الخامس: البلوغ. فلا تجب على غير البالغ.
السادس: العقل: فلا تجب على المجنون.
السابع: الحضور. فلا تجب على المسافر.
الثامن: صحة البدن. فلا تجب على المريض.
التاسع: البصر. فلا تجب على الأعمى.
هذه الشروط مما اتفقوا عليها أيضا.
العاشر: الخطبتان. فلا تنعقد الجمعة بدون الخطبة وبه قالت الإمامية والحنفية والشافعي والأوزاعي والثوري وغيرهم. عدا الحسن البصري فإنه قال: تجوز بغير خطبة (1).
الحادي عشر: الكيفية الخاصة للخطبة. وقع الخلاف بين فقهاء المذاهب في كيفيتها على النحو التالي:
قالت الإمامية: لا بد في كل من الخطبتين من حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله والوعظ ودعوة الناس إلى تقوى الله وقراءة سورة من القرآن، وأن يزيد في الخطبة الثانية الاستغفار والدعاء للمؤمنين والمؤمنات والصلوات على الأئمة (ع).
وقالت الحنفية: يجزي من الخطبة بأقل ما يمكن من الذكر فلو قال الحمد لله والله وأكبر أو سبحان الله أو لا إله إلا الله أو استغفر الله أجزأه ولكن يكره الاقتصار على ذلك (2).
____________
(1) المجموع: ج 4، ص 514، والمحلى: ج 1، ص 83.
(2) المبسوط: ج 2، ص 30، والهداية: ج 1، ص 83.
راجع متاب الفقه على المذاهب الأربعة: باب صلاة الجمعة.
وقالت الشافعية: لا بد في الخطبتين من حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي والوصية بالتقوى وقراءة آية، في إحداهما على الأقل وكونها في الخطبة الأولى أفضل والدعاء للمؤمنين في الثانية (1).
وقالت الحنابلة: لا بد من حمد الله والصلاة على النبي وقراءة آية والوصية بالتقوى.
راجع كتاب المذاهب الأربعة: باب صلاة الجمعة.
وقال أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني لا يجزيه حتى ينطبق عليه اسم الخطبة (2).
ينبغي هنا بيان أمور:
الأول: هل يحرم الكلام أثناء الخطبة على الخطيب والمستمعين أم لا؟
قال الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف: مكروه، قال معظم فقهاء أهل السنة حرام حتى يفرغ الخطيب منها. منهم أبو حنيفة والأوزاعي ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي في مذهبه القديم ولكن في مذهبه الجديد قال الانصات للمستمعين مستحب وبه قال الثوري والنخعي (3).
وسبب الخلاف هو الأخبار.
الثاني: اتفق الجميع على جواز الكلام بعد الفراغ من الخطبة وقبل الصلاة.
الثالث: اتفق الجميع على رد السلام لو سلم الداخل حال الخطبة.
____________
(1) كفاية الأخبار: ج 1، ص 92، والأم: ج 1، ص 202، وبداية المجتهد، ج 1، ص 155.
(2) الأصل: ج 1، ص 351، والمبسوط: ج 2 ص 30.
(3) المجموع: ج 4 ص 532، الأم: ج 1، ص 203، المدونة الكبرى: ج 1، ص 149.
شرائط الخطبة وهي:
الأول: الوقت وهو بعد الزوال فلا يصح تقدم شئ منها عليه وهذا اتفاقي.
الثاني: تقديم الخطبتين على الصلاة.
الثالث: القيام فيهما إلا مع العذر وبه قال الشافعي والمالكي (2).
وقال أبو حنيفة: المستحب أن يخطب قائما فإن خطب جالسا من غير عذر جاز (3).
ولكن هذا ينافي مع ما دل على أن الخطبة لا تكون إلا في حال القيام لأن أول من خطب وهو جالس معاوية واستأذن الناس في ذلك من وجع كان في ركبته وكان يخطب وهو جالس وخطبته وهو قائم ثم يجلس ثم يجلس بينهما.
والصحيح هو أن الخطبة خطبتان وهو قائم ويجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين.
الرابع: الجلوس بين الخطبتين وبه قالت الإمامية وتبعهم الشافعية لما رواه جابر بن سمرة عن النبي (ص): أنه كان يخطب خطبتين يجلس بينهما وكان يخطب قائما (4).
____________
(1) المبسوط: ج 2، ص 28، والمدونة الكبرى: ج 1، ص 150، والأم: ج 1، ص 200، والوجيز: ج 1، ص 64.
