وفي رواية الطبري عن الواقدي، عن أسامة بن زيد، عن ابن كعب قال: لما وجه عثمان عبد الله بن سعد إلى إفريقية كان الذي صالحهم عليه بطريق إفريقية جرجير ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين إلف دينار، فبعث ملك الروم رسولا وأمره أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار كما أخذ منهم عبد الله بن سعد. إلى أن قال: كان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلاثمائة قنطار ذهب، فأمر بها عثمان لآل الحكم. قلت: أو لمروان؟ قال: لا أدري. تاريخ الطبري (2).
وقال ابن الأثير في الكامل (3): وحمل خمس إفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان، وكان هذا مما أخذ عليه، وهذا أحسن ما قيل في خمس إفريقية، فإن بعض الناس يقول: أعطى عثمان خمس إفريقية عبد الله بن سعد.
وبعضهم يقول: أعطاه مروان بن الحكم، وظهر بهذا أنه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى، وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت
____________
(1) تاريخ ابن كثير: 7 / 170 حوادث سنة 27هـ. لا يخفى على القارئ تحريف ابن كثير رواية الواقدي، والصحيح ما ذكره الطبري عنه، (المؤلف) (2) تاريخ الأمم والملوك: 4 / 256 حوادث سنة 27هـ.
(3) الكامل في التاريخ: 2 / 237 حوادث سنة 27هـ.
وروى البلاذري وابن سعد: أن عثمان كتب لمروان بخمس مصر وأعطى أقرباءه المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال واستسلف من بيت المال وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي. فأنكر الناس عليه ذلك (1).
وأخرج البلاذري في الأنساب (2) من طريق الواقدي عن أم بكر بنت المسور قالت: لما بني مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه وكان المسور فيمن دعا، فقال مروان وهو يحدثهم: والله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه. فقال المسور: لو أكلت طعامك وسكت لكان خيرا لك، لقد غزوت معنا إفريقية وإنك لأقلنا مالا ورقيقا وأعوانا وأخفنا ثقلا، فأعطاك ابن عفان خمس إفريقية وعملت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين، فشكاه مروان إلى عروة وقال:
يغلظ لي وأنا له مكرم متق.
وقال ابن أبي الحديد في الشرح (3): أمر - عثمان - لمروان بمائة ألف من بيت المال وقد زوجه ابنته أم أبان، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان وبكى، فقال عثمان:
____________
(1) طبقات ابن سعد: 3 / 44 طبع ليدن 3 / 64، الأنساب للبلاذري: 5 / 25. (المؤلف)
(2) أنساب الأشراف: 5 / 28.
(3) شرح نهج البلاغة: 1 / 199 خطبة 3.
وقال الحلبي في السيرة (2): وكان من جملة ما انتقم به على عثمان أنه أعطى ابن عمه مروان بن الحكم مائة ألف وخمسين أوقية (3).
إقطاع الخليفة عثمان فدك لمروان (4)
عد ابن قتيبة في المعارف (5)، وأبو الفداء في تاريخه (6) مما نقم الناس على عثمان إقطاعه فدك لمروان وهي صدقة رسول الله، فقال أبو الفداء: وأقطع مروان بن الحكم فدك وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي طلبتها فاطمة ميراثا، فروي أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، ولم تزل فدك في يد مروان وبنيه إلى أن تولى عمر بن عبد العزيز فانتزعها من أهله وردها صدقة.
____________
(1) في المصدر: والله لو.
(2) السيرة الحلبية: 2 / 78.
(3) الغدير 8 / 367.
(4) المصدر السابق: 8 / 334.
(5) المعارف: ص 194 - 195.
(6) تاريخ أبي الفداء: 1 / 168.
وفي العقد الفريد (2) في عد ما نقم الناس على عثمان: أنه أقطع فدك مروان وهي صدقة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وافتتح إفريقية وأخذ خمسها فوهبه لمروان.
