قال: فلما دخل أمر بالباب ففتح، ودخل بيته ودخل عليه مروان، فلم يزل يفتله في الذروة والغارب حتى فتله عن رأيه، وأزاله عما كان يريد (2).
واستمرت المفاوضات بين عثمان والثوار المسلمين، وعقد علي بن أبي طالب عليه السلام صلحا بين الثوار والخليفة وافق عليه الطرفان ومما جاء فيه: " يرد - عثمان - كل مظلمة ويعزل كل عامل كرهوه " (3).
ولكن ما حدث بعد هذا؟!
أخرج (4) البلاذري (5) من طريق أبي مخنف قال: لما شخص
____________
(1) الزيادة من المصدر.
(2) تاريخ الطبري: 4 / 364 حوادث سنة 35هـ الكامل لابن الأثير: 2 / 286 حوادث سنة 35هـ (المؤلف)
(3) راجع التفاصيل في الغدير: 9 / 236 - 238 نقلا عن: تاريخ الطبري: 4 / 369.
حوادث سنة 35هـ الكامل لابن الأثير: 288 / 2 - 289 حوادث سنة 35هـ شرح ابن أبي الحديد: 2 / 149 خطبة: 30. (المؤلف)
(4) الغدير: 9 /: / 239.
(5) راجع: الأنساب: 5 / 26 - 69، 95، الإمامة والسياسة: 1 / 39، المعارف لابن قتيبة: ص 194، العقد الفريد: 4 / 106 تاريخ الطبري: 4 / 372 حوادث سنة 35هـ، الرياض النضرة: 3 / 56، الكامل لابن الأثير:
=>
أما بعد: فإذا قدم عليك عمرو بن بديل فاضرب عنقه، واقطع يدي ابن عديس وكنانة وعروة، ثم دعهم يتشحطون في دمائهم حتى يموتوا، ثم أوثقهم على جذوع النخل.
فيقال: إن مروان كتب الكتاب بغير علم عثمان، فلما عرفوا ما في الكتاب، قالوا: عثمان محل. ثم رجعوا عودهم على بدئهم حتى دخلوا
____________
<=
2 / 287 حوادث سنة 35هـ، شرح ابن أبي الحديد: 2 / 151
خطبة 30، تاريخ ابن خلدون: 2 / 598، تاريخ ابن كثير: 7 / 194 - 211 حوادث سنة 35هـ،
حياة الحيوان للدميري: 1 / 77، الصواعق المحرقة: ص 117، تاريخ الخلفاء
للسيوطي: 148 و 151، السيرة الحلبية: 2 / 75 و 77 و 78، تاريخ الخميس:
259 / 2، واللفظ للبلاذري والطبري. (المؤلف)
(1) أيله بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، وقيل: هي
آخر الحجاز وأول الشام. معجم البلدان: 1 / 292. (المؤلف).
وكان خاتم عثمان بدءا عند حمران بن أبان ثم أخذه مروان حين شخص حمران إلى البصرة فكان معه.
وفي رواية أن المصريين - وكان معهم محمد بن أبي بكر - حين سألوا الغلام عن أمره فقال لهم مرة: أنا غلام أمير المؤمنين، وقال أخرى: أنا غلام مروان وجهني إلى عامل مصر برسالة... ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتاب محمد وقر على عملك حتى يأتيك رأيي... ".
ورجع الثوار إلى المدينة ودخل علي وطلحة والزبير وسعد على عثمان فأنكر عثمان الكتاب. تقول الرواية: " وعرفوا أن الخط خط مروان فسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم من عنده غضابا وعلموا أنه لا يحلف بباطل، إلا أن قوما قالوا: لن يبرأ عثمان في قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نحثه عن الأمر ونعرف حال الكتاب، وكيف يؤمر بقتل رجال من أصحاب رسول الله بغير حق... " (1).
____________
(1) راجع القصة في الغدير: 9 / 241 - 243.