(2) الأم: ج 1 ص 199، والمحلى: ج 5، ص 58.
(3) اللباب: ج 1، ص 112، والهداية: ج 1، ص 83.
(4) كفاية الأخبار: ج 1، ص 92.
الخامس: لزوم قراءتها على الإمام.
السادس: رفع الصوت بحيث يسمع الحاصرون إذ لا يحصل الغرض من تشريع الخطبة إلا به.
السابع: الطهارة للخطيب من الحدث والنجاسات من البدن والثوب.
الثامن: اعتبار العربية في الخطبة عند بعض فقهاء المسلمين ولا بأس بنقل الأقوال في اعتبارها في الخطبة وعدم اعتبارها فيه.
قالت بعض الإمامية: لا يشترط في الخطبة أن تكون بالعربية وتبعهم الحنفية، وقال بعض آخر من منهم: يعتبر في حمد الله والثناء عليه أن يكون بالعربية دون الموعظة ونحوها.
وقالت المالكية: يجب أن يخطب بالعربية وإن كان القوم عجما لا يفهمون شيئا من العربية فإذا لم يوجد فيهم من يحسن العربية سقطت عنهم صلاة الجمعة.
وقالت الشافعية: تشترط العربية إذا كان القوم عربا أما إذا كانوا عجما فله أن يخطب بلغتهم وإن كان يحسن العربية.
وقالت الحنابلة: يشترط في الخطبة أن تكون بالعربية مع القدرة (1).
التاسع: الالتفات إلى اليمين والشمال للخطيب في حال خطبته وبه قال أبو حنيفة (2).
____________
(1) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: باب صلاة الجمعة.
(2) المجموع: ج 4، ص 528.
وهو الحق لأنه لا دليل على اعتبار.
الأمر الثالث - وقت صلاة الجمعة:
اتفق جميع فقهاء المذاهب الإسلامية عدا أحمد بن حنبل على أن وقتها من أول الزوال إلى أن يصير ظل كل شئ مثله أو بمقدار مثل الشاخص، لما رواه أنس قال: كان النبي (ص) يصلي الجمعة حين تزول الشمس (2).
ورواية سلمة ابن الأكوع قال: كنا نصلي مع رسول الله (ص) الجمعة إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ - أي ظل الحيطان - (3)
الأمر الرابع - مكان صلاة الجمعة:
ذهبت الإمامية والحنفية والشافعية والحنابلة إلى عدم اعتبار مكان خاص لصلاة الجمعة. فهي تقام في المسجد وغيرة.
وذهبت المالكية إلى اعتبار المسجد في إقامتها ولذا أفتوا بعدم صحتها إلا في المسجد.
الأمر الخامس - كيفية صلاة الجمعة:
وهي ركعتان كصلاة الصبح وهذا مما اتفق عليه جميع فقهاء المسلمين وإنما وقع الخلاف بينهم فيما يستحب أن يقرأ فيها من السور.
قالت الإمامية: يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الجمعة وفي الثانية سورة المنافقين بعد الحمد في كل من الركعتين وتبعهم في ذلك الشافعية. ودليلهم حديث ابن عباس أن النبي (ص) كان يقرأ في صلاة الجمعة
____________
(1) الأم: ج 1، ص 200.
(2) كفاية الأخبار: ج 1، ص 91.
(3) كفاية الأخبار: ج 1، ص 91.
وقالت المالكية: يقرأ في الأولى الجمعة وفي الثانية الغاشية.
وقالت الحنفية: يكره تعيين سورة بالخصوص.
راجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة.
الأمر السادس - حرمة السفر لمن وجبت عليه الجمعة:
اتفق الجميع على عدم جواز السفر لمن وجبت عليه الجمعة واستكمل الشروط بعد الزوال قبل أن يصليها وخالف فيه أبو حنيفة وأتباعه فإنهم قالوا بالجواز.
الأمر السابع - حرمة البيع وقت النداء لصلاة الجمعة:
ذهب الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف: إلى أن وقعت الذي يحرم فيه البيع في يوم الجمعة هو ما إذا جلس الإمام على المنبر بعد الأذان وأما قبل الأذان فيكون البيع مكروها وبه قال الشافعي (2).
وقال مالك وأحمد بن حنبل: إنه يحرم إذا زالت الشمس في يوم الجمعة جلس الإمام على المنبر أم لا (3).
ولكن الآية الشريفة: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) (4).
