الصفحة 344
المكي المدني، أما أحاديث النسخ فهي أحاديث آحاد، ولا ينسخ الآحاد القرآن، بالاضافة إلى أن أحاديث النسخ التي يحتج بها أهل السنة يعارضها ما أوردنا من روايات تثبت أن النهي عن المتعة كان من عمر.

وقد بقي قسم من السلف على القول بحلية نكاح المتعة. قال ابن حزم: " وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جماعة من السلف (1) منهم من الصحابة: أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد الخدري، وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف، ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر.

ثم قال: وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذ لم يشهد عليها عدلان فقط وأباحها بشهادة عدلين.

ثم قال: ومن التابعين: طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة اعزها الله " (2).

وروى القرطبي في تفسيره: " انه لم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن حصين وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت، وقال: قال أبو عمر: أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالا على مذهب ابن عباس " (3).

وفي المغني لابن قدامة الحنبلي: " حكي عن ابن عباس انها جائزة، وعليه أكثر أصحاب عطاء وطاووس، وبه قال ابن جريح، وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر، وإليه ذهب الشيعة لأنه قد ثبت أن النبي أذن فيها " (4).

وهذا يكفي في إثبات عدم نسخ هذا النكاح، بشهادة السلف أنفسهم كما مر فلو

____________

1 - المحلى: 9 / 519 - 520 المسألة 1854.

2 - 5 / 133.

3 - 7 / 1571، وانظر معالم المدرستين: 2 / 254.

الصفحة 345
كان هناك ناسخ، لعلمه الصحابة، كما علموا النواسخ في أحكام أخرى فهذا علي وابن عباس وجابر وعمران وابن مسعود وغيرهم الكثير بقوا على حليتها، فمحال ان لا يعلموا الناسخ، لو وجد، ومن المحال أن يعلموا به، ولا يلتفتوا إليه. إذن فليس هناك ناسخ (1).

نعم، لقد أنزل الله في كتابه آية في المتعة، ومات النبي ولم تنسخ، وبقي الصحابة يمارسون هذا النكاح، كما سبق، حتى نهاهم عمر عن ذلك. ومن المعلوم أنه لا نسخ للأحكام بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فالأحكام استقرت كما هي عليه حتى قيام الساعة.

فليس من حق أحد أن يلغي حكما شرعيا، لمصلحة يراها. إن الله حين شرع هذا النكاح كان يعلم بأن هناك أمورا كثيرة ستحدث، ولم يقل بإلغاء حكم شرعي تبعا لمصلحة ما، فكيف يقوم عمر بإلغاء حكم شرعي، ويعاقب عليه، وقد رخص الله فيه؟

أليس هذا تحريم الحلال؟! فعمر لم يسلم للنص، بل تأوله وخرج عليه دون مسوغ شرعي.

____________

1 - قد يستنكر البعض هذا النكاح ويحملون عليه ولكن من اطلع على فلسفة تشريعه فلن يبقى في نفسه شئ، فإن للإنسان شهوتين: شهوة البطن، وشهوة الفرج. والله حين خلق هاتين الشهوتين وضع السبيل للسيطرة عليهما، فشهوة البطن جعل لها الطعام والشراب، وشهوة الفرج جعل لها الزواج. فمن لا يستطيع الزواج الدائم كالمسافر فماذا يفعل؟ لقد شرع الله حلا آخر له وهو الزواج المؤقت. ومعلوم أن شهوة البطن أقل خطرا من شهوة الفرج ومع ذلك جعل الله سبيلا لإطفاء نار هذه الشهوة في كل لحظة، وهو الطعام، وبما أن شهوة الفرج، أخطر من شهوة البطن، فمن المحال ان يهملها الله فيعنى بالمهم - شهوة البطن - ويترك الأهم - شهوة الفرج - وقد ذهب شيخ الأزهر أحمد الباقوري إلى أن إباحة نكاح المتعة يحل مشكلات الجنس عند الشباب، بخاصة شباب المسلمين عندما يتغربون. ذكر ذلك الأستاذ محمد بلتاجي، ومن أراد الاطلاع على فلسفة تشريع هذا النكاح، فعليه بكتاب الفكيكي (المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي)، وهناك بحث رائع لمحمد تقي الحكيم عن المتعة في كتابه (سنة أهل البيت ومواضع أخرى) فليراجع.

