الصفحة 33
الإصابة (1).

أبو سفيان شخصية مريضة قلقة تحن إلى الماضي، فتعصبه لبني أمية، كما ترى في نص ابن عساكر يهجو النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2)، تراه يخاطب نفسه: " لو عاودت الجمع لهذا الرجل " يريد محاربة النبي من جديد! " ولهذا الرجل " وكأنه ليس نبيا! " ولم يغلبنا محمد " يسميه باسمه دون إضافة رسول الله أو حبيب الله التي اعتاد عليها المسلمون، ولكنها عبارات سادة قريش التي كانوا يلوكونها بين أشداقهم، تلك هي التي يرددها أبو سفيان، فهو أبو سفيان القديم! انطوت نفسه كما يصرح هو على ما كان يحمله في الماضي!

فضيلة مفتعلة

أخرج (3) ابن عساكر في تأريخه (4) عن ابن عباس مرفوعا - من حديث طويل يذكر فيه فضائل بعض الصحابة: " ومن مثل أبي سفيان؟

لم يزل الدين به مؤيدا قبل أن يسلم وبعدها أسلم، ومن مثل أبي سفيان

____________

(1) الإصابة: 2 / 179، انتهى نص الغدير: 8 / 393، مستدرك الحاكم: 3 / 488 ح 6065.

(2) مستدرك الحاكم: 3 / 488 ح 6065.

(3) الغدير: 8 / 113.

(4) تاريخ مدينة دمشق: 23 / 464 رقم 9482، وفي تهذيب تاريخ دمشق: 6 / 407.

الصفحة 34
إذا أقبلت من عند ذي العرش أريد الحساب، فإذا أنا بأبي سفيان معه كأس من ياقوتة حمراء يقول: اشرب يا خليلي، أعار (1) بأبي سفيان، وله الرضا بعد الرضا.

قال الأميني: لقد أعرب عن بعض الحقيقة الحافظ ابن عساكر نفسه بقوله: هذا حديث منكر.

أي منكر هذا يعد أبا سفيان ممن لم يزل الدين به مؤيدا قبل إسلامه وبعده؟ فكأنه غير رأس المشركين يوم أحد، وغير مجهز جيش الأحزاب والمجلب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والرافع عقيرته وهو يرتجز بقوله: أعل هبل، أعل هبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تجيبونه؟ قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: قولوا: " الله أعلى وأجل " فقال أبو سفيان إن لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله: " ألا تجيبونه؟ " فقالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: " قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم " (2).

وكأنه ليس من أئمة الكفر الذين نزل فيهم قوله تعالى: " فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) (3).

____________

(1) كذا في المصدر.

(2) سيرة ابن هشام: 3 / 99، تاريخ ابن عساكر: 23 / 444 رقم 2849، وفي مختصر تاريخ دمشق: 11 / 53 - 54، عيون الأثر: 1 / 424، تفسير القرطبي: 4 / 151. (المؤلف).

(3) تفسير الطبري: مج 6 / ج 10 / 87، تاريخ ابن عساكر: 23 / 438 رقم 849 وفي مختصر تاريخ دمشق: 11 / 51، تفسير ابن جزي: 2 / 71، تفسير

=>


الصفحة 35
وكأنه غير من أريد بقوله عز وجل: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) (1).

أخرج نزوله فيه ابن مردويه من طريق ابن عباس، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ من طريق مجاهد، وهؤلاء، وغيرهم من طريق سعيد بن جبير، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ من طريق الحكم بن عتيبة (2).

وكأنه غير المعنى هو وأصحابه بقوله تعالى: " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين) (3).

وكأنه غير من مشى مع جمع من رجال قريش إلى أبي طالب قائلين له: إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه. إلخ (4).

____________

<=

السيوطي 4 / 136، تفسير الخازن: 2 / 208، تفسير الآلوسي: 10 / 59.

والآية رقم 12 سورة التوبة. (المؤلف)

(1) سورة الأنفال: 36.

