أما قوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون}
فالكلام فيها بنفس ما تقدم لأن الخطاب كان شاملاً للرسول أيضاً فمن الممنوع عقلاً وشرعاً أن يعقد الصحابة مشورة من دون الرسول هو بينهم، فإذا تحتم دخول الرسول معهم وهو الحاكم المطاع فتخرج الشورى حينها عن موضوع تعين الحاكم كما تقدم في الآية الأولى، فتكون الآية حثت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة لا فيما هو خارج عن حوزة أمرهم.
أما كون تعين الأمام داخلاً في أمورهم، فهذا هو أول الكلام وعلى أقل تقدير إذ لا ندرى هل أن أمر الإمام هو من شؤون المؤمنين أم من شؤون الله سبحانه، ومع هذا الترديد لا يصح التمسك بالآية.
فهذه الآيات التي ذكرتيها لا يستفاد منها أكثر من رجحان التشاور بين المؤمنين في أمورهم، كما أن التشاور لا يمكن أن يكون في القضايا التي ورد فيها تحديد شرعي فليس لأحد صلاحية في قبالة تشريعات الله تعالى، قال تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة} القصص 68وقال:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً} الاحزاب36.
…فالآيتان أجنبيتان تماماً عن موضوع القيادة، وبالتالي دليلكِ هذا ساقط ولا ينهض بأي حال من الأحوال لإثبات المدعى.
قلت: هذا الكلام يبدو في ظاهره وجيه، مع أنه يشوبه نوع من الغرابة فلم أسمع من قبل بمثل هذا الاستدلال، ولكن كل ما أفهمه، أن اختلاف أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة..
اختلاف أمتي رحمة
عذراً يا عزيزتي أن الحديث الذي ذكرتيه ليس بهذا الفهم، والوارد في تفسيره عند أهل البيت (عليهم السلام) كما جاء في كتاب أسمه علل الشرائع (أنه قيل للأمام الصادق (عليه السلام): أن قوماً يروون أن رسول الله قال: (اختلاف أمتي رحمة)، فقال: صدقوا، فقيل إذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب، قال (عليه السلام): ليس حيث تذهب وذهبوا، إنما أراد قول الله عز وجل {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}122التوبة.واختلاف أهل البلدان إلى نبيهم ثم من عنده إلى بلادهم رحمة.. فالاختلاف في البلدان لا في الدين لان الدين واحد، وهذا ما تؤكده كتب اللغة فقد جاء في المنجد: أختلف إلى المكان، تردد أي جاء المرة بعد الأخرى.وهذا ما يقبله العقل والشرع قال تعالى:{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}103آل عمران، وقوله تعالى:{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم..} 46الأنفال، وقال: ل {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}4 الصف، وقال تعالى {إنما المؤمنون أخوة}4الحجرات.
الديمقراطية مبدأ إسلامي وعقلائي
قلت: حسناً يا خالي إذاً أنتم الشيعة الإمامية، لا تعترفون
خالي: أولاً إن الديمقراطية بصورتها الحالية لم تكن هي المبدأ الذي أتفق عليه كل العقلاء.
وثانياً: أن الديمقراطية بالفهم الإسلامي هي رقابة مشتركة بين الحاكم والرعية من أجل تطبيق قيم ومبادئ سامية، وليست هي الفوضى التي تنتج من الأتباع المطلق لرغبات الشعب، وإنما هي مساعي مشتركة بين الحاكم والرعية لتطبيق شرع الله.
ثالثاً: إن الديمقراطية يمكن أن تقبل في إطار خاص وليس مطلقاً، أي في الأمور التي تعتبر من اختصاصات البشر، لا في الأمور التي هي من شأن الله سبحانه وتعالى، فالحا كمية الحقيقية لله تعالى {أن الحكم ألا لله}، والله هو الخالق، والخالقُ مالك، والمالك هو الحاكم، ولا يجوز للمملوك أن يتصرف في حق المالك ألا بأذن المالك، وقد جرت سنة الله سبحانه وتعالى باصطفاء الخلفاء والحكام الذين يمثلون حكومته في الأرض، قال تعالى:{أني جاعلك في الأرض خليفة}وقال تعلى {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا}وقال:{أني جاعلك للناس إماما وقال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}وهذا غير الآيات التي تحدثت عن اصطفاء الله للخلفاء، فأمر الحكم هو من اختصاص الله عز وجل، فلا تجري فيه الديمقراطية.