وقال ابن أبي الحديد في شرحه (3): وأقطع عثمان مروان فدك، وقد كانت فاطمة عليها السلام طلبتها بعد وفاة أبيها صلوات الله عليه تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها.
قال الأميني: أنا لا أعرف كنه هذا الإقطاع وحقيقة هذا العمل فإن فدك إن كانت فيئا للمسلمين - كما ادعاه أبو بكر - فما وجه تخصيصها بمروان؟ وإن كانت ميراثا لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما احتجت له الصديقة
____________
(1) السنن الكبرى: 6 / 301.
(2) العقد الفريد: 4 / 103.
(3) شرح نهج البلاغة: 1 / 198 - 199 خطبة 3.
فإن كانت فدك نحلة فأي مساس بها لمروان؟ وأي سلطة عليها لعثمان؟ حتى يقطعها لأحد. ولقد تضاربت أعمال الخلفاء الثلاثة في أمر فدك فانتزعها أبو بكر من أهل البيت، وردها عمر إليهم، وأقطعها عثمان لمروان، ثم كان فيها ما كان في أدوار المستحوذين على الأمر منذ عهد معاوية وهلم جرا فكانت تؤخذ وتعطى، ويفعلون بها ما يفعلون بقضاء من الشهوات، كما فصلناه (1)، ولم يعمل برواية أبي بكر (2) في عصر من العصور، فإن صانعه الملأ الحضور على سماع ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحابوه وجاملوه، فقد أبطله من جاء بعده بأعمالهم وتقلباتهم فيها بأنحاء مختلفة.
____________
(1) راجع الغدير: 7 / 195 - 197.
(2) حديث " نحن معاشر الأنبياء لا نورث... " الذي رواه أبو بكر عندما طالبته فاطمة عليها السلام بفدك.
مروان وما مروان؟
مر علينا ما صح من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبيه وعلى من يخرج من صلبه. وأسلفنا ما صح من قول عائشة لمروان: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أباك فأنت فضض من لعنة الله.
وأخرج ابن النجيب من طريق جبير بن مطعم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ويل لأمتي مما في صلب هذا " (1).
وفي شرح ابن أبي الحديد (2) نقلا عن الإستيعاب (3): نظر علي عليه السلام يوما إلى مروان فقال له: " ويل لك وويل لأمته محمد منك ومن بيتك إذا شاب صدغاك ". وفي لفظ ابن الأثير: " ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك ". أسد الغابة (4). ورواه ابن عساكر بلفظ آخر كما في
____________
(1) أسد الغابة: 2 / 37 رقم 1217، الإصابة: 1 / 346 رقم 1781، السيرة الحلبية: 1 / 317، كنز العمال: 11 / 167 ح 31066. (المؤلف)
(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 150 خطبة 72.
(3) الإستيعاب: القسم الثالث / 1388 رقم 2370.
(4) أسد الغابة: 5 / 145 رقم 4841.
وقال مولانا أمير المؤمنين يوم قال له الحسنان السبطان: ".
يبايعك مروان يا أمير المؤمنين ": " أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته، إنها كف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبته، أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة (2) وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر ". نهج البلاغة (3).
قال ابن أبي الحديد في الشرح (4): قد روي هذا الخبر من طرق كثيرة ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب نهج البلاغة وهي قوله عليه السلام في مروان: " يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه وإن له إمرة " إلى آخره.
هذه الزيادة أخذها ابن أبي الحديد من ابن سعد ذكرها في طبقته (5) طبع ليدن قال: قال علي بن أبي طالب يوما ونظر إليه:
" ليحملن راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وله إمرة كلحسة الكلب
____________
(1) كنز العمال: 11 / 167 ح 31067.
(2) هو بنو عبد الملك: الوليد، سليمان، يزيد، هشام. كذا فسره الناس وعند ابن أبي الحديد 6 / 147 - 148 خطبة 72 هم أولاد مروان: عبد الملك، بشر، محمد، عبد العزيز. (المؤلف)
(3) نهج البلاغة: ص 102 رقم 73.
