إهداء

  •   إلى باعث الفكر الأول ومعلم البشرية ومنفذها سيد الأنبياء.

    محمد صلى الله عليه وآله وسلم...

  •   إلى إمام الأئمة وسيد الأوصياء ومصباح الهدي ونور المعرفة.

    الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام...

  •   إلى الأئمة الربانيين الاثني عشر عليهم السلام.

  •   إلى مشايخي وأساتذتي الأجلاء.

  •   إلى المنصفين من العلماء والمفكرين والباحثين...

    والأجيال.. جميعا.

    أقدم هذا الجهد المتواضع

    المؤلف


    الصفحة 5

    تقديم

    إن الذين يمن الله عليهم بالهداية في الولاية لأهل البيت عليهم السلام هم نموذج حي وشاهد على الأمة وحجة الله في الحقيقة على الناس الذين يتخبطون في مذاهب الغي والهوي، ومن الناس الذين تمت عليهم كلمة ربك بالعدل والإحسان مؤلف هذا السفر الجليل السيد السراوي المؤلف المحقق الذي خرج بكتابه من الظلمات إلى النور، فأضاء ما حوله ونفع الله به الكثير، فأراد أن يكون شعلة وهاجة تنير الدرب للسالكين فكان منه هذا المؤلف النادر في موضعه: فكل من سلك درب الهداية تحدث عن أسبابها وعن الخلاف الأول والرئيسي وهو الخلافة والإمامية، إلا أن مؤلف هذا الكتاب سلك طريقا آخر وهو: الكتابة في مسائل الفقه الخلافية.

    فهل هناك من مخلفات في الفقه الإسلامي جاءت نتيجتا للصراع على منصب الإمامة والخلافة، من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، فهو رجم حرف المزيف من أباطيل الرواة، وأثبت الرأي الصائب بالدليل من المخالف، وأثبت أيضا مخالفة المخالف للكتاب والسنة من عين مصادره في مسائل خلافية كثيرا ما تكون محل التهمة لمذهب أهل البيت عليهم السلام وكثيرا ما يتعرض لها المهتدي لولاية أهل الولاية على الناس من قبل الباري تعالى.

    ولا يفوتنا أن ننوه إلى المقدمة الرائعة التي كتبها الأستاذ عبد الله عدنان المنتفكي الرفاعي، والتي أن دلت على شيئا إنما تدل على وعيا ودعوى للوحدة من خلال الفقه المقارن والمقر من قبل الجميع ليذهب الخلاف إلى الماضي، وتعيش الأمة مستقبل زاهر، وفق الله المؤلف والمقدم.


    الصفحة 6
    وعليك بهذا الكتاب عزيزي القارئ لكي لا تفوتك ثمرة التجربة لأهل الهداية والنصيحة.

    رابطة المؤلفين
    دمشق     


    الصفحة 7

    مقدمة الأستاذ
    عبد الله عدنان المنتفكي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله
    الأمين وآله الطيبين الطاهرين

    الحمد لله الذي جعل محبة أهل البيت محبة له، وطهارة لعبادة، وجعلها عنوانا لصحيفة المؤمن، وبراءة من النار، وجوازا على الصراط المستقيم.

    وجعل من أهل البيت قادة للبشر، ومنارة للفكر.

    وهذا السيد النبيل الذي هو غصن من تلك الشجرة المباركة، قد سدده الله وهداه إلى سلوك طريق الصواب والهداية، فاستقام أمره وسددت خطاه.

    فسئل من قبل أحد الأخوة بأن يكتب كتابا نافعا لمن يريد الهداية، فكان منه هذا الكتاب الذي نقدم له، وتفضل علينا سماحته إذ طلب منا أن نقدم لكتابه هذا والمسمى ب (القطوف الدانية في المسائل الثمانية)، فقرأت الكتاب وأجلت النظر فيه، وإن لم أكن من أهل الاختصاص بالفقه، إلا إني من أهل العقل والتدبر، فوجدته كتابا طافحا بالحق سيالا بالصواب، سلك فيه سماحته المنهج العلمي الرصين الذي لا يميل عن الحق، فنظر في أقوال المختلفين فأثبت أصحها وأشهرها ونسبها إلى أصحابها من مصادرها الأصلية، ولم يأخذ بالرأي المنقول إلا من مصدره الأصلي.


    الصفحة 8
    واعلم عزيزي القارئ أن العجب ممن يأخذ برأي من يقول لا تأخذ برأيي فإني أخطئ وأصيب، ويترك من يوصي به الرسول وهو عن نفسه يقول إني أنا الإمام وما يصدر عني إنما هو عن جدي عن جبريل عن الباري عز وجل فالأول خالفه تلميذه وهو مجتهد والثاني سلسلة لا خلاف بينهما وهم ينقلون حكم الله الواقعي ولا يعملون بالاجتهاد، فإذا نظرت إلى إمامتهم وما فيها من منافع لكنت أول السابقين إليها والمدافعين عنها.

