الصفحة 105
ابن رجب الحنبلي ممن يعتقد كفر ابن تيمية وله عليه الرد، وكان يقول بأعلى صوته في بعض المجالس: معذور السبكي في تكفيره " (1).

وقال الفقيه ابن حجر - أحد كبار علماء الشافعية -: " وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما - ممن اتخذ إلهه هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله - وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك، بل هم على أسوأ الضلال وأقبح الخصال وأبلغ المقت والخسران وأزهى الكذب والبهتان، فخذل الله متبعهم وطهر الأرض من أمثالهم " (2).

وقال أيضا: " ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمه وأذله، وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الحمد بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية " (3).

وقال المجتهد تقي الدين السبكي: " أما بعد، فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الاركان والمعاقد، بعد ان كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة مظهرا انه داع إلى الحق هاد إلى الجنة، فخرج من الاتباع إلى الابتداع وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في ذات المقدس وأن الافتقار إلى الجزء ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى وأن

____________

1 - دفع شبه من شبه وتمرد للحصني: ص 123.

2 - الفتاوى الحديثية: ص 203.

3 - المصدر السابق: ص 114.

الصفحة 106
القرآن محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم، والتزامه بالقول بأ نه لا أول للمخلوقات، وقال بحوادث لا أول لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاثة والسبعين التي افترقت عليها الأمة ولا وقفت به مع امة من الامم همة، وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تقل جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع " (1).

3 - وقال شيخ الإسلام الذهبي - تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية! - في رسالته زغل العلم التي وجهها لابن تيمية: " فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وآراء الأوائل ومحارات العقول واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة واصول السلف ولفقت بين العقل والنقل، فما اظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقاربها، وقد رأيت ما آل أمره إليه من الحط عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحق وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منورا مضيئا على محياه سيماء السلف ثم صار مظلما كسوفا " (2).

وقد نودي على ابن تيمية بدمشق: " من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله " (3).

وقد كفر ابن تيمية قضاة المذاهب الأربعة في مصر، حين حرم زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصدر الشاميون فتيا، وكتب عليها البرهان ابن الفركاخ الفزاري نحو أربعين سطرا بأشياء إلى أن قال بتكفيره، ووافقه على ذلك الشهاب بن جهبل، وكتب تحت خطه كذلك المالكي، ثم عرضت الفتيا لقاضي القضاة الشافعية بمصر، البدر بن جماعة

____________

1 - الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية: ص 1 - 2.

2 - هناك كلام للذهبي في الثناء على ابن تيمية ولكن رسالته هذه " بيان زغل العلم " كتبها متأخرا.

3 - الدرر الكامنة، ابن حجر العسقلاني: 1 / 147. مرآة الجنان، اليافعي: 2 / 242.

الصفحة 107
فكتب على ظاهر الفتوى: الحمد لله، هذا المنقول باطنها جواب عن السؤال عن قوله: إن زيارة الأنبياء والصالحين بدعة. وما ذكره من نحو ذلك ومن أنه لا يرخص بالسفر لزيارة الأنبياء باطل مردود عليه، وقد نقل جماعة من العلماء أن زيارة النبي فضيلة وسنة مجمع عليها، وهذا المفتي المذكور - يعني ابن تيمية - ينبغي أن يزجر عن مثل هذه الفتاوى الباطلة عند الأئمة والعلماء، ويمنع من الفتاوى الغريبة، ويحبس إذا لم يمتنع من ذلك، ويشهر أمره ليحتفظ الناس من الاقتداء به.

وكتبه محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي، وكذلك يقول محمد ابن الجريري الأنصاري الحنفي: لكن يحبس الآن جزما مطلقا.

وكذلك يقول محمد بن أبي بكر المالكي: ويبالغ في زجره حسبما تندفع تلك المفسدة وغيرها من المفاسد.

وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي (1).

وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: " ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع... وأما مقالاته في أصول الدين... أن العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوقا دائما... ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال وهو مردود...

واستغفر الله من كتابة مثل هذا فضلا عن اعتقاده " (2).

وشنع على ابن تيمية ورد عليه المجدد ابن دقيق العيد واليافعي في " مرآة الجنان " وملا علي القاري في شرحه على الشفا والشهاب الخفاجي، ومحمد الزرقاني المالكي، والمناوي الشافعي، وابن حجر العسقلاني في فتحه، والحافظ زين الدين العراقي وولي الدين العراقي وغيرهم الكثير (3).

