لماذا هذه الصورة المشوهة عن الشيعة؟
أكثر الباحثين - بعد ثبوت أحقية مدرسة آل البيت - يتساءلون: كيف يكون اتباع آل البيت هم الناجون مع أنهم يقولون بتحريف القرآن، والتقية، والبداء، والرجعة...
إن أغلب الناس يحملون هذه الصورة المشوهة عن الشيعة، وهذه نتيجة حتمية، فمن أراد أن يقوم جماعة من خلال أقوال خصومهم فإنه حتما سيخفق في نتائجه وهذا هو الحال لأكثر من درسوا التشيع.
هذا الدكتور حامد داود حفني درس التشيع من كتب أهل السنة فأخفق في نتائجه، يقول في ذلك: " فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحا في كتب المؤرخين والنقاد من أهل السنة بشئ ذي بال. وما زادني اشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعدا عنها وخروجا عما أردت من الوصول إلى حقائقها...
ذلك لأنها كانت دراسة بتراء!! أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب، وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها " (1).
إن من يريد الحكم على جماعة فعليه بدراسة فكرها من خلال كتبها المعتمده دون بتر وتحريف للنصوص! وبهذه الخطوة نكون قد وضعنا أرجلنا على الطريق الصحيح للبحث. " ومن البديهي أن رجال المذهب أشد معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به، مهما
____________
1 - تقديم عقائد الإمامية: ص 13.
ومن العوامل التي ساعدت على تكوين هذه الصورة المشوهة عن الشيعة، هو خلط كثير من المؤرخين والكتاب، بين الجعفرية وغيرها من الفرق. فلا أدري كيف يتربع على كرسي البحث من لا يستطيع الإلمام بالأمور الأولية لبحثه؟!
يقول علي عبد الواحد وافي - من علماء أهل السنة -: " إن كثيرا من مؤلفينا، بل من كبارهم، أنفسهم قد خلط بين الشيعة الجعفرية وغيرها من فرق الشيعة، فنسب إلى الجعفرية عقائد وآراء ليست من عقائدهم ولا من آرائهم في شئ، وإنما ذهبت إليها فرق أخرى من فرق الشيعة ".
وقال في الحاشية: " تبدو هذه الظاهرة حتى في مؤلفات العلامة ابن تيمية! " (2).
أضف لما سبق عاملا آخر مهما وهو: إن الكتابات التي صدرت حديثا كلها تهاجم الشيعة، وهي تربو على مائتي كتاب. وهؤلاء الكتاب قد شرقوا وغربوا فجاءوا بكل ما كتب عن التشيع قديما ولم يقصروا هم في الدجل والكذب، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
وتناقل الناس هذه التهم وأصبحت مع تردادها كأنها حقائق ثابتة. ومن أغرب ما سمعت أن أحد علماء السنة سأل عالما شيعيا عما إذا كان للشيعة ذيل!!
وحدثني أحد الأصدقاء من عمان قال: كنت في مطعم فأتاني شاب وقد عرف أنني شيعي فنظر إلي متعجبا وأنا آكل فقال: أنتم تأكلون مثلنا؟!!
إذا فهمنا العوامل السابقة، أستطيع أن أقول لأخي الباحث: تعال لنرى هذه الشبهات، هل هي شبهات حقا؟ أم إنها وجدت لصد الناس عن الحق؟!
____________
1 - تقديم عقائد الإمامية: ص 14 - 15.
2 - بين الشيعة وأهل السنة: ص 11.
عبد الله بن سبأ وبدء التشيع
أخطأ كثير من الكتاب قديما وحديثا حين قالوا: إن عبد الله بن سبأ مؤسس التشيع. فلقد ذهب بعض المحققين إلى أن عبد الله بن سبأ شخصية لا وجود لها في التاريخ، وإنما هي من المختلقات التي انطلت على المحدثين.
أول من ذكر قصة عبد الله بن سبأ، ابن جرير الطبري في تاريخه، حيث ذكرها في حوادث سنة 30 هـ. وجاء المؤرخون والكتاب بعده ونقلوا عنه ونقلوا فيما نقلوا قصة ابن سبأ بدون فحص ولا تمحيص. ولاكتها الألسن وجرت بين الخاص والعام.
