قلت: أرجو أن توصل الرسالة عندما أرسلها لتقع بيده، مع شكري لك أخ علاء ووداعاً.
المحاسب: ستصل بإذن الله وعلى الرحب والسعة، ومع تحياتي لك مع السلامة.
خرجت وأنا في الطريق بدأت بتصفح الكتاب.
مراسلة الدكتور من حلب:
بعد فترة من الزمن قرأت كتاب الدكتور وقررت مراسلته وطرح بعض الأسئلة عليه، ولكن قبل ذلك كان عليَّ التفكير بالمنهجية والأسلوب الذي أتبعه، وقمت باتصال مع أحد السادة العلماء وطرحت القضية عليه، فطلب مني أن أكون هادئاً وأسئلتي موضوعية بعيدة عن الاستفزاز، فوافقت لوجود الرغبة ذاتها في نفسي، فنحن أولا وآخراً نريد خدمة الإسلام والرسول الكريم وأهل بيته، فحررت الرسالة ثم أرسلتها.
نص الرسالة التي أرسلتها للدكتور:
بعد حمد الله سبحانه والصلاة على نبيه وآل بيته:
وبعد أن عرّفت عن نفسي بدأت بسرد الموضوع:
الأستاذ الدكتور شوقي أبو خليل المحترم.
وبعد، أرجو أن تتقبل رسالتي بصدر رحب وأن تقرأها وتجيبني بموضوعية، بعيداً عن التعصب وبعيداً عن المذهبية والطائفية التي لا تؤدّي بنا إلاّ إلى الفرقة والتباغض، ونحن في وقتنا الراهن بحاجة إلى الوحدة الاسلامية ونبذ المذهبية، فمصيرنا مشترك وهدفنا واحد وهو إعلاء كلمة الحق ونشر الإسلام بصورته الصحيحة والتي غابت عن الكثيرين، ونشر الإسلام في جميع أنحاء الأرض، لأن الإسلام جاء بالسلام وإقامة الحق ونصرة الضعيف والوقوف أمام الظلمة والمستبدين والمضلّين الذين يريدون إطفاء نور الله بأفواههم والله متم نوره رغم كيد الكائدين ومكر الماكرين.
أخي الكريم، هناك عدّة أسئلة أرجو أن تجيبني عليها بعد أن علمت من الأخ علاء آل رشي أنك تجيب على كل من يسألك أو يراسلك برحابة صدر، وبما أنني قرأت كتابك "من ضيّع القرآن" وكنت سابقاً من الذين يبحثون ويدققون، وأجمع الكتب والمخطوطات الإسلامية التاريخية، بحثاً عن سبب الفجوة التي حصلت وقسمت الإسلام، ومن فضل الله عليَّ أنني وجدت ضالتي وتوصلت إلى الحقيقة الضائعة والحبل الممدود الذي أرادنا الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) التمسك به واتباعه، وقد قام بقطعه من أراد
تفاجأت حين قرأت كتابك المذكور أعلاه أنك أغفلت وظلمت أئمة أحق أن يذكروا، ووجدت أحاديث عندك يشوبها الدسّ، وبين سطورك تلميح إلى فئة معينة، فهل هو عن قصد، أم عن توجهات طائفية، أم ظلم، أم غض بصر كما غضه الكثيرون من الكتّاب وللأسف؟!
أ ـ من برأيك ضيّع القرآن، أرجو أن تجيب بصدق؟
ب ـ من الذي حَفِظ وحفظ القرآن بحق؟
ج ـ لماذا أغفلت ذكر سيدنا عليّ (عليه السلام) عن موضوعك ولم تجعل له باباً واسعاً؟
د ـ ألم تعلم أنّ بعض الذين ذكرتهم في باب من حَفِظَ القرآن أنهم أحرقوا المصاحف وطلبوا بقاء واحد وذلك لغاية في نفوسهم وأنت تعلم بذلك؟!
هـ ـ أين سيدنا جعفر الصادق (عليه السلام) من كتابك وباب علماء الحديث ورواتهم؟! ألم يكن أستاذاً ومعلماً وإماماً وفقيهاً لأكثر من أربعة
و ـ من أين جئت بحديث (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية)؟
ألا تعلم أن هذا الحديث وضع بعد عام الجماعة المفَرق والكثير من الأحاديث الموضوعة.
