الصفحة 61
كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا، فقيل: يا رسول الله لا تهتم فإنها دنيا تنالهم، فأنزل الله (وما جعلنا الرؤيا التي) الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي (1) وابن عساكر (2)، عن سعيد بن المسيب قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله تعالى إليه: إنما هي دنيا أعطوها.

فقرت عينه وذلك قوله تعالى (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك). الآية.

وأخرج الطبري والقرطبي وغيرهما من طريق سهل بن سعد قال:

رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات، وأنزل الله تعالى (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك) الآية.

وروى القرطبي والنيسابوري عن ابن عباس: أن الشجرة الملعونة بنو أمية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو (3) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

" رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة " فأنزل الله:

(وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة) يعني الحكم وولده.

____________

(1) دلائل النبوة: 6 / 509.

(2) مختصر تاريخ دمشق: 24 / 191.

(3) وفي بعض المصادر: ابن عمر. (المؤلف).

الصفحة 62
وفي لفظ: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى في المنام أن ولد الحكم بن أمية يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة فساءه ذلك (1).

وفي لفظ للحاكم والبيهقي في الدلائل (2) وابن عساكر (3) وأبي يعلى من طريق أبي هريرة: " إني أريت في منامي كأن بني الحكم بن العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة " فما رؤي النبي مستجمعا ضاحكا حتى توفي.

مصادره ما رويناه

تفسير الطبري (4)، تاريخ الطبري (5)، مستدرك الحاكم (6)، تاريخ الخطيب (7)، تفسير النيسابوري هامش الطبري (8)، تفسير القرطبي (9)، النزاع والتخاصم للمقريزي (10)، أسد الغابة (11) من طريق

____________

(1) كما في تفسير الخازن: 3 / 169.

(2) دلائل النبوة: 6 / 511.

(3) مختصر تاريخ دمشق: 24 / 190.

(4) جامع البيان: مج 9 / ج 15 / 112 - 113.

(5) تاريخ الأمم والملوك: 10 / 58 حوادث سنة 284هـ.

(6) المستدرك على الصحيحين: 4 / 527 ح 8481.

(7) تاريخ بغداد: 8 / 28.

(8) تفسير غرائب القرآن للنيسابوري: 4 / 361 - 362، 2 / 362.

(9) الجامع لأحكام القرآن: 10 / 183 - 185.

(10) النزاع والتخاصم: ص 79.

(11) أسد الغابة: 2 / 14 رقم 1165.

الصفحة 63
الترمذي (1)، تطهير الجنان لابن حجر هامش الصواعق (2) فقال: رجاله رجال الصحيح إلا واحدا فثقة، والخصائص (3) الكبرى، الدر المنثور (4)، كنز العمال (5)، تفسير الخازن (6)، تفسير الشوكاني (7)، تفسير الآلوسي (8) فقال الآلوسي:

ومعنى جعل ذلك فتنة للناس جعله بلاء لهم ومختبرا، وبذلك فسره ابن المسيب، وكان هذا بالنسبة إلى خلفائهم الذين فعلوا ما فعلوا، وعدلوا عن سنن الحق وما عدلوا وما بعده بالنسبة إلى ما عدا خلفاءهم منهم ممن كان عندهم عاملا وللخبائث عاملا، أو ممن كان أعوانهم كيف ما كان، ويحتمل أن يكون المراد: ما جعلنا خلافتهم وما جعلنا أنفسهم إلا فتنة، وفيه من المبالغة في ذمهم ما فيه، وجعل ضمير نخوفهم على هذا لما كان له أولا أو للشجرة باعتبار أن المراد بها بنو أمية، ولعنهم لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة، والفروج المحصنة، وأخذ الأموال من غير حلها، ومنع الحقوق عن أهلها،

____________

(1) سنن الترمذي: 5 / 414 ح 3350.

(2) تطهير الجنان: ص 65.

(3) الخصائص الكبرى للسيوطي: 2 / 200.

(4) الدر المنثور: 5 / 309.

(5) كنز العمال: 11 / 358 ح 31736 - 31737.

(6) تفسير الخازن: 3 / 169.

(7) فتح القدير: 3 / 240.

(8) روح المعاني: 15 / 107.

