وهي نصوص تقوم في أساسها على الروايات المنسوبة للرسول (ص) وأقوال الحنابلة فهي تؤكد لله سبحانه صفة الوجه واليدين النزول والضحك والغضب والحب والمجئ وغير هذه الصفات التي تؤكدها الروايات في صراحة ووضوح..
وهي تؤكد طاعة الحكام ووجوب الحج والجهاد معهم والصلاة من خلفهم سواء كانا أبرارا أو فجارا.
وهي من جانب آخر تبيض وجه معاوية بن أبي سفيان وتعتبره من كتاب الوحي وخال المؤمنين لأنه أخو أم حبيبة السيدة رملة بنت أبي سفيان زوجة النبي (ص).
وهي تنص في الختام على وجوب هجران أهل البدع ومباينتهم وترك النظر في كتب المبتدعة والاصغاء إلى كلامهم وكل محدثة في الدين بدعة..
وقد تصدى ابن عثيمين لشرح هذه المسألة وأفاض فيه فقال: المراد بهجران أهل البدع الابتعاد عنهم وترك محبتهم ومولاتهم والسلام عليهم وزيارتهم ونحو ذلك..
ومن هجر أهل البدع ترك النظر في كتبهم خوفا من الفتنة بها أو ترويجها بين الناس فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب..
ولأهل البدع علامات منها:
* أنهم يتصفون بغير الإسلام والسنة بما يحدثونه من البدع القولية والفعلية والعقيدية..
* أنهم يتعصبون لآرائهم فلا يرجعون إلى الحق وإن تبين لهم.
* أنهم يكرهون أئمة الإسلام والدين.
والظاهر من هذا الكلام المتطرف أن جميع المسلمين الذين لا يدينون بنهج الحنابلة الوهابيون هم مبتدعة كفار خارجون عن الإسلام..
والواجب عليهم حتى يخرجوا من دائرة الكفر وينجوا من النار أن يتبنوا الروايات وأقوال السلف وعقيدتهم..
عليهم أن يجعلوا ابن حنبل وابن تيمية وأن قدامة وابن حجر وابن القيم وابن باز وابن عثيمين أئمتهم..
وهؤلاء جميعا هم أئمة الإسلام والدين الواجب علينا حبهم في عقيدة ابن عثيمين وفقهاء الوهابية..
إن تبني الرفض لنهج الروايات والفقهاء والحكام والثبات على ذلك يعد رفضا للدين في منظور ابن عثيمين..
ويعد من جانب آخر تعصبا للباطل وإصرارا عليه بعد أن أظهرت الروايات الحق على يد فقهاء السلف الأبرار..
إن العيش بعقل الحاضر ونبذ عقل الماضي هو بدعة وضلال..
وإن تبني نهج القرآن والعقل هو زيغ وردة عن الإسلام..
ولا نجاة للمسلمين من مدافع الوهابيين وقذائفهم إلا باللجوء إلى حصن التوحيد في جزيرة العرب تحت حماية آل سعود..
مدافع المدخلي
فقاعة نفطية..
وقد حشا المدخلي هذا بجميع أنواع القذائف السلفية التي صنعها الفقهاء لإبادة أصحاب الرأي والاتجاهات الأخرى المخالفة لأهل السنة.
وهو ما يبدو واضحا من عنوان كتابه: منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف..
- قذائف المدفع /
أما القذائف التي احتواها هذا المدفع الخطير فهي:
* وجوب هجران أهل البدع..
* أهل البدع مرضى القلوب..
* لا يجوز ذكر محاسن أهل البدع..
* الرد على أهل البدع والأهواء من أبواب الجهاد..
وهذه القذائف السلفية إنما تم بعثها لمواجهة أهل العصر من أصحاب الرأي والاتجاهات المخالفة وهم بالتحديد العلمانيين والاشتراكيين والمسيحيين والسياسيين والحزبيين بالإضافة إلى الشيعة والصوفية وأصحاب الاتجاه الإسلامي التجديدي الذي يتبنى تصحيح التراث ونقد الروايات..
هؤلاء جميعا من أهل البدع الضالين خصوم الحق، والتوحيد حسب تعبير فقهاء الوهابية من خلال سطور هذا الكتاب الذي أتى به صاحبنا ليهدد المسلمين..
إن فقهاء الوهابية يعتبرون أنفسهم أهل السنة والتوحيد ومن دونهم فهم أهل الشرك والضلال المطلوب إبادتهم، ويعتبرون آل سعود أئمة للمسلمين وحماه للتوحيد، فمن ثم وضع
وقد اعتمد صاحبنا في كتابه هذا على مدافع ابن تيمية خاصة لكونه الشخصية الوحيدة من بين الفقهاء التي حملت راية الجهاد في مواجهة المخالفين وعلى أساس أفكارها المتطرفة قامت الحركة الوهابية التي لا زالت تقذف المسلمين بقذائفه..
يقول المدخلي: يا إخوتاه؟ إن كنتم حقا تحترمون المنهج السلفي وأهله فانشروا كتبهم ودرسوها، واشحنوا كتاباتكم ومحاضراتكم ومقالاتكم بأقوالهم في أهل البدع وتحذيرهم منهم ودرسوا الشباب مواقفهم من أهل البدع وحثوا الشباب على دراستها والاحتفاء بها والإعتزاز بها، فبهذه الأساليب تحيا عقيدة ومنهج السلف..