    ومن هذه المنافع:

    1 - إنها اختيار الله لقيادتك أيها القارئ الكريم.

    2 - إذا اعتقدت الأمة أيها القارئ بأن الإمامة منصب إلهي به تبرأ الذمة فإنها تلتزم الإمام الذي يعينه الله والرسول وبذلك نضمن وحدة الأمة السياسية فلا نزاع ولا انقلاب ولا خلاف سياسي... الخ من أمور الحكم والسياسة.

    3 - إذا اعتقدت الأمة بما سبق لوجدتها ذات فقه واحد فلا مذاهب ولا فرق وبذلك تكون موحدة فقهيا.

    فإمامة أهل البيت (ع) فيها وحدة الأمة من جميع الأوجه وأهمها الوحدة السياسية والفقهية وهذين الاتجاهين هما سبب صراع الأمة وتفرقها.

    ومن هنا أقول أما آن لمذهب أهل البيت (ع) أن يعطي الفرصة للانتشار بين الناس للاطلاع والتعرف عليه فيكون لهم القرار في سلوك المذهب الذي يتخذونه؟

    وخاصة ونحن في عصر التطور المادي الذي سمح لجميع الأفكار والمذاهب والأحزاب من نشر فكرها وطرحه على الساحة فلماذا لا يعطى هذا المذهب الحق الفرصة المماثلة للدخول إلى عالم الفكر الإنساني بحرية ودون أن يحاصر لأسباب عدة؟

    إلا أن البغض المذهبي يحول دون ذلك، والعداء لآل محمد (ص) هو السبب

    الصفحة 9
    الحقيقي والواقعي الذي يمنع من السماح لهذا المذهب بأخذ حريته في أن يحل في ساحة الصراع العالمي، لأن الناس إذا ما عرفوا فكر آل محمد فإنهم سوف يتبنونه وهذا ما لا يرضي الساسة.

    ونحن عندما كتبنا كتابنا (معجم ما ألف في المسائل الخلافية) إنما أردنا أن نقول للأمة وخاصة العلماء منها، أما آن للخلاف أن ينتهي؟ وخاصة إن هذا الكم الكبير من الكتابة في المسائل الخلافية وعلى طول تاريخ الأمة قد غطى أغلب هذه المسائل وأشبعها بحثا وتنقيبا، فهل عقمت عقول العلماء في الوصول إلى النهاية وإعطاء النتيجة النهائية التي توقف هذا الخلاف وتثبت الرأي الصائب الصحيح.

    إلا إني أقول وبصراحة إن هذه المسائل الخلافية لم تنته لأمرين:

    1 - علماء السوء والمصلحة.

    2 - وجود من يريد للأمة التفرقة ويريد الاستمرار في السلطة.

    وإن أنجح طريق لحل هذه الخلافات المزمنة هو المذهب الوحدوي والذي ينبثق من خلال الفقه المقارن وأقصد أن تدرس جميع المسائل على الطريقة التالية (ولا أقصد بالفقه المقارن نقل الأقوال وجمعها في مصدر واحد) بل الوصول إلى الفقه الواحد من خلال هذه الأقوال وبالطريقة التالية:

    (1) أن يجتمع عالم من كل مذهب يمثله برضا علماء هذا المذهب ويكون رأيه هو الحاكم (2) أن تجمع مصادر كل المذاهب في مكتبة واحدة وتعتمد أصح هذه المصادر عند كل مذهب.

    (3) أن توضع قاعدة علمية متفق عليها المحاكمة السنة النبوية وروايتها، والتي هي موضع الخلاف.

    فيترك جميع علماء المذاهب قدسية الأشخاص والكتب حتى تخضع هذه

    الصفحة 10
    الكتب والرواة لمحاكمة هذه القاعدة، فمن برأته المحاكمة يقدس ويؤخذ بحديثه، وهكذا تحاكم جميع الأحاديث تحت هذه القاعدة، وتخضع لها ولا تخضع لراو أو كتاب ويحاكم الراوي وتترك قدسية الرواية إلى أن تنتهي هذه المحاكمة للروايات والرواة فمن صحت روايته أخذ بها وقدس ومن أشكال فيه أو في روايته أسقطت روايته وترك.

    وبهذا تكون النتيجة الوصول إلى الروايات الصحيحة المتفق عليها، وعلى رواية ثقاة عند الجميع يؤخذ برواياتهم، وبهذا تتوحد الأمة في عامة شؤونها الإسلامية وهذا ما نسميه بالمذهب الوحدوي للأمة وعلى شرط أن لا يخضع هذا الاجتماع لمؤثرات خارجية بل يخضع للحق.

    وكتاب سماحة السيد السراوي من النوع الذي يدعو إلى وحدة الأمة من خلال معالجة المسائل الخلافية والوصول بها إلى نتيجة علمية من خلال الأدلة الصحيحة المتفق عليها، ونرى من خلال الحق ساطعا والبرهان منيرا يضئ الجهالة في العقل ويأخذ بالنفس إلى الاطمئنان بالهداية والحق.

