المسألة الثالثة
الجهر بالبسملة
البسملة
البسملة لغة:
بسم: الإسم مشتق من السمو بمعنى الرفعة، والعلو، وقيل مشتق من السمة وهي العلامة.
الله: اسم للذات المقدسة ذات الله جل وعلا، واجب الوجوب لا يشاركه فيه غيره.
الرحمن الرحيم: إسمان من أسمائه تبارك وتعالى مشتقان من الرحمة وقيل لا اشتقاق لهما لأنهما من الأسماء المختصة به سبحانه.
ومعنى الرحمن: المنعم بجلائل النعم، ومعنى الرحيم: المنعم بدقائقها.
معنى البسملة:
معناها، أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شئ مستعينا به جل وعلا في جميع أموري طالبا العون منه فإنه القادر على كل شئ
فضل البسملة:
جاء في تفسير العياشي: عن صفوان الجمال قال: قال أبو عبد الله (ع):
ما أنزل الله من السماء كتابا إلا وفاتحته (بسم الله الرحمن الرحيم) وأينما كان يعرف انقضاء السورة ببسم الله الرحمن الرحيم ابتداء للأخرى (1).
عن فرات بن أحنف عن أبي جعفر محمد الباقر (ع) قال: سمعته يقول: أول كل كتاب نزل من السماء - بسم الله الرحمن الرحيم - فإذا قرأت -
____________
(1) تفسير العياشي: ص 19، ح 5.
عن عبد بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) قال: بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها (2).
قول المفسرين في البسملة من علماء أهل البيت (ع):
استدلت الإمامية بما روي في تفسير أبي محمد العسكري (ع) عن آبائه عن علي (ع) قال: قال رسول الله (ص): إن بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم (3)
وعن أبي عبد الله (ع) وعن قول الله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرءان العظيم) (4).
قال: هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها - بسم الله الرحمن الرحيم - وإنما سميت المثاني لأنها تثنى في الركعتين (5)
وعن أبي جعفر محمد الباقر (ع) قال: سرقوا أكرم آية في كتاب الله بسم الله الرحمن الرحيم (6)
وعن أبي عبد الله (ع) قال: بسم الله الرحمن الرحيم أحق ما جهر به، وهي الولاية، التي قال الله عز وجل: (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده
____________
(1) الكافي: ج 3، ص 313، ح 3.
(2) التهذيب: ج 2، ص 289، ح 15.
(3) تفسير العسكري: ص 10.
(4) سورة الحجر: آية 87
(5) تفسير العياشي: ج 1، ص 19، ح 3.
(6) تفسير البرهان: ج 1، ص 42، ح 15.
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة قال: نعم: قلت: بسم الله الرحيم الرحيم من السبع المثاني، قال: نعم هي أفضلهن (2)
قول المحدثين حول البسملة من أهل البيت (ع):
وهي الروايات الصحيحة المأثورة عن أهل البيت (ع) الصريحة في ذلك وبها الكفاية عن تجشم أي دليل آخر بعد أن جعلهم النبي (ص) عدلا للقرآن في وجوب التمسك بهم والرجوع إليهم.
لقوله (ص): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا (3).
عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (ع) إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة قال: نعم.
وعن هارون عن أبي عبد الله (ع) قال: كتموا بسم الله الرحمن الرحيم، فنعم والله الأسماء كتموها كان رسول الله (ص) إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته فتولي قريش فرارا فأنزل الله عز وجل في ذلك: (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا) (4).
وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص) أن
____________
(1) سورة الإسراء: آية 46. تفسير القمي: ج 1، ص 28.
(2) تفسير كنز العرفان: ج 1، ص 28.
(3) كنز العمال: ج 1، ص 153، و ص 332. الترمذي بشرح ابن العربي: ج 11، ص 47.
(4) الوسائل: ج 4، ص 757.