الصفحة 64
وتبديل الأحكام، والحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام، إلى غير ذلك من القبائح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد تنسى ما دامت الليالي والأيام، وجاء لعنهم في القرآن إما على الخصوص كما زعمته الشيعة، أو على العموم كما نقول، فقد قال سبحانه وتعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) (1) وقال عز وجل: (فهل عسيتهم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) (2). إلى آيات أخر، ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولا أوليا... إلى آخر كلامه. راجع.

نظرة في كلمتين

الأولى: كلمة القرطبي: قال القرطبي بعد روايته حديث الرؤيا: لا يدخل في هذه الرؤيا عثمان ولا عمر بن عبد العزيز ولا معاوية.

لا يهمنا بسط القول حول هذا التخصيص، ولا ننبس بينت شفة في تعميم العموم الوارد في الأحاديث المذكورة وأمثالها الواردة في بني أمية عامة وفي بني أبي العاص جد عثمان خاصة، من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح من طريق أبي سعيد الخدري: " إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضنا بنو أمية وبنو المغيرة

____________

(1) الأحزاب: 57.

(2) سورة محمد: 22، 23.

الصفحة 65
وبنو مخزوم " (1).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم من طريق أبي ذر: " إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا (2)، وكتاب الله دغلا " (3).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم من طريق حمران بن جابر اليمامي: " ويل لبني أمية - ثلاث مرات - أخرجه ابن مندة كما في الإصابة (4)، وحكاه عن ابن مندة وأبي نعيم السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه (5).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم من طريق أبي ذر: " إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا " قال حلام بن جفال (6): فأنكر على أبي ذر فشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " إني سمعت رسول الله يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاله ".

أخرجه الحاكم من عدة طرق وصححه هو والذهبي كما

____________

(1) مستدرك الحاكم: 4 / 534 ح 8500. وصححه. (المؤلف)

(2) في كنز العمال: دخلا.

(3) مستدرك الحاكم: 4 / 526 ح 8476، وأخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال: 11 / 165 ح 31058. (المؤلف)

(4) الإصابة: 1 / 353.

(5) كنز العمال: 11 / 165 ح 31059، ص 363 ح 31750.

(6) في المستدرك: حلام بن جذل. وفي شرح النهج: 8 / 257: جلام بن جندل.

الصفحة 66
في المستدرك (1) وأخرجه (2) أحمد، وابن عساكر، وأبو يعلى، والطبراني، والدارقطني من طريق أبي سعيد وأبي ذر وابن عباس ومعاوية وأبي هريرة كما في كنز العمال.

وذكر ابن حجر في تطهير الجنان (3) هامش الصواعق بسند حسنه: أن مروان دخل على معاوية في حاجة وقال: إن مؤنتي عظيمة أصبحت أبا عشرة، وأخا عشرة، وعم عشرة ثم ذهب، فقال معاوية لابن عباس وكان جالسا معه على سريره: أنشدك بالله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا بلغ بنو أبي الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا آيات الله بينهم دولا، وعباد الله خولا، وكتابه دخلا، فإذا بلغوا سبعة وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من كذا؟ " قال: اللهم نعم.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم بإسناده حسنه ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق (4): " شر العرب بنو أمية، وبنو حنيفة، وثقيف "، وقال:

صح، قال الحاكم: على شرط الشيخين عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان أبغض الأحياء أو الناس إلى رسول الله بنو أمية.

____________

(1) المستدرك على الصحيحين: 4 / 527 ح 8478، وكذا في التلخيص.

(2) مسند أحمد: 3 / 498 ح 11349، و 2 / 347 ح 6483، مختصر تاريخ دمشق: 24 / 183، 28 / 290، مسند أبي يعلى: 2 / 383 ح 1152، المعجم الكبير: 12 / 182 ح 12982، كنز العمال: 11 / 165 ح 31055، ص 359 ح 31738.

(3) تطهير الجنان: ص 64. وفيه: دغلا، بدلا من: دخلا.

(4) تطهير الجنان: ص 63.

الصفحة 67
وقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: " لكل أمة آفة وآفة هذه الأمة بنو أمية ". كنز العمال (1).

فالحكم في هذه العمومات ولا سيما بعد ملاحظة ما أثبتته السير ومدونات التاريخ وغيرها، وبعد الإحاطة بأحوال الرجال وما ارتكبوه وما ارتكبوا فيه، أنت ووجدانك أيها القارئ الكريم.

الثانية: كلمة ابن حجر صاحب الصواعق: قال ابن حجر في الصواعق (2): قال ابن ظفر: وكان الحكم هذا يرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل، كذا ذكره الدميري في حياة الحيوان (3).