تدل على خلاف هذا القول إذ تدل على النهي عن البيع إذا نودي لها وإلا فلا يكون منهيا عنه وكيف كان فيقع الكلام في أن حرمة البيع في مفروض
____________
(1) أخرجه مسلم في الصحيح: ج 2، ص 24.
(2) الخلاف: ج 1، ص 629، والأم: ج 1، ص 195، والمجموع: ج 4، ص 500.
(3) المغني: ج 2، ص 145.
(4) سورة الجمعة: آية 9.
ذهب الشيخ الطوسي ومالك وأحمد بن حنبل إلى ثبوت الحرمة الوضعية وهي فساد البيع أيضا (1).
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى عدم ثبوت الحرمة الوضعية. أفتوا بأن البيع صحيح (2).
ونقول: بأن البيع في وقت النداء حيث إنه حرام. لكنه صحيح.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم
____________
(1) المدونة الكبرى: ج 1، ص 154، والمجموع: ج 4، ص 501.
(2) الأم: ج 1، ص 195، ومغني المحتاج: ج 1، ص 295.
المسألة الثامنة
شرائط صحة الصوم
شرائط صحة الصوم
وهي أمور:
أولا - شرائط صحة الصوم:
الأول - الإسلام:
فلا يصح الصوم من الكافر عند جميع فقهاء المسلمين.
الثاني - العقل:
فلا يصح الصوم من المجنون حال جنونه بالاتفاق وأما البلوغ فليس من شرائط صحته إذ الصبي يصح صومه إذا كان مميزا.
الثالث - النية:
كما هو الشأن في جميع العبادات فلا يصح بدونها عند الجميع.
واستدل لذلك بوجوه:
الأول: قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (1).
الثاني: ما روي عن المعصوم أنه قال: لا عمل إلا بالنية وإن لكل امرئ ما نوى (2).
الثالث: الاجماع: وخالف ذلك زفر فإنه قال: إذا تعين عليه رمضان على وجه لا يجوز له الفطر أجزأه من غير نية وأما إذا لم يكن متعينا عليه فلا بد فيه من النية ونقل عن مجاهد أيضا (3).
____________
(1) سورة البينة: آية 5.
(2) صحيح البخاري: ج 1، ص 42، ومسلم في الصحيح: ج 3، ص 515، والتهذيب: ج 4، ص 186.
(3) بداية المجتهد: ج 1، ص 293.
الرابع - الخلو من الحيض والنفاس:
فلا يصح من المرأة الحائض والنفساء وكذا لو حدثتا في أثناء صوم نهارها وذلك للأخبار.
الخامس - عدم المرض:
فلو صام المكلف في حال المرض ل يصح صومة قالت به الإمامية:
ولكن فيها إذا زاد الصوم في شدة مرضه أو شدة ألمه أو صار موجبا لتأخير البرء وقد ذكروا في وجهه بأن المرض ضرر والضرر محرم والنهي في العبادة على ما حدد في الأصل يقتضي الفساد وتبعهم في ذلك أهل الظاهر لأنهم حكموا بعدم إجزاء صومه في حال المرض وأن فرضه عده من أيام أخر (1).
ولكن الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وغيرهم من بقية المذاهب:
ذهبوا إلى أن عدم المرض ليس من شرائط صحة الصوم وقالوا: إن المريض مخير بين أن يصوم وبين أن يفطر وإذا صام أجزأه (2).
ولكن لا يخفى أن حكمهم بذلك إنما يختص بما إذا لم يغلب على ظنه الهلاك أو تعطيل حاسة من حواسة وإلا فيكون عدم المريض من شرائط صحة الصوم عندهم ففي الفرض المذكور يتعين عليه الافطار.
وكيف كان فالسبب في اختلافهم في هذه المسألة شيئان:
أحدهما: قوله تعالى: (فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (2).
لتردده بين أن يحمل على ظاهره وبين حمله على خلاف ظاهره بأن يكون فيه تقدير وهو (فافطر)، فمن حمل الآية على الأول كالإمامية
____________
(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 295.
(2) سورة البقرة: آية 185.
ثانيهما: احتمال كون ترك الصوم في حال المرض رخصة واحتمال أن يكون عزيمة من رأى أن ترك الصوم في حال المرض رخصة فقال إن شاء المريض صام وإن شاء أفطر ومن رأى كونه عزيمة أفتى بعدم جواز الصوم في هذا المرض.
