ويروي مسلم حديثا آخر يقول: إن رجلا كان يتهم بأم ولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال رسول الله لعلي: اذهب فاضرب عنقه. فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها. فقال له علي: أخرج. فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر. فكف عنه ثم أتى فقال يا رسول الله إنه لمجبوب ما له ذكر (28)..
____________
(1) - البخاري كتاب النكاح. وانظر فتح الباري (ج 9 / 316).
(2) - البخاري باب غزوة خيبر. وانظر فتح الباري (ج 7 / 469) وما بعدها. وانظر مسلم.
(3) - المرجع السابق.
(4) - المرجع السابق.
(5) - المرجع السابق.
(6) - البخاري كتاب مناقب الأنصار. وانظر فتح الباري (ج 7 / 223) وما بعدها.
(7) - البخاري ومسلم كتاب الحيض.
(8) - المرجعان السابقان.
(9) - المرجعان السابقان.
(10) - البخاري. باب فضل عائشة. وانظر فتح الباري (ج 7 / 108) وما بعدها.
(11) - البخاري.
(12) - أنظر طبقات ابن سعد.
(13) - البداية والنهاية لابن كثير (ج 7 / 144).
(14) - البخاري. باب فضائل عائشة. وانظر فتح الباري (ج 7 / 108).
(15) - أنظر صحيح مسلم.
(16) - أنظر مسلم باب فضل عائشة. وتقول عائشة: كنت ألعب بالبنات - العرائس - في بيته - أي بيت الرسول - وهي اللعب. وتروي عائشة: وكانت تأتيني صواحبي فكن ينقعن - يهربن - من رسول
____________
الله - حين يدخل علي - فكان رسول الله يربهن إلي. وفي البخاري ومسلم تروي عائشة أنها أخذت إلى رسول الله ليدخل بها وهي على أرجوحة تلعب مع صواحبها. مسلم كتاب النكاح.
(17) - أنظر كتابنا فقه الهزيمة فصل شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
(18) - مسلم شرح النووي (ج 1 / 604).
(19) - فتح الباري (ج 9 / 316).
(20) - المرجع السابق.
(21) - المرجع السابق (ج 7 / 470).
(22) - المرجع السابق (ج 7 / 225).
(23) - البداية والنهاية (ج 7 / 144).
(24) - أنظر الفصل القادم.
(25) - أنظر كتابنا فقه الهزيمة.
(26) - مسلم كتاب النكاح.
(27) - مسلم (ج 4 / 130).
(28) - مسلم كتاب التوبة.
علم الحديث بين المتن والسند
لفت نظري اتفاق علماء الحديث على عدم مساس المتن وأن نقد الحديث إنما ينحصر في دائرة السند فقط. فعلى ضوء هذه القاعدة تم تمرير الكثير من النصوص المنسوبة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي تصطدم بالقرآن والعقل وتفوح منها رائحة السياسة وتلقتها الأمة بالقبول وتعبدت بها لمجرد أن سندها صحيح حسب قواعدهم..
ولقد أثار هذا الموقف من قبل المحدثين الشك في نفسي. إذ كيف يخضع السند وحده للنقد دون المتن..؟.
وبتحري الأمر تبين لي أنه حتى نقد السند إنما يخضع لقواعد خاصة وضعوها في الجرح والتعديل تفوح منها رائحة السياسة..
يروي مسلم عن ابن سيرين قوله: لم يكونوا - أي أهل الحديث - يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم (1)..
ويروى عن عبد الله بن المبارك قوله: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء (2).
ويروون: لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث (3)..
ويروي مسلم عن سفيان قوله: كان الناس يحملون - يروون - عن جابر بن
ويروي عن رقبة قوله: أن أبا جعفر الهاشمي المدني كان يضع أحاديث كلام حق وليست من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يرويها عن النبي (5)..
ويروي عن يونس بن عبيد قوله: كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث (6)..
ويقول ابن حجر العسقلاني:... فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة والتسمك بأمور الديانة. بخلاف من يوصف بالرفض فإن غلبهم كاذب ولا يتورع في الأخبار (7)..
وقال ابن المديني سئل يحيى بن سعيد القطان عن جعفر الصادق فقال: في نفسي منه شئ ومجالد أحب إلي منه (8)..
والإمام جعفر الصادق أتهم بالكذب والوضع على الرسول ولم يسترح لروايته القوم والسبب في ذلك أن الشيعة تلتف من حوله والسلطة غير راضية عنه حتى البخاري لم يرو عنه (10)..
وعمرو بن عبيد المذكور رفض حديثه لأنه ينتمي لتيار المعتزلة (11)..
وابن حجر يزكي النواصب - أي الذين يعادون آل البيت - ويتهم الشيعة بالكذب وعدم الورع في نقل الأخبار (12)..
وابن القطان لم تسترح نفسه للإمام جعفر الصادق فلم يأخذ بأحاديثه وقدم عليه مجالد المتهم عند أهل الحديث (13)..