قال الأميني (1):
إن الطريد ابن الطريد، أو قل عن لسان النبي الأمين: " الوزغ ابن الوزغ، اللعين ابن اللعين "، مروان بن الحكم كان يؤثر في نفسيات الخليفة حتى يحوله كما قال مولانا أمير المؤمنين عن دينه وعقله، ويجعله مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به. فلم يزل به حتى أربكه عند منتقض العهود ومنتكث المواثيق، فأورده مورد الهلكة. وعجيب من الخليفة أن يتأثر بتسويلات الرجل وهو يعلم محله من الدين وموقفه من الإيمان، ومبوأه من الصدق والأمانة، وهو يعلم أنه هو وزبانيته هم الذين جروا عليه الويلات وأركبوه النهابير، وأنهم سيوردونه ثم لا يصدرونه، يعلم ذلك كله وهو بين الناب والمخلب وفي منصرم الحياة، ومع ذلك كله لا يزال مقيما على هاتيك الوساوس المروانية، فيا للعجب.
وأعجب من ذلك أنه مع هذا التأثر يتخذ نصح الناصحين له كمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وكثير من الصحابة العدول بأعتاب الناس
____________
(1) الغدير: 9 / 252.
مروان بعد مقتل عثمان
بعد مقتل الخليفة عثمان قرر ابن الحكم المطالبة بدمه، ولم يرضه أن تكون الخلافة بيد آل أبي طالب لذلك كان من أول المحرضين عليهم، فانضم إلى جيش عائشة ضد الإمام علي عليه السلام.
في الجمل يقتل طلحة
كان طلحة بن عبيد الله من الثائرين ضد عثمان لذلك أخذ ابن الحكم ثأره منه يوم الجمل.
روى (2) البلاذري بإسناده من طريق ابن سيرين أنه قال: لم يكن من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد على عثمان من طلحة.
وذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد (3).
____________
(1) انتهى نص الغدير.
(2) الغدير: 9 / 129.
(3) أنساب الأشراف: 6 / 201، العقد الفريد: 4 / 113.
إنا داهنا في أمر عثمان، فلا نجد [ اليوم ] (1) شيئا أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى (2).
أخرج ابن عساكر، قال: كان مروان بن الحكم في الجيش - يوم الجمل - فقال: لا أطلب بثاري بعد اليوم، فهو الذي رمى طلحة فقتله، ثم قال لأبان بن عثمان: قد كفيتك بعض قتلة أبيك، وكان السهم قد وقع في عين ركبته، فكانوا إذا أمسكوها انتفخت وإذا أرسلوها انبعثت، فقال:
دعوها فإنها سهم أرسله الله (3).
قال أبو عمر في الإستيعاب (4): لا يختلف العلماء الثقات في أن مروان قتل طلحة يومئذ وكان في حزبه.
وأخرج أبو عمر (5) من طريق ابن أبي سبرة قال: نظر مروان إلى طلحة يوم الجمل فقال: لا أطلب بثاري بعد اليوم. فرماه بسهم فقتله.
وأخرج (6) من طريق يحيى بن سعيد عن عمه أنه قال: رمى
____________
(1) ما بين المعقوفين إضافة من المصادر الثلاثة.
(2) الطبقات الكبرى: 3 / 222، تاريخ مدينة دمشق: 25 / 109 رقم 2983، وفي مختصر تاريخ دمشق: 11 / 204، تذكرة الخواص: ص 77.
(3) تاريخ مدينة دمشق: 25 / 112 - 113 رقم 2983، وفي مختصر تاريخ دمشق: 11 / 207.
(4) الإستيعاب: القسم الثاني / 766 رقم 1280.
(5) الإستيعاب: القسم الثاني / 768 رقم 1280.
(6) المصدر السابق.
وأخرج (1) من طريق قيس نقلا عن ابن أبي شيبة أن مروان قتل طلحة، ومن طريق وكيع وأحمد بن زهير، بإسنادهما عن قيس بن أبي حازم حديث: لا أطلب بثاري بعد اليوم. وزاد في أسد الغابة (2) ما مر من قول مروان لأبان.
وقال ابن حجر في الإصابة (3): روى ابن عساكر (4) من طرق (5) متعددة: أن مروان بن الحكم هو الذي رماه فقتله، منها: وأخرجه أبو القاسم البغوي بسند صحيح عن الجارود بن أبي سبرة، قال: لما كان يوم الجمل نظر مروان إلى طلحة فقال: لا أطلب ثاري بعد اليوم، فنزع له بسهم فقتله.
