءل أمامها قيمة هؤلاء وتكشف أن هناك ميزة وخصائص اختصوا بها دون بقية الصحابة (30)..

- أن هناك محاولات متعمدة للطعن في الإمام علي والتقليل من شأنه (31)..

____________

(1) - أنظر البخاري كتاب الفتن الباب الثالث.

(2) - المرجع السابق.

(3) - المرجع السابق.

(4) - روي هذا اللعن على لسان عائشة كما سوف نبين.

(5) - البخاري. كتاب العلم.

(6) - أنظر كتاب الإصابة في تمييز الصحابة (ج 1 رقم الترجمة 17817.

(7) - المرجع السابق.

(8) - المرجع السابق.

(9) - المرجع السابق.

(10) - مسلم كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي سفيان.

(11) - الإصابة ترجمة معاوية.

(12) - المرجع السابق.

(13) - أنظر تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي. وكتب التاريخ (14) - ذكر ابن عساكر في تاريخه الكثير من هذه الأحاديث وهي ضعيفة وإلى الوضع أقرب ويروي أحمد في مسنده قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم.

(15) - ابن كثير / البداية والنهاية ج.

(16) - مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل أبي سفيان.

(17) - أنظر كتب سيرة الرسول. وهناك رواية مشهورة في هذه الكتب عن صدام وقع بين أبي سفيان وابنته حين قدم المدينة ورفضت استقباله في بيتها.

(18) - مسلم كتاب فضائل الصحابة. باب من فضائل صهيب وسلمان وبلال.

(19) - هناك روايتان في البخاري على لسان ابن عباس الأولى تقول عن معاوية حين أوتر بركعة واحدة واستفز هذا الأمر مولى ابن عباس: دعه فإنه قد صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)).

والثانية تقول: إنه فقيه. ويذكر أن مسلم لم يذكر عن معاوية شيئا..

الصفحة 62
=

____________

(20) - فتح الباري (ج 7 / 107). وقد قال إسحاق بن راهويه أستاذ البخاري: لم تصح في معاوية منقبة.

(21) - المرجع السابق. وانظر مسند أحمد.

(22) - مسلم كتاب البر والصلة والآداب. باب من لعنه النبي أو دعا عليه أو سبه.

(23) - أنظر المرجع السابق.

(24) - قتل النسائي على يد أنصار معاوية سنة 303 ه‍. وكان قد كتب كتابا اسمه خصائص الإمام علي ورفض أن يكتب كتابا في معاوية واحتج بالحديث المذكور وقال ألا ترضون إلا رأسا برأس.

(25) - أنظر فصل تضخيم الرجال.

(26 - 31) - أنظر الفصل السابق ذكره..

الصفحة 63

التأويل والتبرير

من خلال اطلاعاتي في كتب التراث كنت اكتشف الكثير من النصوص التي أفلتت من رقابة القوم وشكلت حرجا كبيرا للفقهاء وأصبحت نقطة ضعف في أطروحتهم..

إلا أن القوم لم يستسلموا لهذه النصوص وإنما حاصروها بتأويلاتهم التي حلت محل النص في النهاية وغطت عليه..

وهذه التأويلات إنما كان الهدف منها تحصين المسلمين وربطهم بالخط السائد من جهة. ومن جهة أخرى إغلاق الباب أمام التيارات المعارضة والحيلولة بينها وبين استخدام هذا النص لصالحهم وضربهم به..

ولم ينحصر مأزق القوم في حدود النصوص وحدها بل امتد إلى كثير من الوقائع التأريخية التي ارتبطت بالصحابة والتابعين والحكام والتي فتحت ثغرة كبيرة للطعن في أطروحتهم والتشكيك فيها وفي مواجهة هذه الوقائع اضطروا إلى تبني منهج التبرير. أي خلق دوافع تبرز وقوع الحدث على غير الوجهة التي يوحى بها ظاهره..

ونظرا لأن هناك الكثير من المواجهات الفكرية والصدامات العقائدية التي وقعت بين الأطروحة السائدة والأطروحات الأخرى على مر التاريخ كان النصر فيها بالطبع للأطروحة السائدة فهي المتمكنة على ساحة الواقع المدعومة من الحكام. فقد دفع القوم دفعا إلى تبني سلاح التأويل والتبرير لتقوية الأتباع ودفع

الصفحة 64
الخصوم..

