كما جرت لي بعض اللقاءات والمراسلات مع بعض أعلام السنة، فكنت أناقشهم في تلك الأحاديث المختلقة وأعمال الصحابة بين مؤيد لأوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين متجرأ عليه، وكان أوّل لقاء لي مع شيخ من أحد أقربائي، وهو الشيخ أبو فيصل بدران.
مع الشيخ أبي فيصل بدران:
يُعَدّ شهرُ رمضان المبارك شهرَ الخيرِ والرحمة، وكان أول يوم يبدأ فيه هو الجمعة، فتجهزت لحضور خطبة الجمعة عند قريبي الشيخ أبي فيصل، ووصلت وبعد صلاة عدد من ركعات النافلة أذن الأذان الثاني وظهر الشيخ على المنبر المرتفع أمتاراً عن الأرض، وبعد قول المقدمة المتعارف عليها عند أهل السنة أخذ يتحدّث عن شهر رمضان ومكانته الرفيعة عندالله عزّ وجلّ، وبدأ يسرد فضائله والواجبات التي يجب أن يقوم بها كلّ مسلم فيه، واسترسل في الحديث، فذكر أهمية صلاة التراويح وفضلها وأنها خير الأعمال، وأنّ الرعيل الأوّل كان لا يتوانى عن إقامتها ولو كان الجوّ ماطراً أو فيه رياح عاصفة، وهي خير الصلوات بعد المكتوبة، وتحدّث عن أخلاقيات هذا الشهر الكريم وفضله وأنه يجمع العائلة في وقت
بعد ذلك بدأ الناس بالخروج من المسجد تباعاً، فقررت أن أنتظره حتى ينهي نوافله، ثم تقدّمت إليه مسلّماً داعياً له بالخير، فرحب بي، وكان يقف إلى جانبه أحد أصدقائه الملازمين له، فتعارفنا وتحدثنا بعض الأحاديث حول أحوال المسجد، وأنه سيكلفني باعادة صيانة بعض الخطوط الكهربائية، وعدّد لي ما ينقص من أدوات وقطع يجب تأمينها لصالح المسجد، فوافقت على ذلك بكل سرور، ورأى أنّ هناك أمراً يشغلني!
فقال لي: يبدو أنك ستطرح سؤالا ما؟
ثم أردف قائلاً لي: نذهب سوية إلى المنزل ونرى ماذا لديك من أسئلة.
وترافقنا نحن الثلاثة إلى منزله، وعندما وصلنا وقدم الماء لنا بادرته بالسؤال التالي:
فقلت: بما أنك تكلمت عن فضل شهر رمضان المبارك وفضل صلاة التراويح، هل يوجد نصّ بسن صلاة التراويح جماعة؟
الشيخ أبو فيصل: صلاة التروايح موجودة أيام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومازالت إلى الآن شعيرة إسلامية جيدة، تجمع الناس على وقت واحد وعدد من الركعات، ولا يحضرني الآن نص أكيد على ذلك.
قلت: حسب مطالعاتي أنّها لم تُقَم بصورة جماعة في حياة
الشيخ أبو فيصل: لكن لا يخفى عليك أن الخليفة عمر كان رجل نظام وحزم وإدارة، وأراد تنظيم الناس في هذه النافلة ليحصل لهم روحانية مطلقة، ورأى أن فيها فائدة إجتماعية أيضاً وهي سنة حسنة، وقيل: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: "من سن سنة حسنة كتب له أجر عمله ومن عمل بها دون أن ينقص من أجر أحد".
قلت: (مقاطعاً): ياشيخنا أنت بهذا القول تبين أن عمر بن الخطاب أفضل من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! حاشا الرسول من ذلك، فأنت تقول أنّه رجل نظام وحزم، وهل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لم يكن رجل نظام وحزم؟!
____________
(1) مسند ابن عوانه: 2/294، مسند عبد بن حميد: 1/110 (350)، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين: 1/452 (781).
(2) صحيح ابن خزيمة: 2/213 (1207)، مستدرك الحاكم، كتاب صلاة التطوع: 1/423 (1207).