(2) تفسير الطبري: مج 6 / ج 9 / 244، تاريخ ابن عساكر: 23 / 438 رقم 849، وفي مختصر تاريخ دمشق: 11 / 51، الكشاف: 2 / 219، تفسير الرازي: 15 / 160، تفسير ابن كثير: 2 / 308، تفسير الخازن: 2 / 184، تفسير الشوكاني: 2 / 307، تفسير الآلوسي: 9 / 204. (المؤلف) (3) تفسير النسفي هامش تفسير الخازن: 2 / 103، تفسير الآلوسي: 9 / 206.

والآية 38 سورة الأنفال. (المؤلف) (4) سيرة ابن هشام: 1 / 283، 2 / 58. (المؤلف).

الصفحة 36
وكأنه ليس أحد المجتمعين بدار الندوة الذين تفرقوا على رأي أبي جهل من أن يؤخذ من كل قبيلة شاب فتى جليد نسيب وسط، ثم يعطي كل منهم سيفا صارما فيعمدوا إلى رسول الله فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه (1).

وكأنه غير من أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية، وكل أوقية اثنان وأربعون مثقالا.

وكأنه غير من استأجر ألفين من الأحابيش من بني كنانة ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سوى من استجاش من العرب (2).

وكأنه غير من لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد في صلاة الصبح بعد الركعة الثانية بقوله: " اللهم العن أبا سفيان، وصفوان بن أمية، والحارث بن هشام " (3) وكأنه غير من لعنه رسول الله في سبعة مواطن، لا يتأتى لأي أحد

____________

(1) سيرة ابن هشام: 2 / 126. (المؤلف).

(2) تفسير الطبري: مج 6 / ج 9 / 244، الكشاف: 2 / 219، تفسير الرازي: 15 / 160، تفسير الخازن: 2 / 184، تفسير الآلوسي: 9 / 204. (المؤلف)

(3) تفسير الطبري: مج 3 / ج 4 / 88، وأخرجه الترمذي في جامعه 5 / 212 ح 3004 كما في نيل الأوطار للشوكاني: 2 / 389، نصب الراية للزيلعي: 2 / 129، وأخرجه البخاري في المغازي: 4 / 1493 ح 3842، وفي التفسير 4 / 1661 ح 4283 بلفظ: فلانا وفلانا ولم يسم أحدا تحفظا على كرامة أبي سفيان وشاكلته. (المؤلف)

الصفحة 37
ردها:

أولها: يوم لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خارجا من مكة إلى الطائف يدعو ثقيفا إلى الدين، فوقع به وسبه وشتمه، وكذبه وتوعده وهم أن يبطش به، فلعنه الله ورسوله وصرف عنه.

الثانية: يوم العير: إذ عرض لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي جائية من الشام، فطردها أبو سفيان وساحل بها، فلم يظفر المسلمون بها ولعنه رسول الله ودعا عليه، فكانت وقعة بدر لأجلها.

الثالثة: يوم أحد: حيث وقف تحت الجبل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أعلاه وهو ينادي: أعل هبل، مرارا، فلعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر مرات، ولعنه المسلمون.

الرابعة: يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود، فلعنه رسول الله وابتهل.

الخامسة: يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله، ذلك يوم الحديبية، فلعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا سفيان، ولعن القادة والأتباع، وقال: " ملعونون كلهم، وليس فيهم من يؤمن "، فقيل: يا رسول الله أفما يرجى الإسلام لأحد منهم فكيف باللعنة؟ فقال: " لا تصيب اللعنة أحدا من الأتباع، وأما القادة فلا يفلح منهم أحد ".

السادسة: يوم الجمل الأحمر.

الصفحة 38
السابعة: يوم وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة ليستنفروا ناقته، وكانوا اثني عشر رجلا، منهم أبو سفيان (1).

هذه المواطن السبعة عدها الإمام الحسن السبط - سلام الله عليه (2).

