ومن المعروف أن فاطمة خاصمت أبي بكر وهجرته غاضبة حتى ماتت فدفنها علي (ع) ليلا في خفية عن القوم. وكانت وفاتها بعد وفاة الرسول بستة أشهر.. (15).
وكما كان عمر يحرض أبي بكر على سعد. أصبح يحرضه على علي ويطالبه بحسم الأمر معه وإجباره على البيعة له لما يشكله موقفه من خطورة على استقرار الحكم القبلي الذي أرسى دعائمه ويعد نفسه لقطف ثمرته..
إن عليا لم يكن وحده فقد كان معه بني هاشم وكثير من العناصر الفاعلة في المجتمع المدني من الأنصار والمهاجرين مثل العباس وعمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وبلال بن رباح والمقداد وجابر بن عبد الله وابن عباس وغيرهم..
وتروي الروايات أن عمر هم بإحراق بيت فاطمة الذي كان مقرا للقطاع المعارض لحكم أبي بكر بقيادة الإمام علي.. (16).
ويبدو أن ممارسات عمر هذه قد زادت من حدة العداء بينه وبين الإمام علي.
يروي الطبري أن عليا أرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد (يقصد عمر)..
فقال عمر لأبي بكر: والله لا تدخل عليهم وحدك..
____________
(14) أنظر مسلم كتاب الجهاد والسير والبخاري (15) أنظر فتح الباري ب 7 / 105.. وانظر تفاصيل الصدام بين فاطمة وأبي بكر في البداية والنهاية لابن كثير ح 6. وكتب التاريخ الأخرى. وكان الهدف عن حجب ميراث فاطمة هو محاصرة آل البيت اقتصاديا من أجل إضعافهم. ومما يدل على أن موقف أبو بكر هذا نابع من القبلية والسياسة أن عمر بن عبد العزيز رد ميراث فدك لآل البيت. ويلاحظ أن موقف أبو بكر هنا مخالف لنصوص القرآن مثل قوله تعالى (وورث سليمان داود) وقوله (يرثني ويرث آل يعقوب)...
(16) - أنظر تاريخ الطبري ح 3 / 198 / والملل والنحل للشهرستاني ح 1 / 75 والإمامة والسياسة لابن قتيبة ح 1 / 12. وتاريخ أبي الفداء ح 1 / 156 واليعقوبي 2 / 105..
ويروي المسعودي: ولما بويع أبو بكر في يوم السقيفة وجددت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة خرج علي فقال: أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر. ولم ترع لنا حقا..
فقال أبو بكر: بلى. ولكني خشيت الفتنة.
وكان للمهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطب طويل. ومجاذبة في الإمامة.
وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع. فصار إلى الشام. فقتل هناك في سنة خمس عشرة. وليس كتابنا هذا موضعا لخبر مقتله. ولم يبايع أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة (18).
وينقل في كتب التراجم والتاريخ الكثير من الروايات التي تنسب لأبي بكر وعمر وعمر بن العاص وابن عمر وغيرهم وذلك في وقت الاحتضار وهم على مشارف الموت. تلك الروايات التي تشير إلى ندمهم الشديد على ما اقترفوه في حياتهم بسبب السياسة.
يروي المسعودي عن أبي بكر: ولما احتضر قال: ما آسى على شئ إلا على ثلاث فعلتها وددت أني تركتها. وثلاث تركتها وددت أني فعلتها. وثلاث وددت أني سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عنها:
فأما الثلاث التي وددت أني تركتها: فوددت أني لم أكن فتشت بيت فاطمة وذكر في ذلك كلاما كثيرا. وودت أني لم أكن قد حرقت الفجاءة وأطلقته نجيحا أو قتلته صريحا.
ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين فكان أميرا وكنت وزيرا.
____________
(17) أنظر تاريخ الطبري..
(18) أنظر الطبري ومروج الذهب - للمسعودي..
والثلاث التي وددت أني سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عنها. وددت أني كنت سألته في من هذا الأمر فلا ينازع الأمر أهله. ووددت أني سألته عن ميراث العمة وبنت الأخ فإن بنفسي منها حاجة. ووددت أني سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب فنعطيهم إياه. (19).
ولم يكن الصراع على الحكم ينحصر بين الأنصار وبين قطاع أبو بكر وعمر من المهاجرين إنما كانت هناك قطاعات أخرى تتطلع إلى الحكم من قريش على رأسها قطاع السفيانيين الذين تزعمهم أبو سفيان بن حرب الذي فقد سلطانه ونفوذه بعد فتح مكة..
ولم يكن أمام أبو سفيان الذي لا توجد له شوكة في المدينة سوى تحريض الإمام علي على المجتمعين في السقيفة..
يروي الطبري أن أبا سفيان قال للإمام: ما بال هذا الأمر (الخلافة) في أذل قبيلة من قريش وأقلها. والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا..
وكان جواب الإمام: ما زلت عدوا للإسلام وأهله فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئا. والله ما أريد أن تملأها عليه خيلا ورجالا ولو رأينا أبا بكر لذلك أهلا ما خليناه وإياها. يا أبا سفيان إن المؤمنين قوم نصحه بعضهم لبعض متوادون. وإن بعدت ديارهم وأبدانهم وأن المنافقين قوم غششة بعضهم لبعض.. (20)
____________
(19) أنظر مروج الذهب.