والكتب المقصودة هنا بالطبع هي كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب فهؤلاء هم سلفة وقدوته، و هذه الكتب هي التي تم نشرها وتوزيعها مجانا على المسلمين في كل مكان ببركات آل سعود. والتي أسهمت ولا زالت في دعم التطرف وتقوية شوكته..
- قذائف أخرى:
ومن القذائف التي جاء بها المدخلي ليدعم بها موقفه ويوسع من دائرة الإصابات بين المسلمين ما يلي:
* أن الإسلام وأهله أتوا من طوائف:
الأولى: طائفة ردت أحادث الصفات وكذبوا رواتها. فهؤلاء أشد ضررا على الإسلام وأهله من الكفار..
الثانية: طائفة قالوا بصحتها وقبولها ثم تأولوها، فهؤلاء أعظم ضررا من الطائفة الأولى..
الثالثة: طائفة جانبت القوانين وادعت التنزيه وهي كاذبة فأداهم ذلك إلى القولين الأولين وكانوا أعظم ضررا من الطائفتين الأوليين..
وواضح من هذا الكلام أن صاحب هذه القذيفة لا يستثني أحدا من المسلمين إلا طائفته هو وهي طائفة الحنابلة بالطبع، فهي الطائفة الوحيدة التي آمنت بالروايات الخاصة بصفات الله تعالى وجعلت لله سبحانه يد ورجل وعين ومكان وغير ذلك من الصفات التي تؤدي إلى التشبيه والتجسيم والتي فرت فيها الاتجاهات الأخرى وأنكرتها من باب تنزية الله سبحانه، واتجه بعضها إلى حمل هذه الروايات على المجاز أي تأولت معناها. بينما اتجه آخرون إلى
وهؤلاء جميعا مارقون في نظر الحنابلة القدامى والمعاصرين من أتباع ابن عبد الوهاب وأشد خطرا على الإسلام من الكفار..
فهل يعقل مثل هذا الكلام؟
بالطبع لا. لكن فقهاء التطرف هم الذين لا يعقلون..
* مبتدعة الإسلام أشد من الملحدين..
* أهل الأهواء والبدع لا تقبل لهم شهادة في الإسلام أبدا، ويهجرون ويؤدبون فإن تمادوا على بدعتهم استتيبوا منها.
وهذا الكلام حاله كحال السابق من أنه لا فرق بين المبتدعة وبين الكفار في نظر الفقهاء وما دام الأمر قد دخل في دائرة الاستتابة فهذا يعني أن البدعة تعد ردة عن الإسلام هل هناك تطرف أكثر من هذا؟
* فرقة النجاة - أهل السنة - مأمورون بعداوة أهل البدع والتشريد بهم، والتنكيل بمن انحاش إلى جهتهم بالقتل فما دونه..
نداءات..
وكانت آخر قذائف المدخلي هي نداء صارخ للشباب يطالبه بإلغاء العقل والإسراع نحو الماضي والتحصن بالروايات وعقيدة السلف..
يقول النداء: انتبه أيها السلفي الصادق؟ وأحذر أن تقاد إلى نصرة أهل البدع والضلال والالحاد التي تضمها التنظيمات الحزبية والسياسية. فإن كثيرا من أدعياء السلفية لا هم لهم اليوم إلا نصرة أهل البدع المشكلة من أصناف الشيعة والصوفية القبورية أهل الحلول والاتحاد الذين يقول ابن تيمية فيهم: أن من ينصرهم شر ممن ينصر النصارى والمشركين..
ولا تنس مناصرة أدعياء السلفية لأهل البدع في أزمة الخليج ضد أهل التوحيد في الجزيرة فإن كنت خدعت بهم وقتا ما، فأفق. ولا يلدغ مؤمن من حجر مرتين..
إن على الشباب السلفي أن يكون يقظا لما يحاك ضده وضد عقيدته ومنهجه، فلا يليق به أن ينساق وراء الشعارات الطنانة، ولا وراء العواطف العمياء التي تؤدي إلى تضييع أعظم نعمة وأعظم أمانة في عنقه وهي الثبات على منهج أهل الحديث والسنة وحمايته من غوائل
إن هذا النداء المتطرف من قبل صاحبنا الوهابي لشباب العصر لم ينحصر فقط في الدعوة لإلغاء العقل والارتباط بالماضي وإنما تجاوز هذا الحد ليدعوا إلى تسييس الشباب وفق النهج السعودي الأمريكي بدعوته لهم بمنابذة ومعاداة الذين وقفوا ضد آل سعود والتدخل الأمريكي في أزمة الخليج. وهذا يعني أنه يدعوهم صراحة إلى تأييد الفتوى النفطية الصادرة عن فقهاء آل سعود والتي تنص على جواز الاستعانة بالمشركين وتبرير وجود القواعد الأمريكية في الخليج. وإذا كان هذا حاله، فلماذا يحرم على الشباب الانتماءات السياسية والحزبية ويكفر أصحاب هذه النشاطات ويدعو إلى محاربتهم..؟
والجواب أن هذه الأنشطة لا تسير على نهج الروايات ولا تلتزم بعقيدة السلف التي تنص على موالاة الحكام وطاعتهم ولو كانوا فجارا يتآمرون على الإسلام ويستعينون بأعداء الله على المسلمين..
