الصفحة 125
قالت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأديم وعلي بن أبي طالب عنده فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه " (1).

وقال علياء بن أحمر: " إن علي بن أبي طالب خطب الناس فقال: (من يشتري علما بدرهم؟) فاشترى الحارث الأعور صحفا بدرهم، ثم جاء بها عليا فكتب له علما كثيرا " (2).

وقال علي (عليه السلام): " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علمني ألف باب كل باب فيها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعلمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب " (3).

وقال (عليه السلام): " سلوني قبل أن تفقدوني ولن تسألوا بعدي مثلي... " (4).

وقال علي (عليه السلام): " سلوني، فوالله لا تسألونني عن شئ إلا حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم، بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل أم بجبل " (5).

____________

1 - دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، محمد الأعظمي: 1 / 127.

2 - محمد الأعظمي: 1 / 129. عن ابن سعد 6 / 116. العلل، المديني 1 / 42. تقييد العلم: ص 89.

العلم، ابن خيثمة: ص 144.

3 - ينابيع المودة: ص 77. أرجح المطالب: ص 413، المحدث الهروي في الأربعين حديثا، وفتح الملك العلي: ص 19. إحقاق الحق.

4 - مستدرك الحاكم: 2 / 352 و 466 وصححهما.

5 - الاستيعاب: 3 / 1107. جامع بيان العلم: 1 / 464. الرياض النضرة: 2 / 1198. تاريخ الخلفاء، السيوطي: ص 71. إحقاق الحق.

الصفحة 126
قال ابن عبد البر: " أجمع الناس كلهم على أنه لم يقل أحد من الصحابة ولا أحد من العلماء: سلوني، غير علي بن أبي طالب ".

وقال علي (عليه السلام): " والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت، واين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا " (1).

وقال علي: " القلوب أوعية، وخيرها أوعاها " ثم يقول: هاه هاه إن ههنا - وأشار بيده إلى صدره - علما لو أصبت له حملة " وفي رواية: (لو وجدت له حملة) (2).

وروي عن علي أنه قال: " أما والله لو طرحت لي وسادة لقضيت لأهل التوراة بتوراتهم ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم " (3).

وعن ابن عباس وقد سأله الناس فقالوا: أي رجل كان عليا، قال: " كان ممتلئا جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة مع قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (4).

وقال ابن عباس: " قسم علم الناس خمسة أجزاء فكان لعلي منها أربعة أجزاء، ولسائر الناس جزء شاركهم علي فيه فكان أعلمهم فيه " (5).

والآن هل يصح أن يقال: إن كل ما أخذه علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسون حديثا؟!!

لا أعتقد أن أحدا يقول ذلك إلا أن تكون قد انطفأت شعلة ذهنه. إذن فأين علم علي

____________

1 - حلية الأولياء 1 / 67. المناقب، أخطب خوارزم: ص 54. فرائد السمطين. تاريخ الخلفاء، السيوطي:

ص 71. ينابيع المودة: ص 287. الشرف المؤبد، النبهاني: ص 112. إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار، المناقب، ابن المغازلي. إحقاق الحق: 7 / 581 - 584.

2 - إعلام الموقعين 1 / 21. الطبقات الكبرى، عبد الوهاب الشعراني 1 / 18. ينابيع المودة: ص 26.

لطائف المنن، عبد الوهاب المصري 2 / 89. الفائق للزمخشري 3 / 188. لسان العرب 13 / 390.

3 - أبو العباس المبرد " الفاضل ": ص 3. المناقب، ابن المغازلي. شرح المقاصد، التفتازاني 2 / 220.

مطالب السؤول: ص 26. التذكرة، ابن الجوزي: ص 20. فرائد السمطين. ينابيع المودة: ص 70 و 220. أرجح المطالب، عبد الله الحنفي: ص 111. وإحقاق الحق 7 / 581.

4 - الرياض النضرة 2 / 194، وأحمد في المناقب.

5 - الكامل، ابن الأثير: 3 / 399. الاستيعاب: 2 / 463. البيان والتبين، الجاحظ: 3 / 247.

الصفحة 127
الذي أخذه عن النبي؟ ولماذا لم يصلنا منه سوى خمسين حديثا؟ وأليس هذا معناه أن علم علي الذي أخذه عن النبي والذي لا يقدر بعدد قد ضاع عند أهل السنة؟

أليس هذا هو الواقع المر الذي يجب الإذعان له؟ إن أبا هريرة لم ير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سوى سنتين وروى عنه 5374 حديثا (1)، وعلي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي رافق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ طفولته ولازمه كظله، يروي خمسين حديثا؟!!