ولعنته صلى الله عليه وآله وسلم للحكم وابنه لا تضرهما لأنه صلى الله عليه وآله وسلم تدارك ذلك بقوله مما بينه في الحديث الآخر: إنه بشر يغضب البشر، وإنه سأل ربه أن من سبه أو لعنه أو دعا عليه أن يكون رحمة وزكاة وكفارة وطهارة. وما نقله الدميري عن ابن ظفر في أبي جهل لا تأويل عليه فيه بخلافه في الحكم فإنه صحابي، وقبيح أي قبيح أن يرمى صحابي بذلك، فليحمل على أنه إن صح ذلك كان يرمى به قبل الإسلام. انتهى.

أنا لا أدري أيعلم ابن حجر ماذا يلوك بين أشداقه؟ أهو مجد فيما يقول أم هازئ؟ أما ما اعتذر به من أن لعنته صلى الله عليه وآله وسلم لا تضر الحكم

____________

(1) كنز العمال: 11 / 364 ح 31755.

(2) الصواعق المحرقة: 181.

(3) حياة الحيوان: 2 / 422.

الصفحة 68
وابنه. إلى آخره. فقد أخذه مما أخرجه الشيخان في الصحيحين (1) من طريق أبي هريرة، غير أنه حرف منه كلما وزاد فيه أخرى وإليك لفظة:

قال: اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهدا لم تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك.

هذا حط من مقام الرسالة لأجل أموي ساقط، وحسبان أن صاحبها كإنسان عادي يثيره ما يثير غيره فيغضب لما لا ينبغي أن يغضب له، ومخالف للكتاب العزيز من قوله سبحانه: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) (2).

نعم، هو صلى الله عليه وآله وسلم بشر غير أنه كما قال في الذكر الحكيم: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) فإن كان في الوحي أن يلعن الطريد وما ولد فماذا ينجيه من اللعن؟ إلا أن يحسب ابن حجر أن الوحي أيضا يتبع الشهوات! كبرت كلمة تخرج من أفواههم.

وكيف يكون اللعن رحمة وزكاة وطهارة وكفارة وقد أصاب موضعه بأمر من الله سبحانه؟

____________

(1) صحيح البخاري: 5 / 2339 ح 6000 كتاب الدعوات، صحيح مسلم: 5 / 170 ح 91 كتاب البر والصلة وبزيادة: يوم القيامة، في ذيل الحديث. (المؤلف)

(2) النجم: 3 - 4.

الصفحة 69
وما يصنع ابن حجر بالصحيح المتضافر من أن سباب المسلم فسوق (1)؟

وكيف يسوغ له إيمانه أن يكون رسول الله سبابا أو لعانا أو مؤذيا لأحد أو جالدا لمسلم على غير حق؟ وكل ذلك من منافيات العصمة والله سبحانه يقول (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) (2). وجاء في الصحيح:

إنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن سبابا ولا فحاشا ولا لعانا، وقد أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدعاء على المشركين، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة " (3) فهو صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمل في أولئك المشركين الهداية فلم يلعنهم

____________

(1) أخرجه أحمد في المسند: 2 / 24 ح 4250، والبخاري في الصحيح: 5 / 2247 ح 5697، والترمذي في السنن: 5 / 22 ح 2635، والنسائي في السنن الكبرى: 2 / 313 - 314 ح 3567 - 3578، وابن ماجة في السنن: 2 / 1299 ح 3939 وغيرهم من طريق ابن مسعود. وابن ماجة في السنن 2 / 1299 - 1300 ح 3940 من طريق أبي هريرة، 3941 من طريق جابر وسعد بن أبي وقاص، والطبراني في المعجم الأوسط: 1 / 413 ح 738، والكبير: 17 / 39 ح 80 عن عبد الله بن المغفل وعمرو بن النعمان. وصححه غير واحد من الحفاظ، كالهيثمي في مجمع الزوائد: 8 / 73، والسيوطي في الدر المنثور: 1 / 530، والمناوي في فيض القدير: 4 / 84 ح 4633. (المؤلف).

(2) الأحزاب: 58.

(3) أخرجه البخاري: 9 / 522 / 2243 ح 5684، ومسلم في صحيحه: 2 / 5393 / 168 ح 87. (المؤلف).

الصفحة 70
ولا دعا عليهم، ولما كان لم يرج في الحكم وولده أي خير لعنهم لعنا يبقي عليهم خزي الأبد.