وعن زرارة عن أحدهما (ع) قال: في بسم الله الرحمن الرحيم قال:
هو أحق ما يجهر به فاجهر به (2).
وعن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل الأزدي عن أبي جعفر (ع) قال: كان رسول الله (ص) يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم يرفع بها صوته (3).
أما علماء السنة فاختلفوا في ذلك:
وصاحب المنار يجمع أقوالهم فيما يلي:
قال: أجمع المسلمون على أن البسملة من القرآن وأنها جزء آية من سورة النمل.
واختلفوا في مكانها من سائر السورة فذهب إلى أنها من كل سورة علماء السلف من أهل مكة فقهاؤهم وقراؤهم منهم ابن كثير، وأهل الكوفة ومنهم عاصم والكسائي من القراء وبعض الصحابة والتابعين من أهل المدينة، والشافعي في الجديد وأتباعه والثوري وأحمد في أحد قوليه، والإمامية ومن روى عنهم ذلك من علماء الصحابة علي بن أبي طالب (ع) وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة، ومن علماء التابعين سعيد بن جبير وعطاء.
والزهري وابن المبارك.
وأقوى حججهم في ذلك إجماع الصحابة ومن بعدهم على إثباتها في
____________
(1) سورة الإسراء آية: 46. المستدرك، ج 1: ص 275.
(2) تفسير العياشي: ج 2، ص 295.
(3) المستدرك ج 4، ص 185.
وكذلك لم يكتبوا (آمين) في آخر الفاتحة... ثم ينقل عن مالك والحنفية وآخرين أنهم ذهبوا إلى البسملة أنها آية مستقلة نزلت لبيان رؤوس السورة والفصل بينها.
وعن حمزة من قراء الكوفة وأحمد أنها واحدة من الفاتحة دون غيرها من سورة القرآن (1)
وعن علي بن أبي طالب (ع) أنه سئل عن السبع المثاني فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له إنما هي ست فقال: بسم الله الرحمن الرحيم آية (2)
وعن ابن عباس قال: استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم (3).
أضف إلى ذلك أن سيرة المسلمين جرت دوما على قراءة البسملة في مطالع السور لدى تلاوة القرآن وثبت بالتواتر قراءة النبي (ص). وكيف لا تكون جزءا من القرآن والنبي (ص) والمسلمون يواظبون على قراءتها لدى تلاوتهم القرآن.
وأما ما ذهب إليه بعضهم من احتمال أن البسملة آية مستقلة وليست جزء من سورة القرآن احتمال واه وضعيف لأن مفهوم البسملة يشعر ببداهة العمل ولا يفصح عن معنى منفصله مستقل.
وفي اعتقادنا أن الاصرار على فصل البسملة عن السورة تعصب لا مبرر
____________
(1) تفسير المنار: ج 1، ص 39 و 40.
(2) الدارقطني في كتابه السنن: ج 1، ص 313، ح 40.
(3) البيهقي في السنن: ج 2، ص 50.
ويبقى إيراد واحد وهو أن البسملة تحسب في عد آيات سورة القرآن ما عدا بسملة سورة الحمد بل يبدأ العد من الآية التالية للبسملة.
نقول جزء من الآية الأولى في سائر سور القرآن أي إن مطلع سورة الكوثر مثلا.
بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر. يعتبر كله آية واحدة ولهذا نقل عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) أنه كان مذهبه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات.
يقول الفخر الرازي إن هذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين (لسيرة الإمام علي (ع) الجهر بالبسملة) (1).
والمسألة على أي حال واضحة إلى درجة كبيرة حتى روي أن معاوية صلى بالناس في فترة حكومته فلم يقرأ البسملة فصاح جمع من المهاجرين والأنصار بعد الصلاة أسرقت أم نسيت (2)
البسملة هل هي آية من القرآن الكريم أم لا؟ وقول فقهاء السنة فيها:
قال الشافعي إنها آية في أول الحمد بلا خلاف بينهما وفي كونها آية من كل سورة قولان:
أحدهما: أنها آية من أول كل سورة.