وسئل أبو بكر بن عياش: مالك لم تسمع من جعفر وقد أدركته؟.
قال: سألته عما يحدث به من الأحاديث أشئ سمعته..؟.
قال الإمام جعفر: لا. ولكنها رواية رويناها عن آبائنا (14)..
إن جعفر الملقب بالصادق ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) غير أمين على الرواية عند القوم وهو بينه وبين الرسول (صلى الله عليه
ولنترك هذا الموقف ولننتقل إلى موقف آخر. فإن القوم يشترطون في الراوي حتى يبلغ مرتبة الثقة شرطين هما: العدالة ثم الضبط..
العدالة يقصد بها الإسلام والبلوغ والعقل والسلامة من الفسق وخوارم المروءة (15)..
والضبط يقصد به سماعه للحديث على الوجه الذي حدده المحدثون في كيفية السماع. مع فهمه وحفظه والثبات عليه حتى يرويه (16)..
ورغم اشتراط هذين الشرطين من قبل القوم إلا أنهم في ميدان التطبيق العملي تم تجاوزهما إذ أن التقيد بهما سوف يضعهم في حرج كبير وقد يؤدي إلى نبذ أغلب الرواة لديهم وهذا يعني زوال السنة؟.
وسوف نعرض هنا نماذج من هؤلاء الرواة ليتبين لنا كيف أن القوم تناقضوا مع أنفسهم واشترطوا شروطا لم يطبقوها..
* إسماعيل بن عبد الله أبي أويس بن عبد الله الأصبحي أبو عبد الله المدني..
قال ابن معين فيه: لا يساوي فلسين. هو وأبوه يسرقان الحديث. وهو مخلط يكذب ليس بشئ.. وقد روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة..
* بسر بن أرطأة. قال فيه ابن معين: كان رجل سوء.
وبسر هذا من أنصار معاوية وهو الذي قاد حملات الإبادة والتصفية الجسدية لخصوم معاوية في الحجاز واليمن. وقد دعا عليه الإمام علي (ع). روى له أبو داود والترمذي والنسائي..
* ثور بن يزيد بن زياد الكلاعي الحمصي..
قال أحمد: نهى مالك عن مجالسته. وكان الأوزاعي سئ القول فيه.
* الجراح بن مليح والد وكيع مقرئ الشافعي..
وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل. وقال ابن معين: كان وضاعا.. روى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة..
* حبيب ابن أبي حبيب يزيد الجرمي الأنماطي..
نهى ابن معين عن كتابة حديثه.. روى له مسلم وابن ماجة والنسائي..
* حريز بن عثمان الرجي الحمصي..
متهم بسب الإمام على (ع) والكذب على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). روى له البخاري وغيره..
خالد بن سلمة العاص المخزومي المعروف بالضئضاء، قال عنه جوير: كان مرجئا ويعادي عليا وكان ينشد ابن مروان شعرا..
* زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي العامري..
قال ابن المديني: هو ضعيف.. ونقل عن ابن معين قوله: ليس بشئ..
روى له البخاري ومسلم وغيرهما..
سالم بن عجلان الأفطس الأموي..
قال ابن حبان: يقلب الأخبار وأتهم بأمر سوء وقتل بسببه.. وقال العدي:
كان يخاصم في الإرجاء (المرجئة) ويدعو لها.. وقال النووي: مرجئ معاند..
روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة..
* طارق بن عمرو المكي القاضي مولى عثمان بن عفان..
ولي المدينة من قبل عبد الملك بن مروان وكان من ولاة الجور.. روى له مسلم وأبو داود..
* عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المعروف بالأشدق..
كان واليا على المدينة من قبل معاوية ويزيد.. خرج على عبد الملك بن مروان
* عمران بن حطان الدوسي..
قال الدارقطني: متروك الحديث لسوء اعتقاده وخبث مذهبه.. شاعر الخوارج وله قصيدة يمدح فيها ابن ملجم قاتل الإمام (ع).. روى له البخاري وأبو داود والنسائي..
* مجالد بن سعيد الهمداني الكوفي..
قال فيه أحمد: ليس بشئ.. وقال الدارقطني: لا يعتد به.. ونقل البخاري أن ابن مهدي لم يكن يروي عنه.. روى له مسلم وغيره.. ومجالد هو الذي قدمه ابن القطان على الإمام الصادق.. تأمل..
ولا يتسع المجال هنا لذكر المزيد من الرجال المجروحين الذين لا تنطبق عليهم صفات الراوي الثقة والذين روت لهم كتب السنن. إلا أننا ذكرنا هذه النماذج على سبيل المثال من أجل البرهنة على وقوع الانحراف لا أكثر (17)..