وكأنه غير من عدا على دور المهاجرين من بني جحش بن رئاب بعدما هاجروا وباعها من عمرو بن علقمة، وقيل فيه:

أبلغ أبا سفيان عن * أمر عواقبه ندامه
دار ابن عمك بعتها * تقضي بها عنك الغرامه
وحليفكم بالله رب * الناس مجتهد القسامه
إذهب بها إذهب بها * طوقتها طوق الحمامه (3)

وكأنه غير صاحب البائية يوم أحد يقول فيها:

أقاتلهم وادعي يالغالب * وأدفعهم عني بركن صليب
فبكي ولا ترعي مقالة عاذل * ولا تسأمي من عبرة ونجيب
أباك وإخوانا قد تتابعوا * وحق لهم من عبرة بنصيب

____________

(1) شرح ابن أبي الحديد: 6 / 290 - 291 خطبة 83. (المؤلف)

(2) راجع: تذكرة الخواص: ص 200 - 201، شرح نهج البلاغة 6 / 290 - 291 خطبه 83، جمهرة خطب العرب: 2 / 22 رقم 18.

(3) سيرة ابن هشام: 2 / 145. (المؤلف)

الصفحة 39

وسلي الذي قد كان في النفس أنني * قتلت من النجار كل نجيب
ومن هاشم قرما كريما ومصعبا (1) * وكان لدى الهيجاء غير هيوب
ولو أنني لم أشف نفسي منهم * لكانت شجا في القلب ذات ندوب
فآبوا وقد أودي الجلابيب (2) منهم * بهم خدت من معطب وكئيب (3)
أصابهم من لم يكن لدمائهم * كفاء ولا في خطة بضريب (4)

وكأنه غير من كان يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح قائلا: ذق عقق (5). سيرة ابن هشام (6).

وكأنه غير من داس قبر حمزة برجله وقال: يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به. شرح ابن أبي الحديد (7).

وكأنه غير من قال لما رأى الناس يطؤون عقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

____________

(1) عنى به سيدنا حمزة بن عبد المطلب. (المؤلف)

(2) الجلابيب جمع جلباب: الإزار الخشن، كان الكفار من أهل مكة يسمون من أسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجلابيب. (المؤلف)

(3) الخدب: الطعن النافذ إلى الجوف. المعطب: الذي يسيل دمه.

(4) الخطة: الخصلة الرفيعة. الضريب: الشبيه. راجع سيرة ابن هشام: 3 / 80. (المؤلف)

(5) عقق، إي يا عقق، يريد: يا عاق. (المؤلف)

(6) السيرة النبوية: 3 / 99.

(7) شرح نهج البلاغة: 16 / 136 كتاب 32.

الصفحة 40
وحسده: لو عاودت الجمع لهذا الرجل. فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدره ثم قال: إذا يخزيك الله. الإصابة (1).

وكأنه غير من قال لعثمان يوم تسنم عرش الخلافة: صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار.

وكأنه غير من دخل على عثمان بعدما عمي وقال: هاهنا أحد؟

فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية.

هذا مجمل حال رجال في العهدين الجاهلي والإسلامي أفبمثله أيد الدين قبل إسلامه وبعد إسلامه؟ أو مثله يتولى سقاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم المحشر إذا أقبل من عند ذي العرش، وهل مستوى العرش معبأ لمثل أبي سفيان هذا ونظرائه؟ إذن فعلى العرش ومن بفنائه السلام (2)!

قال علي فيه

وإن (3) سألت مولانا أمير المؤمنين عن الرجل فعلى الخبير سقطت، قال في حديث له: " معاوية طليق ابن طليق، حزب من هذه

____________

(1) الإصابة: 2 / 179.

(2) الغدير: 10 / 119.

(3) الغدير: 3 / 357، نقلا عن " كتاب النزاع والتخاصم " ص 55.

الصفحة 41
الأحزاب، لم يزل الله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين " (1).

وحسبك ما في كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان من قوله: " يا ابن صخر يا بن اللعين " (2) ولعله عليه السلام يوعز بقوله هذا إلى ما رويناه من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعنه وابنيه معاوية ويزيد لما رآه راكبا وأحد الولدين يقول والآخر يسوق فقال: " اللهم العن الراكب والقائد والسائق " (3).

ومن كتب له عليه السلام إلى معاوية:

" منا النبي، ومنكم المكذب "، قال ابن أبي الحديد في شرحه (4) يعني أبا سفيان بن حرب، كان عدو رسول الله، والمكذب له، والمجلب عليه.

وجاء في كتاب أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر: " قد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية " (5).

وقالوا فيه:

____________

(1) تاريخ الطبري 5 / 8 حوادث سنة 37هـ (المؤلف).