فهل هذا عدل يا مسلمين؟ وأين علم أبي هريرة من علم علي؟! يقول ابن عباس: " والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر " (2).

وأرى هنا أنه لابد من الاعتراف بأننا فقدنا كما نوعيا هائلا من السنة النبوية التي يحفظها علي ولم تصل لنا. فالذي وصلنا عن علي (صلى الله عليه وآله وسلم) قياسا لسعة علمه وطول مدة ملازمته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خير دليل على ضياع قسم كبير من السنن التي كانت عند علي.

وقد اعترف بهذه الحقيقة الشيخ محمد أبو زهرة يقول في ذلك: " وإنه يجب علينا أن نقرر هنا أن فقه علي (عليه السلام) وفتاويه وأقضيته لم ترو في كتب السنة بالقدر الذي يتفق مع مدة خلافته، ولا مع المدة التي كان منصرفا فيها إلى الدرس والإفتاء في مدة الراشدين قبله، وقد كانت حياته كلها للفقه وعلم الدين، وكان أكثر الصحابة اتصالا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد رافق الرسول وهو صبي قبل أن يبعث (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستمر معه إلى أن قبض الله تعالى رسوله إليه، ولذا كان يجب أن يذكر له في كتب السنة أضعاف ما هو مذكور فيها " (3).

____________

1 - أسماء الصحابة الرواة: ص 37.

2 - الاستيعاب: 3 / 1104. ذخائر العقبى: ص 78. أسد الغابة: 3 / 597. تاريخ الخلفاء، السيوطي.

الشذرات الذهبية، محمد بن طولون: ص 51. ينابيع المودة: ص 70. الشرف المؤبد: ص 59. المناقب، اخطب خوارزم: ص 55، راجع إحقاق الحق.

3 - الإمام الصادق: ص 162.

الصفحة 128
إننا نؤكد الحقيقة حين نقر بأنه كان يجب أن يذكر عن علي أضعاف ما هو مذكور عنه ولكن للأسف فقدت هذه الأضعاف.

ويعترف أبو زهرة أن علم علي (عليه السلام) لا يقل عن علم عبد الله بن مسعود فيقول:

" هذه كلمة عارضة ذكرناها لبيان أن عليا (رضي الله عنه) كان له علم لا يقل عن علم عبد الله ابن مسعود " (1).

ومع موقفنا من هذه المقارنة - إذ إن علم علي لا يقاس بعلم أحد من الصحابة والنصوص السالفة خير دليل على ما نقول - لكننا نقول لأبي زهرة ولأهل السنة: لقد وصلنا عن ابن مسعود 848 حديثا فإذا كان علم علي لا يقل عن علم ابن مسعود فقد فقدنا من علم علي الذي أخذه عن النبي 798 حديثا!! وهو عدد نستطيع أن نعمل منه موطأ كموطأ مالك الذي يحوي 700 حديث. فتأمل بربك هذه الخسارة!. أضف لهذا أن مسند علي في مسند أبي يوسف يعقوب بن شيبة السدوسي خمسة مجلدات!! ولكن ماذا تساوي الخمسون حديثا أمام خمسة مجلدات (2)؟!!

وهذا الحارث الأعور اشترى - كما مر - صحفا بدرهم ثم جاء بها عليا فكتب له علما كثيرا.

ولو رجعنا إلى مسند أحمد بن حنبل - وهو أكثر من روى عن علي (عليه السلام) من أصحاب السنن - لوجدنا الحارث الأعور يروي حديثا واحدا عن علي (عليه السلام) ولكنه ضعيف (3). فأين ذهب هذا العلم الكثير الذي كتبه علي (عليه السلام) للحارث؟!!

____________

1 - الإمام الصادق.

2 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة: ص 52.

3 - راجع المسند تخريج: شعيب الأرنؤوط.

الصفحة 129

أحاديث فاطمة الزهراء (عليها السلام):

فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عاشت مع أبيها ما يقرب من ثمانية عشر عاما. أخرج مسلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " يا فاطمة أما ترضى أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة " (1).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " (2). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " فاطمة بضعة مني يقبضني مايقبضها ويبسطني مايبسطها " " إنما فاطمة مضغة مني فمن آذاها فقد آذاني " (3).

مع أن سيدة نساء العالمين (عليها السلام) التي مودتها فرض على المسلمين (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (4) عاشت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) راشدة حوالي عشر سنين، فإن ما روي عنها صحيحا لا يتجاوز الحديثين (5)!! فهل نصدق أن ما أخذته فاطمة (عليها السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان حديثين فقط أم أن عندها ما لا يعد من السنن؟!