ملاحق الكتاب
مدافع أخرى
ومن باب إتمام الفائدة سوف نعرض في دائرة هذا الملحق لنماذج من هذه الكتابات التي ترتبط أغلبها بتيار الحنابلة القديم والمعاصر المتمثل في المذهب الوهابي والجماعات الإسلامية المختلفة التي تربت ورضعت من هذا التيار..
ومن نماذج هذه الكتابات التي سوف نعرض لها هنا:
أصول أهل السنة والجماعة للأشعري..
الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى..
الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب الحنبلي..
العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي..
تطهير الاعتقاد عن أدران الشرك والإلحاد للصنعاني.
مختارات من أحكام العصاة لأئمة السلف، منشور أزهري.
الحسام الماحق لكل مشرك منافق للهلالي..
تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين.
- أصول أهل السنة والجماعة /
وهو مدفع شملت قذائفه جميع التيارات والاتجاهات المخالفة للخط السائد الذي فرض على الأمة من قبل الحكام والفقهاء الذين ساندوهم تحالفوا معهم. ذلك الخط الذي فرض صورة محددة للدين تقوم على أساس الروايات وأقوال الرجال لا على أساس كتاب الله والنصوص الصريحة..
وقد بدأت معالم هذا الخط في البروز على يد معاوية وتم تقنينه على يد العباسيين والسلجوقيين والأيوبيين والمماليك من بعدهم.
وعرف هذا الخط بمسمى أهل السنة الذي حمل رايته الحنابلة بداية من عصر المتوكل العباسي، والأشعري من بعدهم بداية من العصر السلجوقي التركي..
ويمكن تحديد قذائف هذا المدفع فيما يلي:
* اعتبار صفات الله الواردة في القرآن صفات حقيقية لا مجازية..
* السمع والطاعة لأولى الأمر برهم وفاجرهم سواء تولوا أمر المسلمين برضاهم أو بالغلبة عليهم وتحريم الخروج عليهم..
* تحريم ذكر الصحابة بسوء أو المساس بهم وأن يظن بهم أحسن الظن وأحسن المذاهب..
* أن ما كان بين الصحابة من خلاف في الأمور الدينية لا يسقط حقوقهم..
* لا يجوز لأحد أن يخرج عن أقاويل السلف فيما اجتمعوا عليه. وعما اختلفوا فيه أو في تأويله لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم..
* ذم سائر أهل البدع والتبري منهم وترك الاختلاط بهم..
* وجوب الدعاء لأئمة المسلمين..
ويظهر لنا من خلال هذه القذائف الثقيلة الحارقة أن البقاء لخط أهل السنة الذي يفرض على الأمة العيش بعقل الماضي والالتزام بعقيدة السلف وأقوال الرجال وموالاة الحكام الفجار والالتزام بطاعتهم. وبقاء أهل السنة يعني فناء الاتجاهات والتيارات الأخرى وهو ما كان واقعا في ظل الدولة الأموية والعباسية والسلجوقية الأيوبية والمملوكية والعثمانية، وهو ما يسعى التيار الوهابي الحنبلي إلى تحقيقه اليوم بدعم القوى النفطية..
- العواصم من القواصم /
وهذا المدفع صنع خصيصا لتبرير الانحرافات والمصادمات التي وقعت بين الصحابة بعد وفاة الرسول (ص)، فهو يهدف إلى التأكيد على أن هذه الأحداث لا تنقص من قدر أحد منهم وما هي إلا اجتهادات يثابون عليها، ومن اعتقد غير هذا فهو على غير سبيل المسلمين والمقصود أن من طعن في عثمان أو معاوية أو ولده يزيد مثلا فهو ضال زائغ.
كذلك من مال إلى الإمام علي وانحراف عن الآخرين من الصحابة.
وقد اعتبر صاحب هذا المدفع أن هذا الطعن والميل يعتبر قاصمة..
واعتبار أن الجميع مجتهد ومثاب وإحسان الظن فيهم يعتبر عاصمة..
وبهذا يكون صاحب هذا المدفع قد عمل على تقويم أحداث التاريخ وتسطيح حركته مما يؤدي إلى افتقاد القدرة على تمييز الحق من الباطل واستلهام العبر والدلالات من خلال حركته وأحداثه، وهو أمر مناف للعقل والفطرة وسننية الكون.
أن مثل هذا الكتاب إنما يهدف إلى الحجر على العقول وفرض الوصاية السلفية على الأمة كي لا تنحرف على الخط المرسوم من قبل الحكام وفقهاء السلطة..
وصاحب الكتاب بعد أن أبلى بلاءا سيئا لم يكن موفقا فيه قد حشد العشرات من التبريرات الواهية والتأويلات الفاسدة التي يدافع بها عن الانحرافات التي وقعت بعد وفاة الرسول (ص) والتي تصطدم بروح الشرع والنصوص الصريحة، وفي الحقيقة هو في هذا كله لا يدافع عن الدين بل يدافع عن الرجال والحكام..
يقول في ختام كتابه مطلقا قذيفة قاتلة على المخالفين: إنما ذكرت لكم هذا - أي للمسلمين - لتحترزوا من الخلق وخاصة من المفسرين والمؤرخين وأهل الآداب فإنهم أهل جهالة بحرمات الدين أو على بدعة مصرين..
فإذا صنتم أسماعكم وأبصاركم عن مطالعة الباطل ولم تسمعوا في خليفة ممن ينسب إليه ما لا يليق ويذكر عنه ما لا يجوز نقله كنتم على منهج السلف سائرين وعن سبيل الباطل ناكبين..