وأخرج يعقوب بن سفيان، بسند صحيح عن قيس بن أبي
____________
(1) الإستيعاب: القاسم الثاني / 768 رقم 1280.
(2) أسد الغابة: 3 / 88 رقم 2625.
(3) الإصابة: 2 / 230.
(4) تاريخ مدينة دمشق: 25 / 112 رقم 2983، وفي مختصر تاريخ دمشق: 11 / 207.
(5) حذفتها يد الطبع الأمينة على ودائع العلم حيا الله الأمانة. لقد لعبت يد الشيخ عبد القادر بن بدران بتاريخ ابن عساكر لما هذبه ورتبه على زعمه فأخرجه عما هو عليه، وجعله مسيخا مشوها بإدخال آرائه الساقطة فيه، وأسقط منه أحاديث كثيرة متنا وإسنادا مما لا يروقه، (المؤلف).
أخرجه عبد الحميد بن صالح عن قيس، وأخرجه الطبراني (2) من طريق يحيى بن سليمان الجعفي عن وكيع بهذا السند، قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم فوقع في عين ركبته، فما زال الدم يسيح إلى أن مات.
وأخرج الحاكم في المستدرك (3) من طريق عكراش قال: كنا نقاتل عليا مع طلحة ومعنا مروان، قال: فانهزمنا، فقال مروان: لا أدرك بثاري بعد اليوم من طلحة. فرماه بسهم فقتله.
وقال محب الدين الطبري في الرياض (4): المشهور أن مروان بن الحكم هو الذي قتله، رماه بسهم وقال: لا أطلب بثاري بعد اليوم. وذلك أن طلحة زعموا أنه كان ممن حاصر عثمان واشتد عليه.
وأخرج البلاذري في الأنساب (5)، في حديث عن روح بن زنباع:
أنه قال: رمى مروان طلحة فاستقاد منه لعثمان.
____________
(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 418 ح 5591.
(2) المعجم الكبير: 1 / 113 ح 201.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 417 ح 5589.
(4) الرياض النضرة: 4 / 230.
(5) أنساب الأشراف: 6 / 267.
أخرج ابن سعد (13) بالإسناد عن شيخ من كلب، قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول: لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه قتل طلحة ما تركت أحدا من ولد طلحة إلا قتلته بعثمان.
____________
(1) مروج الذهب: 2 / 382.
(2) العقد الفريد: 4 / 128.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 418 ح 5593.
(4) الكامل في التاريخ: 2 / 338 حوادث سنة 36هـ.
(5) صفة الصفوة: 1 / 341 رقم 6.
(6) أسد الغابة: 3 / 88 رقم 2625.
(7) دول الإسلام: ص 23.
(8) البداية والنهاية: 7 / 269 سنة 36هـ.
(9) تذكرة الخواص: ص 77.
(10) مرآة الجنان: 2 / 97.
(11) تهذيب التهذيب: 5 / 20.
(12) تاريخ ابن شحنة: 1 / 217.
(13) الطبقات الكبرى: 3 / 223.
أخرج الطبري في حديث: فقام طلحة والزبير خطيبين - يعني بالبصرة - فقالا: يا أهل البصرة توبة بحوبة، إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ولم نرد قتله، فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه، فقال الناس لطلحة: يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا.
تاريخ الطبري (2).
ذكر المسعودي في حديث وقعة الجمل: ثم نادى علي رضي الله عنه طلحة حين رجع الزبير: " يا أبا محمد ما الذي أخرجك؟ " قال: الطب بدم عثمان. قال علي: " قتل الله أولانا بدم عثمان " (3).
عداء مروان لآل البيت
قد مر علينا كيف كان الحكم والد مروان يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويؤذيه، ويبدو أن الأبن اكتسب الخبث والرذيلة
____________
(1) تهذيب التهذيب: 5 / 20.
(2) تاريخ الأمم والملوك: 4 / 469 حوادث سنة 36هـ.