ولو أن فاطمة (عليها السلام) روت عن كل يوم عاشته مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثا لبلغت أحاديثها حوالي ثلاثة آلاف حديث. وهذا الرقم هو أقل ما كان يجب أن يصلنا عن سيدة النساء (عليها السلام). كيف لا وقد كانت ترى أباها كل يوم وكان جبريل (عليه السلام) ينزل في بيتها.

عن أبي ثعلبة الخشني، قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا قدم من غزو، أو سفر بدأ

____________

1 - كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

2 - صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنقبة فاطمة (عليها السلام).

3 - مستدرك الحاكم 3 / 158 و 159 وصححه، وكذا الذهبي.

4 - الشورى: 23.

5 - ذكر ابن حزم ان لها (عليها السلام) ثمانية عشر حديثا. راجع أسماء الصحابة الرواة: 130، وفي مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام)، السيوطي، تحقيق أحمد زمرلي صح من أحاديثها اثنان!

الصفحة 130
بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه... " ((1).

وعن ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وأول من يدخل عليها إذا قدم " (2).

وهاتان الروايتان تبينان مدى اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بفاطمة (عليها السلام) وتقديمها على زوجاته. لقد عاشت عائشة مع النبي راشدة حوالي خمس سنين وروي عنها 2210 أحاديث. فما بال فاطمة لم يرو عنها إلا حديثان؟!

إن كل مسلم ينظر بعقله بدل عواطفه، لابد أن يقر بأن الأمة بقلة روايتها عن فاطمة (عليها السلام) فقدت آلاف السنن والتي ربما تفردت بالكثير منها.

وقد يقال: إن فاطمة (عليها السلام) عاشت بعد النبي ستة أشهر لهذا لم يرو عنها إلا القليل.

لو افترضنا أن فاطمة عاشت بعد النبي لفترة طويلة فهل سيروى عنها كما روي عن عائشة وأبي هريرة؟! لا أعتقد ذلك فهذا علي (عليه السلام) مع أنه كان خليفة المسلمين وأكثر احتكاكا بالناس من فاطمة (عليها السلام) ومع أنه عاش بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثين سنة فلم يرو عنه سوى خمسين حديثا!! (إن هذه تذكرة)

أحاديث الحسن والحسين (عليهما السلام):

هما سيدا شباب أهل الجنة، عاشا في كنف جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمعا منه، وبعد وفاته أخذا العلم عن أبيهما علي بن أبي طالب (عليه السلام) ونهلا من ذلك علما كثيرا " روى الحسن - أيضا - عن أبيه وأخيه الحسين وخاله هند بن أبي هالة " (3)، والحسين (عليه السلام)

____________

1 - الاستيعاب: 4 / 1895. مستدرك الحاكم: 3 / 155 وصححه وكذا الذهبي. ذخائر العقبى: ص 37.

الجامع الصغير، السيوطي: 2 / 293. كنز العمال: ص 58. حلية الأولياء: 2 / 30. اعلام النساء، محمد رضا كحاله: 3 / 2171.

2 - مستدرك الحاكم: 3 / 156. تلخيص المستدرك، الذهبي: 3 / 155. ذخائر العقبى: ص 37.

3 - الإصابة: 2 / 11.

الصفحة 131
" روى عن أبيه وأمه وخاله هند بن أبي هالة وعن عمرو.

وروى عنه أخوه الحسن وبنوه علي زين العابدين وفاطمة وسكينة وحفيده الباقر... " (1).

وكان عمر بن الخطاب يقدم الحسين على ابنه عبد الله، ويوما رأى ابن عمر الحسين مقبلا فقال: " هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء " (2).

ومع مكانة الحسنين (عليهما السلام) إلا أنه وصلنا عن الحسن (عليه السلام) ثلاثة عشر حديثا (3)!!

وعن الحسين (عليه السلام) ثمانية أحاديث (4)!! علما إنهما (عليهما السلام) عاشا فترة طويلة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالحسن (عليه السلام) استشهد سنة 50 هـ‍، واستشهد الحسين (عليه السلام) سنة (61 هـ‍).

مع أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)

أهل البيت هم: علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام). وعدد أحاديثهم مع بعضها البعض لا تتجاوز المائة حديث. فهذا مقدار ما روي عن هذه الكوكبة الطاهرة في مصادر أهل السنة، مع أن الحافظ ابن عقدة، وهو من أئمة الحديث، كان يجيب في ثلاثمائة ألف حديث من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وبني هاشم (5). وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد: " أحفظ لأهل البيت ثلثمائة ألف حديث " (6).

ولو أضفنا أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) إلى أحاديث بني هاشم لما تجاوزت أحاديثهم الألفي حديث. فابن عباس وهو أكثر من روي عنه من بني هاشم روى 1660 حديثا،

____________

1 - المصدر السابق: 2 / 15.