- الأحكام السلطانية /
ومن خلال هذا المدفع الحنبلي المسلط على الحكام والجماهير يحدد القاضي أبي يعلى شروط ومواصفات الحاكم والولايات. معلنا رضاه الكامل عن الطغاة والجبارين من الحكام من بني أمية وبني العباسي وغيرهم، ومعلنا غضبه وسخطه ومنزلا لعناته على المأمون والمعتصم والواثق ليس لشئ إلا سيرا على نهج الحنابلة وإمامهم أحمد بن حنبل الذين غضبوا على هؤلاء الحكام الثلاثة بسبب موقفهم من ابن حنبل ورواياته وعقائده ومواقف وممارسات الحنابلة بشكل عام..
ويروي في كتابه عن ابن حنبل قوله عن المأمون: كان لا مأمون، وأي بلاء كان أكبر من الذي كان أحدث عدو الله وعدو الإسلام - المأمون - من إماتة السنة.
وكان المأمون ومن بعده المعتصم والواثق قد تصدوا للحنابلة ورواياتهم وعقائدهم الباطلة مما أدى إلى انحسار موجتهم وحماية المجتمع من فتنهم ومواقفهم المتطرفة.
ولو كان الحكام قد ساروا على نهجهم من بعد لكان الحنابلة الآن في ذمة التاريخ لكنها السياسة والمصالح والأهواء التي دفع المجتمع والناس ثمنها ولا زالوا يدفعون..
ولنعرض بعد هذه المقدمة لقذائف هذا المدفع:
* لا يجوز أن تقوم المرأة بأمر الولايات، أي الوزارات والقضاء وشتى المسؤوليات الكبرى في الدولة..
* جواز قتل المرتد رجلا كان أو امرأة.
* جواز أن يلي أمر المسلمين الفاجر والفاسق وصاحب العاهة..
* جواز الجهاد والحج وإيتاء الزكاة للحكام الفجار والصلاة ورائهم..
* جواز قتل تارك الصلاة ويصير بتركها كافرا..
* جواز قتل تارك الصوم في رمضان..
* جواز قتل مانع الزكاة وقتاله وإن قتل كان كافرا * عدم قبول شهادة تارك الحج بلا عذر..
* جواز تحطيم الخمارات وأدوات الملاهي وإحراقها..
- الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي (ص) بعثت بالسيف بين يدي الساعة /
وهذا المدفع كما هو واضح شديد الخطورة وشديد العشق للدماء ولا مجال عنده للحوار والاعتدال، أما قذائفه فتتمثل فيما يلي:
* أن الإسلام جاء بالسيف..
* أن السيف هو شعار الإسلام حتى قيام الساعة..
* أن الإسلام جاء بستة سيوف:
سيف على المشركين حتى يسلموا أو يأسروا..
وسيف على المنافقين وهو سيف الزنادقة..
وسيف على أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية..
وسيف على أهل البغي من المسلمين..
وسيف على أهل الردة..
وسيف على أهل البدع..
* أهل التوحيد والطاعة لله - الجماعات - أحق بالمال من أهل الكفر..
* أهل الأهواء والبدع كلهم مفترون على الله..
* عقوبة المبتدع أغلط من عقوبة العاصي..
* من تشبه بقوم فهو منهم..
وهذا الكتاب من أوله إلى آخره إنما يقوم على أساس رواية منسوبة للرسول (ص) قامت على أساسها أحكام وتصورات ومفاهيم شديدة التطرف في مواجهة المخالفين من المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى..
لقد أظهرت هذه الرواية أن الإسلام دين السيف والدماء لا دين العقل والحوار وهو بهذه الصورة بدا وكأن الله سبحانه بعثه وبالا على البشر ونقمة عليهم لا رحمة مهداة لهم.
ومثل هذه الصورة المنفرة عن الإسلام إنما تزيد من ثبات أصحاب الديانات الأخرى على موقفهم، كما تزيد من إرهاب المسلمين وتخويفهم من أحكام الدين وعزلهم عنه وهذه النتيجة الخطيرة لا تعني هؤلاء الفقهاء في شئ فأصحاب الديانات الأخرى في منظورهم هم مشركون يجب أن يعمل السيف فيهم.
والمسلمون المخالفون هم زنادقة لأنهم لا يتبعون هذه الروايات ولا يسيرون على نهج السلف ويلتزموا بعقل الماضي، ويجب أن يعمل السيف فيهم أيضا..
إن الخروج عن دائرة روايات والسلف يعني في منظور الفقهاء التشبه بالمشركين لأنهم هم المسلمين ومن لم يتشبه بهم فقد خرج من الإسلام.
- فتاوى أزهرية /
تمكن التيار الحنبلي من اختراق المؤسسة الأزهرية واستثمار رموزها، ويظهر لنا هذا بوضوح من كم الفتاوى التي صدرت عن دار الافتاء المصرية وتلقفتها الجماعات الوهابية المتطرفة وتحصنت بها..
وقد قامت جماعة أنصار السنة المحمدية ذات النهج الوهابي السعودي بنشر هذه الفتاوى الأزهرية المتطرفة مؤخرا كهدية مجانية على مجلة التوحيد الناطقة بلسان الجماعة..
وليست هذه الفتاوى سوى مدافع شديدة الطلقات مصوبة نحو المسلمين وقد ألحقت أضرارا فادحة بعقولهم و واقعهم..