(3) لقد استحاب الله تعالى دعاء الإمام عليه السلام، فقتل طلحة في أسرع وقت. (المؤلف).
الحجر الأساسي في ذلك هو عثمان جرأ الوزغ اللعين على أمير المؤمنين يوم قال له: أقد مروان من نفسك. قال عليه السلام: " مم ذا؟ " قال:
من شتمه وجذب راحلته. وقال له: لم لا يشتمك؟ كأنك خير منه!
وعلاه معاوية بكل ما عنده من حول وطول، لكن مروان تبعه شر متابعة، ولم يأل جهدا في تثبيت ذلك كلما أقلته صهوة المنبر، أو وقف على منصة خطابة، ولم يزل مجدا في ذلك، وحاضا عليه حتى عاد مطردا بعد كل جمعة وجماعة في أي حاضرة يتولى أمرها، وبين عماله يوم تولى خلافة هي كلعة الكلب أنفه تسعة أشهر كما وصفها مولانا أمير المؤمنين، ولم تكن هذه السيرة السيئة إلا لسياسة وقتية، وقد أعرب عما في سريرته بقوله، فيما أخرجه الدارقطني من طريقه عنه، قال: ما كان أحد أدفع عن عثمان من علي. فقيل له: ما لكم تسبونه على
____________
(1) الغدير: 8 / 373.
(2) الإستيعاب في ترجمة أسامة: القسم الأول / 77 رقم 21. (المؤلف)
قال ابن حجر في تطهير الجنان (2) هامش الصواعق وبسند رجاله ثقات: إن مروان لما ولي المدينة كان يسب عليا على المنبر كل جمعة، ثم ولي بعده سعيد بن العاص فكان لا يسب، ثم أعيد مروان فعاد للسب، وكان الحسن يعلم ذلك فيسكت ولا يدخل المسجد إلا عند الإقامة، فلم يرض بذلك مروان حتى أرسل للحسن في بيته بالسب البليغ لأبيه وله، ومنه: ما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال لها: من أبوك؟ فتقول: أبي الفرس. (3) فقال للرسول: " إرجع إليه فقل له: والله لا أمحو عنك شيئا مما قلت بأني أسبك، ولكن موعدي وموعدك الله، فإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة، قد أكرم جدي أن يكون مثلي مثل البغلة ".
إلى آخره.
ولم يختلف من المسلمين اثنان في أن سب الإمام ولعنه من الموبقات، وإذا صح ما قاله ابن معين (4) كما حكاه عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب (5) من أن كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة
____________
(1) الصواعق لابن حجر: ص 55. (المؤلف).
(2) تطهير الجنان ص 63.
(3) كذا في المصدر.
(4) التاريخ: 2 / 66.
(5) تهذيب التهذيب: 1 / 447.
فما قيمة مروان عندئذ؟ ونحن مهما تنازلنا فإنا لا نتنازل عن أن مولانا أمير المؤمنين كأحد الصحابة الذين يشملهم حكم كل من سبهم ولعنهم، فكيف ونحن نرى أنه عليه السلام سيد الصحابة على الإطلاق، وسيد الأوصياء، وسيد من مضى ومن غبر عدا ابن عمه صلى الله عليه وآله وسلم وهو نفس النبي الأقدس بنص الذكر الحكيم، فلعنه وسبه لعنه وسبه وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: " من سب علينا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله " (1).
روى الهيثمي في مجمع الزوائد (2) من طريق أبي يحيى قال:
كنت بين الحسن والحسين ومروان يتسابان فجعل الحسن يسكت الحسين، فقال مروان: أهل بيت ملعونون. فغضب الحسن وقال: " قلت أهل بيت ملعونون، فوالله لقد لعنك الله وأنت في صلب أبيك " أخرجه الطبراني (3) وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (4) نقلا عن ابن سعد وأبي يعلى (5) وابن عساكر (6).
____________
(1) مستدرك الحاكم: 3 / 131 ح 4616، مسند أحمد: 7 / 455 ح 26208. (المؤلف)
(2) مجمع الزوائد: 10 / 72.
(3) المعجم الكبير: 3 / 85 ح 472.