____________
(1) التفسير الكبير: ج 1، ص 204.
(2) أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك: 1، 223 البيهقي في السنن: ج 2، ص 49.
وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عيدة وعطاء والزهري وعبد الله بن المبارك أن البسملة آية من أول كل سورة حتى أنه قال من ترك بسم الله الرحمن الرحيم ترك مائة وثلاث عشر آية (2).
ومالك والأوزاعي وداود الظاهري قالوا يكره أن يقرأها في الصلاة بل يكبر ويبتدي بالحمد إلا في شهر رمضان، والمستحب أن يأتي بها بين كل سورتين تبركا للفصل ولا يأتي بها في أول الفاتحة (3).
الجهر بالبسملة في الصلاة:
الشافعي قال: إن جمع في النوافل بين سور كثيرة وجب أن يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم).. مع كل سورة إلا أنه يذكر استحباب الجهر فيما يسر فيه القرآن (4).
وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل على أنه يسر بالبسملة ولا يجهر بها (5)
ومالك يقول المستحب أن لا يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم).. ويفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين (6).
____________
(1) عمدة القاري: ج 5، ص 284. نيل الأوطار: ج 2، ص 218.
(2) المجموع: ج 3، ص 334. نيل الأوطار: ج 2، ص 218
(3) المحلى لابن حزم: ج 3، ص 252. وأحكام القرآن للجصاص: ج 1، ص 13.
(4) المجموع: ج 3، ص 341. نصب الراية للزيلعي: ج 1، ص 328 و ص 361.
(5) المجموع: ج 3، ص 342. وبداية المجتهد ونهاية المقتصد: ج 1، ص 120. نيل الأوطار: ج 2، ص 216.
(6) المحلى لابن حزم: ج 3، ص 252. بداية المجتهد ونهاية المقتصد: ج 2، ص. 120
قول المحدثين:
عن ابن عباس قال أن النبي (ص) كان يجهر (ببسم الله الرحمن الرحيم) (1)
أيضا عن ابن عباس أن رسول الله (ص) كان يفتتح الصلاة (ببسم الله الرحمن الرحيم) (2)
وحديث ابن عمر قال: صليت خلف النبي (ص) وخلف أبو بكر فكانوا يجهرون (ببسم الله الرحمن الرحيم) (3) في باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة الجهرية.
وحديث ابن عباس أن النبي (ص) لم يزل يجهر في السورتين (ببسم الله الرحمن الرحيم) حتى قبض (4)
وحديث نعيم بن عبد الله المجمر قال: صليت خلف أبي هريرة فقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم) قبل أم الكتاب وكبر في الخفض والرافع وقال وأنا أشبهكم بصلاة رسول الله (ص) (5).
وحديث ابن عمر أنه كان يجهر (ببسم الله الرحمن الرحيم) وذكر أن رسول الله (ص) كان يجهر بها (6)
____________
(1) الهيثمي في كشف الأسرار عن زوايد البزاز: ج 1، ص 255، ح 526. الطبري في المعجم الكبير: ج 11، ص 185، ح 1144. البيهقي في السنن: ج 2، ص 49. و 50.
(2) الفخر الرازي في تفسير الكبير: ج 1، ص 204.
(3) الدارقطني في كتابه السنن: ج 1، ص 305 ح 12.
(4) الدارقطني في كتابه السنن: ج 1، ص 304، ح 9، في باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة والجهر بها.
(5) أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك: ج 1، ص 232.
(6) الدارقطني في كتابه السنن: ج 1، ص 304، و 305، ح 1، باب وجوب قراءة (بسم الله الرحمن =
وحديث أنس بن مالك أنه قال: بينما رسول الله (ص) ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما قلنا ما أضحكك يا رسول الله قال: نزلت علي آنفا سورة فقرأ.. (بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر) (2).