وقصة ابن سبأ التي ذكرها الطبري تنحصر روايتها بطريق سيف بن عمر التميمي.
وسيف هذا متهم بالوضع والزندقة فلا يؤخذ برواياته.
قال فيه يحيى بن معين: " ضعيف الحديث، فلس خير منه ".
وقال أبو داود: " ليس بشئ، كذاب "، وقال النسائي: " ضعيف متروك الحديث، ليس بثقة ولا مأمون "، وقال ابن أبي حاتم: " متروك الحديث "، وقال ابن السكن " ضعيف "، وقال ابن حبان: " يروي الموضوعات عن الأثبات اتهم بالزندقة "، وقال: " كان يضع الحديث ".
وقال ابن عدي: " ضعيف، بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة، لم يتابع عليها "، وقال الحاكم: " متروك اتهم بالزندقة " ووهاه الخطيب البغدادي (1).
وممن شك في وجود شخصية ابن سبأ الدكتور طه حسين في (الفتنة الكبرى) والدكتور علي سامي النشار. قال الأخير: " من المحتمل أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ شخصية موضوعة، أو إنها رمزت إلى شخصية ابن ياسر كما فعل الأمويون بكلمة أبي تراب والترابيين، ومن المحتمل أن يكون عبد الله بن سبأ هو مجرد تغليف لأسم
____________
1 - راجع هذه الأقوال في كتاب: عبد الله بن سبأ، مرتضى العسكري: 1 / 74 - 75.
وشك في شخصية ابن سبأ، الدكتور محمد عمارة (2)، والدكتور أحمد محمود صبحي في (نظرية الإمامة)، والدكتور حامد داود حفني، والدكتور علي الوردي، والدكتور كامل الشبيبي، وعلي عباس صالح، والدكتور برناد لويس، وفلهوزن، وفريد ليندر، وكايتاني (3).
ونفى محمد كرد علي أن يكون التشيع من بدعة عبد الله بن سبأ، يقول في هذا: " وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن مذهب التشيع من بدعة عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، فهو وهم وقلة علم بتحقيق مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك، علم مبلغ هذا القول من الصواب " (4).
بعد سقوط النظرية القائلة بأن مؤسس التشيع عبد الله بن سبأ بقي أن نعرف مؤسس التشيع الحقيقي.
إن التشيع معناه: المشايعة والمتابعة لآل البيت (5). ومن المعلوم قطعا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا لحب آل بيته (عليهم السلام) ومتابعتهم في أحاديث كثيرة مرت فنقول:
التشيع يعني حب ومتابعة آل البيت (عليهم السلام). والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته إلى حب ومتابعة آل البيت (عليهم السلام) يعني أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا للتشيع!!
ويبدو لي أن الغرابة في قبول هذا الرأي عند بعضهم هو كلمة (التشيع) مع أن الأسماء لا قيمة لها ما دام المضمون نفسه لم يتغير، فالفكر الشيعي هو الفكر الذي طرحه
____________
1 - نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام: 2 / 28.
2 - راجع كتابه: تيارات الفكر الإسلامي: ص 203.
3 - راجع هوية التشيع / الوائلي: ص 137 - 140.
4 - خطط الشام 1 / 251.
5 - راجع لسان العرب، ابن منظور 8 / 189 مادة " شيع ".
وقد نطق الرسول نفسه بهذه اللفظة، فقد قال حين نزل قول الله (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) (1): " يا علي هم أنت وشيعتك ".
وهو الذي بذر بذرة التشيع حيث كان يدعو الصحابة إلى موالاة آله وحبهم حتى اثمرت جهوده عن التفاف ثلة من الصحابة حول علي (عليه السلام).
قال أبو حاتم الرازي: " إن أول اسم ظهر في الإسلام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو الشيعة، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة هم: أبو ذر، وسلمان، والمقداد، وعمار " (2).
ذكر الخطيب البغدادي في الكفاية عن أبي عبد الله بن الأخرم الحافظ " أنه سئل: لم ترك البخاري الرواية عن الصحابي أبي الطفيل؟ قال: لأنه كان متشيع العلي بن أبي طالب ".
قال ابن حزم: " وروينا عن نحو عشرين من الصحابة أن أكرم الناس على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب! " (3).