(20) أنظر الطبري ح 2 / 449 الإستيعاب لابن عبد البر.
يقول الإمام: فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام.
يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وسلم) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدفا تكون المصيبة به علي أعظم من موت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب. فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه.. (22).
ومثل هذه الروايات التي تتحدث عن بيعة الإمام لأبي بكر سواء كانت قبل ستة شهور أو بعد هذه المدة أو حتى بعد دفن الرسول مباشرة. إنما تؤكد حقيقة واحدة وهي أن الإمام كان له موقف مما جرى بالسقيفة بشكل عام ومن أبي بكر وعمر بشكل خاص.
إن تسامح الإمام في أمر البيعة لا يعني تخليه عن موقفه الفكري والعقائدي تجاه هذا الخط القبلي الذي بدأت توضع قواعده أمامه. فهذا التسامح لا يخرج عن كونه موقفا سياسيا في مواجهة الأمر الواقع. فالإمام لم يتنازل عن قضيته ولكن تنازل عن شخصه من أجل حفظ قضيته التي تعكس الجوهر الحقيقي للإسلام..
لقد كان الإمام مخير بين أن يتنازل عن إمامته من أجل الحفاظ على الإسلام أو يصطدم الواقع وتكون النتيجة خسارة الإسلام وخسارة الإمامة فقد كانت جيوب المنافقين بالمجتمع المدني قوية وكانت القبلية مستشرية. هذا على مستوى الداخل.
أما على مستوى الخارج فكانت هناك قوى الروم والفرس تتربص بالمسلمين..
إن الانحراف في عصر أبي بكر لم يكن كبيرا إلى الحد الذي يستفز الإمام.
ويؤرقه. إنما الانحراف الأكبر برز في عصر عثمان. وهنا تغير موقف الإمام.
____________
(21) أنظر الطبري..
(22) نهج البلاغة ح.. 1 / خطبة رقم 3.
وفات هؤلاء إن هناك فرق بين التعايش والرضا..
وفات هؤلاء إن الإمام تعايش مع واقع الخلفاء تعايش العالم المتميز.
تعايش العالم المدرك لحقائق الأمور حيث أنه قد نبأ من قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتصورات الأحداث من بعده.
والبون شاسع بين من يفاجأ بظهور انحراف من جهة لم يكن يتوقع الانحراف منها. وبين من لعلم بحدوث هذا الانحراف مسبقا..
ومن بين الروايات التي تؤكد علم الإمام بهذه الحوادث.. قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): يا علي. قاتلت على التنزيل وأنت تقاتل على التأويل.. (23).
أي أن الرسول قاتل المشركين الذين كفروا بما أنزل عليه ورفضوا الاعتراف بنبوته أما علي فسوف يقاتل المنتسبين لهذا الدين من المنافقين والمارقين الذين يؤولون النصوص ويستندوا إلى هذا التأويل في تبرير الانحراف والفساد ونسبته إلى الدين..
وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): يأتي على الناس زمان يكون فيه حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون بقول خير البرية ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. لا يجاور إيمانهم حناجرهم تحقر صلاتك خلف صلاتهم إذا وجدتموهم فاقتلوهم.. (24).
وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش. قال أبو هريرة الرواي إن شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان.. (26)
____________
(23) أنظر مسند أحمد ح 3 / 82.
(24) أنظر مسلم بشرح النووي ج 3..
(26) أنظر البخاري كتاب الفتن والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم يصرح بهم أبو هريرة؟. وفي هذا النص إشارة إلى ردة الصحابة من بعد الرسول. أنظر أحاديث الحوض في البخاري..
وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعمار تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار (28).
وحديث السر الذي كشفته عائشة وحفصة في سورة التحريم ذلك السر الذي كان يتعلق بموقف كلا من أي بكر وعمر بعد وفاة الرسول.. (29).
إن مثل تلك الروايات إنما تشير إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أجلى الأمور أمام الأمة وحدد لها معالم الانحراف عن خط الإسلام. وهي تشير أيضا إلى أن هناك الكثير من الصحابة الذين كانت لديهم دراية بأخبار الحوادث التي سوف تقع بعد وفاة الرسول مثل حذيفة.. (30).
ومن المعروف أن الإمام علي لم يشهر سيفا بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلا على أهل القبلة وقد شهر هذا السيف في وجه عائشة والزبير وطلحة ومعاوية وابن العاص والخوارج. وهذا كله يشير إلى أن لديه علم خاص يبيح له فعل ذلك..
كما أنه من المعروف أن جميع العقائد والاتجاهات التي خالفت خط الإمام علي وفي مقدمتها عقيدة أهل السنة قد قامت على التأويل.. (31).
إن الإمام قد تعايش مع واقع رافض له غير راض عنه لا مستسلما له. وهو فوق ذلك له وضعه المتميز فيه والذي يتلائم مع مكانته وقدره ووزنه. وفد اتخذه كل من الخليفة الأول والثاني مستشارا شرعيا وسياسيا له..
يقول الإمام: أما والله لقد تقمصها فلان - أبو بكر - وإنه ليعلم أن محلي منها
____________
(27) المرجع السابق (28) أنظر مسلم (29) أنظر تفسير الكشاف للزمخشري وكتب التفسير الأخرى..