إن هذه التأويلات والتبريرات لا تخرج عن كونها مسكنات يحاول القوم أن يخدروا بها جماهير المسلمين ويطمئنوا الحكام. إلا أن هذه المسكنات مع مرور الزمن سرعان ما سوف تتلاشى وتتكشف الحقائق أمام الجميع كما تكشفت لي..

وفي مقدمة النصوص التي أحرجت القوم واضطروا إلى تأويلها تلك النصوص الواردة في الإمام علي وأهل البيت وهي صحيحة في أغلبها حسب قواعد هم.

فهذه النصوص تضع الإمام في مكانة خاصة ترفعه فوق جميع الصحابة. وهي من جهة أخرى تكشف أن له ولأهل البيت دورا خاصا في واقع الأمة. ذلك الدور الذي حالت السياسة دون بروزه. وتلك هي القناعة التي خرجت بها بعد اطلاعي على تأويلات القوم لهذه النصوص وكذلك تبريراتهم للوقائع والأحداث التأريخية فقد ازددت يقينا أنهم يحاولون لي أعناق النصوص وتقويم حركة التأريخ..

يروي مسلم قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ثم يعلق على النص بقوله:

والمستدل بهذا الحديث على أن الخلافة بعد له بعد رسول الله زائغ عن منهج الصواب فإن الخلافة من الأهل في حياته لا تقتضي الخلافة من الأمة بعد مماته (1)..

ويروي أيضا قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم خيبر: " أعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فتطاولنا لها فقال:

ادعوا لي عليا. فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.. ".

ويعلق مسلم على هذا الحديث بقوله: هذا من أعظم فضائل علي وأكرم مناقبه (2)..

ولما نزلت آية المباهلة وهي قوله تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم) (آل عمران: 61) دعا الرسول عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي (3)..

ويروي مسلم: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر. ثم قال: أما

الصفحة 65
بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين - أي لزيد بن أرقم الراوي - ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟..

قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده..

قال: ومن هم؟.

قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس..

قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟.

قال: نعم (4)..

وفي رواية أخرى أجاب زيد على سؤال حصين بقوله: لا وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده (5)..

وروى البخاري قول الرسول لعلي: أنت مني وأنا منك (6)..

وروى مسلم قول علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلي، أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (7)..

ويروي النسائي والترمذي قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعلي مولاه (8)..

وينقل ابن حجر قول أحمد والنسائي وإسماعيل القاضي وأبو علي النيسابوري:

لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي (9)..

وكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروى عن علي الكذب (10)..

ويقول ابن حجر معلقا على كلام ابن سيرين: والمراد بذلك ما ترويه الرافضة عن علي من الأقوال المشتملة على مخالفة الشيخين (11)..

وقال ابن حجر معلقا على حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.


الصفحة 66
واستدل - أي بهذا الحديث - على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة فإن هارون كان خليفة موسى. وأجيب بأن هارون لم يكن خليفة موسى إلا في حياته لا بعد موته. لأنه مات قبل موسى باتفاق (12)..

وقال عن حديث الراية: وقوله - أي الرسول - أن عليا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله أراد بذلك وجود حقيقة المحبة. وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة وفي الحديث تلميح بقوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (آل عمران: 31) فكأنه أشار إلى أن عليا تام الاتباع لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اتصف بصفة محبة الله له ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق (13)..

والقوم على ما هو واضح من حديث غدير خم في حيرة من أمرهم أمام قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): أذكركم الله في أهل بيتي. ولم يجدوا وسيلة لضرب هذا النص سوى تأويل المعنى المقصود بآل البيت فتارة يعرفونهم في حدود علي وفاطمة والحسن والحسين كما أقر بذلك مسلم في آية المباهلة وتارة يعرفونهم بآل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس..

وتارة أخرى يدخلون معهم نساء النبي وتارة يخرجونهم كما هو واضح من إجابتين متناقضتين لسؤال واحد في رواية واحدة. والهدف من ذلك هو تمييع فكرة آل البيت وتشتيتها بين نساء النبي وبني هاشم فتشتت القدوة أمام المسلمين ويفتح الباب بالتالي أمام القدوة الفاسدة لتحل محلهم..