وعلى رأس هذه الفتاوى فتوى تتعلق بالأضرحة والدفن في المساجد و الموالد والنذور وهي فتوى موجهة ضد التيار الصوفي الذي يتبنى هذه القضايا، تقول بتحريم مثل هذه الأمور واعتبارها صورة من صور الشرك والضلال..
لقد تبنى التيار الحنبلي هذه القضايا وحمل رايتها دون بقية المذاهب والاتجاهات الإسلامية الأخرى وتمكن بدعم الحركة الوهابية وأموال النفط من فرض هذه القضايا على واقع المسلمين والمؤسسات والجماعات الإسلامية وجعلها مدار جهادهم وتصوراتهم..
وثاني هذه الفتاوى فتوى تتعلق بتحريم التعامل مع البنوك ووجوب إجبار الزوجة على ارتداء الحجاب وتحريم الصور والتصوير وتحريم الموسيقى وتحريم التأمين على الحياة والتأمين ضد الحريق، وتحريم ذهاب المرأة إلى مصفف الشعر، وعدم جواز خوضها ميدان العمل السياسي ودخول الانتخابات..
وفتوى توجب إطلاق اللحية وتحريم حلقها..
ومثل هذه الفتاوى التي تقوم على أساس الروايات وعقل الماضي إنما تسهم في تخلف الأمة وتجميد مسيرتها. وقد رفعت رايتها الجماعات الإسلامية اليوم وبنت على أساسها مواقفها وتصوراتها المتطرفة تجاه الواقع والمخالفين..
كيف للأزهر وهو مؤسسة حكومية أن يتبنى مثل هذه القضايا المتطرفة التي تهدد أمن المجتمع. وفي الوقت نفسه يعلن الحرب على التطرف والمتطرفين؟
- أحكام العصاة:
وهذه المدفع من إصدار الأزهر وهو مشتق عن مدفع قديم لابن القيم الجوزية وجعل هدية مجانية على مجلة الأزهر.
أما قذائف هذا المدافع فهي:
* القول قد يكون كفرا..
* أن مباني الإسلام الخمسة المأمور بها - الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج - وإن كان ضرر تركها لا يتعدى صاحبها، فإنه يقتل بتركها في الجملة عند جماهير الفقهاء ويكفر أيضا عند كثير منهم أو أكثر السلف، وأما فعل المنهى عنه الذي لا يتعدى ضرره صاحبه فإنه لا يقتل به عند أحد الأئمة ولا يكفر به إلا إذا ناقض الإيمان، لفوات الإيمان وكونه مرتدا أو زنديقا، وذلك أن من الأئمة من يقتله ويكفره بترك كل واحدة من الخمس لأنه الإسلام بني عليها. وهو قول طائفة من السلف ورواية عن أحمد بن حنبل اختارها بعض أصحابه ومنهم من لا يقتله ولا يكفره إلا بترك الصلاة الزكاة وهي رواية أخرى عن أن حنبل، ومنهم من يقتله بهما ويكفره بالصلاة والزكاة إذا قاتل الإمام عليها كرواية عن ابن حنبل، ومنهم من يقتله بهما ولا يكفره إلا بالصلاة، ومنهم من يقتله بهما ولا يكفره، ومنهم من لا يقتله إلا بالصلاة ولا يكفره، وتكفير تارك الصلاة هو المشهور المأثور عن جمهور السلف..
* من خالف السنة فيما أتت به أو شرعته فهو مبتدع خارج عن السنة..
* أصل البدعة تكذيب الأحاديث الواردة في كتب السنن..
* عامة البدع من التأويل والقياس والرأي..
ونتيجة هذه القذائف التي تبناها الأزهر وأسهم في إطلاقها على الجماهير هي تقنين التطرف وتبريره وإضفاء المشروعية عليه..
وكأن الأزهر بتبنيه مثل هذا الطرح قد خلع ثوب العقل والاعتدال واحترام الرأي الآخر وارتدى ثوب الجمود والتطرف والاستبداد أو ثوب النفط..
- الحسام الملحق لكل مشرك منافق..
وهذا المنشور كما يظهر من عنوانه يعد من المدافع الثقيلة التي صوبها صاحب المنشور إلى المخالفين لنهجه الوهابي بهدف إبادتهم والقضاء عليهم باعتبارهم من المشركين المنافقين المستباحين..
وهؤلاء المنافقين المشركين الذين صوب نحوهم مدفعه هم طائفة من المسلمين ليس لها من ذنب سوى أنها رفعت شعار العقل في مواجهة الروايات.
واعتبر صاحب هذا المدفع أن مثل هذا العمل هو تجرأ على الله تعالى، إذ أن إنكار الروايات الواردة في البخاري ومسلم يعد في نظره صورة من صور التعدي على الله سبحانه تدفع بصاحبها إلى دائرة الشرك والنفاق..
وجميع الاجتهادات والآراء التي تخالف خط السلف الحنابلة اعتبرت في نظر صاحب هذا المدفع كما هو حالها في نظر الحنابلة جميعا - بدعه، وكل بدعه ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ومثل هذا الطرح إنما يبر لفقهاء الخلف وأنصارهم من الجماعات مقاومة البدعة والتنكيل بأصحابها، وهذا يعني التنكيل بجميع المسلمين الذين يخالفونهم، إذ أن جميع ما هو خارج دائرة الطرح الحنبلي يعد بدعة يجب مقاومتها والقضاء عليها وعلى أصحابها..