نعم، رواية الصحيحين المنافية لعصمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اختلقتها يد الهوى على عهد معاوية تزلفا إليه، وطمعا في رضيخته، وتحببا إلى آل أبي العاص المقربين عنده. ومن أراد الوقوف على أبسط مما ذكرناه في المقام فليراجع كتاب (أبو هريرة) لسيدنا الآية السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي (1).

هبنا - العياذ بالله - ما شينا ابن حجر في أساطيره في نبي العصمة والقداسة، فما حيلة المغفل فيما نزل من الذكر الحكيم في الحكم وبنيه؟ هل فيه ضمير؟ أم يراه أيضا رحمة وزكاة وكفارة وطهارة.

وشتان بين رأي ابن حجر في الحكم وبين ما يأتي من قول أبي بكر لعثمان فيه: عمك إلى النار، وقول عمر لعثمان: ويحك يا عثمان تتكلم في لعين رسول الله وطريده وعدو رسوله؟

وأما ما عالج به داء الحكم فهو يعلم أنه موصوم بما هو أفظع من ذلك، من لعن رسول الله وطرده إياه، وكان الخبيث يهزأ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مشيته حتى أخذته دعوته صلى الله عليه وآله وسلم، وهل تجديد الصحبة وحاله هذه؟

وهل تشمل الصحبة التي هي من أربى الفضائل اللص الذي ساكن الصحابة لاستراق أموالهم وإلقاح الفتن فيهم؟ وهل تشمل المنافقين

____________

(1) أبو هريرة: ص 35 - 45.

الصفحة 71
الذين كانوا في المدينة يومئذ؟ (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق) (1) فإن طهرت الصحبة أمثال الحكم فهي مطهرة أولئك بطريق أولى لأنه لم يكشف عنهم الغطاء كما كشف عن الحكم على العهد النبوي وفي دور الشيخين، حتى أراد ابن أخيه أن ينقذه من الفضيحة فزيد ضغث على إبالة (2)، ونبشت الدفائن، وذكر ما كاد أن ينسى.

ثم هب أن الصحبة مزيحة لعلل النفس والأمراض القلبية فهل هي مزيلة للأدواء، الجسمانية؟ لم نجد في كتب الطب من وصفها بذلك، ولا تعدادها في صف الأودية المفيدة لداء من الأدواء، ولا لذلك الداء العضال الذي زعم ابن حجر أنه منفي عن الحكم لمحض الإسلام والصحبة، وجوز أن يكون قبل اتصاله بالمسلمين، حيا الله هذا الطب الجديد! إن من الممكن جدا أن يكون هذا الداء العضال من علل طرد الرجل من المدينة، فلم يرد صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون بين صحابته في عاصمة نبوته مخزي مثله.

إذا أنهاك البحث إلى هاهنا وعرفت الحكم ومقداره في أدوار حياته جاهلية وإسلاما، فأقرأ ما جاء به سالم بن وابصة تزلفا إلى معاوية بن مروان بن الحكم من قوله:

____________

(1) التوبة: 101.

(2) الإبالة: الحزمة من الحطب.. الضغث: القبضة من الحشيش. ومعنى المثل: بلية على أخرى. أنظر مجمع الأمثال: 2 / 260.

الصفحة 72

إذا افتخرت يوما أمية أطرقت * قريش وقالوا معدن الفضل والكرم
فإن قيل هاتوا خيركم أطبقوا معا * على أن خير الناس كلهم الحكم
ألستم بني مروان غيث بلادنا * إذا السنة الشهباء سدت على الكظم

سبحانك اللهم ما قيمة بشر خيره الحكم؟ وما شأن جدوب غيثها بنو مروان؟ إن هي إلا أساطير الأولين نسجتها يد الغلو في الفضائل (1).

وابن تيمية يدافع أيضا

قال ابن تيمية مدافعا عن الحكم: " أما الحكم فهو من الطلقاء، والطلقاء حسن إسلام أكثرهم، وبعضهم فيه نظر، ومجرد ذنب يعزر عليه لا يوجب أن يكون منافقا في الباطن! " (2).

أجل إن للحكم ذنبا " ومجرد ذنب "!، فإيذاء النبي والاستهزاء به وإفشاء أسراره والطلاح على داره... كل هذا " مجرد ذنب " عند الشيخ!!

