الصفحة 495
ضرعيها! - فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس - لعمر الله - بخبط وشماس، وتلون واعتراض. فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيالله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر! لكنني أسففت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته!

فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي، ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم. فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون: كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) (1) بلى! والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها!

أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز!... " (2).

وحين أبعد الإمام علي (عليه السلام) عن مكانه، غابت شمس الإمامة وأبعد أئمة آل البيت

____________

1 - القصص: 83.

2 - راجع الخطبة في نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: ص 48 - 50.

الصفحة 496
عن ممارسة دورهم الفكري والسياسي، وتعرض هؤلاء الأئمة لكل صنوف البلاء من قبل حكام بني أمية وبني العباس، وطورد شيعتهم في كل مكان وتحت كل حجر ومدر...

كل هذا يجري والناس يظنون وما زالوا يظنون أن التاريخ السياسي للمسلمين هو عينه النظام السياسي الإسلامي.

وباحتلال مواقع أئمة آل البيت، عانت الأمة ما عانت، فظهرت المذاهب، وانقسمت الأمة إلى فرق، واختلق القياس والاستحسان... ليسد الفراغ الذي تركه إبعاد أئمة آل البيت. وقامت الفتن والحروب بين المذاهب، وكل مذهب يحمل على غيره بالسباب والتكفير.

وما سهلت تلك المذاهب فيهم * على الناس إلا بيعة الفلتات (1)

وتدهور حال المسلمين، فسيطر عليهم الأعداء وما زالوا حتى هذه اللحظة، وكل ما حدث في تاريخ المسلمين من جرائم وتفرق، هو من ثمار السقيفة. فكل بناء قام على أساس خاطئ لا بد أن ينهار في النهاية!

هذه صورة سريعة عما جرى لهذه الأمة. مع الأمل كل الأمل في أن يستيقظ المسلمون من غفوتهم، ويعيدوا الرأس إلى جسد الأمة الإسلامية، لأنها بدون رأسها الحقيقي لن تفلح أبدا.

أجل، ما كان الله ليترك دينه في رحمة الآراء والمذاهب (إن الدين عند الله الإسلام) (2) ولم ينزل الله غيره ولا يقبل بغيره. فليس هناك مذاهب ولا فرق في الإسلام، إنما هو طريق واحد وهو طريق الكتاب والعترة، هكذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!

____________

1 - البيت من تائية دعبل بن علي الخزاعي الشهيرة.

2 - آل عمران: 19.

الصفحة 497
وما كان الله ليترك مكان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) السياسي شاغرا حتى يصبح ألعوبة بيد حفنة من بني أمية وبني العباس. لقد وضع الله برنامجا كاملا لإنقاذ البشرية وجعل تنفيذه بالأسباب، لكن الإنسان ذلك الظلوم الجهول، حال دون تنفيذ هذا البرنامج وصدق الله إذ قال:

(ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار) (1).

(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) (2).

(وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) (3).

قعود الإمام عن حقه

قد يتبادر للذهن سؤال: لماذا قعد علي (عليه السلام) عن حقه في الخلافة؟

قال شرف الدين في جوابه عن هذا الإشكال: "... خشية من عواقب الأختلاف في تلك الحال، وقد ظهر النفاق بموت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقويت بفقده شوكة المنافقين، وعتت نفوس الكافرين، وتضعضعت أركان الدين، وانخلعت قلوب المسلمين، وأصبحوا بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية بين ذئاب عادية، ووحوش ضارية وارتدت طوائف من العرب، وهمت بالردة أخرى.

فأشفق علي في تلك الظروف أن يظهر إرادة القيام بأمر الناس، مخافة البائقة وفساد العاجلة، والقلوب على ما وصفنا، والمنافقون على ما ذكرنا، يعضون عليهم

____________

1 - إبراهيم: 28، 29.

2 - الأعراف: 96.

3 - الجن: 16.