____________

1 - راجع الغدير، الأميني: 5 / 87 نقلا عن تكملة السيف الصقيل، محمد زاهد الكوثري: ص 155.

2 - التنبيه والرد، السقاف، عن مخطوط كتاب ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر: للحافظ ابن طولون الحنفي: 32 - 33 ونقله السقاف عن كتاب التوفيق الرباني.

3 - فراجع بعض أقوالهم في كتاب التنبيه والرد على معتقد قدم العالم والحد: ص 14 - 23.

الصفحة 108

للسلفية شطحات

في شرح عبد العزيز البخاري على أصول البزدوي: " سئل واحد من أهل الحديث عن صبيين ارتضعا لبن شاة، هل تثبت بينها حرمة الرضاع؟

فأجاب: بأ نها تثبت عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: " كل صبيين اجتمعا على ثدي واحد حرم أحدهما على الآخر "! (1).

ومن شطحات السلفية العظيمة قول ابن تيمية بقدم العالم بالنوع، أي أن الله لم تزل معه المخلوقات منذ الأزل وأن الحوادث لا أول لها (2)!!!

وقال في كتابه شرح حديث عمران بن حصين: " وإن قدر أن نوعها لم يزل معه فهذه المعية لم ينفها شرع ولا عقل بل هي من كماله ".

وحتى يتضح لك - أخي المسلم - صحة هذه العقيدة عند ابن تيمية والسلفية انظر ما قاله معلقا على كلام ابن حزم. قال ابن حزم تحت باب من الإجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه بإجماعه " اتفقوا أن الله (3) وحده لا شريك له خالق كل شئ غيره وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شئ غيره معه... ".

قال ابن تيمية معلقا: " وأعجب من ذلك حكايته - أي ابن حزم - الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شئ معه " (4).

هذا ابن تيمية يدافع عن اعتقاده السابق بكل ثقة فليتأمل الباحثون!

وعند ذكر حديث " كان الله ولم يكن شئ قبله " قال ابن حجر العسقلاني: " وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب، وهي من مستشنع

____________

1 - 1 / 17 - 18.

2 - راجع أقواله في: صحيح المنقول لصريح المعقول على هامش منهاج السنة: 2 / 75.

المنهاج 1 / 109...

3 - نقد مراتب الإجماع: ص 167.

الصفحة 109
المسائل المنسوبة لابن تيمية " (1).

وقد نقل ابن حزم الإجماع على كفر من قال بأن كان الله وكان معه شئ " (2).

وقال القاضي عياض: " وكذلك نقطع على كفر من قال بقدم العالم أو بقائه أو شك في ذلك على مذهب بعض الفلاسفة والدهرية " (3). وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي في كتابه المعتمد " والحوادث لها أول ابتدأت منه خلافا للملحدة " (4).

هذه عقيدة السلفية: إن المخلوقات لم تزل مع الله فهي قديمة!! فأين هذا الاعتقاد من الإسلام؟ وكيف يقبل المسلم أن يعتقد بأن الحوادث لا أول لها؟!

فهذا الخطأ الجسيم في حق الله يكفي لأن يجعل أولي الألباب يضعون علامات الاستفهام على هذا الاتجاه، وكل إنسان محاسب على اعتقاده!

ويقول ابن تيمية: " ولو قد شاء الله لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم " (5)!!!

وقال ابن تيمية: " إن الله تعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكانا يقعد فيه معه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ".

وذكر هذا القول ابن القيم في بدائع الفوائد وذكر أنه قول السلف (6). وقال الخلال الحنبلي عن هذا الاعتقاد: " من رده فقد رد على الله (7) " (8).

عجبا كيف يسوغ مسلم لنفسه أن يعتقد هذا الاعتقاد؟

____________

1 - فتح الباري: 12 / 410.

2 - مراتب الإجماع: ص 167.

3 - الشفا: 2 / 606، وكذلك النووي يكفر معتقد قدم العالم كما في الروضة: 10 / 64، وراجع فيما سبق:

التنبيه والرد على معتقد قدم العالم والحد، السقاف الشافعي.

4 - راجع التنبيه والرد.

5 - التأسيس: 1 / 568.

6 - 4 / 39 - 40.