وقال: " وغاية النفي المقدر سنة، وهو نفي الزاني والمخنث، وإذا كان كذلك فالنفي كان في آخر الهجرة، فلم تطل مدته في زمن أبي بكر، وعمر، فلما كان عثمان طالت

____________

(1) الغدير: 8 / 359.

(2) منهاج السنة: 3 / 197.

الصفحة 73
مدته " (1).

" ربما تحدث الشيخ عن أعداد كانت في القرون الغابرة لا نعرفها اليوم، أو عن غيب لا نفهمه! وإلا فمدة خلافة أبي بكر وعمر كانت ثلاث عشرة سنة، مع ما كان في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وربما كان سنة أو أقل أو أكثر، فيكون المجموع نحو أربع عشرة سنة " فلم تطل مدته، فلما كان عثمان طالت مدته " بأعجوبة أو بمعجزة!! " (2).

" وغاية النفي المقدر سنة، وهو نفي الزاني والمخنث "، والحكم لم يكن زانيا ولا مخنثا، فالنبي - في عقيدة ابن تيمية - نفي الحكم بغير حق!

أيادي الخليفة عثمان عند الحكم بن أبي العاص (3)

أعطى عثمان صدقات قضاعة للحكم بن أبي العاص عمه، طريد النبي بعدما قربه وأدناه، وألبسه يوم قدم المدينة وعليه فزر (4) خلق وهوى يسوق تيسا والناس ينظرون إلى سوء حاله وحال من معه، حتى دخل دار الخليفة ثم خرج وعليه جبة خز وطيلسان. تاريخ اليعقوبي (5)

____________

(1) منهاج السنة: 3 / 196.

(2) ابن تيمية - حياته - عقائده، الأستاذ صائب عبد الحميد ص 284.

(3) الغدير: 8 / 341.

(4) من فزر الثوب: انشق وتقطع وبلي. (المؤلف)

(5) تاريخ اليعقوبي: 2 / 164.

الصفحة 74
وقال البلاذري في الأنساب (1) رواية عن ابن عباس أنه قال: كان مما أنكروا على عثمان أنه ولى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة (2)، فبلغت ثلاث مائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه بها.

وقال ابن قتيبة وابن عبد ربه والذهبي: ومما نقم الناس على عثمان أنه آوى طريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحكم ولم يؤوه أبو بكر وعمر وأعطاه مائة ألف (3).

وعن عبد الكريم بن يسار قال: رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى آتاها عثمان، فقال له: إدفعها إلى الحكم بن أبي العاص، وكان عثمان إذا أجاز أحدا من أهل بيته بجائزة جعلها فرضا من بيت المال، فجعل يدافعه ويقول له: يكون فنعطيك إن شاء الله.

فألح عليه فقال: إنما أنت خازن لنا، فإذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت. فقال: كذبت والله ما أنا لك بخازن ولا لأهل بيتك إنما أنا خازن المسلمين، وجاء بالمفاتيح يوم الجمعة وعثمان يخطب فقال:

أيها الناس زعم عثمان أني خازن له ولأهل بيته وإنما كنت خازنا للمسلمين وهذه مفاتيح بيت مالكم، ورمى بها فأخذها ودفعها إلى زيد

____________

(1) أنساب الأشراف: 5 / 28.

(2) أبو حي باليمن. (المؤلف).

(3) المعارف لابن قتيبة: ص 194، العقد الفريد: 4 / 103، محاضرات الراغب: مج 2 / ج 4 / 476، مرآة الجنان لليافعي: 1 / 85 نقلا عن الذهبي في تاريخ الإسلام: ص 365 - 366 حوادث سنة 31هـ (المؤلف).

الصفحة 75
ابن ثابت. تاريخ اليعقوبي (1).

المسألة:

هلم معي نسائل الخليفة في إيواء لعين رسول الله وطريده - الحكم - وبمسمع منه ومرأى نزول القرآن فيه واللعن المتواصل من مصدر النبوة عليه وعلى من تناسل منه عدا المؤمنين، وقليل ما هو، ما هو المبرر لعمله هذا ورده إلى مدينة الرسول؟ وقد طرده صلى الله عليه وآله وسلم وأبناءه منها تنزيها لها من تلكم الأرجاس والأدناس الأموية، قد سأل أبا بكر وبعده عمر أن يرداه، فقال كل منهما: لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) وقال الحلبي في السيرة (3): كان يقال له: طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعينه، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم طرده إلى الطائف ومكث به مدة رسول الله ومدة أبي بكر بعد أن سأله عثمان في إدخاله المدينة فأبى، فقال له عثمان: عمي، فقال: عمك إلى النار، هيهات هيهات أن أغير شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله لا رددته أبدا، فلما توفي أبو بكر وولي عمر كلمه عثمان في ذلك فقال له: ويحك يا عثمان تتكلم في لعين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطريده وعدو الله وعدو رسوله؟ فلما ولي عثمان رده إلى المدينة فاشتد

____________

(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 168.