الصفحة 498
بالأنامل من الغيظ، وأهل الردة على ما بيناه، والأمم الكافرة على ما قدمناه، والأنصار قد خالفوا المهاجرين، وانحازوا عنهم يقولون منا أمير ومنكم أمير... و... و... فرعاه النظر للدين إلى الكف عن طلب الخلافة، والتجافي عن الأمور علما منه أن طلبها - والحال هذه - يستوجب الخطر في الأمة، والتفرق في الدين، فاختار الكف إيثارا للإسلام، وتقديما للصالح العام. وتفضيلا للآجلة على العاجلة. غير أنه قعد في بيته، ولم يبايع حتى أخرجوه كرها. احتفاظا بحقه، واحتجاجا على من عدل عنه، ولو أسرع إلى البيعة ما تمت له حجة ولا سطع له برهان، ولكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين والاحتفاظ بحقه من إمرة المؤمنين، فدل هذا على أصالة رأيه ورجاحة حلمه، وسعة صدره، وإيثاره المصلحة العامة... " (1).

سئل هشام بن الحكم: " لماذا لم يدع علي الناس إلى نفسه، فقال: لم يكن واجبا عليه. فقد دعاهم النبي إلى موالاته يوم غدير خم وغيره، فلم يقبلوا. ولو وجب ذلك لوجب على آدم أن يدعو إبليس إلى السجود "؟!!

وسئل أيضا: " كيف قعد علي عن حقه؟ فقال: كما قعد هارون عن حقه. قيل:

أكان عن ضعف منه؟ قال: كقول هارون: (قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) (2) " (3).

وسئل علي (عليه السلام): " كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام، وأنتم أحق به؟ فقال (عليه السلام):

يا أخا بني أسد، إنك لقلق الوضين، ترسل في غير سدد، ولك بعد ذمامة الصهر، وحق المسألة، وقد استعلمت فاعلم: أما الاستبداد علينا بهذا المقام - ونحن الأعلون نسبا، والأشدون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نوطا، - فإنها كانت أثرة، شحت عليها نفوس قوم،

____________

1 - المراجعات: المراجعة رقم 84.

2 - الأعراف: 150.

3 - راجع الاحتجاج.

الصفحة 499
وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله، والمعود إليه القيامة " (1).

وقال في موضع آخر: " فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمر من طعم العلقم " (2).

آيات الشورى

يحتج أهل السنة لإثبات أن الخلافة بعد النبي شورى بين المسلمين بقول الله تعالى:

(وأمرهم شورى بينهم) (3)، (وشاورهم في الأمر) (4).

" بالنسبة للآية الأولى، معناها - كما يتبادر للذهن - أن أمرهم شورى في أمر لم يرد فيه من الله ورسوله حكم، فقد قال سبحانه وتعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (5) وقد بينا قبل هذا ما ورد عن الله ورسوله في أمر الإمامة، ما لا يبقى معه مورد للتشاور.

أما الآية الثانية (وشاورهم في الأمر) وردت هذه الآية ضمن سلسلة من آيات 139 - 166 وهي ذات الرقم 159 وكلها في أمر غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيف نصرهم الله فيها. وفي بعضها يخاطب المسلمين وخاصة الغزاة منهم ويعظهم وفي بعضها يخاطب الرسول خاصة ومن ضمنها (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) (6) يظهر

____________

1 - نهج البلاغة، صبحي الصالح: الخطبة 162 ص 231.

2 - المصدر السابق: خطبة 26 ص 62.

3 - الشورى: 38.

4 - آل عمران: 159.

5 - الأحزاب: 36.

6 - آل عمران: 159.

الصفحة 500
جليا أن الأمر بالمشاورة في هذه الآية بقصد الملاينة معهم والرحمة بهم وليس مأمورا بالعمل برأيهم... ومن المجموع أن مقام المشاورة الراجحة إنما هي في الغزوات " (1).

