وإذا سرت مع سورة الشورى، وفيها آية المودّة كما تعلمون، وفي خواتيمها العجب العجاب عن الإمامة!
نحن قلنا: إنّ الإمامة بدأت في بني إسرائيل بخطاب سارة، وفي آل عمران، وآل عمران هؤلاء يتلخصون في مريم بنت عمران، يعني الله تعالى جعل من مريم سبباً للآل وجعل سارة سبباً للآل، وسترون في سورة الشورى أنه يجعل من الزهراء صلوات الله عليها سبباً للآل، أنْ خلقها الله وصوّرها بضعة من أبيها يريبها ما يريبه(2)، لكي يجعل من رحمها مستودعاً لأطهر النطف، ولكي ينبثق منها نور الإمامة.
____________
1 - الشورى: 15.
2 - انظر: فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 78، السنن الكبرى للنسائي: 5/97 (8370).
كل حقيقة تحتاج إلى وسم لمعرفة أحقيتها وأصالتها ومداها، والميزان هنا الإمام الذي يكون مع الكتاب وضامناً لعدم تحريفه وعدم أن يضرب بعضه ببعض.
(اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)، هذا استطراد، فالآية تواسي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وتقول له: مهلا فالساعة قريبة وسيلقون جزاءهم على عبثهم بالميزان، (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحَقُّ ألاَ إنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلاَل بَعِيد) إلى قول الحقّ تبارك وتعالى: (تَرَى الظَّالِمينَ)(1).
لاحظوا تعبير الظلم، الظلم ينطوي على كفر، ولكن الظلم هنا كفر بعد إيمان، الظلم والفسق كفر بعد إيمان، بدليل قوله تعالى: (وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّن افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إنَّهُ لاَيُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(2)، يعني يوجد إيمان تمّ فيه بغي أضفى وصف الظلم على الظالمين، (تَرَى الظَّالِمينَ مُشْفِقينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُو وَاقِعٌ
____________
1 - الشورى: 17 ـ 23.
2 - الأنعام: 21.
يعني: بعد أن بيّن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ هدى الله استقر فيه وفي الأئمة من بعده، وأنّ الأئمة هم الميزان مع الكتاب، فهذا أمر الله، والخروج عن هذا الميزان ظلم، ونتيجة الظلم الخلود في النار، ويومها لا ينجو إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
فلمّا تمت البشرى لهم جاء طلب الأجر بالمودّة: (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنَاً إنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ * أمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإنْ يَشَأ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ البَاطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(3).
في بعض الروايات عند السنة ـ لاحظوا قولهم ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً) في أيّ شيء هنا؟ لمّا بلّغهم بالإمامة وبيّن لهم
____________
1 - الشورى: 22.
2 - الشورى: 22 ـ 23.
3 - الشورى: 23 ـ 24.
ولما عوتب بُعيد ذلك قال: ما تظنون كان سيكتب رسول الله؟ كان سيكتب الأمر لعلي بن أبي طالب(3).
قوله هذا إن لم يكن قد صحّ إسناداً فهو ممّا يفترض في سلوكه ـ يعني هو ليس محتاج لقول ـ الذي حاك في صدره هو أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سيوصي كتابة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فإمّا أنّه ظنّ أنّ رسول الله يفتري على الله فيكون قد كفر، أو ظن أنّ هذا من أمر الله ولكنّه لا يريد أمر الله والحال واحد.
____________
1 - البخاري: 5 / 137.
2 - صحيح مسلم: 5 / 76، سنن النسائي: 3 / 433، مسند أحمد: 1 / 325، فتح الباري: 1/186.
3 - أنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/78 و79، المسترشد: 681.
[هبة الإمامة مرتبطة بأنوار الزهراء(عليها السلام)]
حسناً، ما الذي يدلّ على أنّ الهبة ـ هبة الإمامة ـ مرتبطة بأنوار الزهراء صلوات الله عليها؟
ها هي سورة الشورى تتحدّث عن اختيار الأنبياء بدءاً من نوح (عليه السلام) إلى اختيار الأئمة وفرض المودّة، ثمّ تختم بأنّ الله عزّ وجلّ لا يُنازع في ملكه ولا يُعترض عليه في قضائه وقدره لا يُقدّم عليه ولا يؤخر عليه، لقوله تعالى: (للهِِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثَاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورُ * أوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرانَاً وَإنَاثَاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إنَّهُ عَليمٌ قَديرٌ)(1).
