الصفحة 256
ثالثا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه)، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:

فمن؟ " (1).

يؤكد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحديث على أن كثيرا من الصحابة - وهم الموجه لهم الخطاب قبل غيرهم - سيتبعون سنن اليهود والنصارى. وإحداث أهل الكتاب بعد أنبيائهم (عليهم السلام) يعرفه القاصي والداني. فالصحابة - مما نستنتجه من قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - سيحدثون أمورا كبني إسرائيل. وإن لم يحدثوا مثلهم لكان كلام النبي كذبا - والعياذ بالله - فهم إذن، مثل اليهود والنصارى، قد أحدثوا أشياء استحقوا بها دخول النار.

رابعا: إذا قلنا: إن المقصود بحديث الحوض هم المرتدون، فهذا أسوأ، إذ كيف يرتد الصحابي الذي شاهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتبرك برؤيته فتطهر قلبه وعدله الله في القرآن؟!

فإذا جاز ارتداد الصحابي بعد صحبته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلاعبرة بالصحبة ولاقيمة لها (2)!!

فأحاديث الحوض هذه، تنقض نظرية عدالة جميع الصحابة دون شك، لأن العادل لا يدخل النار!

الصحابة يتنزهون عن فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!!

قالت عائشة: صنع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا فرخص فيه: فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطب فحمد الله، ثم قال: " ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أصنعه؟!

فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية " (3).

____________

1 - صحيح البخاري: كتاب الأنبياء، باب ماذكر عن بني اسرائيل.

2 - والرسول يقول: (لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) صحيح البخاري: كتاب الفتن، باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. هل قال كلامه هذا عبثا، والعياذ بالله!!

(3) صحيح البخاري: كتاب الأدب، رقم الحديث 5636.

الصفحة 257
وقال ابن حجر في فتحه: " نقل ابن التين على الداودي أن التنزه عما ترخص فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أعظم الذنوب، لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله. قلت: لا شك في إلحاد من اعتقد ذلك " (1).

فكيف يمكن لنا أن نعتقد بعدالة هؤلاء الذين يتنزهون عن صنع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

هذا ابن حجر قد سمى فعلهم إلحادا!! وشتان ما بين العدالة والإلحاد!

أولئك هم العصاة:

عن جابر " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان وصام حتى بلغ كراع الغميم يعني (2) وصمنا معه، فقيل: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينتظرون ما تفعل، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فافطر الناس وصام بعض، فبلغه أن ناسا صاموا، فقال: " اولئك هم العصاة " مرتين " (3).

لقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في اولئك الصحابة: أولئك هم العصاة، ولكن أهل السنة يقولون: أولئك هم العدول!

الصحابة في غزوة أحد:

أول حدث يهمنا في غزوة أحد، هو تخلف ثلث الجيش عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وثاني حدث هو هروب الصحابة من المعركة، وتركهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين سيوف المشركين ورماحهم، ولم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أربعة، ويقال أثنا عشر رجلا، على رأسهم علي بن أبي طالب، فكسرت رباعية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشج في رأسه (4).

____________

1 - فتح الباري: 13 / 216 - 217.

2 - هكذا في سنن البيهقي والظاهر أنها بمنى.

3 - السنن الكبرى، البيهقي: 4 / 246، قال: رواه مسلم في الصحيح. إمتاع الأسماع، المقريزي 1 / 365.

4 - صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد 5 / 175.

الصفحة 258
وثالث حدث في هذه الغزوة هو ترك الرماة لمواقعهم. فالرسول جعل خمسين من الرماة يحمون ظهور المسلمين، ولكنهم بعد انهزام المشركين، تركوا أمكانهم طمعا في الغنائم التي أسرعوا إليها بالرغم من تشديد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم بالبقاء في مواقعهم، وإن كانت الدائرة للمسلمين.

وفي غزوة حنين، فر عشرة آلاف صحابي، وبقي مع النبي سبعة على رأسهم علي، ونزل القرآن يوبخهم. وشارك عمر بن الخطاب الناس في الفرار (1)!

إنه حقا لأمر عجيب: أن لا يبقى من العشرة آلاف إلا سبعة! فمن لا يصدق بأن الصحابة لا يبقى منهم مع النبي في الجنة إلا مثل همل النعم، فليسأل أحدا وحنينا، ففيهما الخبر اليقين!