(30) أنظر رواية البخاري في حذيفة صاحب سر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتاب فضائل الصحابة. ورواية كان الناس يسألون الرسول عن الخبر وكنت أسأله عن الشر. كتاب الفتن. وانظر المحطة الخامسة من هذا الكتاب.
(31) أنظر لنا كتاب الخدعة. وكتاب عقائد السنة وعقائد الشيعة.. وانظر المحطة الخامسة من هذا الكتاب.
مناقشة الروايات
يبدو لنا من خلال رصد الروايات التي تدور حول أحداث السقيفة أن هناك الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام التي تدور في الأذهان بمجرد قراءة هذه الروايات..
وسوف نعرض هنا لبعض الملاحظات حول هذه الروايات ونبدأ مناقشتنا لها على أساسها.
الملاحظة الأولى:
أن الأنصار أرادوا الاستئثار بأمر الخلافة وهم طائفة لا يمثلون جميع المسلمين.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: على أي أساس استند الأنصار في موقفهم هذا..؟
إن الأنصار لم يتحصنوا في موقفهم هذا بدليل شرعي محدد. فقط هم حاولوا أن يستثمروا مكانتهم ودورهم في إيواء الرسول ونصرته.. ولكن هل يعد هذا سببا كافيا لمطالبتهم بالخلافة..؟
____________
(32) نهج البلاغة ج 1 خطبة رقم 3
وهذا عمل قبلي في المقام الأول قدمت فيه الحسابات القبلية على الحسابات الشرعية. أو بمعنى أكثر وضوحا قدمت فيه مصلحة القبلية على مصلحة الدعوة..
وعلى الرغم من تبعات هذا الموقف من قبل الأوس وآثاره على وحدة المسلمين واستقرار المجتمع الإسلامي إلا أن الجناح القرشي بزعامة أبي بكر استقبله بالترحاب واستثمره لصالحه..
الملاحظة الثانية:
أن عمر كان المحرك الفعلي للأحداث وبدا أبو بكر وكأنه تابع له.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تصدى عمر للأمر وتخطى كبار المهاجرين وآل البيت..؟
هناك جواب جاهز عند البعض وهو أن عمر فعل ذلك من أجل الحفاظ على الدعوة وتأمين مستقبلها وينتفي عنه أي عرض آخر لعظيم مكانته عند الرسول بحكم النصوص الواردة فيه..
إلا أن الروايات تدحض هذا التصور وتشكك فيه..
يروي البخاري: أن عمر طاف في المدينة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو يصبح مقسما: والله ما مات رسول الله. والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك. وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. وجاء أبو بكر فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر.. (33).
أن هذه الرواية تشير إلى أن عمر لم يكن يعتقد في وفاة الرسول (صلى لله عليه وسلم) وأنه حسب روايات أخرى - ذهب ليكلم ربه ويعود كما حدث لموسى. ونحن لن نناقش هنا مدى صحة هذا الاعتقاد وكيف طرأ على ذهن واحد مثل عمر وهو من هو.
إلا أن ما نريد توضيحه أن هذا الموقف من قبله يكشف لنا أن فكرة تبنيه موضوع الخلافة كانت فكرة طارئة عليه لم تكن تشغله بعد وفاة الرسول وإنما كان يشغله
____________
(33) أنظر البخاري كتاب فضائل الصحابة باب فضل أبي بكر.
فقال عمر كأني أسمع هذه الآية لأول مره. ثم إنه سكن وهدأ وأتاه خبر السقيفة فهرع إلى هناك مصطحبا أبا بكر وأبا عبيدة بن الجراح..
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل كان عمر غير مستوعب لنصوص القرآن التي تتنزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى يدعي أن الرسول سوف يعود بعد وفاته ويتوعد من يقول بوفاته؟
وإذا كان عمر بهذا المستوى من الفهم أفلا يشير هذا إلى أنه لم يفهم النصوص القرآنية الأخرى الواردة بشأن آل البيت والإمام علي ومستقبل الدعوة..؟
وإذا كان عمر قد تصدى لأمر الخلافة من باب المصلحة وكان متحمسا للأمر ويصول ويجول هنا وهناك من أجل أخذ البيعة لأبي بكر. فلماذا لم يكن صاحب المصلحة أبو بكر بنفس المستوى من الحماس ومن المفروض أن يكون حماسه يفوق حماس عمر. وقد أشارت الروايات إلى أنه كان مشغولا وقت وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بشئ آخر لم توضحه الروايات.. وكان عمر يلح على طلبه بينما هو يتمنع حتى أعلمه بخبر السقيفة فانطلق معه..
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أي شئ كان يشغل أبو بكر غير تجهيز الرسول..؟.
وأي ما تكون الإجابة فإن الأمر المقطوع به أنه كان مشغولا بأمر غير الخلافة حتى جاء عمر فأحيا الفكرة في نفسه..
ومن هنا يتضح لنا أن فكرة الخلافة كانت طارئة أيضا على أبي بكر كما كانت طارئة على عمر وهي لا تخرج عن كونها رد فعل لموقف الأنصار ومبادرتهم السريعة المفاجئة لقريش..
____________
(*) سورة آل عمران.