7 - راجع نقد كتاب منهج الأشاعرة في العقيدة، السقاف الشافعي: ص 26.

الصفحة 110
فهذا الاعتقاد يصور الله بأنه جالس على الكرسي مع أن الله خالق الكرسي (1)، ويصور الله بأنه محدود يسعه كرسي ويحويه مكان والله خالق المكان، ويصور الله بأنه يجلس كالإنسان كما يدل قوله " وقد أخلى منه مكانا يقعد فيه معه رسول الله ".

ويعتقد السلفية أن الله في جهة كما مر في اختلافات السلفية وقد نقل المحدث علي القاري اجماع الأمة على كفر من اعتقد بأن الله تعالى في جهة (2).

وفي كتاب إتحاف الكائنات لمحمود خطاب السبكي: " إن الإمام العراقي صرح بكفر معتقد الجهة، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو الحسن الأشعري والباقلاني " (3).

ويثبت السلفية الحد لله " قال أبو سعيد - أي الدارمي - والله تعالى له حد ولا يعلمه أحد غيره ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه، ولكن يؤمن بالحد ويكل علم ذلك إلى الله، ولمكانه أيضا حد... فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد، ومن لم يعترف به فقد كفر بتنزيل الله وجحد آيات الله " (4).

وألف أحد السلفية كتابا يثبت فيه الحد لله وأن الله قاعد وجالس على عرشه (5).

ونفى الحد عن الله أبو حنيفة والشافعي وشارح الطحاوية والبيهقي وابن حجر وابن دقيق العيد والحافظ العلائي وابن حبان (6).

وقال السلفية: إن لله يدين ورجلين ووجها وعينين وخمسة أصابع وأنه يضحك ويأتي يوم القيامة ولا يعرفه المؤمنون. واستدلوا لما يقولون بأن الله أثبت لنفسه هذه

____________

1 - إلا أن نعتقد كما يعتقد ابن تيمية أن الكرسي لم يزل مع الله - والعياذ بالله -.

2 - راجع التنبيه والرد نقلا عن شرح المشكاة: 2 / 137.

3 - المصدر السابق: ص 17.

4 - المصدر السابق، نقلا عن موافقة صريح المعقول المطبوع بهامش المنهاج: 2 / 29.

5 - المصدر السابق.

6 - المصدر السابق: ص 32.

الصفحة 111
الصفات وأثبتها له رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحين قال الله تعالى لأبليس: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) (1) فهو أثبت لنفسه اليدين، ومن قوله تعالى (كل شئ هالك إلا وجهه) (2) استدلوا على أن لله وجها، وهكذا بقية الصفات. فالسلفية يفهمون هذه الألفاظ على حقيقتها وليس هناك مجاز في القرآن!

ونحن لو نظرنا لمنهج السلفية الذي اختطوه لأنفسهم " كل القرآن حقيقة " وجدناه يتعارض مع البداهة العقلية بل إنه مناقض لنفسه، فإن إثبات هذه الصفات لله يستلزم التركيب لذاته فهو مركب من وجه ويدين ورجلين... وهذا مرفوض لأن كل مركب مخلوق والمركب يحتاج إلى من يركبه. وكما قلت: إن منهج هؤلاء، الذي يدعو إلى الجمود على ظواهر الألفاظ دائما، وعدم تجاوز حرفيتها، منهج يبطل نفسه بنفسه، لا سيما إذا طبقناه على بعض آيات الصفات التي لها تركيبها وصياغتها الخاصة من مثل قوله تعالى:

(كل شئ هالك إلا وجهه) (3) فيكون المعنى حسب منهجهم هلاك أعضاء الله التي أثبتوها له في الفهم الحرفي لآيات أخرى كاليدين والرجلين والعينين ولا يبقى من كل ذلك إلا وجهه الكريم، نستغفر الله من هذا الفهم الهزيل.

كذلك لو أخذنا قول الله تعالى عن القرآن: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (4) لوجب القول في أن للقرآن يدين!! فإذا شاهدنا يدي القرآن وأصابعه! آمنا بما يقولون!!!

وخذ - أخي المسلم - قول الله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) (5) وسل السلفية هل للذل جناح؟!! وإذا كان له جناح - وهو ملزم لهم -

____________

1 - سورة ص: 75.

2 - القصص: 88.

3 - القصص: 88.

4 - فصلت: 42.

5 - الإسراء: 24.