قال ابن خلدون: " كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي، ويرون استحقاقه على غيره، ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك وأسفوا له، إلا أن القوم لرسوخ قدمهم في الدين، وحرصهم على الالفة لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفف والأسف " (4).
وقال الأستاذ محمد كرد علي: " عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مثل سلمان الفارسي القائل: بايعنا رسول الله على النصح
____________
1 - البينة: 7.
2 - روضات الجنات: ص 88.
3 - الفصل في الملل والأهواء والنحل: 3 / 32.
4 - تاريخ ابن خلدون: 3 / 364.
الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج وقيل: فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب!! قيل له: وإنها لمفروضة معهن؟ قال: نعم!! ومثل أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وخالد بن سعيد بن العاص، وقيس بن سعد بن عبادة " (1).
قال الدكتور صبحي الصالح: " كان بين الصحابة حتى في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شيعة لربيبه علي، منهم:
أبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وأبو الطفيل عمر بن وائلة، والعباس بن عبد المطلب وجميع بنيه، وعمار بن ياسر، وأبو أيوب الأنصاري " (2).
وقال عبد الله الأمين عن الشيعة: " وترجع إلى صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين شايعوا وناصروا سيدنا عليا (رضي الله عنه) في خلافة المسلمين لقناعتهم بأحقيته لهذا المنصب الخطير " (3).
وقال الاستاذ محمد عبد الله عنان: " من الخطأ أن يقال: إن الشيعة ظهرت ولأول مرة عند انشقاق الخوارج. بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أمره الله بإنذار عشيرته في الآية 214 من الشعراء: (وأنذر عشيرتك الأقربين) ولبى النبي فجمع عشيرته في بيته وقال لهم مشيرا إلى علي: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " (4).
____________
1 - خطط الشام: 5 / 251.
2 - النظم الإسلامية: ص 96.
3 - روح التشيع، عبد الله نعمة، عن دراسات في الفرق والمذاهب القديمة.
4 - روح التشيع: ص 20 عن الجمعيات السرية.
الشيعة والصحابة
فصلنا القول فيما مضى في عدالة الصحابة ورأينا أن فيهم المؤمن والمنافق...
والشيعة ينظرون للصحابة نظرة القرآن لهم، يقول السيد مرتضى العسكري: " فإن مدرسة أهل البيت ترى، تبعا للقرآن الكريم، أن في الصحابة منافقين مردوا على النفاق، ورموا فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإفك. وحاولوا اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأخبر عنهم الرسول أنهم يوم القيامة يختلجون دون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فينادي: أصيحابي فيقال له:
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. وأن منهم مؤمنين أثنى الله عليهم والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديثه، وأنهم المقصودون في ما ورد من الثناء في القرآن والحديث، وقد عين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العلامة الفارقة بين المؤمن والمنافق:
حب الإمام علي، وبغضه، ومن ثم فإنهم ينظرون في حال الراوي فإن كان ممن قاتل عليا أو الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وعاداهم فإنهم لا يلتزمون بأخذ ما يروي أمثال هؤلاء، صحابيا كان أو غير صحابي " (1).
ويجلي السيد شرف الدين رأي الإمامية بالصحابة فيقول: " إن من وقف على رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء، إذ لم نفرط تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم أجمعين، فإن الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم، قالوا: بكفر الصحابة كافة، وقال أهل السنة: بعدالة كل فرد ممن سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو رآه من المسلمين مطلقا...
أما نحن فإن الصحبة بمجردها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنها، - بما هي ومن حيث هي - غير عاصمة. فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء، وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة، أما البغاة
____________
1 - معالم المدرستين: 1 / 140 - 141.
هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم، والكتاب والسنة بيننا على هذا الرأي، كما هو مفصل في مظانه من أصول الفقه، لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابيا...
وما أشد إنكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة، مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملا بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية، والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية، وبهذا ظنوا بنا الظنونا، فاتهمونا بما اتهمونا، رجما بالغيب، وتهافتا على الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم، ورجعوا إلى قواعد العلم، لعلموا أن أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليه، ولو تدبروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحونا بذكر المنافقين منهم... " (1).
هذا هو رأي الشيعة في الصحابة، يقول الدكتور المصري حفنى داود: " إن طريقة الشيعة في نقد الصحابة وتقسيمهم إلى عادل وجائر منهج علمي... " (2).