الصفحة 346

صلاة التراويح

روى الترمذي (وحسنه): إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لبلال بن الحرث: " اعلم ": قال:

ما أعلم يا رسول الله؟ قال: " اعلم يابلال، قال: ما أعلم يارسول الله قال: إنه من أحيا سنة من سنتي قد اميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا. ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله، كان عليه مثل آثام من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا " (1).

أخرج البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون... فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب (قال): ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه (2).

قال القسطلاني في شرح كلمة عمر الأخيرة: " سماها بدعة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يسن لهم، ولا كانت في زمن الصديق (رضي الله عنه)، ولا أول الليل، ولا هذا العدد... " (3).

هذه قضية أخرى وقف الصحابة بها ضد النص. فالسنة التي تركهم عليها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، واضحة لا مجال للاجتهاد فيها، ولكن الصحابة لم يلتزموا بالسنة التي تركهم عليها النبي، بل غيروها. والعجب في أن أهل السنة تركوا سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كيفية إحياء ليالي رمضان واتبعوا سنة عمر! فكيف يقول أهل السنة عن أنفسهم بأنهم أهل السنة وقد تركوا سنة الرسول؟!! فإلى أين؟ إلى أين؟ لم لا تتبع سنة الرسول

____________

1 - سنن الترمذي: 5 / 44.

2 - كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان.

3 - إرشاد الساري: 5 / 4.

الصفحة 347
التي ترك الناس عليها؟! أم أن تشريع عمر أمثل من تشريع الله؟ إن عمر نفسه اعتقد بذلك. ألا ترى قوله: " لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل "؟! فتشريعه هذا أمثل من تشريع الله، وأهل السنة اعتقدوا بذلك حين اتبعوا تشريع عمر هذا.

الطلاق الثلاث

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوقع الطلاق الثلاث في مجلس واحد، طلقة واحدة. فعن ابن عباس قال: " طلق ركانة زوجته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " كيف طلقتها "؟ قال ثلاثا. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " في مجلس واحد "؟

قال: نعم. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " فإنما تلك واحدة، فارجعها إن شئت " (1).

واستمر الأمر هكذا على عهد الرسول واستقر على هذا التشريع، ولكن عمر، في عهده، جعل طلاق الثلاث بلفظ واحد، ثلاث طلقات.

عن ابن عباس قال: " كان الطلاق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم " (2).

هذه قضية أخرى لم يسلم عمر فيها للنص، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال " إنما تلك واحدة "، وعمر جعلها ثلاثا. وجمهور أهل السنة، ومنهم الأئمة الأربعة، اتبعوا قول عمر، خلافا للرسول. ولكن هل يرضي هذا العمل رسول الله؟ يجيبنا عن ذلك رسول الله نفسه. جاء في سنن النسائي بالإسناد إلى محمود بن لبيد قال: " أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا. فقام (صلى الله عليه وآله وسلم) غضبانا، ثم قال: " أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم "؟ حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله " (3).

____________

1 - مجلة المنار، رشيد رضا نقلا عن البيهقي وأخرج الحديث ابن إسحاق في سيرته: 2 / 191.

2 - صحيح مسلم (كتاب الطلاق) باب طلاق الثلاث.

3 - سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي وحاشية الإمام السندي المجلد الثالث: 6 / 142.

الصفحة 348
قال السيوطي في شرحه للحديث: " وظاهر الحديث التحريم والجمهور على أنه إذا جمع بين الثلاث يقع الثلاث، ولا عبرة بخلاف ذلك عندهم أصلا " (1).

إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث السابق جعل الطلاق الثلاث - بإنشاء واحد - لعبا بكتاب الله كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم)، وغضب لذلك. فبماذا يا ترى يوصف فعل عمر المذكور؟!

الصلاة خير من النوم

هذه العبارة التي تسمع كل يوم في أذان الفجر، لم تكن في الأذان الذي جاء به الإسلام، ومات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأذان كما هو، حتى جاء عمر وأضافها إليه.

أخرج مالك في موطئه: " أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح، فوجده نائما. فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح " (2).