    جزى الله السيد خير جزاء، ووحد هذه الأمة على يد
    المصلح من آل محمد (ص) المهدي المنتظر (ع)

    عبد الله عدنان المنتفكي
    7 / 5 / 1994   


    الصفحة 11

    مقدمة المؤلف

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
    وآله الطاهرين وصحبه الأبرار.. وبعد:

    لقد سألني أحد الأخوة الذين يتعبدون على المذهب الجعفري مذهب أهل البيت (ع) هل هناك من مصادر في كتب علماء السنة مستند لجواز أو وجوب مسح الرجلين - وحي على خير العمل، والجمع بين الصلاتين، الظهر والعصر في وقت الظهر والمغرب والعشاء في وقت المغرب، والقنوت في جميع الصلوات، والجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية والغير الجهرية والسجود على الأرض أو التربة والتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وزيارة القبور.

    الجواب: نعم، يوجد هناك مستندات عديدة في كتب علماء السنة كتب التفسير وكتب الحديث وكتب الفقه وكتب السيرة وكتب التراجم.

    ولذلك فإن هذا الكتاب سيكون إن شاء الله تعالى جامع لشتات ما تفرق في بطون هذه الكتب على اختلاف المذاهب مما له علاقة في موضوعه بينها لا يجمع ما فيه من الحق أي كتاب إلا كتاب الله تعالى.

    وسيكون العامل به إن شاء الله تعالى ممن قد هداه الله تعالى لقوله: (فهدى

    الصفحة 12
    الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (1)

    ولكن البحث عن المذاهب بحث شائك وبأخص موضوع فقه المذاهب الإسلامية إذ ليس من السهل إعطاء صورة واقعية عنه لأن أقوال أئمة المذهب الواحد تختلف وربما يكون في المسألة الواحدة أقوال متعددة حسب الرواية عنه وربما يكون لأعيان المذهب رأي يخالف فيها إمامة، كما وأن الذين ينقلون رأي صاحب المذهب أو عمل أهله كثيرا ما يخطئون في النقل فكيف لمن أراد أن يبحث في المذاهب الإسلامية ويعزو القول المنسوب للمذهب إلى كتبهم الخاصة بهم ومن أراد أن يبحث ويقارن بين المذاهب فعليه أن يلقي جلباب التعصب المذهبي ويكون هدفه مرضاة الله تعالى ولم شمل هذه الأمة التي لا تزال تتخبط في العصبية المذهبية.

    ولا يستفيد من هذا التخبط إلا أعداء الدين الذين يريدون أن تبقى الخلافات ليبقوا هم القدوة ولو على حساب التفرقة بين أبناء هذه الأمة.

    لأن كثير من كتاب عصرنا لا يزالون يعيشون بعقلية عصور الظلمة تلك التي استغل ظروفها المندسون في صفوف المسلمين لنشر المفتريات وخلق الأكاذيب.

    ليفرقوا بين الأخ وأخيه بتوسيع شقة الخلاف وقد جر ذلك على المسلمين ماسي من جراء الانقسام والتفكك.

    نعم أولئك الكتاب قد جمدوا على عبارات سلف عاشوا في عصور الظلمة عصور التطاحن والتشاجر فقلدوهم بدون تفكير أو تمييز حتى أصبحت القضية

    ____________

    (1) سورة البقرة: آية 213.


    الصفحة 13
    خارجة عن نطاق الأبحاث العلمية وهي إلى المهاترات أقرب من المناقشات المنطقية.

    وكل ذلك من أثر التعصب المردي والتقليد الأعمى والادعاء الكاذب، فهم عندما يتناولون موضوع البحث عن مذهب أهل البيت (ع) بالذات أو بالعرض سواء في المعتقدات أو الآراء الفقهية أو الحوادث التاريخية فلا نجد إلا ما يخالف الحقيقة.

    وأكثرهم يكتب بلغة الكذب والافتراء والتهم. كل ذلك نتيجة التعصب البغيض الذي أسر عقولهم وحرمهم حرية التفهم للحوادث التاريخية طبقا لواقعها الذي يجب أن يزول عنه قناع التضليل ويماط عن جوهره غبار الخداع والتمويه.

    ونحن نأمل أن تكون الدراسات للحوادث التاريخية عن نهج التحرر عن قيود التقليد الأعمى لتبدو الأمور على ما هي عليه.

    ونقول لأولئك المتقولين بأن العلم سيخمد أصواتهم والوعي الإسلامي بوجوب التقارب والتفاهم سيظهر قبح ما انطوت عليه ضمائرهم من البغض لوحدة المسلمين وتقاربهم على ضوء الكتاب الكريم وتعاليم الرسول الأعظم (ص).

    ولهذا نقتصر على نتيجة واحدة هي لفت نظر أبناء الأمة في هذا العصر إلى رعاية حقوق أمتهم وأن يستعرضوا تاريخ مذهب أهل البيت (ع) بدون تعصب أو تحيز.