وما يمكن قوله حول هذا الأمر أن القوم عدلوا مئات الرواة ممن لا عدالة لهم وإذا سرنا على قاعدتهم بنقد السند وحده فسوف نهدم كثيرا من الروايات التي ذكروها في كتب الصحاح وهم إن كانوا يقصدون بحظر نقد المتن الحيلولة بين المسلمين وبين الشك في الروايات فقد جعلوا المسلمين يشكون فيها عن طريق السند..
ويكفي القول أنهم يعتمدون المجرمين من الولاة وقادة الجيوش الذين ذبحوا المسلمين وهتكوا الأعراض وأهلكوا الحرث والنسل من أجل العروض كرواة لأحاديث الرسول وعلى رأسهم بسر بن أرطأة وعمر بن سعد بن أبي وقاص قائد الجيش الذي قتل الحسين وأهل بيته في كربلاء والذي روى البخاري له..
إن أهل الحديث يعتبرون جرائم بسر وعمر تقع تحت باب التأويل أي أنهما ارتكبا ما ارتكباه من باب التأويل الذي لا يؤدي إلى تجريحهما. فليس عيبا عندهم أن يكون الراوي من الحكام الجائرين أو من الخوارج المارقين قتلة المسلمين ما دام قد اشتهروا بالأمانة والصدق فهذا يكفي.
كيف يكون أمينا صدوقا من صاحب هؤلاء الحكام واتخذهم أخلاء مثل الزهري..؟.
وكيف يكون الخوارج أمناء صدوقين وقد ذمهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصفهم بكلاب النار وطالب بقتلهم في أحاديث صحيحة عند القوم..؟.
إن الإجابة على هذه التساؤلات تكمن في كلمة واحدة هي: السياسة. فلو تخلى القوم عن هذا النهج ما كانت هناك سنة ولا كان هناك حكام على شاكلة بني أمية وبني العباس. ولفقد القوم أهم الأسلحة التي تهدد الخصوم من التيارات الأخرى. وهي الأحاديث المنسوبة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي تشكل من باب آخر صمام أمن للحكام..
لو أباح القوم نقد المتن ونبذ المشبوهين من الرواة ما وصل إلى الأمة الحديث القائل: تسمع وتطبع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع (18)..
والحديث القائل: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني (19)..
والحديث القائل: إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقي به. فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر وأن يأمر بغيره كان عليه منه (20)..
والحديث القائل:... وستكون خلفاء فتكثر. قالوا فما تأمرنا. قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم (21)..
والحديث القائل: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم والحديث القائل: من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية (24)..
والحديث القائل: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه (25)..
والحديث القائل: ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم. ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم. قال: لا ما صلوا (27)..
وفي رواية أخرى: وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف. فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة (28)..
إن مثل هذه الأحاديث التي باركها القوم هي التي صنعت بني أمية وبني العباس وغيرهم من حكام السوء وسلطتهم على رقاب المسلمين وأضفت عليهم المشروعية على الرغم من ممارساتهم ومواقفهم الجاهلية التي تصطدم بقواعد الإسلام وقواعد الأخلاق والعدل (29)..
مثل هذه الأحاديث هي التي قتلت روح التجديد والتغيير في أمة المسلمين وحولتهم إلى قطيع من الأغنام يسوقهم الحاكم كيفما شاء. هذه الأحاديث ما تزال سيوفا على رقاب المسلمين حتى اليوم ولا يجرؤ أحد على المساس بها أو التشكيك فيها..
لقد دعم فقهاء الهزيمة أطروحتهم بمثل هذه الأحاديث المخيفة لأي اتجاه أو تيار يفكر في الخروج على الخط السائد ونبذ أطروحته..
ثم دعموا هذا الموقف بحديث منسوب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من بدل دينه فاقتلوه (30)..
وهكذا شاع الارهاب الفكري في الأمة وقنن هذا الارهاب واكتسب مشروعية بهذه الأحاديث وتم التنكيل بأصحاب الرأي وتصفيتهم جسديا بتهمة الزندقة والردة (31)..
وتبدو هناك ظاهرة خطيرة في مجال الحديث والرواية وهي صلة الحكام بعملية تدوين السنة ودعم رموزها البارزة..
ففي عهد الخليفة الأول والثاني منعت الرواية وأحرقت صحفها وفرض عمر
إلا أنه في عهد بني أمية ظهرت حاجة الحكام وعلى رأسهم معاوية للأحاديث فقاموا باستقطاب عدد من الذين صحبوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي مقدمتهم أبو هريرة. ليقوموا بالرواية..
وكانت الأحاديث المنتشرة والمدعومة من قبل حكام بني أمية حتى عصر عمر بن عبد العزيز تسير في خط مناهض لخط الإمام علي (ع) أي تركز على القضايا التالية:
- رفع مكانة الخلفاء الثلاثة وإضفاء الفضائل عليهم..
- إضفاء المشروعية على الخط الأموي..
- تشويه الإمام علي (ع)..
- التشكيك في الصحابة الذين والوا الإمام وتشيعوا له..