عدالة الصحابة في السنة:

إن القرآن ينقض نظرية عدالة الصحابة، والسنة النبوية: لم تبق من الصحابة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجنة إلا مثل همل النعم. لكن أهل السنة أدخلوا الصحابة كلهم في الجنة، فتأمل المفارقة بين حكم الله ورسوله وحكم أهل السنة!

وأضف لما سبق تنزه قسم من الصحابة عن فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا كما قال ابن حجر إلحاد،! ووصف الرسول قسما منهم بأنهم عصاة...

وأن ماعز بن مالك الأسلمي، زنى ورجمه النبي، ولم أسمع أحدا يحسب الزنى من العدالة!! وجلد عمر قدامة بن مضعون لأنه شرب الخمر (2)، وشرب الخمر ليس من العدالة. ألا يكفي كل ذلك، لنقضي نظرية عدالة الصحابة، عند أهل السنة؟! بلى يكفي.. ومع هذا سنلقي المزيد من الضوء على تهافت هذه النظرية؟

____________

1 - صحيح البخاري - كتاب المغازي: 5 / 101، مع أن الشيطان يهرب من عمر!!

2 - راجع ترجمة ماعز وقدامة في الإصابة: 5 / 233 و 6 / 16.

الصفحة 259

الفصل الخامس
الصحابة في حياة النبي


الصفحة 260

الصفحة 261

الصحابة يقتلون رجلا في الحرم!

عن أبي شريح بن عمر: " إن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتلوا رجلا من هذيل كانوا يطلبونه بذحل في الجاهلية في الحرم - وهو - يؤم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليبايعه على الاسلام فقتلوه، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتله، غضب أشد الغضب، فسعت بنو بكر إلى أبي بكر وعمر (1) وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستشفعون بهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلما كان العشي قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس وإنما أحلها لي ساعة من النهار ثم هي حرام كما حرمها الله أول مرة، وإن أعتى الناس على الله ثلاثة: رجل قتل فيها، ورجل قتل غير قاتله، ورجل طلب بذحل الجاهلية، وإني والله لأدين هذا الرجل الذي أصبتم " (2).

هؤلاء بعض الصحابة، لم يصغوا لنداء السماء الذي حرم هذا النوع من القتل، بل تعدوا ذلك وقتلوا رجلا داخل الحرم، فأين عدالة هؤلاء وأمثالهم الذين كانوا يغضبون الله ورسوله؟!

سلم رجل على الصحابة فقتلوه!

عن ابن عباس (3) قال: " مر رجل من بني سليم على نفر من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه غنم له فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم فعمدوا اليه فقتلوه واخذوا غنمه... " (4).

____________

1 - سنن البيهقي: 8 / 71 و 9 / 123.

2 - مستدرك الحاكم: 3 / 235، قال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، سنن الترمذي: 4 / 307.

سنن البيهقي: 9 / 115.

الصفحة 262
هؤلاء الصحابة سلم عليهم رجل فقتلوه، فهل هذا من أخلاق رد التحية في الإسلام، والتي نزل بها القرآن وعلمهم إياها النبي؟

صحابي يحب وفاة النبي

عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: " قال رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم): لو قد مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لتزوجت عائشة أو أم سلمة فأنزل الله عز وجل (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما)!! (1) ".

نفهم من كلام الصحابي هذا أنه كان يتمنى أو ينتظر وفاة النبي كي يتزوج من نسائه، ولكن الله أحبط أمانيه حين حرم الزواج من نساء النبي، فكيف تم تعميم العدالة على جميع الصحابة مع وجود هذا وأمثاله؟

صحابة ينتحرون!

جاء في سنن البيهقي من حديث أحمد بن يونس قال: مرض رجل فصيح عليه، فجاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إنه مات، قال: (وما يدريك؟) قال: إنه صيح عليه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنه لم يمت) ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشاقص!

فانطلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاخبره انه مات، فقال: (ما يدريك؟) قال: رأيته نحر نفسه بمشاقص، قال: (اذن لا اصلي عليه) (2).

وعن سعيد بن المسيب: " إن أبا هريرة قال: شهدنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجل ممن يدعي الإسلام: " هذا من أهل النار "، فلما حضر

____________

1 - سنن البيهقي: 7 / 69، والآية في سورة الأحزاب: 53.