    وأن يلحظوا تطور مذهب أهل البيت (ع) وسيره في طريقه التقدم بما لديه من القوى الحيوية والقدرة على مقاومة الطوارئ وتخطي تلك الحواجز التي وقفت في طريقه ما لو وقف بعضها في طريق غيره من المذاهب لما استطاع أن يخطوا خطوة واحدة لأنها عوامل قاهرة.


    الصفحة 14
    على أن مذهب أهل البيت (ع) ليس باستطاعة أي أحد مؤاخذته بشئ في ذاته، فهو موافق لكتاب الله العزيز والسنة المستقيمة والشعور المتطور والوجدان.

    وقد وجد العقل السليم فيه بغيته. كما أن باب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه وقد برهن بغزارة مادته ومرونة أحكامه ودقة بحوثه وسلامة قواعده ونقاوة أصوله وفروعه.

    على أنه أقوى مصدر للتشريع الإسلامي ويتطور مع الزمن ومع كثرة الحوادث، ولكن المؤسف أن نرى الكثير ممن كتبوا عن التشريع الإسلامي قد اقتصروا على ذكر المذاهب الأربعة فحسب رغم الخلاف الواسع بينها.

    وإذا انجر الحديث إلى ذكر اختلاف الآراء وتعدد الأقوال في مسألة فقهية ذكروا آراء رؤساء المذاهب البائدة مثل:

    1 - الأوزاعي، توفي سنة 157 هجري.

    2 - وإسحاق، توفي سنة 238 هجري.

    3 - وداود، توفي سنة 270 هجري.

    4 - وعطاء، توفي سنة 114 هجري.

    5 - والزهري توفي سنة 123 هجري.

    6 - وابن المبارك، توفي سنة 181 هجري.

    7 - والليث بن سعد، توفي سنة 175 هجري.

    8 - وعبد العزيز بن عبد السلام، توفي سنة 660 هجري.

    9 - وأبو يوسف الكوفي، توفي سنة 182 هجري.

    10 - وزفر أبو الهذيل الكوفي، توفي سنة 158 هجري.

    11 - ومحمد بن حسن الشيباني، توفي سنة 89 هجري. وآخرون..

    ولم يذكروا أقوال أهل البيت وعلمائهم وآرائهم في الفقه والأصول والحديث

    الصفحة 15
    التاريخية.

    عذرنا أولئك القوم الذين دونوا الفقه في العصور الغابرة لأن الخشية من ذكر مذهب أهل البيت (ع) قد أرغمتهم على الإعراض عن ذكره فإن التعرض لذلك إنما هو تعرض للخطر ولكننا نعجب من المتأخرين الذين ساروا على تلك السيرة الملتوية ولم يعطوا مذهب أهل البيت (ع) حقه من العناية في البحث ولا يستبعد أن التقليد من حيث هو قد دعاهم لمخالفة الواقع. وإلا فما هو المانع من التعرض لذكر مذهب أهل البيت (ع) عندما يكتبون عن التشريع الإسلامي.

    وقد انتشر مذهب أهل البيت (ع) في أقطار الأرض وعبر إلى ما وراء البحار وخاصة في الآونة الأخيرة وفي هذه الأيام بالذات أصبح مؤيدوه يتجاوز عددهم نصف المليار.

    ولكن هناك عوامل خلقوها حالت بينهم وبين الاحتكاك بمذهب أهل البيت (ع). وليس عليهم كلفة في معرفته إلا أن يقرؤوا الكتب المدونة في ذلك ليقفوا على الحقيقة. ولعل تلك العوامل التي خلقوها قد خامرت الأدمغة وتوارثتها الأجيال وهي التي أدت إلى ابتعادهم عن الحقيقة.

    ولذلك عجز المصلحون عن مسألة التوفيق بين المسلمين ورفع سوء التفاهم مع ما بذلوه من نصح وأجهدوا أنفسهم لتحقيق هذه الغاية.

    وهذا أمر غريب جدا فإنه لم يكن هناك شئ من الأمور المتضادة التي لا يمكن بحثها والوقوف على حقيقتها حتى أصبح من الصعب التوفيق بين المسلمين ونبذ الخلافات.

    وقد أمرنا الله تعالى عند الخلاف بالرجوع إلى كتابه العزيز وسنة نبية (ص)

    الصفحة 16
    وأهل بيتة (ع) قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (1)

    وقال سبحانه وتعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) (2)

    وقال سبحانه وتعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (3)

    وقال سبحانه وتعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (4).

    قال سبحانه وتعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) (5)

    قال سبحانه وتعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) (6).

    هذه الآيات الكريمة تدل بقوله تعالى: (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) وقوله تعالى: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) على أن سنته (ص) يعمل بها ويتمثل ما فيها سواء كان رسول الله (ص) حيا أم ميتا.

    ____________

    (1) سورة النساء: آية 65.

    (2) سورة النساء: آية 80.

    (3) سورة الأحزاب: آية 36.

    (4) سورة الحشر: آية 7.

    (5) سورة النور: آية 51.

