7 - عن ابن عباس(رضي الله عنه) قال: شهدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعة أشهر، يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)، عند وقت كل صلاة فيقول: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت، (إنما يريد الله...)، الصلاة يرحمكم الله" كل يوم خمس مرات!(2).
والروايات في ذلك أكثر مما ذكرت، ولكنني ساُورد الآن الروايات المقابلة لها، والتي جمعها السيوطي في تفسيره، قال:
أخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عكرمة(رضي الله عنه) عن ابن عباس(رضي الله عنه) في قوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة، وقال عكرمة(رضي الله عنه): من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)!
وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير(رضي الله عنه) عن ابن عباس(رضي الله عنه)قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله).
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عكرمة(رضي الله عنه) في قوله: (إنما يريد...)
قال: ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي (صلى الله عليه وآله).
وأخرج ابن سعد عن عروة(رضي الله عنه): (إنما يريد...) قال: يعني أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)، نزلت في بيت عائشة(رض)(3).
____________
1- المستدرك 3: 147، 2: 416، وصححه مسند أحمد 4: 107، مجمع الزوائد 9: 166، تفسير الطبري 22: 6.
2- المستدرك 3: 132.
3- الدر المنثور 5: 198.
وأما عكرمة، فترجمته تؤكد أنه كان من الخوارج الصفرية، لهذا كان مالك يدلّسه، والخوارج أعداء علي بن أبي طالب، بل ويكفرونه، فلا يستغرب أن يدعي عكرمة على ابن عباس ما يدّعيه.
فلا يعتد باقوال هؤلاء، ولا يمكن قبول رواياتهم أمام هذا الجمع من الروايات الصحيحة التي تثبت عكس مقالاتهم.
وعلى ذكر نزول آية المباهلة، والتي أجمع فيها المفسرون على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أخذ علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً لمباهلة نصارى نجران، إلاّ أن وسائل الإعلام الاُموية لم تدع هذه الحادثة أيضاً دون تزييف، حيث وضع رواية في مقابلها، فقد أخرج إبن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية (تعالوا ندع أبناءنا...) الآية. قال: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعلي وولده!(1) والعجب أن تنسب هذه الرواية الى جعفر بن محمد الصادق!
____________
1- الدر المنثور 2: 40.
استدراك آخر
نقلنا فيما مضى كلام ناصر الدين الألباني في تأويل حديث الثقلين ومعنى أهل البيت، وننقل الآن ما تبقى من كلامه في محاولته ربط حديث الثقلين بحديث كتاب الله وسنّة رسوله، قال:
فتبيّن أن المراد بأهل البيت، المتمسكين منهم بسنّته (صلى الله عليه وآله)، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد الثقلين في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الاول وهو القرآن، والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث، كذكر سنّة الخلفاء الراشدين مع سنّته (صلى الله عليه وآله) في قوله: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين..." قال الشيخ القاري: "فانهم لم يعملوا إلاّ بسنّتي"، فالاضافة إليهم إما لعلمهم بها، أو لاستنباطهم واختيارها إياها.
إذا عرفت ما تقدّم، فالحديث شاهد قوي لحديث الموطأ بلفظ "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنّة رسوله"، وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سوّد صفحات من اخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ!(1).
الحقيقة إن حال الشيخ الالباني أسوأ من حال اُولئك الذين ينتقدهم، فانهـ وهو المحدّث الكبيرـ يلجأ إلى أساليب التأويل غير المنطقي لأجل تصحيح حديث متهافت لا اسناد له، وهو قد وضع في مقابل "وعترتي أهل بيتي" دون شك، أما احتجاجه بحديث "عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين..."، فإننا مع
____________
1- سلسلة الأحاديث الصحيحة: المجلد الرابع: ص 360.