2 - نفس المصدر.

3 - أسماء الصحابة الرواة: ص 143.

4 - أسماء الصحابة الرواة: ص 170.

5 - تذكرة الحفاظ، الذهبي 3 / 840.

6 - تدريب الراوي: 1 / 50.

الصفحة 132
وأضف لأحاديثه أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وبقية بني هاشم فستجد أنها لا تتجاوز الألفي حديث.

لقد فقدت الأمة أكثر من مائتي ألف حديث (1)، فابن عقدة يجيب من أحاديث أهل البيت وبني هاشم بثلاثمائة ألف حديث. فأين ذهبت هذه الأحاديث؟! أليس معنى ذلك أننا قد فقدناها؟ فهل ترى أعظم من هذه الرزية على الإسلام؟!

وبعد، فهل عرفت - أيها اللبيب - ما معنى عنوان بحثنا ومحله من الحقيقة؟ وهل رأيت كيف ضاعت أحاديث أهل البيت عند أهل السنة؟ إذن فاكمل معنا المشوار ففيه الكثير من المفاجآت!!

أحاديث أبو بكر:

عاش أبو بكر مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بداية الدعوة حتى نهايتها ولازمه ليل نهار ولم يفارقه لحظة، هكذا يقول ابن تيمية. فقد قال عن الخلفاء الأربعة " بأنهم أعلم الأمة بأمور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسنته، وأحواله، خصوصا الصديق (رضي الله عنه) الذي لم يكن يفارق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حضرا ولا سفرا بل كان معه في غالب الأوقات، حتى أنه يسمر عنده بالليل في - بحث - أمور المسلمين.

وكذلك عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرا ما كان يقول: " دخلت أنا وأبو بكر وعمر " و " خرجت أنا وأبو بكر وعمر " (2).

ومع سعة علم أبي بكر كما يقول ابن تيمية لم يصلنا منه سوى 142 حديثا (3).

ولو روى أبو بكر عن كل يوم عاشه مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثين لبلغت أحاديثه ما يقرب من 17 ألف حديث.

____________

1 - هذا إذا قسنا ما وصلنا عن آل البيت وبني هاشم إلى ما كان يحفظه ابن عقدة فقط!!

2 - رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

3 - أسماء الصحابة الرواة: ص 57.

الصفحة 133
وإلا هل يعقل أن يحفظ أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 5374 حديثا خلال سنتين ولا يحفظ أبو بكر خلال ثلاث وعشرين سنة إلا 142 حديثا؟!

لا أعتقد أن أحدا يؤيد ذلك، فإذا لم يقل: إن أبا بكر يحفظ أكثر من أبي هريرة، فيكون أبو هريرة أعلم من أبي بكر! وإذا قيل: إن أبا بكر يحفظ أكثر من أبي هريرة، سألنا: أين ذهبت أحاديث أبي بكر والتي تفوق أحاديث أبي هريرة؟ ومن يضمن أن لا يكون بها تشريعات وعقائد وآداب لا غنى عنها لكل مسلم؟. لكننا لانجد جوابا إلا الصمت أو السباب. وهو اعتراف ضمني بضياع الآلاف من الأحاديث التي سمعها أبو بكر من النبي، على الأقل قد كان بحوزة أبي بكر خمسمائة حديث، لكنه أحرقها (1)، فمن يضمن لنا وصول هذه الخمسمائة حديث المحروقة الينا؟ لا أحد يستطيع ذلك مع العلم أن بناء الإسلام واحد، ولا يفهم إلا إذا وجدت نصوصه كاملة!!

قال شيخ الإسلام السيوطي: " السبب في قلة ما روي عن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، مع تقديمه وسبقه وملازمته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الحديث واعتناء الناس بسماعه وتحصيله وحفظه " (2).

وكلام السيوطي هذا يومئ إلى أنه لو بقي أبو بكر حيا حتى انتشار الحديث واهتمام الناس بسماعه لروي عنه الكثير، ولكن لو سألنا السيوطي وأهل السنة عن مكان هذا العلم الكثير لقالوا: هو في صدر أبي بكر!! فنقول سلام على سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!

وقال إبراهيم العبدلي المالكي: " وإنما لم يرو عنه - أي أبي بكر - من الأحاديث المسندة إلا القليل، لقصر مدته، وسرعة وفاته بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلا لو طالت مدته لكثر ذلك عنه جدا " (3).

____________

1 - راجع تذكرة الحفاظ: 1 / 5.

2 - تدريب الراوي: 2 / 218.

3 - عمدة التحقيق في بشائر آل الصديق.