الهبة هنا بدأت بالإناث، ثمّ قال: (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورُ)، أي: يهب لمن يشاء الذكور المناسبين للإناث، لأنّ الإناث هنّ التربة، هنّ المستودع الذي تستودع فيه النطف، ولذلك قلنا: إنّ سارة ارتبط بها آل البيت، مريم بنت عمران التي يصفها الحقّ بقوله: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ)(2).
اعلموا يا أحباب: إنّ من أقوى الأدلّة العقلية والنقلية على
____________
1 - الشورى: 49 ـ 50.
2 - التحريم: 12.
بنو إسرائيل كانوا لا يتصورون أن يكون نبي من غيرهم!
مريم مشهود لها صلوات الله عليها، فقد قرأت خبراً عن الإمام الصادق (عليه السلام) في مجمع البيان، وقرأت تصديقه في الإنجيل صحيح (مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)(2).
إنّ مريم البتول الطاهرة العذراء لمّا جاءها ملك الربّ وتمثل لها وهي في خلوة، وفي الإنجيل أنها اعتزلت تغتسل فبرز لها ملك الربّ بشراً سويّاً فاشتد فزعها! آيات إنجيل متى تقول: فزعت البتول ممّا ترى ولم تجد شيئاً تستتر به، إلى أن تقول: أعوذ بك إن كنت تعرف الربّ، (قَالَتْ إنِّي أعُوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إنْ كُنتَ تَقِيّاً * قَالَ إنَّما أنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلامَاً زَكِيّاً)(3).
____________
1 - الصف: 6.
2 - المائدة: 48.
3 - مريم: 18 ـ 19.
وفي الإنجيل أنها غداة وعشي وولد يسوع، والذي قرأته مسنداً إلى الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ حملها استمر تسع ساعات(2).
إذن عيسى (عليه السلام)ينادي: نضب الخير فيكم يا بني إسرائيل، من يستحق أن يكون فيكم زوجاً لمريم؟
وفي نفس الوقت لا زال في تقدير الله رسول، حتى لا يقول اليهود عندما يبعث ـ لاحظ التمييز لرسول الله ـ (وَمُبَشِّراً بِرَسول يَأتِي مِنْ بَعدِي اسمُهُ أحَمَدٌ)(3)، لأنّ اليهود عندهم اعتقاد ونصوص أنهم أبناء الأنبياء والنبي منهم، فحتّى لا يحتجّوا على الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقولون لا يمكن أن يكون رسول إلاّ من بني إسرائيل، فيجاب عليهم كيف وقد انتهيتم؟! فإنّ عيسى بغير أب منكم، حتى أنّ عيسى في خطابه لا يقول لبني إسرائيل يا قومي أبداً، عيسى بن مريم رسولا إلى بني إسرائيل، فيجاب عليهم كيف
____________
1 - مريم: 22 ـ 23.
2 - أنظر: مجمع البيان: 6 / 417.
3 - الصف: 6.
الأُنثى الطاهرة في سورة النور، يقدم الله ذكر الطيّبات على الطيبين يقول: (الطَيِّبَاتُ لِلطَّيِّبينَ) كما يقول (الخَبِيثَاتُ لِلخَبيثينَ)(1)، يقدّم ذكر الأُنثى ثمّ يأتي بذكر الذكر، إشارة إلى أنّه إذا نظف الرحم وطهر المستودع كان قميناً بأن ينجب الرجال، ولذلك صحّ القول المأثور: " ما كان لفاطمة كفو غير علي "(2).
هذا خلق من أجلها، وهذا هو الاختيار!
[عودٌ على بدء]
وكما بدأت حديثي معكم بأنّ الاختيار موجود في كل الكائنات جماداً ونباتاً وحيواناً، أقول لكم: أنتهي أيضاً إلى التأكيد على أنّ الذي يمارس الاختيار في الإنسان عليه أن يتأمّل في مملكة النحل ومملكة النمل والهدهد!
أيها الأحباب، آيات في كتاب الله غريبة المأخذ والمنتهى ولا تقف عند حدّ لو تأملنا فيها، الله يقول: (وَمَامِنْ دَابَّة فِي الأرضِ وَلاَ طَائِر يَطيرُ بِجَنَاحَيهِ إلاّ أُمَمٌ أمثَالُكُمْ مَا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ
____________
1 - النور: 26.