وأنت ترى هذا الحديث يدل على أن البسملة آية من كل سورة من سور القرآن بدليل أن الرسول (ص) قرأها في سورة الكوثر.
وحديث أبي هريرة عن النبي (ص) أنه قال: إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرؤوا (بسم الله الرحمن الرحيم) إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و (بسم الله الرحمن الرحيم) آخر آياتها (3)
وحديث أم سلمة زوج النبي (ص) كان إذا قرأ بأم القرآن بدأ (ببسم الله الرحمن الرحيم) - يعدها آية ثم قرأ الحمد لله رب العالمين بعدها بست آيات (4) وحديث أم سلمة أن النبي (ص) كان يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا السراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقطعها آية آية وعدها عد الأعراب (بسم الله
____________
= الرحمن) في الصلاة والجهر بها.
(1) أخرجة الترمذي في السنن: ج 2، ص 14، كتاب الصلاة باب الجهر بالبسملة، ح 245.
(2) روائع البيان للصابوني: ج 1، ص 48.
(3) روائع البيان للصابوني: ج 1، ص ص 47
(4) البيهقي في معرفة السنن والآثار: ج 2، ص 362، ح 3049.
أيضا عن أم سلمة قالت كان النبي (ص) يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين) يقطعها حرفا حرفا (يعني آية آية) (2).
وحديث أنس قال: كان رسول الله (ص) يجهر (بسم الله الرحمن الرحيم (3) وذكر الفخر الرازي في تفسيره الكبير قال: روى الشافعي بإسناده أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم: ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود فلما سلم ناداه المهاجرين والأنصار يا معاوية سرقت منا الصلاة أين (بسم الله الرحمن الرحيم) وأين التكبير عند الركوع والسجود؟ ثم أنه أعاد الصلاة مع التسمية والتكبير.
قال الشافعي: إن معاوية كان سلطان عظيم القوة شديد الشوكة فلولا أن الجهر بالبسملة كان كالأمر المستقر عند كل الصحابة من المهاجرين والأنصار وإلا لما قدروا على إظهار الانكار عليه بسبب ترك التسمية (4)
والذين يقولون بالجهر هم: عمر بن الخطاب وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وأنس بن مالك وأم سلمة، وعلي بن أبي طالب (ع) وأما أن علي بن أبي طالب (ع) كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر.
____________
(1) أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار: ج 2، ص 363، كتاب الصلاة. باب (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من الفاتحة، ح 3053. والدار قطني في السنن: ج 1، ص 307، ح 21، باب وجوب قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة والجهر بها
(2) الحاكم النيسابوري في المستدرك: ج 1، ص 232. وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين:
(3) الدارقطني في السنن: ج 1، 308 في باب وجوب قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة والجهر بها: ح 26.
(4) التفسير الكبير: ج 1، ص 204. الدار قطني في السنن: ج 1، 311، ح 33 و 34.
وأهل البيت (ع) يقولون بوجوب الجهر (ببسم الله الرحمن الرحيم) في الحمد وفي كل سورة بعدها كما يجب بالقراءة هذا فيما يجب الجهر فيه، وإن كانت الصلاة لا يجهر فيها استحب أن يجهر (ببسم الله الرحمن الرحيم) وإن جمع في النوافل بين سورة كثيرة فينبغي عليه أن يقرأ) بسم الله الرحمن الرحيم مع كل سورة.
وقد أفرد في المسألة عدة كتب ورسائل منها:
1 - البسملة جزء الحمد ويلزم قراءها في الصلاة:
الشيخ نجم الدين الشريف بن محمد بن رجب علي العسكري مخطوط - عن كتابه محمد وعلي وحديث الثقلين وحديث السفينة 195.
2 - البسملة مفتاح الحمد والرحمنة:
الشيخ عبد الحسين محمد علي البقال. ط 1 (ضمن كتاب دائرة المعارف القرآن الكريم إعداد الشيخ حسن سعيد). طهران مطبعة خوشه اصدار مكتبة جهل ستون العامة 1408 ص 48 ق 24 * 17.