نعم لو كان الأمر المطلوب المشاورة فيه هو الخلافة، لشاور النبي صحابته، لكن لم يرد أن النبي شاور أصحابه في أمر الخلافة، فدل هذا على أن المشاورة المقصودة في الآية هي غيرالخلافة، وإلا لكان النبي مخالفا لأمر ربه إذ أمره بمشاورة أصحابه بالخلافة ولم يفعل!!

وقول الله (وشاورهم في الأمر) - إن كان هذا الأمر هو الخلافة - فيستلزم وجود النبي بعد موته حيا بين صحابته ليشاورهم في أمر الخلافة!! وإلا كيف يشاورهم وهو في قبره؟! فدلالة الآية على أن الخلافة شورى غير واردة.

و " لو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اتخذ من مستقبل الدعوة بعده موقفا ايجابيا يستهدف وضع نظام الشورى موضع التطبيق بعد وفاته مباشرة، وإسناد زعامة الدعوة إلى القيادة التي تنبثق عن هذا النظام، لكان من أبده الأشياء التي يتطلبها هذا الموقف الإيجابي، أن يقوم الرسول القائد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعملية توعية للأمة والدعاة على نظام الشورى وحدوده وتفاصيله، وإعطائه طابعا دينيا مقدسا، وإعداد المجتمع الاسلامي إعدادا فكريا وروحيا لتقبل هذا النظام، وهو مجتمع نشأ من مجموعة من العشائر لم تكن قد عاشت قبل الإسلام - وضعا سياسيا على أساس الشورى...

ونستطيع بسهولة أن ندرك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يمارس عملية التوعية على نظام الشورى وتفاصيله التشريعية أو مفاهيمه الفكرية، لأن هذه العملية لو كانت قد أنجزت لكان من الطبيعي أن تنعكس وتتجسد في الأحاديث المأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو في ذهنية الأمة... مع أننا لا نجد في الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي صورة تشريعية محددة لنظام الشورى " (2).

____________

1 - معالم المدرستين، مرتضى العسكري: 1 / 168 - 169.

2 - بحث حول الولاية: ص 28 - 29.

* * *

الصفحة 501
وما كان النبي ليغفل عن هذا الجانب، وهو الذي كان يهتم بكل صغيرة وكبيرة.

فهل يعقل أن يبين لنا كيفية دخول الحمام وآدابه، ويترك مبدأ الشورى دون أي بيان؟!

إن أول محاولة لتطبيق الشورى - إن كان فيها شورى - كادت أن تحدث فتنة بين أهل القرون الأولى. فقد تنازع الصحابة واختلفوا في السقيفة. فعمر كان يقول: اقتلوا سعدا قتله الله! وجمعوا الحطب لحرق بيت الزهراء (عليها السلام)! وتأخر جماعة عن البيعة! وتأخر علي ستة أشهر! وقتل سعد بن عبادة!

فإذا كان أهل القرون الأولى قد تنازعوا ووصل الأمر بهم إلى القتل والتحريق في أول تجربة للشورى، فما هو حال من يأتي بعدهم؟!

إن لدى أهل السنة ثلاث طرق لتولي الخلافة هي:

1 - الشورى. 2 - عهد الخليفة لمن بعده. 3 - القهر والغلبة.

وهذه الطرق لا أصل لها في التشريع الإسلامي بل هي طارئة، ومستقاة من التاريخ السياسي للمسلمين.

فحين بويع أبو بكر قالوا: يتم اختيار الخليفة بالشورى. ولما عهد أبو بكر بالخلافة لعمر قالوا: ويتم اختيار الخليفة بالعهد من الخليفة الذي قبله. وحين استولى معاوية على الخلافة بالقهر قالوا: إن القهر والغلبة من طرق تولى الخلافة.

وهذه الطرق الثلاثة لم يأت بها الوحي، مع العلم بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يموت بين كل شئ للمسلمين وكان المسلمون يقرؤون (اليوم أكملت لكم دينكم) فالدين كامل قبل اختراع هذه الطرق، وإذا بحثت فلن تجد لهذه الطرق مستندا من كتاب أو سنة.