- نقل الرواية من الرموز الموالية لهم مثل عائشة وابن العاص وابن عمر وأبي هريرة، ولما جاء عمر بن عبد العزيز أمر بجمع الأحاديث وتدوينها. وهناك من يقول أن أول تدوين للسنة كان في العصر العباسي (33)..
وما يعنينا هنا ليس الخلاف على فترة التدوين ولكن ما يعنينا هو أن الذين قاموا بعملية التدوين ارتكزوا على دعامتين: الحكام والروايات المنتشرة بين القوم والتي هي من نتاج العصر الأموي. فقاموا بدعم من الحكام بجمع هذه الروايات دون حساب للواقع الذي نشأت فيه ودون أن يتجهوا لأطراف أخرى مثل أئمة آل البيت المعاصرين لهم مثل علي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق، فهؤلاء، قد تم التشكيك فيهم لأنهم يمثلون خط الإمام علي ومن جهة أخرى لديهم الأحاديث الخاصة بهم التي نقلوها عن الإمام علي والتي من الممكن أن تصطدم بالأحاديث التي ظهرت في العصر الأموي والتي هي بحوزة القوم..
وإذا نظرنا إلى الرموز في مسيرة رواية الأحاديث وتدوينها فسوف تتبين لنا صلتهم الوثيقة بحكام زمانهم وولاؤهم التام لهم..
لقد قامت عملية الرواية معتمدة على ثلاثة نفر ممن عاصروا رسول الله (صلى
ابن عمر وهو معروف بانحرافه عن الإمام ومبايعته معاوية ويزيد وسائر حكام بني أمية (35)..
أبو هريرة وقد كان من حلفاء معاوية (36)..
هذه الرموز الثلاثة روت أكبر كم من الأحاديث على الرغم من قصر الفترة التي عايشوا فيها الدعوة والرسول ولم يكونوا بالإضافة إلى ذلك بالقريبين من الرسول (47)..
فإذا جئنا إلى الذين دونوا السنة وجمعوها وعدلوا وجرحوا رواة الأحاديث فنجد على رأس هؤلاء الزهري والمديني ويحيى بن معين وسفيان الثوري..
أما الزهري فكان نديم عبد الملك بن مروان ووثيق الصلة بخلفاء بني أمية من بعده وقد كان هؤلاء يمولون الزهري ويغدقون عليه العطاء لينشر الأحاديث بين الناس فكان يقيم الموائد ويغدق بالأموال على الناس ليجذبهم لسماع حديثه وإشاعته (38)..
أما المديني وابن معين فهما صاحبا القول الفصل في الرواة يجرحان ويعدلان بدون حساب ودون أن يراجعهما أحد. فإذا قالا على فلان هو ثقة فهو ثقة. وإذا قالا عليه كذاب فهو كذاب. ومن يراجع كتب الرجال يكتشف هذا الأمر بوضوح (39)..
إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: من الذي وثق ابن معين والمديني ومنحهما سلطة الحكم على الرجال..؟.
يقول المروزي عن المديني: سمعت أحمد كذبه. وقيل لإبراهيم الحربي:
أكان ابن المديني يتهم بالكذب؟ فقال: لا. إنما حدث بحديث فزاد فيه كلمة ليرضي بها ابن أبي داود (40)..
وفي سفيان الثوري الذي يصفه القوم بأمير المؤمنين في الحديث. يقول الذهبي: متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء. ولا عبرة بقول من قال
وقال فيه أبو داود: لو كان عنده شئ لصاح به..
وقال فيه ابن معين: مرسلات سفيان شبه الريح (41)..
ويقول الثوري: لو أردنا أن نحدثكم بالحديث كما سمعنا ما حدثناكم بحديث واحد (42)..
فإذا كان الثوري الذي رفعوه فوق مالك يقولون فيه مثل هذا الكلام فكيف الحال بسائر الرواة ممن هم في درجة أقل..؟.
وإذا كان القوم قد وقعوا في ابن المديني كبير المعدلين وابن معين قد وقع في الجميع. فأين الحقيقة إذن..؟.
ألا تكفي مثل هذه الوقائع للشك في هؤلاء الناس وفقدان الثقة فيهم..؟.
____________
(1) - مسلم. المقدمة.
(2) - المرجع السابق.
(3) - المرجع السابق.
(4) - المرجع السابق.
(5) - المرجع السابق.
(6) - المرجع السابق.
(7) - أنظر تهذيب التهذيب.
(8) - المرجع السابق.
(9) - ينسب أهل السنة على الدوام للشيعة أمورا كثيرة تتعلق بالرجعة هم منها براء وذلك بهدف تشويه فكرتها ودفع المسلمين إلى بغضهم والاستخفاف بعقائدهم منها ما يرويه مسلم في مقدمته عن سفيان قوله أن الرافضة - أي الشيعة - تقول أن عليا في السحاب.. أي سوف يرجع وأنه ينادي من فوق السحاب ويوجه الشيعة. إلا أن ما يمكن قوله حول فكر الرجعة أنها ليست عقيدة عند الشيعة وإنما هي مجرد رؤية يتبناها البعض.
