بل قدموها عليهما، وأصبحت أقوالهم سنة متبعة تبنى عليها الأحكام (2). ومن يغضبه هذا الكلام فعليه محاسبة الشوكاني، ومن خرج هذه التأويلات. فنحن لم نأت بشئ من مخيلتنا.
وقال صلاح الدين مقبول السلفي: " فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا
____________
1 - أليست الامثلة التي ذكرناها من اجتهادات الصحابة خير دليل على أن الصحابة جعلوا أقوالهم كقول الله والرسول؟! وتأمل برزية الخميس، ألم يجعل الصحابة بقيادة عمر قولهم بجنب قول الرسول؟! وألا ترى معي أنهم قدموا قولهم على قوله؟!
وماذا سيقول الشوكاني والسلفية في الأحكام التي أصدروها ضد كل من يقدم رأيه على النص؟! ما الخبر أيها المسلمون؟ ولماذا إذا وصل الأمر إلى الصحابة تتلعثمون؟ هذا كتاب الله وهذه سنة رسوله حكموهما في هذه الحادثة - رزية الخميس - لتقيموا موقف الصحابة، فطالما دعوتم للرجوع إلى الكتاب والسنة وقياس الرجال عليهما.
فبينوا لنا حكم الله ورسوله على موقف الصحابة هذا. إن لم تجرأوا، فلننتفع بشئ من إشارات ابن القيم، ففي قوله تعالى * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * - الأحزاب 36.
يقول ابن القيم أحد أعلام السلفية: " فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه وقضاء رسوله، ومن تخير بعد ذلك، فقد ضل ضلالا مبينا " إعلام الموقعين: 1 / 57، والصحابة تخيروا، فانظر ماذا ترى؟!!
وفي قوله تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) *، سورة النساء: 65 قال ابن القيم: " أقسم سبحانه بنفسه، على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم " إعلام الموقعين: 1 / 57. لكن الصحابة لم يحكموا الرسول فيما شجر بينهم بل أخذوا يردون عليه وأكثروا اللغط حتى طردهم، فليفرح ابن القيم وشيعته.
2 - فالحنفية مثلا قالوا: إن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط اعتمادا على فعل الصحابة.
بلى والله!! الحق إني أوافقك في هذا يا شيخ صلاح " إذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم، فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم...؟ ".
ليت شعري ماذا يقول هذا الشيخ ومن معه بسلفه الذين قدموا آراءهم وعقولهم على قول الله وقول رسوله؟! أيقول فيهم ما قاله هنا؟! اللهم اشهد..
وقال أستاذنا القيسي: " فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله (3) ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
أي سلم لنصوص الكتاب والسنة ولم يعترض عليها بالشكوك والشبه والتأويلات، ولم يعارضهما برأيه وبما يوصله إليه عقله " (4).
لقد صدقت يا أستاذنا. فالحمدلله الذي أنقذنا ولم يجعلنا نتبع من عارضوا الكتاب والسنة بآرائهم وبذلك سلمنا في ديننا، نسأل الله الهداية للجميع.
أهل السنة يخالفون السنة
لقد تمرد الصحابة على النص ولم يسلموا له، وتبعهم أهل السنة في ذلك، فحرموا نكاح المتعة تبعا لعمر، واتبعوا طريقة عمر في صلاة نافلة رمضان - التراويح - خلافا للسنة...
اللهم إلا طلاق الثلاث في مجلس واحد، فقد جعلوه طلقة واحدة تبعا لابن تيمية الذي أفتى بذلك. وأنا أشهد بأنهم اصابوا السنة في هذه.
____________
1 - يشير بهذا إلى قوله تعالى: * (يآ أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) * سورة الحجرات: 2، مع العلم بأن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر حين رفعوا أصواتهم فوق صوت النبي لقصة معروفة حسبما روى لنا البخاري.
2 - تقديمه لكتاب تحفة الأنام في العمل بحديث النبي (عليه السلام): ص 10.
3 - التحفة السنية في تهذيب شرح العقيدة الطحاوية: ص 29.
تكبيرات صلاة الجنازة
وهذه سنة أخرى تركها أهل السنة فهم يكبرون على الجنازة أربعا بدلا من خمس تكبيرات كما جاءت السنة بها.