(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 148، خطبة 72.
(5) الطبقات الكبرى: 5 / 43.
قال البلاذري في الأنساب (2): كان مروان يلقب خيط باطل (3) لدقته وطوله شبه الخيط الأبيض الذي يرى في الشمس، فقال الشاعر - ويقال: إنه عبد الرحمن بن الحكم أخوه -:
وذكر البلاذري في الأنساب (6) في مقتل عمرو بن سعيد الأشدق الذي قتله عبد الملك بن مروان ليحيى بن سعيد أخي الأشدق قوله:
____________
(1) تذكرة الخواص: ص 78.
(2) أنساب الأشراف: 5 / 126.
(3) أنظر ثمار القلوب: ص 76 رقم 103.
(4) أشار بقوله: مضروب القفا إلى ما وقع يوم الدار، فإن مروان ضرب يوم ذاك على قفاه. (المؤلف)
(5) ورواهما وما قبلهما ابن الأثير في أسد الغابة: 5 / 145 رقم 4841. (المؤلف)
(6) أنساب الأشراف: 5 / 144.
وذكر بن أبي الحديد في شرحه (1) لعبد الرحمن بن الحكم في أخيه قوله:
ومن شعر مالك بن الريب - المترجم في الشعر والشعراء لابن قتيبة (3) - يهجو مروان قوله:
ابن الحكم والتلاعب بالدين
إن الذي يستشفه المنقب من سيرة مروان وأعماله أنه ما كان يقيم لنواميس الدين الحنيف وزنا، وإنما كان يلحظها كسياسات زمنية
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 151 خطبة 72.
(2) هو مرخم مروان.
(3) الشعر والشعراء: ص 221.
(4) بنت جعفر هي الهاشمية الشهيرة بأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب زوجة عبد الملك بن مروان. ثم طلقها فتزوجها علي بن عبد الله بن عباس. (المؤلف)
(5) الغدير: 8 / 370.
المورد الأول: إتمام الصلاة في السفر:
أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده (1) من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجا، قدمنا معه مكة قال: فصلى بنا الظهر ركعتين ثم انصرف إلى دار الندوة، قال: وكان عثمان حين أتم الصلاة فإذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا أربعا، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة حتى يخرج من مكة، فلما صلى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمك بأقبح ما عبته به.
فقال لهما: وما ذاك؟ قال: فقالا له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمكة؟ قال:
فقال لهما: ويحكما وهل كان غير ما صنعت؟ قد صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قالا: فإن ابن عمك قد أتمها وإن خلافك إياه له عيب. قال: فخرج معاوية إلى العصر فصلاها بنا أربعا.
وذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد (2) نقلا عن أحمد والطبراني
____________
(1) مسند أحمد 5 / 58 ح 16415.
(2) مجمع الزوائد: 2 / 156.
فإذا كان لعب مروان وخليفة وقته معاوية بالصلاة التي هي عماد الدين إلى درجة يقدم فيها التحفظ على عثمان في عمله الشاذ عن الكتاب والسنة على العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أخضع معاوية لما ارتأه من الرأي الشائن في صلاة العصر، فماذا يكون عبثهما بالدين فيما هو دون الصلاة من الأحكام؟
وإن تعجب فعجب أنه يعد مخالفة عثمان في رأيه الخاص له عيبا عليه يغير لأجله الحكم الديني الثابت، ولا يعد مخالفة رسول الله وما جاء به محظورة تترك لأجلها الأباطيل والأحداث!
ومن العجيب أيضا أن ينهى معاوية عن مخالفة عثمان، ولا ينهى من خالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مخالفة. أهؤلاء من خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله؟ وأعجب من كل ذلك حسبان أولئك العابثين بدين الله عدولا وهذه سيرتهم ومبلغهم من الدين الحنيف.
المورد الثاني: تغييره السنة في صلاة العيد:
أخرج البخاري (1) من طريق أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني، فارتفع
____________
(1) صحيح البخاري: 1 / 326 ح 913.