وليس هناك من تفسير لموقف عمر وتحالفه مع أبي بكر الطاعن في السن. ضد القطاعات الأخرى. سوى أن شخصية أبي بكر كانت تتيح له ذلك..
تتيح له أن يتسلقها لكي يحقق مآربه..
وتتيح له التحصن بها في مواجهة الآخرين..
وعمر لم يكن يجرؤ على ترشيح نفسه للخلافة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأن الظروف غير ملائمة لكنه ناولها لأبي بكر ثم تناولها منه..
ولو كان عمر بهذه المكانة التي تضعه فيها الأحاديث لكان من الأولى له أن يتصدى لأمر الخلافة وهو القوي الشديد بدلا من رجل ضعيف كهل كأبي بكر..
ولو كان عمر بهذه المكانة ما ناطحته الأنصار وتطاولت عليه عندما خطب فيهم.
واحتد معه الحباب قائلا: لا تسمعوا مقالة هذا. وعندما قال له عمر: يقتلك الله. رد عليه: بل إياك يقتل.. وما أمسك قيس بن سعد بلحيته وهدده..
إن القوم بين أن يكونوا قد طغت عليهم القبلية فنسوا أخلاق الإسلام وتجاوزوها. أو يكونوا أصحاب مقادير متساوية ووزن واحد ولا يملك كل منها ما يرجح به كفته على الآخر من نصوص الشرع.
والراجح الأمرين معا..
وإذا كان عمر قد احتج على الأنصار بقوله: ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمورها من كانت النبوة فيهم. فإن هذا القول يوجب عليه التنحي مع صاحبه وإفساح الطريق أمام أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنهم أرقى بيوت قريش، فلا هو ولا صاحبه يمثلان بيتا راقيا في قريش. وهذا هو ما استفز أبو سفيان ودفعه لتحريض الإمام بقوله: ما بال هذا الأمر في أذل قبيلة من قريش وأقلها..
وتأمل تعليق ابن حجر على قول عمر لسعد بن عبادة: اقتلوه. قتله الله..
إن ابن حجر بتعليقه هذا يسير على نهج التبرير والتأويل الذي يعتمده أهل السنة في مواجهة الحوادث والنصوص التي توقعهم في حرج شرعي..
ويتمادى ابن حجر في تأويل كلام عمر وتبرير مواقفه هو وصاحبه قائلا:
وتركوا لأجل أقامتها (الخلافة) أعظم المهمات وهو التشاغل بدفن الرسول حتى فرغوا منها. والمدة المذكورة - أي مدة تركهم الرسول والانشغال بالخلافة - زمن يسير في بعض يوم يغتفر مثله لاجتماع الكلمة.. (35).
ويروي البخاري رواية تبريرية أخرى لمواقف عمر وممارساته في السقيفة. تقول الرواية: لقد خوف عمر الناس وأن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك.. (36).
وقد جاءت هذه الرواية على لسان عائشة ابنة أبي بكر ومعنى هذا الكلام أن أسلوب العنف والإرهاب الذي مارسه عمر على الرافضين بيعة أبي بكر كان عملا حسنا حاز رضا الله ومعونته.
وعائشة بهذا تكون قد حكمت على كل الرافضين لخلافة أبي بكر من بني هاشم والأنصار وغيرهم بالنفاق. ألا يعني مثل هذا الكلام مساسا بعدالة جميع الصحابة التي يعتقدها أهل السنة ويفسرون على ضوئها الأحداث التي وقعت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بداية من السقيفة وحتى صفين.؟ (37)
____________
(34) أنظر فتح الباري شرح البخاري ص 7 / 32.
(35) المرجع السابق..
(36) البخاري كتاب فضائل الصحابة. باب فضل أبي بكر..
(37) أنظر كتاب العواصم من العواصم لأبي بكر بن العربي، وهو كتاب يضفي صفة العدالة على جميع الصحابة ويقوم بتأويل النصوص الواردة في ذمهم وتبرير الأحداث التي ارتبطوا بها بما لا يمسهم وبما يخدم الخط الأموي. أنظر فتاوى ابن تيمية ح 35. وابن كثير البداية والنهاية. وانظر المحطات القادمة من الكتاب..
الملاحظة الثالثة: لماذا جاءت قبيلة أسلم إلى المدينة ومن الذي استدعاها.
ولماذا أيقن عمر بالنصر فور رؤيتها..؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات يدفعنا إلى إلقاء الضوء على الجانب الأكثر أهمية في أحداث السقيفة. جانب التحول من الجدال والنقاش إلى فرض الرأي بالقوة المسلحة..
لقد كان دخول قبيلة أسلم إلى المدينة أشبه بالانقلاب العسكري وهو دخول مرتب له من قبل بلا شك من قبل فريق عمر..
ويبدو أن الصراع بين فريق عمر وفريق الأنصار قد دخل طورا حرجا بحيث اهتزت كفه عمر وفريقه ورجحت كفة الأنصار أو من الممكن أن يكون الأنصار قد مالوا للإمام علي وحسموا الخلاف بينهم. وعمر وفريقه ليس بذاك الوزن الفاعل في المدينة. فضلا عن كونه من الوافدين عليها مع المهاجرين هو لا يمثل كل المهاجرين ولا جميع قريش. فهناك قطاع من المهاجرين مع الإمام. وهناك قطاع من قريش ينتظر النتيجة أو هو لا يعلم ما يجري هناك.