أخرج الإمام أحمد عن عبدالأعلى، قال: " صليت خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبر خمسا، فقام إليه أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى فأخذ بيده فقال: نسيت؟ قال:
لا، ولكن صليت خلف أبي القاسم خليلي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكبر خمسا فلا أتركها أبدا " (1).
وأخرج الإمام أحمد من طريق يحيى بن عبد الله الجابر، قال: صليت خلف عيسى مولى لحذيفة بالمدائن على جنازة فكبر خمسا، ثم التفت إلينا فقال: ما وهمت ولا نسيت ولكن كبرت كما كبر مولاي وولي نعمتي حذيفة بن اليمان، صلى على جنازة وكبر خمسا ثم التفت إلينا فقال: ما نسيت ولا وهمت ولكن كبرت كما كبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على جنازة فكبر خمسا " (2).
قال ابن القيم: " وصح عنه - أي النبي - أنه كبر خمسا " (3).
هذه هي سنة الرسول. خمس تكبيرات، فكيف ترك أهل السنة هذه السنة مع أنهم يتغنون بأنهم أهلها؟ وأنا أشهد بأن السلفية نادوا كثيرا بالرجوع للكتاب والسنة، ولكن للأسف كانوا هم أول من خالفهما، وهذا دليل من عشرات الأدلة على ذلك.
____________
1 - مسند أحمد: 4 / 370، وذكر هذه السنة السيوطي في تاريخ الخلفاء حين ذكر وفاة عمر 23 هـ مطبوع بهامش تاريخ ابن الأثير، ابن الشحنة في روضة المناظر.
2 - مسند أحمد: 5 / 406، ورواه الحافظ الذهبي في ترجمة يحيى بن عبد الله في ميزان الاعتدال برقم 9559، راجع النص والاجتهاد: ص 214. عمدة القاري: 4 / 129.
3 - زاد المعاد: 1 / 507.
حي على خير العمل
هذه العبارة كانت في الأذان والإقامة اللذين جاء بهما التشريع الإسلامي، وقد يستغرب البعض من ذلك لأننا لا نسمعها. بلى، لانسمعها لأنه نهى عنها عمر بن الخطاب وتبعه أهل السنة في ذلك.
قال عمر وهو على المنبر: " ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل " (1).
وكان ابن عمر وزين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يقولان في الأذان بعد حي على الفلاح: حي على خير العمل (2).
إنهم يقتطعون من الأذان عبارة " حي على خير العمل " ويضيفون عبارة ما أنزل الله بها من سلطان " الصلاة خير من النوم " فواحسرتاه على ما حل بالإسلام!
الجمع بين الصلاتين
ونقصد به الجمع بين الصلاتين بالحضر وبدون عذر من سفر وخوف ومرض، فتجمع صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، وصورة هذا الجمع مارسها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
أخرج البخاري عن ابن عباس قال: صلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعا جميعا وثمانيا جميعا (3).
وفي صحيح مسلم بسنده إلى ابن عباس قال: " صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر " (4).
____________
1 - السيرة الحلبية: 2 / 110 باب بدء الأذان ومشروعيته.
2 - المصدر السابق.
3 - 1 / 145: باب وقت المغرب. مسند أحمد: 1 / 22.
4 - صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
وروى مالك عن ابن عباس انه قال: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر (2).
فهذه الروايات تدل بما لا يدع مجالا للشك فيه على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجمع الظهر والعصر معا والمغرب والعشاء معا بدون سبب.
وقد يقول قائل: إن فعل النبي هذا استثناء وليس تشريعا، نقول: إن هذا الكلام لا دليل عليه وحبر الأمة ابن عباس أوضح الحكمة من الجمع، فقد أخرج مسلم عن ابن عباس قال: جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك قال: كي لا يحرج أمته " (3) وفي رواية قال: " لئلا يكون على أمته حرج " (4). فعبارة ابن عباس هذه تدل على سبب الجمع وهو الترخيص للعباد ورفع الحرج عنهم. ولا يقال إن هناك سببا خفي على ابن عباس، ولو كان لعلمه فهو أعرف منا بالرسول. وهل نترك اليقين ونأخذ بالظن؟!