ثم إنك تقول إنّها سنّة سنّها عمر وهي حسنة وعمر نفسه يقول: هذه بدعة، أو نعمت البدعة هذه! والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" (1)، فأين السنة الحسنة في ذلك طالما أن كل الصحابة يعترفون بأن هذه الصلاة لم تكن موجودة أيام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا حتى زمن أبي بكر (2)، ولا أوّل الليل ولا تحديد لعدد الركعات (3).
والغريب في الأمر أنّ أهل السنّة تركوا سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)واتبعوا سنّة عمر، بل رفضوا تشريع الله سبحانه وتشريع رسوله
____________
(1) سنن النسائي، باب صلاة العيدين: 1/550 (1786).
(2) إرشاد الساري للقسطلاني، كتاب صلاة التراوح: 4/655، فتح الباري للقسطلاني، كتاب صلاة التروايح: 4/317 (3013).
(3) الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري، صلاة التراويح: 2/340.
الشيخ أبو فيصل: إنّ الخليفة عمر اجتهد وله أجر، ولو فرض أنه أخطأ فالمجتهد الذي يصيب له أجران والذي يخطىء له أجر واحد، وأنت لا تعرف أعمال عمر العظيمة، فهو مكمل لنهج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قلت: لا اجتهاد مقابل النصّ، فالاجتهاد هو بذل الجهد أو الطاقة لعمل ما، والنصّ هو كتاب الله القرآن الكريم والسنة الشريفة، وما فعله عمر لا يطابق النصّ، بسبب أنه لا وجود نصّ على صلاتنا هذه ولا السنة أكدت على ذلك، بل العكس تماماً.
وقولك بأنه اجتهد وأخطأ وله أجر على ذلك، هذا شعار رُفِع من قبل السلطات الجائرة لتبرير جرائم بعض المستغلين والحاقدين باسم الاسلام، فالاجتهاد موجود لاستنباط أحكام شرعية من القرآن الكريم أو السنة، أو حتى حكم شرعي قديم بحاجة لتطوير حسب متطلبات العصر دون المساس بالقاعدة الأساسية.
الشيخ أبو فيصل: من أين لك هذه الأفكار، وكيف حصلت على
____________
(1) الاحزاب: 36.
ثم همس صديقه المرافق له باذنه، ثم نظر إليّ.
قلت: إنّ هذه الأفكار هي من فضل الله عليَّ، ومن خلال قراءتي واستيعابي لبعض القضايا ومناقشة أهل العلم.
الشيخ أبو فيصل: علينا أن لا نخوض أكثر بالنقاش، وأظن أنك تسلك نهجاً مغايراً لنهجي، فأرجو أن لا نتوسع بالنقاش أكثر.
تبيّن لي فيما بعد أن صديقه أخبره بأن قريبك الشاب قد تشيع، وقد ناقش مرّة الشيخ عبدالله وكادا أن يصطدما، فأرجو أن تغلق الحوار معه.
غادرت من عند الشيخ آسفاً، لأنّه تهرّب من الحوار، ولم يحاول أن يبيّن الأدلة التي يعتمد عليها فيما يذهب إليه.
حوار مع صديقي الوهابي:
ذات يوم من شهر رمضان الكريم قرع جرس باب بيتنا، فأردت فتح الباب ولكن والدي كان بقرب الباب، فسبقني وفتح الباب، وإذا بشخص ذي لحية طويلة لابساً جلباب (جلاّبيه) يسأل عني، فلم يعرفه والدي ودخل إلى غرفتي وأخبرني عن وجود شاب متدين (ووصفه) يسأل عني.
قلت في نفسي: إذا كان الشيخ هشام فهو سيفصح عن اسمه، وثانياً والدي يعرفه.
خرجت إلى الباب ورأيته ورحبت به، ولقد عرفته ذلك الشاب الذي زارني وتحدث معي حول الشيعة وحذرني منهم حين كان يوماً يزور أحد مشايخ المنطقة، وهو الآن عاد لزيارتي بحلّة جديدة، لحية طويلة ولباس ما يسمّى بـ (دشداشة، أو جلابية) قصيرة.
فسألته قائلا: مالي أراك بعد غياب طويل تعود لزيارتي بهذا الشكل، ماذا حدث لك أخبرني؟!