ليت شعري ماذا حل بالإسلام بعد رسول الله؟ هذا يزيد عليه، وذاك ينقص منه ويغير، وآخر يلغي حكما... ولماذا يفعلون هذا؟ أفترك الله تشريعاته ناقصة فاستدرك هؤلاء عليه؟ أم أن التشريع الإسلامي يصلح لزمن دون زمن ومكان دون آخر؟ حاشا للإسلام العظيم من هذا الخلط. بل هذا من صفات القانون البشري. أما تشريعات السماء فهي كاملة لا تحتاج إلى معدل ولا مبدل.

يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد " والصحابة في قضية الأذان، أحدثوا به في الإسلام ما ليس منه، فهو رد، ولكنا نرى أهل السنة مع ما يدعون من الالتزام بسنة الرسول، وعدم تجاوز النص أراهم، قد خرجوا على النص وأضافوا عليه ما لم ينزل الله به من سلطان، فقرنوا قول عمر بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلا لو كانوا حقا اتباع النص لما رضوا بهذه الزيادة، فأين أهل السنة من السنة؟!

____________

1 - سنن النسائي بشرح السيوطي: 6 / 143.

2 - 1 / 25 وأخرجه الدارقطني كما قال الزرقاني في شرحه على الموطأ كما أخرجه ابن أبي شيبة.

الصفحة 349

عمر ينهى النبي...!!

أخرج البخاري بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: " لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله إعطني قميصك اكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه وقال له: إذا فرغت منه فآذنا، فلما فرغ منه آذنه به، فجاء ليصلي عليه، فجذبه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟! فقال:

(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) (1)؟ (قال ابن عمر) فنزلت (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (2) فترك الصلاة عليهم " (3).

وهذه حادثة قدم فيها عمر قوله بين يدي الرسول بأبشع صورة. وكأنه أعلم منه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن الذي نزل عليه! أو كأنه شريك له في رسالته؟! لكن رسول الله لم يأخذ بكلامه وصلى على ابن أبي (4).

وقد كان عمر يقول معترفا بخطئه: " أصبت في الإسلام هفوة، ما أصبت مثلها قط، أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصلي على عبد الله بن أبي، فأخذت بثوبه فقلت له: والله ما أمرك الله بهذا لقد قال الله لك: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم... " (5).

فهذا اجتهاد من عمر، أمام السنة الفعلية، فهو لم يسلم للنص، بل اعترض عليه بكل خشونة. فهل هذا اتباع للسنة؟!!

____________

1 - التوبة: 80.

2 - التوبة: 84.

3 - كتاب اللباس، باب لبس القميص.

4 - راجع صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، مسند أحمد: 2 / 18.

5 - أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الشعبي، انظر كنز العمال المطبوع بهامش المسند حديث رقم 4404 والنص والاجتهاد: ص 177.

الصفحة 350
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (1).

عمر ينهى النبي ثانية!!

أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا هريرة أن يؤذن بالناس، من لقي الله (2) بالتوحيد مطمئنا به قلبه فله الجنة. حيث قال له: " إذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة ". فكان أول من لقيه عمر فسأله عن شأنه، فأخبره بما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أبو هريرة - كما جاء في صحيح مسلم - " فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة. فرجعت إلى رسول الله فأجهشت بكاء، وركبني عمر فإذا هو على أثري. فقال لي رسول الله: " مالك يا أبا هريرة "؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي قال: ارجع. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا عمر ما حملك على ما فعلت؟

قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: " نعم ". قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون، قال رسول الله: " فخلهم " (3).

وهذه حادثة أخرى يعترض فيها عمر على النص ويقدم رأيه عليه. والعجب من قول عمر للرسول " لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها ".

فلا أدري هل كان عمر مستشارا خاصا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! أم كان شريكا له في نبوته؟! وبأي حق يعترض على فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وهل خفي على سيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم) وفطن عمر لما في عواقب التبشير، إن كانت له عواقب؟!

____________

1 - النساء: 65.

2 - صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا.