أما ما ينسب للشيعة من القول بارتداد الصحابة إلا أربعة فإن كان هذا الارتداد بمعنى الرجوع عن الإسلام فهذا لا تقول به الشيعة، وأغلب هذه الروايات غير صحيحة.
ومسألة سب الصحابة ينهى عنها علماء الإمامية باستمرار. يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي مدافعا عن الإمامية: " ونستبعد كذلك ما يصدر من عوامهم من أقوال وأعمال لا يقرها فقهاؤهم، ويعتبرونها مخالفة لأصول مذهبهم، فمن ذلك أن عوامهم يسبون الشيخين.
____________
1 - أجوبة موسى جار الله: ص 14 - 15.
2 - نظرات في الكتب الخالدة: ص 111.
وإذا كنا سنحاسب الطوائف بما يفعله عوامهم وسفهاؤهم، فإن حسابنا سيكون عسيرا لكثير من جماعات أهل السنة أنفسهم فلا تكاد توجد جماعة من جماعاتنا لا يصدر من عوامها وسفهائها أعمال وأقوال لا يقرها الإسلام " (1).
وقد قيل: إن الإسلام شئ والمسلمين شئ آخر. والإسلام عند الشيعة ينهى عن السب، فلا يحمل أخطاء المسلمين الشيعة.
ثم لماذا هذه الضجة على الشيعة؟ هذه عائشة خرجت مع طلحة والزبير على الإمام الشرعي وتسببوا بقتل ثلاثين ألفا، وقال أهل السنة إنهم مجتهدون ولهم أجر! وحارب معاوية عليا (عليه السلام) وتسبب بقتل مائة ألف، وقال أهل السنة: هو مجتهد له أجر!
فلماذا لا يقال: إن عوام الشيعة مجتهدون ولهم أجر؟! مع العلم أن السب دون القتل، هذا معاوية تسبب بقتل مائة ألف إنسان ويعطى أجرا ولا يعطى المتكلم بضع كلمات أجرا!! فأين هذا من هذا؟!
فليقال إذن: إن عوام الشيعة مجتهدون ولهم أجر، وتنتهي المسألة على أن العوام حين يتكلمون على الصحابة فإن عندهم أدلة على صحة كلامهم خلافا لمعاوية وأصحاب الجمل الذين اجتهدوا أمام النصوص فالشيعة أولى منهم بالأجر!
وقد سب الصحابة أنفسهم، ومعاوية أمر بلعن علي وبقي أهل القرن الأول يلعنون عليا على المنابر ستين عاما! فكل حكم يصدر على الشيعة فإنه موجه لأهل القرن الأول فالحذر الحذر من إصدار أي حكم جزافي!!
وحتى يتأكد إخواننا الباحثون من أن الشيعة يقدسون صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمنين فإننا نورد نبذة من هذا الدعاء الذي يردده الشيعة في أدعيتهم.
____________
1 - بين الشيعة وأهل السنة: 32 - 34 باختصار.
القرآن الكريم
كثيرا ما قرأت لكتاب من أهل السنة يدعون بأن الإمامية يقولون بتحريف القرآن. وقام علماء الإمامية برد هذه الافتراءات، ولا يوجد كتاب شيعي في العقائد إلا ويتناول هذا الموضوع ويبرئ ساحة الإمامية من القول بالتحريف. ولكن الشئ العجيب: إن هذا الاتهام ما زال يكرر: (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا)؟ (2).
إن الله أوكل حفظ الكتب السماوية - كالتوراة والإنجيل - إلى الناس، قال تعالى عن علماء اليهود والنصارى: (بما استحفضوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) (3) لهذا وقع التحريف فيها، أما القرآن فقد تكفل الله بحفظه، قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (4) لهذا فهو مصون من التحريف، والإمامية يقولون: إن القرآن الذي بين أيدينا هو نفسه القرآن الذي نزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا نقص به ولا زيادة ولا تحريف.
____________
1 - الصحيفة السجادية: الدعاء الرابع.
2 - النساء: 78.
3 - مائدة: 44.
4 - الحجر: 9.