2 - 4 / 19، وقال: رواه مسلم في الصحيح عن عون بن سلام مختصرا، وقريب من هذا النص في سنن ابن ماجة: 1 / 488.

الصفحة 263
القتال، قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراح فاثبته، فجاء رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل الذي ذكرت انه من أهل النار قد والله قاتل في سبيل الله أشد القتال وكثرت به الجراح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أما إنه من أهل النار "، وكاد بعض الناس يرتاب، فبينا هو على ذلك وجد الرجل ألم الجراح فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها سهما فانتحر به!... " (1).

وهكذا يلقي العدول بأنفسهم الى التهلكة!!

رزية الخميس

أخرج البخاري بالأسناد إلى ابن عباس، قال: " يوم الخميس، وما يوم الخميس، اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه. فقال: ائتوني اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه، فقال: " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه " (2).

وفي رواية أخرى للبخاري، إن الذي رد على رسول الله طلبه، عمر بن الخطاب، حيث قال: " إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله " (3).

وفي صحيح مسلم كان ردهم: إن رسول الله يهجر (4).

إن أول من رد على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفض طلبه عمر بن الخطاب كما في رواية البخاري وغيرها مما لم نذكر، ولم يكتف برفض طلبه بل اتهمه بالهجران، وقد اختلفت

____________

1 - السنن الكبرى، البيهقي: 8 / 197، صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الانسان نفسه...

2 - كتاب المغازي - باب مرض النبي ووفاته.

3 - كتاب المرض - باب قول المريض قوموا عني. طبقات ابن سعد: 2 / 37.

4 - كتاب الوصية - باب ترك الوصية.

الصفحة 264
الكلمة التي قيلت في الروايات: غلبه الوجع، أهجر، يهجر... ولا يهم اختلافها فكلها ذات معنى واحد وهو الهذيان - والعياذ بالله منها.

تأمل أيها الغيور على الإسلام ونبيه هذه الرزية وأمعن فكرك فيها. ألا تجد أن هذه الحادثة هي التي رسمت مستقبل الإسلام والمسلمين؟! فالنبي نبي الرحمة، بعدما أخرج الناس من ضلال الجاهلية أراد أن يطمس هذا الضلال إلى الأبد، (لن تضلوا أبدا). والصحابة " العدول! " بقيادة عمر رفضوا هذه النعمة وحكموا على هذه الأمة بالضلال، حين منعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من طلبه، إذن فهم المسؤولون عما جرى لهذه الأمة منذ تلك الرزية وحتى قيام الساعة. وهذا كلام يقبله كل من كشف الله عن عينيه العمى، فكيف ستضل الامة الاسلامية وتتفرق بعد قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (لن تضلوا أبدا)؟!

إن الله قبل أن يقبض روح نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث جبرائيل (عليه السلام) يخيره بين الموت والخلود ويستأذنه في ذلك، لكن الصحابة يواجهون النبي - وهو يودعهم - بكلمة موجعة حتى طردهم، فأين فعلهم هذا من الأدب الرباني؟

وما لنا نرى الوجوه تنقبض أمام هذا الكلام؟ أليس هو الحق الذي يجب أن نعترف به؟!

وبإمكاننا أن نسأل الآن: أين حرص الصحابة على تنفيذ أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذلك الحرص الذي يطبل له أهل السنة ليل نهار ويزرعونه في نفوس الكبار والصغار؟!

أما قال الله (ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) (1) (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (2) (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) (3)؟ وهناك المزيد من الآيات

____________

1 - النجم: 2 - 4.

2 - الحشر: 7.

3 - الحجرات: 7.

الصفحة 265
التي تندد بمن يعترض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجعل لنفسه الخيرة من أمره من دون أمر الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهنا ينبري علماء أهل السنة للدفاع، ولكن ليس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! فنراهم يقولون إن الصحابة فعلوا ذلك إشفاقا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!! ولسان حالهم يقول كما قال الصحابة: إنه يهجر!!

وهذه الحجة تضحك الثكلى. فلم نر شخصا يشفق على آخر بكلمة مؤذية كهذه.

وكيف علم أهل السنة قصد الصحابة في موقفهم هذا، ولم يعلمه النبي؟! فلو كان قولهم شفقة، لعلم ذلك رسول الله، ولشكرهم بدلا من أن يطردهم؟

وأهل السنة بتبريرهم هذا جعلوا الصحابة أشفق على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من ربه (1) الذي أمره بكتابة الكتاب. فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يأتي بشئ من عنده (إن اتبع إلا ما يوحى إلي) (2).