الصديق: الآن دعك مني فأنا في خير حال، ولكن أنت، لقد قمت
قلت: بالنسبة لي أنني في أفضل حال والحمد لله، وقد أتاني الله فضلا كبيراً، وأما أمر الشيخ عبدالله فأنا ناقشته ببعض الأمور للاستيضاح، وهو تململ ونبذني وأراد الإساءة إليَّ بمحضر طلابه، أما السبب فهو ابن كثير في كتابيه الأول "النهاية في الملاحم والفتن" والثاني "البداية والنهاية"، فمن النهاية وجدت طريقي إلى البداية الصحيحة والتمسك بحبل الله المتين والعترة النبوية المطهرة.
الصديق: كتاب الله آمنّا بذلك، ولكن العترة هذا شيء لا أدري ما أقوله لك، لن ينفعك إلاّ عملك والابتعاد عن الشرك، وعن ناس هم عباد لله لا ينفعون ولا يضرون شيئاً، وإيّاك والشرك.
قلت: منذ متى وأنت موجود داخل هذا التيار مع الشيخ عبدالله؟
الصديق: كنت أزور الشيخ زيارات متقطعة، ولكن من ثلاثة أشهر تقريباً أراد تكليفي بمهمة الدعوة في "دمشق" مع بعض الأخوة، وإنه سوف يساعدني في حلّ بعض الأمور.
قلت له: بالنسبة لكلامك السابق أنا معك، إنّ الإنسان لا يملك
الصديق: لا تتقول شيئاً على الله عزّ وجلّ، هذا لا يجوز، وليس هناك طلب بذلك، من قال هذا لك؟
قلت: أنا لا أتقول على أحد، ولكن هل تؤمن بالقرآن الكريم حجّة؟
الصديق: نعم، كيف لا، ولكن لا تتعب نفسك، لا يوجد مثل ما تقول به.
قلت: إصبر قليلاً أنا لن أتعب نفسي ولا شيء، سأعطيك كتاب الله وأقول لك السورة ورقم الآية وتفتح عليها، وهي سورة الشورى آية 23.
قال ـ وهو يتأمل القرآن الكريم ومن ثم يفتحه ـ: هل هذا القرآن سني أم شيعي؟
قلت وأنا مبتسم: يا أخي لا يوجد قرآن شيعي أو سني، هو كتاب واحد أنزله الله سبحانه على رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم إقرأ لي الآية وبصوت عالي.
الصديق: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن
قلت: لن أقول لك ماذا أجمع عليه مفسّروا الشيعة، ولكن أنقل لك ما في تفاسير أهل السنة الذين اتفقوا على أنّ هذه الآية نزلت في قربى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، هم أقرب الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبشأن الحسنة الواردة في سياق الآية: هي موالاتهم ومودتهم، وسأنقل لك من أحمد بن حنبل حديث يفسرّ ذلك.
الصديق: في مسند أحمد بن حنبل موجود تفسيرها، غير معقول!
قلت: إنّ أحمد بن حنبل له كتاب "فضائل الصحابة"، وقد ذكر هو والطبراني عن ابن عباس، قال: "لما نزلت ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): عليّ وفاطمة وإبناهما" (2).
وهذا الحديث ما أكثر من أخرجه: كالسيوطي في الدر المنثور، والزمخشري في كشافه، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى،
____________
(1) الشورى: 23.
(2) فضائل الصحابة: 2/669 (1141) في فضائل علي (عليه السلام)، المعجم الكبير للطبراني: 3/47 (3641).
الصديق: أنا عندي كتاب "معجم الطبراني الكبير" سأبحث عنه، ولكن أظن أنكم تقولون هذا لتبينوا للناس أنهم قرابة الرسول.
قلت: إنّ من قبلك وفي محضر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا نفس الكلام الذي تقوله: إنّه مايريد إلاّ أن يحثنا على أقاربه، فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره أنهم اتهموه بأنه يحاول أن يرفع منزلة أهله ويقرب الناس إليهم، فأنزل الله سبحانه: ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) (2)، فنادى الناس: يارسول الله إنك صادق ونشهد بذلك، فنزلت الآيه الثانيه: ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) (3).