____________
(1) الفخر الرازي في التفسير الكبير: ج 1، ص 205.
المسألة الرابعة
القنوت
القنوت
القنوت لغة:
القنوت: الطاعة. هذا هو الأصل ومنه قوله تعالى: (والقانتين والقانتات) (1) ثم سمي القيام في الصلاة قنوتا. وفي الحديث الشريف أفضل الصلاة طول القنوت. ومنه قنوت الوتر.
الآيات الكريمة:
التي تقول بالقنوت قوله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين) (2)
وقوله تعالى: (وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون) (3).
وقولة تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملوا) (4).
وقوله تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) (5).
____________
(1) سورة الأحزاب: آية 35.
(2) الأعراف آية: 55 - 56
(3) الأعراف آية: 94
(4) الأعراف آية: 180.
(5) السجدة: آية 16.
وقولة تعالى (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما) (2)
القنوت عند أئمة أهل البيت (ع):
فقد قال أئمة أهل البيت (ع) قولا واحدا بأن القنوت مستحب بعد القراءة في الركعة الثانية.
وفي جميع الصلوات بعد القراءة وقبل الركوع في الفرائض والسنن سواء كانت الصلاة رباعية أو ثنائية أما في الصلاة الوتر ففيها قنوت أيضا قبل الركوع وبعد القراءة وأما صلاة الجمعة ففيها قنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع.
وعن أبي عبد الله (جعفر الصادق) (ع) قال: يجزيك في القنوت (اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير).
وعنه (ع) قال: التكبير في صلاة الفرض في الخمس الصلوات خمس وتسعون تكبيرة منها تكبيرة القنوت خمس (3)
وأن يرفع يدية للقنوت مع التكبير.
وتفسير هذه الأحاديث هو:
في الظهر إحدى وعشرون تكبيرة - وفي العصر إحدى وعشرون تكبيرة
____________
(1) الممتحنة آية: 5
(2) الفرقان: آية 65 - 66.
(3) تهذيب الأحكام: ج 2، ح 322 و 323.
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات منها تكبيرة القنوت (1)
وعن أبي عبد الله (جعفر الصادق) (ع): من ترك القنوت متعمدا فلا صلاة له.
وفي المقنع، إياك أن تدع القنوت فإن من ترك قنوته متعمدا فلا صلاة له (2).
وعن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) قال: رأيت رسول الله (ص) يقنت في صلاته كلها وأنا يومئذ ابن ست سنوات (3).
وعن أبي جعفر (محمد الباقر) (ع) قال: تقول في القنوت: (اللهم اغفر لي وارحمني واعفو عني إنك على كل شئ قدير (4).
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) قال: علمني رسول الله (ص) كلمات في القنوت أقولهن: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) (5).
وعن الرضا (ع): وقل في قنوتك بعد فراغك من القراءة قبل الركوع:
____________
(1) تهذيب الأحكام: ج 2، ص 87، ح 325.
(2) المقنع: ص 35.
(3) غوالي اللآلي: ج 2، ص 42، ح 105.
(4) مستدرك الوسائل: ج 4، ص 400، ح 5014.
(5) مستدرك الوسائل: ج 4، ص 400، ح 5015.
أقول: أسندت الأحاديث الكثيرة في كتب الشيعة لهذا الحكم المروي عن أئمة أهل البيت (ع) الذين هم بدورهم قد أخذوا ذلك عن النبي (ص) ولكننا.. زيادة على ثبوت ذلك عن طريق كتب أهل السنة. نذكر أقوالهم:
القنوت عند أهل السنة:
اختلفت أئمة المذاهب الأربعة على أقوال في مشروعية القنوت أمستحب هو في كل الصلوات أم في المفروضة دون غيرها، أم في خصوص الجهرية أم لا أم فيها إذا نزلت نازلة بالمسلمين أم لا وهل هو قبل الركوع أو بعد. - وما إلى ذلك من الخلاف الذي نعرضه عليك مختصرا.