(10) - كيف للبخاري أن يترك رواية جعفر الصادق وهو بينه وبين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
أربعة أنفس فهو ابن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. والخمسة لا تشوبهم شائبة وهم أعلام زمانهم. بينما يتجه شرقا وغربا ويجوب الأمصار بحثا عن الرواية من أناس يتطلب التحري عنهم مشقة كبيرة ثم إن بينهم وبين الرسول بعد المشرقين حتى أنه وجد أحدهم يكذب على دابته فترك الرواية عنه. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما دام البخاري بهذه الدقة وهذا الورع لم لم يرو عن أئمة آل البيت (ع).
(11) - أنظر تهذيب التهذيب لابن حجر وميزان الاعتدال للذهبي.
(12) - أنظر تهذيب التهذيب.
(13) - المرجع السابق وميزان الاعتدال. وقد ضعفه البخاري ويحي بن معين وأحمد بن حنبل.
(14) - تهذيب التهذيب.
(15) - أنظر كتب الرجال وعلم الحديث عن السنة. ويلاحظ أن كثيرا من رواتهم تنطبق عليهم حالة الفسق وخوارم المروءة.
(16) - أنظر المراجع السابقة.
(17) - أنظر هدى الساري مقدمة فتح الباري شرح البخاري وفيها الكثير من هذه النماذج في البخاري نقده القوم بسببها ودافع ابن حجر بمنطق التبرير.
(18) - مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء. وانظر البخاري كتاب الأحكام.
(19 - 28) - المرجعان السابقان.
(29) - أنظر لنا عقائد السنة وعقائد الشيعة. والسيف والسياسة في الإسلام، وانظر مناقشته في كتابنا شهداء الرأي في التاريخ الإسلامي.
(30) - الحديث رواه البخاري.
(31) - أنظر كتابنا السابق ذكره شهداء الرأي.
(32) - أنظر باب القرآن من هذا الكتاب.
(33) - أنظر كتاب تاريخ الحديث وكتب التراجم.
(34) - أنظر باب تضخيم الرجال من هذا الكتاب.
(35) - أنظر الباب السابق ذكره.
(36) - الباب السابق ذكره.
(37) - الباب السابق ذكره.
(38) - أنظر ترجمة ابن شهاب الزهري في وفيات الأعيان لابن خلكان وكتب التراجم.
(39) - أنظر تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال.
(40) - أنظر المرجعين السابقين.
(41) - أنظر تهذيب التهذيب.
(42) - أنظر تذكرة الحفاظ للذهبي.
الصحابة
إن فهم قضية الصحبة يعد مقدمة ضرورية لفهم الإسلام وكشف حقيقة الأطروحة الإسلامية المعاصرة والتي قامت في الأساس على فقه الرجال لا فقه النصوص. فقد حكم القوم بعدالة جميع الصحابة وحشدوا الكثير من النصوص القرآنية والنبوية المتعلقة بهم وطبقوها عليهم دون تمييز معتبرين المساس بالصحابة مساسا بالدين وبغضهم أو نقدهم زندقة وردة. وحتى يضبطوا المسألة ويحولوا بين المسلمين وبين معرفة الحقيقة أدخلوا مسألة الصحابة في صلب العقيدة (1) يقول الطحاوي في عقيدته ونحب أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم. ولا نذكرهم إلا بخير. وحبهم دين وإيمان وإحسان. وبغضهم كفر ونفاق وطغيان (2)..
ويقول صدر الدين الحنفي معلقا على هذا الكلام: يشير الشيخ - أي الطحاوي - إلى الرد على الروافض والنواصب وقد أثنى الله على الصحابة هو ورسوله ورضي عنهم ووعدهم الحسنى.. فمن أضل ممن يكون في قلبه حقد على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين (3)..
ويقول أحمد: لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص فمن فعل ذلك أدب فإن تاب وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع (4)..
أن موقفهم هذا موقف عائم لا تحكمه ضوابط..
أن هذا الموقف يحمل تهديدا ووعيدا لمن يخالفه..
أن الصحابة وقعوا في بعضهم وسب بعضهم بعضا..
أن هذا الموقف يتناقض مع صريح نصوص القرآن..
وينبغي لنا هنا أن نعرض مفهوم الصحبة في فقه القوم حتى يكون الأمر أكثر وضوحا..
يقول ابن حجر: أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) مؤمنا به ومات على الإسلام. فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ومن لم يره لعارض كالعمى (5)..
ويقول ابن حجر: أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم صحابة (6)..
وقال ابن حنبل والبخاري والواقدي وغيرهم نفس كلام ابن حجر فهذا التعريف للصحابي محل اتفاق القوم والمخالف له شاذ ومبتدع (7)..