الصفحة 112
فليتهم يتصدقون علينا بريشة منه!! (1).

قد يهون الأمر إذا لم يمس مصير خلق الله، قال تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) (2) فعلى قاعدة أن كل ألفاظ القرآن تحمل على الحقيقة فهذه الآية تعني: من كان أعمى البصر في الدنيا فهو كذلك في الآخرة. مع أن المقصود عمى البصيرة! فهذا المنهج في التعامل مع النصوص ينقضه القرآن نفسه.

وقد أخبرنا أحد أساتذتنا ممن يدرسون العقيدة السلفية أن هناك رأيا يميل إلى أن الحقيقة فقط في آيات الصفات. وهذا القول مناقض لما قرره السلفية من أن القرآن صفة إلهية. فعلى هذا لا يجوز تأويل القرآن ككل!!

وقال السلفية: إن الله في السماء (3) يرى كما يرى القمر. مع أن الله (4) نفى هذا الشئ عن نفسه بصريح العبارة فقال: (لا تدركه الأبصار) (5) وقال مخاطبا موسى (عليه السلام) حين طلب رؤيته: (لن تراني) (6) ولن: تفيد التأبيد.

إن نظرة واحدة إلى مصير بني إسرائيل الذين طلبوا رؤية الله تكفي لأن تجعلنا نرفض هذا الاعتقاد. قال الله على لسان بني إسرائيل: (واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) (7).

فلو كانت رؤية الله أمرا مشروعا لما عاقبهم الله هذا العقاب، ولوعدهم برؤيته

____________

1 - هذا المعنى مأخوذ من أبي تمام لقصة حدثت معه.

2 - الإسراء: 72.

3 - لا بد هنا أن أشير لهذه الطرفة، فقد كان أحد اساتذتنا السلفية يستدل على وجود الله في السماء بدليل:

إننا نرفع يدينا في الدعاء إلى السماء، ومرة انتقد أحد مشايخنا الأشاعرة هذا الاعتقاد فقال: إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد " فعلى قولهم هذا يجب أن نسجد للأعلى لا للأسفل!!!

4 - الأنعام: 103.

5 - الأعراف: 143.

6 - البقرة: 55.

الصفحة 113
يوم القيامة أو في نفس اللحظة حتى يقيم الحجة عليهم، ولكن لما كان طلبهم مستحيلا وتجاوزا للحد حل بهم عذاب الله، وإلا كيف يعاقب الله على أمر مشروع أثبته في قرآنه حسب قول السلفية (1)؟!

قال الإمام الصادق (عليه السلام) في " الاحتجاج ": " إن الباصرة لا يمكن أن تكون في حيز الممكنات ما لم يكن هناك اتصال بين البصيرة والمرئي ومحال اتصال شئ بذاته جل وعلا "، فحتى تتم رؤية شئ لابد أن تنعكس صورته في العين والله ليس له صورة (2).

وقال السلفية: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة. أخرج البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له... " (3).

إن هذا الحديث لا يصح، فبديهي أن كروية الأرض تعني أن ساعات الليل ليست واحدة على نقاط الأرض المختلفة، بل هي في تتابع منتظم بانتظام دورانها حول نفسها، فالساعة التي تكون عندنا هي ثلث الليل الأخير، سوف تكون في نقطة أخرى منتصفه الأول، وفي نقطة اخرى ثلثه الأول، وفي نقطه اخرى لم يدخل الليل بعد. ومعلوم أيضا ان الله تعالى ليس رب مكة والمدينة وحدهما لينزل في الساعة التي يكون فيها ثلث الليل هناك، وإنما هو رب العالمين، وله عباد في جميع أنحاء الأرض ولهم ساعات اخرى مختلفة عن ساعة المدينة فيكون عندهم ثلث الليل الأخير. وعلى هذا فينبغي وفق الحديث أن

____________

1 - يستدل السلفية على رؤية الله بقوله تعالى * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * سورة القيامة 22 - 23، ولكن هذه الآية لا تدل على ما ذهبوا إليه وكلمة ناظرة لها عدة معاني ومن معانيها منتظرة رحمة ربها، ويؤيد هذا قول الله بعد هذه الآية مباشرة: * (ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة) * فالله يرسم لنا صورتين: المؤمنون ينتظرون رحمة الله، والكافرون ينتظرون العذاب. وللاستزادة من هذا الموضوع يراجع " كلمة حول الرؤية " لشرف الدين ففيه حجج دامغة على نفي الرؤية.