    (6) سورة النساء: آية 59.

    الصفحة 17
    وقوله (ص): ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثيرة مسائلهم واختلافهم على أنبائهم (1)

    وقوله (ص): من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله (2).

    فأهل البيت (ع) لم يكن لهم مذهب يخالف بأحكامه كتاب الله العزيز وسنة النبي (ص) بل هم أحد الثقلين الذين قال عنهم (ص):

    (إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي: الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (3)

    وقال (ص): (إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض - أو ما بين السماء إلى الأرض - وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (4)

    وقال (ص): (إني خلفت فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما أبدا: كتاب الله ونسبي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (5).

    وقال (ص): (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (6).

    ____________

    (1) أخرجه مسلم في الصحيح (2) أخرجه مسلم في الصحيح (3) أخرجة أحمد بن حنبل في المسند.

    (4) أخرجة الطبراني في الكبير.

    (5) أخرجه البزاز.

    (6) أخرجه الترمذي في الصحيح.

    الصفحة 18
    وهكذا التكرار منه (ص) في الثقلين وفي الأيام الأخيرة من عمرة الشريف فيه دلالة على أنه وصية منه لأمته وهذا ما جاء في كتب السنة بل ذكر بعضهم الحديث بلفظ الوصية.

    فقد قال ابن منظور في كتاب لسان العرب: وفي حديث النبي (ص):

    (أوصيكم بكتاب الله وعترتي).

    فقد ترك النبي (ص) شيئين سماهما - فيما أخرجه مسلم - بالثقلين أحدهما:

    كتاب الله، فما هو الثاني إنه ليس إلا أهل بيته.

    فلذا قال النووي بشرح صحيح مسلم: فذكر كتاب الله وأهل بيته وهو أي معنى أراد من تسميته (الكتاب) بالثقل فنفس المعنى المراد من تسميته العترة (أهل البيت) بالثقل.

    ولا ريب في أنه إنما ترك الكتاب في الأمة لكي تتمسك به وتعمل به وتتبعه وتطبق ما جاء به، فكذلك الأمر بالنسبة إلى العترة (أهل البيت).

    إذا (فالكتاب والعترة) هما الخليفتان من بعده (ص) اللذان يملأن الفراغ الحاصل من بعده (ص) وسميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما ولثقل العمل بهما.

    والحمد لله الذي سهل لي جوار حرم السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (ع) صانه الله وحرسه من كل سوء وشر - طالبا لعلوم أهل البيت (ع) في الحوزات العلمية ومجالس العلماء، وهيأ المولى جل وعلا لي الجو الذي يساعدني على التفرغ للمطالعة والدراسة والكتابة فأكرمني بهذا الجوار الطاهر أن أكتب هذا الكتاب وجعلته في ثمانية مسائل...

    المسألة الأولى: المسح على الأرجل.

    المسألة الثانية: الأذان.


    الصفحة 19
    المسألة الثالثة: الجهر بالبسملة.

    المسألة الرابعة: القنوت.

    المسألة الخامسة: السجود على الأرض أو التربة.

    المسألة السادسة: جمع صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء وبالعكس. المسألة السابعة: التكبير على الجنائز.

    المسألة الثامنة: زيارة القبور.

    والكتابة في هذه المسائل الخلافية وغيرها قديمة قدم الخلاف الفقهي والأصولي نفسه والذي يعود بنا إلى صدر الإسلام وبداية التدوين، وكم نرغب أن يزول هذا الخلاف من خلال الفقه المقارن والاتفاق على أصح المسائل في المصادر الإسلامية عامة.

    وقد أخذت هذه الكتابة في المسائل الخلافية فصولا مطولة في بطون الكتب ثم أفردت بالرسائل والكتب المطولة ولا زال الخلاف قائم.

    وللوقوف على هذه المسائل الخلافية والوصول إلى نتائج نتفق عليها من خلال النصوص الصحيحة. يجب علينا أن نعرف جذور الخلاف وما كتب فيه ومناقشة ما جاء إلينا على ضوء الدليل العلمي الرصين.

    ولا بد للباحث عن الصواب في هذه المسائل الخلافية الالمام بأسماء الكتب والرسائل المكتوبة في هذه المسائل، للوقوف منها موقف العلم والأخذ بأصوب الأدلة.

    لهذا سوف نضع أسماء بعض المصنفات في بعض المسائل في كتابنا هذا مستفيدين ذلك من كتاب الأخ الأستاذ عدنان المنتفكي (أبو أحمد) أسماه معجم ما ألف في المسائل الخلافية.


    الصفحة 20
    وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن قال فيهم في كتابه العزيز (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)

    سورة النور: آية 51 و 52

    الحمد لله وصلى الله عليه عبده المجتبى ونبيه المصطفى سيدنا ومولانا
    محمد وآله وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين


    دمشق السيدة زينب (عليها السلام)             
    27 / شعبان / 1413 هجري - 19 / شباط / 1003 ميلادي


    الصفحة 21

    المسألة الأولى
    المسح على الرجلين
    في الوضوء


    الصفحة 22

    الصفحة 23

    المسح على الرجلين في الوضوء

    تعريف الوضوء:

    الوضوء لغة - بضم الواو -: هو اسم للفعل أي استعمال الماء في أعضاء مخصوصة ومأخوذة من الوضاءة والحسن والنظافة.