إن الذي يرضى بفعل الصحابة هذا، ويهب للدفاع عنهم، فهو شريكهم في مقولتهم: " إنه يهجر " لأن من رضي بفعل قوم فقد شاركهم. فهل نرضى أن نشارك هؤلاء الصحابة مقولتهم... أم إن الحق يدفعنا الى أن نقف مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونغضب لغضبه؟

فليختبر كل واحد منا محبته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، في موقفه من هذه الحادثة!

سرية أسامة

نوجز هذه الحادثة بأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جهز جيشا لغزو الروم وأمر عليه أسامة بن زيد، وعمره آنذاك لم يتجاوز السبعة عشر عاما، والتحق بالجيش كل وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر. قال الشيخ محمد أبو زهرة: " وقد أجمع الرواة على أنه عليه الصلاة والسلام جعل في إمرته، الشيخين أبا بكر وعمر " (3).

____________

1 - الأحقاف: 9.

2 - سيرة خاتم النبيين: 2 / 1215.

الصفحة 266
وفي الملل والنحل، إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه " (1)، وشدد النبي على الجيش بالذهاب، لكن الصحابة العدول تثاقلوا عن المسير وطعنوا في تأمير أسامه، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام في الصحابة خطيبا وقال: " إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه!! وايم الله إن كان لخليقا للإمرة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده "، فذهبوا إلى المعسكر، ثم رجعوا والنبي يجود بنفسه، فتوفي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورجع الجيش إلى المدينة (2).

في هذه الرزية رفض الصحابة أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) رغم تشديده عليهم بالذهاب. ولم يكتفوا بذلك، بل طعنوا في تأمير أسامة الذي هو طعن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي أمره!

وعلماء أهل السنة وقفوا موقف المدافع عن الصحابة وبدلا من مواساتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشاركوا الصحابة مقالتهم ضد أسامة، فشاركوهم في عصيان الرسول!

قالوا: إن الصحابة خافوا على الرسول المرض... والحق، إن أي تبرير لموقف الصحابة هذا لا يصح، لأن النص صريح في وجوب الذهاب عليهم، والقرآن يناديهم ليلا ونهارا: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (3)، (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول...) (4) وهناك غيرها الكثير من الآيات المماثلة. فطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واجبة عليهم مهما كانت الظروف.

____________

1 - المقدمة الثالثة: 1 / 29.

2 - راجع سرية أسامة وهذه التفصيلات في صحيح البخاري: 5 / 96. السيرة الحلبية: 3 / 207. طبقات ابن سعد: 3 / 19. تاريخ الطبري: 3 / 226. الكامل في التاريخ: 2 / 317. تهذيب تاريخ دمشق: 1 / 22.

المغازي للواقدي: 2 / 1119. تاريخ ابن خلدون: 2 / 484. فتح الباري: 8 / 152. حياة محمد: حسنين هيكل. رجال حول الرسول خالد محمد خالد، وكل كتب السير.

3 - الأحزاب: 36.

4 - النساء: 59.

الصفحة 267
وراحة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت في ذهابهم مع سرية اسامة. وهل كان رجوعهم سيدفع المرض عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أم يزيده ألما؟!

لقد عقد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اللواء لأسامة بيده وخرج وهو مريض فخاطب الصحابة وعاتبهم وأمرهم بالمسير، لكنهم عصوه وأغضبوه..

لقد غضب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لفعل الصحابة هذا، وإذا غضب غضب الله لغضبه.

والمسلم الرسالي يغضب لغضب الله ورسوله ولا يدافع عن الصحابة في عصيانهم لله ولرسوله. فالصحابة ليسوا سوى أتباع، وهم مأمورون وليسوا آمرين، ولا خيرة لهم من أمرهم مع اختيار الله ورسوله.

صلح الحديبية

خرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للعمرة مع أصحابه فأحرموا بذي الحليفة، لكن قريشا بعثت سهيل بن عمرو وطلبوا من الرسول أن يرجع هذه المرة، على أن يتركوا له مكة في العام القادم ثلاثة أيام، واشترطوا عليه شروطا قاسية، قبلها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه يعلم بأن نتائجها لصالح المسلمين.