2 - راجع الأسماء والصفات للبيهقي: 2 / 15، تحقيق عماد الدين أحمد حيدر.

3 - صحيح البخاري: كتاب الدعوات، باب الدعاء نصف الليل.

الصفحة 114
يكون الله تعالى مستقرا في السماء الدينا لا يغادرها، لأن كل ساعة تمر على الارض ستكون بالنسبة له من نقاطها ثلث الليل الأخير. فما معنى قوله في الحديث " ينزل كل ليلة "؟!

وقد قام ابن تيمية على منبر الجامع الأموي في دمشق يوم الجمعة خطيبا فقال أثناء كلامه: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر...

فعارضه الفقيه المالكي ابن الزهراء وأنكر عليه ما قال فضرب هذا الفقيه وسجن (1).

ويرى السلفية بأن الله يخلق أفعال العباد، ويستنتج هذا مما صرح به البخاري في صحيحه على لسان أنبياء الله - والعياذ بالله - جاء في صحيح البخاري: " إحتج آدم وموسى فقال له موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى فحج آدم موسى ثلاثا... " (2).

إن المتأمل في الحديث السابق يجد ان الإنسان مسير فانظر إلى عبارة " أتلومني على أمر قدره الله علي " فتجد فيها الجبر عينه.

وليت أهل السنة يقولون لنا: كيف يخلق الله أفعال العباد ثم يعاقبهم عليها؟ أليس هذا هو الظلم بعينه؟ (ولا يظلم ربك أحدا).

وإننا لننزه أنبياء الله (عليهم السلام) من هذا الاعتقاد وهم أعرف الناس بالله. كما ننزه كليم الله موسى (عليه السلام) من هذا الفحش من القول: " انت أبونا خيبتنا ". وأين التقى آدم وموسى ومتى كان ذلك؟!

هذه صورة مجملة عن عقيدة أهل السنة بالله، وهي لا تتلاءم مع روح الإسلام بل إنها تزري بالفكر الإسلامي العظيم.

____________

1 - ذكر ذلك ابن بطوطة في رحلاته 1 / 57 عند ذكر قضاة دمشق، ونقل الأستاذ صائب عبد الحميد في كتابه ابن تيمية: ص 118 قول ابن تيمية السابق عن الدرر الكامنة، ابن حجر العسقلاني 1 / 154.

2 - صحيح البخاري (كتاب القدر) - باب تحاج آدم وموسى.

الصفحة 115

رؤية السلفية للأنبياء:

أما عقيدتهم بالأنبياء، فهي الأخرى عجيبة وغريبة وإن جاءت بها الصحاح (1)،

____________

1 - كصحيحي البخاري ومسلم. إن هذين الكتابين يعتبران المرجع الرئيسي عند أهل السنة بعد القرآن.

ويعتبرون كل ما فيهما صحيحا والحق أنه لو جرد المسلم نفسه من رواسب التاريخ لوجد فيهما أحاديث بعيدة عن الإسلام. قال الذهبي عن بعض أحاديث صحيح البخاري " ولولا هيبة الصحيح لقلت إنها موضوعة ". وذهب ابن حزم إلى تكذيب بعض أحاديثه، فراجع تهذيب التهذيب 8 / 146.

إن كلام الذهبي السابق يدل على أنه قد ثبت لديه أن في صحيح البخاري أحاديث موضوعة ولكن هيبة الصحيح منعته من الحكم عليها بالوضع. مع أن الحكم لا يخضع لمكانة الشئ وهيبته! وقال جمال الدين الحنفي: من نظر في كتاب البخاري تزندق " شذرات الذهب.

لقد انتقد الحفاظ أحاديث في صحيح البخاري وضعفوا ثمانين رجلا من رجاله. ولكن هل يمكن التصديق بأن كل ما في الصحيحين صحيح؟ إن البخاري ومسلم غير معصومين، لذلك فاحتمال الخطأ وارد عليهما. إضافة إلى أن السنة النبوية معصومة، والشيخان غير معصومين. وغير المعصوم لا يحيط بالمعصوم والناقص لا يتحكم بالكامل.

إن كل من يطعن في الصحيحين فهو عند أهل السنة مبتدع، كافر... وهذا خلط ما بعده خلط!