هذا مروان (1)
فهلم معي إلى الخليفة نستحفيه الخبر عن هذا الوزغ اللعين في صلب أبيه وبعد مولده بماذا استباح إيواءه وتأمينه على الصدقات والطمأنينة إليه في المشورة في الصالح العام؟ ولم استكتبه وضمه إليه فاستولى عليه؟ (2) ونصب عينيه ما لهج به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وما ناء به هو من المخاريق والمخزيات، ومن واجب الخليفة تقديم الصلحاء من المؤمنين وإكبارهم شكرا لأعمالهم لا الاحتفال بأهل المجانة والخلاعة كمروان الذي يجب الإنكار والتقطيب تجاه عمله الشائن، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان "، وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: " أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة ".
____________
(1) الغدير: 8 / 376.
(2) كما ذكره أبو عمر في الإستيعاب القسم الثالث / 137 رقم 2370، وابن الأثير في أسد الغابة: 5 / 144 - 145 رقم 4841. (المؤلف)
وتقريبه وهو ممن يجب إقصاؤه، وإيواؤه وهو ممن يستحق الطرد، وتأمينه وهو أهل بأن يتهم، ومنحه أجزل المنح من مال المسلمين ومن الواجب منعه، وتسليطه على أعطيات المسلمين ومن المحتم قطع يده عنها؟
أنا لا أعرف شيئا من معاذير الخيفة في هذه المسائل - لعل لها عذرا وأنت تلومها - لكن المسلمين في يومه ما عذروه وهم الواقفون على الأمر من كثب، والمستشفون للحقائق الممعنون فيها، وكيف يعذره المسلمين ونصب أعينهم قوله عز من قائل: (وأعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله) (1)؟
أليس إعطاء الخمس لمروان اللعين خروجا عن حكم القرآن؟
أليس عثمان هو الذي فاوض بنفسه ومعه جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل لقومه نصيبا من الخمس فلم يجعل ونص على أن بني عبد شمس وبني نوفل لا نصيب لهم منه؟
قال جبير بن مطعم: لما قسم رسول الله سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب (2) أتيته أنا وعثمان فقلت: يا رسول الله هؤلاء بنو
____________
(1) الأنفال: 41.
(2) المطلب أخو هاشم لأب وأم، وأمهما عاتكة بنت مرة. (المؤلف)
ومن العزيز على الله ورسوله أن يعطى سهم ذوي قربى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لطريده ولعينه، وقد منعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقومه من الخمس، فما عذر الخليفة في تزحزحه عن حكم الكتاب والسنة، وتفضيل رحمه أبناء الشجرة الملعونة في القرآن على قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين أوجب الله مودتهم في الذكر الحكيم؟ أنا لا أدري. والله من ورائهم حسيب (2).
أخرج أئمة الصحاح من طريق أبي سعيد الخدري قال: أخرج مروان المنبر يوم العيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر يوم عيد، ولم يكن يخرج به،
____________
(1) صحيح البخاري: 3 / 1143 ح 2971، الأموال: ص 415 ح 843، 844، سنن البيهقي: 6 / 340، 342، سنن أبي داود: 3 / 145 - 146 ح 2978 - 2980، مسد أحمد: 5 / 36 ح 16299، المحلى: 7 / 328 المسألة 949.
(المؤلف)
(2) الغدير: 8 / 377.
وفي لفظ الشافعي في كتاب الأم (1) من طريق عياض بن عبد الله قال: إن أبا سعيد الخدري قال: أرسل إلى مروان وإلى رجل قد سماه، فمشى بنا حتى أتى المصلى، فذهب ليصعد فجبذته (2) إلى فقال: يا أبا سعيد ترك الذي تعلم. قال أبو سعيد: فهتفت ثلاث مرات، فقلت: والله لا تأتون إلا شرا منه.
وفي لفظ البخاري في صحيحه: خرجت مع مروان - وهو أمير المدينة - في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله. فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة (3).