قال عمر: " فأتيت نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: " ألست نبي الله حقا؟!! قال: (بلى)، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: (بلى)، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: " إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري "، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به (1)؟ قال: " بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ " قلت: لا، قال:

" فإنك آتيه ومطوف به " ثم سأل عمر أبا بكر نفس الأسئلة، وأجابه نفس أجوبة الرسول.

____________

1 - انظر أخي المسلم، كيف جعل عمر من نفسه محققا والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستجوبا وكأنه شريكه في رسالته!

الصفحة 268
ولما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابة الصلح، قال لأصحابه: " قوموا فانحروا ثم احلقوا "، فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل خباه ثم خرج فلم يكلم أحدا منهم بشئ حتى نحر بدنة بيده، ودعا حالقه فحلق رأسه، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا " (1).

قال ابن حزم في معرض كلامه عن آراء الصحابة الخاطئة: " وأعظم من هذا كله، تأخر أهل الحديبية عن الحلق والنحر والإحلال، إذ أمرهم بذلك (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى غضب وشكاهم إلى أم سلمة أم المؤمنين " (2).

في هذه الحادثة لم يلتزم الصحابة بأوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرغم من تأكيده عليها ثلاث مرات، وعمر يعترض على أوامر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه ويخاطبه بأسلوب ما سبقه إليه أحد من المسلمين!

وهنا يأتي تبرير علماء أهل السنة لموقف عمر في قولهم: إن عمر فعل هذا من باب غيرته وحرصه على الإسلام!! ومعنى هذا إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن غيورا على الإسلام ولا حريصا عليه، أو أن عمر كان أكثر حرصا منه على الإسلام!!

وليت أهل السنة يقولون لنا: لماذا لم يغر عمر على الإسلام حين هرب في أحد وحنين وفي خيبر، رجع يجبن أصحابه ويجبنونه (3)؟! ولماذا لم يغر على الإسلام عندما أمره النبي بالمسير تحت لواء أسامة فعصاه وعاد الى المدينة؟! ولماذا لم يغر على الإسلام يوم الخميس فيلبي طلب النبي؟!...

____________

1 - راجع هذه الحادثة في صحيح البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط: في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، بتصرف منا واختصار.

2 - الإحكام: 6 / 246.

3 - انظر النص في المستدرك: 3 / 37، وصححه وكذا الذهبي.

الصفحة 269
وإني لأعجب من هؤلاء العلماء الذين يدافعون عن عمر والصحابة دون رسول الله. وهم بدفاعهم هذا يجعلون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مخطئا وإن لم يصرحوا بهذا.

فإما أن يكون النبي محقا وعمر مبطلا، وهو الصحيح - أو أن يكون عمر محقا والنبي مبطلا - والعياذ بالله.. إذن فليعترفوا بأن عمر والصحابة أخطأوا وعصوا الرسول وليس في هذا ضير. بل هو الحق الذي يجب أن نذعن له ونعترف به، والاعتراف بالحق فضيلة.

التفتازاني يعترف!

لقد اعترف التفتازاني - وهو من علماء أهل السنة - بأن بعض الصحابة قد حاد عن طريق الحق. قال: " ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق!، وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخير موسوما إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق...

وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء وتنهد منه الجبال وتنشق الصخور، ويبقى سوء عمله على كر الشهور، ومر الدهور، فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى... " (1).

____________

1 - شرح المقاصد: 2 / 306 - 307.

الصفحة 270

الخلاصة

إن الصحابة لم يكونوا رهن إشارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد طعنوا في تأميره لاسامة على الجيش الذي هيأه لمقاتلة الروم، وعادوا إلى المدينة متخلفين عنه، وفعلوا ما فعلوه بما آذاه حين أعلنوا عصيانهم له وهو يودعهم - في يوم الخميس - وما أدراك ما يوم الخميس!!

وتطاول عليه بعضهم بالكلام، مثل عمر عندما قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أراد (صلى الله عليه وآله وسلم) الصلاة على ابن أبي، أليس نهاك ربك أن تصلي على المنافقين؟ وكأنه أعلم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن الذي نزل عليه، بالرغم من أنه لايعرف حكم الجنب فاقد الماء، ومعنى كلمة أب، والكلالة...!!