فكأن البخاري ومسلم هما سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! إن الشيخين شئ وسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شئ آخر. نعم، إن من يطعن بسنة النبي الصحيحة: كافر، أما من يقول أن البخاري أخطأ في حكمه على هذا الحديث فلماذا يعد كافرا؟ وهذا القول يخطئ البخاري وليس انتقادا للسنة.

إن كل مسلم يحب تعلم سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتطبيقها، ولكن من أين يأخذها؟ فهل أمرنا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) باتباع الصحيحين والأخذ منهما؟!! لايوجد دليل على ذلك. فلقد أمرانا باتباع السنة ولكن لم يقولا: خذوها من الصحيحين، حتى نمتثل الأمر. فيجب أخذ السنة من المكان الذي أمرنا الله ورسوله الأخذ منه وهو ليس الصحيحين ولا بقية الصحاح. ولا يمكن القول: إن الله ورسوله لم يبينا الموضع الذي تؤخذ منه السنة لأن في ذلك اتهاما لله ورسوله بتفريق الأمة وتشتيت أمرها، فلقد نصت السنة نفسها على الموضع الذي تؤخذ منه، فيجب أخذ السنة من مكانها الصحيح واتباع قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى وإن خالفته الأمة بأسرها. وليس لدينا دليل على اعتماد الصحيحين، إلا الإجماع ولا إجماع خلاف النص. كما أن الإجماع المعتبر عند أهل الحديث هو إجماع الصحابة فقط، والصحيحان كتبا في القرن الثالث الهجري، فأين الإجماع المدعى؟

الصفحة 116
فتابعنا وسترى حال الأنبياء (عليهم السلام) عند أهل السنة. أخرج البخاري بالإسناد إلى أبي هريرة مرفوعا قال: " قال سليمان بن داود (عليهما السلام) لأطوفن الليلة بمائة امرأة، تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل إن شاء الله. فلم يقل ونسي، فأطاف بهن، ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لو قال إنشاء الله لم يحنث وكان أرجى لحاجته... " (1).

إن الطواف بمئة امرأة في ليلة واحدة غير معقول.

كما " إن القوة البشرية لتضعف عن الطواف بهن في ليلة واحدة مهما كان الإنسان قويا "، و " لا يجوز على نبي الله تعالى سليمان (عليه السلام) أن يترك التعليق على المشيئة، ولا سيما بعد تنبيه الملك إياه على ذلك، وما يمنعه من قول إن شاء الله، وهو من الدعاة إلى الله والأدلاء عليه؟! وإنما يتركها الغافلون عن الله (2)، الجاهلون بأن الامور كلها بيده، فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن، وحاشا أنبياء الله عن غفلة الجاهلين " (3).

وأخرج البخاري عن قتادة قال: " حدثنا أنس بن مالك قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين " (4).

إن هذه الرواية تصور نبي الإسلام ذا الأخلاق العظيمة بذلك الرجل الجنسي الذي لا هم له سوى أن يدور على نسائه ليلا ونهارا. وحاشا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا الافتراء.

" وهل لنا أن نسأل أنس بن مالك راوي هذه القصة، من أخبره بها؟... هل النبي هو الذي حدثه بذلك؟ فهل يليق بأحدنا أن يحدث الناس على مجامعته لزوجته؟ أم أن زوجات النبي هن اللاتي حدثنه بذلك؟ فهل يليق بالمرأة المسلمة أن تحكي للرجال

____________

1 - صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب قول الرجل لاطوفن الليلة على نسائي.

2 - راجع أبو هريرة، شرف الدين: ص 75.

3 - كتاب الغسل - باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد.

الصفحة 117
عن جماع زوجها لها؟ أم أن أنسا هو الذي تجسس على النبي وتتبع خلواته مع زوجاته وتفرج عليه من ثقوب الأبواب؟ أستغفر الله من همزات الشيطان... " (1).

هذه الرواية وأمثالها هي التي فتحت الباب أمام أعداء الإسلام، من مستشرقين ونصارى، للنفوذ منها والطعن بنبي الإسلام وتصويره مع أنبياء الله بهذه الصور، وما الفضل في ذلك إلا للبخاري الذي أخرج هذه الروايات. إن الطعن في حديث أخرجه البخاري، أولى من الطعن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك واضح لكل من كانت عنده غيرة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأخرج البخاري عن حذيفة قال: " أتى النبي سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ " (2).