فالملابس بدعة..
وعمل المرأة بدعة..
والموسيقى بدعة..
وسائر الفنون بدعة..
والعمل السياسي بدعة..
وحرية الرأي بدعة..
والتصوير بدعة..
ومعنى هذا أن النتيجة هي مقاومة العصر والعيش بعقل الماضي وهو ما يريده صاحب الحسام الماحق وأمثاله من الحنابلة الذين شهروا مدافعهم في وجه المسلمين وأفسحوا الطريق أمام أعداء الإسلام..
وصاحب هذا المدفع يعيش بعقل الماضي ويسعى إلى تأكيد ذلك المفهوم الحنبلي القديم الذي يربط بين الطقوس والممارسات التي ارتبطت بالأصنام في الجاهلية وبين الطقوس والممارسات التي تقوم حول أضرحة الأولياء اليوم، بل يتجاوز هذا ليؤكد أن هذه القبور والأضرحة هي نفس أصنام الأمس، وأن الذين يرتبطون بهذه الأضرحة يعتقدون فيها الضر والنفع كما كان حال المشركون مع الأصنام من قبل.
يقول في كتابه: أن من اعتقد في شجرة أو حجر أو قبر أو ملك أو حتى حي أو ميت أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به والتوسل إلى الرب تعالى - إلا ما ورد حديث فيه مقال حق عن نبينا محمد (ص) أو نحو ذلك - فإنه قد أشرك مع الله غيره واعتقد ما لا يحل اعتقاده كما اعتقد المشركون في الأوثان فضلا عمن ينذر بماله وولده لميت أو حي، أو يطلب من ذلك ما لا يطلب إلا من الله تعالى من الحاجات من عافية مريضة أو قدوم غائبة أو نيله لأي مطلب من المطالب، فإن هذا هو الشرك بعينه الذي كان عليه عباد الأصنام، والنذور بالمال على الميت ونحوه والنحر على القبر والتوسل به وطلب الحاجات منه هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية، وإنما يفعلونه لما يسمونه وثنا وصنما، فعله القبوريون لما يسمونه وليا وقبرا ومشهدا..
ومثل هذه الأفكار المتطرفة التي تصف بعض طوائف المسلمين بالشرك والإلحاد وتعمل على إخراجها من دائرة الإسلام باجتهادات فردية تقوم على أساس رواية منسوبة للرسول (ص) - أو فتوى سلفية - إنما تسعى لتأكيد الفرقة بين المسلمين وتوطين الأفكار التكفيرية التي تهدد أمن المجتمع واستقراره..
تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين /
وهذا الكتاب يعد من مدافع فقهاء الوهابية وقد سلط على المسلمين في عنف معلنا في صراحة ووضوح رفضه القاطع لكل الاتجاهات المخالفة، رافضا بشدة فكرة تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، فالبدعة في نظره كل لا يتجزأ ومثل هذا الموقف من شأنه أن يعمق قضية التطرف ويزيد من حدتها. إذا أن هذا يعني الوقوف في وجه العصر وكل ما هو جديد.
كما يعني في نفس الوقت قتل الاجتهاد وتشييعه إلى مثواه الأخير ومناهضة العقل والرأي والعمل على إجهاضهما.
مثل هذا الموقف يعني توسيع دائرة المصادمة مع الواقع وبدلا من كونها كانت تنحصر في دائرة قضايا ومفاهيم تصطدم بالروايات ونهج السلف اتسعت لتشمل كل ما هو جديد من آراء واجتهادات في قضايا ومفاهيم لا تتعلق بشئ من نصوص الدين أو جوهرة بل تركت لإعمال العقل فيها أو هي عرف من الأعراف السائدة التي لا تضر في شئ أو هي صورة من صور الترويح عن النفس التي تمارس على ساحة المجتمع وتدخل البهجة والسرور في قلوب الناس، كل ذلك ومثله يجب محوه وإزالته وتدميره في منظور فقهاء الوهابية حنابلة العصر..
ولقد تجاوز صاحب هذا المدفع حدود البدع التي سلط مدفعه عليها وأطلق قذائفه على منكري الروايات الذين ينادون بإعمال العقل في كل ما هو منسوب للرسول (ص) مصدرا حكمه القاطع فيهم بالكفر والضلال..
يقول: وهذه الفرقة أخطر على المسلمين من اليهود ومن النصارى لأنهم باسم الإسلام وباسم القرآن ينشرون كفرهم، ومن الثابت شرعا وعقلا أن من أنكر سنة رسول الله (ص) فقد كفر بالله العظيم، فيجب على الحكام والعلماء المسلمين أن يجاهدون هذه الفرقة في تنشيط العلماء في مواجهة هؤلاء الكفرة وطبع السنن والردود، فوالله إن جهادهم لا يقل عن جهاد الكفار لأن أولئك قد أعلنوا كفرهم لا يغتر بهم إلا القليل. أما هؤلاء فيغتر بهم كثيرون ممن يدرس الكتاب والسنة ولم يتعمق.
ومن الواضح أن هذا الكلام الشديد التطرف لا سند له سوى الروايات وإجماع فقهاء الحنابلة، وما هو بأمر ثابت شرعا وعقلا كما يدعي صاحبنا، فليس من الشرع ومن العقل تبني مثل هذه الخرافات والأحكام والمفاهيم التي تصطدم بالقرآن والتي جاءت بها كثير من الروايات المنسوبة للرسول (ص)..