الصفحة 351
وها نحن الآن علمنا قول النبي من قال لا إله إلا الله... دخل الجنة، فلماذا لانتكل عليها؟! ألأننا أكثر إيمانا من الصحابة؟ لا أعتقد أن أهل السنة يرضون بهذا. إذن، لماذا إذا سمع الصحابة ببشارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اتكلوا عليها وإذا سمعنا نحن لم نتكل عليها؟!! فهل هناك جواب؟

والأدهى ما نسب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من موافقته لعمر وقوله: " فخلهم " فهذه العبارة نسبت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حفاظا على كرامة عمر. وحاشا للنبي أن يرجع بكلامه، فكلامه كلام الله (وما ينطق عن الهوى) (1) (إن اتبع إلا ما يوحى إلي) (2) (وما أنا من المتكلفين) (3) وبما أن كلام النبي هو تعبير عن كلام الله، فلا يصح إرجاعه وتبديله لقول الله تعالى: (ما يبدل القول لدي) (4).

ولطالما بشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس بأن من شهد الشهادتين، دخل الجنة. أخرج البخاري عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: " ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة " (5).

وقد كرر النبي هذه البشارة على مسامع الصحابة، ومنهم: عمر وعثمان ومعاذ وعبادة بن الصامت وغيرهم (6).

فكيف يقتنع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغ هذه البشارة وهو يعرف أنها مدعاة للاتكال عليها، ثم يقوم بتبليغها.

____________

1 - النجم: 3.

2 - يونس: 15.

3 - سورة ص: 86.

4 - سورة ق: 29.

5 - صحيح البخاري: كتاب اللباس، باب الثياب البيض.

6 - راجع صحيح مسلم في باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة، النص والاجتهاد: 180.

الصفحة 352

عثمان وعائشة اجتهدا أمام النص

وشارك عثمان وعائشة بقية الصحابة في الخروج على النص المحكم، فهما كانا يتمان الصلاة في السفر، بالرغم من ان سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها بالقصر.

أخرج مسلم عن ابن عمر قال: " صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنى ركعتين. وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعا، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا. وإذا صلاها وحده صلى ركعتين " (1).

وأخرج الشيخان عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: " صلى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات، فقيل لعبدالله بن مسعود، فاسترجع ثم قال: صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر ركعتين، وصليت مع عمر بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان " (2).

وأخرج مسلم عن الزهري عن عائشة: " أن الصلاة أول ما فرضت ركعتين.

قالت عائشة: فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة:

ما بال عائشة تتم في السفر. قال: إنها تأولت كما تأول عثمان " (3).

إن عثمان وعائشة خالفا سنة الرسول في صلاة السفر، فهما لم يسلما للنص. وليت شعري أين ذهب قول الله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (4)؟ أم أين ذهب قول الرسول: " فمن رغب عن سنتي فليس مني " (5) وكيف يمكن عد عثمان وعائشة من أتباع المدرسة النصية وقد خرجا على النص المحكم دون مسوغ شرعي؟! ننتظر الجواب.

____________

1 - صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب قصر الصلاة بمنى.

2 - راجع النص والاجتهاد: ص 286.

3 - صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها.

4 - الأحزاب: 21.

5 - صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح.

الصفحة 353

معاوية أيضا

وما أكثر اجتهاداته أمام النصوص وخروجه عليها. فهو أول من ترك التلبية في الحج.. أخرج النسائي والبيهقي من طريق سعيد بن جبير قال: " كنت مع ابن عباس بعرفات فقال: ما لي لا أسمع الناس يلبون؟ قلت: يخافون معاوية (1) فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك لبيك، فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي " (2).

قال السندي في تعليقه على سنن النسائي: " من بغض علي أي لأجل بغضه أي هو كان يتقيد بالسنن فهؤلاء تركوها بغضا له " (3). إن معاوية قد خرج على النص دون مسوغ، وخالف سنة النبي في التلبية (4) وحمل الناس على مخالفتها حتى اضطر ابن عباس إلى لعنهم. وقال ابن حزم: " كان معاوية ينهى عن ذلك " أي التلبية (5).

قال ابن حزم: " لايقطع التلبية إلا مع آخر حصاة من جمرة العقبة " (6)، وقال ابن حجر: " وباستمرارها - أي التلبية - قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم " (7).