وتأمل يا أخي ثلاث آيات متتالية في نفس السورة، الأولى تأمر الناس بالاتباع، والثانية تخبر الناس أنّ الله قد علم ما وَسوست أنفسهم به، والثالثة أن الله قبل توبتهم بعد أن اعتذروا للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
(1) الدر المنثور: 5/701، الصواعق: 2/487 باب الآيات الوارده في آل البيت، ذخائر العقبى: 25.
(2) الشورى: 24.
(3) الشورى: 25.
ثم جاء وقت الأذان والصلاة..
فقلت: اللّهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلّي على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي وتهديني وإخواني الصراط المستقيم.
فنهض صديقي وكشف عن وهابيته قائلاً: ماذا أسمع، أتتوسل برسول الله وأهل بيته؟! هذا لا يجوز أبداً.
قلت: أنا أعذرك لقولك هذا، لأنك تجهل الكثير من الحقائق، وتأخذ الأحاديث حشواً دون استبانة، فهل سألت نفسك، هذا الشيخ من أين جاء بهذا الحديث أو تلك الرواية؟
طبعاً هذا ما جرى معي في السابق، ولكن الله سبحانه قيض لي من يساعدني ويرشدني إلى الصواب وطريق الحق، كما أرجو أن تستمع إليَّ وتتأكد من كلامي بما هو موجود عندك من الكتب أو أي طريقة تراها مناسبة، وأنا لا أضغط عليك حتى تقتنع فهذا شأنك، أريد أن أبيّن لك بالدليل والحجة كيف أنّ التوسل جائز من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيّاً وميتاً، ومن ثم أهل بيته الطاهرين، وحتى الصالحين.
وهذا عمر بن الخطاب توسل بالعباس عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
(1) تفسير الدر المنثور للسيوطي: 5/701.
أضف إلى ذلك أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من زار قبري وجبت له شفاعتي" (2)، وقال أيضاً: "من حج فزار قبري في مماتي كان كمن زارني في حياتي" (3)، راجع الدارقطني للتأكد من كلامي.
بهت صديقي لما قلته ولم يحر جواباً.
إنّ مشكلتنا هو التقليد الأعمى، والله سبحانه محذرنا من هذا التقليد الأعمى، لأنه لا يؤدي بنا إلاّ إلى التهلكة والعياذ بالله.
طبعاً جرت مناقشة طويلة مع صديقي الوهابي بعد ذلك في تلك الليلة دامت أربع ساعات، ومن ثم عاود في اليوم الثاني ومعه صديق له، وذلك لأنه رأى قوة الأدلة التي أبيّنها، وهذه الحوارات التي جرت تم تسجيلها على صفحات وسأجمعها وأجعلها في كتاب صغير مخصص للحوار مع الوهابية.
____________
(1) صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء: 1/242 (1010)، وكذا في كتاب الفضائل، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، باب الاستسقاء: 4/8 (1347).
(2) سنن الدار قطني، كتاب الحج، باب المواقيت: 2/378 (194)، وغيره.
(3) مجمع الزاوئد للهيثمي، باب زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): 4/2.
وقفة مع الدكتور شوقي أبو خليل:
غريب من الإنسان أن يكون متناقضاً في فكره وفي كتاباته، فمرّة تجده يكتب كتاباً يتحدث عن آراء يهدمها الاسلام وفي أوّل الكتاب يتمثل بأقوال المستشرقين والمفكرين الغربيين، وفي آخر الكتاب ينصح الشباب العربي بعدم الاستماع إلى آراء المستشرقين، فهو يحمل مبدأين، وهذا يتنافى مع العقل.
وكتاباته دائماً يجعلها ردوداً على مؤلّفين يحاولون إظهار رؤية نظر الطرف الآخر، وهو يقوم بالدفاع المستميت على أُمور انتهت وتكاد تكون محسومة، لأن في عالمنا المعاصر كلّ إنسان واع ومثقف يفكر بموضوعية وعقلانية حرّة بعيدة عن شوائب التعصب القبلي، يجد أن الحق مع عليّ (عليه السلام)وأهل البيت (عليهم السلام)، فمن يبحث في التاريخ بعقل حرّ يجد أن الإمام عليّ (عليه السلام)لاتوجد له أخطاء في أثناء حكمه أو حتى أوقات حكم أبي بكر وعمر وعثمان، بل كان يقوم بتقويمهم عندما يتبيّن له اعوجاجهم، وما أكثرها.