____________
(1) كتاب الأمم: 1 / 235.
(2) جبذ: جذب. (المؤلف)
(3) راجع صحيح البخاري: 1 / 326 ح 913، صحيح مسلم: 2 / 286.
ح 9 كتاب صلاة العيدين، سنن أبي داود: 1 / 296 ح 1140، سنن ابن ماجة: 1 / 406 ح 1275، سنن البيهقي: 3 / 297، مسند أحمد: 3 / 381
=>
قال ابن حزم في المحلي (1): أحدث بنو أمية تقديم الخطبة قبل الصلاة واعتلوا بأن الناس كانوا إذا صلوا تركوهم، ولم يشهدوا الخطبة، وذلك لأنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان المسلمون يفرون وحق لهم، فكيف وليس الجلوس واجبا؟
وقال ملك العلماء في بدائع الصنائع (2): وإنما أحدث بنو أمية الخطبة قبل الصلاة لأنهم كانوا يتكلمون في خطبتهم بما لا يحل، وكان الناس لا يجلسون بعد الصلاة لسماعها فأحدثوها قبل الصلاة ليسمعها الناس، وبمثل هذا قال السرخسي في المبسوط (3).
وقال السندي في شرح سنن ابن ماجة (4): قيل: سبب ذلك أنهم كانوا يسبون في الخطبة من لا يحل سبه، فتفرق الناس عند الخطبة إذا كانت متأخرة لئلا يسمعوا ذلك فقدم الخطبة ليسمعهم.
____________
<=
ح 10689، ص 397 ح 10766، ص 452 ح 111000، ص 456 ح 11122،
ص 518، ح 11466، بدائع الصنائع: 1 / 276. (المؤلف)
(1) المحلى: 5 / 86.
(2) بدائع الصنائع: 1 / 276.
(3) المبسوط: 2 / 37.
(4) شرح سنن ابن ماجة: 1 / 386.
ويستظهر من كلام لعبد الله بن الزبير: كل سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غيرت حتى الصلاة (5). إن تسرب التغيير ولعب الأهواء بالسنن لم يكن مقصورا على الخطبة قبل الصلاة فحسب، وإنما تطرق ذلك إلى كثير من
____________
(1) نيل الأوطار: 3 / 335.
(2) صحيح مسلم: 1 / 100 ح 78 الإيمان.
(3) أخرجه في كتاب الأم: 1 / 235 من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي، ولعل حديث ابن عباس مذكور في غير هذا الموضع. (المؤلف)
(4) المصنف: 3 / 284 ح 5646.
(5) الأم للشافعي: 1 / 208.
قال الأميني: إن الثابت في السنة الشريفة أن الخطبة في العيدين تكون بعد الصلاة، قال الترمذي في الصحيح (2): والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أن صلاة العيدين قبل الخطبة ويقال: إن أول من خطب قبل الصلاة مروان بن الحكم. انتهى.
وإليك جملة مما ورد فيها:
1 - عن ابن عباس قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى يوم فطر أو أضحى قبل الخطبة ثم خطب.
صحيح البخاري (3)، صحيح مسلم (4)، سنن أبي داود (5)، سنن ابن ماجة (6)، سنن النسائي (7)، سنن البيهقي (8).
(2) عن عبد الله بن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أبو بكر ثم عمر يصلون العيد قبل الخطبة، وفي لفظ الشافعي: إن النبي وأبا بكر وعمر
____________
(1) الغدير: 8 / 373.
(2) سنن الترمذي: 2 / 411 ح 531.
(3) صحيح البخاري: 2 / 525 ح 1381.
(4) صحيح مسلم: 2 / 283 ح 2 كتاب صلاة العيدين.
(5) سنن أبي داود: 1 / 927 ح 2411.
(6) سنن ابن ماجة: 1 / 406 ح 1273.
(7) السنن الكبرى 1 / 454 ح 1766.
(8) سنن البيهقي: 3 / 296.