    يقال: (وضوء الرجل أي صار وضيئا) وأما بفتح الواو فيطلق على الماء الذي يتوضأ به.

    الوضوء شرعا: نظافة مخصوصة أو هو أفعال مخصوصة مفتتحة بالنية.

    وهو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين.

    وأوضح تعريف له: استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة (أي السابقة).

    على صفة مخصوصة في الشرع.

    حكم الوضوء:

    وحكمة الأصلي أي المقصود أصالة للصلاة: هو الفريضة لأنه شرط لصحة الصلاة - لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (1) ولقوله (ص): (لا يقبل الله صلاة أحدكم أحدث حتى يتوضأ كما أمره الله تعالى يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجلين إلى الكعبين) (2).

    ____________

    (1) المائدة: آية 6.

    (2) سنن أبو داود: ج 1، ص 76.

    الصفحة 24
    وقد فرض الوضوء بالمدينة كما أوضح ذلك المحققون. والمطلوب هنا بيان المسح على الرجلين:

    حكم المسح على الأرجل:

    قالت المذاهب الأربعة: يجب غسلهما مع الكعبين مرة واحدة.

    وقالت الإمامية: مسحهما بنداوة الوضوء من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وهما قبتا القدمين.

    والخلاف في مسح الرجلين أو غسلهما ناشئ عن الآثار النبوية وفهم الآية الكريمة المتقدمة من سورة المائدة، حيث قرئ بخفض الأرض ونصبها. فمن قال: بالمسح وعطف الأرجل حال جرها على لفظ الرؤوس وحال نصبها على المحال لأن كل مجرور لفظا منصوب محلا.

    ومن ذهب إلى الغسل قال: أن لفظ الأرجل خفضت بمجاورتها للرؤوس. ونصبت عطفا على الأيدي.

    أما من قال: بقراءة الخفض على المجاورة فهو شاذ في اللغة، لأنه ورد في مواضع لا يلحق بها غيرها ولا يقاس عليها سواها ولا يجوز حمل كتاب الله على الشذوذ الذي ليس بمعهود ولا مألوف.

    والإعراب بالمجاورة إنما يكون عند من أجازه عند فقدان حرف العطف.

    الفخر الرازي وتفسيره للآية الكريمة:

    يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير (1): حجة من قال بوجوب المسح

    ____________

    (1) ج 11، ص 6.

    الصفحة 25
    مبني على القراءتين المشهورتين في تعالى (وأرجلكم) فقرأ ابن كثير وأبو عمر وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجر، وقرأ نافع وابن عاص وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب فنقول: أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل فإن قيل لم لا يجوز أن يقال هذا كسر على الجوار كما في قولة (جحر ضب خرب) وقوله (كبير أناس في بجاد مزمل).

    قلنا هذا باطل من وجوه:

    الأول: إن الكسر على الجوار معدود من اللحن الذي قد يحمل لأجل الضرورة في الشعر وكلام الله يجب تنزيهه عنه الثاني: أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله (جحر ضب خرب) فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتا للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.

    . الثالث: أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضا إنها توجب المسح وذلك لأن قولة تعالى: (وامسحوا برؤوسكم) فرؤوسكم في محل النصب ولكنها مجرورة بالباء فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفا على محل الرؤوس والجر عطفا على الظاهر وهذا مذهب مشهور للنجاة، إذا ثبت هذا فنقول أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله تعالى: (وأرجلكم) هو قوله تعالى: (وامسحوا) ويجوز أن يكون هو قوله تعالى: (فاغسلوا) ولكن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى.


    الصفحة 26
    فوجب أن يكون عامل النصب في قولة تعالى: (وأرجلكم) هو قوله تعالى: (وامسحوا). فثبت أن قراءة وأرجلكم بنصب اللام يوجب المسح أيضا، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية على وجوب المسح ثم قالوا: ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز

    الرد على حديث عبد الله بن عمر:

    أما عن حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قال: (تخلف عنا رسول الله (ص) فأدركنا وقد حضرت الصلاة فجعلنا نمسح أرجلنا، فنادى ويل للأعقاب من النار (1)

    أقول: هذا الحديث وإن كانت العادة قد جرت بالاحتجاج به في منع المسح فهو أدل على جواز المسح من منعه لأن الوعيد إنما يتعلق فيه بترك التعميم في المسح للأعقاب لا بنوع الطهارة من غسل أو مسح بل سكت عن نوعها وذلك دليل على جوازه.