الصفحة 134
ومعنى كلام المالكي أن الله قبض أبابكر وفي جعبته أحاديث كثيرة جدا. فالله حرم عباده من سنة نبيه التي انفرد بها أبو بكر فقبضه قبل أن يخرج ماعنده من سنن الإسلام.

حاشا لله من هذا الفعل، فكيف يحرم عباده من السنن، والسنن الكثيرة على حد تعبير إبراهيم المالكي ثم يأمرهم بإحراز الإسلام كما أنزله؟! كيف نعقل ذلك؟

وقال الصنعاني: " والسبب في قلة ما روي عن الصديق أبي بكر (رضي الله عنه) مع جلالته وتقدمه وملازمته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قد تقدمت به الوفاة قبل عناية الناس بسماع الحديث وحفظه " (1) وكلامه هذا لا يختلف عن كلام السيوطي والنتيجة واحدة لا تختلف!!

واعترف محمد عجاج الخطيب - استاذ في الحديث - أن لدى أبي بكر وعمر علما كثيرا أخذاه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يصل إلينا، قال عنهما بأ نهما: " حملا علما كثيرا عنه عليه الصلاة والسلام، لم يظهر علمهم كله لنا، وبخاصة أبو بكر، لأ نه لم يعش كثيرا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليحتاج إليه كما احتيج إلى عمر، فامتداد عمر الصحابي يكشف لنا عن علم الصحابي لأنه يحتاج إلى ما عندهم تجاه تلك الأمور المستجدة "، وفي هذا يقول ابن حزم: " ثم وجدنا الأمر كلما طال كثرت الحاجة إلى الصحابة فيما عندهم من العلم، فوجدنا حديث عائشة (2) ألفي مسند ومائتي مسند وعشرة مسانيد... " (3).

كلام ما أجدره بالتأمل " حملا علما كثيرا عنه "!! ولكنه ضاع!!

وقال الأستاذ إبراهيم الشهاوي - رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر -: " ولم يعثر أصحاب السنن على أكثر من هذا القدر - أي مرويات أبي بكر البالغة 142 أو 132 - وهو قليل بالنسبة لما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه مما لا شك فيه أنه سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يعد به من أكثر المكثرين!! من الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتقدم صحبته وكثرة ملازمته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن لم يرو عنه إلا

____________

1 - توضيح الأفكار: ص 429.

2 - اصول الحديث: ص 403.

الصفحة 135
هذا القدر لوفاته (رضي الله عنه) قبل انتشار الأحاديث وقبل اعتناء التابعين بتحصيلها وحفظها وروايتها " (1).

إن هذه الشهادات تدل دلالة واضحة على أن عند أبي بكر الكثير من السنن التي لم يصل إلينا منها إلا النزر اليسير، وهو اعتراف ضمني بضياع السنن التي حملها أبو بكر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

أحاديث عمر بن الخطاب:

أسلم عمر في بداية الدعوة فعاش مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يقرب من عشرين سنة، وعاش بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث عشرة سنة أخذ في هذه الفترة ما فاته عن الصحابة. روي عن عمر 537 حديثا (2) صح منها خمسون حديثا (3).

وهذا الرقم لا يتلاءم مع علم عمر فقد عده ابن تيمية من أعلم الصحابة كما مر.

ورد عن عمر أنه قال: " كنت أنا وجار لي من الأنصار من بني أمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ينزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك " (4).

روي عن ابن مسعود: " إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله وافقهنا بدين الله ".

وقال سعيد بن المسيب: " ما أعلم أحدا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم من عمر " (5)، وقال ابن حزم: " وما كان في أقطار البلاد يومئذ - أي بعد أبي بكر - أحد يقطع على أنه أعلم من عمر لا سيما مع شهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعلم والدين " (6).

____________

1 - مصطلح الحديث: ص 166.

2 - راجع أسماء الصحابة الرواة: ص 44.

3 - الملل والنحل لابن حزم: 3 / 61.

4 - صحيح البخاري (كتاب العلم) - باب التناوب في العلم. مسند أحمد 1 / 33.

5 - إعلام الموقعين: 1 / 20.

6 - الإحكام: ص 851.

الصفحة 136
إن عمر - كما يقولون - أعلم الصحابة. فهو أعلم من أبي هريرة الذي روى 5374 حديثا. وبما أن عمر أعلم من أبي هريرة فهو عنده من السنن ما يزيد على ما عند أبي هريرة. ولو أن عمر سمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كل يوم حديثين سواء بنفسه أو عن طريق جاره وغيره لتجاوزت أحاديثه العشرة آلاف حديث. ولكن أين هذا الرقم من الخمسين؟!!