فتجد الإمام عليّ (عليه السلام) في فترة حكمه قد قضى على الطبقية التي
يقول الدكتور أبو خليل في كتابه "آراء يهدمها الاسلام" في قضية سقيفة بني ساعدة: "إنّ ماجرى يجري في كل دولة حكمها شوري ديمقراطي" (1).
أسأله: أين الشورى في بيعة أبي بكر؟! وكان الكثير من الصحابة غائبين عن مسرح السقيفة، وعدد آخر كان موجوداً لكنه معارض. وهم من المهاجرين ومن الأنصار، حتى أن التصويت لم يتم، كلّ ما تم أنّ عمر أخذ بيد أبي بكر ودعا الناس إلى بيعته، وعمر بنفسه يعترف بعد ذلك قائلا: "كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد لمثلها فاقتلوه" (2)، فلماذا يقتل من عاد لمثلها يادكتور إذا كانت البيعة شورى كما تدعي؟
وأين الديمقراطية التي تنادي بهـا وقد طرح سـعد بن عبادة أرضاً وكاد أن يداس بالأرجل لولا أفراد قبيـلته حالوا دون ذلك (3)؟ وبعدما تمت البيعة قتـل لعدم رضـائه على ما تم فيها
____________
(1) آراء يهدمها الاسلام: 72.
(2) صحيح البخاري، كتاب المحاربين: 4/288 (6830)، الصواعق المحرقة: 1/31، وغيرهما.
(3) مسند أحمد: 1/56 (391)، تاريخ اليعقوبي: 2/83.
متى كان الله سبحانه يسلّط على البشر مخلوقات غيبية تقتل عباده من دون وجه حق؟
لقد افتروا على الجن ولصقوا التهمة بهم ليتهربوا من المسؤولية.
ولما أرادوا قتل الحباب بن المنذر، وقد قال له عمر: "إذن يقتلك الله"، وذلك بعدما طلب الحباب من الأنصار أن لا يبايعوا (2)، فهل هذه هي الديمقراطية التي تدعي أنها وقعت أثناء السقيفة!
ثم ياحملة الأقلام لماذا لا تذكرون الحقيقة بصورة كاملة؟ ولماذا يا دكتور تتهرب من الأخباروالمصادر التي ذكرت استخفاف هارون الرشيد بالمسلمين وظلمه لأهل البيت (عليهم السلام) وللإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) والطالبيين، وتقول: "هذا من دسّ أبو الفرج الأصفهاني"!!
إذا كان الأمر كما تقول، فهذا تاريخ الطبري وابن الأثير الذي تستند عليهما في توثيق رواياتك يذكرون حادثة السقيفة كاملة وماجرى فيها، وأنا لم أحضر شيئاً من عندي، كما أنّ الصحاح كافة ذكرت ماجرى بالسقيفة، وكذا كتب السير مثل: "مروج الذهب"،
____________
(1) تاريخ ابن خلدون: 2/294، أُسد الغابة لابن الأثير: 2/284، مجمع الزوائد للهيثمي: 1/206، وغيرها.
(2) تاريخ الطبري سنه 11 هـ: 3/203، الكامل لابن الأثير سنة 11 هـ: 2/325.
ويقال: إنّ عمر أثناء خلافته هو أوّل من أوجد العسس أي الجواسيس.
وأنا أقول: صحيح هو أوّل من أوجد وظيفة العسس، ولكنه في الواقع أوجدها أثناء خلافة أبي بكر، لأنه أولا أراد معرفة ما يحدث من أمور في بلاط بني قحافة وما يقول الجمهور عن البيعة، وثانياً: إنّه أرسل وراء سعد بن عبادة عسساً ليعرف أين استقر حتى قام بقتله بعد ذلك!! فسعد لم يرحل من دون ضجيح كما قلت يادكتور.
وأخذ البيعة من الناس، والشاهد على ذلك قدوم أصحاب السقيفة إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ورائهم المتحالفون معهم شاهرين السيوف ومعتجرين بالازر الصنعانية، يخبطون الناس ويأخذون البيعه منهم (1)!