ولما عجز أصحاب هذه النظريات عن إيجاد مستند شرعي لهذه الطرق نظروا في تاريخ المسلمين وجعلوه جزءا من التشريع الإسلامي!

ولا ندري، هل كان فعل هؤلاء منشئا للنظام السياسي الإسلامي الذي وضحت معالمه في حياة النبي؟ أم كانوا شركاء لله في التشريع حتى يأخذ فعلهم صبغة شرعية؟ أم ماذا؟!


الصفحة 502
إن إغفال معالم نظام الحكم الإسلامي كان ضربة للإسلام.

يقول المستشرق ويلز: " ترك محمد أمته من غير نظام لتكوين حكومة ثابتة يظهر فيها أثر الرأي العام، وكذلك لم يعين لها أسلوبا عمليا لتحقيق نظام الديمقراطية ".

وقال أحمد أمين: " إن ترك الأمر - الخلافة - مفتوحا لمن شاء، جعل المسلمين طوال عصرهم يختلفون على الخلافة " (1).

وقال إبراهيم فوزي: " وعند وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن قد وضع لهذه الدولة أي تشريع يبين شكل الحكم فيها " (2).

صلاة أبي بكر بالناس

يحتج أهل السنة على خلافة أبي بكر بما يروون عن النبي أمره أثناء مرضه أن يصلي بالناس. وهذا الدليل مردود من وجوه عدة:

أولا: نحن لا نسلم بهذه الروايات التي تقول إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، لأنه ثبت أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج وصلى بالناس مكان أبي بكر. وهذا الفعل من النبي مناقض لأمره إياه بالصلاة. فلو كانت صلاة أبي بكر بأمر النبي لكان خروج النبي وتنحية أبي بكر عن إمامة الصلاة والصلاة بالمسلمين كإمام إبطال لهذه الإمارة ونسخا لها إذ انه عزله عنها ولا يصح القول بأن أبا بكر ائتم بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس ائتموا بأبي بكر، لأنه لم يحدث أن كانت صلاة بإمامين! وليس هناك داع لأن يأتم الناس بأبي بكر مع وجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!

ثانيا: لو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حقا قدمه للصلاة، وكان هذا التقديم دالا على إمامته، لكان هذا نصا من الرسول على خليفته. وأهل السنة ينكرون النص. فيلزم من إنكار النص إنكار أمر النبي أبا بكر الصلاة بالناس.

____________

1 - راجع روح التشيع، عبد الله نعمة: ص 146.

2 - تدوين السنة: ص 67.

الصفحة 503
ثالثا: لماذا لم يحتج أبو بكر ومؤيدوه في السقيفة بهذا الدليل؟ وكيف احتجوا بالقرابة، وأن الأئمة من قريش، ونسوا هذا الدليل - إن صح -؟! مع العلم أن العاقل لا يختار الأصعب مع وجود الأسهل، إلا لفقده. فلو كان هذا الخبر صحيحا ودالا على الخلافة لاحتج به أبو بكر. ولما كان هناك داع لاجتماع الأنصار في السقيفة ليختاروا خليفة من بينهم، وقد عين النبي خليفته ضمنا - كما يقال - ووجه الأنصار إليه والأنصار عدول - عند القوم - فلا يعقل أن يدل هذا الخبر على خلافة أبي بكر ويخالفوه!

رابعا: لو دل هذا الخبر على خلافة أبي بكر، لفهم ذلك أبو بكر نفسه. فها هو يقول في السقيفة: " قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين " (1) - يقصد عمر وأبا عبيدة - فلو كان خبر الصلاة - لو صح - دالا على أحقيته بالخلافة، لكان أبو بكر مخالفا للنبي بإخراج نفسه من هذا الأمر، وترشيح عمر وأبي عبيدة!! بل يكون فعله إهمالا وتوريطا للمسلمين في الخلاف والنزاع.