وفي رواية أخرى عن حذيفة قال: " رأيتني أنا والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه، فأشار إلي فجئته، فقمت عند عقبه حتى فرغ " (3).

وهذا الحديث، لا يتلاءم مع سيرة العظماء، فضلا عن سيد الأنبياء، فهو يصور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأبشع صورة، إذ يذهب إلى مزبلة أحد الناس ويبول قائما!. فتخيل - أخي المسلم الغيور على نبي الله - هذا المشهد.

إنني اتحدى كل من يؤمن بصحة هذا الحديث أن يفعل ما نسب الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، هل يقبل أحد هذا الفعل لنفسه؟! إذن كيف نرضاه لسيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! وكيف يبول النبي على سباطة قوم؟! - حاشاه - أليس هذا اعتداءا على حقوق الآخرين؟! ألا توجد للبيوت حرمة؟ وهل استأذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحاب البيت وهو الداعي إلى الاستئذان؟!

____________

1 - فأسألوا أهل الذكر، محمد التيجاني: ص 60.

2 - فتح الباري: 1 / 262، والسباطة المزبلة.

3 - المصدر السابق.

الصفحة 118
وكيف يفعل ذلك - حاشاه - أمام حذيفة؟ ومن يدري فربما يمر الناس في أي لحظة، وماذا يكون الموقف لو خرجت إحدى النساء من ذلك البيت لترمي الفضلات ورأت النبي؟ ألم يفكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الأمور؟! مالكم كيف تحكمون؟!

ثم إن البول في الطريق ليس من العدالة، وهذا ماقاله الإمام السبكي، فقد قال في تعريف العدالة بأنها: " ملكة تمنع عن اقتراف الكبائر، وصغائر الخسة، كسرقة لقمة، والرذائل المباحة، كالبول في الطريق!! " (1).

وفي صحيح الجامع الصغير " كان - النبي - إذا أراد الحاجة أبعد " (2).

أجل، إن النبي إذا أراد الحاجة فإنه يبعد، لا أن يذهب بجانب البيوت ويبول على سباطات المسلمين!

قالت عائشة: " ما بال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما منذ أنزل عليه الفرقان " (3)، وفي صحيح الجامع الصغير: " كان - أي النبي - إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض " (4).

وهنا يصبح وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه لم يكن يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض: أبلغ وصف في تصوير عظمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وصدق الله إذ قال فيه: (وإنك لعلى خلق عظيم) (5).

" لقد كان النبي أشد حياء من العذراء في خدرها " (6).

ولأن النبي أشد حياء من العذراء في خدرها فلا يعقل أن يبول على سباطة قوم.

____________

1 - جمع الجوامع 2 / 148.

2 - 2 / 851.

3 - مستدرك الحاكم: 1 / 181، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

4 - 2 / 852 ورواه أبو داود في سننه عن أنس وابن عمر ورواه الطبراني في الأوسط عن جابر.

5 - القلم: 4.

6 - صحيح الجامع الصغير 2 / 870.

الصفحة 119
فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد حياء من العذراء! والمثير للاستغراب إن السباطة تكون عادة من بقايا الطعام فكيف يبول الرسول عليها؟!

وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلان فكلماه بشئ لا أدري ما هو فأغضباه، فلعنهما وسبهما فلما خرجا قلت: يا رسول الله، من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان؟ قال: وماذاك؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما.

قال: أوما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر فاي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا " (1).

وهذا الحديث يستحيل أن يصح وهو يصور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه لا يستطيع السيطرة على أعصابه ويحكم على الامور بعاطفته دون عقله فيلعن من لا يستحق ذلك. وأين هذا من قول الله فيه (وإنك لعلى خلق عظيم)؟ (2) والله أدرى برسوله من مسلم.

وقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن نفسه: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " فإذا كان الرسول لعانا وسبابا فكيف يستقيم قوله هذا؟ فالمفترض بمن يكمل مكارم الأخلاق أن تكون أخلاقه كاملة، فالناقص لا يكمل من هو أكمل منه، والسب واللعن بغير حق ليس من مكارم الأخلاق في شئ.

ولقد كفانا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤونة الرد على هذه الرواية، أخرج مسلم في صحيحه " بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى أن يكون المسلم لعانا. وقيل له يا رسول الله: ادع على المشركين قال: " إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة " (3).