يقول الشيخ محمد أبو زهرة: " القرآن بإجماع المسلمين هو حجة الإسلام الأولى وهو مصدر المصادر له، وهو سجل شريعته، وهو الذي يشتمل على كلها وقد حفظه الله تعالى إلى يوم الدين كما وعد سبحانه إذ قال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (1).
وإن إخواننا الإمامية على اختلاف منازعهم يرونه كما يراه كل المؤمنين " (2).
وقال: " إن الشريف المرتضى وأهل النظر الصادق من إخواننا الاثني عشرية قد اعتبروا القول بنقص القرآن أو تغييره أو تحريفه تشكيكا في معجزة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واعتبروه إنكارا لأمر علم من الدين بالضرورة " (3).
وقال الدكتور محمد عبد الله دراز: " ومهما يكن من أمر فإن هذا المصحف هو الوحيد المتداول في العالم الإسلامي، بما فيه فرق الشيعة، ومنذ ثلاثة عشر قرنا من الزمان. ونذكر هنا رأي الشيعة الإمامية - أهم فرق الشيعة - " (4).
وقال الشيخ رحمة الله الهندي: " القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ من التغيير والتبديل، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه، فقوله مردود غير مقبول عندهم " (5).
وقال الشيخ محمد الغزالي: " سمعت من هؤلاء يقول في مجلس علم: إن للشيعة قرآنا آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف فقلت له: أين هذا القرآن؟ ولماذا لم يطلع
____________
1 - الحجر: 9.
2 - الإمام الصادق: ص 296.
3 - المصدر السابق: ص 329.
4 - مدخل إلى القرآن الكريم: 39 - 40.
5 - إظهار الحق، تعليق الدكتور أحمد حجازي: ص 431.
ولماذا هذا الكذب على الناس وعلى الوحي " (1).
وقال الأستاذ محمد المديني - عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية -: " وأما أن الإمامية يعتقدون نقص القرآن، فمعاذ الله. إنما هي روايات رويت في كتبهم، كما روي مثلها في كتبنا. وأهل التحقيق من الفريقين قد زيفوها، وبينوا بطلانها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك كما أنه ليس في السنة من يعتقده " (2).
وقال البهنساوي - من مفكري الأخوان المسلمين -: " إن الشيعة الجعفرية الاثني عشرية يرون كفر من حرف القرآن الذي أجمعت عليه الأمة منذ صدر الإسلام... وإن المصحف الموجود بين أهل السنة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة " (3).
وقال مصطفى الرافعي: " والقرآن الكريم هو الموجود الآن بأيدي الناس من غير زيادة ولا نقصان. وما ورد من أن الشيعة الإمامية يقولون بأن القرآن قد اعتراه النقص... هذا الادعاء أنكره مجموع علماء الشيعة الأعلام...
فالقرآن الكريم - إذن - هو عصب الدولة الإسلامية، تتفق مذاهب أهل السنة مع مذهب الشيعة الإمامية على قداسته ووجوب الأخذ به. وهو نسخة موحدة لا تختلف في حرف ولا رسم لدى السنة والشيعة الإمامية في مختلف ديارهم وأمصارهم " (4).
وقال الدكتور علي عبد الواحد وافي: " يعتقد الشيعة الجعفرية كما يعتقد أهل السنة، أن القرآن الكريم هو كلام الله عزوجل المنزل على رسوله المنقول بالتواتر والمدون بين دفتي المصحف بسوره وآياته المرتبة بتوقيف من الرسول صلوات الله وسلامه عليه،
____________
1 - دفاع عن العقيدة والشريعة.
2 - مع الصادقين، الدكتور التيجاني: ص 201 عن مقال الاستاذ محمد المديني - مجلة رسالة الإسلام - العدد الرابع في السنة الحادية عشرة ص 382 و 383.
3 - السنة المفترى عليها: ص 60.
4 - إسلامنا: ص 75.
وقال: " أما ما ورد في بعض مؤلفاتهم من آراء تثير شكوكا في النص القرآني وتنسب إلى بعض أئمتهم، فإنهم لا يقرونها ويعتقدون بطلان ما تذهب إليه، وبطلان نسبتها إلى أئمتهم. ولا يصح كما قلنا فيما سبق أن نحاسبهم على آراء حكموا هم ببطلانها وبطلان نسبتها إلى أئمتهم ولا أن نعدها من مذهبهم، مهما كانت مكانة رواتها عندهم ومكانة الكتب التي وردت فيها...