صحيح البخاري (1)، صحيح مسلم (2)، موطأ مالك (3)، مسند أحمد (4)، كتاب الأم للشافعي (5)، سنن ابن ماجة (6)، سنن البيهقي (7)، سنن الترمذي (8)، سنن النسائي (9)، المحلى لابن حزم (10)، بدائع الصنائع (11).
(3) عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على رجليه. انتهى.
سنن ابن ماجة (12)، المدونة الكبرى لمالك (13)، سنن البيهقي (14).
____________
(1) صحيح البخاري: 1 / 326 ح 914، ص 327 ح 920.
(2) صحيح مسلم: 2 / 286 ح 8 كتاب صلاة العيدين.
(3) موطأ مالك: 1 / 178.
(4) مسند أحمد: 2 / 126 ح 4943.
(5) كتاب الأم: 1 / 235.
(6) سنن ابن ماجة: 1 / 407 ح 1276.
(7) سنن البيهقي: 3 / 296.
(8) سنن الترمذي: 2 / 411 ح 531.
(9) السنن الكبرى: 1 / 545 ح 1767.
(10) المحلى: 5 / 85.
(11) بدائع الصنائع: 1 / 276.
(12) سنن ابن ماجة: 1 / 409 ح 1288.
(13) المدونة الكبرى: 1 / 169.
(14) سنن البيهقي: 3 / 297.
سنن ابن ماجة (1)، سنن أبي داود (2)، سنن النسائي (3)، سنن البيهقي (4)، المحلى (5).
5 - عن جابر بن عبد الله قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس.
صحيح البخاري (6)، صحيح مسلم (7)، سنن أبي داود (8)، سنن النسائي (9)، سنن البيهقي (10).
6 - عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي قبل الخطبة. المدونة الكبرى (11).
____________
(1) سنن ابن ماجة: 1 / 410 ح 1290.
(2) سنن أبي داود: 1 / 300 ح 1155.
(3) السنن الكبرى: 1 / 548 ح 1779.
(4) سنن البيهقي: 3 / 301.
(5) المحلى: 5 / 86.
(6) صحيح البخاري: 1 / 332 ح 935.
(7) صحيح مسلم: 2 / 284 ح 3 كتاب صلاة العيدين.
(8) سنن أبي داود: 1 / 297 ح 1141.
(9) السنن الكبرى: 1 / 545 ح 1765.
(10) سنن البيهقي: 2 / 296، 698.
(11) المدونة الكبرى: 1 / 169.
صحيح البخاري (1)، سنن النسائي (2).
8 - عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع علي بن أبي طالب وعثمان محصور، فجاء فصلى ثم انصرف فخطب.
موطأ مالك (3)، كتاب الأم للشافعي (4) ذكر من طريق مالك شطرا منه.
هذه الأحاديث تكشف عن استمرار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه السنة المرتبة ولم يعز إليه غيرها قط، وعلى ذلك مضى الشيخان ومولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وعثمان نفسه ردحا من أيامه،
موقف مروان في حصار عثمان
بعد أن قرب عثمان عشيرته وأغدق عليهم الأموال وولاهم المناصب في الدولة والمدن الإسلامية... ثار المسلمون ضده وحاصروه وطلبوا منه ترك الخلافة أو التوبة وسنوافيك بالقصة لترى خبث ابن الحكم.
____________
(1) صحيح البخاري: 1 / 334 ح 940.
(2) السنن الكبرى: 1 / 547 ح 177 ط.
(3) موطأ مالك: 1 / 178.
(4) كتاب الأم: 1 / 192.
فخرج عثمان وخطب الخطبة التي نزع فهيا وأعطى الناس من نفسه التوبة، فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
أما بعد، أيها الناس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله، وما جئت شيئا إلا وأنا أعرفه، ولكني منتني نفسي وكذبتني، وضل عني رشدي، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من زل فليتب (2) ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة، إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق "، فأنا أول من اتعظ، أستغفر الله مما فعلت، وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم، فوالله لئن ردني إلى الحق عبد لأستنن بسنة العبد، ولأذلن ذل العبد، ولأكونن كالمرقوق، إن ملك صبر، وإن عتق شكر، وما من الله مذهب إلا إليه، فلا
____________
(1) الغدير: 9 / 232.