قال ابن مسعود: " إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم " (1) فسجل عندك هذه الشهادة.

ويقول الاستاذ إبراهيم الشهاوي: " وهذا القدر هو كل ما روي عنه - أي عمر -، وليس هو كل ما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو قليل بالنسبة له!!!، لكثرة ملازمته رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرصه الشديد على الإحاطة بكل ما ينطق به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (2).

فعمر عنده سنن كثيرة لم تصل إلينا، فأين هذه السنن؟ ولماذا ضاعت؟ ومن المسؤول عن فقدها؟ وهل نصدق أن الله انتدب عمر لتبليغ دينه وقد بقي معه الكثير من سنن الإسلام التشريعية...؟! إذا قلنا ذلك فالله بهذا - حاشاه - أخفى سنة نبيه عن عباده. فيكون تعب النبي ثلاثا وعشرين سنة قد ذهب أدراج الرياح. كلا، إن الله (3) رحيم بعباده ويحب لهم الخير، لذلك نحن نقول: إن الله قد جعل سنة نبيه عند أناس يستطيعون أن يخرجوها للناس كافة دون أن تفقد أو ينقص منها شئ. وهذا هو الذي يفرضه العقل.

أما قولنا: إن الله جعل الصحابة مبلغين عن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قبضهم إليه قبل إبراء ذمتهم وإخراج ما عندهم من السنن فهذا قول بعيد عن الصحة لا يصح نسبته لله، فنحن إما أن ندافع عن تراث مئات السنين وإما أن نرفع هذه التهمة عن الله. وهذا هو المرجو من كل مسلم.

____________

1 - إعلام الموقعين: 1 / 16.

2 - مصطلح الحديث: ص 167.

الصفحة 137

أحاديث عثمان بن عفان:

أسلم عثمان في بداية الدعوة على يد أبي بكر. روى له البخاري تسعة أحاديث، ومسلم خمسة، وصلنا عنه 146 حديثا (1). عاش مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثا وعشرين سنة وكان ملازما له كما يقول ابن تيمية، وعاش بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسا وعشرين سنة بين الصحابة يأخذ منهم. ومع ذلك لم يصلنا منه إلا 146 حديثا.

ولو كان هذا العدد هو مقدار ما أخذه عثمان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا يعني أنه كان يحفظ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 6 أحاديث كل سنة!! ولا أعتقد أن أحدا يوافقني على هذا.

فلابد أن لدى عثمان الآلاف من الأحاديث. وإذا سألنا أين ذهبت أحاديث عثمان؟ رأينا الهدوء يخيم على المفكرين وعلامات الاستفهام تسرع بالإجابة، وربما يغامر البعض فيقول: إن انشغال عثمان بخلافة المسلمين هو الذي أدى إلى ضآلة عدد الأحاديث التي رويت عنه.

ولكننا نقول: إن عثمان عاش ثلاثا وعشرين سنة قبل استلامه الخلافة فأين ذهب علمه خلال هذه الفترة؟ (2) ثم، إن تفرغه لأمور الدولة لا يمنعه من إيصال سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس. فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كانت مهمته من أصعب المهمات، ومع ذلك استطاع أن يوصل الإسلام الى الناس كاملا كما أنزله الله. ويفترض أن يصلنا عن خليفة المسلمين أكثر من سواه لأنه أكثر احتكاكا بالناس من أبي هريرة مثلا!! والمفترض به أنه يخاطب الجماهير وينقل لهم عن الرسول.

إن عثمان أعلم من أبي هريرة، وأبو هريرة روى 5374 حديثا وعلى هذا فعثمان عنده أكثر من هذا الرقم. فتأمل بربك هذه الخسارة!

____________

1 - أسماء الصحابة الرواة: ص 56.

2 - يبدو أن (درة عمر): هي السبب في قلة ما وصلنا من الأحاديث عن الصحابة!!

الصفحة 138

أحاديث أبي بن كعب:

يعتبر أبي بن كعب من علماء الصحابة قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " أقرأ أمتي أبي ". وقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ليهنك العلم أبا المنذر "، شهد بدرا والمشاهد كلها، وكان عمر يسأله في النوازل ويحتكم به في المعضلات. وكان يسميه: سيد المسلمين، ولما مات أبي قال عمر:

" اليوم مات سيد المسلمين ".

ومرة اختلف أبي وعمر في قراءة آية من القرآن فقال لعمر: " والله يا عمر إنك تعلم أني كنت أحضر ويغيبون، وأدنى ويحجبون ويصنع بي ويصنع بي، والله لئن أحببت لألزمن بيتي ولا أحدث شيئا ولا أقرئ أحدا حتى أموت. فقال عمر: اللهم غفرانك إنا لنعلم أن الله قد جعل عندك علما، فعلم الناس ما علمت ".