وفي رواية عن ابن مسعود أوضح النبي الحكمة من الجمع حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" صنعت هذا - أي الجمع - لئلا تحرج أمتي " (5). وقد يقال إن هذا الحكم منسوخ. قلنا لايوجد دليل على النسخ ولو وجد الناسخ لما جمع ابن عباس والسلف الصالح.
روى مسلم في صحيحه قال: خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت
____________
1 - 1 / 260 وما بعدها من شرح الموطأ للزرقاني.
2 - 1 / 260 وما بعدها من شرح الموطأ للزرقاني..
3 - صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
4 - سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي: 1 / 290، وقال السيوطي في شرحه للحديث: " قوله (لئلا يكون على أمته حرج) أي لئلا يتحرج من يفعل ذلك من أمته ".
5 - شرح الموطأ، الزرقاني: 1 / 263، ورواه الطبراني، وهذه العلة مروية عن معاذ بن جبل.
رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وفي رواية قال ابن عباس للرجل: " لا أم لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (1).
أخرج البخاري قال: " سمعت أبا أمامة يقول: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت: يا عم ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال العصر وهذه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي كنا نصلي معه " (2).
إن حبر الأمة ابن عباس يقول: " وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله " وأنس يقول: " هذه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي كنا نصلي معه " فلا يبقى هناك حجة للمعاندين ليرفضوه، فالنصوص قطعية الدلالة على الجمع بدون عذر ولا عبرة بأي تأويل لها إذ لا دليل عليه. نقل النووي عن الترمذي قوله في آخر كتابه: " ليس في كتابي حديث أجمعت الامة على ترك العمل به! إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر! " (3) الحق إن عجبي لا يكاد ينقضي من أهل السنة، فمع ورود الأحاديث الصحيحة في الجمع إلا أنهم يحرمون الجمع بين الصلاتين بدون سبب (4) فانظر هداك الله إلى موقفهم من هذه السنة، وكيف ضيقوا على الناس ومنعوهم من الجمع.
____________
1 - 2 / 153.
2 - كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر.
3 - شرح النووي على مسلم: 15 / 218.
4 - قال النووي في شرحه على مسلم 15 / 219: " وذهب جماعة من الأئمة الى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لايتخذه عادة " والتقييد هذا لادليل له، وقد واجهت أحد كبار المفتين في الأردن - في قاعة الدرس - بحديث ابن عباس فكان جوابه: لو نجمع لصرنا مثل الشيعة!.
وكيف يمنعون ما أجازه النبي؟ وأين التسليم لنصوص الكتاب والسنة وقد تركوا هذه السنة وحرموا العباد من يسرها؟!
كلام أئمة السنة في ترك السنة
وحتى يثبت لك أن أهل السنة تركوا السنة فإليك بعض أقوال أئمتهم التي هي كالشمس عند الزوال في جواز ترك السنة بلا جدال.
يقول ابن تيمية: " ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعارا لهم - يقصد الشيعة - فإنه وإن لم يكن الترك واجبا لذلك لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا تميز السني من الرافضي " (1).
وقال الغزالي والماوردي: " إن تسطيح القبور هو المشروع لكن لما جعله الرافضة شعارا لهم عدلنا إلى التسنيم " (2).
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقي في كتاب (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة): " السنة في القبر التسطيح، وهو أولى على الراجح من مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: التسنيم أولى لأن التسطيح صار شعارا للشيعة " (3).
وقال الحافظ العراقي في بيان كيفية إسدال العمامة: فهل المشروع إرخاؤه من الجانب الأيسر كما هو المعتاد أو الأيمن لشرفه؟ لم أر ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني، وبتقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم
____________
1 - منهاج السنة: 2 / 143.
2 - الغدير: 1 / 210.
3 - هامش الميزان، الشعراني: 1 / 88.
وقال مصنف الهداية من الحنفية: " إن المشروع، التختم في اليمين ولكن لما اتخذته الرافضة، جعلناه في اليسار " (2).