هذه في الحقيقة دكتاتورية وليست ديمقراطية.
أما ماقلته: "إنّ عمر قال يوماً بحق الإمام عليّ (عليه السلام) أتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن"، فهذا ناتج عن قلّة علم عمر ودرايته بالأحكام، وأكبر دليل على ذلك هذه الرواية، وهي واحدة من عدّة روايات تبين جهل عمر بالمسائل الفقهية:
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد: 1/219.
قال عمر: فاحكم فيهم بحكم الله فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: أعلمكم عليّ وأقضاكم.
فحكم الإمام (عليه السلام)عليهم بضرب عنق أحدهم ورجم الآخر وحد الثالث وضرب الرابع نصف الحد وعزّر الخامس.
فاستغرب عمر من ذلك فقال له: كيف ذلك يا أبا الحسن؟!
فقال الإمام علي (عليه السلام): أما الأول فكان ذمياً زنى بمسلمة فخرج من ذميته، والثاني محصن رجمناه، وأما الثالث فغير محصن فضربناه الحد، والرابع عبد مملوك فحده النصف، وأما الخامس فمغلوب على عقله فعزرناه... فقال عمر: لولا علي لهلك عمر" (1).
____________
(1) ليالي بيشاور: 1014، عن الجمع في الصحيحين.
ومن هو عبدالله بن سبأ الذي تزعمه والذي ظهر يوم مقتل عثمان؟! هل هو عمار بن ياسر (رضي الله عنه)؟ حاشاه من ذلك، أم محمد بن أبي بكر، أم أحد الحسنين؟ حاشاهما وجل قدرهما، أم غيرهم من الصحابة الذين كانوا غيارى على الاسلام والأمة، ورأوا بيت المال يقسم بين الأهل والخلان، والأراضي أصبحت ولايات أموية ومروانية؟!
لماذا لم يكن موجوداً أيام الجمل وصفين والنهروان؟! هل اختفى بمقتل عثمان، هل أرسل فقط بهذه المهمة مع فرض وجوده، ولماذا لم يذكر اسمه إلاّ في هذه الحقبة أو الفتنة؟!
لقد تبين لي أنه "شماعة" تعلقون عليه أخطاءكم، أو شخصية افتراضية في هذه المسرحية!
ونحن لا نظهر الإمام مندفعاً للسلطة لسببين: لأن السلطة هي التي جاءت إليه وقد قال ذات مرة إنّ هذه الخلافة هي عندي لا تساوي
هذه عظمة الإمام علي (عليه السلام)، فالكل يحتاج إليه وهو لا يحتاج إلى أحد، كيف لا، وهو باب مدينة العلم (4)، وهو قائد سفينة النجاة (5)، وهو نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (6)، وهو الإيمان كلّه (7) فتركه للخلافة كان أن لا
____________
(1) لسان العرب: كلمة (عفط)، تاج العروس للزبيدي: 5/184.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد: 6/166.
(3) نهج البلاغة، الكلمات القصار: 77.
(4) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):"أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها"، أنظر: مناقب الخوارزمي: 83 (69)، مستدرك الحاكم: 3/339 (4695)، الجامع الصغير للسيوطي: 1/415 (2705).
(5) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق"، أنظر: المعجم الكبير للطبراني، والدر المنثور للسيوطي، وتاريخ بغداد، و....
(6) أنظر: تفسير آية المباهلة.
(7) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الأحزاب عندما برز الإمام علي (عليه السلام) إلى عمرو بن ود العامري: "برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه"، أنظر: ينابيع المودة للقندوزي: 1/281، شرح النهج لابن أبي الحديد: 13/261.
والخلافة مسؤولية لا شك كما قلت، ولكن هناك من يتحمل المسؤولية وهو قادر عليها، فهو بأمر الله سبحانه قام بتبليغ سورة براءة إلى مشركي مكة لعلمه جلّ وعلا أن أبابكر غير قادر على ذلك، والامام علي (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له القدرة والبلاغة والشجاعة على تبليغها.
وأمّا الخلاف الذي ذكرته في الجمل وصفين وقلت إنه كان سياسياً ولم يكن دينياً!