(2) الأنساب للبلاذري: 5 / 27، الرياض النضرة: 3 / 80، أسد الغابة: 2 / 38.

رقم 1217، السيرة الحلبية: 1 / 317، الإصابة: 1 / 345 رقم 1781. (المؤلف)

(3) السيرة الحلبية: 2 / 76 - 77.

الصفحة 76
ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة، فكان ذلك من أكبر أسباب القيام عليه. انتهى.

ألم تكن للخليفة أسوة في رسول الله؟ والله يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (1) أو كان قومه وحامته أحب إليه من الله ورسوله؟ وبين يديه الذكر الحكيم: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأمال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (2).

ثم ما هو المبرر لتخصيص الرجل بتلك المنحة الجزيلة من حقوق المسلمين وأعطياتهم؟ بعد تأمينه على أخذ الصدقات المشترط فيه الثقة والأمانة، واللعين لا يكون ثقة ولا أمينا.

ثم نسائل الحكم والخليفة على تقريره لما ارتكبه من حمل صدقات قضاعة إلى دار الخلافة وقد ثبت في السنة أنها تقسط على فقراء المحل وعليها أتت الأقوال. قال أبو عبيدة في الأموال (3): والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلها أن أهل كل بلد من البلدان، أو ماء

____________

(1) الأحزاب: 21.

(2) التوبة: 24.

(3) الأموال: ص 709 ح 1911.

الصفحة 77
من المياه أحق بصدقتهم ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك، وإن أتى ذلك على جميع صدقتها حتى يرجع الساعي ولا شئ معه منها، بذلك جاءت الأحاديث مفسرة. ثم ذكره أحاديث فقال (1):

قال أبو عبيد: فكل هذه الأحاديث تثبت أن كل قوم أولى بصدقتهم حتى يستغنوا عنها، ونرى استحقاقهم ذلك دون غيرهم إنما جاءت به السنة لحرمة الجوار وقرب دارهم من دار الأغنياء. انتهى.

ألم يكن في قضاعة ذو حاجة فيعطي؟ أو لم يكن في المدينة الطيبة من فقراء المسلمين أحد فيقسم ذلك المال الطائل بينهم بالسوية؟ (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليهما) الآية (2). فتخصيصها للحكم لماذا؟

وهلم معي إلى المسكين صاحب المال تؤخذ منه الصدقات شاء أو أبى وهو يعلم مصب تلكم الأموال ومدرها من أيدي أولئك الجبارة أو الجبارة - نظراء الحكم ومروان والوليد وسعيد - وما يرتكبونه من فجور ومجون، وبعد لم ينقطع من أذنه صدى ما ارتكبه خالد بن الوليد سيف.. مع مالك بن نويرة وحليلته وذويه وما يملكه، وكان يسمع من وحي الكتاب قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (3)، فهل يرى المسكين أن هذا الأخذ يطهره ويزكيه؟ لا حكم

____________

(1) الأموال: ص 711 ح 1916.

(2) التوبة: 60.

(3) التوبة: 103.

الصفحة 78
إلا لله.

نعم، يقول المغيرة بن شعبة - زاني ثقيف - إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا أن ندفعها إليهم وعليهم حسابهم (1) ويقول ابن عمر: ادفعوها إليهم وإن شربوا بها الخمر. ويقول: ادفعها إلى الأمراء وإن تمزعوا بها لحوم الكلاب على موائدهم (2). نحن لا نقيم لأمثال هذه الآراء وزنا، ولا أحسب أن الباحث يقدر لها قيمة. فإنها ولائد ظنون مجردة، وقد جاء في أولئك الأمراء بإسناد صححه الحاكم والذهبي من طريق جابر بن عبد الله قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم لكعب ابن عجرة: " أعاذك الله يا كعب من إمارة السفهاء ". قال: وما إمارة السفهاء يا رسول الله؟ قال: " أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون علي حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي " (3).