وقال الشيخ اسماعيل البروسوي عن يوم عاشوراء: " المستحب في ذلك اليوم فعل الخيرات من الصدقة والصوم والذكر وغيرهما، ولا ينبغي للمؤمن أن يتشبه بيزيد الملعون في بعض الأفعال، وبالشيعة والروافض والخوارج أيضا. يعني لا يجعل ذلك اليوم عيدا أو يوم مأتم، فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبه بيزيد الملعون وقومه، وإن كان للاكتحال في ذلك اليوم أصل صحيح، فإن ترك السنة سنة، إذا كان شعارا لأهل البدع كالتختم باليمين، فإنه في الأصل سنة لكنه لما كان شعار أهل البدع والظلمة، صارت السنة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا كما في شرح القهستاني ومن قرأ يوم عاشوراء وأوائل المحرم مقتل الحسين (رضي الله عنه)، فقد تشبه بالروافض، خصوصا إذا كان بألفاظ مخلة بالتعظيم لأجل تحزين السامعين، وفي كراهية القهستاني: لو أراد ذكر الحسين ينبغي أن يذكر أولا مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافض " (3).
وقال ابن حجر العسقلاني: " تنبيه: اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي، فقيل يشرع مطلقا. وقيل، بل تبعا لا يفرد لواحد لكونه شعارا للرافضة " (4) ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني.
____________
1 - شرح المواهب، الزرقاني: 5 / 13.
2 - الغدير، ج 11.
3 - تفسير روح البيان: 4 / 142، ونقله عن عقد الدرر واللئالئ: في فضل الشهور والأيام والليالي لشهاب الدين أحمد بن أبي بكر الحموي، راجع الغدير: 10 / 211.
4 - فتح الباري: 11 / 142.
" اللهم صل على آل أبي أوفى ". ولكن للعلماء تفصيلا في ذلك وهو: إنها إن كانت على سبيل التبع كقولك صلى الله على النبي وآله فلا كلام فيها، وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه، لأن ذلك شعار لذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم " (1).
وقفة مهمة
لا يدري المرء ما يقول أمام هذه الأقوال، فكيف يسوغ المسلم لنفسه أن يفتي بترك سنة الرسول وتبديلها لوجود طائفة معينة اتبعت هذه السنة؟!
هذا شيخ الإسلام وذاك حجة الإسلام وآخر أمير المؤمنين في الحديث، أهكذا يكون أمناء الله على دينه؟! وهل يجوز ترك السنن لأن الشيعة اتبعت هذه السنن؟! إذن لماذا لا يذعنون للحقيقة التي تؤكد على أن الشيعة هم أهل السنة؟!
إن ابن تيمية قد جوز ترك بعض المستحبات، والغزالي والماوردي عدلا إلى تسنيم القبور، وآخر جعل الخاتم في يساره، وآخرون لا يرون الصلاة على أهل البيت بمفردهم، لأنه يؤدي ألى الاتهام بالرفض... وكل هذا منهم كان عنادا للشيعة الذين اتبعوا السنة بشهادتهم.
إن أول من تختم باليسار هو معاوية بن أبي سفيان (2) فلا أدري، مايقولون في حجته. فهل فعل ذلك خوفا من التشبه بالشيعة أم من علي (عليه السلام)؟
____________
1 - تفسير الكشاف: 2 / 439.
2 - ذكر ذلك الزمخشري في ربيع الأبرار.
قال تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) (1) هذا سيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجيز الله له تغيير شئ ولا تبديله، وعلماء أهل السنة السالفون جوزوا لأنفسهم ما لم يجوزه الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)!!
أنت ترى أخي المسلم أن هؤلاء العلماء بأقوالهم هذه خرجوا على النص وقدموا آراءهم عليه.
النتيجة
لقد أثبتنا أن كثيرا من الصحابة لم يكونوا يسلمون للنص كما يزعم السلفية وأنهم تركوا السنة وقدموا آراءهم على النص واجتهدوا فيما لا يجوز فيه الاجتهاد، وتبعهم السلفية في ذلك وشاركوهم في هذا المضمار، وهذا أمر أثبتناه بالأرقام والحروف ولا يستطيع أحد أن يماري فيه.
ولهذا نجد: أن الدعامة الأساسية للفكر السلفي - التسليم للنص - هذه الدعامة لا وجود لها في واقع الأمر عندهم، وهم يعلمون هذا ولكنهم يصرون على ما يقولون.
أما أولئك الذين لم يكونوا على علم بهذه الحقائق ممن صلحت سرائرهم وأحبوا دينهم، فنسأل الله لهم الهداية إنه نعم المولى ونعم النصير.
____________
1 - يونس: 15.