السادس - عدم السفر الموجب لقصر الصلاة على ما هو المقدر عند كل مذهب:
ذهب الإمامية إلى كونه شرطا في صحة الصوم فلو صام بطل صومه ووجب القضاء عليه دون الكفارة، هذا إذا سافر قبل الزوال وأما إذا سافر بعد الزوال أو حين الزوال فعلية أن يبقى على صيامه وإن أفطر فعليه كفارة من أفطر في صومه عمدا.
وذهب بقية المذاهب إلى عدم كونه من شرائط صحة الصوم (1).
وعلى هذا فإذا صام في السفر صح صومة ولكن يجوز له الافطار إذا شرع بالسفر قبل طلوع الفجر وأما إذا شرع بالسفر بعد طلوع الفجر حرم عليه الافطار ولو أفطر فعليه القضاء والكفارة.
وزاد الشافعي شيئا حيث قال: إذا كان المسافر من عادته دوام السفر كالمكاري فلا يجوز له الافطار وإلا جاز له ذلك حيث يكون المسافر مخيرا بين أن يصوم وبين أن يفطر. راجع: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب صلاة المسافر.
وكيف كان استدلال للقول الأول بوجهين:
____________
(1) المجموع: ج 6، ص 261، والمحلى: ج 6، ص 247.
الثاني: ما رواه ابن عباس قال إن رسول الله (ص) خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر فأفطر الناس (2).
واستدل للقول الثاني بوجهين:
الأول: الآية المذكورة ولكن مع التقدير فيها وهو كلمة: فافطر، فتكون الآية هكذا فمن كان منكم مريضا أو على سفر فافطر فعدة من أيام أخر.
الثاني: ما رواة أنس قال: كان أصحاب رسول الله (ص) يسافرون فيصومون بعضهم ويفطرون بعضهم (2).
وما رواه أيضا قال: سافرنا مع رسول الله (ص) في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم (3).
ولكن وقع الخلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة في أن الصوم للمسافر أفضل أم الفطر؟
ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن الصوم أفضل له وذهب أحمد بن حنبل وجماعة إلى أن الفطر أفضل له، وقال داود الظاهري إنه مخير بين الفطر والصوم (3).
وسبب الخلاف في ذلك عندهم هم اختلاف الأخبار، واستدل للقول الأول بأن جواز الافطار للصائم في السفر إنما يكون على سبيل الرخصة والامتثال لرفع المشقة عنه فيكون الأفضل ترك الرخصة واستشهد لذلك بما
____________
(1) سورة البقرة: آية 185.
(2) بداية المجتهد: ج 1، ص 295.
(3) نيل الأوطار: ج 4، ص 305.
واستدل للقول الثاني بما روي عن النبي (ص) أنه قال: ليس من البر الصيام في السفر (2).
واستدل للقول الثالث بما روته عائشة قالت: سأل حمزة الأسلمي الرسول (ص) عن الصيام في السفر فقال: إن شئت فصم وإن شئت فافطر (3).
السابع - أن لا تكون المرأة حاملا مقربا أو مرضعا:
قالت الإمامية بذلك ولكن فيما إذا تضررت الحامل المقرب أو تضرر الرضيع لا يجوز لها الصوم حينئذ لأن الضرر محرم وهذا مما لا خلاف فيه بينهم إنما الخلاف بين فقهاء الإمامية في ثبوت القضاء والفدية عليها فيما إذا كان الضرر على نفسها، فقال بعض منهم إنها تقضي ولا تفدي، وقال بعض آخر منهم: عليها أن تقضي وتفدي. وأما إذا كان الضرر على الولد فلا خلاف بينهم في ثبوت القضاء والفدية عليها.
هكذا كله بنظر فقهاء مذهب الإمامية في هذه المسألة، وأما بنظر فقهاء المذاهب الأخرى فيقع الكلام فيه عن جهات:
الأول: اتفق الجميع على صحة صوم الحامل المقرب والمرضع إذا صامتا كما إنهم اتفقوا على جواز الافطار لهما فيما إذا خافت الحامل أو المرضع على نفسها أو ولدها.
____________
(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 296.
(2) صحيح البخاري: ج 3، ص 44.
(3) بداية المجتهد: ج 1، ص 296.
الأول: وجوب القضاء عليهما وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل ومالك والأوزاعي (1).
الثاني: عدم وجوب القضاء عليهما وبه قال عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر (2).
الثالث: وقع الخلاف بينهم في وجوب الكفارة عليها وعدمه على أقوال:
الأول: عدم وجوبها عليهما وبه قال أبو حنيفة والثوري والمزني والزهري (3).