(2) شرح ابن أبي الحديد: 15 / 82 كتاب 10 و 16 / 135 كتاب 32. (المؤلف)

(3) تاريخ الأمم والملوك: 10 / 58 سنة 284هـ، كتاب صفين. طبعة مصر ص 217 وراجع الغدير: 3 / 252. (المؤلف)

(4) شرح نهج البلاغة: 15 / 196 كتاب 28.

(5) الغدير: 10 / 118.

الصفحة 42
ذكر (1) المدائني، عن أبي زكريا العجلاني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال:

حج أبو بكر رضي الله عنه ومعه أبو سفيان بن حرب، فكلم أبو بكر أبا سفيان فرفع صوته، فقال أبو قحافة: اخفض صوتك يا أبا بكر عن ابن حرب، فقال أبو بكر: يا أبا قحافة إن الله بني بالإسلام بيوتا كانت غير مبنية، وهدم به بيوتا كانت في الجاهلية مبنية، وبيت أبي سفيان مما هدم.

قال المقريزي بعد إيراده هذه الرواية: " فليت شعري بعد هذا بأي وجه يبني بيت أبي سفيان بعد ما هدمه الله تعالى؟!

وقال فيه عمرو بن الخطاب مخاطبا رسول الله: أبو سفيان عدوا الله، وقد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني يا رسول الله أضرب عنقه (2)!

وقال فيه أيضا: إن أبا سفيان لقديم الظلم (3).

وقال الإمام الحسن عليه السلام مخاطبا معاوية: " وأنك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم تسرون الكفر، وتظهرون الإسلام وتستمالون

____________

(1) الغدير: 8 / 393 و 10 / 188.

(2) تاريخ مدينة دمشق: 23 / 449 رقم 2849، وفي مختصر تاريخ دمشق: 11 / 43.

(3) الإصابة: 2 / 180.

الصفحة 43
بالأموال (1) "!

ومن كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية " وأنت اللعين ابن اللعين ".

ويعرفك أبا سفيان قول أبي ذر لمعاوية - لما قال له: يا عدو الله وعدو رسوله - ما أنا بعدو لله ولا لرسوله بل أنت وأبوك عدوان الله ولرسوله، أظهرتهما الإسلام وأبطنتما الكفر (2).

الوفاة

بعد فتح مكة كان أبو سفيان فيها ثم رحل إلى المدينة وبقي فيها إلى أن مات هناك ودفن بالبقيع، وكانت وفاته سنة إحدى وثلاثين، وعمره ثمان وثمانون سنة، وقيل: توفي سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة أربع وثلاثين، وقيل: كان عمره ثلاثا وتسعين سنة.

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 288 - 289.

(2) أنظر الغدير: 8 / 446 - 447، 10 / 119.

(3) راجع أسد الغابة: 3 / 10.

الصفحة 44

الصفحة 45

الحكم بن أبي العاص


الصفحة 46

الصفحة 47

الهوية الشخصية

هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأموي، أبو مروان بن الحكم، بعد في أهل الحجاز، عم عثمان بن عفان (1) لم يصلنا عنه أية رواية.

كان الحكم ممن حارب الله ورسوله، ووقف في وجه الدعوة الإسلامية مع بقية زعماء قريش.

تآمر الحكم على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم

روى ابن الأثير (2) عن بنت الحكم بن أبي العاص، أنها قالت للحكم: ما رأيت قوما كانوا أسوأ رأيا وأعجز في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منكم يا بني أمية، فقال: لا تلومينا يا بنية، إني لا أحدثك إلا ما رأيت بعيني هاتين، قلنا: والله ما نزال نسمع قريشا تقول: يصلي هذا الصابئ في مسجدنا فتواعدوا له تأخذوه، فتواعدنا إليه، فلما رأينا سمعنا صوتا ظننا أنه ما بقي بتهامة جبل إلا تفتت علينا فما عقلنا حتى قضى صلاته، ورجع إلى أهله، ثم تواعدنا ليلة أخرى، فلما جاء نهضنا إليه فرأيت الصفا والمروة التقتا إحداهما بالأخرى، فحالتا بيننا

____________

(1) راجع: أسد الغابة: 2 / 37، الإصابة: 1 / 345.