مناقشة أدلة السلفية على صحة منهجهم
ما أنا عليه وأصحابي:
يستدل السلفية على صحة مذهبهم بما يروون عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): " ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة في الجنة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟
قال: ما أنا عليه وأصحابي " (1).
يصح هذا الحديث إذا عرفنا أن الصحابة المقصودين في الحديث، هم الذين اتبعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته وبعد مماته، ولم يبدلوا ويحدثوا. فهؤلاء ومن اتبعهم هم الفرقة الناجية، ولكن كيف نتمكن من معرفتهم بعد ما روى لنا البخاري في أن القسم الأكبر من الصحابة يساقون إلى النار ولا يبقى منهم إلا القليل؟! (2) فحديث " ما أنا عليه وأصحابي " مخصص بحديث الحوض المتواتر. فبينوا لنا الصحابة الناجين من الصحابة الهالكين، حتى نتبع الناجين ونسير على نهجهم. فعدم
____________
1 - قال أحمد سعد حمدان في هذا الحديث: " سنده ضعيف " فيه عبد الرحمن بن زياد وهو " ضعيف "، راجع:
التهذيب: 6 / 173. شرح أصول اعتقاد أهل السنة: ص 80.
وقد وجدنا النبي في روايات أهل السنة يحدد الناجية: " بالجماعة " ومرة " بالسواد الأعظم " ولم يرتق من هذه الروايات حديث إلى درجة الصحة، راجع شرح أصول اعتقاد أهل السنة، تحقيق أحمد سعد حمدان: ص 84 - 92.
ولا يقصد بالجماعة على افتراض صحة الروايات التي تحدد الناجية بالجماعة، الكثرة.
قال عمرو بن ميمون لعبدالله بن مسعود: أو كيف لنا بالجماعة؟! فقال: يا عمرو بن ميمون... إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك، المصدر السابق: ص 109.
2 - راجع مبحث عدالة الصحابة.
ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخفى عليه هذا الإشكال فجعل لنا معيارا لمعرفة الصحابة المؤمنين - الناجين - فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " وقال: " حب علي إيمان وبغضه نفاق ".
فحب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، علامة الإيمان والنجاة، فلينظر كل مسلم إلى محبي علي، ويتجنب أعداءه ومقاتليه!!
" وإنما نجا من نجا، وينجو من هذه الأمة بسبب كونه على ما عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا عبرة بكونه على ما عليه غيره كائنا من كان، وإن كان من أهل النجاة، لأنه أيضا إنما نجا بكونه على ما عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما معنى قوله وأصحابي؟ " (1).
والصحابة اختلفوا فيما بينهم، بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا بكل واحد منهم له مذهب ورؤى معينة، حتى صاروا أكثر من سبعين مذهبا. فهل مذاهبهم هذه، هي ما كان عليه النبي؟!
(إن هذه تذكرة)
ومن يشاقق الرسول:
ويستدلون دائما بقول الله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (2).
قالوا: سبيل المؤمنين، هو سبيل الصحابة.
ونحن نقول: نعم، من يتبع غير سبيل الصحابة المؤمنين الثابتين الذين لم يبدلوا ولم يرتدوا، فمصيره إلى جهنم وساءت مصيرا.
ولكن حدثنا البخاري أنه لا يبقى من الصحابة مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا مثل همل النعم.
____________
1 - لطف الله الصافي، لمحات في الكتاب والمذهب.
2 - النساء: 115.
ولكي يلجأ المسلم إلى ركن وثيق، فعليه أن يتبع أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في جعل علي فاصلا بين المؤمنين وغيرهم، ويريح نفسه من التأويلات!
خلاصة الأبحاث السابقة
نستطيع أن نقول اعتمادا على ماسبق: إن هذا المنهج - منهج أهل السنة والجماعة - ليس هو المنظومة الإلهية التي وضعها الله بعد نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكثرة الثغرات التي فيه والإشكالات التي تعرض لها تخرجه عن كونه أطروحة الإسلام الصحيحة.
فلقد قلنا في بداية الكتاب: إن الأطروحة الإلهية كاملة لا نقص بها ولا إشكالات واقعية ولا مطبات، وما مر عليك خير دليل على احتواء هذا المنهج لهذه السلبيات.