ويبدو أن مسلم لم يسترح لهذه الرواية فقام بنقل رواية أخرى في حجة الوداع وهي في نفس المكان السابق ذكره - غدير خم - ليس فيها ذكر لآل البيت (14)..

وحتى يتم التمويه على آل البيت وحجبهم عن المسلمين اخترعوا رواية تناقض رواية غدير خم وتضرب وصية الرسول بآل البيت..

يروي مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي (15).

ولقد اشتهرت رواية مالك على ألسنة القوم ومنابرهم وكتبهم بينما حجبت رواية مسلم حتى أصبح ذكرها محل استنكار ورفض (16)..


الصفحة 67
وفي مواجهة الأحاديث الواردة حول الأئمة الاثني عشر الواردة في مسلم اضطر القوم إلى صرفها عن معناها وتحويلها نحو الحكام حتى لا تكون حجة عليهم من قبل خصومهم الشيعة (17)..

وقد حدد الفقهاء الأئمة الاثنا عشر الذين بشر بهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وربط عزة الإسلام بهم في دائرة الخلفاء وحكام بني أمية. فأولهم أبو بكر - ثم عمر - ثم عثمان - ثم - علي - ثم معاوية ثم يزيد بن معاوية ثم عبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة الوليد وسليمان ويزيد وهشام ثم عمر بن عبد العزيز وبعدهم أخذ الأمر في الانحلال (18)..

وبتفحص سيرة هؤلاء دون سيرة الإمام بالطبع سوف يتبين لنا أنه لا تتوافر في أحدهم أدنى صفات الإمامة وأن هؤلاء لا يخرجون عن كونهم مجرد حكام طبق عليهم الفقهاء النص تحت ضغط السياسة ولصرف المسلمين عن أئمة آل البيت الذين يقصدهم النص والذين تنطبق سيرتهم وصفاتهم على النص المذكور (19)..

ولقد تبين لي أن فقهاء القوم يتتبعون الروايات الواردة في آل البيت والروايات التي تساندهم ويعمدون إلى تأويلها وتبريرها حتى يغلقوا باب الشك حول خطهم وأطروحتهم..

ففي مواجهة رواية غضب فاطمة وهجرها لأبي بكر فلم تكلمه حتى ماتت.

ينقل ابن حجر أقوال الفقهاء حولها على النسق التالي:

فلم تكلمه: أي فلم تكلمه في ذلك المال.

أن فاطمة حملت كلام أبي بكر على أنه لم يسمع ذلك من رسول الله وإنما سمعه من غيره ولذلك غضبت.. ومن قول فاطمة لأبي بكر وعمر لا أكلمكما أي في هذا الميراث (20)..

ونقل عن بعضهم: إنما كانت هجرتها انقباضا عن لقائه والاجتماع به وليس ذلك من الهجران المحرم.. وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا نورث. ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه. وتمسك أبو بكر بالعموم. واختلفا

الصفحة 68
في أمر محتمل للتأويل. فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك (21)..

وينقل ابن حجر رواية تفيد أن فاطمة تصالحت مع أبي بكر. ويعلق على الرواية بقوله: وهو - أي الحديث - وإن كان مرسلا فإسناده صحيح وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة على هجر أبي بكر (22)..

والهدف من وراء جميع هذه التبريرات كما هو واضح هو تبرئة أبي بكر وإضفاء المشروعية على موقفه المعادي لآل البيت والذي كانت أولى نتائجه هو حرمان السيد فاطمة من ميراث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).. وفقهاء التبرير إنما يهدفون من تبريراتهم هذه أيضا إضفاء صفة العلم على أبي بكر تلك الصفة التي سوف ينبني عليها تلقائيا جهل الطرف الآخر وعدم إلهامه بعلم الرسول وأحكام الدين وهو طرف السيدة فاطمة والإمام علي (23)..

ومن أخطر نتائج فقه التبرير مساواة الفقهاء القوم معاوية بالإمام علي واعتبار معاوية مجتهدا مخطئا مثابا على ما فعل من جرائم ومنكرات معتمدين في ذلك على حديث منسوب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران. وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " (24)..

وهذا النص طبقه فقهاء القوم في محيط الأحكام الشرعية إلا أن السياسة اقتضت استثماره في دعم موقف معاوية وإضفاء المشروعية علية (25)..