فالأحناف قالوا بالقنوت في الوتر قبل الركوع.
والحنابلة كمقالة الأحناف إلا أنه بعد الركوع لا قبلة ولا يقنت في غير الوتر من الصلوات (2).
وقال المالكية والشافعية يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع والأفضل عند المالكية قبل الركوع ويكره عند المالكية القنوت في غير الصبح (3)
ويستحب عند الحنفية والشافعية والحنابلة القنوت في الصلوات
____________
(1) مستدرك الوسائل: ج 4، ص 3 - 4، ح 5017.
(2) اللباب في شرح الكتاب: ج 1، ص 78. والمغني لابن قدامة: ج 1، ص 151 و 155.
(3) راجع الشرح الصغير: ج 1، ص 33. ونصب الراية: ج 2، ص 123.
وقال الطحاوي: القنوت في سائر الصلوات لم يقل به غير الشافعي وذكر الشافعي أن الخلفاء الأربعة قالوا بالقنوت وأنس بن مالك وإليه ذهب الحسن البصري وبه قال مالك والأوزاعي (2).
والخلاف كما ترى بين أئمة المذاهب الأربعة.
ولا بد من البحث في جهتين:
الأول: في مشروعيته في كل الصلاة عند أهل السنة.
الثاني: في كونه بل الركوع عند أهل السنة.
الجهة الأولى: مشروعية القنوت في كل صلاة:
ما قاله الطحاوي أن القنوت في سائر الصلوات لم يقل به غير الشافعي وذكر الشافعي أن الخلفاء الأربعة قالوا بالقنوت وأنس بن مالك وإليه ذهب الحسن البصري وبه قال مالك والأوزاعي كما مر عليك قبل قليل (3)
عن ابن عباس قال: قنت رسول الله (ص) شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح (4)
عن البراء بن عازب أن النبي (ص) كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت
____________
(1) راجع فتح القدير للشوكاني: ج 1، ص 39. وبداية الصنائع: ج، ص 273.
(2) راجع بداية الهداية: ج 1، ص 127. المحلى لابن حزم: ج 4، ص 146. وبداية الصنائع: ج 1، ص 273.
(3) راجع بداية المجتهد: ج 1، ص 127. المحلى لابن حزم: ج 4، ص 146. وبداية الصنائع: ج 1، ص 273.
(4) راجع أحمد بن حنبل في كتابة المسند: ج 1، ص 301.
عن ابن عباس قال: ما زال رسول الله (ص) يقنت حتى فارق الدنيا (2)
عن أنس قال قنت رسول الله (ص) وأبو بكر وعمر وعثمان وأحسبه ورابع حتى فارقتهم (3).
فهذه الأحاديث صريحة في استحباب القنوت في جميع الصلوات بل هذه الأحاديث تثبت أن القنوت كان معمولا به في عهد الخلفاء الأربعة فمن يا ترى غير وبدل حكم الله وسنة رسوله (ص)؟
الجهة الثانية: أن القنوت مستحب قبل الركوع..
وهو مذهب مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى وأبي حنيفة (4)
وقال به من الصحابة: ابن مسعود وموسى الأشعري وابن عمر (5)
ويدل علية أحاديث منها:
قال ابن عمر كان بعض أصحاب النبي (ص) يقنت قبل الركوع وبعضهم بعده وانفرد بأن قال يكبر إذا أراد أن يقنت ثم يكبر للركوع (6).
عن أنس بن مالك قال: سئل عن القنوت في صلاة الصبح فقال كنا
____________
(1) راجع الهيثمي في كتابة مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج 2، ص 138، وقال عنه رجال موثوقون.
والدارقطني في كتابة السنن: ج 2، ص 37، حديث 4، باب صفة القنوت وبيان موضعه وقال عنه في الحاشية الحديث صحيح.