(4) كنز العمال: 11 / 357 ح 31730.
(5) مسند أبي يعلى: 12 / 135 ح 6764.
(6) مختصر تاريخ دمشق: 24 / 181.
انتهى (2).
أي خليفة هذا يجلب رضاه بإيذاء عترة رسول الله؟ ومن أولى بالدفن في الحجرة الشريفة من السبط الحسن الزكي؟ وبأي كتاب وبأية سنة وبأي حق ثابت كان لعثمان أن يدفن فيها؟ ومن جراء ذلك الضغن الدفين على بني هاشم، كان ابن الحكم يحث ابن عمر على الخلافة والقتال دونها. أخرج أبو عمر من طريق الماجشون وغيره: أن مروان دخل في نفر على عبد الله بن عمر بعدما قتل عثمان فعرضوا عليه أن يبايعوا له قال: وكيف لي بالناس؟ قال: تقاتلهم ونقاتلهم معك. فقال:
والله لو اجتمع علي أهل الأرض إلا فدك ما قاتلتهم، قال: فخرجوا من عنده ومروان يقول:
____________
(1) تاريخ مدينة دمشق: 13 / 287، وفي مختصر تاريخ دمشق: 7 / 41.
(2) الغدير: 375 / 8.
(3) الإستيعاب: القسم الثالث / 952 رقم 1612 ترجمة عبد الله بن عمر. (المؤلف)
والملك بعد أبي الزهراء لمن غلبا (1)
ابن الحكم يلتحق بمعاوية
بعد اشتراك ابن الحكم في موقعة الجمل وقتله لطلحة التحق بركب معاوية بن أبي سفيان وشارك في معركة صفين ضد الإمام علي عليه السلام، بعد ذلك ولاه معاوية على المدينة، واستمرت ولايته عليها تسعة أشهر، وقيل: عشرة أشهر (2) ثم عزله، وكان ابن الحكم ينتظر تحقق نبؤة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه وفي ولده في استيلائهم على الخلافة إذا بلغوا أربعين رجلا (3).
مروان يوطد بيعة يزيد
عمل مروان على تثبيت ودعم خلافة يزيد، يزيد المعروف بفسقه وفجوره ومجونه.
____________
(1) الغدير: 8 / 375.
(2) أسد الغابة: 5 / 145.
(3) راجع شرح النهج: 6 / 154، الأغاني: 13 / 259.
فقام مروان في الناس فأخبرهم به، فقال الناس: أصاب ووفق، وقد أجبنا أن يتخير لنا فلا يألوا.
فكتب مروان إلى معاوية بذلك فأعاد إليه الجواب بذكر يزيد.
فقام مروان فيهم وقال: إن أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يأل وقد استخلف ابنه يزيد بعده.
فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: كذبت والله يا مروان وكذب معاوية، ما الخيار أردتما لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كما مات هرقل قام هرقل. فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه (والذي قال لوالديه أف لكما). الآية، فسمعت عائشة مقالته من وراء الحجاب وقالت: يا مروان يا مروان، فأنصت الناس، وأقبل مروان بوجهه فقالت: أنت القائل لعبد الرحمن أنه نزل فيه القرآن؟ كذبت والله ما هو به ولكنه فلان بن فلان، ولكنك أنت فضض من لعنة نبي الله (2).
وتمت بيعة يزيد ولم تطل مدة خلافته فمات دون أن
____________
(1) الغدير: 10 / 332.
(2) انتهى نص الغدير: 10 / 332.
من آراء ابن الحكم
عن داود بن أبي صالح قال (1): أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه - جبهته - على القبر، فأخذ مروان برقبته ثم قال: هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا أبو أيوب الأنصاري، فقال: نعم إني لم آت الحجر، إنما جئت رسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولم آت الحجر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله ".
أخرجه (2): الحاكم في المستدرك وصححه هو والذهبي في تلخيصه، ورواه أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسيني في أخبار المدينة، بإسناد آخر عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، كما في شفاء السقام للسبكي (3).
وذكره السيد نور الدين السمهودي في وفاء الوفاء (4) نقلا عن إمام الحنابلة أحمد، قال: رأيته بخط الحافظ أبي الفتح المراغي المدني،
____________
(1) الغدير: 5 / 206.