الديمقراطية لا تصلح في المجتمع القبلي
رابعاً: ولو سلمنا جدلاً أن الديمقراطية يمكن أن تكون طريق لاختيار الحاكم، لكنها لا تفيد مع ذلك المجتمع الجاهلي الذي لم يعرف في طول تاريخه معنى الشورى، فان الأنظمة التي كانت سائدة هي الأنظمة القبلية، والتقسيمات العشائرية، التي لا تعترف ألا بقانون القوة.
قلت: لكن النبي (صلى الله عليه وسلم) سعى سعياً حثيثاً لمحو الروح القبلية وإذابة الفوارق العشائرية، وجمع ذلك الشتات في بوتقة الإيمان الموحد.
خالي: نعم هذا صحيح، ولكن ليس من الممكن أن ينقلب النظام القبلي في مدة ثلاث وعشرين عاماً إلى نظام موحد إسلامي فقد كان لا يرى إلا الانتساب إلى القبلية فخراً له، والأدلة على ذلك كثيرة، فقد نقل البخاري في صحيحه (تنازع مهاجري مع أنصاري، فصرخ الأنصاري (يا معشر الأنصار) وصرخ المهاجري (يا معشر المهاجرين)(2)، ولما سمع النبي ذلك، قال: (دعوها فإنها دعوة ميتة). ولولا قيادته الحكيمة (صلى الله عليه واله وسلم) لخُضّب وجه الأرض بدماء المسلمين من المهاجرين والأنصار. وكم حدثت أمثال تلك الحوادث، حتى قال فيهم النبي (يا معشر المسلمين، أبد عوى الجاهلية، وأنا بينكم..)، وحتى تتأكد مما قلته لك أرجع إلى أي كتاب في التاريخ، لترى الصورة الحقيقية للمجتمع الأول، ولا تفهم من ذلك إني أشكك في مجتمع الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، وكلما أقصده أن النظرة المثالية ليست واقعية.
____________
2 - ج5 صـ119ـ،بات غزوة بني المصطلق.
قلت: ليس كل ما جاء في كتب التاريخ حقيقة.
خالي: عفواً لا تعتمدي على الكلمات المطلقة، ليس كل ما في التاريخ حقيقة، هذا الكلام عليكِ وليس معكِ، لأن السلف الذين تدافعين عنهم أنتِ لم تعيشي معهم، وكل ما تعرفينه عنهم هو عبر التاريخ، هذا أولاً، وثانياً: أن هنالك روايات في الصحاح التي تعترفون بصحتها تكشف أن المجتمع الأول لم يكن مثالياً كما تتخيلين، واليك هذه الحادثة التي جاءت في صحيح البخاري في قصة الإفك كمثال وليس حصراً. قال النبي (ص) وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني في رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت منه إلا خيراً وما يدخل على أهلي إلا معي.
قالت عائشة: فقال سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.
قالت عائشة: فقام رجل من الخزرج وهو سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية، فقال سعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل.
فقال أسيد بن حضير، وهو أبن عم سعد بن معاذ، لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله، لتقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين.
قالت عائشة: فصار الحيان (الأوس والخزرج) حتى هموا أن يقتتلا ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، قائم على المنبر، ولم يزل رسول الله يخفضهم (أي يهدئهم) حتى سكتوا.
واسمحي لي أن أتجاسر قليلاً وأقول لك، أن فرض الديمقراطية في مثل هذا المجتمع هرطقة فاضحة.