فإعطاء الصدقات لأولئك الأمراء من أظهر مصاديق الإعانة على الإثم والعدوان والله تعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا

____________

(1) سنن البيهقي: 4 / 115. (المؤلف)

(2) سنن البيهقي: 4 / 115، الأموال لأبي عبيد: ص 681 ح 1799. (المؤلف)

(3) مستدرك الحاكم: 4 / 468 ح 8302 وكذا في التلخيص. (المؤلف)

الصفحة 79
تعاونوا على الإثم والعدوان) (1).

ثم إن الصدقات كضرائب مالية في أموال الأغنياء لإعاشة الضعفاء من الأمة. قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: " إن الله عز وجل فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي الفقراء، فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله تبارك وتعالى أن يحاسبهم ويعذبهم ". الأموال لأبي عبيد (2)، المحلى لابن حزم (3)، وأخرجه الخطيب في تاريخه (4) من طريق علي مرفوعا.

وفي لفظ: " إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله سائلهم عن ذلك " نهج البلاغة (5).

هذا هو مجرى الصدقات في الشريعة المطهرة، وهو الذي يطهر صاحب المال ويزكيه، ويكتسح عن المجتمع معرة الآراء الفاسدة من الفقراء المقلقة للسلام والمعكرة لصفو الحياة. ثم الخليفة يدعي (6) إن

____________

(1) المائدة: 2.

(2) الأموال: ص 709 ح 1910.

(3) المحلى: 6 / 158.

(4) تاريخ بغداد 5 / 308.

(5) نهج البلاغة: ص 533 رقم 328.

(6) الأنساب للبلاذري: 5 / 27، الرياض النضرة: 3 / 80، مرآة الجنان لليافعي: 1 / 85، الصواعق: ص 113، السيرة الحلبية: 2 / 77. (المؤلف)

الصفحة 80
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعده رد الحكم بعد أن فاوضه في ذلك، إن كان هذا الوعد صحيحا فلم لم يعلم به أحد غيره؟ ولا عرفه الشيخان وهلا رواه لهما حين كلمهما في رده فجبهاه بما عرفت؟ أو أنهما لم يثقا بتلك الرواية؟ فهذه مشكلة أخرى. أو أنهما صدقاه؟ غير أنهما رأيا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعده أن يرده هو صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرده، ولعل المصلحة الواقعية أو الظروف لم تساعده على إنجاز الوعد حتى قضى نحبه، فمن أين عرف الترخيص له في رده؟ ولو كانت هناك شبهة رخصة لعمل بها الشيخان حين فاوضهما هو في ذلك، لكنهما ما عرفا الشبهة ولا علما تلميحا للرخصة بل رأياه عقدة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنحل، وفي الملل والنحل للشهرستاني (1): فما أجابا إلى ذلك ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا. انتهى. ومن هنا رأى ابن عبد ربه في العقد (2) وأبو الفدا في تاريخه (3) أن الحكم طريد رسول الله وطريد أبي بكر وعمر أيضا، وكذلك الصحابة كلهم ما عرفوا مساغا لرد الرجل وأبنائه، وإلا لما نقموا به عليه ولعذروه على ما ارتكبه وفيهم من لا تخفى عليه مواعيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وللخليفة معذرة أخرى، قال ابن عبد ربه في العقد الفريد: لما رد عثمان الحكم طريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلم

____________

(1) الملل والنحل: 1 / 32.

(2) العقد الفريد: 4 / 18.

(3) تاريخ أبي الفداء: 1 / 168. (المؤلف)

الصفحة 81
الناس في ذلك، فقال عثمان: ما ينقم الناس مني؟ إني وصلت رحما وقريت عينا. انتهى.

ونحن لا نخدش العواطف بتحليل كلمة الخليفة هذه، ولا نفصل القول في مغزاها وإنما نمر به كراما، وأنت إذا عرفت الحكم وما ولد علمت أن ردهم إلى المدينة المشرفة وتوليهم على الأمور، وتسليطهم على ناموس الإسلام، واتخاذ الحمى لهم جناية كبيرة الأمة لا تغتفر، ولا تقر بها قط عين (1).

____________

(1) الغدير: 8 / 364.

الصفحة 82

الصفحة 83

مروان بن الحكم


الصفحة 84

الصفحة 85

الهوية الشخصية

هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، يكنى أبا عبد الملك، وهو ابن عم عثمان بن عفان بن أبي العاص وكاتبه في خلافته ولم يصلنا عنه حديث (1).