الاثنا عشر خليفة
تقدّم فيما مضى أن لفظة الخليفة والخلفاء قد جاءت على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان تارة يعني بها علي بن أبي طالب، وتارة ينسبها إلى رواة حديثه من بعده، وقد تبيّن أن هذه اللفظة لا تنطبق على من دأب الجمهور بتسميتهم الخلفاء الراشدين، لأن اُولئك لم يرووا حديث النبي (صلى الله عليه وآله)، بل وقفوا حائلا دون روايته وانتشاره، وبقي الآن أن نتناول حديثاً آخر للنبي (صلى الله عليه وآله)، وردت فيه لفظة (الخليفة)، وهو الحديث الذي تحيّر فيه علماء الجمهور، ولم يعرفوا له مخرجاً يتفق مع عقيدة الجمهور السائدة، ألا وهو حديث الاثنا عشر خليفة من قريش، وسوف اُورد الحديث بألفاظه من مصادره، ثمّ استعرض باختصار آراء علماء الجمهور فيه، وبيان تخبطهم في تفسير معناه.
فعن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: "يكون اثنا عشر أميراً"،
____________
1- المستدرك 1: 95 - 99 وصحّحه ووافقه الذهبي، جامع الترمذي ح 2676، أبو داود ح 4607، شرح السنّة للبغوي ح 102، ابن ماجة 1: 15 من المقدمة باب اتباع سنّة الخلفاء الراشدين المهديين، مسند أحمد 4: 126 المعجم الكبير للطبراني ح 617.
وفي لفظ مسلم عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: "إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة"، قال: ثمّ تكلّم بكلام خفي عليّ، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: "كلهم من قريش".
وفي رواية اُخرى عند مسلم: "لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا"...(2)
وفي لفظ الترمذي: "يكون من بعدي اثنا عشر أميراً"(3).
وعند أبي داود قريب من ذلك أيضاً(4).
وفي لفظ الطبراني: "يكون لهذه الاُمة اثنا عشر قيّماً لا يضرهم من خذلهم"(5).
وقد تحيّر علماء الجمهور في من هم المقصودون بهذا الحديث، أما ابن كثير فيقول: وليسوا بالاثني عشر الذين يدّعون إمامتهم الرافضة.. بل هؤلاء من الائمة الاثني عشر المخبر عنهم في الحديث: الأئمة الأربعة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي(رضي الله عنهم)، ومنهم عمر بن عبدالعزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السنة في تفسير الاثني عشر كما سنذكره بعد إيراد الحديث... (وبعد أن يورد ابن كثير الروايات في هذا الخصوص، ينقل عن البيهقي قوله): ففي الرواية الاُولى بيان العدد، وفي الثانية بيان المراد بالعدد، وفي الثالثة بيان وقوع الهرج، وهو القتل بعدهم، وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبدالملك، ثم وقع الهرج والفتنة
____________
1- صحيح البخاري 9: 101 كتاب الأحكام: باب الاستخلاف.
2- صحيح مسلم 3: 1452 - 1453.
3- سنن الترمذي 4: 501.
4- سنن أبي داود 4: 106.
5- المعجم الكبير 2: 196.
ثمّ ينقل ابن كثير حديث "الخلافة في قريش"، و "الخلافة بعدي ثلاثون سنة" محاولا التوفيق بين النصوص، ثم يعدد أسماء الاثني عشر -كما يظنهم- ابتداءً بالخلفاء الأربعة وانتهاء بهشام بن عبدالملك، ويقول: فهؤلاء خمسة عشر! ثم الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فإن اعتبرنا ولاية الزبير قبل عبدالملك، صاروا ستة عشر!! وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبدالعزيز، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية، ويخرج منهم عمر بن عبدالعزيز...!
ثمّ قال: فإن قال: أنا لا أعتبر إلاّ من اجتمعت الاُمة عليه، لزمه على القول أن لا يعدّ علي بن أبي طالب ولا ابنه، لأن الناس لم يجتمعوا عليهما!