ولقد أثارت مسألة مساواة معاوية بالإمام الشكوك في نفسي وتقوت هذه الشكوك بالموقف المشرف للنسائي صاحب السنن الذي قتل شهيدا بسبب عدم اعترافه بمنقبة لمعاوية واعتبره نكرة من المستقبح أن يتساوى مع الإمام (26)..

ونظرا لكون معاوية يعد من الصحابة في عرف فقهاء القوم والصحابة عدول فمن ثم يجب تبرير جميع مواقفه وممارساته وحملها على المحمل الحسن (27)..

ومثل هذا الموقف التبريري تبناه فقهاء القوم تجاه يزيد بن معاوية قاتل الحسين ومنتهك حرمات مدينة رسول الله حيث بررت أفعاله القبيحة من قبل ابن تيمية وابن كثير وابن خلدون، يقول ابن تيمية عن يزيد: كان من شبان المسلمين ولا كان كافرا ولا زنديقا تولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضا من بعضهم وكان فيه شجاعة وكرم ولم يكن مظهرا للفواحش كما يحكي عنه خصومه

الصفحة 69
وهو لم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله ولا نكت بالقضيب على ثناياه ولا حمل رأس الحسين إلى الشام. لكن أمر بمنع الحسين وبدفعه عن الأمر ولو كان بقتاله فزاد النواب على أمره وحض الشمر والجيوش على قتله لعبيد الله بن زياد فاعتدى عليه عبيد الله بن زياد فطلب منهم الحسين أن يجئ إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر مرابطا أو يعود إلى مكة فمنعوه وأمر عمر بن سعد بقتاله فقتلوه ظلما له ولطائفة من أهل بيته (28)..

وبقدر ما كنت أجل هذا الرجل المدعو ابن تيمية وأكن له احتراما عظيما طوال فترة نشأتي الإسلامية بقدر ما أصبحت أبغضه وأحط من قدره بعد تبين موقفه من يزيد الملعون..

ولقد تمادى ابن تيمية في موقفه المتحالف مع بني أمية حتى أنه خطأ الحسين وانتقده لخروجه على يزيد ملقيا عليه بتبعة مأساة كربلاء (29)..

وابن تيمية بالإضافة إلى دفاعه عن يزيد وإنكاره الروايات التي تطعن فيه وتبرئته من دم الحسين هو من جهة أخرى يمتهن الحسين ويحط من قدره ويصوره بصورة المتخاذل عديم المبدأ حين يقر الرواية التي تقول أن الحسين عرض على جيش يزيد ثلاثة عروض جميعها تدينه وتثير الشبهات من حوله..

إن منهج التأويل والتبرير هو الأساس الذي بني عليه منهاج القوم وعقائدهم ولم يكن مجرد طرح عابر في مذهبهم وإنما كان سلاحهم الذي يشهرونه في وجه خصومهم وفي وجه المسلمين الذين ينتابهم الريب في رواياتهم ومواقفهم وأحداث التأريخ بوجه عام..

وعقيدة تقوم على التبرير والتأويل عقيدة واهية مهزوزة لا بد للعقل من أن يلفظها يوما، يروي البخاري قول الإمام علي: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة (30)..

وقد قام البخاري بوضع هذا النص في كتاب المغازي وربطه بقوله تعالى:

(هذان خصمان اختصموا في ربهم) (سورة الحج: 19)، محددا أن المتخاصمين هم الذين تبارزوا يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبه. مشيرا إلى أن الآية نزلت في هؤلاء الستة (31)..


الصفحة 70
يقول ابن حجر معلقا على قول الإمام: المراد بهذه الأولية تقييده - أي علي - بالمجاهدين من هذه الأمة لأن المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الإسلام (32)..

فكل من البخاري وابن حجر عملا على تقييد قول الإمام وتخصيصه بغزوة بدر كمبرر للهروب من مدلوله مع أن فقهاء القوم يرفعون شعارا يقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..

____________

(1) - مسلم شرح النووي. كتاب فضائل الصحابة. باب من مناقب علي.

(2) - المرجع السابق. وهذا ما فقهه النووي من هذا الحديث غير أنه لا يريد أن يفهم منه ما يفيد مكانة الإمام ودوره الخاص.

(3) - المرجع السابق.