(2) أسد الغابة: 2 / 37.

الصفحة 48
وبينه، فوالله ما نفعنا ذلك ".

نفيه عن المدينة

بعد أن تم الأمر للمسلمين وفتحوا مكة لم يكن أمام الحكم خيار إلا أن يتظاهر بالإسلام، لينجو بنفسه، ومع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عفا عن الحكم وأمثاله وسماهم الطلقاء، إلا أن الحكم تمادي في غيه وعض اليد التي مدت له كما سيأتيك، وقد سكن المدينة ثم نفاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف (1).

سبب نفيه عن المدينة:

وقال أبو عمر في الإستيعاب (2): أخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحكم من المدينة وطرده عنها فنزل الطائف وخرج معه ابنه مروان، واختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إياه فقيل: كان يتحيل ويستخفي ويتسمع ما يسره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى كبار أصحابه في مشركي قريش وسائر الكفار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه حتى ظهور ذلك عليه، وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته، إلى أمور غيرها كرهت ذكرها، ذكروا: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا مشى يتكفأ وكان الحكم يحكيه، فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما فرآه يفعل ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " فكذلك فلتكن ". فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ، فعيره عبد الرحمن بن

____________

(1) الإصابة: 1 / 345.

(2) الغدير: 8 / 344.

الصفحة 49
حسان بن ثابت فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:

إن اللعين أبوك فارم عظامه إن ترم ترم مخلجا مجنونا يمسي خميص البطن من عمل التقى ويظل من عمل الخبيث بطينا (1)

تحذير النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه ولعنه

كان النبي يحذر المسلمين من الشجرة الأموية الخبيثة الملعونة فحذر فيما حذر من بيت الحكم، روى ابن الأثير بسنده إلى نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمر الحكم بن أبي العاص، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ويل لأمتي مما في صلب هذا (2) وقال صلى الله عليه وآله وسلم في الحكم: " كأني أنظر إلى بنيه يصعدون منبري وينزلونه " (3) وقد لعنه النبي وما في صلبه كما سنوافيك مؤذنا بخطر هذا البيت وما يجره على المسلمين من ويلات.

____________

(1) الإستيعاب القسم الأول 359 - 360 رقم 529، أسد الغابة: 2 / 37 و 38 رقم 1217، الغدير: 8 / 344.

(2) السيرة الحلبية: 1 / 317، كنز العمال: 6 / 40 ح 31066، أسد الغابة: 2 / 37، الإصابة: 1 / 346.

(3) الإصابة: 1 / 345.

الصفحة 50

الحكم وما أدرك ما الحكم (1)

كان خصاء الغنم (2)، أحد جيران رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة من أولئك الأشداء عليه صلى الله عليه وآله وسلم المبالغين في إيذائه شاكلة أبي لهب كما قاله ابن هشام في سيرته (3)، وأخرج الطبراني (4) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان الحكم يجلس عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا تكلم اختلج، فبصر به البني صلى الله عليه وآله وسلم فقال: " كن (5) كذلك " فما زال يختلج حتى مات.

وفي لفظ مالك بن دينار: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإصبعه فالتفت فرآه فقال: " اللهم اجعل به وزغا " (6) فرجف مكانه وارتعش. وزاد الحلبي: بعد أن مكث شهرا مغشيا عليه (7).

روى البلاذري في الأنساب (8): إن الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذي له في

____________

(1) الغدير: 8 / 342.

(2) حياة الحيوان للدميري: 1 / 276. (المؤلف).

(3) السيرة النبوية: 2 / 57.

(4) المعجم الكبير: 3 / 214 ح 3167.

(5) كذا في الإصابة، وفي المعجم الكبير: أنت.

(6) الوزغ: الارتعاش والرعدة. (المؤلف)

(7) الإصابة: 1 / 345، 346 رقم 1781، السيرة الحلبية: 1 / 317، الفائق للزمخشري: 4 / 57 - 58، تاج العروس: 6 / 35. (المؤلف)

(8) أنساب الأشراف: 5 / 27 (المؤلف).