ولعل هذا الوضع يفسر لنا قول عمر حين رأى قوات قبيلة أسلم تدخل المدينة الآن أيقنت بالنصر. وهذا بشير بصورة غير مباشرة أن عمر وفريقه هو الذي استدعى تلك القوات. ألا يدل مثل هذا التصرف أن جانب عمر قد فقد ميزانه الشرعي والأخلاقي. كما يشير من جانب آخر إلى أن النصوص التي واجه فريق عمر فريق الأنصار بها هي نصوص من اختراع تلك المرحلة. ولو كانت هذه النصوص صحيحة ومعترف بها ما نازعهم أحد ولكانت قد حسمت الصراع في مهده..
ويبدو أن اللغط والجدال حول أحقية أبي بكر بالخلافة قد امتد إلى فترات لاحقة مما استدعى الأمر إلى ضرورة اختراع أحاديث على لسان الرسول (صلى الله عليه وسلم) تحدد الخلافة لأبي بكر في صراحة ووضوح وترفع من مكانته. لينتج عنها صنع هالة
ونفس هذا الأمر قد تم تطبيقه مع الخليفة الثاني حيث اخترعت له الكثير من المناقب التي رفعته حتى فوق الرسول نفسه أو ساوته به.. (39).
وقاموا بنفس الأمر مع الخليفة الثالث غير أن ممارساته ومواقفه المخالفة للكتاب والسنة والمضرة بمصالح المسلمين قد فضحته وعرته.. (40).
أما الإمام علي فقد فعلوا معه العكس من ذلك وبدلا من أن يضفوا عليه المناقب كما فعلوا مع السابقين. قاموا بالطعن في المناقب الواردة فيه والعمل على التقليل من شأنه بمساواته بمعاوية واعتبار الخارجين على حكمه بمثابة المجتهدين المأجورين.. (41).
الملاحظة الرابعة: أين الإمام علي..؟
إن المتتبع لأحداث السقيفة يكتشف غياب كثير من الرموز البارزة من الصحابة وعلى رأسهم الإمام علي فأين كان هؤلاء ولماذا انشغلوا عن هذا الحدث الضخم وهو اختيار خليفتهم؟.. أين أبو ذر. وأين المقداد. وأين الزبير. وأين جابر بن
____________
(38) أنظر البخاري ومسلم باب فضل أبي بكر. ومن هذه الروايات: أتت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأمرها أن ترجع إليه. فقالت أرأيت إن جئت ولم أجدك.. قال النبي: إن لم تجديني فأتي أبا بكر.
وعلى لسان الإمام علي رواية تقول سئل الإمام من ولده ابن الحنفية أي أناس خير بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: أبو بكر. قال ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت. قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين..
(39) أنظر البخاري ومسلم. ومن هذه الروايات قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعمر:.. ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك. وقول الرسول فيه: لم أر عبقريا يفري فريه. وقوله كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر. أنظر لنا كتاب الخدعة. وانظر المحطة القادمة..
(40) أنظر مناقب عثمان في البخاري ومسلم وشرحيهما لابن حجر والنووي. وأنظر كتاب الخدعة والمحطة الرابعة (41) أنظر مناقب الإمام في المرجعين السابقين. وانظر الخدعة والمحطة الخامسة.
لقد كان اختفاء كل هؤلاء من سقيفة بني ساعدة عامل قلق لفريق عمر. حيث أن هذه الشخصيات الغائبة لها وزنها وفاعليتها ومن الممكن أن تشكل تحديا لهذا الفريق مستقبلا..
تروى الروايات أن الإمام ومعه عصبة من الصحابة كان مشغولا بتجهيز الرسول للدفن بينما كان القوم يتصارعون على الخلافة في السقيفة.. (42).
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من أخلاق المسلمين أن يتركوا رسولهم في مثل هذا الحال ويتصارعوا على الحكم..؟.
أين ما تعلموه من الرسول إذن..؟.
لقد ترك الرسول في حياته في مواقف كثيرة من قبل هؤلاء الناس.
ترك في أحد.
وترك في مسجده وهو يخطب فيهم ونزل فيهم قوله تعالى (وتركوك قائما) وترك وهو يلفظ أنفاسه وطلب منهم إحضار قلم وقرطاس ليكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده أبدا.
وترك بعد وفاته.. (43).
ومثل هذا السلوك إن دل على شئ فإنما يدل على مدى استحكام أمر الدنيا وطغيانها على كثير من هؤلاء..
ولعل هذا هو ما يشير إليه قوله تعالى (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)
____________
(42) أنظر كتب التاريخ.
(43) أنظر في السيرة والتاريخ وتفسير سورة الجمعة وراجع باب وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)
الملاحظة الخامسة: بيعه أبي بكر كانت فلتة.. لماذا..؟
الحمد لله إن هذه المقالة جاءت على لسان عمر مدبر أحداث السقيفة وقاطف ثمرتها ولو كانت قد جاءت على لسان سواه لكان للقوم فيها كلام آخر..
لقد قال عمر ما نصه: ألا إن بيعة أبا بكر كانت فلتة وقى الله الأمة شرها. فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. فأيما رجل بايع من غير مشورة من المسلمين فإنهما تغرة أن يقتلا... (44).