خامسا: لو دل هذا الخبر على خلافة أبي بكر، لفهم ذلك علي بن أبي طالب - وهو من هو - وأسرع لمبايعة أبي بكر وما تأخر ستة أشهر عن بيعته!

سادسا: من المعلوم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف عليا في تبوك على المدينة وما عزله.

فإن كان الاستخلاف بالصلاة دالا على الإمامة الكبرى، فالاستخلاف على المدينة أولى في الدلالة على الإمامة الكبرى. وقياس الاستخلاف في الصلاة على الإمامة الكبرى، قياس مع الفارق، فاسد الاعتبار، لاختلاف العلتين. فالصلاة - عند أهل السنة - جائزة خلف كل بر وفاجر، بخلاف الإمامة الكبرى التي اشترطوا فيها العدالة. وقياس الاستخلاف على المدينة على الإمامة الكبرى، قياس صحيح - على فرض صحة القياس - لأن الاستخلاف على المدينة متضمن لأمور الدين والدنيا معا كالإمامة الكبرى.

____________

1 - تاريخ الطبري: 2 / 443.

الصفحة 504
سابعا: احتج أحد علماء السنة على عالم شيعي فقال: لم تنكرون خلافة أبي بكر وقد قدمه النبي للصلاة؟ فقال: نحن اقتدينا بعمر!! إذ قال إن النبي يهجر فكما أن كلامه عندكم ليس بحجة - يوم الخميس - فكذا في أمره أبا بكر الصلاة بالناس - إن صح الخبر.

ثامنا: من المتفق عليه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل أبا بكر تحت إمرة أسامة بن زيد، وأمر الجيش بالمسير لقتال الروم. فكيف يبعث النبي أبا بكر مع الجيش، ثم يجعله في الوقت نفسه إماما في المدينة؟! وعلي نفس الرسول ما زال موجودا وقادرا على الصلاة. تلك النفس التي أذهب الله عنها الرجس من دون السلف وجعل الصلاة عليها فرضا مع كل صلاة. نعم كيف يقدم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أحدا على نفسه؟! إذا كانت صلاة أبي بكر لا تصح إلا بالصلاة على علي (عليه السلام)، فكيف يأتم علي به؟!!

دعوى الإجماع

ويحتج أهل السنة لإثبات خلافة أبي بكر بإجماع الصحابة على اختياره خليفة.

والحق إنه لا وجود للإجماع. فمن شروط الإجماع أن لا يتخلف عنه أحد، بينما تخلف عن بيعة أبي بكر الكثيرون، منهم: العباس بن عبد المطلب، الفضل بن العباس، الزبير بن العوام، خالد بن سعيد، المقداد بن عمر، سلمان الفارسي، أبو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، البراء بن عازب، أبي بن كعب (1)...

فلم تكن بيعة أبي بكر عن إجماع ولا عن مشورة لتخلف من ذكرنا. وعمر يقول عن بيعة أبي بكر: " إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها... من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع... " (2).

ولقائل أن يقول: إن ما ذكرته صحيح، ولكن الصحابة المتخلفين بايعوه فيما بعد وانعقد الإجماع.

____________

1 - تاريخ الطبري: 2 / خبر السقيفة. الكامل: 2 / 325. تاريخ اليعقوبي: 2 / 134.

2 - صحيح البخاري: كتاب المحاربين، باب رجم الحبلى من الزنى.

الصفحة 505
نعم، بايعوه ولكن كانوا مكرهين، فحين قعد علي (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر، بعث عمرا إليه وقال له: " ائتني به بأعنف العنف. فلما أتاه جرى بينهما كلام فقال: احلب حلبا لك شطره والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غدا! " (1).

وروي أن أبا بكر بعث عمر إلى المتخلفين فجاء فناداهم وهم في دار علي. فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب. وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له: إن فيها فاطمة، فقال: وإن " (2).