فاكمل معنا مشوارك - قارئي العزيز - لنرى بوابة الإسلام الصحيحة التي رسمها الله لنا فنطرقها وندخل منها إلى سماء الإسلام الذي نزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
(ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (1).
(واستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير) (2).
(ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق) (3).
____________
1 - الجاثية: 8.
2 - هود: 112.
3 - الرعد: 37.
الباب الثالث
مدرسة آل البيت (عليهم السلام)
الفصل الأول
شهادات
الإمام الأكبر شيخ الأزهر محمود شلتوت:
" إن مذهب الجعفرية، المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعا، كسائر مذاهب أهل السنة " (1).
شيخ الأزهر الدكتور محمد محمد الفحام:
" الشيخ محمود شلتوت، أنا كنت من المعجبين به وبخلقه وعلمه وسعة اطلاعه وتمكنه من اللغة العربية وتفسير القرآن ومن دراسته لأصول الفقه، وقد أفتى بذلك - أي جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية - فلا أشك أنه أفتى فتوى مبنية على أساس في اعتقادي " (2) " ورحم الله الشيخ شلتوت الذي التفت إلى هذا المعنى الكريم، فخلد في فتواه الصريحة الشجاعة، حيث قال ما مضمونه: بجواز العمل بمذهب الشيعة الإمامية " (3).
الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي:
" وأعتقد أن فتوى الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت، قطعت شوطا واسعا في هذا السبيل، واستئناف لجهد المخلصين من أهل السلطة وأهل العلم جميعا، وتكذيب لما
____________
1 - إسلامنا للرافعي: ص 59 ونشرت في مجلة رسالة الإسلام التي تصدر في مصر.
2 - سبيل الوحدة الإسلامية، الرضوي: ص 8.
3 - إسلامنا: 59.
" إن الشيعة يؤمنون برسالة محمد، ويرون شرف علي في انتمائه إلى هذا الرسول، وفي استمساكه بسنته، وهم كسائر المسلمين، لا يرون بشرا في الأولين ولا في الآخرين أعظم من الصادق الأمين " (1).
" ولم تنج العقائد من عقبى الاضطراب الذي أصاب سياسة الحكم، ذلك أن شهوات الاستعلاء والاستئثار، اقحمت فيها ما ليس منها، فإذا المسلمون قسمان كبيران شيعة وسنة، مع أن الفريقين يؤمنان بالله وحده وبرسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يزيد أحدهما على الآخر في استجماع عناصر العقائد التي يصلح بها الدين وتلتمس النجاة " (2).
عبد الرحمن النجار مدير المساجد بالقاهرة:
" فتوى الشيخ شلتوت نفتي بها الآن حينما نسأل بلا تقييد بالمذاهب الأربعة والشيخ شلتوت إمام مجتهد رأيه صادف عين الحق. لماذا نقتصر في تفكيرنا وفتاوانا على مذاهب معينة وكلهم مجتهدون " (3).
الدكتور مصطفى الرافعي:
" هما المذهبان - يقصد الإمامية والزيدية - الوحيدان من مذاهب الشيعة اللذان يلتقيان مع مذاهب أهل السنة ويصح التعبد وفق أحكامهما ".
" ولست أرى ما يمنع من اعتماد المذهب الجعفري، إلى جانب المذاهب الأربعة " (4).
____________
1 - دفاع عن العقيدة والشريعة: ص 257.
2 - كيف نفهم الإسلام: ص 142.
3 - في سبيل الوحدة الإسلامية، مرتضى الرضوي: ص 66.
4 - إسلامنا: ص 32، 59.
" وقد صرحوا - أهل السنة - بصحة ايمان الشيعة، لأن الخلاف معهم في مسائل لا يتعلق بها كفر ولا ايمان، فالشيعي مسلم له أن يتزوج بأي مسلمة. وإذا نظرنا إلى ما أصاب المسلمين من التأخر والضعف بسبب العداوة المذهبية، وأننا في أشد الحاجة الى التآلف والتعاطف والاتحاد يتبين لنا أن مصاهرة المخالف في المذهب ضرورية " (1).
حسن البنا - زعيم الإخوان المسلمين في العالم:
" إعلموا أن أهل السنة والشيعة مسلمون، تجمعهم كلمة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهذا أصل العقيدة، والسنة والشيعة فيه سواء وعليه التقاؤهم، أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب فيها بينهما " (2).