ز ـ ما الفرض من هذا التلميح بين السطور، هل لغاية دنيوية أو عز أو من هذا القبيل؟!.
ح ـ أين دليلك على أن هؤلاء هم من حفظ القرآن، ومن خلال أي مصدر أو مرجع أنا مستعد للرجوع إليه؟
ط ـ لماذا لم تذكر الوهابية في باب الحركات التي شوهت الإسلام؟!.
ي ـ لماذا لم تكمل مشوارك وتذكر الحجاج أيضاً، أو السفاح، أو يزيد اللعين، أو آل أبي سفيان الطلقاء؟!
هذا حرام يارجل!
ك ـ كيف تسقط حقّ أهل البيت (عليهم السلام) وتنكرهم وتعرف فضلهم؟!
أرجو أن تجيبني هداك الله.
وأخيراً أرجو من الله سبحانه أن يوفقنا إلى مصلحة وخدمة
وأخيراً نرجو الرد على الرسالة ولكم الشكر.
الرد كان مفاجئة لي:
غابت الرسالة أسبوع كامل ثم جاءت الإجابة، وأرجو أن تتصوروا ماذا كانت أجابته، حرّرت له صفحتين ونصف قطع كبير واثني عشر سؤال، لم يجبني إلاّ على سؤال واحد فقط.
والرسالة كانت عبارة عن قطعة من الورق بها أربعة أسطر كل سطر أربع كلمات، قال:
"أنا لن اجيب عليك، أنت تحبّ الجدال الكثير، وأنك يبدو لا تعرفني جيداً، وإذا أردت معرفتي أسأل عني طلبتي سنة ثالثة كلية الشريعة في حلب".
طبعاً لم يترك كلمة شكر ولا حتى السلام عليكم!
لم أكن أتوقع أن تكون إجابة دكتور في التاريخ هكذا، فأنا لم أسيء لشخصه، فقط أردت تذكيره بشيء هام.
ثم إنني سألته اثني عشر سؤالاً لم يكلف نفسه بالإجابة عليها
أهكذا يتم التعامل مع الدكتور أو الأستاذ من قبل طلبته في الجامعات والكليات، هل هذا خلق الإسلام؟!
الردّ على الردّ:
بعد أن وصلني الردّ من الدكتور وتفاجأت بأسلوبه، اتصلت هاتفياً بأحد السادة المؤلّفين في "دمشق" وكان على علم برسالتي، فأخبرته بقدوم الردّ وقرأته عليه، فاستغرب مثلي من أسلوب الدكتور في الرد.
ثم مضى يومان وكان لدي فرصة عمل في إحدى الشركات "بحلب"، ذهبت إليها لإجراء مقابلة واختبار ثم عدت إلى المنزل (1)، وفي طريق عودتي لمحت كتاباً على واجهة إحدى المكتبات في "حلب" وهي مكتبة الثقافة، وهذا السفر القيم للدكتور شوقي أبو خليل ويحمل عنوان "هارون الرشيد"! اشتريت الكتاب وعدت إلى منزلي وبدأت بقراءته، وانتهيت من قراءته في يومين.
____________
(1) تم انتقالنا إلى مدينة حلب بعض الوقت لأسباب طبيعة عملي، وقد سررت جداً لسببين: أوّلها لأنها مسقط رأسي، وثانيها كونها كانت سابقاً مركز دولة شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فكان يهمني الاطلاع على تاريخها.
ثم بدأت أعيد بعض الأسئلة عليه، وبدأت بسؤاله عن هارون الرشيد:
إنك تذكر في كتابك عن فضل هارون وتسيء إلى كتّاب كتبوا بأمانة عن عصره!
وأريد أن أسألك عن قصر البنات الموجود في الرصافة لمن هذا، أليس لهارونك؟! ألا يحج مئات الأجانب من دولهم وأراضيهم ليأتوا ويشاهدوا عظمة عصر وحرية هارون، كيف أنّه بنى قصراً جميلا بلغ عدد غرفه (365) غرفة في كل غرفة كانت جارية بانتظاره يدور عليهم بعدد أيام السنة كل يوم واحدة، وعندما تنتهي السنة يستبدل الوجوه القديمة بأخرى!!
وأنا لم أحضر شيئاً من عندي، هذا التاريخ موجود، والقصر مازالت معالمه موجودة، فلماذا لم تذكر سابقته في كتابك، وعددت فيه الكثير من أعمال هارون؟!