أليس هذا اعتراف صريح من عمر بأن ما حدث في السقيفة كان أمرا بعيدا عن الشورى بل كان بعيدا عن روح الإسلام بحيث يوجب على فاعله القتل تقديرا لخطورته وجسامته وآثاره الوخيمة على الأمة..
إن قول عمر هذا يؤكد أن حروب الردة ومانعي الزكاة التي خاضتها قوات أبو بكر بقيادة خالد بن الوليد لم تكن في حقيقتها سوى حركة تمرد على حكم أبي بكر: وقد تكون هناك حالة ردة من البعض إلا أن الظاهر أن هذا الصدام العسكري كانت له أسبابه القبلية ولعل قمع خالد وتجاوزته في مواجهة هذه الانتفاضة ما يدعم هذا التصور.. (45).
وكان مناسبة هذا الكلام كما يروي البخاري أن عمر بلغه كلام أناس يقولون لو مات مات عمر لتولاها فلان. فقام عمر خطيبا وقال هذا الكلام.. (46).
فهل كان المقصود من كلام عمر هذا هو ردع اتجاه برز في المدينة ينادي بالشورى ويطعن في أحداث السقيفة وطريقة اختيار الخليفة الأول..؟
لا يعنينا هنا بقدر كبير الإجابة على هذا السؤال وإن كانت إجابته واضحة. وإنما
____________
(44) أنظر البخاري كتاب المحاربين ومسند أحمد ح 1 وفتح الباري ح 12.
(45) أنظر حوادث الردة في عصر أبي بكر في كتب التاريخ. وقصة خالد مع مالك بن نويره.
(46) أنظر البخاري وفتح الباري ج 7 كتاب فضائل الصحابة.
. فلماذا قال عمر عن بيعة أبي بكر أنها كانت فلتة ونسي أنه استخلف بوصية منه..؟
ويروي البخاري أن عمر قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى يدبرنا. فإن يك قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به بما هدى الله محمدا. وأن أبا بكر صاحب رسول الله ثاني اثنين. فإنه أولى الناس بأموركم فقوموا فبايعوه.
وقال عمر لأبي بكر إصعد المنبر. فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة.. (47).
ورواية البخاري المذكورة تعطينا إشارات جديدة حول موقف عمر وكونه المحرك الأول لعملية اختيار أبي بكر. وهي تكشف لنا من وجه آخر أن أبا بكر قد أقحم في الأمر ولم تكن له رغبة فيه وهذا واضح من إلحاح عمر عليه بالصعود إلى المنبر ليبايعه الناس. وهذه إشارة إلى كونه غير منصوص عليه بشئ وأن الأمر لا يخرج عن كونه محاولة استثمار لظرف طارئ..
وهذا أبو بكر يقول: هذا عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا..
فإذا كان أبو بكر قد تنازل عن ترشيح نفسه وقدم عمر وأبو عبيدة ألا يدل هذا على أن الأمر لا يخرج عن كونه مواقف فردية ارتجلت في حينها لمواجهة الأنصار..؟
وإذا ما تأملنا قول عمر: وإنا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر.
____________
(47) المرجع السابق.
وتأمل قوله وهو في الطريق إلى السقيفة ومعه أبو بكر وأبو عبيدة محدثا نفسه:
كنت أزور في نفسي كلاما في الطريق فلما وصلنا السقيفة أردت أن أتكلم. فقال أبو بكر. مه يا عم.. وذكر ما كنت أقدره في نفسي كأنه يخبر عن غيب.. (48).
من هذه الروايات نلخص إلى أن الأمر كان من ترتيب القوم بزعامة عمر ولم يكن له وجهه الشرعي ويتضح هذا الأمر من قول عمر حين وفاته: لو كان سالم مولى حذيفة حيا لوليته وسالم هو عتيق حذيفة. وهو بهذا يخالف نص الإمامة في قريش ويناقض نفسه حين احتج على الأنصار بقوله: ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمورها من كانت النبوة فيهم.
المحطة الثالثة
عمر بن الخطاب
وبدأ معاوية يطل برأسه..
ولأن ما جرى في السقيفة لم يكن له صلة بالشورى كان من الطبيعي أن تكون ثمرته مناقضة للشورى..
وهكذا جاء عمر. فلتة من فلتة. مهد لصاحبه ثم تلقفها منه بوصية من شيخ يحتضر دون حساب لرأي الأمة..
تقول وصية أبي بكر: هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة. آخر عهده في الدنيا نازحا وأول عهده داخلا بالآخرة. إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن تروه عدل فيكم فذلك ظني به. ورجائي فيه. وإن بدل وغير فالخير أردت.
ولا أعلم الغيب. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).. (1).
لقد كان على أبي بكر أن يقوم برد الجميل الذي أسداه إليه عمر بتوصيله للحكم فقام هو بدوره ليوصله إلى الحكم وسن لأول مرة في تاريخ الإسلام نظام توريث الحكم. ذلك النظام الذي استند عليه فقهاء التبرير فيما بعد في تبرير استيلاء بن أمية وبني العباس على السلطة في بلاد المسلمين. كما كانت هذه السنة هي الدفعة الأولى للخط الأموي الذي بدأت ملامحه تبرز في عهد عمر..