(4) - المرجع السابق.

(5) - المرجع السابق.

(6) - البخاري. كتاب فضائل الصحابة. باب مناقب الإمام علي. وانظر سنن ابن ماجة ج 1 / 42.

(7) - أنظر مسلم كتاب الإيمان. باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلاماته.

وبغضهم من علامات النفاق. وانظر الترمذي كتاب المناقب. ومناقب الباري ج 7 / 72.

(8) - وانظر مسند أحمد بن حنبل ج 1 / 84. وقال السيوطي في هذا الحديث أنه متواتر.

(9) - أنظر فتح الباري ج 7 / 74.

(10) - المرجع السابق ص‍ 74.

(11) - المرجع السابق ص‍ 71.. ويقول ابن حجر: فصار الناس في حق علي ثلاثة: أهل السنة والمبتدعة من الخوارج والمحاربون له من بني أمية وأتباعهم. فاحتاج أهل السنة إلى بث فضائله فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف ذلك. وإلا فالذي في نفس الأمر أن لكل من الأربعة - أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - من الفضائل إذا حرر بميزان العدل لا يخرج عن قول أهل السنة والجماعة.. وكلام ابن حجر إنما يهدف إلى تمييع النصوص الواردة في الإمام علي وإيهام المسلم أنه لا يتميز عن الثلاثة الذين سبقوه. ثم أنه عند الحديث عن مواقف الناس تجاه الإمام أغفل الشيعة تماما وحصر هذه المواقف في دائرة الخوارج وأهل السنة وبني أمية فقط.. ولا يمكن أن يكون هذا سهوا بالطبع.

(12) - أنظر فتح الباري ج 7 / 74.

(13) - المرجع السابق.

الصفحة 71

____________

(14) - أنظر مسلم والرواية تنص على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى بكتاب الله فقط.

(15) - ورواه الحاكم في مستدركه أيضا.

(16) - في حواراتي الكثيرة مع رموز القوم كثيرا ما كنت اكتشف جهلهم بحديث العترة وإنكارهم له وكانوا يصابون بالدهشة حين يكتشفون وجود الحديث في مسلم.

(17) - من هذه الأحاديث قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة.. وقوله: أن هذا الأمر - الدين - لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة.. أنظر مسلم. كتاب الإمارة. وانظر البخاري كتاب الأحكام (باب 51).. وانظر مقدمة تأريخ الخلفاء للسيوطي..

(18) - أنظر شرح العقيدة الطحاوية. وفتح الباري (ج 13) أخر كتاب الأحكام. وشرح النووي لمسلم. والقوم قد جعلوا الإيمان بهؤلاء الاثني عشر من أصول الإعتقاد.

(19) - إن أئمة آل البيت الذين قصدهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأغفلهم القوم تحت تأثير السياسة هم:

الإمام علي بن أبي طالب. والإمام الحسن بن علي. والإمام الحسين بن علي. والإمام علي بن بن الحسين زين العابدين. والإمام محمد بن علي الباقر. والإمام جعفر بن محمد الصادق. والإمام موسى بن جعفر الكاظم. والإمام علي بن موسى الرضا. والإمام محمد بن علي الجواد. والإمام علي بن محمد الهادي.

والإمام الحسن بن علي العسكري. ثم الإمام المهدي المنتظر.. أنظر سيرة هؤلاء الأئمة في كتاب أعيان الشيعة لمحسن الأمين. وسلسلة حياة الأئمة لباقر شريف القرشي. وسيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم معروف الحسني. والتاريخ الإسلامي لمحمد تقي المدرسي. والقوم يمرون على سيرة هؤلاء الأئمة مرور الكرام في كتب التأريخ. أنظر الكامل لابن الأثير والبداية والنهاية لابن كثير.

(20) - أنظر فتح الباري (ج 6 / 202).

(21) - أنظر المرجع السابق.

(22) - المرجع السابق.

(23) - أنظر الخلاف حول ميراث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتوسع في البداية والنهاية لابن كثير. وفدك في التأريخ لباقر الصدر. وكتب التأريخ.

(24) - أنظر البخاري كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة باب 21.

(25) - أنظر تأريخ وقعة صفين في كتب التأريخ والفصل في الملل والنحل لابن حزم. والملل والنحل للشهرستاني. والعواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي.