لقد ترك معاوية سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه، فما هو حكم من يترك سنة الرسول؟

ويبدو إن شيعة معاوية يتوجسون مني خيفة فليذروني، فلن أحكم عليه أنا، بل النص

____________

1 - عجبا من أهل القرون الأولى - وهم كما يقال خير القرون - يتركون التلبية خوفا من معاوية ولا يخافون من رب معاوية!!

2 - سنن النسائي بشرح السيوطي: 5 / 253. البيهقي: 5 / 113. مسند أحمد: 1 / 217.

3 - إن التاريخ يعيد نفسه فكما ترك معاوية السنة خلافا لعلي فعل أهل السنة وتركوا السنة خلافا للشيعة، والشيعة تمسكوا بالسنة تبعا لعلي.

4 - راجع مثلا سنن الترمذي: 3 / 187.

5 - المحلى: 7 / 136.

6 - المحلى: 7 / 135.

7 - فتح الباري: 3 / 419.

الصفحة 354
الذي ينادون بالرجوع إليه وهو الحاكم.

روى الحاكم والطبراني وابن حبان عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " ستة لعنتهم ولعنهم الله... والتارك لسنتي " (1). فمن كان في نفسه شئ علينا فليراجع النبي إن استطاع، وإلا فليسلم للنص.

ومعاوية أول من أحدث الأذان في العيدين. قال ابن حجر: " اختلف في أول من أحدث الأذان فيها. فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه معاوية، وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله " (2).

قال مالك في الموطأ " حدثني يحيى عن مالك أنه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن في عيد الفطر ولا في الأضحى نداء، ولا إقامة منذ زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليوم. قال مالك: وتلك السنة لا اختلاف فيها عندنا " (3).

يقول الشوكاني: " أحاديث الباب تدل على عدم شرعية الأذان والإقامة في صلاة العيدين، قال العراقي: وعليه عمل العلماء كافة، وقال ابن قدامة في المغني: ولا نعلم في هذا خلافا ممن يعتد بخلافه " (4).

وأقام معاوية صلاة الجمعة وقت الضحى (5) ووقتها في شريعة الله عند الزوال (6). وكان يحكم بجواز الجمع بين الأختين المملوكتين ويعترض عليه الناس فلا يبالي (7).

____________

1 - حجية السنة: ص 314.

2 - فتح الباري: 2 / 362.

3 - الموطأ: 1 / 177.

4 - نيل الأوطار: 3 / 364.

5 - فتح الباري: 2 / 309، وقد أقامها يوم الأربعاء في طريقه لصفين!

6 - صحيح البخاري: كتاب الجمعة، باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس.

7 - الدر المنثور 2 / 137 وراجع الجزء الثامن من الغدير للأميني.

الصفحة 355
ومعاوية هو أول من قدم الخطبة على الصلاة في العيدين، وكان يحلل الربا، ويشرب الخمر، وسن سب الإمام علي (عليه السلام) على المنابر، وكان يقنت في صلاته بلعنه، وأمر الناس بلعنه (1). ومعاوية هو أول من ترك التكبير. عن أبي هريرة: " إن أول من ترك التكبير معاوية " (2). وكان معاوية يتم الصلاة في السفر خلافا للسنة (3).

الحق إنني أعجب من هذه الاجتهادات المتعمدة. ويزداد عجبي ممن يصر على اعتقاده بعدالة معاوية. فما هو الإسلام عند معاوية؟ أهو دين أم طين يقلبه كيف يشاء؟!

وكيف يمكن عد معاوية من أتباع النص، وقد ضرب به عرض الجدار كما ورد ذكره في هذه القضايا.

إن الله يقول لرسوله: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين) (4) (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) (5).

هذا خطاب الله لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعاوية قد تقول على الله ورسوله وغير وبدل وزاد ونقص، فما هو حكمه يا ترى؟ سل النص السابق ولا بد من التسليم له.

تعليق لا غنى عنه لكل باحث

لقد ثبت: إن الصحابة تأولوا نصوص الكتاب والسنة، وخرجوا عليها وزادوا فيها ونقصوا منها، وبعبارة أوفى: الصحابة لم يسلموا للنص المحكم الذي لا مجال للاجتهاد فيه.