(2) المستدرك على الصحيحين: 4 / 560 ح 8571، وكذا في تلخيصه.
(3) شفاء السقام: ص 152.
(4) وفاء الوفا: 4 / 1359 و 1404.
قال الأميني: إن هذا الحديث يعطينا خبرا بأن المنع عن التوسل بالقبور الطاهرة إنما هو من بدع الأمويين وضلالتهم منذ عهد الصحابة، ولم تسمع أذن الدنيا قط صحابيا ينكر ذلك غير وليد بيت أمية مروان الغاشم، نعم، الثور يحمي أنفه بروقه (2)، نعم، بعلة الورشان يأكل رطب المشان (3)، نعم، لبني أمية عامة ولمروان خاصة ضغينة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ يوم لم يبق صلى الله عليه وآله وسلم في الأسرة الأموية حرمة إلا هتكها، ولا ناموسا إلا مزقه، ولا ركنا إلا أباده، وذلك بوقيعته صلى الله عليه وآله وسلم فيهم وهو (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى) (4).
فحقيق على مروان أن يرى الأمة الإسلامية أنه يحامي عن التوحيد وقد رام أن يخذلها عن نبيها ويصغره عندها، وكيف يروقه نبي كان هذا هتافه فيه وفي أبيه وجده وأصله وشجرته؟ تلك الشجرة الملعونة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
فلا يحق لمسلم أن يحذو حذو تلك الأمة الملعونة ويقول بقولهم ويتخذ برأيهم، ويتبع أثر أولئك الرجال الذين اتخذوا دين الله دخلا،
____________
(1) مجمع الزوائد: 4 / 2.
(2) روق الثور: قرنه.
(3) مثل يضرب لمن يظهر شيئا، والمراد منه شئ آخر. الورشان: طائر أخف من الحمام. المشان: نوع من التمر. لسان العرب: 15 / 271.
(4) النجم: 3 - 5.
أجل، لقد ساء ابن الحكم التفاف المسلمين حول النبي ميتا، كيف لا؟ وهو الذي حطم كبرياء بني أمية، وهو الذي نفى أباه ولعنه ومن في صلبه، فالعداء للنبي هو الذي دفع مروان إلى موقفه هذا، ويبدو لي سبب آخر وهو أن التبرك والالتفاف حول القبر الشريف يذكر المسلمين نبيهم وأحاديثه التي لعنت ولاة أمثال مروان، والتي تدعو للقيام على الظلمة وعدم إطاعتهم، وهذا ما يريد ابن الحكم وبنو أمية أن يمحوه من ذاكرة المسلمين.
دعوى باطلة
زعم ابن الأثير أن الإمام عليا بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام روى عن ابن الحكم، فقد جاء في أسد غابته:
" روى عنه - أي مروان - علي بن الحسين " (2).
وكذا أرسل ابن حجر هذه العبارة في إصابته (3) لكنه لم يصب الحق فيها فمروان هذا لم يسمع من البني شيئا (4) إذا
____________
(1) الغدير: 5 / 208.
(2) أسد الغابة: 5 / 145.
(3) الإصابة: 3 / 477.
(4) وإذا نقبت في كتب الحديث فإنك لن تجد له رواية، فأين ذهبت أحاديثه التي دعت الإمام عليا بن الحسين عليه السلام لأن يأخذ عنه؟!
قال المقريزي في ابن الحكم: " وكان رجلا لا فقه له، ولا يعرف بالزهد، ولا برواية الآثار، ولا بصحبة ولا ببعد همة " (1).
وقد كان الإمام علي بن الحسين سيد علماء عصره، قال فيه الزهري: " ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين " [ في أيامه ] (2) وقال أيضا: " ما رأيت أحدا كان أفقه منه. وقال ابن وهب عن مالك: لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل علي بن الحسين " (3).
____________
(1) النزاع والتخاصم: 47.
(2) تهذيب التهذيب: 7 / 268.
(3) نفس المصدر.
فمن كان أفقه أهل المدينة وأفضلهم فكيف يروي عن ابن الحكم؟!