____________

1 - كتاب البر والصلة والآداب، باب من لعنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو دعا عليه.

2 - القلم: 4.

3 - كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها.

الصفحة 120

الصفحة 121

الفصل الثاني
ضياع السنة


الصفحة 122

الصفحة 123
عنوان غريب قد يقول عنه قائل: وماذا تعني بهذا، فالسنة موجودة في الصحاح الستة وكتب السنن؟ صحيح هذا، ولكن الصفحات القادمة كفيلة بإثبات هذا العنوان.

وأنا جازم بأن كل مسلم غيور على الإسلام إذا تدبر ما سنقول به هنا فإنه حتما إما سيبكي أو يضحك!

نبدأ بتوجيه هذا السؤال: هل يستطيع أحد أن يجزم بأن سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصلت إلينا كاملة؟! وحتى نجيب على هذا السؤال فرافقنا - أخي القارئ - لترى هل وصلت إلينا السنة كلها أو نصفها أو ثلثها...!!

في عصر الصحابة

أحاديث علي بن أبي طالب (عليه السلام):

هذا الصحابي العظيم عاش مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من ثلاث وعشرين سنة، وكان يتبع النبي اتباع الفصيل أثر أمه، قال عنه ابن حجر: " وكان قد رباه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من صغره لقصة مذكورة في السيرة النبوية، فلازمه من صغره فلم يفارقه إلى أن مات " (1).

وصلنا عن علي (عليه السلام) 536 حديثا (2)، صح منها خمسون حديثا (3)، روى البخاري منها عشرين حديثا. نعم، هذا ما وصلنا عن علي، خمسون حديثا فقط!!

____________

1 - فضائل الصحابة من فتح الباري: ص 142، تحقيق: خالد عبدالفتاح شيل.

2 - راجع كتاب: أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد، ابن حزم، تحقيق: سيد كسروي حسن ص 44.

3 - ذكر هذا ابن حزم في الملل والنحل: 3 / 60.

الصفحة 124
ولكن هل يتناسب هذا الرقم مع علم علي (عليه السلام)، ومقدار ما أخذ عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ علينا أن نتأمل شهادة الله ورسوله في علي ثم نحكم.

قال تعالى: (ومن عنده علم الكتاب) (1) المقصود بالآية: علي بن أبي طالب (2).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب " (3).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة الحكمة وعلي بابها، فمن أراد الحكمة فليأت من بابها " (4).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة الفقه وعلي بابها " (5).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما علمت شيئا إلا علمته عليا فهو باب مدينة علمي " (6).

وعن عبد الله بن مسعود قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسئل عن علي فقال:

" قسمت الحكمة عشرة أجزاء فاعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا " وفي كنز العمال زاد في آخر الحديث " وعلي أعلم بالواحد منهم " (7).

____________

1 - الرعد: 43.

2 - راجع الجامع لأحكام القرآن 9 / 336. الاتقان، السيوطي 1 / 13. ينابيع المودة، القندوزي الحنفي:

ص 102، تفسير الثعلبي، وروى ذلك أبو نعيم.

3 - هذا حديث صحيح ومصادره تربو على المائة عند أهل السنة ستأتي في بحث آخر.

4 - تاريخ بغداد: 11 / 204. المناقب، ابن المغازلي الشافعي: ص 124. فرائد السمطين.

لسان الميزان: 5 / 19.

5 - تذكرة الخواص، ابن الجوزي: ص 653. تفسير الثعلبي: ص 122.

6 - المناقب، ابن المغازلي. إحقاق الحق 5 / 501.

7 - كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد 5 / 32. حلية الأولياء 1 / 64. تفسير الثعلبي. مطالب السؤول، ابن طلحة الشافعي: ص 21، المناقب / ابن المغازلي، المناقب / اخطب خوارزم: ص 49. مقتل الحسين، أخطب خوارزم: ص 43 فرائد السمطين. ميزان الاعتدال 1 / 58. الكواكب الدرية، المناوي الشافعي 1 / 39، الأربعين لعلي القاري ص 50، ينابيع المودة ص 70، المناقب المرتضوية: محمد صالح الترمذي ص 78، فتح الملك العلي ص 33، إحقاق الحق 5 / 517 - 520، وقد روي هذا الحديث موقوفا على ابن مسعود.