ويظل ابن كثير يدور في حلقة مفرغة وهو يحاول تعريف هؤلاء الاثنا عشر دون جدوى، فالعدد عنده لا يستقيم، ثم يميل إلى رواية أبي الجلد ويرجحها لأنه كان ينظر في شيء من الكتب المتقدّمة، والتي مفادها: أن في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إن الله تعالى بشّر إبراهيم بإسماعيل، وأنه ينمّيه ويكثّره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً!(1).
ثم قال ابن كثير: قال شيخنا العلاّمة أبو العباس بن تيمية: وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة - وقرر أنهم يكونون مفرّقين في الاُمة- ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا، وغلط كثير ممّن تشرّف بالإسلام من اليهود، فظنوا
____________
1- العهد القديم: سفر التكوين: 1 صحاح 17، آية 20.
أما ابن بطّال، فيروي عن المهلب إنه لم يلق أحداً يقطع في هذا الحديث بشيء معين.
أما القاضي عياض فيحاول الجمع بين هذا الحديث وحديث "الخلافة ثلاثون سنة" ثم يقول: وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة، ولابدّ من تمام العدة قبل قيام الساعة! أما ابن الجوزي فيقول في كشف المشكل: قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلبت مضانه وسألت عنه، فلم أقع على المقصود به، لأن ألفاظه مختلفة ولا أشك أن التخليط من الرواة.
وقال ابن المنادي: يحتمل في معنى حديث "يكون اثنا عشر خليفة" أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان!
وأما ابن حجر العسقلاني، فيورد الآراء المتقدّمة دون أن يعطي نتيجة حاسمة يُقطع بها(2).
أما السيوطي فيقول: وقد وجد من الاثني عشر: الخلفاء الأربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير، وعمر بن عبدالعزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي لأنه في العباسيين كعمر بن عبدالعزيز في الاُمويين، والظاهر العباسي أيضاً لما اُوتيه من العدل، ويبقى الاثنان المنتظران، أحدهما المهدي من أهل البيت!(3).
لكن الخلافة الإسلامية اُلغيت وسقطت ولما يظهر الخليفة الحادي عشر
____________
1- البداية والنهاية 6: 248 في ذكر الأخبار عن الائمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش، تاريخ أبي الفدا 1: 17 باختصار، تفسير ابن كثير 2: 34 باختصار أيضاً.
2- فتح الباري 13: 179 - 183.
3- تاريخ الخلفاء: 10.
أما إدعاء ابن تيمية بأنهم يظهرون مفرّقين في الاُمة، فليس لديه شاهد عليه، وليس في أي من الفاظ الحديث ما يدل على ذلك.
إن الحقيقة التي يحاول الجمهور التهرّب منها بأي ثمن هي: أن هؤلاء الاثنا عشر لا يمكن إلاّ أن يكونوا علماء أهل البيت الذين رووا الحديث النبوي الشريف أباً عن جد، وورثوا علم النبوة، والفهم بكتاب الله، حتى جعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) أعدالا للكتاب لا ينفصلون عنه، ولم يظهر في الاُمة غير اُولئك الذين تقول بهم الإمامية، فلا يمكن أن يكون غيرهم!
إنّ المشكلة التي حيّرت الجمهور، هي لفظة (خليفة) التي وردت في بعض ألفاظ الحديث، فتوهم الجمهور أن المقصود بذلك هم الخلفاء الذين جلسوا على منصة الخلافة فعلا، مع أن لفظة خليفة لا تعني الحكم بالضرورة، وإلاّ فهل كان آدم خليفة في الأرض بهذا المعنى؟
إن إحدى الألفاظ التي جاءت في حديث الثقلين المتواتر تعطينا صورة واضحة وحلاًّ أمثل لكل هذه الاشكالات، فقد جاء في بعض ألفاظه: "إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض"(1).
فقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بأن سنّة اُولئك الخلفاء هي سنّته، فهذا يستلزم ألاّ يكون هناك خلاف في ذلك. كما ينقل الألباني عن الشيخ القاري "فإنهم لم يعملوا إلاّ بسنّتي"، ولكننا عندما نستعرض سيرة اولئك الخلفاء، نجد أنهم قد
____________
1- مسند احمد 5: 181، 182، 189، 190، وكتاب السنّة لابن أبي عاصم: 337، 629 وقد صححه الألباني في (ظلال الجنة) المطبوع مع الكتاب، حديث 754، مجمع الزوائد 9: 162، كنز العمال ح 872، 947، الدر المنثور 2: 60.
ما الذي حدث
لقد تبيّن من كل ما سبق أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نصّ بالخلافة لعلي بن أبي طالب وأوصى إليه، ولكن قريشاً كانت تميل الى الاعتقاد بأن دور النبي (صلى الله عليه وآله) يتلخص في تبليغ القرآن، وليس له دخل في تولية أحد على المسلمين، وقد عبّر الخليفة عمر بن الخطاب عن هذا الاتجاه بقوله لعبد الله بن عباس: يابن عباس، أتدري ما منع قومكم منهم -أي من بني هاشم- بعد محمد؟ (قال ابن عباس): فكرهت أن اُجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يُدريني، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووُفّقت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن تأذن لي في الكلام، وتُمط عني الغضب تكلمت. فقال: تكلم يابن عباس، فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت،
فقال عمر: هيهات والله يابن عباس! قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقُرّك عنها، فتزيل منزلتك عندي، فقلت: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن كانت حقاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلا، فمثلي أماط الباطل عن نفسه، فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنا حسداً وظلماً! فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: ظلماً، فقد تبيّن للجاهل والحليم! وأما قولك: حسداً، فان إبليس حسد آدم، فنحن ولده المحسودون. فقال عمر: هيهات، أَبَتْ والله قلوبكم يا بني هاشم إلاّ حسداً ما يحول، وضغناً وغشاً ما يزول. فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين، لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بالحسد والغش، فان قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قلوب بني هاشم! فقال عمر: إليك عني يابن عباس...(2)
ونص آخر عن عمر، يبدو أكثر جلاءً، إذ قال لابن عباس يوماً: يا عبدالله، عليك دماء البُدن إن كتمتها: هل بقي في نفس علي شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم. قال: أيزعم أن رسول الله نصّ عليه؟ قلت: نعم، وأزيدك، سألت أبي عمّا يدّعيه، فقال: صدق! فقال عمر: لقد كان في رسول الله من أمره ذروٌ من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه، فمنعتُ من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام!
____________
1- سورة محمد: 9.
2- تاريخ الطبري 4: 223 - 224.
نعم، لقد اختارت قريش لنفسها دون ما اختاره الله ورسوله لها، واحتجت في ذلك بحجج كثيرة، منها كراهتها اجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم، ومنها استصغارهم لعلي بن أبي طالب، وجاء ذلك على لسان عمر أيضاً في حوار آخر مع ابن عباس، حيث قال له: يابن عباس، ما أظن صاحبك إلاّ مظلوماً! فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين، فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي، ثم مرّ يهمهم ساعة ثم وقف. فلحقته فقال لي: يابن عباس، ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلاّ أنهم استصغروه، فقلت في نفسي: هذه شرّ من الاُولى، فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر!(2).
واحتج تارة اُخرى ببغض العرب لعلي بن أبي طالب لأنه قتل آباءهم وإخوانهم وأبناءهم في حروب النبي (صلى الله عليه وآله)، واحتج بذلك عثمان على علي بقوله له: ما اُصنع إن كانت قريش لا تحبكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين، كأن وجوههم شنوف الذهب، تصرع أنفهم قبل شفاههم!(3).