ولما كان موقف أبو بكر هذا لا سند له من شرع أو شورى فقد أثار المسلمين في المدينة وتصدى له الكثير من الصحابة بين منكرين له ورافضين..
وأول الرافضين كان الأنصار..
وثانيهم آل البيت بزعامة الإمام علي..
وثالثهم طلحة ومن شايعه الذي هرول نحو أبي بكر منكرا قائلا: ماذا تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا تفرق منه النفوس وتنفض منه القلوب.. (2).
ومن هنا يتبين لنا أن عمر لم يكن مرغوبا فيه وأن هذا الرفض لشخصه كانت له مبرراته الناتجة من سلوك عمر ومواقفه الاستفزازية طوال فترة حكم أبو بكر..
____________
(1) أنظر تاريخ الطبري ج 3 وطبقات ابن سعد ج 3 / 199 والإمامة والسياسة وكتب التاريخ.
(2) أنظر طبقات ابن سعد ج 3 / 199 والطبري ج 3.
وكما فرضت خلافة أبي بكر على المسلمين بقوة السيف فرضت أيضا خلافة عمر على المسلمين بقوة السيف وبدأ عمر في قمع المناهضين له وإجبارهم على بيعته وهو يكرر نفس الدور الذي كان يقوم به مع أبي بكر..
عمر والإمام علي
تعايش الإمام علي مع عمر كما تعايش مع أبي بكر من قبل. تعايش المغلوب على أمره الإيجابي في مواجهة الواقع والأحداث. المستعد على الدوام لتقديم المشورة ونصرة المظلوم والبذل والعطاء من أجل صالح الإسلام والمسلمين..
وإذا كانت هناك ضغوط على الإمام في عصر أبي بكر فإن الضغوط عليه في عصر عمر أشد لأن عمر كما بينا سابقا هو رأس الأمر كله. وكان هو الرجل الثاني في السلطة أيام أبي بكر إن لم يكن هو الحاكم الحقيقي ولم يكن أبو بكر سوى ظل له. فإذا ما تسلم عمر السلطة وهو ما كان يخطط له فلا بد وأن تكون له سياسة كثر شدة في مواجهة آل البيت والإمام علي بحكم كونه يمثل جماعة ضغط فاعلة لها وزنها الشرعي والجماهيري وهي جديرة بالحكم. فضلا عن اعتقاده بأحقيتها بإمامة المسلمين..
وأمر آخر يبرر موقف عمر المتشدد والعدائي من آل البيت هو قناعته بضآلة قدراته العلمية والقيادية أمام قدرات الإمام علي..
يقول عمر عن نفسه بعد أن كثرت أخطائه في الفتيا وقراراته التي تصطدم بأحكام الإسلام: كل الناس أفقه من عمر.. (3).
ويقول مقرا بضآلته العلمية أمام الإمام علي: ما من معضلة ليس لها أبو الحسن.. (4)
____________
(3) أنظر قصة عمر مع المرأة حين صعد المنبر ينهي عن المغالاة في المهور حين قال أصابت امرأة وأخطأ عمر في الدر المنثور ج 1 / 133 / وتفسير قوله تعالى: (وآتيتم إحداهن قنطارا) في كتب التفسير.
(4) أنظر مستدرك الحاكم ويروي الحكم لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا علي.
وكتب الحديث والتاريخ مليئة بالمواقف والممارسات والأحكام التي أصدرها عمر وتبين اصطدامها مع النصوص ومخالفتها لأحكام الإسلام مما يدل على ضآلة علمه وقلة فقهه وحاجته الماسة لمن يدعمه فقهيا.. (6).
فهو قد حرم متعة الحج ومتعة النساء.. (7).
وجعل الثلاث طلقات في مكان واحد طلقة بائنة بينونة كبرى لا تحل بعدها الزوجة حتى تنكح زوجا غيره.. (8).
وشرع لصلاة التراويح جماعة ولا جماعة في نفل.. (9).
وجعل التكبير في صلاة الجنائز أربعا بعد أن كان خمسا.. (10).
وأفتى في المواريث فتاوى تناقض بعضها بعضا.. (11).
وتجسس على الناس بمجرد الظن مخالفا القرآن.. (12).
____________
(5) أنظر الإستيعاب هامش الإصابة ج / 39. والرياض النضرة ج 2 / 194.
(6) أنظر النص والاجتهاد للسيد شرف الدين. ومعالم المدرستين ج 2 للسيد مرتضى العسكري. وانظر لنا فقه الهزيمة فصل الرجل..
(7) أنظر صحيح مسلم والبخاري يتبين لك أن زواج المتعة كان معمولا به على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وشطر من عهد عمر حتى حرمها بقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء..) أنظر سنن البيهقي وكتب التفسير. وانظر كتاب المتعة وأثرها في الاصلاح الاجتماعي بيروت. وانظر كتابنا زواج المتعة حلال.
(8) أنظر صحيح مسلم وسنن البيهقي ومسند أحمد وكتب التفسير ويذكر أن الأزهر وأهل السنة عموما يطبقون رأي عمر هذا ويلتزمون به ويفتون على أساسه اليوم.
(9) كانت صلاة التراويح تصلى مثنى مثنى في البيوت على عهد الرسول وعهد أبي بكر حتى جاء عمر فجمع الناس ليصلونها جماعة وكان يقول: إنها بدعة ونعمت البدعة أنظر البخاري ومسلم كتاب الصلاة.