(26) - توفي النسائي عام 303 ه‍ على أيدي الشوام. أنظر ترجمة النسائي في وفيات الأعيان لابن خلكان وكتب التراجم الأخرى. وكان النسائي قد ألف كتابا أسماه خصائص الإمام علي وكان هذا الكتاب سبب مصرعه. أنظر الخصائص طبعة القاهرة أو بيروت؟.

(27) - أنظر البداية والنهاية وفتاوي ابن تيمية (ج 3 / 411) والعواصم من القواصم وتأريخ ابن خلدون. وتنص عقائد القوم على عدم ذكر الصحابة إلا بخير. وقال ابن حزم: الصحابة كلهم من

الصفحة 72

____________

أهل الجنة قطعا. ويقول الإسفرائيني: والذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب على كل واحد تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم والكف عن الطعن فيهم والثناء عليهم.. أنظر عقيدة الإسفرائيني. ويقول ابن أبي زرعة العراقي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعلم أنه زنديق.. أنظر عقيدة الإسفرائيني. والقوم بهذا إنما يهدفون إلى إرهاب المسلمين حتى لا يخوضوا في معاوية وأمثاله من الدخلاء على الصحابة.

(28) - أنظر فتاوي ابن تيمية (ج 3 / 411).

(29) - أنظر المرجع السابق (ج 35).

(30) - البخاري. كتاب المغازي. باب قتل أبي جهل.

(31) - أنظر فتح الباري (ج 7 / 297).

(32) - المرجع السابق.

الصفحة 73

الرسول والنساء

كنت أتصور أن المستشرقين يتجنون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين يتهمونه بحب النساء والشغف بهن وأنه رجل جنس. وأن هذا الاتهام إنما يعكس الحقد الصليبي الذي يكنه أمثال هؤلاء للإسلام في شخص الرسول. حتى وقعت على مجموعة من الروايات في كتب السنن تدعم هذا الاتهام وتعذر أمثال هؤلاء..

ولقد وقفت طويلا أمام هذه الروايات متسائلا ما هو المبرر من روايتها. وما هو الهدف من ورائها. وهل يمكن أن تتفق مثل هذه السلوكيات والممارسات المنسوبة للرسول بخصوص النساء مع خلقه كنبي خاتم؟.

إنني أجزم أن أي مسلم مهما كان مستواه الفكري والخلقي لا يمكن أن يقبل أن يقال على رسوله مثل هذا الكلام. وأن تكون حياته الجنسية مفضوحة بهذا الشكل..

يروي البخاري عن أنس بن مالك قوله: أن نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة (1)..

وفي غزوة خيبر كان في السبي صفية بنت حيي بن أخطب فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي فأعتقها وتزوجها (2)..

وفي رواية لابن سعد: صارت صفية لدحية فجعلوا يمدحونها. فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعطى بها دحية ما رضي (3)..


الصفحة 74
وفي رواية أخرى قال الرسول: أدعوه بها. فجاء بها - أي دحية - فلما نظر إليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: خذ جارية من السبي غيرها (4)..

وأقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفية. وأقام وليمة (5)، ويروي البخاري أن نساء النبي بعثن إليه بفاطمة تقول: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر. فكلمته. فقال: يا بنية ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى. فرجعت فأخبرتهن. فقلن إرجعي إليه فأبت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحش فأتته. فأغلظت وقالت إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر. فكلمته. فقال: يا بنية ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلي. فرجعت فأخبرتهن فقلن إرجعي إليه فأبت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحش فأتته. فأغلظت وقالت إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة. فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها. حتى أن النبي ينظر إلى عائشة هل تكلم؟ قال فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها (6)..

ويروي مسلم عن أم سلمة زوج النبي أنها قالت: بينما أنا مضطجعة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخميلة معه إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنفست؟

قلت: نعم فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة وكانت هي والرسول يغتسلان في الإناء الواحد من الجنابة (7)..

وتروي ميمونة زوج النبي: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب (8)..

وعن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتأتزر ثم يباشرها (9)..

وتجمع الروايات الواردة في كتب السنن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عقد على عائشة وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي ابنة تسع (10)..

ويروي الصحابة عن الرسول قولهم: كنا نتحدث أن له - أي الرسول - قوة عشرين رجلا في الجماع (11)..