____________

1 - راجع ما كتبناه عنه سابقا.

2 - الطبراني ونيل الأوطار، أنظر: فتح الباري: 2 / 215.

3 - الطبراني وأحمد، أنظر الغدير: 10 / 19.

4 - الحاقة: 44 - 46.

5 - يونس: 15.

الصفحة 356
يقول الأستاذ الأزهري خالد محمد خالد: " ترك عمر بن الخطاب، النصوص الدينية المقدسة من القرآن والسنة، عندما دعته المصلحة لذلك، فبينما يقسم القرآن للمؤلفة قلوبهم حظا من الزكاة ويؤديه الرسول وأبو بكر، يأتي عمر فيقول لا نعطي على الإسلام شيئا، وبينما يجيز الرسول وأبو بكر بيع امهات الأولاد يأتي عمر فيحرم بيعهن، وبينما الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع واحدا بحكم السنة والإجماع، جاء عمر فترك السنة وحطم الإجماع " (1).

إن النصوص التي اجتهد في مخالفتها الصحابة تزيد على المائة وكلها من المحكمات التي لا مجال للاجتهاد فيها (2).

ونسأل الآن: هل يمكن عد من يقدم رأيه على النص المحكم ويتأوله من أتباع المدرسة النصية؟ الجواب واضح، فالصحابة إذن ليسوا من أتباع النص، إذ لم يكونوا يسلمون له، خلافا لما يطبل له السلفية، فقول أهل السنة: نحن نتبع الكتاب والسنة ولا نخرج عن ظواهرهما، تبعا للسلف الصالح، قول خاطئ، فالسلف الصالح كانوا يخرجون على ظواهر النصوص دون دليل. ولذلك، يصدق القول على السلفية بأنهم أهل التأويل والاجتهاد، تبعا للسلف الصالح لا أهل الكتاب والسنة، فأهل الكتاب والسنة لا يقدمون عليهما أقوال غيرهما، والسلفية قدموا قول الصحابة على قول الله ورسوله، كما في الأمثلة السابقة.

ربما، سيتولى أحدهم الرد على هذه الحقائق بالقول بعد أن انقبض وجهه واصطكت أسنانه وطار لبه: إن الصحابة اجمعوا على هذه الأمور ولم يخالف أحد منهم أوامر ونواهي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم أعلم منا بالكتاب والسنة.

____________

1 - الديمقراطية: ص 151.

2 - راجع للاستزادة: النص والاجتهاد لشرف الدين والغدير للأميني وما كتبناه سابقا من مخالفات الصحابة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

الصفحة 357
عجيب والله هذا الإجماع الذي يلغي ويزيد حكما ثابتا في الكتاب والسنة. ومن المتفق عليه أنه لانسخ بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وإذا اتفق الصحابة على جعل صلاة التراويح بهذه الكيفية، فصلاة الرسول خاطئة - والعياذ بالله - وإذا كان قول عمر في طلاق الثلاث صحيحا فالطلاق الذي جاء به الإسلام خاطئ - والعياذ بالله -.

إن الاحتجاج بإجماع الصحابة على هذا الفعل مخالف لما قرر من أن الحكم للنص وبه يقاس كل شئ، وأنا أجزم بأن هناك من عارض هذه الاجتهادات من الصحابة ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

وقد يأتي آخر ويقول: نحن قصدنا بالتسليم للنص هو التسليم للنص الذي يتناول العقائد كنصوص آيات الصفات مثلا.

مرحى مرحى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) (1) إن الكتاب والسنة كيان واحد، ولا فرق بين آيات العقيدة وآيات الأحكام، فكلها من عند الله، وتأويل نص تشريعي هو كتأويل نص عقيدي ولا فرق بينهما فهذا نص وهذا نص، ومن يفرق بينهما فليأتنا بدليله (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (2).

وإذا كان تأويل نص تشريعي دون مسوغ جائز عند السلفية، فلماذا يقيمون الدنيا ويقعدونها على فقهاء المذاهب الأربعة الذين يتأولون النصوص بما يوافق آراء أئمتهم؟! أحلال لكم وحرام على غيركم؟! فهلا فعلتم مع الصحابة الذين خرجوا على النصوص دون دليل، مثلما تفعلون مع فقهاء المذاهب؟!! وإذا كان الصحابة مجتهدين، فلماذا لا تجعلون فقهاء المذاهب مجتهدين؟!