واعتراضاتهم ومخالفاتهم له (صلى الله عليه وآله وسلم)، تربو على المائة مخالفة تجدها في كتاب النص والاجتهاد لشرف الدين، والغدير، وغيرهما (1).

فبعد هذا، كيف يصح القول: إن الصحابة (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)؟!

(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (2).

____________

1 - وسنتطرق لموضوع اجتهاد الصحابة أمام المحكمات قريبا.

2 - النساء: 65.

الصفحة 271

الفصل السادس
صور من حياة الصحابة


الصفحة 272

الصفحة 273

أبو بكر وميراث الزهراء

فاطمة الزهراء بنت رسول الله، من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، مودتها فرض على كل مسلم، يغضب الله ورسوله لغضبها، وهي سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء العالمين.

أخرج مسلم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة " (1). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " (2). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنما فاطمة مضغة مني فمن آذاها فقد آذاني " (3).

هذه وديعة رسول الله، التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، ماتت غاضبة على أبي بكر!

أخرج البخاري بسنده عن عروة بن الزبير " إن عائشة أم المؤمنين أخبرته إن فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سألت ابا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء الله عليه فقال لها ابو بكر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث، ما تركناه صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر

____________

1 - كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

2 - صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة (عليها السلام).

3 - مستدرك الحاكم: 3 / 158 و 159، وصححه وكذا الذهبي.

الصفحة 274
وفدك وصدقة بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك... " (1).

وفي رواية قالت الزهراء (عليها السلام) لأبي بكر: (أفي الله أن ترث أباك، ولا أرث أبي؟ أما قال رسول الله: المرء يحفظ في ولده) (2).

وذكر ابن قتيبة أن أبا بكر وعمر جاءا يوما يلتمسان رضاها فقالت لهما:

(نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني). قالا: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: (فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه) (3).

لقد رحل رسول الله عن هذه الدنيا حزينا على أمته، حين كتبت على نفسها الضلال على يد الصحابة، وها هم الصحابة بالرغم من أمر الله لهم بمودة قربى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنهم عملوا العكس فأغضبوا الزهراء حين حرموها من ميراثها وأخذوا منها فدكا - قطعة أرض في خيبر - التي منحها إياها رسول الله.

وفي النصوص السابقة نرى أن الله ورسوله يغضبان لغضب الزهراء.

وفاطمة ماتت غاضبة على أبي بكر، والنتيجة نتركها للقارئ!

لقد ثبت أن فاطمة (عليها السلام) ماتت غاضبة على أبي بكر، ومتى ما غضبت، غضب الله ورسوله لغضبها. فلو كان حديث أبي بكر صحيحا لكان غضب فاطمة بغير حق، وبالتالي يكون غضب الله ورسوله بغير حق، ولذلك، يكون حديث أبي بكر غير صحيح!!

وهناك سؤال مثير للحيرة، وهو: كيف علم أبو بكر بأن الأنبياء لا يورثون ولم

____________

1 - (كتاب الخمس) باب الفرائض.

2 - تاريخ اليعقوبي: 2 / 12.

3 - الإمامة والسياسة: 1 / 13. أعلام النساء: 4 / 123 - 124.

الصفحة 275
تعلم فاطمة بذلك وهي صاحبة الشأن المتميز عنده (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! وهل يعقل أن رسول الله أخبر أبا بكر بهذا الأمر، ولم يخبر فاطمة به؟!

والعجب أن أبا بكر يرد شهادة سيدة النساء، وعلي باب مدينة علم رسول الله، والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وأم أيمن التي شهد لها الرسول بالجنة، يرد شهادة هؤلاء جميعا، ويقبل بشهادة رجل من المسلمين في قضية مشابهة لهذه!

عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: " لما مات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال أبو بكر: من كان له على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا "، قال جابر: في رواية اخرى: " فقمت فقلت: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " لو قد جاءنا مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا " فحثى أبو بكر مرة، ثم قال لي: عدها.

فعددتها فإذا هي خمسمائة. فقال: خذ مثليها " (1)، فلماذا لم يطلب أبو بكر من جابر شاهدين ويطلب من فاطمة؟!!

وقبل عمر برواية الضحاك بن سفيان عن " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها " ولم يطلب منه بينه على ذلك (2).