(2) راجع الدارقطني في كتابة السنن: ج 2، ص 41، ح 20، باب صفة القنوت وبيان موضعة.
(3) الدار قطني في كتابه السنن: ج 2، ص 40، ح 14، باب صفة القنوت وبيان موضعه.
(4) شرح معاني الآثار للطحاوي: ج 1، ص 245.
(5) بدائع الصنائع: ج 1، ص 273. والنووي في المجموع: ج 3، ص 498.
(6) بداية الصنائع: ج 1، ص 273. والنووي في المجموع: ج 3، ص 498.
وهذه الأحاديث والأقوال المنسوبة إلى الصحابة تدل على أن القنوت مستحب قبل الركوع فما يفعلة شيعة أهل البيت (ع) تبعا لأئمتهم مشروع صحيح وعلية فعل النبي (ص) وتبعه على ذلك أهل بيته (ع) إلى يومنا هذا.
____________
(1) ابن ماجة في سننه: ج 1، ص 374، ح 3 - 118.
المسألة الخامسة
السجود على الأرض
السجود على الأرض
تعريف السجود:
السجود لغة: هو الخضوع والتذلل أو التظامن والميل وشرعا: أقله وضع بعض الجبهة مكشوفة على الأرض أو غيرها من المصلى لخبر: إذا سجدت فمكن جبهتك (من الأرض) ولا تنقر نقرا (1)
وخبر خباب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله (ص) حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا - 2).
وهو فرض بالإجماع - لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) (3).
ولمواظبة النبي (ص) وأمر به المسئ صلاته: ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا (4).
إجماع الأمة:
وإجماع الأمة على السجود على الأرض وما أنبتت من غير المأكول والملبوس كالحصير وورق الشجر والقرطاس.
وهذا الاجماع قائم باتفاق جميع المسلمين من سنة وشيعة وهو القدر المشترك مما يجوزون السجود عليه. ثم اختلفوا في جواز السجود على ما
____________
(1) رواه ابن حبان في صحيحة.
(2) رواه البيهقي في السنن.
(3) سورة الحج: آية 77.
(4) رواه أبو داود في السنن.
فمنع أهل البيت (ع) وشيعتهم وجوزة دعاة السنة.
ولا ريب أن الاحتياط يقتضي الأخذ بما اتفق عليه وعدم السجود على الفراش ونحوه.
قال الشافعي وفي وضع الجبهة على الأرض في حال السجود فرض ووضع الأنف سنة.
وبه قال الحسن البصري وابن سيرين وعطاء وطاووس والثوري وأبو يوسف ومحمد صاحب أبو حنيفة وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين أن يقتصر على أنفه أو على جبهته فأيهما فعل أجزء.
والمتأخرون من دعاة السنة أجازوا على القطن والكتان والشعر والصوف وغير ذلك (1).
مذهب أهل البيت (ع) والسجود في الصلاة:
ومذهب أهل البيت (ع) لا يجوزون السجود إلا على الأرض وما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس من قطن أو كتان فإنه لا خلاف أنه إن سجد على ما قلناه صلاته ماضية وذمته بريئة وليس على براءة ذمته دليل إذا سجد على غير ذلك.
وأما السجود على التربة فقد شاع عند مذهب أهل البيت (ع) بشكل واسع حتى تجد قطعها منتشرة في بيوتهم ومساجدهم ويحملونها معهم في أسفارهم يسجدون عليها إذا كانت الأرض مفروشة بما يلبس حتى ظن بعض
____________
(1) أنظر الأم للشافعي: ج 1، ص 114. والمبسوط للسرخسي: ج 1، ص 34. والمجموع للنووي: ج 3، ص 425. وتفسير القرطبي: ج، ص 346.
ولم يعلمون أن السجود لله رب العالمين والسجود على التربة بدل أن يكون على الفراش وأن هناك فرقا كبيرا بين السجود على التربة والسجود للتربة فحين نسجد على الأرض يكون السجود لله على الأرض لا السجود للأرض.