أقول: كان الخلاف دينياً وسياسياً معاً، يجب أن لا يفترق الدين عن السياسة، لأنهما واحد، وهو حكم واحد للأمة.
نعم، أولا: جرى التلاعب بسنة وأقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وثانياً: جعل الدولة حكراً على بني عدي وتيم وغيرهم من المتنفذين.
جاء طلحة والزبير وقالا للإمام: بايعناك على أساس أن نلي شيئاً من الخلافة (1) فهذا سياسياً!!
____________
(1) الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1/70.
فأساس الخلافة أن يكون الخليفة عادلا فقيهاً، شجاعاً غالباً لهواه، منصوصاً عليه من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تصلح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم" (2).
يعني أن لا يكون فضاً غليظاً يخشى منه الناس، فالهيبة تأتي من الفكر السليم والفقه الكامل، والشجاعة والعفو عند المقدرة.
وقال الإمام علي (عليه السلام): "من نصب نفسه للناس إماماً، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه" (3).
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد: 6/215، تاريخ الطبري 4/459، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1/72.
(2) الكافي للكليني: 1/407.
(3) نهج البلاغة الخطبة 73، شرح محمد عبده: 3/166.
البحث عن الدكتور شوقي أبو خليل:
بلغني أنّ معرضاً للكتاب يقام في المركز الثقافي "بدوما"، فذهبت إليه للاستطلاع والبحث عن شيء ينفعني أو يطرح أمراً معيناً أجد ضالتي فيه، وهذا المعرض كان فقط لدار نشر واحدة وهي دار الفكر، وبعد البحث وصلت إلى إحدى الطاولات، وإذا بي أجد كتباً عديدة للدكتور رمضان البوطي وكتباً أُخرى للدكتور شوقي أبو خليل، وقد شدّني عنوان لم أجد بُداً من مدّ يدي وأخذه، ومن ثم فتحته، ونظرت إلى الفهرس لأرى المواضيع التي فيه، وكان عنوان الكتاب: "من ضيّع القرآن".
قرأت المواضيع في الفهرس فلم أجد عنواناً واحداً يشير إلى أن الإمام علي (عليه السلام)كان ممن حفظ القرآن، أو أنّ الإمام (عليه السلام) كان من أهم المحدثين للأحاديث النبوية الشريفة! فهو يذكر بكتابه أسماء العديد من الصحابة كان لهم الفضل بحفظ القرآن الكريم، وآخرين منهم كانت لهم اليد الطولى في الحديث والمحدثين مع بعض التابعين، ثم يذكر بعض الحركات التي شوهت الإسلام وأضاعته، وبدأ من بين سطوره فيما بعد أنه يلمز ويشير إلى طائفة معينة، فقلت في نفسي: إلى متى يبقى هذا التعتيم والتضليل؟ وإلى متى نسكت عن الحقيقة ونتجاهلها؟ على الفور توجهت إلى محاسب الصندوق وكان حوارنا كالتالي:
قلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قلت: إذا سمحت لي بمعرفة ثمن الكتاب؟
المحاسب: مئتان وخمسون ليرة، هل أعجبك المعرض ونوعية الكتب؟
قلت: نعم، لا بأس به مشكورين على جهدكم المبذول.
المحاسب: لا شكر على واجب، نحن نقوم بواجب نشر الكلمة الهادفة والمسؤولة.
قلت: لكن الأسعار عالية بعض الشيء.
المحاسب: أنت تعرف أنّ ارتفاع الأسعار يرتبط بسعر الورق وطباعته ونشره للكتب.
قلت: هل أستطيع الحصول على عنوان الدكتور شوقي أبو خليل أو رقم هاتفه؟
المحاسب: الصحيح أنه ليس لديه عنوان بريدي للمراسلة، ولكن هل الأمر مهم؟
قلت: نعم أريد طرح بعض الأسئلة عليه إذا سمح لي وشخصياً.
المحاسب: يمكنك أن تراسله عن طريقي وأنا بدوري أنقل الرسالة له، بشرط ذكر اسمه في الملف البريدي.
قلت: أشكر لك مساعدتك، ممكن إعطائي العنوان.