الأستاذ أحمد بك المصري - استاذ شلتوت وأبي زهرة:
" والشيعة الإمامية مسلمون، يؤمنون بالله ورسوله وبالقرآن وبكل ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)... وفي الشيعة الإمامية قديما وحديثا فقهاء عظام جدا وعلماء في كل علم وفن، وهم عميقو التفكير، واسعو الاطلاع، ومؤلفاتهم تعد بمئات الألوف، وقد اطلعت على الكثير منها " (3).
الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة:
" لا شك أن الشيعة فرقة إسلامية... ولا شك أنها في كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث منسوبة إلى النبي " " وهم يتوددون إلى من يجاورونهم من السنيين ولا ينافرونهم " (4).
____________
1 - المنتقى من روائع فتاوى المنار: 1 / 739، عز الدين بليق.
2 - ذكريات لا مذاكرات، عمر التلمساني: ص 249، 250، مجلة العالم عدد 519 ص 40.
3 - تاريخ التشريع الإسلامي.
4 - تاريخ المذاهب الإسلامية: ص 39.
" وأخيرا نقولها كلمة صادقة، إذ لم يبق من خلاف بيننا وبين اخواننا الاثني عشرية، إلا ذلك الخلاف النظري الذي ليس له موضع من العمل، وهو أقرب إلى أن يكون خلافا في وقائع التاريخ " (1).
الإمام أحمد الباقوري - شيخ الجامع الأزهر ووزير أوقاف مصر:
" قضية السنة والشيعة هي في نظري، قضية إيمان وعلم معا... فأما أنها قضية علم، فإن الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنة رسوله، ويتفقان اتفاقا مطلقا على الأصول الجامعة في هذا الدين فيما نعلم فإن اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية، فإن مذاهب المسلمين كلها سواء في أن للمجتهد أجره أخطأ أم أصاب " (2).
شيخ الأزهر سيد محمد طنطاوي:
" إن المسلمين سنة وشيعة مؤمنون بالله وبنبيه، وإن اختلاف الآراء لا يقلل من درجة إيمان الأشخاص " (3).
____________
1 - الإمام الصادق: ص 214، 284.
2 - راجع: سنة أهل البيت للحكيم نقلا عن كتاب المختصر النافع قدم للكتاب الباقوري.
3 - مجلة رسالة الثقلين، العدد الثاني - السنة الأولى 1413 هـ: ص 252 و 253.
الأستاذ محمود السرطاوي -
عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية وأحد كبار المفتين في الأردن:
" إنني أقول ما قاله سلفنا الصالح: الشيعة الإمامية اخواننا في الدين، لهم علينا حق الأخوة، ولنا عليهم مثل ما لهم علينا، ما يوجد بيننا وبينهم من اختلاف وجهات نظر، إنما هي في الفروع " (1).
طه جابر العلواني - أستاذ الفقه والأصول في جامعة الإمام محمد بن سعود:
" إن ما نعرفه عن عقائد الشيعة... أنهم يؤمنون بالله ربا وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبيا ورسولا، ويؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والذي أعرفه عن المسلمين الشيعة في العراق وفي الجزيرة ومناطق الخليج، أنهم كإخوانهم السنة يؤمنون بالإله الواحد والكتاب والقبلة وجميع أركان الإيمان. قد كافحوا وجاهدوا كإخوانهم السنة للحفاظ على البلاد الإسلامية من وطأة الكفار والمحتلين، وتحملوا ما تحمله الآخرون، وبجهادهم وجهاد علمائهم وإخوانهم تم تحرير كثير من البلاد الإسلامية من الاحتلال البريطاني وغيره " (2).
العالم الأزهري خالد محمد خالد:
" أما الشيعة بالذات فلهم في نفسي تقدير خاص، ولا يمكن أن ننسى من أعلامهم، أولئك الذين بذلوا جهدا سخيا وداعيا في سبيل تحرير الفقه الإسلامي من أغلاله، وتنقيته من الرواسب والشوائب " (3).
____________
1 - المصدر السابق: ص 90.
2 - مجلة رسالة الثقلين، العدد الثاني - السنة الأولى 1413 هـ: ص 92.