وفي النهاية أرجو أن تتقبلوا فائق الاحترام.
تركت عنواني ورقم هاتفي على الرسالة وطلبت منه إذا سمح الوقت له أن اجتمع به، وطبعاً له القرار أنّ يحدّد موعداً وساعة الاجتماع، وختمتها بالشكر الجزيل.
وصول ردّه إليَّ:
كنتُ في أشدّ الشوق لمعرفة ردّه، وهل سيحدد موعداً للقاء؟
ووصل الردّ إليَّ وليته لم يصل! لقد كان أقسى من سابقه:
"يبدو أنك لا تفهم معنى النقاش، وأنا لن أرد عليك، وخير الكلام ماقل ودلّ، وأنا بانتظارك مع هاروني في المكتب".
لا يوجد شكر، وهذا ماكان من ردّه، فانظروا ياناس...!!
تجهزت بعد فترة لزيارته في "دمشق" وحضرت بعض الأسئلة التي أحببت أن أقدّمها إليه، ولكن حدث معي أمر أربك عملي وغير فكرتي تماماً.
لقاء في مشهد الإمام الحسين (عليه السلام):
عندما أقمت في مدينة "حلب" حرصتُ على الذهاب إلى مشهد رأس الإمام الحسين (عليه السلام) في جبل الجوش أو جبل النحاس، فبعد أن جرت واقعة كربلاء الأليمة وحزت رؤوس الشرفاء، ووضع رأس الإمام الحسين (عليه السلام)على رمح، وبدأوا بالرحلة الأليمة ـ مسير السبايا ـ بدءاً من "كربلاء" مروراً بعدّة مناطق، ومن ثم مدينة "حلب" وصولا إلى "دمشق" إلى الطاغية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ابن الطلقاء، وقصة المشهد طويلة سأذكرها لاحقاً، لأنني رأيت هناك معجزة.
المهمّ أنني كنت أذهب دائماً هناك لحضور الصلاة اليومية وصلاة الجمعة، ومن بعدها كنتُ أزور ضريح الشيخ إبراهيم الضرير (رحمه الله)وأسكنه فسيح جنانه، لما قدمه في سبيل الرسول وأهل البيت (عليهم السلام)وخدمة للأمة الإسلامية من رعاية لهذا المشهد والمواقف الأخرى التابعة له.
وكنت أذهب بعدها إلى زيارة الشيخ إبراهيم نصرالله في مكتبه
دخلت إلى المكتبة في أحد أيام الجمع لأستعير بعض الكتب، فوجدت شخصاً يبدو أنه يحضر أوّل مرّة إلى المشهد، وتقدم الرجل إلى مسؤول المكتبة..
وسأله عن أحد الكتب.
فأجابه مسؤول المكتبة بعدم وجوده الآن.
وكنت حاضراً، فتقدمت إلى الأخ..
وقلت له: هل حاجتك ماسة للكتاب؟
فأجاب الرجل: نعم أريد الاطلاع على فكر أهل البيت (عليهم السلام).
فطلبت منه الخروج من المكتبة حتى لا نؤثر على أحد بكلامنا، وفي الطريق طلبت منه معرفة اسمه.
وقلت: أعرفك على نفسي: أنا باسل الخضراء من سكان "حلب" حالياً.
قلت: يبدو أنّك لأوّل مرّة تحضر إلى المشهد هنا، لأنني دائم التردد اليه ولم أرك فيه سابقاً؟
الأخ جمال: هذه المرّة الثانية، فالزيارة الأولى كانت منذ زمن طويل، وأنا سنيّ وأريد قراءة كتب الشيعة.
قلت: يبدو أنّك تعمل في مجال الزراعة على ما أعتقد؟
الأخ جمال: لا، أنا أعمل مؤذناً لمسجد في القرية، وأحياناً ألقي دروساً في المسجد على بعض الشباب.
قلت: إذا أردت بعض الكتب من فكر أهل البيت (عليهم السلام) أستطيع تأمينها لك، وهذا عنواني ورقم هاتفي، أرجو أن تزورني في المنزل لاعطائك مايلزم.
الأخ جمال: شكراً لك، فأنا لم أقرأ سابقاً سوى كتاب "المراجعات"، وأرغب بالمزيد من الكتب لأتعرف عن الفكر الإمامي، والآن أرجو الاذن منك، فمنزلي بعيد ويأخذ وقتاً للوصول إليه، أزورك لاحقاً.