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12: 21.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 45 والقصة باختصار: أن النبي صلى الله عليه وآله بعث ببراءة الى أهل مكة مع أبي بكر، ثم اتبعه بعلي فقال له: "خذ الكتاب فامض الى أهل مكة"، فلحقه فأخذ الكتاب منه، فانصرف أبو بكر وهو كئيب، فقال لرسول الله(ص): أنزل فيّ شي؟ قال: "لا، إلاّ أني اُمرتُ أن اُبلّغه أنا أو رجل من أهل بيتي". انظر في ذلك: سنن النسائي 5: 128 ح 8461، الخصائص للنسائي: 92 ح 76، مسند أحمد 1: 151، 1: 3، جامع الترمذي 5: 257 ح 3091، المستدرك 2: 61، السنن الكبرى للبيهقي 9: 224، فتح الباري 8: 318، تفسير الطبري مج 6 ج 10: 64، مختصر تاريخ دمشق 18: 6، البداية والنهاية 7: 394 حوادث سنة 40، الرياض النضرة 3: 119، الدر المنثور 4: 125، كنز العمال 2: 422 ح 4401 وغيرها.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 23.
فمخالفة النص أمر واقع لا يمكن إنكاره، وليست تلك بأول مخالفة لأوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد كانت المخالفات تترى طيلة مدة حياته (صلى الله عليه وآله).
مخالفة النبي
إن تتبع مخالفة الصحابة للنبي (صلى الله عليه وآله) يدل على أنهم -كما قلنا- لم يكونوا يرون أوامره ونواهيه ملزمة إلى درجة التعبّد بها، وكانوا يجدون مسوغاً لمخالفته في كل حين، حتى في مقام الروع وساعات الخطر، فهاهم الرماة الذين أمرهم النبي (صلى الله عليه وآله) بعدم مغادرة مواقعهم على جبل اُحد مهما كلّف الأمر، سرعان ما يضربون بهذا الأمر عرض الحائط ويتركون مواقعهم لتدور الدائرة على المسلمين، وخالفه بعضهم في الخروج إلى تبوك، وإذا كان الخوف أو الخطأ في التقدير عذراً في تلك المخالفات، فإن هناك اُموراً تتعلق بمناسك الشريعة كانت أيضاً مدعاة للعصيان والمخالفة، فعن البرّاء بن عازب، قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة قال: "اجعلوا حجكم عمرة"، فقال الناس: يا رسول الله، قد اُحرمنا بالحج فكيف نجعلها عمرة! قال: "انظروا ما آمركم به فافعلوا"، فرددوا عليه القول، فغضب فانطلق ثم دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه الله. قال: "ومالي لا أغضب وأنا آمر أمراً فلا اُتّبع".
أما عظماء الصحابة القرشيون، فكانوا من أكثر الناس مخالفة للنبي (صلى الله عليه وآله)، فعن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيّران أن يهلكا; أبا بكر وعمر!! رفعا أصواتهما عند النبي (صلى الله عليه وآله) حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر... فقال أبو بكر لعمر: ما أردتَ إلاّ خلافي! قال: ما أردتُ خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله: (يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تَرفعُوا أَصواتَكُمْ...) الآية. قال ابن الزبير: فما كان عمر يُسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد هذه الآية حتى يستفهمه. ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر!(2).
وقد كان لهذين الصحابيين الكبيرين دور في تثبيط عزيمة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل معركة بدر، فقد روى الواقدي، قال: وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصام يوماً أو يومين، ثم رجع ونادى مناديه: يا معشر العصاة، إني مفطرٌ فأفطروا! وذلك أنه قد كان قال لهم قبل ذل "أفطروا"، فلم يفعلوا! ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى إذا كان دُوَين بدر، أتاه الخبر بمسير قريش، فأخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمسيرهم، واستشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس، فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر فقال وأحسن، ثم قال: يا رسول الله، إنها والله قريش وعزّها، والله ما ذلّت منذ عزّت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزّها أبداً، ولتقاتلنّك، فاتّهب لذلك
____________
1- صحيح مسلم باب بيان وجوه الاحرام ح 130، سنن ابن ماجة 993 باب فسخ الحج، مسند أحمد 4: 286، مجمع الزوائد 3: 233، سنن البيهقي 5: 19، زاد المعاد 1: 247.