2 - روضة الواعظين: 146، مناقب ابن شهر آشوب: 2 / 29، بحار الأنوار: 43 / 101، وانظر: نفس المصدر: 43 / 92 و 107 بألفاظ أخرى.
[الاختيار في مملكة النحل]
تعالوا نتأمل الإختيار في مملكة النحل، وهو الاختيار المذهل الذي دعى إلى أن يختصّ النحل بسورة من طوال السور في القرآن، ويختصّ بوحي، ومعجزة النحل وحدها دليل على الإمامة، الله يقول: (وَأَوحَى رَبُّكَ إلى النَّحلِ)، ياهل ترى جمع مذكر أم جمع مؤنث؟
سيظهر في الخطاب الآتي: (وَأوحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أنِ اتَّخِذِي)، فقد عدل بعدما كان يخاطب جمعاً، عدل في الأمر الصادر وكأنّه يخاطب مفرداً مؤنثاً، لأنّ لا جمع مؤنث أن اتخذن، ولا جمع مذكر: اتخذوا، قال: (أنِ اتَّخِذي مِنَ الجِبَالِ بُيوتَاً وَمِنَ الشَّجرِ وَمِمَّا يَعرِشونَ)(3).
لقد أصبح معلوماً ـ وأيّ دارس في الإعدادية يعرف ـ أنّ في مملكة النحل ملكة.
____________
1 - الأنعام: 38.
2 - فاطر: 24.
3 - النحل: 68.
هل جاءت من السقيفة؟! أم اختاروها بالسقيفة؟!
إذن كيف جاءت هذه الملكة؟
بيض النحل عندما يفقس، يفقس عن ثلاثة أنواع: ذكور، وعاملات، وواحدة فقط ملكة.
فالذكور وظيفتهم التلقيح فقط، والعاملات مهمتهن الخدمة فقط، والملكة مهمتها توجيه الخلية.
علماء النحل يقولون: إنّ الخلية عندما تريد أن تهاجر من مكان إلى مكان فإنّ أيتام النحل يدورون حول الملكة ولا يغادرون المقر، وتطير الملكة فيتبعها النحل ولا يتخلّف عنها.
ولو فقس بيض الملكة عن أكثر من ملكة يستحيل أن تبقى الملكتان في الخلية، لابدّ أن تنفصل واحدة ببعض العاملات وتغادر لتكوّن خلية جديدة، لا إمامان في خلية. فملكة النحل هذه كيف اكتسبت صفاتها؟
هذه صفات تكوينية من الله عزّ وجلّ، ولأجل أن يضرب المثل بها، فإذا كانت حشرة قد انتظمت في طاعة إمامها وانتظمت في طاعة قائدها فأنتجت عسلا وشهداً وشفاءً للناس، فكيف لو انتظم الناس في طاعة إمامهم دون أن يدخلوا في المجادلة والمشاحّة، فماذا كانوا ينتجون؟
والله لو أنّهم انخرطوا فيها ـ إذا كان الحق يقول لأهل
[الاختيار في الهدهد]
ثم اسمع يا أخي قصة الهدهد مع سليمان(عليه السلام):
أتظنّ أنّ الهدهد الذي يقصّ القرآن خبره مع سليمان شأنه كشأن كل الهداهد؟!
لو ظننت هكذا يا أيها الإنسان لأخّرت الإنسان عن مرتبة الهدهد، لو كان هدهد يعرف ما يعرفه هدهد سليمان(عليه السلام)!
لا، فهذا هدهد مختار يا حبيبي، هدهد له اختيار، فلأجل أن يلقّن البشرية طائر على امتداد التاريخ درساً في أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، درس هذا الهدهد لم يستوعبه بعض أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أطاعوا معاوية!!
(وَحُشِرَ لِسُلَيمانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ والإنسِ وَالطَّيرِ فَهُمْ
____________
1 - المائدة: 66.
2 - الجن: 16.
من أدبه (عليه السلام) أن يتهم نفسه أوّلا بأنّه لم يره وإلاّ فهو غائب، فلمّا تحقق أنّه غائب، غضب فهدّد، فلمّا جاء الهدهد هدّده بالتعذيب أو الذبح: (لاَُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَديداً أوْ لاََذْبَحَنَّهُ أو لَيَأتِيَنّي بِسُلْطَان مُبين * فَمَكثَ غَيرَ بَعيد)(3).