وهل لنا أن نقف مع اجتهادات الصحابة السالفة لنرى ما موقعها عند الله ورسوله؟

نعم، لنجعل الحكم لكتاب الله وسنة نبيه، فهما القول الفصل وهذا ما ينادي به دعاة السلفية، ولكن ينبغي التسليم للنص مهما كان الحكم.

____________

1 - البقرة: 85.

2 - النمل: 64.

الصفحة 358
لو أخذنا سهم المؤلفة قلوبهم، الذي أسقطه عمر ووافقه أبو بكر، لوجدناه فريضة بنص القرآن فالله قال في نهاية آية الزكاة (فريضة من الله) نعم، فريضة أسقطها الصحابة، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إن الله حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها... " (1).

فالصحابة حين أسقطوا سهم المؤلفة قلوبهم... هل تركوا الحكم للنص.

ولو نظرنا في نكاح المتعة لوجدنا أن الله قد شرعه في محكم قرآنه، ومات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينسخ - ودون اثبات نسخه خرط القتاد - هذا النكاح، حرمه عمر. فعمر حرم الحلال، وحكم تحريم الحلال يعرفه كل مسلم!

ولو نظرنا في كيفية إحياء ليالي رمضان، لوجدنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد صلى النوافل منفردا واستقرت الشريعة على ذلك، وعمر والصحابة غيروا هذه السنة فجعلوها جماعة - خلافا للسنة - والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " من رغب عن سنتي فليس مني ".

قال ابن حجر في تفسير الحديث: "... والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني " (2). إن الصحابة تركوا اسلوب الرسول في كيفية صلاة نافلة رمضان واخذوا باسلوب عمر، والسلفية أخذوا باسلوب عمر، دون اسلوب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذن فهم والصحابة ليسوا من النبي.

فكيف يسمي السلفية أنفسهم بأهل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! فطالما رددوا هذا البيت من الشعر:

أهل الحديث هم أهل الرسول وإن * لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا

ليت شعري من يقول لنا كيف يكونون أهل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد تركوا اسلوبه وأخذوا باسلوب غيره؟!! كيف يكونون أهله والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لهم: لستم مني؟!!

____________

1 - مستدرك الحاكم: 4 / 115.

2 - فتح الباري: 9 / 86.

الصفحة 359
عن عائشة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " ستة لعنتهم ولعنهم الله... والتارك لسنتي " (1) هذا حكم الرسول.

هذا الاسلوب الذي اخترعه عمر - صلاة التراويح - بدعة كما قال هو بنفسه.

والسلفية يمارسون هذه البدعة منذ أربعة عشر قرنا. وهم يحملون دائما على أصحاب البدع بالشتائم، وقد يخرجونهم من الدين. بالرغم من أن عمر هو أول من ابتدع في الدين. فهو الذى قال: " نعم البدعة هذه " أفنكذب قوله بعد وروده في الصحاح؟!!

يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "... وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار " (2)، وقال: " إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته " (3).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " (4).

قال شيخنا القيسي: " وصدق ابن تيمية إذ يقول: البدع بريد الكفر " (5).

ولا أدري هل يقبل السلفية أحكام الرسول السابقة على البدعة؟ وبما أن صلاة التراويح بدعة - حسب قول عمر - فهي تدخل إذن تحت هذه الأحكام.

وقال الألباني: " وإن من عجائب الدنيا أن يحتج بعض الناس... على أن في الدين بدعة حسنة، وأن الدليل على حسنها اعتياد المسلمين لها " (6) اقرأ واعجب.

وقال ابن عمر: " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " (7).

____________

1 - سبق تخريجه.

2 - قال أستاذنا القيسي: " أخرجه مسلم وأخرجه النسائي: (1 / 234) معالم التوحيد: ص 70.

3 - قال القيسي: " صحيح أخرجه الطبراني والترمذي وهو في السلسلة رقم 1620 ".

4 - صحيح البخاري: كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود.