وقد تصدى كثير من أئمة الشيعة الجعفرية أنفسهم لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها وبطلان نسبتها إلى أئمتهم وأنها ليست من مذهبهم في شئ " (2).
هذه ثماني شهادات لعلماء من أهل السنة تدفع عن الإمامية تهمة القول بتحريف القرآن. أما كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف عن القرآن فلا يسعها مجلد، ونضع بين يدي القراء بعضها.
قال الشيخ الصدوق (ت / 381 هـ) - الذي يعد شيخ المحدثين -: " اعتقادنا في القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ما بين الدفتين، وهو مافي أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب " (3).
قال الشيخ المفيد (ت / 413 هـ) - أحد عظماء الإمامية -: " وأما النقصان وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة... وأما الزيادة فيه فمقطوع بفسادها " (4).
____________
1 - بين الشيعة وأهل السنة: ص 35.
2 - بين الشيعة وأهل السنة: ص 37 - 38.
3 - رسالة الاعتقادات.
4 - أوائل المقالات: ص 55.
وقال الطبرسي - الملقب بأمين الإسلام - " أما الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانها، وأما النقيصة فروى جماعة من أصحابنا، وقوم من حشوية العامة أن في القرآن نقصا. والصحيح من مذهبنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى " (2).
وقال الشيخ بهاء الدين العاملي: " اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه والصحيح إن القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادة ونقصا، ويدل عليه قوله تعالى:
(وإنا له لحافظون) " (3).
وقال المرجع الكبير محمد حسين آل كاشف الغطاء: " إن الكتاب الموجود بين المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدي، وأنه لا نقص ولا تحريف ولا زيادة فيه، وعلى هذا إجماعهم " (4).
وقال السيد محسن الأمين - صاحب أعيان الشيعة -: " لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا، إن القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلا عن كلهم، بل كلهم متفقون على عدم الزيادة، ومن يعتد بقوله من محققيهم متفقون على أنه لم ينقص منه " (5).
وقال المرجع السيد أبو القاسم الخوئي: " وقد تبين للقارئ مما ذكرناه، أن حديث تحريف القرآن حديث خيالي لا يقول به إلا من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه حب القول به، والحب يعمي ويصم. أما العاقل المنصف
____________
1 - مقدمة تفسير البيان: ص 3.
2 - مقدمة تفسير مجمع البيان.
3 - راجع آلاء الرحمن، البلاغي: 1 / 25 - 26.
4 - أصل الشيعة واصولها.
5 - أعيان الشيعة: 1 / 108.
هذه ثمانية أقوال لكبار علماء المدرسة الإمامية وهناك الكثير غيرهم ينفون التحريف. حتى لقد صنف الكركي المعروف بالمحقق الثاني رسالة في نفي النقيصة بعد الإجماع على عدم الزيادة. وصنف محمد حسين الشهرستاني: (رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف) ورد فيه على فصل الخطاب. وصنف آغا بزرك:
(النقد اللطيف في نفي التحريف عن القرآن الشريف).
ومن علماء الإمامية الذين ينفون التحريف، الشيخ جعفر كاشف الغطاء في (كشف الغطاء)، والعلامة محمد إبراهيم الكرباسي في " الإشارات "، والمفسر المتكلم محمد جواد البلاغي في تفسيره (آلاء الرحمن)، ومحمد النهاوندي في تفسيره (نفحات الرحمن)، والمرجع محمد رضا الكلبايكاني، ومجدد العلم البروجردي، والمحقق البغدادي، والحر العاملي صاحب الوسائل، والتستري صاحب الصوارم، والعلامة المظفر في (عقائد الإمامية)، والعلامة الطباطبائي في (تفسير الميزان)، والعلامة ابن المطهر الحلي، والأميني، وشرف الدين... هذا هو قول الإمامية المعتد به ومن قال غير ذلك فقوله مردود.
فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب
ألّف أحد الإمامية كتاب: " فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " حاول فيه مؤلفه إثبات تحريف القرآن، ولكن النوري مؤلف الكتاب تراجع عن إقرار صحة ما فيه وكان يقول: " أخطأت في تسمية الكتاب، وكان الأجدر أن يسمى بفصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب " (2).