(2) كذا في تاريخ الطبري، والصحيح: فلينب كما ذكره البلاذري في الأنساب: 6 / 177.
قال: فرق الناس له يومئذ، وبكى من بكى منهم، وقام إليه سعيد بن زيد فقال: يا أمير المؤمنين ليس بواصل لك من ليس معك، الله الله في نفسك، فأتمم على ما قلت.
فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان وسعيدا (1) ونفرا من بني أمية ولم يكونوا شهدوا الخطبة، فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين: أتكلم أم أصمت؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان الكلبية: لا بل اصمت فإنهم والله قاتلوه ومؤثموه، إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها. فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت وذاك؟ فوالله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ. فقالت له: مهلا يا مروان عن ذكر الآباء، تخبر عن أبي وهو غائب تكذب عليه، وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه، أما والله لولا أنه عمه وأنه يناله غمه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه. قال: فأعرض عنها مروان، ثم قال: يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت؟ قال: بل تكلم. فقال مروان: بأبي أنت وأمي والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممنع منيع فكنت أول من رضي بها وأعان عليها ولكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبى، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل، والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها، وإنك إن شئت تقربت
____________
(1) هو سعيد بن العاص. (المؤلف).
قال: فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم؟ كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بأذن صاحبه ألا من أريد (1)؟ جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا اخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا، قال: فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتى عليا فأخبره الخبر، فجاء علي عليه السلام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال: " أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك (2) عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به؟ والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه، وأيم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك، وغلبت على أمرك ".
فلما خرج علي دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته، فقالت:
أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلمي، فقال: قد سمعت قول علي لك وأنه
____________
(1) كذا في تاريخ الطبري، وفي الكامل: شاهت الوجوه إلى من أريد. (المؤلف)
(2) في لفظ البلاذري: إلا بإفساد دينك، وخديعتك عن عقلك. وفي لفظ ابن كثير: إلا بتحويلك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به. (المؤلف).
قالت: تتقي الله وحده لا شريك له وتتبع سنة صاحبيك من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة، وإنما تركك الناس لمكان مروان، فأرسل إلى علي فاستصلحه فإن له قرابة منك وهو لا يعصى. قال: فأرسل عثمان إلى علي فأبى أن يأتيه، وقال: " قد أعلمته أني لست بعائد ". فبلغ مروان مقالة نائلة فيه، فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه، فقال: أتكلم أو أسكت؟ فقال:
تكلم. فقال: إن بنت الفرافصة، فقال عثمان: لا تذكرنها بحرف فأسوء لك وجهك فهي والله أنصح لي منك، فكف مروان (1).
صورة أخرى من التوبة
من طريق أبي عون، قال: سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث يذكر مروان بن الحكم، قال: قبح الله مروان، خرج عثمان إلى الناس فأعطاهم الرضا، وبكى على المنبر وبكى الناس حتى نظرت إلى لحية عثمان مخضلة من الدموع وهو يقول: اللهم إني أتوب إليك، اللهم إني أتوب إليك، اللهم إني أتوب إليك، والله لئن ردني الحق إلى أن أكون عبدا قنا لأرضين به، إذا دخلت منزلي فادخلوا علي، فوالله لا
____________
(1) الأنساب للبلاذري: 6 / 177 و 179، تاريخ الطبري: 4 / 360 حوادث
سنة 35هـ، الكامل لابن الأثير: 2 / 285 حوادث سنة 35هـ، تاريخ ابن كثير: 7 / 193 حوادث سنة 35هـ، شرح ابن أبي الحديد: 2 / 146 - 147
خطبة 30، تاريخ ابن خلدون: 2 / 597 - 598. (المؤلف).