ثم أتى عمر ومعه جماعة، فأخرجوا عليا (عليه السلام) ومضوا به إلى أبي بكر. فقال له: بايع فقال: " إن أنا لم أفعل فماذا؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو، نضرب عنقك! فقال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسول الله.

قال عمر: أما عبد الله فنعم. وأما أخو رسول الله فلا...

فأين الإجماع المزعوم مع وجود هذه الحقائق؟

رأيت النص يفضح جاحديه * ويلجئهم إلى ضيق الخناق
ولو كان اجتماع القوم رشدا * لما أدى إلى طول افتراق

إن تخلف سعد بن عبادة وحده يلغي الإجماع.

يقول الدكتور محمد عمارة: " وفي كل الحالات، فإن موقف سعد بن عبادة قد ظل ثغرة تمنع انعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر ".

وقال: " إن تصور الإجماع على إمارة أبي بكر، في مثل تلك الظروف والملابسات، ضرب من المحال " (3).

____________

1 - أنساب الأشراف، البلاذري: ص 587.

2 - راجع حادثة التحريق فيما سبق.

3 - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية: ص 94.

الصفحة 506

عدول الصحابة عن النص

سؤال قد يرد في الأذهان: هل يعقل أن يسمع الصحابة باستخلاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) ويبايعوه في غدير خم، ثم ينكثون بيعته؟

إن من فهم موضوع عدالة الصحابة واجتهادهم أمام المحكمات لا يعرض له هذا السؤال، فالخروج عن النص أمر شائع عند الصحابة. فهذا الذي لا يتصور خروج الصحابة عن النص في استخلاف علي نقول له: لماذا لا تعقل اجتهاد الصحابة أمام النص في استخلاف علي وتعقل اجتهادهم في رزية الخميس، وسرية أسامة، ويوم الحديبية، واجتهادهم في تحريم المتعة، وإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم، و...؟!

فإن قيل: إن خروجهم عن هذه النصوص. كان لاجتهاد رأوه، قلنا: لم لا يقال إن خروجهم عن نصوص الاستخلاف من قبيل هذا؟ والملك عقيم!

وفعل الصحابة مع علي ليس بأعجب من فعل بني إسرائيل مع هارون. فحين ذهب موسى (عليه السلام) لميقات ربه استخلف على أصحابه أخاه هارون ووعد قومه بأنه سيعود بعد ثلاثين ليلة، لكن الله أتمهن بعشر، فلما رجع موسى وجد قومه قد تركوا هارون وعكفوا على العجل الذي صنعه السامري. فإذا جاز لأصحاب موسى أن يتركوا هارون، جاز لأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتركوا عليا (عليه السلام) الذي هو بمنزلة هارون من موسى (عليهما السلام) عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالناس هم الناس، والزمان هو الزمان!

وإعراض الصحابة عن هارون محمد مصداق لقول النبي لأصحابه: " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه!! قلنا:

يارسول الله اليهود والنصارى، قال فمن؟! " (1).

____________

1 - صحيح البخاري: كتاب الأنبياء، باب ماذكر عن بني اسرائيل.

الصفحة 507
وقد قال الصحابة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنا إذا كنا عندك كنا على حال وإذا خرجنا من عندك همتنا الدنيا وأهلونا " (1).

فالصحابة ما إن افترقوا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاتهمهم إلا الدنيا أو أهلوهم، فكيف يكون حالهم إذا مات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وانقطع عنهم؟!

ولا نعجب من فعل الصحابة هذا والله يقول فيهم: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) (2).

وكيف نعجب من فعلهم بعد إخبار النبي بورود أصحابه النار، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

" فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " وكيف نستبعد ذلك بعد مناداة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

" إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " أو " إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى "!!

لقد كان الصحابة يصلون ويصومون ويحجون ويقومون بسائر الفرائض، فلماذا لا يخلص منهم إلا مثل همل النعم؟ نعم ليس هناك تفسير إلا أنهم نكثوا البيعة بتركهم آل البيت (عليهم السلام).