وقول النبي (ص): (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا).
يبين لنا ما قلنا في السجود على الأرض أو ما أنبتت الأرض لأن معنى الأرض هو التربة لا المكان بمعنى تراب الأرض هو المسجد والطهور.
فمجموع الروايات والأحاديث الواردة في كتب الفقه والحديث عند السنة من تتريب الوجه وعدم السجود على العمامة وما ورد من تحصيب المسجد النبوي الشريف في زمن النبي (ص) دون فرشه بالبسط ومنعه لهم على ألا يسجدوا على ثيابهم والسجود على الخمرة والحجر كلها يدعم بعضها بعضا وتسند الروايات الصريحة في عدم السجود على الفراش والثياب ونحوها وأحاديث النبي (ص) وسيرة الصحابة حول هذا الموضوع واضحة جدا.
تبيين الموضوع من الأحاديث النبوية:
وها نحن نبين عمل الرسول (ص) مما جاء في الصحاح الست وغيرها من أمهات المسانيد والسنن من سنة رسول الله (ص) الواردة فيما يصح السجود عليه ونمضي على ضوئها ونتخذها سنة متبعة وطريقة حقة لا محيد عنها وهي على قسمين:
التبين الأول - ما يدل على السجود على الأرض:
حديث (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) وفي لفظ مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء.
وفي لفظ البيهقي: جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا.
وفي لفظ له أيضا: جعلت لي الأرض طيبة ومسجدا وأيما أدركته الصلاة صلى حيث كان عن علي (ع) وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وجابر وابن عباس وحذيفة وأنس وأبي أمامة وأبي ذر (1).
وحديث أبي ذر قال: قال رسول الله (ص): الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصل.
وحديث ابن عباس: إن النبي (ص) سجد على الحجر.
وحديث أبي سعيد الخدري قال: أبصرت عيناي رسول الله (ص) وعلى أنفه وجبهته أثر الماء والطين.
وحديث رفاعة بن رافع: ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتستوي.
وحديث ابن عباس وأنس وبريدة بإسناد صحيح: ثلاثة من الجفاء:
يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته. وفي لفظ وائلة بن الأسقع: لا يمسح الرجل جبهته من التراب حتى يفرغ من الصلاة (2)
وحديث جابر بن عبد الله قال: كنت أصلي مع رسول الله (ص) الظهر فأخذ قبضة من حصى في كفي لتبرد حتى أسجد عليها من شدة الحر.
وفي لفظ لأحمد: كنا نصلي مع رسول الله (ص) الظهر وأخذ بيدي.
____________
(1) أخرجه البخاري: ج 1، ص 86 و 113. ومسلم: ج 2، ص 64. والنسائي: ج 2، ص 32. وأبو داود ج 1، ص 79. والترمذي: ج 2، ص 114. والبيهقي في السنن: ج 2، ص 433 و 435.
(2) أخرجة النسائي: ج 2، ص 32. والبخاري: ج 1، ص 163. وأبو داود: ج 1، ص 143. والبيهقي: ج 2، ص 104. والهيثمي في المجمع: ج 1، ص 83 و 84.
وحديث أنس بن مالك: كنا نصلي مع رسول الله) ص) في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعة وسجد عليه.
وحديث خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله (ص) شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا.
وحديث عمر بن الخطاب: مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل الرجل يمر على البطحاء فيجعل في ثوبة من الحصباء فيصلي عليه، فلما رأى رسول الله (ص) ذلك قال: ما أحسن هذه البساط فكان ذلك أول بدء الحصباء.
وحديث ابن عمر: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته.
وحديث عياض بن عبد الله القرشي: رأى رسول الله (ص) رجلا يسجد على كور عمامته فأومأ بيده: إرفع عمامتك وأومأ إلى جبهته.
وحديث علي أمير المؤمنين (ع): إذا كان أحدكم يصلي فليحسر.