وكان أبي صاحب عبادة فلما احتاج الناس إليه ترك العبادة وجلس للقوم، ومات سنة 30 للهجرة (1).

ومع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شهد لأبي بالعلم إلا أنه لم يصلنا منه إلا 164 حديثا (2).

فلا ندري هل كان قصد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال لأبي:

" ليهنك العلم أبا المنذر " هو هذا المقدار الذي وصلنا عنه؟ أم أحاديث كثيرة أخذها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهل يقصد عمر في قوله لأبي (إن الله قد جعل عندك علما) هذه المائة والأربعة والستين حديثا؟!

إن أبا هريرة عاش مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سنتين وروى 5374 حديثا وأبي عاش مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يقرب من عشر سنين وشهد أبي على نفسه بأ نه كان يحضر عند النبي، فعلى هذا من المفترض أن تصل أحاديث أبي في هذه العشرة سنين أكثر من عشرين ألف حديث، وأضف لهذه العشر سنين عنده، أنه استفاد من الصحابة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مدة

____________

1 - راجع ترجمة أبي في الإصابة: 1 / 16. سير أعلام النبلاء: 1 / 389.

2 - أسماء الصحابة الرواة: ص 54.

الصفحة 139
عشرين سنة. فلابد أن أبي يحفظ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الآلاف!! ولا أعتقد أن أحدا يخالفني الرأي هذا، وإلا كان رادا لشهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أبي: " ليهنك العلم أبا المنذر "!

فلا مفر من الاعتراف أننا خسرنا آلاف الأحاديث التي كان يحفظها أبي وربما تفرد بالكثير منها!

أحاديث سلمان الفارسي (رضي الله عنه):

سلمان الفارسي يقال له: سلمان الإسلام، وسلمان الخير. سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن سلمان فقال: " من لكم بمثل لقمان الحكيم، امرؤ ذاك منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والآخر، بحر لاينزف " وقال عنه: " إنه يبعث امة وحده، لقد أشبع من العلم ".

وقالت عائشة: " كان لسلمان مجلس من رسول الله ينفرد به في الليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (1).

ولما تلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم) (2) قالوا:

يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم لايكون أمثالنا؟ قال: فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، ثم قال: " هذا وقومه، لو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس " (3).

ومع كل الذي ورد في علم سلمان من أنه بحر لا ينزف ومن أنه كان له مجلس خاص مع النبي، إلا أنه لم يردنا عنه سوى ستين حديثا (4)! روى البخاري منها أربعة أحاديث، ومسلم خمسة.

____________

1 - راجع ترجمة سلمان في الإصابة: 3 / 113. الاستيعاب: 2 / 634 - 638. سير أعلام النبلاء: 1 / 505.

أنساب الأشراف: 1 / 271 و 487.

2 - سورة محمد: 38.

3 - تفسير ابن كثير: 4 / 196. فتح القدير: 5 / 43. تفسير البيضاوي: ص 2 / 398. تفسير الكشاف:

3 / 540. تفسير الطبري: 26 / 42.

4 - أسماء الصحابة الرواة: ص 74.

الصفحة 140
ولا ندري، أهذه الستون حديثا هي البحر الذي لا ينزف؟! أم هذا هو علم لقمان الحكيم؟ وهل اشبع سلمان من العلم بستين حديثا فقط؟! أنا أجزم أن عند سلمان الآلاف من الأحاديث يدلنا على ذلك شهادة النبي له بالعلم، ولا ننسى مجلس سلمان الخاص من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي نعتقد أنه أخذ الجديد من النبي دون غيره. لقد أخذ سلمان عن النبي وعاش بعده ستا وعشرين سنة، وبهذه الفترة أخذ عن علي وغيره من الصحابة.

فيحق لنا أن نسأل الآن: أين ذهب علم الأولين والآخرين الذي أدركه سلمان؟!

وأين ذهب علم هذا البحر الذي لا ينزف؟ نعم، لقد ضاع ولم يصل إلينا من هذا البحر إلا قطرات. هذه الحقيقة التي يجب الأعتراف بها، فإلى متى الهروب منها والتأويل فيها؟

إن إنكار أن يكون لدى سلمان الآلاف من الأحاديث هو رد صارخ على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال عنه " لقد أشبع من العلم "، " بحر لا ينزف ". نعم، لقد فقد علم هذا البحر الذي لا ينزف، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أحاديث أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه):

أسلم أبو ذر رضوان الله عليه في بداية الدعوة وهو أول من جهر بإظهار إسلامه.