سياق الآية هنا يدلّ على ماذا؟
أنّ الهدهد جاء يقول لسليمان(عليه السلام) قولا يدل على أنّه أحاط بقول سليمان قبل أن يأتي، لأنّه لمّا جاء: (قَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)، يعني جاء يقدم دفاعه بدلالة أنه أحاط بالتهمة قبل أن يُحاط بها في المجلس، أيّ شيء هذا؟!
(قَالَ أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَاً بِنَباً يَقين * إنِّي وَجَدتُ امرَأةً تَملِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيء وَلَها عَرْشٌ عَظيمٌ)(4).
____________
1 - النمل: 17.
2 - النمل: 20.
3 - النمل: 21 ـ 22.
4 - النمل: 22 ـ 23.
أليس هذا هدهد مختار؟ يعني هل يصحّ أنّ الهداهد الثانية التي نراها في زماننا تعاند فيه وتقول نحن نريد أن نكون كهدهد سليمان؟ يعني مثل ما أحبّ البعض أن يكون معاوية أميراً للمؤمنين!!! لا حول ولا قوة إلاّ بالله..
هذه الصفات التي أرادها الله اختياراً وتكويناً.
[الاختيار في النملة]
ونملة سليمان(عليه السلام)!
لمّا مرّ سليمان(عليه السلام) على وادي النمل (قَالَتْ نَملَةٌ يَا أيُّها النَمْلُ ادخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)، واضح من النصّ أنّه لو كان النمل كلّه عنده القدرة التي عندها في رؤية الخطر لما احتاج للتنبيه أو كان على الأقل ينبّه من قبل أكثر من نملة، يعني لو كان الخطر مرئي وأحسّ به الجميع كانت الصورة مختلفة.
(قَالَتْ نَملَةٌ يَا أيُّها النَّملُ ادخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)، فهي لم تتفرّد
____________
1 - النمل: 28.
يعني لو واحد من بني أمية شاهد الخطر فإنّه يجري ليخلّص نفسه ولا يخبر الناس.
(قَالَتْ نَملَةٌ يا أيُّها النَّملُ ادخُلوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيمانُ وَجُنودُهُ وَهُمْ لاَيَشعُرُونَ)(1).
[الإمامة تسري في المادّيات]
أيها الأحباب: إن الإمامة تسري في الكون حتى في الماديّات! إن ما نقرأه عن البروتونات والنيوترونات والإلكترونات رغم أنّه بسيط فإنّه غريب إنّ الذرة التي تتكون من نواة وإلكترونات تدور حول نواة الذرة التي فيها، والنواة لها مركز ثابت وتتحرك بثبات.
مَن الذي صنع لهذه النواة هذا المركز وللإلكترونات هذه المدارات؟
[مسك الختام]
أيها الأحباب: إنّ الله الذي أكرمكم بأن جعلكم من أصحاب الولاء لمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يندبكم لأمر عظيم، لأن تتهيّأوا، ولأن تكونوا في كتيبة الإمام القائم صلوات الله عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
____________
1 - النمل: 18.
الإجابة على الأسئلة
(س): رغم وجود الآيات الكثيرة ـ كما تفضّلتم ـ حول موضوع الإمامة والولاية في القرآن الكريم وعلى رأسها آية الولاية المعروفة وهي قوله تعالى: (إنَّما وَليُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(1)، ورغم أنّ المفسرين جميعاً اتفقوا على أنّها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكنهم يؤوّلون معنى الولاية والإمامة في الآية إلى ما ليس لها، فما رأيكم في هذا الموضوع، وكيف يمكن أن نقنع المخالفين لنص القرآن وروايات أهل البيت (عليهم السلام)؟
(ج): بسم الله الرحمن الرحيم.. ابتداءً: منهج القرآن في البيان ينصّ على أنّه لا يبيّن القرآن إلاّ ربّ القرآن ومَن ائتمنهم على البيان، فالله تعالى يقول في سورة القيامة: (لاَ تُحرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ * إنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ * فَإذَا قَرَأناهُ فَاتَّبِعْ قُرآنَهُ * ثُمَّ إنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ)(2)، وانتبه إلى " ثم " هنا، لأن معناها على سبيل التراخي إلى يوم القيامة (علينا بيانه)، فما دام الحق يسند بيان القرآن إليه فكلّ مَن نطح برأسه الآيات يحاول أن يؤوّل فتأويله من حيث المبدأ مرفوض، إذ ليس من شأنه أن يتناول القول الإلهي
____________
1 - المائدة: 55.