    وقد يقال بأن الوعيد إنما توجه للأعقاب إشارة إلى أن مواضع الطهارة تسلم من النار وإن الموقع من الجسد الذي لا يصيبه ماء الوضوء يكون عرضة للنار في مقام فضل الوضوء وأهميته وأنه أمن وأمان من النار

    الرد على من قال بإجماع الصحابة بغسل الرجلين:

    ومنهم من يقول: أجمع أصحاب رسول الله (ص) على غسل القدمين وهذا مردود. فقد قال النووي: اختلف الناس على مذاهب في حكم الرجلين في الوضوء وقد ثبت عن علي (ع) وابن عباس أن الواجب في الوضوء مسح

    ____________

    (1) أخرجه مسلم: ج، ص 213 (كتاب غسل الرجلين).

    الصفحة 27
    الرجلين لا غسلهما (1).

    وعن محمد بن جرير الطبري أنه قال: يتخير بين المسح والغسل لقوله تعالى (فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) (2) - فالله سبحانه وتعالى عطف الرجلين على الرأس والرأس ممسوح فكذا الرجل (3)

    خلاف أهل السنة في حكم الرجلين في الوضوء:

    والغرض من ذلك: أن دعاة السنة اختلفوا في فرض الرجلين، قال قوم: فرضهما المسح، وقال آخرون: فرضهما الغسل، وقال بعضهم: هو التخيير بين المسح والغسل كما هو مذهب جرير الطبري وداود الظاهري، وهكذا كله خلاف ظاهر الآية الكريمة.

    الأحاديث الواردة في مسح الرجلين:

    ومن البديهيات المسلمة أن النبي (ص) كان مأمورا بالعمل بالقرآن وبامتثال أوامره ونواهيه وتبليغها للناس، وقد ثبت بما تقدم من تفسير الآية الكريمة أن القرآن يأمر بمسح الرجلين في الوضوء وثبت أيضا أن تأويل الآية على وجه يظهر منه الأمر بغسل الرجلين تأويل يخالف القواعد العربية وتوجيه على خلاف الفصيح.

    فما روي عن النبي (ص): أنه كان يمسح رجلية، هو الصحيح الذي لا يحتاج إلى توجيه لا يرضاه العربي العالم الذي يميز بين الشاذ والكثير الصحيح الفصيح ولو تأملت فيها يأتيك من الأحاديث علمت ذلك بلا شك ولا ريب،

    ____________

    (1) نيل الأوطار للشوكاني: ج 1، ص 193.

    (2) سورة المائدة: آية 6.

    (3) تفسير الطبري: ج 10، ص 61 إلى ص 64.

    الصفحة 28
    لأنه واضح صريح.

    قال الشوكاني: أخرج الطبراني في معجمة الكبير، عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله (ص) يتوضأ ويمسح على رجلية (1)

    أقول: هذا الحديث صحيح باعتراف الحافظ الطبراني حيث قال: إن جميع ما في المعجم الكبير أحاديث صحيحة لأنه التزام على نفسة أن لا يخرج فيه إلا الأخبار المعتبرة الصحيحة باصطلاح أهل الحديث وأهل الجرح والتعذير.

    وصراحة هذا الحديث أن النبي (ص) مسح رجلية لا شك فيه وغير قابل للتوجيه ولا يحتاج إليه لموافقته القرآن الكريم.

    وقد أخرج هذا الحديث ابن حجر وقال: رجاله ثقات كلهم.

    وعن عباده عن أبية أيضا قال: رأيت رسول الله (ص) يتوضأ ويمسح الماء على رجلية ثم قال رجال هذا الحديث ثقات كلهم (2).

    أقول: أخرج هذا الحديث المتقي الهندي في كنز العمال ج 5 ص 103 نقلا عن ثمانية كتب وزاد فيه (لحيته) ولم تكن في الحديث وزيادته غير ضارة بالمقصود ومما يدل على زيادة الكلمة ما تقدم نقلة عن الطبراني في نيل الأوطار وسيأتي ما يدل على ذلك، وهو حديث المازني:

    عن عباد بن تميم عن أبية قال: رأيت رسول الله (ص) توضأ ومسح الماء على لحيته ورجليه (3).

    نقلا عن سنن ابن أبي شيبة، ومسند أحمد، وتاريخ البخاري، ومسند

    ____________

    (1) نيل الأوطار للشوكاني: ج 1، ص 164.

    (2) الإصابة في تمييز الصحابة: ج 1، ص 193.

    (3) أخرجه كنز العمال: ج 5، ص 103.

    الصفحة 29
    العدني، ومصباح السنة للبغوي، ومسند البارودي، والمعجم الكبير للطبراني، وجامع أبي نعيم.

    وهذا تميم رضي الله عنه بين لولده عباد ولأخيه عبد الله ما رآه من وضوء النبي (ص) لكي يعرفوا الوضوء الذي نزل به القرآن والوضوء الذي كان يأتي به رسول الله (ص) لقد أدوا ما يجب عليهم وعلموا الناس ما عرفوه من الشريعة المحمدية، وكذلك التابعين وتابع التابعين حفظوا ما وصل إليهم وبلغوه إلى من شاهدهم، وكذلك العلماء الكرام كل عالم بلغ الآخر حتى وصل إلينا ذلك وعرفناه فنحمد الله ونشكره على توفيقه إيانا توفيقا عرفنا بواسطته أحكام ديننا وشريعة نبينا (ص).