وذلك لأن العمليات الانتخابية التي يفترض إجراؤها تحت مظلة الديمقراطية تستلزم وعياً ونظرا للمصالح والمفاسد وتقويماً للطرق السليمة التي تفيد المجتمع في ارتقائه وتكامله، وتجربة في الحياة السياسية.وهذا كله يستدعي أرضية ثقافية وفكرية نشطة لدى أبناء الشعب وفي غير تلك الصورة يكون فرض الديمقراطية ضرباً من اللاواقعية.
قلت: بقدر ما أنك تجد شواهد على بدوية ذلك المجتمع، فأن الشواهد على وجود نماذج طيبة كثيرة جداً في التاريخ، وليس من الأنصاف أن تتمسك بالشواهد السلبية دون الإيجابية، فمجرد وجود تلك النماذج الإيجابية كافٍ لصيرورة نظام الشورى.
خالي: أنا لا أنكر تلك النماذج الإيجابية بل أفتخر بها، ولكن ليس هذا مربط الفرس، فأن القضية تدور مدار الشرعية للشورى، والمدعى قائم على نفي الشرعية عنها، إذ لا يعقل أن تكون الشورى هي الطريق الذي حدده الشرع، في حين أنه لا توجد رواية واحدة عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) يتحدث فيها عن الشورى، وهذا خلاف المفترض، حيث كان من اللازم أن يبين الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كيفية الشورى وحدودها وآلياتها، في حين أن الأحاديث التي تتحدث عن السواك وفوائده لا تقل عن الخمسة والثلاثين حديثاً.
إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر
قلت: في كلامك نسبة كبيرة من الوجاهة، وقد يصل إلى حد الإقناع لولا أنه معارض بإجماع الصحابة الذين أستقر رأيهم على خلافة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، وقد أعطى رسول الله هذا الإجماعَ الشرعيةَ بقوله (لا تجتمع أمتي على الخطأ).
خالي: بغض النظر عن الكلام حول حجية الإجماع والنقاش الدائر حوله، فأن إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر لا يخلوا من أشكال، لأن القدر المتيقن من حجية الإجماع، هو الإجماع الغير مخروق إي الإجماع الذي لم يخالفه مخالف، وهذا غير متحقق.
قلت: أن الإجماع ينعقد برؤوس القوم وزعمائهم وهذا متحقق، ولا عبرة بغيرهم.
خالي: أن الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر لم يكونوا من صغار القوم كما زعمتِ، بل هم أعاظم الصحابة، وإليك منهم على سبيل المثال لا الحصر؛ فروة بن عمرو وهو ممن تخلف عن بيعة أبي بكر، وكان ممن جاهد مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكان يتصدق من نخله بألف ساق كل عام، وكان سيداً وهو من أصحاب علي، وممن شهد معه يوم الجمل(3)..، وجاء في أسد الغابة شهد العقبة وبدراً وما بعدهما(4)؛ وممن تخلف أيضاً خالد بن سعيد الأموي هو ممن أسلم قديماً فكان ثالثاً أو رابعاً وقيل خامس من أسلم، وقال أبن قتيبة في
____________
3 - وقد ذكر ذلك الزبير بن بكار في الموفقيات ص590.
4 - أسد الغابة ج4ص178.
بيعة علي لأبي بكر كافية في المقام
قلت: كلامك مقنع وقد تفاجأت فعلاً بهذه الأسماء، ولكنه معارض، بمبايعة علي لأبي بكر وهذا كافي لأنه مدار الخلاف.
خالي: لم تكن مبايعة علي لأبي بكر متفق عليها، فقد تواتر في كتب التاريخ والصحاح والمسانيد تخلف علي ومن معه عن بيعة أبي بكر وتحصنهم بدار فاطمة، ومن ذلك ما رواه البلاذري وقال: بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي حين قعد عن بيعته وقال: ائتني به بأعنف العنف، فلما أتاه جرى بينهم كلام، فقال علي لعمر: أحلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم ألا ليؤثرك غداً.