2- صحيح البخاري 6: 171 سنن النسائي 8: 226 كتاب آداب القضاء، سنن الترمذي 5: 387 ح 3266، اسباب النزول للواحدي: 215، التقول في أسباب النزول للسيوطي: 194، الدر المنثور 7: 546، تفسير الطبري 26: 76، جامع الاصول 2: 431.
ولكن الطبري وابن هشام في سيرته لم يذكرا مقالة عمر المثبطة، واكتفيا بالقول: فقال وأحسن(2).
ولكن ما جاء في صحيح مسلم، يثبت أن مقالة عمر لم تترك أثراً حسناً في نفس النبي (صلى الله عليه وآله)، لأنه قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلّم عمر فأعرض عنه...(3)
فلو كان أبو بكر وعمر قد أحسنا لما أعرض عنهما النبي!
ويشبه هذا الموقف من الشيخين، موقفاً آخر لهما، فعن علي قال: جاء النبي (صلى الله عليه وآله) اُناس من قريش فقالوا: يا محمد، إنّا جيرانك وحلفاؤك، وإن اُناساً من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، وإنما فرّوا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا. فقال لأبي بكر: "ما تقول"؟ قال: صدقوا، إنهم لجيرانك وأحلافك! فتغيّر وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال لعمر: "ما تقول"؟ قال: صدقوا، إنهم لجيرانك وحلفاؤك! فتغيّر وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: "يا معشر قريش، والله ليبعثن الله عليكم رجلا قد امتحن الله قلبه بالإيمان، فيضربكم على الدين، أو يضرب بعضكم"، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله؟ قال: "لا". قال عمر: أنا يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكنه الذي يخصف النعل"! وكان قد أعطى علياً نعلا يخصفها(4).
هذا، إضافة الى موقف عمر بن الخطاب في صلح الحديبية وفي غيرها
____________
1- المغازي 1: 47 - 48.
2- سيرة ابن هشام 2: 253، الطبري 2: 434، وقال الذهبي: فاستشار الناس فقالوا خيراً، تاريخ الاسلام: المغازي: 51.
3- صحيح مسلم 3: 1403 كتاب الجهاد والسير، باب غزوة بدر.
4- كنز العمال 13: 127 ح 36402 وقال: (حم، وابن جرير وصححه، و ص).
حديث المغفرة
من الاُمور التي أصبح متسالماً عليها عند الجمهور هو حديث المغفرة لأهل بدر، وأصحاب الشجرة والعقبيين وما الى ذلك، ويروون في ذلك أحاديث وروايات. منها ما ورد في قصة حاطب بن أبي بلتعة، والتي ملخصها أنه بعث امرأة لتخبر قريشاً عن مسير النبي (صلى الله عليه وآله) لفتح مكة، فأعلمه الله بذلك فأرسل علياً والزبير فأخذا المرأة واسترجعا كتاب حاطب منها، فاتهم عمر حاطباً بالنفاق وحرّض النبي على قتله، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) ضمن حديث: "لعل الله اطّلع الى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، وقد غفرت لكم..."(1).
وعن جابر: أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال: يا رسول الله، والله ليدخلن حاطب النار، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "كذبت، إنه شهد بدراً والحديبية"(2).
إن هذا يستلزم أن يكون أهل بدر مغفوراً لهم، وأن يكونوا جميعاً من أهل الجنة مهما فعلوا، ولا يخفى على الباحث المحقق ما يرمي إليه ذلك، فان عدداً من كبار الصحابة، أو بالأحرى معظمهم -ممن تلبسوا بالفتن بعد ذلك- هم من البدريين، فجاءت هذه الأحاديث المفتعلة لتبرئ ساحتهم وتوحي بعفو الله عنهم حتى لو ارتكبوا كل تلك الأعمال الفظيعة. إلاّ أن الواقع يثبت عدم صحة مثل تلك الأحاديث التي اختلقتها يد السياسة، ففي ترجمة الصحابي ثعلبة بن حاطب، قال ابن عبد البر: شهد بدراً واُحداً، وهو مانع الصدقة فيما
____________
1- صحيح البخاري كتاب المغازي: باب فضل من شهد بدراً.