قلت: لك ماتريد وأتمنى أن نجتمع سوية مرّة أُخرى، وإلى اللقاء.
انتهى اللقاء، وحصلت بعد ذلك عدّة لقاءات في منزلي وفي منزله بالقرية، وكان أبرزها ما جرى بيننا من حوار في منزلي.
حوار مع الأخ جمال حول مواضيع متعدّدة:
بعد لقاءات متفاوتة الزمن حضر لزيارتي الأخ جمال وهو منفعل..
وقال لي: إنّني أنصحك أن تفكر قليلاً في مسألة الشيعة، فهم يقولون إنّ الحسنين أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهما أبناء علي وأبناء فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قلت: السؤال هذا ذكرني برواية قرأتها، وهي مناظرة بين الحجاج وفقيه العراق يومها يحيى بن يعمر، وسأورد لك نص المناظرة ليتبين لك الأمرء:
الحجاج يسأل الفقيه: أنت تزعم أن الحسن والحسين (عليهما السلام) من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
قال: ما أنا زاعم بذلك، بل أقول الحق.
الحجاج: بأي حق تقول؟
الفقيه: بكتاب الله عزّ وجلّ.
الحجاج: هذا مما لم أكن أسمع به.
ثم فكر الحجاج ملياً، ثم قال ليحيى الفقيه: لعلك تريد أن تقول هذه الآية: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ
فقال الفقيه: والله إنّها لحجّة بالغة، ولكن ليس منها أحتج لما قلت.
فاصفر وجه الحجاج وفكر ملياً، ثم رفع رأسه إلى يحيى قائلا: إن جئت من كتاب الله بغيرها فلك عشرة الآف درهم، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍّ من دمك.
قال الفقيه: قال الله عزّ وجلّ (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ) (2)من عنى بذلك يا حجاج؟
الحجاج: إبراهيم (عليه السلام).
الفقيه: فداود وسليمان من ذريته؟!
الحجاج: نعم.
الفقيه: وقال عزّ وجلّ أيضا (وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى) (3).
وقال الفقيه: ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم (عليه السلام) ولا أب له؟!
____________
(1) آل عمران: 61.
(2) الأنعام: 84.
(3) الأنعام: 84 ـ 85.
قال الفقيه: فمن أقرب مريم (عليها السلام) من إبراهيم (عليه السلام) أم فاطمة (عليها السلام) من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وعيسى من إبراهيم أم الحسن والحسين (عليهما السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فكأن الحجاج ألقم حجراً، ونادى: أطلقوا سراحه وادفعوا إليه عشرة الآف درهم (1).
فقلت: ما رأيك الآن يا أخ جمال؟
الأخ جمال: الحقيقة أنني أوّل مرّة أسمع هذه المناظرة، وكأنني لم أقرأ القرآن، ولكن أنتم تقولون: إنّ هناك آيه التطهير نزلت في أهل البيت، والمعلوم أنّ أهل البيت هم زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنتم تأولون الآيات على هواكم ورأيكم، وإذا تأملت في الآية وماقبلها ومابعدها تجدها موافقة لذكر نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
قلت: أعلمك أنّ الأمة الاسلامية أجمعت بأن الآية ممكن أن يكون أوّلها شيء وأوسطها شيء وآخرها شيء آخر، وقد روى علماء أهل السنة أن هذه الآية نزلت في بيت السيدة أم سلمة رضي الله عنها ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في البيت ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وقد جلّلهم بعباءة خيبرية، وقال: "اللهم هؤلاء أهل
____________
(1) العقد الفريد للأندلسي: 2/48، سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/441.
الأخ جمال: هل ذكر ذلك الذي ذكرته أحد من أعلام السنة؟
قلت: نعم، ذكره الحاكم في المستدرك، والسيوطي في الدرّ المنثور، وابن حجر العسقلاني في الاصابة، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، وغيرهم كثير (3).
____________
(1) الأحزاب: 33.