وفي رواية ابن سعد أن رسول الله قال: قد أوتيت قوة سبعين رجلا في الجماع (12)..

ويروي ابن كثير أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد مفارقة سودة

الصفحة 75
بنت زمعة لكبر سنها. فقالت يا رسول الله لا تفارقني وأنا أجعل يومي لعائشة فتركها الرسول وصالحها على ذلك (13)..

ويروي البخاري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تؤذيني في عائشة. فإنه والله ما نزل الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها (14)..

ويروي مسلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت. فدخل عليها رسول الله يوما فأطعمته ثم جلست تغلي رأسه فنام. أي نام في حجرها (15)..

إن المتأمل في هذه الروايات يتأكد له أن رسول الله كان شديد الشغف بالنساء حتى أنه كان يطوف على نسائه التسع في ليلة واحدة. وأن هذا السلوك الشهواني من قبله قد جعل الناس في المدينة يتحدثون عن قدرته الجنسية، فهل هذا يعني أن الرسول كان يطوف على نسائه علانية..؟.

وما معنى أن الرسول تسيطر عليه شهوته إلى الحد الذي يجعله يأخذ صفية من دحية ويدخل بها في الطريق دون حتى أن ينتظر دخول المدينة وهو قادم من حرب..؟.

ثم ما هذا العشق الغريب لعائشة دون بقية نسائه اللاتي غرن من هذا الوضع وأعلن احتجاجهن على استئثار عائشة بالرسول. وكيف بالرسول أن ينحاز إلى عائشة ضد بقية أزواجه. هل كان ذلك لكونها صغيرة السن. وبماذا يوحي مثل هذا الموقف..؟.

وما معنى فقدان الرسول للصبر على شهوة الجنس بحيث يضاجع زوجاته وهن حائضات..؟.

وكيف للرسول أن يعقد على طفلة عمرها ست سنوات ويدخل بها وعمرها تسع سنوات؟.

هل انقرضت نساء العرب؟ أم أن الرسول كان يهوى الأطفال..؟.

وماذا يفعل نبي خاتم بطفلة تلهو بالدمى..؟ (16).

هل مثل هذا التصرف يعود سببه لأجل إكرام صاحبه ابن أبي قحافة؟.


الصفحة 76
أليست هناك وسائل وأساليب أخرى يعبر بها الرسول عن حبه وتقديره لأبي بكر..؟.

وتأتي رواية ابن كثير لتزيد الطين بلة وتؤكد حقيقة عطش الرسول للجنس الذي افتقده في سودة بنت زمعة زوجته وكان يجده في عائشة..

ورواية البخاري الأخيرة يبدو وكأنها تؤكد أن الوحي كان يبارك مثل هذا السلوك من الرسول حتى أنه كان ينزل عليه وهو مع عائشة في لحاف واحد..

ورواية مسلم التالية أدهى وأمر. كيف للرسول أن يدخل على امرأة متزوجة وينام في حجرها وتغلي له رأسه..؟.

لقد نفر عقلي من هذه الروايات التي تصطدم أول ما تصطدم بقوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) (القلم: 4)، هذا الخلق العظيم الذي وصف به الله رسوله إنما يدل دلالة قاطعة على اختلاق مثل هذه الروايات وبطلانها..

وأن الذين اختلقوها إنما كانوا يهدفون من ورائها إلى تشويه شخصية الرسول لكي يمكن على ضوء هذا السلوك المنسوب للرسول تبرير سلوك الحكام وحكاياتهم مع النساء (17)..

ولقد بحثت بين شروح الفقهاء لكتب السنن عن فقيه واحد ينظر لهذه الروايات بعين الناقد مدافعا عن شخص الرسول فلم أجد إلا تبريرا وتأكيدا لمثل هذه السلوكيات..

يقول النووي معلقا على حديث طواف الرسول على نسائه بغسل واحد: وأما طواف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على نسائه بغسل واحد. فيحتمل أنه كان يتوضأ بينهما. وقد جاء في سنن أبي داود أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه.. وهو محمول - أي الطواف - على أنه كان برضاهن أو برضى صاحبة النوبة إن كان نوبة واحدة (18)..