2- صحيح مسلم 4: 1942 كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أهل بدر.
قال الفخر الرازي: والمشهور في سبب نزول هذه الآية أن ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول الله، اُدع الله أن يرزقني مالا، فقال (عليه السلام): "يا ثعلبة، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه"، فراجعه وقال: والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لاُعطين كل ذي حق حقه، فدعا له، فاتخذ غنماً، فنمت كما ينمو الدود، حتى ضاقت بها المدينة، فنزل وادياً بها، فجعل يصلي الظهر والعصر ويترك ما سواهما، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلاّ الجمعة، ثم ترك الجمعة، وطفق يتلقى الركبان يسأل عن الأخبار وسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه، فاُخبر بخبره، فقال: "يا ويح ثعلبة"، فنزل قوله (خُذْ مِنْ أَموالهمْ صَدقة)، فبعث إليه رجلين وقال: "مُرا بثعلبة فخذا صدقاته"، فعند ذلك قال لهما: ما هذه إلاّ جزية، أو اُخت الجزية، فلم يدفع الصدقة، فأنزل الله تعالى (وَمنهمْ منْ عاهدَ اللهَ)فقيل له: قد اُنزل فيك كذا وكذا، فأتى الرسول (عليه السلام) وسأله أن يقبل صدقته، فقال: "إن الله منعني من قبول ذلك"، فجعل يحثي التراب على رأسه، فقال عليه الصلاة والسلام: "قد قلت لك فما أطعتني"، فرجع إلى منزله، وقُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم أتى أبا بكر بصدقته، فلم يقبلها اقتداء بالرسول (صلى الله عليه وآله)، ثم لم يقبلها عمر اقتداء بأبي بكر، ثم لم يقبلها عثمان، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان(2).
أخرج هذه القصة معظم المفسّرين، وتحيّر القرطبي في الأمر، فقال: وجاء
____________
1- الاستيعاب 1: 210 والآيات هي: 75، 76، 77 من سورة التوبة.
2- التفسير الكبير 16: 138.
فهذا الصحابي، وإن كان بدرياً اُحدياً، إلاّ أن الله طبع على قلبه وأورثه نفاقاً، لخيانته ما عاهد الله ورسوله عليه!
وفي ترجمة معتب بن قشير، قال ابن حجر: ذكروه فيمن شهد العقبة، وقيل إنّه كان منافقاً، وأنه الذي قال يوم اُحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا هاهنا! وقيل إنّه تاب، وقد ذكره إبن إسحاق فيمن شهد بدراً(2).
فهذا أيضاً صحابي بدري اُحدي عقبي يقول مقالة ينزل فيها قرآن يُتلى ذماً له. قال السيوطي: أخرج ابن أبي حاتم عن السدي، قال: حفر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخندق واجتمعت قريش وكنانة وغطفان، فاستأجرهم أبو سفيان بلطيمة قريش، فأقبلوا حتى نزلوا بفنائه، فنزلت قريش أسفل الوادي، ونزلت غطفان عن يمين ذلك، وطليحة الاسدي في بني أسد يسار ذلك، وظاهرهم بنو قريظة من اليهود على قتال النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما نزلوا بالنبي (صلى الله عليه وآله)، تحصّن بالمدينة، وحفر النبي (صلى الله عليه وآله) الخندق، فبينما هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول في صفا، فطارت منه كهيئة الشهاب من النار في السماء، وضرب الثاني فخرج مثل ذلك، فرأى ذلك سلمان(رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله، قد رأيت يخرج من كل ضربة كهيئة الشهاب فسطع الى السماء، فقال: "لقد رأيت ذلك"؟ فقال: نعم يا رسول الله. قال: "تفتح لكم أبواب المدائن، وقصور الروم، ومدائن اليمن!" ففشا ذلك في أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، فتحدثوا به، فقال رجل من الأنصار يدعى قشير بن معتب(3)، أيعدنا محمد أن يفتح لنا مدائن اليمن، وبيض المدائن، وقصور
____________
1- الجامع لأحكام القرآن 8: 209.