الصفحة 51
الإسلام، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه، فكان يمر خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلى قام خلفه فأشار بأصابعه، فبقي على تخليجه وأصابته خبلة، واطلع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة (1) وقال: " من عذيري من هذا الوزغة اللعين؟ " ثم قال: لا يساكنني ولا ولده فغربهم جميعا إلى الطائف، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر، فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة وقال: قد كنت كلمت رسول الله فيهم وسألته ردهم فوعدني أن يأذن لهم فقبض قبل ذلك. فأنكر المسلمون عليه إدخاله إياهم المدينة.

وعن سعيد بن المسيب قال: خطب عثمان فأمر بذبح الحمام وقال: إن الحمام قد كثر في بيوتكم حتى كثر الرمي ونالنا بعضه، فقال الناس: يأمر بذبح الحمام وقد آوي طرداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وذكره مرة أخرى بلفظ أخصر من هذا (2) وذكر بيتين لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت في عبد الرحمن بن الحكم السالفين في لفظ أبي عمر فقال: كان يفشي أحاديث رسول الله، فلعنه وسيره إلى الطائف

____________

(1) العنزة: عصا قدر نصف الرمح أو أكثر، فيها سنان مثل سنان الرمح.

(2) أنساب الأشراف: 5 / 125. (المؤلف).

الصفحة 52
ومعه عثمان الأزرق والحارث وغيرهما من بنيه، وقال: " لا يساكنني " فلم يزالوا طرداء حتى ردهم عثمان، فكان ذلك مما نقم عليه.

وفي السيرة الحلبية (1): اطلع الحكم على رسول الله من باب بيته وهو عند بعض نسائه بالمدينة، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعنزة، وقيل بمدرى (2) في يده وقال: " من عذيري من هذه الوزغة لو أدركته لفقأت عينه "، ولعنه وما ولد، وذكره ابن الأثير مختصرا في أسد الغابة (3).

وأخرج أبو عمر من طريق عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يدخل عليكم رجل لعين " وكنت قد تركت عمرا يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل، فدخل الحكم بن أبي العاص (4).

وقال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق (5): وبسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: " ليدخلن الساعة عليكم رجل لعين ". فوالله ما زلت أتشوف داخلا وخارجا حتى

____________

(1) السيرة الحلبية: 1 / 317.

(2) المدري كالمسلة يفرق به شعر الرأس.

(3) أسد الغابة: 2 / 37 و 38 رقم 1217.

(4) الإستيعاب: القسم الأول / 360 رقم 529. (المؤلف)

(5) تطهير الجنان: 63.

الصفحة 53
دخل فلان - يعني الحكم - كما صرحت به رواية أحمد (1).

وروى البلاذري في الأنساب (2)، والحاكم في المستدرك (3) وصححه والواقدي كما في السيرة الحلبية (4) بالإسناد عن عمرو بن مرة قال: استأذن الحكم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعرف صوته فقال: " ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ما هو، ذوو مكر وخديعة يعطون الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق " (5).

وفي لفظ ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق (6): ائذنوا له فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وما يخرج من صلبه يشرفون في الدنيا، ويترذلون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة إلا الصالحين منهم وقليل ما هم ".

وأخرج الحاكم في المستدرك (7) وصححه من طريق عبد الله بن

____________

(1) مسند أحمد: 2 / 347 ح 6484.

(2) أنساب الأشراف: 5 / 126.

(3) المستدرك على الصحيحين: 4 / 528 ح 8484.

(4) السيرة الحلبية: 1 / 317.

(5) وذكره الدميري في حياة الحيوان: 2 / 422، وابن حجر في الصواعق: ص 181، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه: كنز العمال: 11 / 357 ح 31729 نقلا عن أبي يعلى، والطبراني، والحاكم والبيهقي، وابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق: 24 / 191 ترجمة مروان بن الحكم. (المؤلف)

(6) تطهير الجنان: ص 64.

(7) المستدرك على الصحيحين: 4 / 528 - 529 ح 8485.

الصفحة 54
الزبير قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الحكم وولده.