الثاني: وجوبها عليهما وبه قالت الشافعية والحنابلة (4).
الثالث: وجوبها على المرضع دون الحامل وهو المنقول عن مالك بن أنس الأصبحي وعبد الرحمن الأوزاعي (5).
وسبب الخلاف في هذه الجهات: هو كونهما من قبيل من يجهده الصوم وبين من يكون مريضا فمن رأى كونهما من قبيل الأول حكم بوجوب الاطعام عليهما بدليل قراءة من قرأ (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) (6) ومن رأى كونهما من قبيل الثاني حكم بوجوب القضاء عليهما
____________
(1) المجموع: ج 6، ص 267، والمنهل العذب: ج 10، ص 29.
(2) المجموع: ج 6، ص 267، ومختصر المزني: ص 57، اللباب: ج 1، ص 171
(3) اللباب: ج 1، ص 171، المجموع: ج 6، ص 267.
(4) مختصر المزني: ص 57، والمجموع: ج 6، ص 267.
(5) المدونة الكبرى: ج 1، ص 210، والمنهل العذب: ج 10، ص 290.
(6) سورة البقرة: آية 184.
أما القضاء فلكونهما شبيهان بالمرض، وأما الكفارة فمن جهة ما فيهما من شبة الذين يجهدهم الصيام.
وأما من فرق بين الحامل والمرضع فإنه ألحق الحامل بالمريض وأبقى حكم المرضع مجموعا من حكم المريض وحكم الذي يجهده الصوم.
الثامن - عدم السكر والإغماء:
قالت الشافعية: لا يصح منها الصوم إذا غاب شعورهما في جميع الوقت أما إذا كان في بعض الوقت فيصح صومهما ولكن يجب على المغمى عليه القضاء مطلقا سواء كان الاغماء بسببه أو قهرا عنه ولا يجب على السكران إلا إذا كان السكر بسببه خاصة (1).
وقالت المالكية: لا يصح منهما الصوم إذا كان السكر والإغماء مستغرقا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو معظم الوقت أما إذا استغرق نصف اليوم أو أقله وكانا منتبهين وقت النية ونويا ثم طرأ الاغماء أو السكر فلا يجب القضاء (2).
وقالت الأحناف: أن المغمى عليه كالمجنون تماما وحكم المجنون أنه إذا استغرق الجنون كل شهر رمضان فلا يجب عليه القضاء، وإذا جن نصف الشهر وأفاق في النصف الآخر يصوم ما بقي ويقضي ما فات أيام جنونه (3).
وقالت الحنابلة: بوجوب القضاء على السكران والمغمى عليه سواء
____________
(1) مختصر المزني: ص 57، وكفاية الأخيار: ج 1، ص 127.
(2) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصوم
(3) اللباب: ج 1، ص 172، والشرح الكبير: ج 3، ص 25، وفتح القدير: ج 6، ص 46.
راجع: الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصوم وقالت الإمامية: لا يجب الصوم مع الاغماء ولو حصل في جزء من النهار إلا إذا كان قد نوى الصوم قبل الاغماء ثم أفاق فعلية أن يبقى على الامساك. وقالوا بوجوب القضاء على السكران فقط سواء كان السكران بفعله أو لم يكن بفعله ولا يجب على المغمى عليه ولو كان الاغماء يسيرا.
ثانيا - حكم من أكل أو شرب ناسيا لصومه أو جامع:
ينبغي هنا بيان أمور:
الأول: اتفقت جميع المذاهب الإسلامية على جواز الافطار لمن به داء العطش الشديد وإذا استطاع القضا ء فيما بعد وجب عليه وأما الكفارة بمد فهي ثابتة عند الإمامية دون بقية المذاهب.
الثاني: وقع الخلاف بين فقهاء المذاهب في الجوع الشديد في أنه هل يكون من مسوغات الافطار كالعطش الشديد أم لا.
قالت الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: أن الجوع الشديد كالعطش الشديد كل منهما يبيح الافطار.
راجع: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: باب الصوم.
وقالت الإمامية: إنه لا يبيحه إلا إذا استلزم المرض.
الثالث: قالت جميع المذاهب الإسلامية: أن الشيخ والشيخة الهرمين اللذان يجدان حرجا ومشقة لا يقدران معهما على الصوم يرخص لهما بالإفطار وكذلك المريض الذي لا يرجو برؤه في جميع أيام السنة. وأما الفدية بما عن كل يوم فيجب عند الجميع، إلا مالك حيث إنه حكم باستحبابه (1).