(10) أنظر تاريخ الخلفاء للسيوطي.
(11) أنظر البيهقي ج 6 / 245 حيث يروي عن عبيدة قوله: إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا.
(12) قصة تجسس عمر على البيوت مشهورة حين تسلق البيت على أصحابه. والله ينهى عن التجسس وانظر سيرة عمر في كتب التاريخ
ورفض أن يورث أحدا من الأعاجم.. (14).
ورجم الحبلى والمضطرة وأقام الحد بغير وجه حق.. (15).
وأسهم في زرع الطبقية بين المسلمين وشاطر العمال أموالهم.. (16).
وغير ذلك من التجاوزات والمخالفات التي لا يتسع المجال لذكرها هنا والتي تؤكد عدم جدارة عمر لأمر الخلافة وأنه أقحم نفسه فيها..
ولقد كان للإمام علي دورا بارزا في التصدي لانحرافات عمر وتجاوزاته للنصوص وأحكامه الجائرة على الرعية وسياسة البطش والإرهاب التي ألقت الرعب في قلوب الناس حتى أن امرأة حاملا أسقطت جنينها خوفا منه حين بعث في طلبها وقد جمع كبار الصحابة ليشيروا عليه في حكم هذا الأمر.. (17).
وعندما منع زواج المتعة هدد الصحابة من المؤمنين بوجوبه والقائلين به وعلى رأسهم ابن عباس الذي لم يجهر برأيه في هذا الزواج إلا بعد وفاته.. (18).
إن التهديد والتخويف علامة بارزة س سياسة عمر وشخصيته من أيام
____________
(13) شهد مجموعة من الصحابة على المغيرة بن شعبة أنه زنى بامرأة محصنة ذات بعل ولم يقم عمر الحد عليه بل أقامه على الشهود بتهمة القذف أنظر ترجمة المغيرة في الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر وأسد الغابة لابن الأثير..
(14) أنظر موطأ مالك ج 2 / 12.
(15) حاول عمر أن يقيم الحد على امرأة اضطرت للزنا ولا إثم على المضطر كما حاول أن يقيم الحد على امرأة حبلى من الزنا وامرأة مجنونة وامرأة حملت من ستة أشهر وقد تدخل الإمام علي ومع إقامة هذه الحدود وأثبت جهل عمر. أنظر كتب السنن. وانظر قصة أخذ الدية بغير حق في الإستيعاب ترجمة أبي خراش الهزلي. وانظر جهله بأحكام الصلاة فتح الباري ج 3 / 69.
(16) قدم عمر البدريين على من سواهم والمهاجرين على الأنصار وأمهات المؤمنين على غيرهن. وكان يقتسم أموال العمال مثل أبو هريرة عامل البحرين. أنظر الأموال لأبي عبيدة وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي وكتب الفقه.
(17) أنظر تاريخ الخلفاء والبيهقي وكتب السنن وترجمة عمر في الإصابة وأسد الغابة والإستيعاب.
(18) قال عمر لا أوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة. يعني الرجم.. تأمل. أنظر القرطبي تفسير سورة النساء قوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) وانظر تفسير الخازن وروح المعاني للآلوسي وتفسير ابن كثير وكتب الفقه.
وعندما هدد الأنصار والرافضين لبيعة أبي بكر في السقيفة..
وإذا كان عمر يمارس الارهاب في حدود الأحكام الفقهية وفي حدود الرعية أفلا يمارسها ضد آل البيت الذين يشكلون خطرا على نفوذه وسلطانه..
ومما يشير إلى موقف عمر العدائي تجاه آل البيت التزامه بسياسة الحصار الاقتصادي التي وضعها مع أبي بكر تجاه فاطمة وعلي وأبنائهما..
يروى أن عثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك دخلوا على عمر. ثم جاء العباس وعلي يختصمان. فقال عمر لهم: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لا نورث ما تركنا صدقة. قالوا: نعم. قال عمر: فلما توفي رسول الله قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله. فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك. ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر: إن رسول الله قال: لا نورث ما تركنا صدقة والله يعلم إنه صادق بار راشد تابع للحق.. (19).
وفي رواية أخرى: جاء العباس وعلي إلى عمر يختصمان. فقال العباس:
أقضي بيني وبين هذا. فقال الناس: أفصل بينهما. أفصل بينهما. قال: لن أفصل بينهما قد علما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لا نورث ما تركنا صدقة.. (20).
والواضح من هاتين الروايتين أن الهدف منهما تشويه صورة الإمام علي والعباس وآل البيت بصورة عامة. فكل من علي والعباس اختصما بسبب المال وتطور الصدام بينهما حتى وصل إلى عمر وشاع أمره بين الناس. وفي هذ طعن
____________
(19) أنظر تاريخ عمر لابن الجوزي والبخاري ومسلم. ويلاحظ هنا أن الخمسة المذكورين في الرواية هم من أنصار الخط القبلي وخصوم الإمام علي والأربعة الأول عثمان والزبير و عبد الرحمن وسعد هم من أصحاب الشورى الذين أضيف إليهم طلحة بأمر عمر واختاروا عثمان بعد مصرعه. ترى هل وجودهم عند عمر كان محض صدفة..؟