وأخرج الطبراني (1) وابن عساكر والدارقطني في الأفراد من طريق عبد الله بن عمر قال: هجرت الرواح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أبو الحسن فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ادن "، فلم يزل يدنيه حتى التقم أذنيه، فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يساره إذ رفع رأسه كالفزع قال: فدع (2) بسيفه الباب فقال لعلي: " إذهب فقده كما تقاد الشاة إلى حالبها " فإذا علي يدخل الحكم بن أبي العاص آخذا بأذنه ولها زنمة (3) حتى أوقفه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلعنه نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثا ثم قال: " أحله ناحية " حتى راح إليه قوم من المهاجرين والأنصار ثم دعا به فلعنه ثم قال: " إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء ". فقال ناس من القوم: هو أقل وأذل من أن يكون هذا منه قال:

" بلى وبعضكم يومئذ شيعته ". كنز العمال (4).

وأخرج ابن عساكر (5) من طريق عبد الله بن الزبير، قال وهو على المنبر: ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي لفظ: إنه قال وهو يطوف

____________

(1) المعجم الكبير: 12 / 336 ح 13602.

(2) الدع: الطرد والدفع.

(3) زنمة: هي شئ يقطع من أذن الشاة ويترك معلقا بها.

(4) كنز العمال: 11 / 165 ح 31060، ص 359 ح 3174.

(5) مختصر تاريخ دمشق: 24 / 191.

الصفحة 55
بالكعبة: ورب هذه البنية للعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحكم وما ولد. كنز العمال (1).

وأخرج ابن عساكر (2) من طريق محمد بن كعب القرظي أنه قال:

لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحكم وما ولد، إلا الصالحين وهم قليل.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وعبد بن حميد والنسائي (3) وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الله قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أري لأمير المؤمنين - يعني معاوية - في يزيد رأيا حسنا أن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: أهرقلية؟ إن أبا بكر رضي الله عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده. فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه: أف لكما؟ فقال عبد الرحمن: ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله أباك؟ فسمعت عائشة فقالت: مروان أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا، كذبت والله ما فيه نزلت، نزلت في فلان بن فلان.

وفي لفظ آخر عن محمد بن زياد: لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن: سنة هرقل وقيصر. فقال

____________

(1) كنز العمال: 11 / 357 ح 31732 و 31733.

(2) المصدر السابق: 11 / 361 ح 31746.

(3) السنن الكبرى: 6 / 458 ح 11491.

الصفحة 56
مروان: هذا الذي قال الله فيه: (والذي قال لوالديه أف لكما) (1) الآية.

فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب مروان، كذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن أسمي الذي نزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله. وفي لفظ: ولكن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبة فأنت فضض من لعنة الله. وفي لفظ الفائق: فأنت فظاظة (2) لعنة الله ولعنة رسوله.

راجع مستدرك الحاكم (3)، تفسير القرطبي (4)، تفسير الزمخشري (5)، الفائق له (6)، تفسير ابن كثير (7)، تفسير الرازي (8)، أسد الغابة لابن الأثير (9)، نهاية ابن الأثير (10) شرح ابن أبي الحديد (11)

____________

(1) الأحقاف: 17.

(2) قال الزمخشري: افتظظت الكرش إذا اعتصرت ماءها، كأنه عصارة قذرة من اللعنة. (المؤلف).

(3) المستدرك على الصحيحين: 4 / 528 ح 8483.

(4) الجامع لأحكام القرآن: 16 / 131.

(5) الكشاف: 4 / 304.

(6) الفائق في غريب الحديث: 4 / 102.

(7) تفسير ابن كثير: 4 / 195.

(8) التفسير الكبير: 28 / 23.

(9) أسد الغابة: 2 / 38 رقم 1217.

(10) النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 454.

(11) شرح نهج البلاغة: 6 / 150 خطبة 72.

الصفحة 57
تفسير النيسابوري هامش الطبري (1)، الإجابة للزركشي (2)، تفسير النسفي هامش الخازن (3)، الصواعق لابن حجر (4)، إرشاد الساري للقسطلاني (5)، لسان العرب (6)، الدر المنثور (7)، حياة الحيوان للدميري (8)، السيرة الحلبية (9)، تاج العروس (10)، تفسير الشوكاني (11)، تفسير الآلوسي (12)، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية (13). (14).