فتوى ابن تيمية
في
أهل الذمة
وإن جاز للإمام أن يعقد الذمة بشرط بقاء الكنائس ونحوها فهل يملك من عقدت له الذمة بهذا العقد رقاب البيع والكنائس والديورة ونحوها ويزول ملك المسلمين عن ذلك بهذا العقد أم لا. لأجل أن الجزية لا تكون عن ثمن مبيع، وإذا لم يملكوا ذلك وبقوا على الانتفاع بذلك وانتفض عهدهم بسبب يقتضي انتقاضه إما بموت من وقع عقد الذمة معه ولم يعقبوا. أو أعقبوا. فإن قلنا إن أولادهم يستأنف معهم عقد الذمة كما نص عليه الشافعي فيما حكاه ابن الصباغ وصححه العراقيون واختاره ابن أبي عصرون في المرشد فهل لإمام الوقت أن يقول: لا أعقد لكم الذمة إلا بشرط أن تدخلوا الكنائس والبيع والديورة في العقد فتكون كالأموال التي جهل مستحقوها وأيس من معرفتها، أم لا يجوز له الامتناع من إدخالها في عقد الذمة بل يجب عليه إدخالها في عقد الذمة، فهل ذلك يختص بالبيع والكنائس والديورة التي تحقق أنها كانت موجودة عند فتح المسلمين ولا يجب عليه ذلك عند التردد في أن ذلك كان موجودا عند الفتح أو حدث بعد الفتح أو يجب عليه مطلقا فيما تحقق أنه كان موجودا قبل الفتح أو شك فيه، وإذا لم يجب في حالة الشك فهل يكون ما وقع الشك في أنه كان قبل الفتح وجهل الحال فيمن أحدثه لمن هو لبيت المال أم لا؟ وإذا قلنا إن من بلغ من أولاد من عقدت معهم الذمة وإن سلفوا ومن غيرهم لا يحتاجون أن تعقد لهم الذمة بل يجري عليهم حكم من سلف إذا تحقق أنه من أولادهم يكون حكم كنائسهم وبيعهم حكم أنفسهم أم يحتاجون إلى تجديد عقد وذمة، وإذا قلنا: إنهم يحتاجون إلى تجديد عقد عند البلوغ فهل تحتاج كنائسهم وبيعهم له أم لا؟
ولهذا لما استولى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أرض من حاربه من أهل الكتاب وغيرهم كبني قينقاع والنضير وقريظة، كانت معابدهم مما استولى عليه المسلمون ودخلت في قوله تعالى (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) وفي قوله تعالى (ما أفاء الله على رسوله منهم) (وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) لكن وإن ملك المسلمون ذلك فحكم الملك متبوع كما يختلف حكم الملك في المكاتب والمدبر وأم الولد والعبد وكما يختلف حكمه في المقاتلين الذين يؤسرون وفي النساء والصبيان الذين يسبون كذلك يختلف حكمه في المملوك نفسه والعقار والأرض والمنقول.
وقد أجمع المسلمون على أن الغنائم لها أحكام مختصة بها لا تقاس بسائر الأموال المشتركة. ولهذا لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أقر أهلا ذمة للمسلمين في
فصل: وأما أنه هل يجوز للإمام عقد الذمة مع إبقاء المعابد بأيديهم فهذا فيه خلاف معروف في مذاهب الأئمة الأربعة منهم من يقول لا يجوز تركها لهم لأنه إخراج ملك المسلمين عنها وإقرار الكفر بلا عهد قديم..
ومنهم من يقول بجواز إقرارهم فيها إذا اقتضت المصلحة ذلك كما أقر النبي أهل خيبر فيها وكما أقر الخلفاء الأربعة الكفار والمعابد التي كانت بأيديهم.
فمن قال بالأول قال: حكم الكنائس حكم غيرها من العقار منهم من يوجب إبقاءه كمالك في المشهور عنه وأحمد في رواية. ومنهم من يخير الإمام فيه بين الأمرين بحسب المصلحة وهذا قول الأكثرين وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وعليه دلت سنة رسول الله (ص) حيث قسم نصف خيبر وترك نصفها لمصالح المسلمين.
ومن قال يجوز إقرارها بأيديهم فقوله أوجه وأظهر فإنهم لا يملكون بهذا الإقرار رقاب المعابد كما يملك الرجل ماله كما أنهم لا يملكون ما ترك لمنافعهم المشتركة كالأسواق والمراعي كما لم يملك أهل خيبر ما أقرهم فيه رسول الله (ص) من المساكن والمعابد. ومجرد إقرارهم ينتفعون بها ليس تمليكا كما لو أقطع المسلم بعض عقار بيت المال ينتفع بغلته أو سلم إليه مسجد أو رباط ينتفع به لم يكن ذلك تمليكا له بل ما أقروا فيه من كنائس العنوة يجوز للمسلمين انتزاعها منهم إذا اقتضت المصلحة ذلك كما انتزعها أصحاب النبي (ص) من أهل خيبر بأمره بعد إقرارهم فيها..