    اللهم صلي على محمد وآله الأطهار وعلى الصحابة الأخيار والتابعين الأبرار وتابع التابعين ذوي المجد والعز والافتخار وعلى جميع علماء الإسلام الذين قاموا بواجبهم وأدوا ما وصل إليهم كما وصل من غير تفريط وتقصير وتغيير.

    وعن مسند عبد الله المازني قال: أن النبي (ص) توضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين ومسح رأسه ورجليه مرتين (1)

    أقول: عبد الله بن زيد من الصحابة الكرام شهد بدرا وغيرها من الغزوات.

    وهذا أوس بن أوس يحكي وضوء رسول الله (ص)، ومنه تصريح بأنه (ص) مسح على قدميه.

    عن أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى النبي (ص) أتى كظامة قوم

    ____________

    (1) أخرجه كنز العمال: ج 5، ص 108.

    الصفحة 30
    بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه (1)

    أقول: الكظامة آبار متصلة بعضها ببعض تحت الأرض تخرج مياهها من منتهاه. ولا يخفى أن أوس من الصحابة الكرام سكن الشام ومات فيها وقد أخرج حديثه أصحاب الصحاح، وقد أخرج الشوكاني حديثه المتقدم وزاد فيه كلمة (نعليه) وهذه الزيادة غير ضارة بالمقصود.

    قال الشوكاني: أخرج أبو داود من حديث أوس بن أوس الثقفي أنه (أي) رسول الله (ص) أتى كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه (2).

    أقول: ومما يدل على أن أبا داود والشوكاني زادا في الحديث كلمة نعليه حديث أخرجه الحازمي في كتابه ولم يكن فيه هذه الزيادة وهذا لفظه ونصه:

    أخرج الحازمي عن هيثم ابن عطاء عن أبية أخبرني أوس بن أوس أنه رأى النبي (ص) أتى كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه (3)

    وما أخرجه الطبري في تفسيره لم تكن فيه هذه الزيادة وإليك نصه:

    ثنا هيثم قال: ثنا يعلي بن عطاء عن أبيه عن أوس بن أبي أوس قال:

    رأيت رسول الله (ص) أتى سباطة قوم فتوضأ ومسح على قدميه (4)

    أقول: السباطة: الكناسة ولعل الكناسة كانت بجنب الكظامة فعبر عنها، ويمكنها أن نقول هذا حديث آخر لاختلاف بعض ألفاظه واختلاف مكان

    ____________

    (1) أخرجة في كنز العمال: ج 5، ص 116.

    (2) نيل الأوطار: ج 1، ص 163.

    (3) الناسخ والمنسوخ من الآثار: ص 185.

    (4) تفسير الطبري: ج 2، ص 76.

    الصفحة 31
    الوضوء وإن كان الراوي واحد. وقيل: غير ذلك وعن يعلي بن عطاء بن أوس بن أبي أوس قال: كنت مع أبي علي ماء من مياه العرب فتوضأ ومسح على نعليه فقيل له فقال: ما أزيدك على ما رأيت رسول الله (ص) يصنع (1)

    وعن عباد قال: رأيت رسول الله (ص) أتى كظامة قوم فتوضأ ومسح نعليه وقدميه (2).

    أقول: وأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده، حديث أوس بسنده عن يعلي بن عطاء عن أوس الثقفي أن رسول الله (ص) توضأ ومسح على نعليه (3)

    وفي كنز العمال عن سنن أبي شيبة بسنديهما، عن ابن أوس قال: انتهيت مع أبي إلى ماء من مياه الأعراب فتوضأ ومسح على نعليه فقلت له في ذلك، فقال: رأيت رسول الله (ص) فعله (4).

    أقول: ذكرنا ما عثرنا عليه من حديث أوس على اختلاف ألفاظه ورواته والكتب التي أخرجوا فيها هذا الحديث. وإني متعجب من اختلاف ألفاظ هذا الحديث والذي يمكن أن يقال أن هذا الاختلاف نشأ من عدم اعتناء الرواة في روايتهم فكانوا تارة يروون الحديث بلفظ سمعوه من شيوخهم وتارة يروونه بمعناه من دون رعاية للفظه فأوجب الاختلاف.

    تحليل الخلاف الذي في لفظ حديث أبي أوس الثقفي:

    ولكني كلما تصورت في توجيه الاختلاف في لفظ (قدميه) ولفظ

    ____________

    (1) أخرجه بن حنبل في المسند: ج 4، ص 10.

    (2) أخرجه أبي داود في سننه: ج 1، ص 16.

    (3) أخرجه الحازمي في الناسخ والمنسوخ من الآثار: ص 185.

    (4) كنز العمال: ج 5، ص 115.