5 - معالم التوحيد: ص 73 عن مجموع الرسائل والمسائل: 4 / 250.

6 - سلسلة الأحاديث الضعيفة: 2 / 17 ح 533.

7 - قال القيسي: " أخرجه الدارمي بإسناد حسن، معالم التوحيد: ص 71، وقال مشهور حسن سلمان في تعليقه على كتاب: الأمن بالاتباع والنهي عن الابتداع: وسنده صحيح ص 64.

الصفحة 360
ولا يجوز تأويل الكتاب والسنة بما يتوافق مع أعمال الرجال، لأن هذا يوقع في اضطراب وضلال، حسب ما أفادنا به استاذنا السلفي قال: "... فإن من عدل عن الكتاب والسنة إلى غيرهما، أو أراد أن يجمع الكتاب والسنة مع غيرهما، وعند التعارض يؤول نصوص الكتاب والسنة لصالح المعتقدات... فإن أمره لا بد ان ينتهي إلى الاضطراب والضلال " (1).

وما دمنا نتكلم في صلاة التراويح فيحسن بنا ذكر هذه الشهادة لأستاذنا القيسي قال: " أما مظاهر إعراض أدعياء العلم والدين عن الكتاب والسنة فكثيرة أذكر منها:...

4 - إدخال مفهوم البدعة الحسنة والسيئة في الإسلام مما أدى إلى تشويه صورة الإسلام الأصيلة وخلطه بمفاهيم غريبة. أليس ذلك إعراضا واضحا عن قوله عليه السلام " وكل بدعة ضلالة "؟! (2) يقول ابن عباس (رضي الله عنه): " أما تخافون أن تعذبوا أو يخسف بكم أن تقولوا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال فلان " (3)؟ وقال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " (4).

وقال الإمام مالك بن أنس: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة، لأن الله يقول: (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (5)، فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا " (6).

____________

1 - معالم التوحيد: ص 65.

2 - معالم التوحيد: ص 66.

3 - الدارمي في سننه: 1 / 114. الإحكام، ابن حزم: 2 / 148.

4 - أخرجه الطبراني، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 1 / 181 رجاله رجال الصحيح، راجع معالم التوحيد.

5 - المائدة: 4.

6 - معالم التوحيد، أستاذنا القيسي: ص 72.

الصفحة 361
إن هذه والله لشهادة خطيرة من الإمام مالك. ولا أدري ما موقف أهل السنة من بدعة التراويح بناءا على قول مالك هذا؟! اللهم إننا لا نأتي بشئ من عندنا.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: " من رد حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو على شفا هلكة " (1).

إن الصحابة ردوا من كتاب الله آية المؤلفة قلوبهم، وآية المتعة... وردوا سنة الرسول في طلاق الثلاث بمجلس واحد، ورد السلفية سنة الرسول في كيفية صلاة نافلة رمضان... فأين موقع قول الإمام أحمد من هذه الردود للنصوص؟!!

ويقول ابن تيمية: " فمن تعصب لواحد معين غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرى أن قوله هو الصواب الذي يجب اتباعه، دون الأئمة المتأخرين، فهو ضال جاهل، بل قد يكون كافرا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل " (2).

لقد ترك السلفية، سنة الرسول في كيفية إحياء ليالي رمضان وفي المتعة والخمس والمؤلفة قلوبهم... فهل يا ترى ينطبق عليهم قول إمامهم الكبير؟!! لقد جنى ابن تيمية على نفسه وشيعته فضلا عن سلفه الذين رأوا أن اجتهادات عمر أصوب وأمثل من تشريع السماء!!

وقال الشوكاني: " ولو فرضنا - والعياذ بالله - أن عالما من علماء الإسلام يجعل قوله كقول الله تعالى أو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكان كافرا مرتدا، فضلا عن أن يجعل قوله أقدم من قول الله ورسوله - فإنا لله وإنا إليه راجعون " (3).

إنا لله وإنا إليه راجعون. إني أقف حائرا حين أقرأ تأويلات الصحابة وتقديم

____________

1 - المصدر السابق: ص 73 من المناقب لابن الجوزي: ص 182.

2 - مجموع فتاوى ابن تيمية: 22 / 248 - 249.

3 - القول المفيد: ص 25.