عاش أبو ذر مع النبي يسمع ويأخذ منه مدة ثلاث وعشرين سنة. ومع ذلك وصل إلينا منه 281 حديثا (1)!!. فهل نصدق أن أبا ذر عاش مع النبي ثلاثا وعشرين سنة ولم يأخذ عنه سوى 281 حديثا؟ يقول الإمام علي (عليه السلام): (أبو ذر أوعى علما ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شئ حتى قبض) (2).

هذه شهادة من صحابي عظيم أن لدى أبي ذر الكثير من السنن التي بقيت معه.

فلا مفر من الاعتراف أن لدى أبي ذر الكثير من السنن بحيث يتجاوز ما عنده ما عند أبي هريرة. وهذا يفرضه واقع الحال.

____________

1 - أسماء الصحابة الرواة: ص 47.

2 - إعلام الموقعين: 1 / 18.

الصفحة 141

أحاديث طلحة بن عبيدالله:

أسلم طلحة في بداية الدعوة على يد أبي بكر واختاره عمر ليكون أحد الستة المرشحين للخلافة بعده، يعتبر من كبار الصحابة وعلمائهم، له 38 حديثا في مسند بقي بن مخلد وبالمكرر (1). ولا ندري هل هذا الحجم من الأحاديث هو مقدار ما أخذه طلحة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طوال ثلاث وعشرين سنة؟ من قال ذلك فهو يزري بطلحة، وليس هناك أحد يقول هذا، ومن قال: إن عنده أكثر من هذا العدد بكثير سألناه: اين ذهب هذا الكثير من السنن؟! سيقال: هو في صدر طلحة، قلنا: فعلى سنة الرسول السلام!!

أحاديث الزبير بن العوام:

روي أنه كان رابع أربعة أو خامس خمسة في الإسلام.

قال عمر فيه: " إن الزبير ركن من أركان الدين " (2).

روي للزبير في كتب الحديث 38 حديثا (3). ولو روى الزبير عن كل يوم عاشه مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثا لبلغت أحاديثه قرابة الثمانية آلاف حديث!! أضف لذلك أنه عاش بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسا وعشرين سنة أخذ بها عن الصحابة، فكم سيكون رصيده؟!

يقول جميل ابراهيم حبيب: " وهذه الروايات - ما روي عن الزبير - قليلة، سيما إذا قسناها بالفترة الزمنية الطويلة التي قضاها وعاشها الزبير مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة والمدينة " (4).

وهذا اعتراف ضمني أن عند الزبير سننا لم يخرجها، ويؤيده ما روي أن ابن الزبير قال: " قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يحدث فلان وفلان؟

____________

1 - وفي كتاب أسماء الصحابة الرواة: ص 95 ذكر ابن حزم أن له 38 حديثا.

2 - الإصابة: 3 / 6.

3 - أسماء الصحابة الرواة: ص 95.

4 - سيرة الزبير بن العوام: ص 77.

الصفحة 142
قال: أما أني لم أفارقه!! ولكن سمعته يقول: " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " (1).

فالزبير لم يفارق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده سنن باعترافه نفسه؟!!

أحاديث عبد الرحمن بن عوف:

عبد الرحمن بن عوف، أحد الثمانية الذين سبقو إلى الإسلام. أسلم على يد أبي بكر. وكان فيما بعد يفتي على عهد أبي بكر وعمر وكانا يستشيرانه، إذ كان أحد أعضاء لجنة الفتوى المكونة من الصحابة (2).

وهو أحد أهل الشورى الذين عينهم عمر ليختاروا خليفة من بينهم، روي عن عبد الرحمن في كتب السنن 65 حديثا (3). ولا ندري أهذا ما أخذه عن النبي طوال ثلاث وعشرين سنة؟ وهل كان أبو بكر وعمر يستشيرانه لأن عنده خمسة وستين حديثا؟ لا أعتقد أن أحدا يقول هذا. إذن، فهل ما أخذه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يساوي ما أخذه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد عاش معه سنتين؟! وعلى مدار ثلاث وعشرين سنة وثلاثين سنة عاشها بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بها ما فاته: يصبح من المعقول أن يكون لديه أكثر من أبي هريرة بكثير، ولكن ماذا تساوي ال‍ 65 حديثا أمام 5374 حديثا؟!

أحاديث زيد بن ثابت الأنصاري:

يعتبر زيد من كتاب الوحي. تعلم كتب السريانية، كان أحد فقهاء الصحابة.

قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أفرض أمتي زيد بن ثابت ".

قال مسروق: " قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم ".

____________

1 - صحيح البخاري: كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

2 - كنز العمال، رقم الخبر 36673.

3 - أسماء الصحابة الرواة: ص 72.