2- الاصابة 3: 443.
3- الصحيح معتب بن قشير.
وفي معركة اُحد إنهزم معظم الصحابة وتركوا النبي في مواجهة العدو، ولما ذاع في الناس أن النبي قد قُتل، قالت فرقة منهم "نلقي إليهم بأيدينا فانهم قومنا وبنو عمنا، وهذا يدل على أن هذه الفرقة ليست من الأنصار، بل من المهاجرين"(2).
واستعراض كل ذلك يستغرق وقتاً، ولكننا نريد أن نخلص الى المبحث القادم، لكيما نعرف الأسباب التي دفعت بالجمهور الى القول بعدالة الصحابة أجمعين، وطيّ صفحتهم وعدم التعرض لذكر الخلاف بينهم.
المواقف من الصحابة
لقد درج الجمهور على القول بعدالة الصحابة أجمعين، مستدلين على ذلك بمجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وقد لخص ابن حجر هذه النظرية بقوله: اتفق أهل السنّة على أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا نفيساً في ذلك، فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك، قوله تعالى: (كُنتُم خَيرَ اُمّة اُخرجَتْ لِلنّاسِ)، وقوله: (كذلِكَ جَعَلناكُمْ اُمّةً وَسطاً)، وقوله: (لَقَدْ رَضيَ اللهُ عَنِ المؤمنينَ إذْ يُبايعُونَكَ تَحتَ الشَّجرةِ فَعلِمَ مَا فِي قُلوبِهِمْ)، وقوله: (والسّابِقونَ الأوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ والأنصارِ وَالذينَ
____________
1- سورة الأحزاب: 13، الدر المنثور 5: 358.
2- السيرة الحلبية 2: 227.
إن المستشهدين بهذه الآيات قد فاتهم اُمور منها: إن الآيات التي تمتدح الصحابة، يقابلها آيات عديدة وردت في ذم عدد منهم حتى إن بعض الصحابة كانوا يسمون سورة التوبة (الفاضحة) وأنهم كانوا يوجسون خيفة من أن يذكرهم الله بأسمائهم في مقام الذم، كما أن الآيات التي تمتدح الصحابة ليست على إطلاقها، بل معظمها يقيد ذلك الرضوان من الله بالمؤمنين منهم، وهم الذين استمروا على هذا الخط ولم يبدّلوا أو يغيّروا، ومن الآيات التي تثبت ذلك آية طالما يستشهد بها الجمهور على عدالة الصحابة، في قوله تعالى: (مُحمَّدٌ رَسولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَينَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللهِ وَرِضواناً سِيماهُمْ في وجُوهِهمْ مِنْ أَثَرِ السُّجودِ ذلكَ مَثلهُم فِي التَّوراةِ وَمَثَلُهمْ فِي الانجيلِ كَزَرْعِ أَخرَجَ شَطأَهُ فَآزرَهُ فاستَغلظَ فاستَوى عَلى سُوقهِ يُعجِبُ الزُّرّاعَ لِيغيظَ بِهِم الكُفّارَ وَعَدَ الذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصّالحاتِ مِنْهُم مَغفِرَةً وَأَجراً عَظيماً)(2).
ومعظم المفسرين يتجاهلون الجزء الأخير من الآية لورود لفظة (منهم) فيها، أو يتصرفون في معناها اللغوي، مع أن اللفظة واضحة تماماً وهي تدل على التبعيض، حيث شرط الله سبحانه وتعالى رضوانه بالمؤمنين الذين يعملون الصالحات من بينهم دون غيرهم، وفي ذلك يقول الرازي: وقوله تعالى (منهم...) لبيان الجنس لا للتبعيض، ويحتمل أن يقال هو
____________
1- مقدمة كتاب الاصابة في تمييز الصحابة.
2- سورة الفتح: 29.