(2) والجدير بالذكر أنّ عائشة روت هذا الحديث أيضاً، فقد أورد ابن عساكر في تاريخه عن عمير بن جميع قال: دخلت مع أمي على عائشة، قالت: أخبريني كيف كان حبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي؟ فقالت عائشة: كان أحب الرجال إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لقد رأيته وقد أدخله تحت ثوبه وفاطمة وحسناً وحسيناً، ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً"، قالت: فذهبت لأدخل رأسي، فدفعني، فقلت: يارسول الله أو لست من أهلك؟ قال: "إنكِ على خير، إنكِ على خير".
راجع: تاريخ دمشق: 42/260، وابن كثير في تفسيره: 3/489، وأحمد بن حنبل في مسنده: 6/292 (26551)، وابن عساكر في تاريخه: 14/140.
(3) مستدرك الحاكم: 3/357 (4763)، الدر المنثور: 5/377، الاصابة: 8/56، تحفة الأخبار بترتيب شرح مشكل الآثار للطحاوي: 8/470 ـ 476، إرشاد الفحول للشوكاني: 83.
ونحن نتّبع هؤلاء المطهرين ونتعبد بالمذهب الجعفري نسبة للإمام السادس جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، ونوالي باقي الأئمة الستة الآخرين إلى تمام الاثني عشر إمام بنصّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)خاتمهم القائم عجل الله فرجه.
الأخ جمال: ولكن المذاهب أربعة، وهي مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، وأحمد بن حنبل، فمن أين جاء المذهب الخامس؟
قلت: إنّ المذاهب الإسلامية هي أكثر من أربعة، وكان لهم أعلام أيضاً، أمثال الأوزاعي، وسفيان الثوري، والمعتزلة، وغيرهم.
الأخ جمال: لكن الثابت عندنا أنّ هؤلاء الأئمة وصلوا درجة الاجتهاد في الفقه وإبداء الرأي وهم على زهد وتقوى، فوجب على الجميع اتباعهم والأخذ بقولهم.
قلت: إذن أنت تقصد بأنّ هذه الصفات خاصة لهؤلاء الأربعة فقط، ومعنى ذلك أنك تشكك بباقي أعلامكم، كأصحاب الصحاح والسير والكلام، فهل هذا معقول؟!
لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق" (1)، والإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)سيد هذه المذاهب بلا منازع، والدليل على ذلك: حاجة الكلّ له وهو لا يحتاج إلى أحد، وقد تتلمذ على يده أو تخرج من عنده أربعة آلاف كلهم يقولون: حدثنا جعفر بن محمد.
فمن تلامذته أبو حنيفة وله كلمة شهيرة: "لولا السنتان لهلك النعمان" (2)، أي: لولا السنتان التي حضر فيها أبو حنيفة عند الإمام الصادق (عليه السلام) لكان من الهالكين ولم يعرف الفقه.
كما أن مالك قال عنه: "ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر
____________
(1) مستدرك الحاكم: 3/361 (4778)، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/785 (1402)، مجمع الزوائد للهيثمي: 9/168.
(2) مختصر التحفة الاثنى عشرية للآلوسي: 8.
وهؤلاء الاثنان تلقى على أيديهما العلم كلا من الشافعي وأحمد ابن حنبل.
وجابر بن حيان رائد الكيمياء هو تلميذ الإمام الصادق (عليه السلام).
وقد خاطب الإمام الصادق (عليه السلام) أبا حنيفة قائلا: "يا أبا حنيفة لا تقس الدين برأيك فإن أوّل من قاس إبليس لعنه الله قال خلقتني من نار وخلقته من طين" (2).
وسأعطيك كتاباً لأحد العلماء يناقش المذاهب الأربعة مع مذهب الإمامية وهو: "الإمام الصادق والمذاهب الأربعة".
الأخ جمال: شكراً لك، ولكن هناك أيضاً سؤال حول تعظيم الشيعة للقبور ويصلّون عندها وهذا لا يجوز وهو بدعة، وأنت تعلم ما هي البدعة؟!
قلت: البدعة هي أن يضيف المرء إلى الدين ما ليس فيه، ولكن أخرج صحيح مسلم حديثاً أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زار قبر أمه آمنة (رضي الله عنه)بالقرب من المدينة (3)، وزار البقيع واستغفر للمدفونين هناك (4)،
____________
(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، نقلا عن التهذيب لابن حجر.
(2) الحدائق الناضرة للبحراني: 1/61، المحاسن للبرقي: 1/211 (80).
(3) صحيح مسلم: 2/059 (976)، السنن الكبرى للبيهقي: 4/127.