ويقول ابن حجر: اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة ونقل قول بعضهم: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم. فمن ذلك قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقوله (السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه) وقوله (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة (8)..
ومن الواضح أن هذا التعريف لمفهوم الصحبة من شأنه أن يدخل كل من هب ودب من الناس في زمرة الصحابة وبالتالي ينال هذه المرتبة الشريفة ويرتفع مقامه في نظر الأمة ويجوز على ثقتها فلا تجد حرجا من التلقي منه..
فالرسل ليس دورهم أن يحولوا الناس إلى ملائكة. أنما دورهم ينحصر في التبليغ والتبيين والناس أحرار في قبول دعوتهم أو رفضها. حتى الملتزمون بهذه الدعوة هم درجات من الإيمان بها والالتزام بأحكامها لقد كان الهدف من فكرة العدالة هدفا سياسيا. إذ لو كانت العدالة منحصرة في فئة محدودة ممن عاصروا الرسول. لما أمكن لأحد أن يروي عن الرسول إلا هذه الفئة. ولما أمكن اختراع هذا الكم الهائل من الروايات المنسوبة للرسول والتي اعتمد عليها الحكام في تدعيم سلطانهم. واعتمد عليها الفقهاء في دعم أطروحتهم وإلزام الأمة بالسير على نهجهم..
كان الهدف من فكرة العدالة هو إدخال هذا الكم من الرجال المشبوهين في دائرة الثقة والإيمان حتى يمكن للأمة أن تتلقى منهم دون حرج..
الهدف هو مساواة معاوية بالإمام علي. وبالتالي تضيع الحقيقة وتسير الأمة من وراء معاوية. وهو ما حدث بالفعل (9)..
وقد تحقق لهم أن نشأت أجيال التابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم على الإعتقاد بعدالة جميع الصحابة ومنهم معاوية الذي استسلمت الأمة لخطه وباركه فقهاء الخديعة وأهمل تماما خط الإمام علي ودخل دائرة النسيان..
وحتى بعد أن سب معاوية الإمام عليا على المنابر وهو ما يخالف اعتقاد القوم الذين يحكمون على ساب الصحابي تارة بالكفر وتارة بالجلد والحبس وتارة بالقتل.
لم يدفعهم هذا إلى نبذه ومقاطعته وهذا الأمر إن دل على شئ فإنما يدل على التواطؤ والانحياز لبني أمية..
لم يكن الهدف من فكرة العدالة هو الحفاظ على الدين وإنما كان الهدف هو ضرب أصحاب العدالة الحقيقيين والتغطية عليهم..
ونظرا لكون الأمة سارت في خط بني أمية وبني العباس فهي قد تلقت دينها من
ولولا فكرة العدالة وتعريف الصحبة الذي ساد الأمة ما كان هناك وجود لبني أمية ولا لبني العباس وما كان اختفى منهج آل البيت منهج الإمام علي وعزل عن الواقع. فالأمر في حقيقته ليس إلا مؤامرة على الدين صنعها الحكام واعتمدوا فيها على صحابة زائفين ثم باركها الفقهاء من بعد وغابت الحقيقة عن الأجيال المسلمة اللاحقة..
إن المتتبع لسيرة الصحابة سوف يتبين له أن هناك انحرافات كثيرة وقعت على أيديهم في حياة الرسول وبعد مماته. هذه الانحرافات تخرج الكثير منهم من دائرة العدالة ولا تبقي إلا القليل وما يدفع للشك في مسألة الصحبة والعدالة هو التركيز الواضح على أشخاص بعينهم من الذين عاصروا الرسول وحصر أكثر الروايات وأهمها وأخطرها على عقل الأمة ومستقبلها في دائرتهم فالروايات المتعلقة بطاعة الحكام ووجوب الالتزام بنهجهم رواها أبو هريرة وابن عمرو ابن العاص وغيرهم ممن تحالفوا مع معاوية..
والروايات التي تتعلق بحياة الرسول الجنسية وعلاقته بالنساء روت أغلبها عائشة وأبو هريرة وحفصة وغيرهم من أنصار الخط الأموي..
والروايات التي ترفع من قدر بني أمية رواها أناس من خطهم..
حتى أن معاوية روى عن نفسه فقبلوا روايته..
وروى البخاري عن الطائفة المنصورة من طوائف المسلمين حديثا يقول:
خطب معاوية قائلا: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. وإنما أنا قاسم ويعطي الله. ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله (10)..
أما المتأمل في أحاديث حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري ومواقفهم فسوف يتبين له أن هؤلاء يطرحون طرحا آخر ويبثون علما آخر وما ذلك إلا لكون هؤلاء كانوا من خلص الصحابة وتلاميذ الإمام علي لأجل ذلك سحبت الأضواء من فوقهم وسلطت على آخرين ممن لا يوزنون بشئ..