موت مروان بن الحكم
هلك ابن الحكم في شهر رمضان سنة خمس وستين (3)، وهو معدود فيمن قتلته النساء، فقد تزوج أم خالد بن يزيد ليضع من خالد، وقال يوما لخالد: يا ابن الرطبة! فقال له خالد: " أنت مؤتمن خائن " وشكى خالد ذلك يوما إلى أمه، فقال: لا تعلمه أنك ذكرته لي، فلما دخل إليها مروان قامت إليه مع جواريها، فغمته حتى مات (4).
قال المسعودي: " فمنهم من رأى أنها وضعت على نفسه وسادة، وقعدت فوقها مع جواريها حتى مات، ومنهم من يرى أنها أعدت له لبنا مسموما " (5).
وهكذا رحل عن الدنيا بعد عمر ملئ بالشقاوة والشيطنة، وتسلم ابنه عبد الملك الخلافة من بعده.
____________
(1) صفوة الصفوة لابن الجوزي: 2 / 93.
(2) راجع كتاب وركبت السفينة: ص 543 - 548.
(3) الإصابة: 3 / 478.
(4) أسد الغابة: 5 / 145.
(5) المعارف لابن قتيبة: 354، شرح النهج: 6 / 165.
الوليد بن عقبة
ومن ولده
الهوية الشخصية
الوليد بن عقبة بن أبي معيط، واسم أبي معيط: أبان بن أبي عمرو، واسم أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وقد قيل: إن ذكوان كان عبدا لأمية فاستلحقه، والأول أكثر، أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس أم عثمان بن عفان، فالوليد أخو عثمان لأمه (1)، وكان الوليد يكنى أبا وهب.
الوليد ومن ولده (2)
أما أبوه عقبة بن أبي معيط فكان أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إيذائه من جيرانه، أخرج ابن سعد بالإسناد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " كنت بين شر جارين بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط، إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي، حتى أنهم ليأتون ببعض ما يطرحون من الأذى فيطرحونه على بابي " (3).
وقال ابن سعد في الطبقات (4): كان أهل العداوة والمناواة
____________
(1) أسد الغابة: 5 / 451.
(2) الغدير: 8 / 383.
(3) طبقات ابن سعد: 1 / 201. (المؤلف)
(4) المصدر السابق: 1 / 200 - 201.
وذلك أنهم كانوا جيرانه، والذي كان تنتهي عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم: أبو جهل، وأبو لهب، وعقبة بن أبي معيط.
وقال ابن هشام في سيرته (1): كان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته أبو لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط.
وقال (2): كان أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط متصافيين حسنا ما بينهما، فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمع منه فبلغ ذلك أبيا فأتى عقبة فقال له: ألم يبلغني أنك جالست محمدا وسمعت منه؟
ثم قال: وجهي من وجهك حرام أن أكلمك، واستغلظ له من اليمين إن أنت جلست إليه أو سمعت منه أو لم تأته فتتفل في وجهه. ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله، فأنزل الله تعالى فيهما: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) (3) وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم
____________
(1) السيرة النبوية: 2 / 57.
(2) المصدر السابق: 1 / 387.
(3) الفرقان: 27 - 29.
وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟
فقالت: أشد مما كان أمرا، فقال: ما فعل خليلي عقبة؟ فقالت: صبا.
فبات بليلة سوء. فلما أصبح أتاه عقبة فحياه فلم يرد عليه التحية، فقال:
ما لك لا ترد علي تحتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟
قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال: نعم، قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلته؟ قال: تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم، ففعل، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال: " إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا ".
فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: أخرج معنا، قال: وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك فلو
____________
(1) دلائل النبوة: 2 / 606 - 607 ح 401.
(2) وقع في الدر المنثور 6 / 250 الاشتباه في اسم الرجل فجعله أبا معيط، وتبعه على علاته من حكاه عنه كالشوكاني في تفسيره: 4 / 74.
وغيره. (المؤلف)
(3) هو أبو بن خلف كما سمعت، وفي غير واحد من المصادر: أمية بن
خلف: (المؤلف).