____________
(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 301.
وللشافعي وأصحابه في هذه المسألة قولان:
أحدهما: عدم وجوب الامساك عليه اختاره أصحابه.
وثانيهما: وجوب الامساك علية (1).
ثالثا - ما يجب الامساك عنه على الصائم:
وهي أمور:
الأمر الأول:
الأكل والشرب: وبه قالت جميع المذاهب الإسلامية فالأكل والشرب عمدا يوجبان بطلان الصوم والقضاء عندهم وإن قل وقد وقع الخلاف بينهم في وجوب الكفارة بالإفطار متعمدا.
قالت الإمامية والحنفية والمالكية والثورية: بوجوبهما لذلك (2).
وقالت الشافعية والحنابلة والظاهرية: بعدم وجوبها له لاختصاصها بما إذا أفطر بالجماع (3).
ومنشأ اختلاف العامة هو اختلافهم في جواز قياس المفطر بالأكل والشرب على الكفارة فيه.
وأما ما رواه مالك في موطأه من أن رجلا أفطر في رمضان فأمره
____________
(1) المجموع: ج 6، ص 255، بدائع الصنائع: ج 2، ص 302.
(2) القوانين الفقهية: ص 83.
(3) بداية المجتهد: ج 1،: ص 302.
حكم من أكل أو شرب ناسيا لصومه:
وأما من أكل أو شرب ناسيا لصومه قال يوجبان لبطلانه فليس عليه القضاء ولا الكفارة عند الجميع سوى مالك أنه أوجب عليه القضاء فقط (2).
واستدل لعدم البطلان في المحل المفروض بما روي في كفاية الأخبار من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومة فإنما أطعمه الله وصفاه (3).
ولا فرق في ذلك كما أفاده النووي بين كثرة نسيانه وقلته لعموم الخبر فلا يلتفت إلى كلام الرافعي: من أنه يوجب بطلان الصوم إذا كثر نسيانه وأكل أو شرب (4).
وينبغي هنا التنبيه على أمر وهو:
أنه وقع الخلاف في وجوب الامساك عما يرد الجوف مما ليس بمغذ، وعما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشراب مثل الحقنة، وعما يرد باطن سائر الأعضاء ولا يرد الجوف مثل ما يرد الدماغ دون المعدة وعدم وجوب الامساك عنه، فمن رأى أن الصوم معقول بالمعنى وأن المقصود منه هو الجوع وعدم التغذي لم يلحق المحل المفروض بالمغذي في ناحية الحكم فلم يحكم بوجوب الامساك عنه، ومن رأى أن الصوم عبادة غير معقولة بالمعنى وأن المقصود منه إنما هو الامساك فقط عما يرد الجوف كالأكل ألحق المحل
____________
(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 303.
(2) الموطأ: ج 1، ص 306.
(3 و 4) كفاية الأخيار: ج 1 ص 127.
يمكن أن يقال بالأول لانصراف الأدلة إلى ما هو المتعارف للأكل والشرب وإلى الطريق المتعارف من الأكل والشرب فإذا بلغ حصاة ونحوها لا يوجب بطلان صومه لعدم كونها من المأكول وكذا لو شرب الماء من طريق أنفه لا يوجب بطلان صومه لعدم كونه طريقا متعارفا للشرب.
ولكن الحق أن دعوى الانصراف هنا لا وجه لها وذلك:
أما أولا: فلعدم الانصراف.
وأما ثانيا: فبدوي فلا عبرة به فالضابط أنه يفطر بكل عين وصلت من الظاهر إلى الباطن عبر منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصيام.
الأمر الثاني: الجماع عمدا:
فإنه مبطل للصوم وموجب للقضاء والكفارة عند جميع فقهاء المذاهب. واستدل لذلك بحديث أبي هريرة أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: هلكت يا رسول الله قال: وقعت على امرأتي في رمضان قال:
هل تجد ما تعتق به رقبة قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتاليين قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم به ستين مسكينا قال: لا. ثم جلس فأتى النبي (ص) بفرق فيه تمر فقال: تصدق بهذا. فقال: أعلى أفقر مني فما بين لا بيتها أهل بيت أحوج إليه منا. قال: فضحك رسول الله (ص) حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب فاطعمه أهلك (1).
وكيف كان فالكفارة هي عتق رقبة أو صيام شهرين متتاليين أو إطعام ستين مسكينا هذا مما لا خلاف فيه بينهم إنما الخلاف بينهم في أن هذه
____________
(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 302.