2 - القيامة: 16 ـ 19.
فمن حيث المبدأ هذا قول غير مقبول شكلا بلغة القانون.
(س): بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الأستاذ الجليل: أسأل كما هو الوارد عند الكثير من أهل السنة: هو أنه إذا كانت مسألة الإمامة ـ كما تفضلتم بها، وكذلك كما هو وارد في الروايات الشيعية وروايات أهل السنة ـ لها هذه الأهمية بحيث أنها تصبح مسألة هامة يرتبط بها تنظيم الكون، فلماذا لم تكن واضحة بنفس الصورة التي اتضحت فيها صورة النبوة في القرآن الكريم؟
(ج): بسم الله الرحمن الرحيم.. إنّ الله تعالى يتعبد الناس بالإذعان له، والإذعان ماذا يعني؟ يعني القبول بالحكم حينما يبدو ويظهر، ولذلك يقول تعالى: (لاَتَسأَلُوا عَن أَشيَاءَ إنْ تُبدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ وَإنْ تَسأَلُوا عَنْها حِينَ يَنَزَّلُ القُرآنُ تُبْدَ لَكُمْ)(1).
فالإمامة من البداهة في القرآن بحيث أن الذين كانوا معاصرين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) في الغدير
____________
1 - المائدة: 102.
فالذين عاصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشكّوا في أن الإمامة انعقدت لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، لكنّما كبر عليهم ذلك! وصدّهم الشيطان عن الإستجابة لأمر الله ورسوله، فأدخلوا التشويش فيما هو واضح.
يا ولدي، الأمر في غاية الوضوح، فأي وضوح أكثر من سورة هود في الآية 16 وهي تقرن أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنبياء بني إسرائيل وتعتبره مساو لهم جميعاً: (أَفَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنَة مِن رَبِّهِ)الذي هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (وَيَتلُوهُ شَاهِدٌ مِنهُ)، وقد أجمع علماء التفسير على أن المقصود بـ (شَاهِدٌ مِنْهُ) مَن قال له: " أنت مني وأنا منك "(2)، وهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)(وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنهُ وَمِنْ قَبلِهِ كِتَابُ مُوسى إمَاماً وَرَحمَةً)(3).
فالآية تقول: أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) مجمع النور الذي قبله كتاب موسى ومنبع النور الذي بعده في الشاهد منه وهو علي بن أبي
____________
1 - تاريخ بغداد: 8 / 284، البداية والنهاية: 7 / 386، شواهد التنزيل: 1 / 204، التفسير الكبير للرازي: 12 / 401 وغيرها من المصادر التي ذكرت هذه العبارة.
2 - صحيح البخاري: 3/168 و4/207 و5/85، خصائص النسائي: 88 و122 و151 و152، المستدرك للحاكم: 3/120، السنن الكبرى للبيهقي: 8/5 و6.
3 - هود: 16.
يا ولدي، أكثر من أن ينزل قوله تعالى: (يَا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزلَ إلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفعَلْ فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(2)، إرجع إلى كتب التفسير عند السنة، وتحديداً إلى فتح القدير للشوكاني في تفسير الآية 67 من سورة المائدة واقرأ ما يورده من الروايات التي لا توجد حتى في مصادر الشيعة، حيث يورد بسنده عن ابن مسعود قال: " كنّا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يَا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إلَيكَ مِنْ رَبِّكَ) أنّ علياً مولى المؤمنين (وَإنْ لَم تَفعَلْ فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ)(3).
يعني هم كانوا يعلمون أن المعني بالبلاغ ولاية أمير المؤمنين ولكنهم (جَحَدُوا بِهَا وَاستَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوَّاً)(4).
____________
1 - القمر: 17.
2 - المائدة: 67.
3 - فتح القدير: 2 / 60، واعلم أنّ الاضافات في هذه الآية تحمل على التأويل، لا على التحريف، بالأخصّ إذا علمنا أن جبرئيل(عليه السلام) لمّا كان ينزل بالآيات القرآنية، كان في بعض الأحيان يقرئها بالتأويل، فكثير من الروايات أمثال هذه محمولة على أنّها نزلت مع التأويل.
4 - النمل: 14.