ولادة مروان بن الحكم

هناك اختلاف كبير حول تاريخ ولادة مروان فقد قيل:

ولد سنة اثنتين من الهجرة، وقال مالك: ولد يوم أحد، وقيل:

ولد يوم الخندق، وقيل: بمكة وقيل بالطائف (2).

ولم ير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أباه الحكم،... وكان مع أبيه بالطائف حتى استخلف عثمان، واستكتب عثمان مروان وضمه إليه (3).

ويبدو أن الصحيح في ولادة مروان هو ولادته بعد فتح مكة لثبوت الرواية التي تقول " كان لا يولد لأحد بالمدينة

____________

(1) أسد الغابة: 5 / 144، الإصابة: 3 / 477.

(2) راجع: أسد الغابة: 5 / 144.

(3) نفس المصدر.

الصفحة 86
ولد إلا أتي به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان... " وسيوافيك الحديث.

فمروان ولد في المدينة وأبوه وأمه لم يهاجرا بل بقيا على شركهما، بعد فتح مكة سكنا المدينة فولد مروان هناك والله أعلم.

النبي يلعن مروان صغيرا

أخرج الحاكم في المستدرك (1) من طريق عبد الرحمن ابن عوف وصححه أنه قال: كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلا أتي به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم عند ولادته فقال: هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون.

وذكره الدميري في حياة الحيوان (2)، وابن حجر في الصواعق (3)، والحلبي في السيرة (4). ولعل معاوية أشار إليه بقوله لمروان: يا بن الوزغ لست هناك. فيما ذكر ابن أبي الحديد (5).

____________

(1) الغدير: 8 / 367، المستدرك على الصحيحين: 4 / 526 ح 8477.

(2) حياة الحيوان: 2 / 422.

(3) الصواعق المحرقة: ص 181.

(4) السيرة الحلبية: 1 / 317.

(5) شرح نهج البلاغة: 6 / 155 خطبة 72.

الصفحة 87

العودة من الطائف

بقي مروان مع أبيه في المنفى قرابة أربعة عشر عاما، وعاد مع أبيه بعد أن ردهما عثمان خلافا لفعل النبي والشيخين. فعينه عثمان كاتبا في خلافته وزوجه ابنته أم أبان، فماذا كان بعد ذلك؟

أيادي الخليفة عثمان عند مروان

أعطى عثمان مروان بن الحكم بن أبى العاص ابن عمه وصهره من ابنته أم أبان خمس غنائم إفريقية وهو خمسمائة ألف دينار، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن حنبل الجمحي الكندي مخاطبا الخليفة:

أحلف بالله رب الأنام * ما ترك الله أمرا سدى
ولكن خلقت لنا فتنة * لكي نبتلي بك أو تبتلى
فإن الأمينين قد بينا * منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهما غيلة * وما جعلا درهما في الهوى
دعوت اللعين فأدنيته * خلافا لسنة من قد مضى
وأعطيت مروان خمس العباد * فهيهات شأوك ممن سعى

هكذا رواه ابن قتيبة في المعارف (1)، وأبو الفداء في تاريخه (2)،

____________

(1) المعارف: ص 195.

(2) تاريخ أبي الفداء: 1 / 168.

الصفحة 88
وذكر البلاذري الأبيات في الأنساب (1) ونسبها إلى أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي الخزرجي الذي منع أن يدفن عثمان بالبقيع، وإليك لفظها:

أقسم بالله رب العباد * ما ترك الله خلقا سدى
دعوت اللعين فأدنيته * خلافا لسنة من قد مضى

قال: يعني الحكم والد مروان.

وأعطيت مروان خمس العباد * ظلما لهم وحميت الحمى
ومال أتاك به الأشعري * من الفئ أنهيته من ترى
فأما الأمينان إذ بينا * منار الطريق عليه الصوى
فلم يأخذا درهما غيلة * ولم يصرفا درهما في هوى

وذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد (2) ونسبها إلى عبد الرحمن، وروى البلاذري من طريق عبد الله بن الزبير أنه قال: أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين إفريقية فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم، وفي رواية أبي مخنف:

فابتاع الخمس بمائتي ألف دينار فكلم عثمان فوهبها له فأنكر الناس ذلك على عثمان (3).

____________

(1) أنساب الأشراف: 5 / 38.

(2) العقد الفريد: 4 / 103.

(3) أنساب الأشراف: 5 / 27، 28. (المؤلف).