قال ابن الأثير: " وقد روي في لعنه - أي الحكم - ونفيه أحاديث كثيرة، لا حاجة إلى ذكرها، إلا أن الأمر المقطوع به

____________

(1) تفسير غرائب القرآن للنيسابوري: 6 / 121.

(2) الإجابة: ص 129 - 130 باب 2 فصل 8.

(3) تفسير النسفي: 4 / 143 - 144.

(4) الصواعق المحرقة: ص 181.

(5) إرشاد الساري: 11 / 69.

(6) لسان العرب: 10 / 279.

(7) الدر المنثور: 7 / 444.

(8) حياة الحيوان: 2 / 422.

(9) السيرة الحلبية: 1 / 317.

(10) تاج العروس: 5 / 69.

(11) فتح القدير: 5 / 21.

(12) تفسير الآلوسي: 26 / 20.

(13) السيرة النبوية لزيني دحلان: 1 / 117.

(14) الغدير: 8 / 348.

الصفحة 58
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع حلمه وإغضائه على ما يكره ما فعل به ذلك إلا لأمر عظيم " (1).

لفت نظر

يوجد هذا الحديث في المصادر جلها لولا كلها باللفظ المذكور، غير أن البخاري أخرجه في تفسير صحيحه (2) في سورة الأحقاف وحذف منه لعن مروان وأبيه وما راقه ذكر ما قاله عبد الرحمن، وهذا دأبه في جل ما يرويه، وإليك لفظه:

كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد ابن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه. فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه (3)، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني). فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري.

وقال ابن كثير: وكان الحكم مع ذلك كله يدعو الناس إلى الضلال ويمنعهم عن الإسلام. اجتمع حويطب بمروان يوما فسأله مروان عن

____________

(1) أسد الغابة 2 / 35 - 36.

(2) صحيح البخاري: 4 / 1827 ح 4550.

(3) كلمة (عليه) غير موجودة في المصدر. والصحيح - ظاهرا - ذكرها لحاجة السياق إليها.

الصفحة 59
عمره، فأخبره، فقال له: تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث. فقال حويطب: الله المستعان والله لقد هممت بالإسلام غير مرة كل ذلك يعوقني أبوك يقول: تضع شرفك، وتدع دين آبائك لدين محدث، وتصير تابعا؟ فسكت مروان وندم على ما كان قال له. تاريخ ابن كثير (1).

الحكم في القرآن

أخرج ابن مردويه عن أبي عثمان النهدي، قال: قال مروان لما بايع الناس ليزيد: سنة أبي بكر وعمر... إلى آخر الحديث المذكور.

فسمعت ذلك عائشة فقالت: إنها لم تنزل في عبد الرحمن، ولكن نزل في أبيك: (ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم) (2).

راجع، الدر المنثور (3)، السيرة الحلبية (4)، تفسير الشوكاني (5)، تفسير الآلوسي (6)، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية (7). وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول

____________

(1) البداية والنهاية: 8 / 76 حوادث سنة 53هـ (2) سورة القلم: 10، 11.

(3) الدر المنثور: 7 / 444، 8 / 246.

(4) السيرة الحلبية: 1 / 317.

(5) فتح القدير: 5 / 270.

(6) تفسير الآلوسي: 29 / 28.

(7) السيرة النبوية: 1 / 117.

الصفحة 60
لأبيك وجدك - أبي العاص بن أمية -: " إنكم الشجرة الملعونة في القرآن ".

ذكره السيوطي في الدر المنثور (1)، والحلبي في السيرة (2) والشوكاني في تفسيره (3)، والآلوسي في تفسيره (4). وفي لفظ القرطبي في تفسيره (5):

قالت عائشة لمروان: لعن الله أباك وأنت في صلبه، فأنت بعض من لعنة الله. ثم قالت: والشجرة الملعونة في القرآن.

وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء "، واهتم رسول الله لذلك، فأنزل الله: " (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبير) (6).

وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبح وهو مهموم فقيل: ما لك يا رسول الله؟ فقال: إني أريت في المنام

____________

(1) الدر المنثور: 5 / 309، 310.

(2) السيرة الحلبية: 1 / 317.

(3) فتح القدير: 3 / 240.

(4) روح المعاني: 15 / 107.

(5) الجامع لأحكام القرآن: 10 / 185.

(6) الإسراء: 60.