وكيف لا نستهجن فعلهم، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي (عليه السلام): " إن الأمة ستغدر بك من بعدي "؟! (إنه لقول رسول كريم).

هذان طلحة والزبير بايعا عليا، وخرجا عليه، فإذا جاز لهما نكث بيعة علي، جاز لأبي بكر وعمر نكث بيعة علي ولا فرق، فالشيخان من الصحابة العدول، وطلحة والزبير من الصحابة العدول أيضا باتفاق أهل السنة.

____________

1 - مجمع الزوائد: 10 / 310، قال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

2 - آل عمران: 144.

الصفحة 508

وفي الختام

إن إمامة علي (عليه السلام) ثابتة في الكتاب والسنة.

ربما يذكر أهل السنة أدلتهم وهي، آيات الشورى، إمامة أبي بكر في الصلاة، وإجماع الصحابة.

ونحن أثبتنا سابقا بما لا يبقى معه مجال للشك فيه: أن هذه الأدلة في غير محلها، بخلاف أدلة الإمامية.

وإني لأعجب من المسلم كيف يتمسك بهذه الأدلة، ويترك الأدلة الإلهية والنصوص النبوية البينة كالشمس عند الزوال في ثبوتها ودلالتها.


الصفحة 509

الفصل الرابع
الأئمة الاثنا عشر


الصفحة 510

الصفحة 511

هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير سادات وخير حماة
مطاعيم في الإعسار، في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات
فإن فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والفرقان ذي السورات
وعدوا عليا ذا المناقب والعلا * وفاطمة الزهراء خير بنات
ملامك في أهل النبي، فإنهم * أحباءي، ما عاشوا وأهل ثقاتي
تخيرتهم رشدا لأمري، فإنهم * على كل حال خيرة الخيرات

* * *

من ديوان دعبل الخزاعي: 124 - 145


الصفحة 512

توطئة:

لقد بينا فيما سبق طبيعة المشروع الذي أعده الله لإنقاذ البشرية وإسعادهم، متمثلا بقيادة آل البيت، فكريا وسياسيا. وارتأيت أن أقدم للقراء شيئا من سيرة هؤلاء الأئمة ومكانتهم بين العلماء.

علي بن أبي طالب (المرتضى) عليه السلام
(10 قبل البعثة - 40 هـ‍)

هو أول الناس إسلاما، عرض النبي الإسلام عليه دون صبيان بني هاشم وقريش. رافق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع تحركاته ومات النبي في حجره.

وها هو (عليه السلام) يحدثنا عن منزلته من النبي فيقول: " وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، وقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي وأشم ريح النبوة " (1).

____________

1 - نهج البلاغة: الخطبة القاصعة.

الصفحة 513
وقد اجتهدت كل فرقة من الفرق الإسلامية في إثبات اتصالها بعلي. يقول المؤرخ الشهير ابن أبي الحديد:

" وقد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الإلهي، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم. ومن كلامه (عليه السلام) اقتبس، وعنه نقل، وإليه انتهى، ومنه ابتدأ.

فإن المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل وأرباب النظر ومنهم تعلم الناس هذا الفن، تلامذته وأصحابه، لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه وأبوه تلميذه (عليه السلام).

وأما الأشعرية فإنهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن أبي بشير الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وأبو علي أحد مشايخ المعتزلة فالأشعرية ينتهون بآخرة إلى أستاذ المعتزلة ومعلمهم، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وأما الإمامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر.

ومن العلوم: علم الفقه، وهو (عليه السلام) أصله وأساسه وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه.

أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد وغيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة.

وأما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة، وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد (عليه السلام) وجعفر قرأ على أبيه (عليه السلام) وينتهي الأمر إلى علي (عليه السلام).