وقد طلب المسلمون في خلافة الوليد بن عبد الملك أن يأخذوا من النصارى بعض كنائس العنوة التي خارج دمشق فصالحوهم على إعطائهم الكنيسة التي داخل البلد وأقر ذلك عمر بن عبد العزيز ومن معه في عصره من أهل العلم فإن المسلمين لما أرادوا أن يزيدوا جامع دمشق بالكنيسة التي إلى جانبه وكانت من كنائس الصلح لم يكن لهم أخذها قهرا فاصطلحوا على المعاوضة بإقرار كنائس العنوة التي أرادوا انتزعها و كان ذلك الإقرار عوضا عن كنيسة الصلح التي لم يكن لهم أخذها عنوة.
فصل ومتى انتقض عهدهم جاز أخذ كنائس الصلح منهم فضلا عن كنائس العنوة كما
أما على قول الجمهور الذين لا يوجبون قسم العقار فظاهر..
وأما على قول من يوجب قسمة فلأن عين المستحق غير معروف كسائر الأموال التي لا يعرف لها مالك معين وأما تقدير وجوب إبقائها فهذا تقدير لا حقيقة له. فإن إيجاب إعطائهم معابد العنوة لا وجه له ولا أعلم به قائلا فلا يفرع عليه وإنما الخلاف في الجواز نعم قد يقال في الأبناء إذا لم نقل بدخولهم في عهد آبائهم لأن لهم شبهة الأمان والعهد بخلاف الناقضين فلو وجب لم يجب إلا ما تحقق أنه كان له فإن صاحب الحق لا يجب أن يعطي إلا ما عرف أنه حقه وما وقع الشك فيه على هذا التقدير فهو لبيت المال، وأما الموجودون الآن إذا لم يصدر منهم نقض عهد فهم على الذمة فإن الصبي يتبع أباه في الذمة وأهل داره من أهل الذمة كما يتبع في الإسلام أباه وأهل داره من المسلمين لأن الصبي لما يكن مستقلا بنفسه جعل تابعا لغيره في الإيمان والأمان وعلى هذا جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه والمسلمين في إقرارهم صبيان أهل الكتاب بالعهد القديم من غير تجديد عقد آخر.
وهذا الجواب حكمه فيما كان من معابدهم قديما قبل فتح المسلمين. أما ما أحدث بعد ذلك فإنه يجب إزالته ولا يمكنون من إحداث البيع والكنائس كما شرط عليهم عمر بن الخطاب في الشروط المشهورة عنه أن لا يجدوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة ولا ديرا ولا قلاية امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تكون قبلتان ببلد واحد " رواه أحمد وأبوه داود بسند جيد..
ولما روى عن عمر بن الخطاب قال " لا كنيسة في الإسلام " وهذا مذهب الأئمة الأربعة في الأمصار ومذهب جمهورهم في القرى وما زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين ينفذ ذلك ويعمل به مثل عمر بن عبد العزيز الذي اتفق المسلمون على أنه إمام هدى فروى أحمد عنه أنه
وروي أحمد عن الحسن البصري أنه قال " من السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة، وكذلك هارون الرشيد في خلافته أمر بهدم ما كان في سواد بغداد، وكذلك المتوكل لما ألزم أهل الكتاب بشروط عمر استفتى علماء وقته في هدم الكانس والبيع فأجابوه فبعث بأجوبتهم إلى أحمد فأجابه بهدم كنائس سواد العراق وذكر الآثار عن الصحابة والتابعين فمما ذكره ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " أيما مصر مصرته العريب - يعني المسلمين - فليس للعجم يعني أهل الذمة أن يبنوا فيه كنيسة ولا يضربوا ناقوسا ولا يشربون فيه خمرا.
وأيما مصر مصرته العجم ففتحه الله على العرب فإن للعجم ما في عهدهم وعلى العرب أن يوفوا بعهدم ولا يكلفوهم فوق طاقتهم ".
وملخص الجواب أن كل كنيسة في مصر والقاهرة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد ونحوها من الأمصار التي مصرها المسلمون بأرض العنوة فإنه يجب إزالتها إما بالهدم أو غيرها بحيث لا يبقى لهم معبد في مصر مصره المسلمون بأرض العنوة وسواء كانت تلك المعابد قديمة قبل الفتح أو محدثة لأن القديم منها يجوز أخذه ويجب عند المفسدة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجتمع قبلتان بأرض فلا يجوز للمسلمين أن يمكنوا أن يكون بمدائن الإسلام قبلتان إلا لضرورة كالعهد القديم، لا سيما وهذه الكنائس التي بهذه الأمصار محدثة يظهر حدوثها بدلائل متعددة والمحدث يهدم باتفاق الأئمة.
وأما الكنائس التي بالصعيد وبر الشام ونحوها من أرض العنوة فما كان منها محدثا وجب هدمه، وإذا اشتبه المحدث بالقديم وجب هدمها جميعا لأن هدم المحدث واجب وهدم القديم جائز وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما كان منها قديما فإنه يجوز هدمه ويجوز إقراره بأيديهم فينظر الإمام في المصلحة فإن كانوا قد قلوا والكنائس كثيرة أخذ منهم أكثرهم.
وكذلك ما كان على المسلمين فيه مضرة فإنه يؤخذ أيضا وما أحتاج المسلمون إلى أخذه أخذ أيضا.
وأما إذا كانوا كثيرون في قرية ولهم كنيسة قديمة لا حاجة إلى أخذها ولا مصلحة فيه
فالذي ينبغي تركها كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه لهم من الكنائس ما كانوا