ولقد عمد القوم إلى تشويه روايات هؤلاء والطعن فيها ليصرفوا الأمة عنها حتى أنهم طعنوا في أشخاصهم وفي شخص الإمام علي ذاته (11)..
والبخاري إنما بنى موقفه هذا - ويشاركه في ذلك جميع كتاب السنن تقريبا - على أساس ما أسس سابقوه من قواعد للنقل والرواية. فهو لم يعمل عقله في هذه القواعد التي تفوح منها رائحة السياسة وإنما اعتبرها من المسلمات لإجماع الأمة عليها فتناولها وبنى عليها..
وأول ما يلفت النظر في كتاب البخاري أنه لم يرو لجعفر الصادق شيئا ولم يرو لفاطمة الزهراء ابنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)) سوى حديث واحد.
بينما روى لعائشة (242) حديثا. ولمعاوية ثمانية أحاديث..
وروى لأبي هريرة (446) حديثا..
وروى لابن عمر (270) حديثا..
وروى للإمام علي (29) حديثا..
أما أنصار الإمام علي ممن رفضوا السير في خط بني أمية فقد روى لهم أحاديث تعد على الأصابع. وعلى رأس هؤلاء عمار بن ياسر الذي روى له أربعة أحاديث. وبلال بن أبي رباح الذي روى له ثلاثة أحاديث وسلمان الفارسي الذي روى له أربعة أحاديث والمقداد الذي روى له حديثا واحدا. أما أبو ذر فقد روى له أربعة عشر حديثا وروى لعبد الله بن جعفر حديثين (12).
وإذا ما نظرنا في مسند أحمد فسوف نجد أنه أسند إلى الإمام علي (818) حديثا معظمها صحيحة (13)..
وإذا ما تبين لنا أن الأحاديث التي رويت على لسان الإمام علي وفاطمة وسلمان وعمار وبلال وغيرهم من شيعة الإمام - لا تخرج عن دائرة الأخلاق والوعظ وبعضها ضد الإمام وفي صالح خصومه تبين لنا لماذا قدم البخاري على جميع كتب الأحاديث وسلطت الأضواء عليه من دونها؟..
إن تتبع النصوص سوف يكشف لنا أن العدالة إنما تنحصر في دائرة آل البيت
وعندما تمنح العدالة لسواهم فإن هذا يعني أن الأجيال المسلمة سوف تلتبس عليها حقيقة الدين وسط هذا الكم من الصحابة المختلفين الذين يتحدثون بلسان الرسول والذين هم عدول في نظرها وبالتالي يسهل على الحكام خصوم آل البيت وفقهاؤهم أن يستقطبوهم. وهو ما حدث على مر التاريخ الإسلامي..
لقد نشأت أجيال لا تعرف من هم آل البيت. ولا تعرف سوى الصحابة وأنهم عدول ومصدر تلقي الدين. وما كان ذلك إلا نتيجة لاختراع فكرة العدالة..
ومن هنا تبرز لنا أهمية هذه الفكرة وخطورتها على الدين إذ انبنى عليها دينا آخر يقوم على أساس روايات رجال مشبوهين. وأن التحرر من هذه الفكرة مقدمة ضرورية لمعرفة الدين الحق الذي يقوم على النصوص..
وعلى الرغم من محاولات القوم المستميتة للدفاع عن الصحابة وإظهارهم بمظهر العدول فقد أفلتت بعض الروايات في كتب القوم التي تناقص هذا المفهوم وتكشف أن هناك انحرافا بل وردة وقعت من قبلهم بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)..
يروي البخاري: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يرد على الحوض رجال من أصحابي فيحالون عنه. فأقول يا رب أصحابي؟ فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (15)..
وفي رواية: فأقول سحقا. سحقا لمن غير بعدي (16).
ويقول القسطلاني: أي غير دينه. لأنه لا يقول في العصاة بغير الكفر سحقا سحقا. بل يشفع لهم ويهتم بأمرهم كما لا يخفى (17)..
ويروي البخاري أنه قيل للبراء بن عازب: طوبى لك صحبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبايعته تحت الشجرة. فقال: يا ابن أخي أنت لا تدري ما أحدثنا بعده (18)..
____________
(1) - أنظر كتاب العقيدة الواسطية لابن تيمية وهو من الكتب المنتشرة في مصر وكانت توزع مجانا.
وانظر لنا باب الرجال من كتاب عقائد السنة وعقائد الشيعة.
(2) - شرح العقيدة الطحاوية ط القاهرة. وهذا الكتاب من أشهر كتب العقائد المنتشرة في الوسط الإسلامي بمصر.
(3) - المرجع السابق.
(4) - أنظر كتاب السنة لأحمد بن حنبل وعقيدة أهل السنة له أيضا. ط القاهرة.
(5) - الإصابة في تمييز الصحابة المجلد الأول.
(6) - المرجع السابق.
(7) - المرجع السابق.
(8) - المرجع السابق.