وأما مالك فقرأ على ربيعة الرأي، وقرأ ربيعة على عكرمة، وقرأ عكرمة على عبد الله بن عباس، وقرأ عبد الله بن عباس على علي بن أبي طالب. وإن شئت فرددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك كان لك ذلك، فهؤلاء الفقهاء الأربعة.

أما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر، وأيضا فإن فقهاء الصحابة كانوا: عمر ابن الخطاب، وعبد الله بن عباس وكلاهما أخذ عن علي (عليه السلام). أما ابن عباس فظاهر، وأما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي اشكلت عليه وعلى غيره

الصفحة 514
من الصحابة (1) وقوله غير مرة: " لولا علي لهلك عمر " وقوله: " لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن ". وقوله: " لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر " فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه...

ومن العلوم: علم تفسير القرآن، وعنه أخذ، ومنه فرع، وإذا راجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك، لأن أكثره عنه، وعن عبد الله بن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له وانقطاعه إليه، وأ نه تلميذه وخريجه، وقيل له: اين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط...

ومن العلوم: علم النحو والعربية، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وانشأه وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله ومن جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء اسم وفعل وحرف، ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم. وهذا يكاد يلحق بالمعجزات، لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط ".

قال - والكلام لا يزال لابن أبي الحديد -: " وأما الرأي والتدبير فكان من أسد الناس رأيا، وأصحهم تدبيرا، وهو الذي أشار على عمر لما عزم على أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار، وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث. وإنما قال أعداؤه لا رأي له، لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه.

وقد قال (عليه السلام): " لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب " (2).

____________

1 - قال النووي: " وسؤال كبار الصحابة له، ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة، والمسائل المعضلة، مشهور ". الأسماء واللغات: 1 / 246.

وقال ابن الاثير في أسد الغابة: " ولو ذكرنا ما سأله الصحابة به مثل عمر وغيره رضي الله عنهم لأطلنا ".

2 - شرح النهج: 1 / 17 - 28.

الصفحة 515
قال الشيخ أحمد الباقوري - شيخ الأزهر -: " إن عليا - كرم الله وجهه - يرجع إليه فقه الأئمة الأربعة مالك والشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة، كما يرجع إليه فقه الشيعة وفقه الصحابة (1) " (2).

هذا هو علي بن أبي طالب أول الأئمة الاثني عشر. وقد ترك (عليه السلام) لنا ثروة إسلامية عظيمة ودونك نهج البلاغة (3) هذا الكتاب العظيم الذي قال فيه الناقدون: إنه دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين (4).

فإنك إن نظرت فيه تجد جميع معارف الإسلام من توحيد، وعدل، وتنزيه للأنبياء، وتذكير بالمعاد، وسياسة، واقتصاد، وأخلاق... وكل هذا من مخزون علم النبوة.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: " قلت لأبي: ما تقول في التفضيل؟ قال: في الخلافة أبو بكر، وعمر، وعثمان. فقلت: فعلي؟ قال: يا بني، علي بن أبي طالب من أهل بيت لا يقاس بهم أحد " (5).

من أقوال الإمام:

1 - كتب إلى معاوية: غرك عزك، فصار قصار ذلك ذلك، فاخش فاحش فعلك، فعلك تهدى بهدى!

2 - أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه.

____________

1 - علي إمام الأئمة: ص 47.

2 - وقد بات واضحا لكل ذي لب أن نهج البلاغة من كلام سيد الفصاحة والبلاغة علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وهذا الموضوع أوسع من أن تتحمله هذه الأسطر، لذا فإننا نحيل الباحثين عن الحقيقة إلى كتاب " مصادر نهج البلاغة وأسانيده "، لمؤلفه عبد الزهراء الخطيب ففيه أقوى الأدلة على ما نقول.

3 - شرح النهج، ابن أبي الحديد: 1 / 24.

4 - طبقات الحنابلة، أبي يعلى: 2 / 120.