لذلك قال أبو بكر في مرض موته: أما أني لا أسي على شيء من الدنيا، ألا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن إلى قوله.. فأما الثالث التي فعلتها فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء، وأن كانوا قد أغلقوه على حرب.
وقد ذكر المؤرخون ممن دخل في دار فاطمة.
1-عمر بن الخطاب.
____________
5 - ص128.
3-عبد الرحمن بن عوف.
4-ثابت بن قيس.
5-زياد بن لبيد.
6-محمد بن مسلمة.
7-زيد بن ثابت.
8-سلمة بن أسلم.
9-أسيد بن حضير.
وقد ذكروا في كيفية كشف بيت فاطمة انه: (غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر منهم علي بن أبي طالب والزبير، فدخلا بيت فاطمة ومعهما السلاح.
وذكر المؤرخون أيضاً قد بلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا. فبعث إليهم أبو بكر عمر ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: أن أبوا فقاتلهم.
فأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيتهم فاطمة فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟!
قال عمر: نعم، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة.
وفي أنساب الأشراف، فتلقته فاطمة علي الباب فقالت: يا ابن الخطاب أتراك محرقاً على بابي؟!
قال عمر نعم.
وعلى ذلك أنشد حافظ إبراهيم شاعر النيل قائلاً
وقولة لعلي قالها عمر | أكرم بسامعها أعظم بُملقيها |
حرقتُ دارك لا أبقي عليك بها | إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها |
ما كان غير أبي حفص يفُوه بها | أمام فارس عدنان وحاميها |
قلت: وأنا مندهشة لم أسمع بهذا من قبل، فهل يمكن أن تنقلب الأمة حتى على بنت رسول الله (ص)، ولكن يا خالي إذا تجاوزت هذه الحادثة مع أنه مما لا يمكن تجاوزه، وإنما لفتح الباب أمام الحوار وسلمتُ بما حدث، فأنه لا يتجاوز أن يكون موقفاً مخالفاً لموقف الصحابة الذين اجتمعوا في السقيفة وارتأوا الشورى حلاً، وهذا ليس كافٍ لسلب صحة الشورى، وأهل السنة على هذا الرأي.
أحداث السقيفة
خالي: أن الكلام كان عن الإجماع وما ذكرته لك كافٍ لإبطاله، هذا أولاً، وثانياً أن الشورى بما هي شورى ليست حجة وغير ملزمة، كما اثبتنا ذلك في أول الكلام، وثالثاً: أن الشورى لم تكن موجودة على المستوى العملي، فأن مجريات الأحداث لا توحي بوجود شورى. وإليك ما جاء في السقيفة من رواية عمر بن الخطاب قال: إنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما، فقلتُ لأبي بكر: أنطلق بنا إلى إخواننا الأنصار. فانطلقنا حتى أتيناهم، فإذا رجل مزّمل فقالوا هذا سعد بن عبادة يوعك.
فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثني على الله ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وانتم معشر المهاجرين رهط.
فأراد عمر أن يتكلم عندما سمع خطيب سعد بن عبادة لكن أبو بكر منعه، فتكلم هو، يقول عمر: والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل، حيث
وأخذ أبو بكر بيد عمر وبيد أبو عُبيدة.
فقال قائلٌ من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعُذيقها المرجب.. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش.
فكثر اللغط وارتفعت الأصوات.
فخاف عمر من الاختلاف، فقال لأبي بكر: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار وهذا مختصر ما جرى في السقيفة(6).
علي مع الحق والحق مع علي
والأمر الأهم من ذلك، أن علياً (ع) لم يكن طرفاً في قبالة أهل الشورى كما زعمتِ، لان علياً (ع) ركن الحق والحقيقة والحق يدور معه حيثما دار.