____________
1 - تفسير البيان وراجع من: ص 195 - 236 حيث ناقش روايات التحريف وكل الشبهات.
2 - ذكر ذلك عنه تلميذه الثقة آغا بزرك راجع: مع الخطيب، لطف الله الصافي: ص 59.
وقد وجد من أهل السنة من يؤلف في تحريف القرآن ولم يشن عليه حملة كهذه الحملة المسعورة التي تشن على الشيعة. يقول الأستاذ محمد محمد المديني: " وقد ألف أحد المصريين في سنة 1948 م كتابا اسمه (الفرقان) حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلا لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بين بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه. فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضا، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.
أفيقال إن أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألفه فلان؟ فكذلك الشيعة الإمامية، إنما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا " (2).
وقال الدكتور علي عبد الواحد وافي - بعد أن ذكر رواية من الكافي في تحريف القرآن -: " ولدينا نحن معشر أهل السنة في بعض كتبنا التي نعتز بها آراء من هذا القبيل تصل بصاحبها - والعياذ بالله - إلى شفا حفرة من النار ومن الكفر، فمن ذلك مثلا ما يذكره السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) من قول بأن القرآن الكريم هو معاني الآيات فحسب، وأما ألفاظها فمن الرسول عليه الصلاة والسلام...
فكما لا يصح أن يحاسبنا أحد على مثل هذه الأقوال التي نحكم ببطلانها، لا يصح
____________
1 - راجع مع الخطيب.
2 - مجلة رسالة الإسلام: العدد الرابع ص 382 و 383.
ونحن نقول لأولئك المعاندين الذين يتهمون الإمامية بتحريف القرآن: ما رأيكم بالروايات التي جاءت في صحيحي البخاري ومسلم وبقية كتب السنن والتي تنص على تحريف القرآن؟
إن الروايات التي عند الإمامية روايات ساقطة وهم غير ملزمين بها فليس عندهم كتاب صحيح بأجمعه إلا كتاب الله. ولكن المشكلة عند الذين ألزموا أنفسهم باعتماد الصحيحين مطلقا فكيف سيعالجون أمر الروايات فيهما؟ ونضع بين يدي الباحثين بعضها.
عن الخليفة عمر (رضي الله عنه) أنه قال وهو على المنبر: "... إن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله (آية الرجم) فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثم إنا كنا نقرأ في ما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم... " (2).
فأين (آية الرجم) وآية (أن لا ترغبوا عن آبائكم) من القرآن الآن؟!
وقال أبو موسى الأشعري كما في صحيح مسلم: "... وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها!! غير أني قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)!!
____________
1 - بين الشيعة وأهل السنة: ص 30 - 31.
2 - صحيح البخاري: كتاب المحاربين، باب رجم الحبلى من الزنا.
وعن عائشة أنها قالت: " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن " (2).
وروى أحمد في مسنده عن أبي بن كعب آية: (... وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة، إن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية، ومن يفعل خيرا فلن يكفره) (3).
وفي مسند أحمد عن أبي بن كعب قال: " كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال: بضعا وسبعين آية، قال: لقد قرأتها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل البقرة!! أو أكثر! وإن فيها آية الرجم " (4).
هذه الروايات غيض من فيض - في مصادر أهل السنة - وكلها صريحة في نقصان القرآن. ولو تتبعنا أمثال هذه الروايات في كتب السنن لجئنا ب (الفرقان) من جديد.
ولابد من أن المنصفين من أهل السنة يرفضون هذه الروايات. ولكننا لم نأت بها إلا لتلك الفئة التي لا تفتأ توجه التهم للإمامية.
والحق: إني في شوق لأرى ماذا يقولون عنها بعد أن أخرجها مسلم والبخاري؟
فإن أجابوا بأنها نسخت تلاوة وبقي حكمها، قلنا إن الروايات نفسها ترد هذا الجواب، ففي صحيح مسلم عن عائشة إنها قالت: " كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات) فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن ".
____________
1 - صحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا.
2 - صحيح مسلم: كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات.
3 - مسند أحمد: 5 / 132، سنن الترمذي: 5 / 665 - 666.