ونقل ابن حجر عن عياض قوله: أن الحكمة في طوافه عليهن في الليلة الواحدة كان لتحصينهن. وكأنه أراد به عدم تشوفهن للأزواج. إذ الاحصان له معان منها الإسلام والحرية والعفة. والذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل

الصفحة 77
بينهن في ذلك وإن لم يكن واجبا (19)..

ويعلق ابن حجر على قول عياض بقوله: وفي التعليل الذي ذكره نظر لأنهن - أي نساء النبي - حرم عليهن التزويج بعده وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها وزادت آخرهن موتا على ذلك (20)..

وبخصوص صفية بنت حيي يقول ابن حجر: فلما قيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها. فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي بها فإن في ذلك رضى الجميع (21)..

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كان الرسول لا يعلم مكانة صفية بين قومها..؟ وفيما يتعلق بمباشرة الرسول لنسائه في الحيض قال النووي: وأما أحكام هذا الباب فاعلم أن مباشرة الحائض أقسام أحدها أن يباشرها بالجماع في الفرج فهذا حرام. والقسم الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو بالمعانقة أو اللمس أو غير ذلك وهو حلال باتفاق العلماء. والقسم الثالث المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر وفيها ثلاث أوجه لأصحابنا أصحها وأشهرها أنها حرام..

وكل هذه الأقسام إنما هي مشتقة من أحاديث مباشرة الرسول لنسائه في الحيض..

وينقل ابن حجر الخلافات حول تاريخ وفاة خديجة وبناء الرسول بعائشة في عامها التاسع. وهل تزوج عائشة قبل سودة بنت زمعة أم تزوجها بعدها. ونقل قول الماوردي: الفقهاء يقولون: تزوج عائشة قبل سودة. والمحدثون يقولون:

تزوج سودة قبل عائشة (22)..

ويقول ابن كثير عن قصة مفارقة الرسول لسودة بسبب كبر سنها أنها لما وافقت على التبرع بيومها لعائشة تركها الرسول وفي ذلك نزل قوله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) (النساء: 128) (23)..


الصفحة 78
ويتبنى الفقهاء نفس النهج مع بقية الأحاديث المتعلقة بعلاقة الرسول مع نسائه فهم يركزون على تخريج الأحاديث وشرحها ورفع الإشكالات من حولها دون أن يحاولوا المساس بالمتن الذي لا يجوز نقده أو الطعن فيه ما دام السند صحيحا..

ومثل هذه الرؤية التي هي محل إجماع الفقهاء والمحدثين إنما فتحت الأبواب لاضطهاد العقل وتكبيله بنصوص منسوبة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجوز الاعتراض عليها أو تجاوزها. كما فتحت الأبواب أمام الأمة كي تتعبد بها وتبني على أساسها الكثير من المعتقدات التي أسهمت وما زالت تسهم في تأخر المسلمين وتقوية الحكام..

إن حصر نقد الحديث في دائرة السند فقط إنما هي مؤامرة على العقل وعلى الإسلام. وحتى نقد السند وضعت له قواعد خاصة تفوح منها رائحة السياسة لا تتيح للناقد ضرب الحديث أو الطعن فيه إلا ضمن حدود ضيقة (24)..

وهؤلاء الفقهاء إنما بنوا موقفهم من هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث المتعلقة بشخص الرسول على أساس رؤيتهم لمسألة العصمة. فهم يرون أن الرسول معصوم فقط في حدود التبليغ وما دون ذلك فهو غير معصوم. وعلى ضوء هذا التصور يمكن تبرير سلوكيات الرسول مع نسائه على أنها سلوكيات تتعلق بالجانب البشري من شخصه ولا تأثير لها على الجانب النبوي (25)..

من هنا فهم لا يجدون حرجا من أن يرووا على لسان الرسول نفسه أنه كان ينظر إلى النساء بشهوة حتى تقع المرأة في نفسه..

يروي مسلم: أن رسول الله رأى امرأة. فأتى امرأته زينب وهي تهمس فيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه (26)..

ومثل هذا الحديث لا يحتاج إلى تعليق سوى أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد هان في نظر القوم وأصبحت تتحكم فيه شهوته إلى الدرجة التي تدفعه إلى مواقعة زوجته في وضح النهار وبعلم أصحابه ثم يخرج للناس مبررا فعله هذا بأن المرأة التي وقع عليها بصره أثارته..