ففي عقيدة عمر: تجوز شهادة شخص عادي، فلماذا لم نره يدافع عن عقيدته هذه في قضية الزهراء (عليها السلام)؟!

والذي يدهش المرء أن أبا بكر نفسه قال: " لا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه " (3). يقول هذا ويتحدث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقول انفرد هو بروايته عن دون باقي الصحابة!

لقد احتجت الزهراء (عليها السلام) على أبي بكر بكتاب الله، فقالت: " أفعلى عمد تركتم

____________

1 - صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا قط فقال لا، وكثرة عطائه.

2 - رواه ابن ماجة: 2 / 883، الترمذي: 4 / 27، وقال حديث حسن صحيح.

3 - تذكرة الحفاظ: 1 / 3.

الصفحة 276
كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: (وورث سليمان داود) (1) وقال فيما اختص من خبر يحيى بن زكريا (عليهما السلام) إذ قال (فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب) (2)... ". بهذه الآيات وغيرها احتجت الزهراء على أبي بكر (3) فلماذا لم يجعل كتاب الله حكما بينه وبينها مع قوله "... فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله... "؟!

أجل، لقد غضب الله ورسوله لغضب فاطمة. والمؤمن الغيور على دين الله يغضب لغضب الله ورسوله، لا أن يقف قبالهما. فمن وافق أبا بكر على فعله فهو شريكه في إغضاب الزهراء ويكون عرضة لغضب الله ورسوله.

فالحذر.. الحذر..!

ولأي الأمور تدفن ليلا * بضعة المصطفى ويعفى ثراها؟!

محاولة حرق بيت الزهراء

بعد وفاة الرسول تفقد أبوبكر قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال:

والذي نفس عمر بيده، لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة، فقال: وإن.... ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم، نادت بأعلى صوتها: " يا أبت، يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك

____________

1 - النمل: 16.

2 - مريم: 5 و 6.

3 - راجع خطبتها الرائعة في الاحتجاج: 1 / 253 - 274. بلاغات النساء، أبي الفضل أحمد بن أبي طيفور البغدادي: ص 4، وقال رشيد رضا أثناء كلامه عن هذا الكتاب: " وفيه خطبة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) لما منعها أبو بكر ميراثها " مجلة المنار: 11 / 303، شرح النهج، ابن أبي الحديد: 4 / 78 - 79 و 93. أعلام النساء لعمر رضا كحالة: 3 / 1219.

الصفحة 277
من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة " (1).

ولشهرة هذه الحادثة تغنى بها شاعر النيل حافظ إبراهيم:

وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها ما كان غير أبي حفص بقائلها * أمام فارس عدنان وحاميها إن المرء ليقف مذهولا من موقف الصحابة هذا، أيصل الأمر بعمر أن يقسم على حرق بيت الزهراء - والصحابة مقرون له على فعله الشنيع هذا -؟! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لايدخل بيت الزهراء (عليها السلام) إلا بعد الاستئذان، وهو بيت طالما نزل فيه جبريل (عليه السلام)!

أهذه هي وصية الرسول بعترته؟ أليست فاطمة بضعة من الرسول؟! ألم يقل نبي الله: " من آذى فاطمة فقد آذاني "، " من أغضب فاطمة فقد أغضبني "؟ ألم يفرض الله مودتها في قرآنه: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (2)؟

فأين غابت هذه الحقائق عن عمر والصحابة؟ لابد من الاعتراف أن عمر ومن معه من الصحابة آذوا الزهراء، " ومن آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله " هذه نتيجة تنطق بها النصوص. فما رأيك - أيها المسلم في من يؤذي الله ورسوله؟!

موقعة الجمل!

هذه صفحة سوداء في سجل خير القرون! لقد سودها الصحابة وعلى رأسهم أم المؤمنين عائشة.

في أثناء حصار عثمان من قبل الثائرين عليه - وهم الصحابة -، خرجت عائشة

____________

1 - راجع حادثة التحريق والهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) في: تاريخ الطبري: 2 / 443. تاريخ أبي الفداء:

2 / 64. العقد الفريد: 4 / 254. الإمامة والسياسة: 1 / 12. أعلام النساء: 4 / 114. تاريخ اليعقوبي:

2 / 11. الفتوح، ابن أعثم: 1 / 13، شرح النهج، ابن أبي الحديد: 2 / 65.

2 - الشورى: 23.