قلت: ولماذا؟.. الحق يدور مع علي حيثما دار، هذا الكلام في غاية التهافت، ولا يمكن أن يقبله جاهل فضلاً عن عالم، كيف
____________
6 - وللتفصيل أرجعي إلى كتب التاريخ مثل الطبري في ذكره حوادث بعد الرسول، وابن الأثير ج2ص125 وتاريخ الخلفاء لابن قتيبه ج1ص5 وسيرة بن هشام ج4ص336 وغيرها مثل الطبقات وكنز العمال والعقد الفريد وتاريخ الذهبي واليعقوبي والموفقيات للزبير بن بكار وكتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري وشرح النهج.
خالي: أولاً: يا عزيزتي أن هذا الكلام ليس متهافت كما تفضلت، لان العقل لا يمانع أن يكون الحق يدور مدار إنسان، بل حتى الإمكان العلمي والعملي لا يخالف ذلك، أما على المستوى العقلي، فأن العقل لا يحكم باستحالة شيء إلا إذا رجع لمبدأ التناقض وهذه منتفية بالضرورة، وأما على المستوى العلمي فالعلم يقول أن في الإنسان قوة عقلية تدله للصواب وغرائز وشهوات تجره للخطأ، فإذا غلّب الإنسان قوته العقلية لا يمكن أن يرتكب الخطأ، وأما من الناحية العملية يكفيك الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين، فليس في الأمر تهافت.
وثانياً: أن هذا الكلام لا يخالف الشرع كما تفضلتِ، قال تعالى:{ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}فأن الله يحاسب الإنسان على مثقال ذرة (وهي أصغر ما يمكن أن يعبر بها) من الشر، فإذا كان الإنسان ليس قادراً على أن لا يرتكب مثقال ذرة فلماذا يحاسبه الله، قال تعالى {لا يكلف الله نفساً ألا وسعها} فمعنى ذلك أن عدم ارتكاب الذرة من الخطأ هي من سعة الإنسان واستطاعته، وهذا دليل على أن كل إنسان يمكن أن يكون معصوماً، وإذا سلمت بذلك كما هو واضح، فهل يا ترى لم يتحقق ذلك أبداً في طول التاريخ الإسلامي؟ وهو بالتأكيد تحقق لأن الله لم يضع هذا الأمر عبثاً، وإنما واقعاً،
وثالثاً: قال تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} جاء في تفسير الرازي لهذه الآية، أن الله أوجب طاعة أولي الأمر على سبيل الجزم وكل من يأمر الله بطاعته على سبيل الجزم لابد أن يكون معصوماً، وألا يجتمع الأمر والنهي في موضع واحد وهذا محال؛ وبتقرير آخر، أن الله أمر بالطاعة المطلقة لأولي الأمر من غير تخصيص، فإذا كان يتصور منهم الخطأ، فأننا بطريقة غير مباشرة نرتكب الخطأ، فنكون أمرنا بارتكاب الخطأ، وقد نهانا الله عنه، فيكون بذلك أجتمع الأمر والنهي في موضع واحد وهذا محال، فإذاً لابد أن يكون أولو الأمر معصومين، فيا ترى من هم المعصومون الذين أمرنا الله بطاعتهم؟
قلت لكي أقطع عليه الطريق:... الرسول طبعاً.
خالي (مبتسماً): مهلاً يا بنت أختي لا تتعجلي..
قلت: نعم، نعم أنا أسفة.. واصل كلامك.
خالي: والإجابة على ذلك هو قوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}أن في هذه الآية تأكيد من الله عز وجل على تطهير أهل البيت من الرجس، وهو كل ذنب صغيراً كان أم كبيراً، وهذه هي العصمة بعينها، فيكون معنى الآية (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأهل البيت)، وقد ذكرت لك ذلك من قبل ولكن لتأكيد الفائدة وتعميمها.
رابعاً: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (علي
____________
7 - أخرج الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج7ص235، وروى أبو يعلي ورجاله ثقاة، كما في كنوز الحقائق ص70،وأرجح المطالب ص598، وكتاب مناقب علي بن أبي طالب للفقيه الحافظ أبي الحسن الواسطي الشافعي ص244.
8 - شرح النهج ج1 ص 212.
9 - كنز العمال ج 6ص 157 ج 6 ص155.