(4) صحيح مسلم: 2/558 (974).
فالشيعة يزورون قبور الأئمة من أهل البيت، والصلاة هناك هي عبادة لله وحده، والمؤمنون يسألون حوائجهم من الله تعالى ويبتهلون إليه خاشعين، ألا تزور أنت أمك أو أحد اقربائك وتدعو له وتستغفر الله؟!.
الأخ جمال: نعم أزور أقربائي وأدعو لهم.
قلت: فكيف إذن بأبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أليس من باب أولى زيارتهم والدعاء عندهم؟!
الأخ جمال: لقد ذكرت أموراً كانت غائبة عنا، بل كنا نفكر حولها بطريقة مغلوطة، جزاك الله خيراً.
ثم انتقل موضوعنا حول الصحابة، وهو أن الشيعة تكفّر الصحابة، وكان متردداً بطرح السؤال عليَّ.
الأخ جمال: إنّ الشيعة تكفّر الصحابة ولا تأخذ بأقوالهم، بينما لا يجب أن ننسى فضل الصحابة وما قدموه؟
قلت: يجب علينا أوّلا معرفة معنى الصحابة.
ومعناه أي صحب، صاحب، أي عاشر أو رافق، هذا لغة (1).
فالصحبة يمكن أن تكون على عدّة أوجه: منها يشمل أوجه
____________
(1) لسان العرب: صحب.
فيمكن أن يكون بمعنى الصحبة شراً أو كافراً، فالصحبة ليست فضيلة، وهذا كتاب الله عزّ وجلّ يحدثنا عن سيدنا يوسف (عليه السلام) عندما دخل سجن العزيز كان معه اثنان، هما ساقي الملك وطباخه، وخاطبهم النبي يوسف (عليه السلام): (يَا صَاحِبَي السِّجْنِ) (1)، وكانا كافرين لم يؤمنا بالله، فهل تعدّ هذه فضيلة؟ فيجب مع الصحبة أن يكون إيمان كامل.
وللتوضيح أكثر عرّف ابن حجر العسقلاني بالحرف كلمة الصحابي: أنّه كل من لقي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمناً به، ومات على الإسلام، فمنهم من رآه رؤية ولم يجالسه، ومنهم من لم يره لعارض العمى، ومنهم من روى عنه (2).
وهذا لدى الشيعة ليس استناداً كاملا، فكيف من رآه ولم يجالسه يكون صحابياً وعادلا، ما لم تثبت عدالته بالأدلة.
إنّ الصحابة شرعاً وعقلا ليسوا بدرجة واحدة، فمنهم الصادقون، ومنهم الأقوياء، ومنهم الضعفاء ولهم درجات أيضاً، ومنهم المنافقون ولهم درجات.
والصحابة العدول عند الشيعة هم الذين أبلوا البلاء الحسن في
____________
(1) يوسف: 41.
(2) الإصابة لابن حجر، الفصل الأوّل: في تعريف الصحابي.
وأمّا التكفير، فلا يكفر أحد من الشيعة الصحابة، إنّما يناقشون أعمالهم ويذكرون المساوئ التي ارتكبوها أثناء حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وبعد وفاته وماجرى بينهم، حيث أن الصحابة نفسهم لعن وكفّر وحارب بعضهم الآخر، وقد حذرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: "لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" (1).
وأكبر دليل على ذلك مافعله معاوية وخالد بن الوليد، فأين فضل هؤلاء الصحابة؟!
أمّا إذا قصدت بصحبة أبي بكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الهجرة، فهذهِ لا تعد فضيلة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقع في مأزق عندما رأى أبا بكر يتبعه، إذا أعاده ستنكشف خطة الهجرة، فكان لابد من أخذه، وقضية الغار ونزول الآية الشريفة هي تقريع للصحابي الذي كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار وليست منقبة، لأن الصحابي لم يكن لديه شعور الإيمان بأن الله ناصر عبده وهو سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخذ بالبكاء، فقال له النبي: (لاَ تَحْزَنْ) وهذه الـ "لا" تدل على نفي وتقريع، أي: لا تفعل.. لا تبك، إنّ الله معنا، فكيف نعدّها منقبة؟
والسكينة نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم تنزل على أبي بكر، وقوله
____________
(1) صحيح البخاري، كتاب العلم: 1/39 (121).