(9) - أنظر باب تضخيم الرجال من هذا الكتاب. وانظر كتابنا السيف والسياسة.
(10) - أنظر البخاري كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم. ومن الواضح من هذه الرواية أن معاوية حدد الخط الفقهي والسياسي للأمة. كما حدد أن الطائفة الظاهرة المنصورة هي أهل العلم كما ذكر البخاري وكان إجماعهم هذا في العصر العباسي. فهل كانوا يقصدون أهل العلم في العصر الأموي أم أهل العلم في العصر العباسي؟ ومعنى حصرهم الطائفة المنصورة في أهل العلم كما حصروا أيضا الفرقة الناجية أنهم وجدوا مخرجا من هذا الحرج باختراع روايات تدخل معاوية في زمرة الفقهاء.
(11) - أنظر باب تضخيم الرجال.
(12) - أنظر هدي الساري مقدمة فتح الباري.
(13) - أنظر مسند أحمد. والقوم يشككون في روايات المسند.
(14) - أنظر فصل تضخيم الرجال.
(15) - البخاري كتاب الفتن وباب الحوض.
(16) - المرجع السابق.
(17) - أنظر هامش صحيح مسلم طبعة استنبول.
(18) - كتاب الفتن.
الاجماع
يجد الباحث في مسألة الاجماع أمامه الحقائق التالية:
أن مسألة الاجماع محل خلاف بين الفقهاء..
أن الاجماع لم يتحقق في فترة من فترات التاريخ الإسلامي بل هناك استحالة لوقوعه..
أن هناك صورا من الاجماع تثير الشك..
أن الاجماع يبرز بشكل صارخ في المسائل المتعلقة بالسياسة وعقائد القوم إن معنى وقوع الاجماع بالصورة التي يحاول القوم إبرازها. معناه عدم وجود أية أطراف أو اتجاهات مخالفة لا تجاههم. والواقع لا يشهد بذلك..
فهناك من الصحابة والتابعين من التزم بنهج الإمام وشذ عن الخط السائد خط القوم وهناك الخوارج..
وهناك المعتزلة..
وهناك سائر الفرق الأخرى..
وكل فرقة من هذه الفرق كانت لها شعبيتها وسط المسلمين. وهي تتبنى أطروحة مخالفة لخط القوم.. فأي إجماع ذاك الذي يتحدثون عنه؟..
والإجابة هي إجماع أهل السنة أو الخط السائد من الحكام والفقهاء على عدة قضايا ومفاهيم تحقق الاستمرارية والسيادة لأطروحة القوم..
وأجمعوا على عدالة جميع الصحابة بلا استثناء..
وأجمعوا على طاعة الحكام وعدم منابذتهم والخروج عليهم..
وأجمعوا على صحة كتابي: البخاري ومسلم..
وأجمعوا على صحة مصحف عثمان..
هذا هو الاجماع. وهذه هي حقيقته. إنه إجماع خاص بالقوم وليس بالأمة.
وهو إجماع مصيري بالنسبة لهم إذ الخروج عليه معناه هدم عقائدهم ومفاهيمهم.
ولولا هذا الاجماع ما استطاع القوم إقناع المسلمين والأجيال اللاحقة بتبني خطهم وأطروحتهم..
إن المتأمل في الأطروحة الإسلامية المعاصرة سوف يكتشف أنها تقوم على فكرة الاجماع وليس على النصوص مما يعد صورة من صور تغلب الرجال على النصوص..
والهدف من فكرة الاجماع هو نفس الهدف من فكرة العدالة كلاهما يدفع بالأمة إلى الاستسلام للخط السائد وإضفاء المشروعية عليه. وكما أن فكرة العدالة من اختراع السياسة فإن فكرة الاجماع أيضا من اختراع السياسة..
ولقد استخدمت فكرة الاجماع كسلاح يتم إشهاره في وجه المناوئين والرأي الآخر وعلى أساسه تم تصفية الاتجاهات المخالفة وعزلها. وما كان ذلك ليتم لولا دعم الحكام الذين وجدوا في هذه الفكرة عونا ومستندا لهم..
ومسألة الاجماع على خلافة الأربعة لا تخرج عن كونها لعبة سياسية الهدف من ورائها ضرب خط آل البيت. فكون الإمام علي يكون في المؤخرة ويقدم عليه عثمان رأس بني أمية في الحكم ومن قبل عثمان عمر ومن قبل عمر أبو بكر. فإن هذا يعني أن هؤلاء الثلاثة أفضل منه. وما داموا أفضل منه فهذا يعني أنه غير مميز وليس بصاحب مكانة خاصة. وإذا ما وصل المسلم لهذا الإعتقاد فسوف يستخف بآل البيت ولا يعبأ بهم. وهذا هو الهدف من وراء هذا المعتقد..
وما يثير الشك هو تشدد القوم في هذا الإعتقاد ورفعهم شعار الزجر والوعيد